صفحات سوريةفايز سارهميشيل كيلو

مقالات تناولت أزمة المعارضة السورية

 

 

 

 

عندما تأمر واشنطن وينفذ الإئتلاف/ د. عوض السليمان

لا أستطيع أن أخفي صدمتي مما فعله الأستاذ هادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني السوري، بالطلب من المجتمع الدولي والولايات المتحدة الإسهام في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وذلك لأسباب عديدة أهمها أن الائتلاف أظهر اليوم أنه لا يستطيع تقديم هذا الطلب إلا بأمر الإدارة الأمريكية. ومع أن كثيراً من المعارضين قد ألمح إلى أن السيد رئيس الائتلاف سيعقد مؤتمراً صحافياً يطالب فيه بذلك تنفيذاً للرغبة الأمريكية، إلا أنني تمنيت ألا يفعل حفاظاً على هيبته، واحتراماً للشعب السوري الذي لا يعرف الخوف وثار على الظلم وواجه بطش الأسد.

نشرت الجزيرة الخبر بهذه الصيغة «علمت الجزيرة من مصادر في المعارضة السورية أن الإدارة الأمريكية طلبت من المعارضة توجيه نداء للمجتمع الدولي للإسهام في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية وضرب مواقعه في سوريا, وإن النداء سيوجهه الائتلاف السوري المعارض وقيادات الجيش الحر من مدينة إسطنبول التركية.»

نتساءل بعد قراءة هذا الخبر، عن المدير الفعلي لسياسة الائتلاف، وعن الجهات التي تصنع مواقفه وقراراته، ونذهب أبعد لنسأل فيما إذا كان الائتلاف يمثل الشعب السوري وثورته، أم يمثل الإدارة الأمريكية والقوى المتصارعة على سوريا.

إنه لأمر أشد من فضيحة، أن نعلم ما سيقوله الأستاذ البحرة قبل أن ينطقه، ممتثلاً لأوامر خارجية، لا لرغبة سورية مرسلة من الداخل، ودون رجوع للفصائل الثورية في الميدان.

بكل حال، ما توقعنا من «رئيسنا» الجديد أفضل مما توقعناه من الجربا، صاحب جنيف، أو من رجل المبادرات معاذ الخطيب، صاحب فكرة الترشح لرئاسة الجمهورية مقابل الأسد، وصاحب فكرة التحاور مع نظام التشبيح من أجل الحصول على جوازات سفر.

كنا نتمنى من هادي البحرة أن يسأل واشنطن عن عدم إدراجها المنظماتِ الشيعية على قوائم الإرهاب حتى اليوم، من الحوثيين إلى عصابات أبي الفضل العباس، ولماذا لم تدرج جيش بشار الأسد على تلك القائمة.

لماذا لم يسأل هادي البحرة البيت الأبيض حول سر منع الأسلحة عن الجيش الحر في الوقت الذي تمكن فيه تنظيم الدولة من السيطرة على مدن عديدة في الشمال السوري.

أريد أن أسأل رئيس الائتلاف، عما فعلته قوى التطرف في القصير ويبرود وريف دمشق، وعرسال، وأريد أن أسأله عن الذبح اليومي الذي تمارسه تلك القوى على أعناق السوريين؟ وبعد ذلك أسأله عن عدم مطالبته بضرب مواقع تلك القوى أيضاً.

في الأيام القليلة الماضية اختطف شبيحة النظام مسافرين سوريين في عرض البحر، ولم نسمع مجرد إدانة من الائتلاف، وأمس تم تفجير عدة مساجد في جنوب سوريا وقت صلاة الجمعة، وفي كل دقيقة تنهمر البراميل المتفجرة على الشعب السوري، فلو أن «البحرة» طلب من أمريكا قصف الإرهابيين كلهم.

يعلم الأستاذ هادي، أن الولايات المتحدة لم تمنع السلاح فحسب عن الجيش الحر، بل ساهمت بمنع الممرات الإنسانية ومناطق حظر الطيران، وسعت لإفقاد الثوار مكاسبهم الميدانية، ويعلم أنها راضية كل الرضا عن الرجل الذي يحمي حدود الكيان الصهيوني، ومع ذلك استجاب «رئيس الثوار» لطلب الخارجية الأمريكية، بل لم يساهم في إعادة صياغته بطريقة تعبر عن كرامة الثورة السورية التي ترفض الخضوع للإملاءات.

