صفحات العالم

مقالات تناولت القمة الاميركية السعودية وتأثيراتها المحتملة على الثورة السورية

أجواء زيارة أوباما إلى السعودية ونتائجها

المركز العربي

جاءت زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى الرياض في الثامن والعشرين من مارس/ آذار الماضي، ولقاؤه العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، بعد أَن شاب العلاقة بين الحليفين التاريخيين بعض التوتر، وعدم الثقة، في السنوات الثلاث الأخيرة.

خلفية أسباب التوتر

نبعت أسباب التوتر بين الطرفين السعودي والأميركي، بالدرجة الأولى، من تآكل ثقة المملكة العربية السعودية، بعد ثورات “الربيع العربي”، بجدوى الاعتماد الكامل على مظلة الحماية العسكرية الأميركية. ولم تخفِ المملكة استياءها من موقف إدارة الرئيس أوباما، عندما تخلت عن حليفها الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، والذي واجه ثورة شعبية عارمة مطلع عام 2011، وعدّت ذلك مؤشرًا على إمكانية تخلي الإدارة الأميركية عن حلفائها المقربين في المنطقة. كما أنها عبّرت، غير مرة، عن استيائها من الموقف الأميركي من الاحتجاجات التي كانت تجري في البحرين، والتي ترى السعودية، وقوى خليجية أخرى، أنها انطلقت بتحريض إيراني واضح للطائفة الشيعية، وتتواصل على إيقاع الموقف الإيراني من مجمل الوضع الإقليمي. وفي المحصلة، تدخلت السعودية، ودول خليجية أخرى، عسكريًا في البحرين في مارس آذار 2011، لتعزيز وضع النظام وقمع أعمال الاحتجاج فيها، متجاوزة عدم الموافقة الأميركية على هذا التحرك.

ثمّ جاء الموقف الأميركي الغامض، والمتردد، حيال دعم الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد؛ وهي الثورة الوحيدة التي دعمتها المملكة، لأسباب متعلقة بالصراع مع إيران، وليس بمطالب الثورة ذاتها. وضاعف موقف أوباما غير المكترث، حتى بمعاناة المدنيين في سورية، الاستياء السعودي، وبخاصة بعد تراجع إدارته عن تهديداتها بتوجيه ضربة عقابية لقوات النظام السوري، الصيف الماضي، بعد خرقه “الخط الأحمر” الذي وضعته واشنطن ضد استخدام السلاح الكيماوي. ووصل التوتر بين الطرفين إلى ذروته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما توصلت مجموعة الدول الخمس، دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا (5+1) إلى اتفاق انتقالي مع إيران، تم بموجبه وضع قيودٍ على برنامجها النووي في مقابل تخفيفٍ طفيفٍ للحصار المفروض عليها، وهو الاتفاق الذي فاجأ السعودية، وبخاصة أنه جاء بعد مفاوضات أميركية – إيرانية سرية، دامت عدة شهور بوساطة عمانية (خليجية) وغيرها، ومن دون أن تُطلع الولايات المتحدة أَقرب حلفائها في المنطقة على تفاصيلها.

وتضاعفت الهواجس السعودية من تراجع الموثوقية في الحليف الأميركي، جراء اكتشافات النفط والغاز الصخري الكبيرة في الولايات المتحدة، والتوجه نحو تقليل الاعتماد الأميركي على النفط المستورد من الخليج نتيجة لذلك. إنّ تحقيق اكتفاء ذاتي نفطي أميركي في المستقبل قد يؤدي، من وجهة نظر صانع القرار السعودي، إلى تراجع الالتزام الأميركي العسكري، والأمني، نحو المنطقة، ما قد يترك الدول الحليفة مكشوفة أمنيًا وإستراتيجيًا أمام النفوذ الإيراني.

وجاءت الأزمة الأوكرانية، وضم روسيا إقليم القرم في مارس آذار الماضي، متحدية بذلك التحذيرات الأميركية -الأوروبية لتعمِّق المخاوف السعودية من أنّ الولايات المتحدة، في ظل إدارة أوباما، إنما تقوم بانسحابٍ مبرمجٍ على الصعيد العالمي، غير مباليةٍ بمصالح حلفائها وهواجسهم الأمنية، ومخلفةً وراءها فراغًا قد تملأه قوى غيرها، وهو ما فعلته، من قبل، عند انسحابها أواخر عام 2011 من العراق؛ إذ تركته نهبًا لنفوذ إيران، الخصم الجيوستراتيجي اللدود للسعودية.

وعلى نحو أبعد من ذلك، تتخوف السعودية من أن تفاجئها الولايات المتحدة، المنكفئة عن المنطقة بفعل الاستنزاف، بالمسلك ذاته الذي اتبعته في أزمة أوكرانيا، على الصعيد الشرق أوسطي، والذي قد يتجسَّد عبر التقاط إيران إشاراتٍ، تنمّ عن أنّ أميركا غير راغبة في تورطٍ عسكري جديدٍ، في حال قررت توسيع نفوذها وتعزيزه في المنطقة، على حساب حلفاء أميركا، ومنهم السعودية التي ترى في تنامي دور إيران تهديدًا وانتقاصًا من نفوذها في المنطقة.

تطمينات وليست تغييرات

جاءت زيارة أوباما إلى الرياض ضمن السياق الذي أشرنا إليه؛ فالولايات المتحدة التي تدرك جميع المعطيات والهواجس السابقة تسعى إلى طمأنة الحليف السعودي بأنّها لا تنوي الإخلال بالتزاماتها نحو المنطقة، وحلفائها، فيها، لكنها -من جهة أخرى -تبدو غير مستعدة لتغيير سياساتها المتبعة في أَيٍ من القضايا محلّ الخلاف مع السعوديين.

وفي مسعى إلى التوفيق بين محاولات طمأنة الحليف مع عدم النزول عند رغباته، اختارت إدارة أوباما أن تحتوي الاستياء السعودي العام من السياسة الأميركية من دون تكلفة، إذ أعلن البيت الأبيض أنّ أوباما لن يتطرق في لقائه العاهل السعودي لموضوعات الحريات الدينية وحقوق الإنسان، ومنها حقوق المرأة في المملكة. وكان المبرر الذي ذُكر في هذا السياق أنّ مدة اللقاء بين الزعيمين (ساعتان) غير كافية لطرح جميع الملفات ذات الاهتمام المشترك، وأنّ الهدف الأكبر من الزيارة كان مناقشة القضايا الأمنية، الأكثر إلحاحًا في المنطقة، بما في ذلك المفاوضات النووية مع إيران و”الحرب الأهلية” في سورية. وعلى الرغم من أنه لم يرشَح الكثير من المعلومات، أميركيًا، عن تفاصيل اجتماع الرئيس أوباما مع الملك عبد الله، فقد تطرق اللقاء إلى بحث الوضع في مصر أيضًا.

إيران

وفق تصريحاتٍ لمسؤولين في البيت الأبيض، فإنّ أوباما سعى في زيارته للتأكيد على أهمية العلاقات الأميركية –السعودية، وبأنّ الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، كما أنها لن تغض الطرف عن نشاطات إيران الأخرى في المنطقة، والتي تزعزع الاستقرار فيها. وحسب هؤلاء المسؤولين، فإنّ المفاوضات النووية الجارية مع إيران لا تشمل نشاطاتها الأخرى في المنطقة، والتي تتوجس السعودية منها؛ بمعنى أنها لن تُدرَج ضمن أي صفقة أميركية -إيرانية محتملة، على حساب السعودية. كما أعاد الرئيس الأميركي التأكيد على أنّ الولايات المتحدة لن تنسحب من منطقة الشرق الأوسط، ولن تترك فيها فراغًا تملأه قوى أخرى، مثل إيران، بما يشكل تهديدًا للحلفاء الأميركيين. مع ذلك، بقي أوباما مصرًّا على الاستمرار في نهج التفاوض، والانفتاح الذي اعتمده مع الإدارة الإيرانية الجديدة التي يقودها الرئيس حسن روحاني، وهو خلاف ما ترغب فيه السعودية، المتوجسة من عدم انعكاس خطاب إيران التصالحي أفعالًا على الأرض.