ليت الأستاذ البحرة يطلب من أمريكا أن ترفع يدها عن سوريا وشعبها، وعن الائتلاف، بل وعن رئيس الائتلاف نفسه أيضاً.

فرنسا

القدس العربي

 

 

 

هل ستقوم منطقة عازلة في سورية؟/ ميشيل كيلو

في اليوم التالي لسقوطه في الانتخابات التي اختارت مرشح الكتلة الديمقراطية لرئاسة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، أعلم هادي البحرة أعضاء الكتلة بوجود خطة متّفق عليها مع الأميركيين والأتراك والفرنسيين.. إلخ. لإقامة منطقة حظر جوي، أو منطقة عازلة، بعرض عشرين كيلومتراً على امتداد الحدود الشمالية لسورية، وأضاف أن هذه المهمة كانت ستُنجز في الأشهر الستة المقبلة، في تلميح صريح إلى أننا أحبطنا، بعدم ترشيحه للرئاسة، هذا الإنجاز الحاسم بالنسبة لسورية وثورتها.

سألتُ البحرة إن كان التوافق الدولي على منطقة حظر جوي هو التزام دولي تجاهه شخصياً وليس تجاه الائتلاف ومؤسساته، وأن فشله في الترشّح لرئاسة الائتلاف يمنع تنفيذه، فصمت. وعندما أضفت أن هناك استراتيجية مختلفة، كل الاختلاف، يجري تنفيذها على الأرض اليوم، وافق على قولي.

على ماذا تقوم حكاية الحظر الجوي؟ في الظاهر، تقوم الخطة على الرغبة في نقل الائتلاف والحكومة المؤقتة إلى الداخل السوري، فهل هذا هو حقاً السبب الحقيقي لاختلاق هذه القصة؟ وهل يكفي لقيامها فرض حظر جوي على امتداد حدود سورية الشمالية التي تقع بكاملها تقريباً بين أيدي تنظيم داعش وجبهة النصرة؟ ومَن الذي سيمنع النظام من استخدام مدافعه البعيدة المدى، وطائراته، المزوّدة بصواريخ وقنابل روسية ذكية، من قصف مقرات الائتلاف، الشجاع، من مسافات بعيدة عن منطقة الحظر؟ وما هي القوة التي ستحول دون تقدّم قواته البرية إلى منطقته؟ وهل تفاهم الأميركيون والبحرة مع داعش والنصرة على السماح للائتلاف بالعمل ضدهما والقضاء عليهما، انطلاقاً من المنطقة التي يحتلان معظمها؟

إن أي حديث عن منطقة حظر جوي، يعني الحديث عن تدخلٍّ خارجي، واسع المدى، يغطي مطارات وقواعد صواريخ ورادارات النظام، ومعسكرات جيشه ومناطق انتشاره، فهل العالم عامة، وأميركا خاصة، قررا القيام بتدخل كهذا، لطالما أكّدا أنهما لن يقدما عليه تحت أي ظرف، لأن جيش أميركا ومجتمعها لا يريدان حروباً جديدة، بعدما تعبا من الحروب، وليس في نيتهما الانخراط في حربٍ جديدةٍ، لأسبابٍ كثيرةٍ، منها أنهما يعطيان الأولوية في خططهما لمشكلات الداخل الأميركي، الكثيرة والصعبة، كما قال لنا باراك أوباما، بلسانه، خلال استقباله في البيت الأبيض وفد الائتلاف الذي كان البحرة من أعضائه؟

أخيراً، هل يملك البحرة قوات تمكّنه من الانتقال إلى الداخل وتحميه، في حال تمسك الأميركيون بموقفهم، وبقي الأوروبيون على ضعفهم وتردّدهم؟ وهل يجوز بناء خطة وطنية على خيار خارجي صرف، خصوصاً إن كان أميركياً، يدير أزمة سورية، ولا يرى لها حلاً قريباً؟

رسمت أميركا استراتيجية جديدة لدورها السوري، تقوم على تأهيل وتدريب وتسليح وحدات موثوقة سياسياً وأيديولوجياً، تتكفّل زيادة عديدها وعتادها وارتفاع مستواها القتالي وقدراتها القيادية بتغيير موازين القوى على الأرض، لصالح قوة جديدة، تتحدّر ممّا كان يسمى الجيش الحر.

هذه الاستراتيجية، القائمة على تدخل مباشر تخطيطاً وقيادة، وغير مباشر، في ما يتعلق بالمقاتلين الميدانيين الذين سينفذون الاستراتيجية، هي بديل التدخل المباشر الشامل الذي لا بدّ أن يتم بقوى جوية وبرية وبحرية أميركية وأوروبية، من أجل كسر موازين القوى القائمة على الأرض، وتعويض الضعف الذي أصاب الجيش الحر.

هل ستضع واشنطن حداً لتعبها من الحروب، وستتخلى عن استراتيجيةٍ اعتمدتها بنجاح، حتى الآن، رسمت دورها في سورية، تقوم على نصف تدخل، أو على تدخل محدود وعن بُعد؟ وهل ستتدخل بسلاحها الجوي أولاً، ثم بسائر أسلحتها بعد حينٍ، قد يطول أو يقصر، لأن هادي البحرة لا يملك خطةً لإخراج الائتلاف والعمل الوطني من أزماتٍ قاتلة، أوصلته إليها سياسات كان أحد الضالعين فيها؟

لذلك، ابتكر تقسيماً جديداً للعمل بينه وبين العالم، دوره فيه الحديث عن نقل الائتلاف والحكومة إلى الداخل، ودور العالم فرض منطقة حظر جوي، يدخل من خلالها في حربٍ تُبدّل دوره وحساباته وخياراته، تلبية لرغبة شخص اسمه هادي البحرة، يريد الانتقال إلى مكانٍ لا يمون فيه على دجاجة، دخوله إليه يستدعي تدخلات جوية متكررة، لا يضمن أحد أن تنتهي بقيام منطقة الحظر المطلوبة، وبامتناع مَن تستهدفهم عن القيام بردود فعالة على الغارات.

كأن أميركا لا تعرف أن قيام الائتلاف بمهامه، كمؤسسة عمل وطني، ممكن تماماً من خارج منطقةٍ يحتلها أعداء له ولها، وأن الأخطاء الكارثية التي ارتُكبت، خلال العام الماضي، لا تعود إلى موقع الائتلاف الجغرافي، بل إلى خيارات قيادته وممارساتها. أو كأن البيت الابيض سيسارع إلى تلبية ما يُطلب منه، لأنه يجهل كم ستكون صعبة مهمته في تقسيم العمل المقترح من البحرة الذي توكل إليه مهمة سهلة، هي خوض حربٍ قال دوماً إنها لن تغيّر شيئاً على الأرض، ولن تسهم في إيجاد حل، كي يتجنّب البحرة حرج خلوّ جعبته من أية حلولٍ لأية مشكلات سورية. وأخيراً، كأن واشنطن لا تعرف حجم التغيير الهائل الذي سيصيب استراتيجيتها العامة حيال المشرق، وما وراءه من إقليم ودول كبيرة ومتوسطة القوة، في حال قررت إقامة منطقة حظر جوي، ستكون، بالتأكيد، صعبة التطبيق إلى أبعد الحدود، من دون تغيير جدي في مواقف إسرائيل وروسيا وإيران، وفي حال تمسكت بخططها الهادفة إلى تقويض دور الأخيرة على محور طهران/ بيروت، هذا إذا ما صرفنا النظر عن تكاليف منطقة الحظر المالية والبشرية.

ولعلم مَن ادّعى أمام الكتلة الديمقراطية أن هناك توافقاً أميركياً/ أوروبياً/ تركياً/ خليجياً على إقامة المنطقة العازلة، فقد أبلغ الاميركيون وبعض الاوروبيين أكثر من جهة في الائتلاف أن ما سمّوها “خطة البحرة” غير واقعية وغير قابلة للتطبيق، وأكدوا أن ما تضمنته من تشكيل فرق شرطة وقوات أمنية أخرى، لا يتطلّب منطقة عازلة، فالشرطة موجودة، وتعمل في حلب وإدلب ومناطق أخرى، وليس عملها بحاجة إلى تدخل عسكري جوي أو بري، بل إلى أموال وتجهيزات حديثة ووسائط نقل وتدريب.

أما دور البحرة في إقامة المنطقة، فسيكون قريباً من الصفر، ليس فقط لأنه لن يجد في نفسه الجرأة على الدخول إليها، بما أنها محتلة من قوى مقاتلة معادية، بل كذلك لأن بعض هذه القوى قد يتعاون مع النظام ضد العدو المشترك، ليورط الأميركيين في حرب مفتوحة على جميع الاحتمالات، في ظل تقدم إرهاب عابر للحدود، لا يبدو أنه سيستسلم للبحرة، أو لأميركا، بعد أول غارة جوية يتعرّض لها، مع أن لدى الأخيرة خيارات أفضل بكثير من الخيار الذي ستطبّقه إكراماً للبحرة.