سورية

وفي ما يتعلق بسورية، كانت لافتةً تصريحات نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، بنجامين رودس، والذي رافق أوباما في زيارته، أنّ إدارة أوباما تفكِّر في توسيع برنامج سري، وضعته لمساعدة قوات المعارضة السورية “المعتدلة”، وتعزيز موقفهم ضد قوات الأسد، والتيارات الجهادية المتحالفة مع القاعدة، في آن معًا. وأشار في تصريحاته تلك، قبل مغادرة الوفد الأميركي للرياض، إلى أنّ الولايات المتحدة عزّزت التنسيق والعمل مع السعودية في الأشهر الماضية في السياق السوري، وقال مسؤولون آخرون إنّ الدولتين متفقتان على ضرورة حدوث انتقال سياسي في سورية، ودعم معارضي الأسد “المعتدلين”.

وفهمت هذه التصريحات حول هذا البرنامج على أنها محاولة أميركية لاسترضاء السعوديين، المستائين من التردد الأميركي في سورية، ورفض إدارة أوباما، حتى الآن، السماح للسعودية بتزويد مقاتلين “معتدلين” من المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات، على الرغم من أنّ المملكة قدمت خطةً معززةً بضماناتٍ، تؤكد فيها أنّ هذه الصواريخ لن تقع بالأيدي الخطأ، وحتى، في حال حدوث ذلك، ثمة ضمانات أخرى، كفيلة بتعطيلها إلكترونيًا، والسيطرة على فاعليتها وحركتها عن بُعد. وحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية في 27 مارس/آذار؛ أي قبل يومٍ من زيارة أوباما للسعودية، فإنّ تفاصيل هذا البرنامج السري، والذي لا يزال قيد النقاش ولم يحسم بعد، تتضمن تدريب مزيدٍ من قوات المعارضة السورية في معسكرات في الأردن وشمال السعودية وقطر. ويناقش البرنامج، أيضاً، إمكانية دعم المجالس المحلية، والشرطة المدنية التي تديرها المعارضة في المناطق المحررة في سورية، فضلًا عن إمكانية فرض ممرات آمنة، لإيصال المساعدات إلى تلك المناطق. ويهدف البرنامج، في المحصلة إلى إيصال رسالةٍ إلى نظام الأسد بأنّ الحل العسكري غير ممكن في سورية، وبخاصة في ظل تقدم قواته على الأرض مؤخرًا.

غير أنّ نقطة الخلاف المركزية بين الولايات المتحدة والسعودية تبقى بشأن تزويد قوات المعارضة السورية “المعتدلة” بصواريخ مضادة للطيران، من أجل تغيير المعادلة العسكرية التي فرضها تقدم النظام عبر تفوقه الجوي؛ وهي نقطة ما زالت واشنطن تبدي هواجس وشكوكًا كثيرة بشأنها. وكان الرئيس أوباما قد استبق زيارته إلى السعودية بالتقليل من إمكانية حدوث تغيير كبير في موقف إدارته من الأزمة السورية، عندما رفض، في مقابلة مع شبكة “سي .بي .إس” التلفزيونية، فرضية أنّ بلاده كان بإمكانها منع الأزمة الإنسانية في سورية، فقد قال “أعتقد أنها فكرة خاطئة القول إننا كنا، بشكل ما، في وضع يتيح لنا منع حدوث المعاناة التي نشهدها في سورية، من خلال بضع ضربات منتقاة”. وعبّر عن تقديراتٍ تشير إلى قلة الحيلة، أو عدم الاكتراث تجاه القضية، بقوله إنّ الصراع في سورية قد يستمر “عقدًا آخر ربما”؛ وذلك ليبرر رفضه التدخل عسكريًا.

مصر

بشأن مصر، سعى الأميركيون، في الزيارة، إلى التأكيد على اهتمامهم بتحقيق الاستقرار فيها، وتضييق هوة الخلافات التي نشأت مع السعودية منذ إطاحة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتعمَّقت بسبب الموقف من الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو تموز 2013.

فعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة لم تعدّ عزل الرئيس محمد مرسي، في الصيف الماضي، على يد الجيش المصري، بوصفه انقلابًا عسكريًا، حتى لا تضطر إلى قطع المعونات العسكرية عن مصر، حسب القوانين الأميركية -مع أنها أجلت بعضها -فإنها عبرت عن عدم رضاها عن أسلوب الجيش في معالجة الأوضاع، بعد عزل مرسي، وبخاصة التعامل العنيف مع رافضي الانقلاب.

أثارت هذه المواقف حفيظة السعودية التي قدمت، مع الإمارات العربية المتحدة، مساعداتٍ ماليةً كبيرةً لتمويل حكومة الانقلاب وإسنادها، وصولًا إلى دعم ترشّح المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق وقائد الانقلاب، للرئاسة. ويبدو أنّ شقّة الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية أخذت تتضاءل في السياق المصري، وبخاصة مع قبول الولايات المتحدة ضمنيًا ترشّح السيسي “المدني”، بعد استقالته من وزارة الدفاع. وتكتفي الولايات المتحدة، الآن، بمطالبة القاهرة بالالتزام بـ “خارطة طريق تستوعب كل مكونات المجتمع المصري”.

خلاصة

يبدو واضحًا أنّ الخلاف الأميركي -السعودي يتمحور، في جوهره، حول قلق الرياض من الانطباع السائد الذي يشير إلى انكفاء أميركي، وانسحابٍ من ساحات دولية عديدة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط. وهو قلقٌ يساور حلفاء آخرين للولايات المتحدة. وبناءً عليه، تشعر السعودية بالقلق من أن تكون المساعي الأميركية للوصول إلى اتفاق مع إيران على حسابها، وترى في التردد الأميركي في سورية دليل ضعفٍ، يثير شكوكاً كثيرة حول مدى التزام واشنطن بأمن حلفائها، وإمكانية اعتمادهم على القوة الأميركية الرادعة. وعزّزت هذه الشكوك “مسارعة” إدارة أوباما إلى التخلي عن حلفائها خلال ثورات “الربيع العربي”.

حاول الرئيس أوباما أَن يبدّد هذه المخاوف خلال زيارته إلى السعودية، كما حاول تأكيد التزام بلاده أمن منطقة الخليج، وعدم السماح لإيران بالهيمنة عليها. لكنه لم يبدِ -في الوقت نفسه -أي مؤشراتٍ بشأن استعداده لتبني سياسات مختلفة إزاء إيران، أو حلفائها، خاصة في سورية، كما استمر في اعتبار حكومة نوري المالكي –على الرغم من سياساتها الطائفية، وتهميشها جزءًا كبيرًا من مكونات الشعب العراقي بسنته وشيعته وأكراده –حليفًا في الحرب على الإرهاب. ويشير هذا السياق إلى أنّ الطرفين الأميركي والسعودي مضطران إلى التعايش مع خلافاتهما، في إطار العلاقة التحالفية التي تجمعهما، ما يجعل السعودية، في وضعها الحالي، تحتاج، فعلًا، إلى تطمينات، لكنها تطمينات ليس في وسع أي رئيس أميركي، أو غير أميركي، أن يمنحها، بل يجب أن تنبع من حركة الشعوب العربية ذاتها، في مرحلة عاصفة حبلى بالأحداث