عندما أبلغنا البحرة بوجود الاتفاق على إقامة المنطقة العازلة، سئل: إذا كان الكلام صحيحاً، وكانت تركيا موافقة على إقامتها، كما تقول، لماذا انسحب مقاتلو المعارضة من منطقة كسب والكيلومترات العشرة إلى غربها وجنوبها من دون قتال؟ هل ستقوم المنطقة خارج الرقعة التي احتلها هؤلاء، أم أن تركيا ليست على اطلاع على الاتفاق المزعوم، أو لم توافق عليه؟ بانتظار الجواب الذي لم ياتِ آنذاك، من المحتّم القول إن الحكاية وما فيها ستنتهي إلى تحميل العالم المسؤولية عن فشل البحرة في الداخل السوري بالذات: حيث يتطلّب خروجه من حال تراجعيةٍ عصيبةٍ ومكلفةٍ، وضع وتطوير خطط عملية وناجعة ترتّب علاقاته وأوضاعه بطرق تمكّنه من وقف تدهوره، وتحقيق غلبة مناطقية، ثم عامة، على النظام والإرهابيين، تشجع العالم، أو تجبره، على دعمه بكل ما هو ضروري لإسقاط نظامه وانتزاع حريته، بدل التلهّي بخطة هَمَيونية وملتبسة، لا قدرة لدى البحرة والائتلاف، في حاله الراهنة، على تنفيذها، أو جعل من يطالبهم بتحقيقها ينفذونها، كلياً أو جزئياً، تصلح للحكي، وتمضية الوقت، ولا تصلح إطلاقاً لإخراج بلادنا من مأزقها المرعب.

العربي الجديد

 

 

 

 

المعارضة السورية والماراثون السياسي/ عبدالناصر كحلوس

فيما تواصل الثورة السورية مشوارها الشاق في ظل تطورات معقدة دخلتها في عامها الرابع، مع استمرار التخاذل الدولي والصمت العربي على جرائم النظام، وبروز «داعش» وتمددها في الداخل السوري والعراقي، إضافة للتردي الكبير في الوضع الإنساني للسوريين في الداخل وفي دول اللجوء، تستمر المعارضة السورية بمؤسساتها الاغاثية والتنفيذية والسياسية في حالة من العطالة الفعلية تجاه الثورة التي يفترض أنها تمثلها، إذ لم تقدم للسوريين إلا النذر اليسير الذي هو اقل بكثير من طموحاتهم وتطلعاتهم ومطالبهم واحتياجاتهم المتزايدة.

فوحدة تنسيق الدعم «ACU» التي تشكلت في كانون الأول (ديسمبر) 2012 والتي أخذت على عاتقها توحيد جهود الدعم والإغاثة، لم تفلح في إحراز الاستقلالية عن التوجّهات والتجاذبات السياسية، ودخلت في معترك الصراع السياسي في الدوائر الأعلى المتحكمة بتعيين رأس الهرم فيها وتناوب عليها أكثر من سبعة مديرين في سباق ماراثوني محموم خلال عمرها القصير. وهو ما ينعكس سلباً على أداء الوحدة وموظفيها على رغم محاولة بعض المخلصين فيها العمل وفق حسه وضميره الوطني. وهذا فتح الباب أمام صيحات الداخل الجريح، ثم توجيه الاتهامات بالفساد والسرقة والهدر والمطالبة بكشف الحساب، وهو حق لهم على من يدعي تمثيلهم ويقبض باسمهم! وبدوره عرف الائتلاف الذي تأسس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 أربعة رؤساء، وأتيحت لأحمد الجربا فرصة تجديد منصبه، فيما خلا هذا الجسم السياسي من أي جديد أو تجديد لمصلحة الشعب. وبقي الائتلاف أسير تجاذبات الكتل والاصطفافات التي شكلته، ناهيك عن تجاذبات اللاعبين الكبار والذين يشكلون ركناً مهماً في القرار السياسي غير المستقل من دون تحقيق أية مكاسب تذكر للسوريين. فهو لم يستطع أن يقدم الوجه السياسي الحقيقي والحي للثورة بما يتناسب وحجم تضحيات الشعب المحاصر والمنكوب في الداخل.

أما الحكومة الموقتة فبقيت موقتة بكل ما حملته هذه المفردة ولم تستطع تجاوز كونها حكومة سلة غذائية اغاثية طبية بالحد الأدنى، مع الإقرار بوجود الكثير من المعوقات وأولها بقاؤها في تبعية للائتلاف. وعلى رغم وجود شخص كأحمد طعمة ذي السمعة الحسنة على رأسها ووجود بعض المخلصين فيها إلا أن الإخلاص وحده لا يكفي إن لم يترافق مع الخبرة والاستقلالية في القرار. وهو ما غاب عنها لظروف تتعلق أصلاً بتشكيلها وبرسم طبيعة علاقتها بالائتلاف وبوضوح مهماتها واستراتيجيتها واستقلالية تمويلها وديمومته. ولم يفت الحكومة الركب بل نالت نصيبها من الماراثون بشكل أبطأ، وعبر رئيسين، وفي حالة شبه فراغ حالي غير واضح الملامح ربما لأجل غير قريب في انتظار، انتهاء المحاصصات ضمن أروقة الائتلاف، ما قد يعطل عملها الضعيف أصلاً والمحكوم بدعم الداعمين.

وهو مشهد لا يحتمل أي تبرير يصدر عن هذه المؤسسات في ظل جفاف هائل تعانيه كل المناطق السورية من كل الاحتياجات الاغاثية والتنموية والطبية وحتى اللوجستية والعسكرية. وعليه فعلى المعارضة اليوم، وعلى كل المعارضين والثوريين، إعادة النظر في هذه المؤسسات الثلاث الرئيسية والأساسية للثورة، وإصلاحها وتفعيلها وإعادة هيكلتها بعيداً من مبدأ التقاسم والمحاصصة وإعادتها الى دورها الرئيس في خدمة الثورة السورية، سيما أنها حصلت على الاعتراف الدولي والإقليمي، ولأن الوقت لا يسمح بإعادة تشكيل جسم آخر أو مؤسسات أخرى. فوقت السوريين من دم، وذاكرة السوريين لا تمحى.

* كاتب سوري

الحياة

 

مشكلة الخطاب السوري المعارض/ فايز سارة

لا يختلف كثيرون على بؤس الخطاب السوري المعارض بعد نحو ثلاث سنوات ونصف السنة من انطلاقة الثورة السورية، وبخلاف ما كان ينبغي أن يكون عليه الخطاب من جدية ومسؤولية وقدرة على رسم الواقع وتحديد مشكلاته، ووضع الحلول لها، ودفعها على طريق التنفيذ عبر خلق أدوات وآليات تنفيذية، فما زال الخطاب عاجزا عن توصيف الواقع وتحديد المشكلات، وإن تجاوزهما فليست لديه حلول، ولا قدرات تنفيذية، على خلق الأدوات والآليات المطلوبة، الأمر الذي يجعله هامشيا وغير مؤثر، وبعيدا عن مهماته الأساسية.

إن الأهم في صفات الخطاب المعارض أنه خطاب عام، لا يذهب إلى المطالب المحددة، ويركز على الشعارات العامة، بدل أن يركز على المطالب والأهداف ذات المحتوى، وهو خطاب صراعي، يخوض في الصراعات، أكثر من ذهابه إلى التوافق، وتفصيلي، أي أنه يخوض في الجزئيات دون أن ينظر إلى روابطها بالقضايا العامة، وهو ملتبس بحيث تُفهم منه في بعض الأحيان أشياء غير تلك التي يقصدها أصحاب الخطاب، بل إنه في أحيان يتضمن التناقضات بحيث يصير المتلقي عاجزا عن معرفة الهدف من الخطاب.

والخطاب المعارض بمواصفاته السابقة يظهر في الوثائق والبيانات وكذلك في الخطابات، كما في المقالات والمقابلات الإعلامية، وهذا لا يقتصر على خطاب الأشخاص من المعارضين، إنما هو كذلك بالنسبة لخطاب الجماعات والتشكيلات السياسية أحزابا أو تحالفات، لأن من يصوغون الخطاب فيها هم أشخاص من قيادات المعارضة ورموزها.

ويعود السبب الرئيس في واقع خطاب المعارضة إلى أمرين أساسيين؛ أولهما الواقع السياسي الذي فرضه النظام على العمل السياسي في العقود الخمسة الماضية والذي تم فيه تهميش السياسة في مستوى الفكر السياسي الذي صار في مكانة هامشية في الثقافة والمجتمع على السواء، كما تم تغييب الجماعات السياسية بالحظر أو بتدجين الجماعات التي سمح لها بالحضور تحت جناح النظام في بيت طاعته «الجبهة الوطنية التقدمية» التي يقودها حزب البعث الخاضع كلية لأجهزة النظام، كما جرى تغييب أو تهميش الشخصيات السياسية، التي هي منفية أو معتقلة أو مربوطة بصورة أو بأخرى مع النظام وأجهزته.