انتظروا جواب كيري فجاءهم من لافروف هل تحب موسكو فدرلة أوكرانيا على سوريا؟/ روزانا بومنصف

غادر الرئيس الاميركي باراك اوباما الرياض السبت الماضي بما تردد انه وعد قطعه للملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز بدرس امكان تزويد المعارضة السورية مضادات ارضية للهليكوبترات التي تقصف المواطنين بالبراميل المتفجرة، ولو ان بعض تصريحات المسؤولين المرافقين رجحت كفة السلبية على اي ايجابية محتملة على هذا الصعيد . لكن بدا ان ثمة ترقباً من المتابعين المعنيين لصحة هذا الكلام وما اذا كان يمكن ترجمته نسبياً بصيغ بديلة وتالياً والأهم ما اذا كان الرئيس الاميركي سيراجع طريقة او طبيعة مساعدات بلاده الى المعارضة السورية ومتى وكيف ليفاجأوا بعد اقل من 48 ساعة على هذا الكلام الذي لم تسنح الفرصة للتأكد من صحته، بما اعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في باريس على اثر لقائه نظيره الاميركي جون كيري الذي قطع رحلة عودته الى بلاده من الرياض لعقد هذا اللقاء بأن “لا مضادات اميركية للمعارضة السورية “. وعقب لافروف على ما نقله عن كيري بأن هذه الخطوة تتفق تماماً مع الاتفاقات الاميركية الروسية على “حظر تصدير انظمة الدفاع الجوي الى اي نقطة ساخنة”، على حد قوله: فيما انه لم يصدر اي نفي من وزير الخارجية الاميركي علماً ان احداً من المسؤولين الاميركيين لم يكن جازماً في موضوع اعطاء المعارضة مضادات ارضية. وبدا لافتاً بالنسبة الى المتابعين المعنيين ما اعلنه لافروف في الوقت الذي سرى اعتقاد بناء على استعجال رئيس الديبلوماسية الروسية لقاء نظيره وما اعلن من اسباب لهذا اللقاء ان هناك ضرورة تتعلق بالوضع في اوكرانيا باعتبار ان ثمة حشوداً عسكرية روسية كانت توحي بامكان وجود نية في عبور الحدود الى اوكرانيا. وقيل ان لافروف عرض اقتراحاً بفدرلة اوكرانيا في ظل التلويح بالحشود على الحدود معها، وفيما كانت الانظار تتجه نحو ما يمكن ان يصدر من مواقف على الأثر، خرج لافروف بالكلام على رفض اميركي تزويد المعارضة السورية مضادات اميركية، ما ترك انطباعات بان ثمة ما تمّ تبادله في اطار سياسة المصالح والاخذ والعطاء في الشأنين السوري والاوكراني ما لبث ان اتبع بكلام عن بدء روسيا تخفيف الحشود العسكرية عن الحدود الاوكرانية، ولو من دون التوصل الى حل لازمة اوكرانيا.

وبدا واضحاً ان روسيا التفت سريعاً على نتائج زيارة الرئيس الاميركي الى المملكة السعودية وعلى اي تفاهم محتمل حول دعم المعارضة السورية علماً ان الرئيس الروسي اتصل بنظيره الاميركي في السعودية لمناقشة أزمة اوكرانيا كما قيل، او انها توجه رسالة على ان المصالح المشتركة الروسية الاميركية تعلو سائر المصالح الأخرى. في حين ان الموقف الاميركي يثير التساؤلات في ضوء ما اعلنه لافروف نفسه عن وجود اتفاقات روسية اميركية تحظر تصدير انظمة دفاع جوي الى اي نقطة ساخنة حول ما اذا كانت روسيا تلتزم هذه الاتفاقات في اطار مساعدتها النظام السوري بالاسلحة التي تمكنه من الاستمرار في الحرب للسنة الرابعة على التوالي، واذا كانت ثمة مساءلة اميركية لها في اطار المساعدات التي تقدمها للنظام خصوصاً ان روسيا وقفت سابقاً بقوة ضد كل مساعي تزويد المعارضة الاسلحة الفاعلة في حين لم تلتزم بالمقابل وقف ضخ الاسلحة للنظام. وبالنسبة الى هؤلاء المتابعين يشكل هذا الموقف اعلاناً غير مباشر عن عدم توافق اميركي سعودي حول الروزنامة السورية، في انتظار ما يمكن ان يخرق هذا الانطباع بنتائج ملموسة في الموضوع السوري والتي لا تبدو مؤكدة، نظراً الى انطباعات يعود بها زوار العاصمة الاميركية من تسليم طويل الأمد بالوضع في سوريا من خلال كلام صريح وعلني عن امكان استمرار الحرب لسنوات. وبغض النظر عن امكان ان يشكّل الاستنزاف السوري استنزافاً لكل القوى المنخرطة فيها، ان من تلك الداعمة للنظام او الأخرى الداعمة للمعارضة ووجود رهانات اميركية واسرائيلية على انهاك الجميع في هذه الحرب، فان المتابعين المعنيين قرأوا في معركة كسب في منطقة سيطرة النظام مؤشرات الى امكان اعطاء الضوء الأخضر لاختراق مناطقه بمساعدة تركية او سواها حين تقتضي الضرورة في حين ان لا ضوء أخضر فعلياً اعطي على هذا الصعيد وقد لا يتعدى هذا الاختراق أكثر من رسالة محددة بحيث تبقى الأمور متوازنة الى حد بعيد.

ومع ما بدا من انهيار للمحادثات التي تجريها الديبلوماسية على خط السلطة الفلسطينية واسرائيل، وان لم يكن مقيضاً لها النجاح من حيث المبدأ في ظل شكوك كبيرة تحوط بها ، تبدو الادارة الاميركية عاجزة عن اثبات عدم تراجعها عن ايلاء المسائل الحرجة في المنطقة الأولوية اللازمة.

ثمة تساؤلات اثارها من جهة أخرى اقتراح روسيا نظاماً فدرالياً لاوكرانيا من جهتين على الأقل، تتمثل الأولى بالاتجاه الى حصر وضع أطر الحلول بين الولايات المتحدة وروسيا كما كان الأمر سابقا مع الاتحاد السوفياتي على ان يضم المعنيون الباقون الى هذه الحلول لاحقاً. فيما تثير المسألة الثانية تساؤلات اذا كان يمكن ان تسحب روسيا اقتراحها حول فدرلة اوكرانيا على سوريا في مرحلة لاحقة في حال استطاعت ان تفرض أمراً واقعاً مماثلاً على الدول الغربية حول اوكرانيا وفي ضوء الفرز الذي احدثه النظام على الأرض لجهة المناطق التي يمكن ان تكون تحت سيطرته نظراً الى ما يغدو صعباً أكثر فأكثر في اعادة اللحمة من جديد بين السوريين أو حمل النظام على التنازل من أجل حماية وحدة سوريا وانقاذ ما تبقى من هذه الوحدة.

النهار

الصورة العربية من دون تجميل مفتعل/ سليمان تقي الدين

زيارة الرئيس الأميركي الهادئة إلى المملكة العربية السعودية حدث خضع لتفسيرات مختلفة. الاشتباه الأصلي يكمن في النظرة إلى العلاقات العربية الأميركية، والقراءة غير الموضوعية لواقع المنطقة منذ مطلع الألفية الثالثة وانهيار آخر ركائز المشروع العربي، مصر، العراق وسوريا.

باستثناء إيران، تحولت المنطقة إلى “شرق أوسط جديد” في دائرة نفوذ أميركا والغرب سياسياً واقتصادياً وإلى حد بعيد عسكرياً. من دول مجلس التعاون الخليجي إلى العراق واليمن ثم الجزائر والسودان وليبيا، كلها شبكة واحدة لمنظومة الأمن الأميركي الغربي بالتكامل مع مصر وباكستان وتركيا وإثيوبيا وإسرائيل. عملياً لم يكن هناك قوة دولية في مواجهة هذا التحول، ولم يكن هناك محور عربي أو معسكر متعاون على مقاومة هذا الاجتياح.