أما الأمر الثاني في تردي خطاب المعارضة فيعود إلى ظروفها وشروطها. فمن كان له وجود علني فُرض عليه خطاب أساسه هامشي، وهو يتقارب ومتصالح مع خطاب النظام، ومن كان في المعارضة الملاحقة في الداخل أو المنفى غلبت العدائية والمخاصمة والرفض السلبي على خطابه، بل إن ظروف العمل السري جعلت من الصعوبة بمكان أن يتم الاهتمام بالكادر السياسي والإعلامي للتنظيمات السياسية، ولم تكن تتوافر لأغلب الكادرات فرصة الإعداد والتدريب والعيش بالمستويين السياسي والجماهيري بصورة طبيعية، كما أن الخلافات الآيديولوجية والسياسية والتنظيمية بين جماعات وأحزاب المعارضة فرضت أشكالا نمطية من الخطاب الموجه إلى الشعب وإلى الجماعات السياسية وداخل الأخيرة، وأغلب الخطابات كانت تقوم على مديح الذات وتمجيدها وإدانة الآخرين وصولا إلى تخوينهم بما في ذلك رفاق أو إخوة الأمس.

وسط تلك المعطيات والوقائع عاش الخطاب السوري المعارض عقودا متواصلة من السنوات، واستعار ملامح من إرث السنوات العشر الماضية بما حملته من فرص محدودة لخطاب معارض معلن، بدأ مع ربيع دمشق في العشرية الماضية، حيث إن السوريين لم يجدوا كثيرا من كادرات معارضة، تستطيع الظهور على الوسائل الإعلامية لتقدم خطابا واضحا ومفهوما، أو رأيا في الأحداث والتطورات المحيطة، ولا أن تصدر وثائق وأوراقا وبيانات، يعتد بها إلا ما ندر، وحتى تلك النادرة ظلت أسيرة تفسيرات ملتبسة وحافلة بالإشكاليات، التي ما زالت قائمة.

ورغم أن ثورة السوريين العظيمة، بما حملته من قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وفرت فرصة تاريخية لانقلابات في الخطاب المعارض تخلصه من أمراضه وإشكالاته، وتضعه على المسار الصحيح، فإن الواقع كان أقوى، وإرادة قوى المعارضة كانت أضعف في الخروج من نفقها التنظيمي والسياسي، كما أن قوى الثورة التي أخذت تتشكل على عجل وفي أتون الصراع مع النظام وسط عمليات القتل والاعتقال والتهجير للنشطاء والقادة الميدانيين لم تستطع تشكيل بديل لخطاب المعارضة المأزوم والهامشي.

ومما لا شك فيه أن سوء الخطاب المعارض بعموميته لا يمنع من القول إن نفحات صحيحة ومقبولة من الخطاب المعارض ظهرت في العشرية الماضية، على نحو ما ظهر في خطاب تأسيس إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في عام 2005، وفي مؤتمر المعارضة بالقاهرة عام 2012 الذي أقر وثائق القاهرة، وهو واضح في مساعي قوى وتحالفات معارضة، منها الائتلاف الوطني السوري، نحو تطوير خطاب جديد، خطاب جدي ومسؤول، ولديه قدرة على رسم الواقع وتحديد مشكلاته، ووضع الحلول لها، ودفعها على طريق التنفيذ عبر خلق أدوات وآليات تنفيذية، تخرج بالسوريين من الكارثة التي وضعهم فيها نظام الأسد ولا يزال. وليس من حاجة إلى تأكيد أن بؤس وهامشية وكل أمراض الخطاب المعارض ليست قدرا مكتوبا على السوريين وثورتهم ومعارضتهم.

كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف

الشرق الأوسط

 

 

الأساطير الثلاث بين المعارضة ونظام الأسد!/ محمد نمر

غاب إهتمام المجتمع الدولي بالأزمة السورية بعدما انتزعت الأزمة الأوكرانية الأضواء وشغلت غرف الاستراتيجيات والتسويات في أميركا وروسيا، في وقت يواصل فيه النظام السوري صب إجرامه على شعبه من جهة وتستمر الجماعات التكفيرية في تشويه البنية السورية وتغيير مسار الثورة من جهة اخرى.

وفق رؤية نائب المنسق العام لـ”هيئة التنسيق الوطنية” المعارضة هيثم المناع، هناك قسمان من المعارضة السورية، الأول يراهن على الحل العسكري والثاني يعتبره وهماً، ويقول مناع لـ”النهار”: “هيئة التنسيق تعتبر الحل العسكري وهماً أكان من طرف النظام السوري أو المعارضة”، مشدداً على أن “هذا الحل لا يغيّر في المعادلة”.

ومن دون أن يسميه، انتقد مناع عمل “الائتلاف الوطني السوري”، بالقول: “مشكلتنا الأساسية أن أصحاب الخطاب اليومي الداعي إلى تأمين السلاح والمال ذهبوا إلى “جنيف – 2” ومثلوا الحل السياسي، بعد غيابهم عنه لمدة عام ونصف العام وبعد المشاركة في اغتيال السياسة، وعندما فشل اصبح غير قادر على العودة الى الخطاب الأول ولا على بناء خطاب سياسي متقدم يكون قوة فعل سياسي”، معتبراً أنه “من دون تسوية سياسية تاريخية لا تحلّ المشكلة السورية”.

ثلاث أساطير أوجدها كلمن النظام والمعارضة ودعماها في السياسة والإعلام، بحسب المناع، وهي:

“تغيير موازين القوى على الأرض، واعتبار أن من يغيّرها يفرض شروطه ويضغط سياسياً، لكن لا يوجد موازين قوى في وضع سوريا المتشابك، ففي حال سيطر أحد الطرفين على قريتين في القلمون من الممكن أن يخسر ثلاثاً في دير الزور او حلب.

السلاح النوعي: زايد الطرفان في هذا الموضوع، ودعا الطرفان إلى زيادة الدعم بالسلاح والمقاتلين، وبات كل طرف يجذب المقاتلين للقضاء على الآخر أكان من يقاتل الجهاديين أو النظام، إلى أن بات لدينا أكثر من 50 ألف مقاتل غير سوري وبالتالي، تحطمت البنية التحتية، مع نفقات تدمير تجاوزت 350 مليار دولار، إضافة إلى 10 ملايين انسان خارج التغطية الانسانية. وكلما ارتفع حجم السلاح ارتفع معه حجم التشريد والدمار.

“الضحك على الناس”: في كل فترة أخذ أحد الطرفين يعد جمهوره والمجتمع الدولي بانهاء الأزمة خلال شهرين أو في نهاية السنة بناء على المراهنة على دخول سلاح ومقاتلين”.

ويعتبر المناع أن المشكلة تتناسب مع ما جاء في تقرير “الأزمات الدولية، بأن السوريين يفعلون كل شيء إلا السياسة”، مضيفاً: “بغياب السياسة لم نجن من الطرفين سوى التحطيم الممنهج وفوضى الجماعات المقاتلة وعدم ضبط المقاتلين، فالحرس الوطني غير مسيطَر عليه من الجيش السوري ولا من الهيئة العسكرية، “الطرفان كل مين ايدو الو… وكل مجموعة تتحرك حسب ما ترى”.

ماذا عن تسويات تبقي الأسد في الرئاسة وتضم المعارضة إلى السلطة؟ يجيب المناع: “هناك محاولات من اطراف اقليمية ودولية عدة لخلق مسارات موازية لـ”جنيف -2” كون الطرف الدولي منشغلاً في اوكرانيا، لكنه يشدد على أن “كل المحاولات التي حصلت بدائية ولا ترقى إلى مستوى الجدية لا برموزها ولا شموليتها سواء لأطراف الحكومة او المعارضة”.

إذا هل انت مع بقاء الأسد ودخول المعارضة إلى السلطة؟ يجيب: “الموضوع الأساسي أدى الى وقف الاجراءات الاحادية الجانب لأنها تحطم العملية السياسية، فمن يقوم بانتخابات نيابية وحده أو يشكل حكومة “مين ايدي ميدو” أو انتخابات رئاسية يكون عمله “عُلاك” وفارغاً، ويعتبر طعنة في صدر الحل السياسي”.

ويرى أن الحل بـ”اعادة الاعتبار للحل السياسي لأن مصيرنا أصبح “على كفي عفريت”، ولا بد من لقاء تشاوري لاطراف المعارضة واعادة هيكلة البرنامج والتصور وايجاد مجموعة تمثيلية متابعة لمن يمثل الشعب بصدق، لأننا لو سألنا الأخير عن ممثله سيتضح أن ما يمثله الائتلاف هو واحد في المئة فقط “.