إسقاط العراق بالاحتلال كان بمشاركة عربية شبه إجماعية. هل لعربي عاقل أن يعلن أو يبرهن عن تحرير العراق من ماذا وبواسطة من؟ حين جاء دور سوريا في هذا المسار “الجيوسياسي” تحولت إلى “أرض نصرة” للنفوذ الإيراني والروسي ولم تأخذ معركتها بُعداً عربياً.

هذه وقائع لا يجوز طمسها أو تجاهلها تحت لافتة “الممانعة والمقاومة”. صحيح هي ممانعة ومقاومة لوضع يد أميركا والغرب على سوريا كما هي حال الآخرين، لكنها فعلياً لا تؤدي إلى تأسيس مقاومة عربية، ولا حتى تحسين شروط العرب في النظام الإقليمي الذي يتكوّن من جديد. ربما كنا حالمين واهمين حين تمنينا أن تنضم سوريا إلى ركاب الثورات العربية بتجديد نفسها ونظامها، وتجمع بين “الممانعة” والتغيير لخلق ظروف نهوض عربي. ربما أيضاً كان المشهد العربي غير ما هو عليه الآن، وكانت تضحيات شعب سوريا الهائلة ركيزة في مواجهة “الرجعيات العربية”، أو “العربان” أو “الأعراق” كما في لغة الإعلام الرسمي السوري. تعكس هذه اللغة حالة من القطيعة بين سوريا و”العرب”، ليس الأنظمة فقط بل عموم “المزاج العربي”، خاصة إسلامه السياسي. لهذه المعطيات أصيب حلفاء أميركا التقليديون بالمرارة والخيبة من عدم حسمها للأمور في سوريا، وأصيب خصومها بالزهو والانشراح لما يعتقدونه انكفاءً وحتى هزيمة أميركية، إلى درجة مثيرة للعجب حين يباركون التعاون الأميركي الإيراني، أو يهلّلون للاصطفاف في جبهة واحدة في المعركة الدولية المزعومة ضد “الإرهاب”.

ولا نجد أثراً لهذه “الهزيمة الأميركية الغربية” حيث تشظّت الكيانات العربية وأصبحت نهباً لحركات التفتيت الطائفي والمذهبي ولثقافة الظلامية. ولا نجد هوية عربية ولا مرجعية دولية مهتمة أصلاً بالتضامن مع الحقوق العربية. ولا نجد في المنطقة كلها قوى قادرة على تأسيس “شرق أوسط” بهوية مناقضة للمصالح الغربية. فلا يعدو الدور الإيراني الفاعل والمهم حدود استخلاص مواقع نفوذ في الجسم العربي ومن الحصة العربية لا الغربية. طريق التدمير الذاتي الذي اختارته سوريا واختاره العرب في سوريا وما زالوا من خلاله يصرّون على الاستقواء بأميركا أو بغيرها لتحقيق نفوذ سياسي وما ينطوي عليه من “كيد وانتقام”، هو الصورة الفعلية لا الرغبات والتمنيات الأخرى. نحن العرب دولاً وشعوباً في وضع بائس الآن لا تفيد معه أية محاولات للتجميل، ولبعض التلوينات الإيديولوجية. ولا يمكن لأي طرف ينخرط في هذه “المعمعة” أو هذا “العراك” أن يساهم في تغيير المعادلات والتوازنات إلا إذا توافرت له وفيه مقوّمات تضعه خارج “لعبة الأمم” أو خارج “قواعد اللعبة” التي ترسمها القوى الكبرى الدولية والإقليمية.

إذا كان المقصود من أي فعل سياسي إضافة كمية في مصلحة هذه الجهة أو تلك، فهذا أمر حاصل لا شك فيه. أما إذا كان الهدف أو الرغبة في بناء خيار عربي توحيدي استقلالي تنموي تطويري لمصلحة شعوب المنطقة، فالأمر الحاصل هو خارج هذا السياق تماماً.

هذه فوضى كيانية عربية من بعض مظاهرها الحروب المذهبية، ومن بعض مخاطرها تفكيك الكيانات الوطنية، ومن بعض تداعياتها تنحية التحدي الإسرائيلي عن جدول أعمال العرب، وتشويه وتخريب مشروع التغيير الديموقراطي واحتواؤه في دائرة “الرجعيات العربية” قديمها الرسمي وقواها “الشعبوية المستحدثة”، تحت عناوين الإسلام السياسي بمنوّعاته وفروعه المتعددة.

قد لا تكون هذه القراءة “مطابقة للواقع” أو غير شاملة لتعقيداته، أو قاصرة عن الإحاطة بكل معطياته، لكنها على الأقل تظهّر المشكلات التي يغفلها “الخطاب التأويلي” أو “التحويلي” لهذه المشكلات. فهل نفتح حواراً في أوضاع وقائعها الدم المهدور في الشوارع والتهجير الذي يجرف ملايين البشر والتدمير الذي يستهدف كل العمران المدني والبشري؟

السفير

ظل طهران يلاحق أوباما إلى الرياض/ علي هاشم

يعلم الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه خلال زيارته إلى السعودية، سيسمع الكثير الكثير عن الحرب الباردة الساخنة التي تدور رحاها في المنطقة. حرب محاور وطوائف وصراع إرادات أخذ منحى الوجودية لدى البعض وتخطى السياسة إلى المقدس لدى البعض الآخر، ليصبح شكل الشرق الأوسط الجديد مرهوناً بنتائج مواجهات تتخطى السياسة والأمن والعسكر كي تطأ جبهات أخرى لم تكن قبل برهة من الزمن قد خطرت في بال.

شبيه جداً وضع السعودية اليوم بوضع حليفتها الكبرى الولايات المتحدة، التي تعيش بدورها إرهاصات حرب باردة عالمية مسرحها الكرة الأرضية، وأميركا هنا حالها كحال السعودية متفاجئة بالطرف الآخر غير المنكفئ والمستعد للذهاب حتى النهاية في دفاعه عن ما يشخصه أمناً قومياً أو مصلحة إستراتيجية.

والمثير للاهتمام هنا أن خصوم واشنطن والرياض هم حلفاء، أي أن امتداد الصراع الدولي تحت مظلات دولية إلى المنطقة أمر غير مستبعد، ولما لا والتربة هنا خصبة والتحالفات جاهزة والجميع جاهز على الزناد.

سيسمع أوباما في السعودية عن العلاقة المتوترة مع إيران، ربما يسمع عتباً سعودياً على الانفتاح على طهران والمكاسب غير المبررة من وجهة نظر الرياض، وعن الصراع المفتوح من مضيق هرمز إلى باب المندب وقناة السويس، ومن الخليج إلى البحر المتوسط وما بينهما، سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن وغيرها إن وجد. سيسمع أوباما عن التسويات المفترضة والمحاور المصنوعة من أضداد، وماذا بعد؟

يعلم السعودي أن الأميركي لن يكون في أي وقت قريب حليفاً لإيران، وأن طهران كما أنها على جاهزية لفتح صفحات جديدة، إلا أنها في ذات الوقت حذرة وغير مطمئنة، وأنها تحسب ألف حساب لكل خطوة تجاه الغرب، وإن كانت لا تمانع في تحسن العلاقة وتطورها بما لا يؤثر على الجمهورية الإسلامية وثورتها وأسسها.

لكن مع ذلك تبقى الرياض متحسبة لأي خرق على هذه الجبهة كونها ترى في علاقتها مع واشنطن ضماناً إستراتيجياً لبقاء نظامها في ظل العواصف التي تضرب الإقليم والاختلافات ضمن العائلة الواحدة والتي يراهن عليها خصوم المملكة لهزها من الداخل في حال حدوث شغور في موقع الملك أو ولاية العهد.

قبل أسبوعين، عندما استدعت السعودية والبحرين والإمارات سفراءها من قطر، علق أحد السياسيين العرب من الذين كانوا ينشطون على خط الدوحة – طهران بالقول إنه “على إيران أن تشكر السعودية”، فهي أمنت لطهران نواة تحالف يمتد في عمق الحديقة الخلفية للرياض، الأمر الذي سيعطيها أوراقا إضافية عند نضوج التسويات.

نعود إلى طهران والرياض وما يجمعهما على قلته وما يفرقهما على كثرته. فكلا البلدين يعترف بحاجته للآخر، وأن شرقاً أوسط باتفاقهما سيكون مختلفاً عنه في ظل استمرار خلافاتهما.

فالحل في اليمن ممكن وكذلك العراق والبحرين على نسق التسوية الأخيرة في لبنان، التي أنتجت بالرغم من كل التناقضات حكومة الأفضل الإمكان. هكذا تسويات قد تمهد الطريق للتسوية الكبرى في سوريا، والتي حتى اللحظة تبدو بعيدة، بل في نظر بعض المتشائمين، مستحيلة.

إذاً، ستلاحق إيران باراك أوباما إلى الرياض ليسمع هنا المزيد، وهو بطبيعة الحال سيضع أمامه مصلحة الولايات المتحدة ويعمل على أساسها. واليوم تبدو المصلحة الأميركية جانحة نحو الهدنة مع طهران، فهل تصدق توقعات أحد الظرفاء ويطلق الرئيس الأميركي وساطة بين السعودية وإيران؟

الأخبار

كيف ينظر رئيس أميركي إلى ملك سعودي؟/ جعفر البكلي

«إنه قادم… ولكنني أسأل نفسي: هل سيأتي معه بالحريم؟!».

هذه العبارة، كتبها الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور في دفتر يومياته، مساء الاثنين 28 كانون الثاني 1957، في إشارة إلى الملك سعود بن عبد العزيز، أوّل عاهل سعودي سيزور الولايات المتحدة زيارة رسمية، بعد يومين… أي في الثلاثين من كانون الثاني من ذلك العام.

وهذه العبارة، (وكل الفقرات التي سيستشهد بها هذا المقال) مدوّنة في الجزء الرابع من يوميات الرئيس ايزنهاور، ضمن ملف الشرق الأوسط. وهذا الملف محفوظ الآن ضمن مجموعة أوراق ايزنهاور الخاصّة، في المكتبة الرئاسية للمتحف الذي يحمل اسمه، في بلدة آبيلين، في ولاية كانساس.

■ ■ ■

في الغد، الثلاثاء 29 كانون الثاني1957، كتب ايزنهاور في دفتر يومياته الفقرة التالية: «اتصل بي فوستر تلفونياً (جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأميركي، في الخمسينيات) وأعلمني أنّ سعود يصرّ أن أكون أنا شخصياً من يستقبله في المطار! هذا الأمر مستحيل، ومخالفٌ للبروتوكول! لقد جرت التقاليد أن أستقبل كبار الزوار الرسميين عند مدخل البيت الأبيض. وإذا استثنينا سعود، فستصبح هذه السابقة سُنة يطالب بها كل ملك يزور أميركا!».

وفي مساء 29 كانون الثاني 1957، أضاف الرئيس في دفتر اليوميات، الفقرة التالية: «فوستر ما زال يلحّ عليّ لكي أستقبله في المطار. يقول لي: إن لم تفعل، فقد يعدل عن المجيء… لأنّ هؤلاء القوم حسّاسون ومهووسون بالمظاهر!.

ماذا عليّ أن أفعل؟! لم يعد من مفرّ سوى أن أذهب إليه!». (1)

النفاق والعناق

في ظهر يوم 30 كانون الثاني 1957، وصلت إلى مطار واشنطن ثلاث طائرات تحمل مئات من أفراد الحاشية الملكية: أمراء، وزراء، نسوة، مرافقون، صحافيون، مترجمون، أطفال، خدم، حشم، عبيد… ثمّ وصل الرئيس ايزنهاور إلى القاعة الشرفية في المطار. وأخيراً، وصلت الطائرة «كولمبيان» الخاصّة برئيس الولايات المتحدة الأميركية، والتي تُقلّ على متنها ملك السعودية، الآتي من نيويورك إلى واشنطن. ولدى وصوله، أطلقت المدافع 21 طلقة ترحيباً بالزائر المهم، الذي هبط من مدرج الطائرة ليجد الرئيس ايزنهاور بنفسه يستقبله… كاسراً بذلك كل أعراف البروتوكول الأميركي!

وحينما تقدّم الرئيس من ضيفه ليصافحه، ويقول له: «نرحّب بكم في الولايات المتحدة»، فوجئ بالملك السعودي، وقد تعلّق برقبته، وأخذ يضغط بساعديه على كتفيه، ويشبعه بالقبلات! كان مشهد العناق والقبلات الذكورية جديداً على ايزنهاور. وحتى يتملّص الرئيس الأميركي من أحضان العاهل العربي، مدّ جسمه إلى خادم سعودي نزل من وراء الملك. كان ذلك الخادم يحمل بين يديه الأمير مشهور بن الملك سعود البالغ من العمر ستة أعوام، والذي يعاني مرضَ شلل الأطفال. فلمّا رأى ايزنهاور الأمير الصغير المشلول، حاول أن يتقدّم منه ليربّت على رأسه (أو لعلّه أراد أن ينجو من ورطة أحضان أبيه!)، ثمّ التفت الرئيس إلى المليك، وتفرّس في العقال الذي يزيّن به رأسه، وقال له: «جلالة الملك، هل هذا هو تاجك؟!». وابتسم سعود بعد أن استمع إلى الترجمان، ثمّ قال لايزنهاور: «لا! حِنا ما نزيّن روسنا بتوجان… حِنا نزيّن روسنا بشعبنا!».

لقد كان عبد الله

يعتقد أنّ بإمكان بوش أن يزعق في أذن الخنزير شارون

كانت الإدارة الأميركية قد أعدّت للملك العربي مراسم حافلة. فعلى جانبي الطريق من المطار إلى قصر الضيافة في «بلير هاوس»، رُفعت مئات الأعلام السعودية، وحرص المنظمون على أن يمرّ الموكب الملكي فوق جسر واشنطن التاريخي، ثمّ أن يدور حول نصب أبراهام لنكولن التذكاري. وأثناء مسار الموكب الملكي المكوّن من عشرات سيارات المراسم الفخمة، كان يمرّ من تحت أقواس نصر أعدّت خصّيصاً للمناسبة، وزيّنت باللونين الأخضر والأبيض… وكانت الموسيقى تعزف كامل الوقت، فلقد حشدت السلطات الأميركية 14 فرقة موسيقية على طول الطريق، لتحيّي الملك أينما يصل ركبه. وحول الموكب الضخم حشدت السلطات ألوفاً من الأميركيين ليشاهدهم الملك السعودي وهم يرحّبون به، ويرفعون لجلالته أعلام «لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله»! وأعلن المفوّضون في مقاطعة واشنطن، أن يوم الأربعاء 30 كانون الثاني1957 تقرّر رسمياً أن يطلق عليه اسم «يوم الملك سعود»، وعلى هذا الأساس، فقد قدّم روبرت ماكولان رئيس مجلس المفوضين في واشنطن للملك مفتاحاً رمزياً للعاصمة الأميركية (2). وفي مساء 30 كانون الثاني 1957 أقام الرئيس ايزنهاور مأدبة حافلة في البيت الأبيض، على شرف الملك السعودي، حضرها كبار المسؤولين الأميركيين، مثل نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، ووزير الخارجية جون فوستر دالاس، وعدد مهم من رجال الكونغرس الأميركي، وعدد من النواب من مختلف الولايات.

في الغد، 31 كانون الثاني 1957، كتب ايزنهاور في دفتر يومياته الفقرة التالية: «سعود كان هنا، في العشاء الرسمي الذي أقمته له في البيت الأبيض… كنّا نحن بـ«الفراك» ، وكانوا هم بتلك العباءات. وكان «أولاد البترول» يحومون حول ملك السعودية. طبعاً… فلقد كانت أرباحهم هذه السنة، خيالية! (3)

لقد اختنقت من روائح السعوديين… إن رائحة البخور، لا تزال تملأ البيت الأبيض! والملك السعودي هذا، شخصية من شخصيات القرون الوسطى. هذا المخبول أعطى لخدم البيت الأبيض بقشيشاً ما بين خمسين إلى مئة دولار، لكلّ واحد منهم! ماذا سأقول؟! إنّ إعطاء البقشيش، في البيت الأبيض، ممنوع منعاً باتاً. ولكنّي اللبارحة خرستُ، وحبستُ لساني في فمي!

لا يهمّ! المهمّ أن يدخل سعود في مشروعنا للشرق الأوسط الجديد!» (4).

قطعة ضخمة من اللحم… اسمها ملك السعودية

في تلك الأيام، كان هنالك مشروع أميركي جديد يُطبَخُ للشرق الأوسط، وقد سُمّيَ «مبدأ ايزنهاور»، وقُدّم رسمياً إلى الكونغرس، في يوم 5 كانون الثاني 1957. وكان هذا المشروع يخوّل للرئيس الأميركي – ومن دون الرجوع إلى الكونغرس للحصول على تفويض منه – حق التدخل السريع بالقوة المسلحة، لحماية أي نظام حليف لأميركا في الشرق الأوسط يتعرّض لتهديد (أو خطر تهديد) من قوى الشيوعية العالمية أو من المتعاونين معها. ويخوّل المشروع للرئيس في إطار تدخله ذاك، أن يقدّم المساعدات العسكرية الضرورية لأصدقاء أميركا.

وكتب ايزنهاور في مذكراته يوم 5 كانون الثاني1957، بُعيد إقرار المشروع في الكونغرس، ما نصه: «إنّ على أيّ ديكتاتور في الشرق الأوسط أن يَحسب، منذ اليوم، حساب أي خطوة يتخذها». ثمّ أضاف: «إن ملك السعودية، هو رجلنا الوحيد الذي قد يستطيع أن يتحدّى ناصر في قيادة العالم العربي، وأن يحوّل قاطرته من اتجاه الاتحاد السوفياتي، إلى اتجاهنا». كانت استراتيجية الولايات المتحدة للشرق الأوسط، بُعيد الحرب العالمية الثانية تنحو إلى التفرّد المطلق بهذه المنطقة المهمة من العالم. وعلى هذا الأساس، كانت أميركا تعمل على سياسة عزل مزدوج لمنافسيها. فأمّا الحلفاء منهم، (بريطانيا و فرنسا) فكان العزل لهم بوراثة أدوارهم. وأمّا الخصوم (كالاتحاد السوفياتي) فكان عزلهم بشيطنتهم حتى لا يمتد تأثيرهم الشيوعي إلى منطقة يريدها الأميركيون لهم حصراً. ولقد اعتبر جمال عبد الناصر – الذي خرج لتوه ناجياً من عدوان ثلاثي دبّره الحليفان المنافسان – امتداداً لأولئك الخصوم (السوفيات) الذين يُراد شيطنتهم، وعزلهم.

وأمّا تعويل الأميركيين في خططهم على السعودية، فذلك بحكم ما لها من نفوذ ديني يمكن أن يجيّر في حملة ضارية ضد «الإلحاد الشيوعي». وبحكم ما لها من شبكة علاقات يمكن أن تستخدم في نسج تحالفات إقليمية جديدة. وبحكم ما لها من أموال يمكن أن تشتري ولاءات هنا وهناك. وبحكم ما لها من موقع استراتيجي يمكن أن ينافس موقع مصر في العالم العربي.

ولم يخيّب الملك السعودي آمال الأميركيين. فلقد مضى بعد زيارته التاريخية للبيت الأبيض، يسعى بهمّة ونشاط لتقويض مركز عبد الناصر في مصر والعالم العربي. وكان من أوائل ما صنعه الملك تمويله لمرتضى المراغي، وزير الداخلية في أواخر عهد الملك فاروق، حتى يدبّر انقلاباً عسكرياً في مصر. ولكن أحد الضباط المصريين الذين كُلفوا بتدبير الانقلاب، وهو العقيد عصام خليل، أفشى بما طُلِبَ منه للواء (وقتها) عبد الحكيم عامر. وسَلم له المبالغ التي دفعت إليه (16.200 جنيه استرليني). وأوصلت التحقيقات في هذه المسألة إلى حقيقة من يقف خلفها. ولم يكن هذا الذي وراء المؤامرة إلا ملك السعودية بنفسه! ولم ترد القاهرة أن تقطع شعرة معاوية مع الرياض، فتكتمت في بداية الأمر عن موضوع سعود بطلب ورجاء من الشيخ يوسف ياسين مستشار الملك، ثمّ بمسعى من أخيه فيصل. ولكن ملك السعودية عوض أن ينكفأ عن مساعيه التآمرية، زاد في مساعيه تلك وصعّدها.

ولقد تهيأ للملك السعودي – وهو يراقب، في ذلك الوقت، توجس الغرب وهلع حِلفه في المنطقة، من الاستعدادات التي تحضّرُ حثيثاً لإنجاز وحدة بين مصر وسوريا، في أوائل سنة 1958 – أنه قادر على تحطيم هذا الحلم، عبر استخدامه للنقود، في رشوة جديدة.

وكان الهدف الذي تطلعت إليه عينا الملك السعودي الآن، هو عبد الحميد السرّاج، رئيس المخابرات العسكرية في سوريا (المعروفة باسم «الشعبة الثانية»). ولقد بعث الملكُ للسرّاج صهرَه أسعد إبراهيم، وعرَض عليه مبلغ مئة مليون جنيه استرليني، إن هو قبل بالقيام بانقلاب يحول دون حدوث الوحدة بين سوريا ومصر. وكان العرض أن يدفع السعوديون للسرّاج عشرين مليون جنيه استرليني مقدماً، على أن يُدفع الباقي بعد نجاح العملية. ولكي يتشجع السرّاج أكثر، فقد أعلمه وسيط الملك السعودي أنّ السفير الأميركي في دمشق مستعد لإعلان اعتراف بلاده بالنظام الجديد، حال إعلانه. كذلك إن الملك يضمن اعتراف كل البلدان الصديقة لأميركا، بالوضع الجديد.

وطلب السرّاج من أسعد إبراهيم (والد زوجة الملك سعود، أم خالد) أن يمنحه هذا المال الذي سيساعده في تنفيذ الخطة. وغادر أسعد إلى السعودية على متن طائرة ملكية خاصة. ثم عاد يوم 20 شباط 1958، (أي قبل يوم واحد من الاستفتاء على الوحدة) وجاء معه بـ 3 شيكات: الأول بمبلغ مليون جنيه استرليني تحت رقم52/85902، والثاني بمبلغ 700 ألف جنيه تحت رقم تحت رقم58/85903، والثالث بمبلغ 200 ألف جنيه تحت رقم 59/85904. وكانت كل هذه الشيكات مسحوبة من البنك العربي المحدود في الرياض، على بنك ميدلاند في لندن، وتدفع لحامله. ثمّ أعلم أسعد إبراهيم السرّاجَ ضاحكاً، بأنه قد خصَمَ من المليوني جنيه استرليني التي بعثها الملك إليه، مئة ألف جنيه، باعتبارها عمولته.

ولم ينتظر السرّاج حتى ينبلج النهار، فقد تحرّك فوراً بصحبة بعض ضباطه الموثوقين، واستدعوا واصف كمال مدير فرع البنك العربي المحدود في دمشق ونائبه وبعض معاونيه، لكي يشرفوا مع أول ساعات الصباح على عملية سحب المبالغ من بنك ميدلاند برقيا، وتحويلها إلى حساب جديد باسم السرّاج، تمّ فتحه في سويسرا.

وفي يوم 24 شباط 1958 (بعد يومين من إعلان نتيجة الاستفتاء على الوحدة) جاء عبد الناصر إلى دمشق. وكان أول شيء فعله السرّاج هو أن أعلمه بكل تفاصيل مؤامرة الملك السعودي، وقدّم له مجموعة لصور الشيكات، والأذون بالدفع المتعلقة بها. ثمّ زاد السرّاج فأخبر عبد الناصر بقصة مؤامرة أخرى أعدّها الملك سعود، واعترف بتفاصيلها أسعد إبراهيم، بعد أن قبض عليه. وتتعلق برشوة أحد طيّاري سلاح الجو السوري، بنصف مليون جنيه، حتى يقوم بإسقاط طائرة عبد الناصر في الجوّ قبل وصوله إلى دمشق، ومن ثمّ يهرب إلى تركيا.

في الغد، خطب عبد الناصر أمام مئات الآلاف من الجماهير المحتشدة في دمشق، والتي جاءت من كل أنحاء سوريا، لتستمع إلى خطابه الأول، بعد إتمام الوحدة العربية. وفي ذلك اليوم المشهود، كشف الرئيس كل تفاصيل مؤامرات ملك السعودية ضد الوحدة العربية: بالأدلة، والشهود، والوثائق الدامغة… وسط ذهول الملايين من المنصتين إليه في الميادين، ووسط ذهول الملايين من المنصتين إليه في كامل أرجاء الوطن العربي. لقد كان الناس من المحيط إلى الخليج، يتجمعون في كل مكان ليسمعوا مباشرة وبانتباه، محطات الإذاعة التي تنقل خطاب الوحدة مباشرة، من دمشق. ولم يكن يدور في خلد أحد من العرب أن هذا الخطاب الذي ظلوا يتطلعون إليه بشغف، سيعرّي وجوهاً وعروشاً وأنظمة على الملأ.

وبُعيد انكشاف مؤامرة الملك سعود، وافتضاح مخططه لإجهاض الوحدة المصرية – السورية، انفجر سخط عارم بين أمراء العائلة المالكة السعودية، على سياسات الملك الغبية. وأدّت الفضيحة المدوية، في نهاية المطاف، إلى سحب صلاحيات السلطة من يد سعود، ومنحها إلى ولي عهده الأمير فيصل بن عبد العزيز.

وفي واشنطن، كان تعليق الرئيس الأميركي إيزنهاور، على كل هذا الذي جرى، وفقاً لرواية مساعده السياسي في البيت الأبيض شيرمان آدامز، كالتالي: «لا بد أن نسلّم أن ابن الـ**** هذا، زعيم حقيقي لديه الأعصاب ولديه الكفاءة… والخسارة الحقيقية أنه لا يقف في صفنا، بينما نجد في صفنا قطعة ضخمة من اللحم اسمها سعود!»(5).

علامة الله

بعد أكثر من خمسين عاماً، عمّا دوّنه ايزنهاور في يومياته، متهكماً على سعود، تحدّث جورج دبليو بوش في كتابه «نقاط القرار»، الذي صدر في تشرين الأول 2010، غامزاً من الاضطراب في شخصية الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) عندما زار الولايات المتحدة في 25 نيسان 2002، واستضافه بوش في مزرعته في كراوفورد بولاية تكساس.

قال بوش في كتابه إنّ عبد الله كان متوتراً بسبب إهمال الإسرائيليين الردّ على مبادرته للسلام التي طرحها قبل شهر، في قمة بيروت. وأنه طلب منه أوّل ما التقاه أن «يُخرِجَ الخنزيرَ من رام الله». (يقصد بالخنزير شارون الذي احتل الضفة في نيسان 2002، وحاصر عرفات في مقر المقاطعة). واستغرب عبد الله لماذا لا يمسك رئيس الولايات المتحدة الآن بالهاتف، ويأمر شارون بالانسحاب فوراً. وأجابه بوش أنه لا يستطيع أن يمارس الدبلوماسية بهذه الطريقة. وهنا ازداد غضب عبد الله وحنقه، وقرّر الانسحاب من الاجتماع فوراً.

لقد كان عبد الله يعتقد حينئذ أنّ بإمكان بوش (ملك أميركا) أن يمسك بالهاتف، ويزعق في أذن الخنزير شارون، ويأمره فوراً بالخروج من رام الله. وحينها لن يستطيع شارون عصيان أمر «ملك أميركا»، وسينفذ الأوامر صاغراً خسيئاً! وبما أن بوش يتهرّب من إصدار توجيهاته هذه إلى شارون، فذلك لا يعني سوى أنه يستهين بولي عهد السعودية. وعليه فلنغادر المكان، فلا جدوى حينئذ من أي كلام!

وقرّر بوش أن يحتوي مزاجية ضيفه العربي. وفكّر أن يلعب على «كارت» الدين، مراهناً على بساطة عقل عبد الله، وأن موضوع الدين لا شك سيثير اهتمام أمير سعودي. وهكذا أخذ يشرح لضيفه الوهابي أهمية دور يسوع في حياته، متمنياً أن هذا الوعظ ربما يستهوي شهية عبد الله الدينية. ولكن ولي العهد السعودي – بحسب ما ذكره بوش- لم يكن لديه أيّ مزاج للمشاركة في مثل هذه الأحاديث.

ولم يتبق لبوش حتى يكسب ودّ سيد السعودية، في أول لقاء لهما مع بعضهما، سوى التكلم معه عن الحيوانات. وكان مساعدو الرئيس قد أخبروه عن مدى ولع عبد الله بالدواب. واقترح الرئيسُ الأميركي أن يصطحب الأميرَ في جولة، في مزرعته.

هز عبد الله رأسه مستجيباً. وبعد دقائق قليلة كان ولي العهد بثيابه الفضفاضة يصعد إلى سيارة «فورد زاد50»، برفقة مترجم وزارة الخارجية الأميركية جمال هلال. وبدأ بوش يشرح لعبد الله أنواع الأشجار في مزرعته، وأنواع الحشائش البرية التي زرعتها زوجته لورا. ويشير إلى الأبقار التي كانت ترعى. وكان ولي العهد جالساً صامتاً… «ولم أكن قد توصلت إلى شيء كثير معه»، يقول بوش.

ثم يضيف في روايته: «وصلنا إلى جزء بعيد من المزرعة، وكانت هناك أنثى ديك رومي وحيدة تقف في الطريق، فأوقفت السيارة، لكي لا أدهسها. ولكن الطائر لم يتحرك. وسألني عبد الله قائلاً: ما هذا؟ فقلت له: «إنه ديك رومي. وأضفتُ: إن الرئيس بنجامين فرانكلين كان يحب الديك الرومي حتى إنه أراد أن يجعله رمز أميركا القومي… وفجأة شعرت بيد ولي العهد تمسك بي. وبدأ يهتف مردداً: أخي، هذه علامة من الله… هذه علامة من الله… هذا فأل طيب، هذا فأل طيب!».

ويقول بوش: «لم أفهم منه شيئا أبداً! ما الذي أصابه؟! وما أهمية الديك الرومي؟ ولماذا هو علامة الله عنده؟! ولكني اندهشت لأن توتره السابق معي بدأ فجأة يذوب. وعندما عدنا إلى المنزل، كان أعواننا مندهشين عندما قلنا لهم إننا مستعدون لإكمال المحادثات».

ويضيف: «في الفترة التي تبقت من رئاستي كانت علاقتي مع ولي العهد وثيقة للغاية. صار هو ملكاً بعد فترة قصيرة من ذلك الزمن… ولم يحدث قط أن رأيت أنثى الديك الرومي التي ألهمته الوحي في ذلك الجزء من المزرعة. ولم أرها أبداً منذ ذلك الوقت».

هوامش ومراجع

(1) جُمِعَ بعض من مذكرات الرئيس دوايت ايزنهاور، في كتاب طبع في أميركا سنة 1984. وقد رتبه وجمعه وعلق عليه المؤرخ الأميركي ستيفن أمبروز. ولكن نصوص اليوميات الكاملة التي كتبها ايزنهاور لم تنشر كلها، ربما لضخامتها أو لحساسية محتواها.

واليوميات، مدونة في مجموعة من الكراسات بخط يد الرئيس الأميركي، ومحفوظة ضمن مجموعة الأوراق الخاصة به، في ملفات أحدها بعنوان الشرق الأوسط، الصندوق رقم 2، في مكتبة ايزنهاور الرئاسية بآبيلين، في كانساس. ويمكن لمن يريد الاطلاع، أو تصوير نسخ منها، إذا شاء، بموجب قانون الحق في تداول المعلومات في الولايات المتحدة، أن يفعل ذلك. والمقاطع التي كتبها ايزنهاور، واعتمدتها في المقال لم تنشر مثلاً في كتاب أمبروز، ولكن الصحافي المصري محمد حسنين هيكل أمكنه أن يطلع عليها، وأن يضمّنها في كتابيه «ملفات السويس» (نشر 1986)، و في كتاب «سنوات الغليان» (نشر 1988) أيضاً.

(2) بالنسبة إلى تفاصيل استقبال سعود في واشنطن، يمكن العودة إلى كتاب محمد السلاح «سعود في أمريكا».

(3) يقصد ايزنهاور بقوله كنا نحن بـ«الفراك»، البدلات التي يلبسها رجال الأرستفراطبة في حفلاتهم الرسمية ، وأما العباءات التي كان يلبسها السعوديون ، فجمع لعباءة ، وهي الرداء الذي يرتديه شيوخ العرب فوق دشداشاتهم. أمّا قوله «كان أولاد البترول يجرون من حول ملك السعودية»، وقد استعمل ايزنهاور عبارة : ( The children of oil ) فإن الرئيس الأميركي كان يقصد: رؤساء مجالس إدارات شركات البترول في أميركا التي كانت أرباح شركاتهم المحتكرة للنفط السعودي خيالية في تلك السنوات.

(4) تعليقات ايزنهاور التي تسخر من الملك سعود، مقتبسة مما أورده محمد حسنين هيكل في كتابه «ملفات السويس»، الطبعة الأولى 1986، مركز الأهرام للترجمة والنشر ص. 603 – 604.

(5) كتاب «ملفات السويس»، محمد حسنين هيكل، ص 504

* كاتب عربي

الأخبار

عن «الاتفاق السيئ» والسياسات الأسوأ/ راجح الخوري

لم يكن كافيا أن يعلن باراك أوباما خلال محادثاته مع خادم الحرمين الشريفين أنه لن يقبل باتفاق سيئ مع إيران، الأهم هو ألا يستمر في ممارسة السياسات السيئة في المنطقة التي راكمت الإحباط من المحيط إلى الخليج، خصوصا بعدما ثبت أن أميركا تتسلل من المنطقة على رؤوس الأصابع مخلية مصالحها لأعداء الأمس.

لم يكن الاندفاع المتهافت على طهران آخر تجليات هذه السياسة الغريبة عن طبيعة النهج الأميركي، ولم يكن التعامي عن المذبحة السورية آخر فصولها المعيبة، وما كانت مناكفة الثورة المصرية دعما للإخوان المسلمين آخر غرائبها المفاجئة، وإن كان سقوط وعود أوباما الزهرية بشأن قيام الدولة الفلسطينية من العيوب المنتظرة والمحبطة!

وهكذا يمكن القول إن قمة روضة خريم بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأميركي كانت مزدحمة بالملفات الدقيقة والحاسمة، وعقدت في جو من العتب والقلق والشكوك. وإذا كانت «الـتايمز» قد علقت في بداية فبراير (شباط) الماضي على إعلان البيت الأبيض أن أوباما سيزور الرياض بالقول: «إنه خبر طيب. يجب أن يطمئن أوباما السعوديين إلى أنه لن يهجرهم»، فقد هبط أوباما في الرياض وهو أيضا في حاجة لكي يطمئن نفسه إلى أن السعوديين لن يهجروه.

كان هذا واضحا، خصوصا بعد التقرير الذي رفعته أجهزة الاستخبارات الأميركية في نهاية ديسمبر (كانون الأول) إلى الكونغرس، الذي أقرّ باحتمال فقدان واشنطن حلفاءها في «مجلس التعاون الخليجي». وقد حذر جيمس كلابر، مدير الاستخبارات بنتيجته، من أن انزعاج دول الخليج من السياسات الأميركية تجاه إيران وسوريا ومصر، قد يدفعها إلى خفض التعاون مع أميركا بشأن القضايا الإقليمية.

المثير أن الزيارة تمت في ظروف غير عادية بين واشنطن والرياض، فعشية وصول أوباما أنهت الحكومة الأميركية مراجعة شاملة لسياستها حيال سوريا، مؤكدة أنها لن تغير هذه السياسة، خصوصا لجهة التدخل عسكريا، أو السماح بتزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطيران، وأكثر من هذا أنها متمسكة بالمفاوضات مع طهران إلى درجة أنه لو كان هناك خيار عسكري جيد في سوريا ويمكن أن يؤثر سلبا على هذه المفاوضات، فإن واشنطن لن تقدم عليه، بما يعني أن أوباما لا يتعامى عن المذبحة السورية فحسب؛ بل يشجع التورط الإيراني فيها!

وعشية وصول أوباما كان الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ينهي جولة آسيوية شملت باكستان والهند واليابان والصين، ما فسره البعض بوجود نية سعودية للتوجه نحو الشرق في سياق توسيع علاقاتها الاستراتيجية في مختلف المجالات، «وهو ما يطلق تحولا سعوديا مهما لا يمكن تجاهله» على ما كتبت صحيفة «الشعب» الصينية.

قبيل هبوطه في الرياض حيث كان يعرف كم سيكون مطالبا بتحمل مسؤولياته السياسية والأخلاقية والإنسانية في سوريا، أعلن أوباما لشبكة «سي بي إس» أنه يشك في أن الأمور كانت لتصبح أفضل لو أنه نفذ الضربة العسكرية ردا على استعمال السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وبدا الأمر بمثابة مباركة للقتل المحظور دوليا، كما أنه أعلن الاستسلام بقوله: «بعد عشرة أعوام من الحروب، فإن قدرات الولايات المتحدة لها حدود»!

على أساس كل هذا، يصبح مفهوما أن القمة التي أكدت على استراتيجية العلاقات التاريخية بين البلدين، وعلى رسوخها وثباتها، لم تحل الخلافات التكتيكية، بل انتهت بالاتفاق على تقليصها أو التقليل منها، وقد وصفها بيان البيت الأبيض بـ«القضايا الحرجة»