النهار

 

 

 

نعم.. لمجلس يقود الثورة السورية/ ميشيل كيلو

لا شك في إيجابية إعلان منظماتٍ مقاتلة في سورية، يقارب عددها العشرين، عن تشكيل “مجلس يقود الثورة”، على الرغم مما شابه من معلومات متناقضة بشأن هوية القائمين به. ومن غير الجائز، على كل حال، النظر إلى خطوةٍ على هذا القدر من الأهمية، انطلاقاً من كلمةٍ، قيلت هنا أو هناك، ولا بد من تقويمها، انطلاقاً من الواقع القائم وبدلالته، وما يمكن أن تحدثه من تأثير إيجابي أو سلبي فيه.

بدايةً، من الأهمية بمكان تخطي التشرذم القائم في الساحة العسكرية، المسؤول مباشرة عمّا نزل بالثورة من تراجع، وشهدته الأصولية الإرهابية من تقدم، والسنة الماضية من نجاح حققه النظام في مناطق حيوية من وطننا، ذلك أنه من المحال أن يهزم نظام لديه جيش موحد، تقوده هيئة مركزية على يد كتائب وألوية تقاتل، غالباً، متفرقة، أو معزولة بعضها عن بعض، وتفتقر إلى قيادةٍ مركزيةٍ، توحد جهودها وتوجه معاركها. وسيجعل هذا الوضع من الصعب جداً أن تنتصر ثورةٌ فشلت في توحيد قدراتها والإفادة منها بطرق تحولها إلى قوة مقاتلة ورادعة في آن معاً، يضع قيامها حدّا لما عاناه الجيش الحر، وبعض الإسلاميين، من ضغوط عرّضته لها قوتان منظمتان تقاتلان للقضاء عليه، هما: جيش النظام من جهة، وداعش وأخواتها من جهة أخرى.

إلى ما تقدم، تأتي الخطوة لسد فراغٍ، غدا مصدر خطر جدّي على الشعب والثورة، يسود اقتناع عميق لدى جهاتٍ عديدة بضرورة التخلص منه، بعد سلسلة هزائم تعرضت لها وحدات مقاتلة تابعة للجيش الحر وجهات إسلامية في مناطق متنوعة، أفضى وقوعها إلى نوع من تقاسم جغرافي/سياسي لبلادنا، يربك الثورة، ويهدد بطي صفحتها، وبتحول الصراع من أجل الحرية إلى اقتتال طائفي/مذهبي، طرفاه النظام وتنظيمات الإرهابيين. ويزيد من أهمية ما أعلن وقوعه في لحظة مفصلية من اتساع، وتشعب هذا الاقتتال، الذي لم تعد الفترة المتاحة لمواجهته مفتوحة، بل صارت تقاس بالأسابيع، وفي بعض الأحيان والأماكن بالأيام، وصار من الضروري والحيوي الخروج منها بالأسلوب الوحيد المجدي: أسلوب توحيد القوى السياسية والعسكرية، وإعادة تنظيمها وتعبئتها، وفق أسس مدروسة تعزز تماسكها، وتمكنها من القتال المتكامل والمستمر كجهة واحدة، بغض النظر عن موقعها الجغرافي، ومكان انتشارها ونشاطها.

والآن، يطرح السؤال التالي نفسه: هل نحن إزاء تجربةٍ أخرى من تجارب التوحيد الفاشلة، التي أسهمت في إحباط السوريين وتهميش الثوريين، ولم توقف تدهور أوضاعهم؟ ليس من المقبول أن نكون أمام تجربة كهذه، لذلك، أخشى أن يكون الفاصل الزمني الطويل بين إعلان المجلس وانتخاب رئيسه تعبيراً عن افتقار المشروع إلى الجدية، ويكون قولهم مفصولاً عن عملهم، أو مرجحاً عليه، فنقع، عندئذٍ، في الخطأ الذي لطالما جعل معظم حلولنا كلامية، بدل أن تكون حلولاً عملية تعبر عن نفسها بالكلمات.

تبعث محاولة توحيد المقاتلين الأمل في نفوسنا، وتجعلها جزءاً من حلمنا الوطني، الذي يحتاج مشاركة الجميع فيه، لكي يضع شعبنا أقدامه، أخيراً، على درب انتصار طال انتظاره.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى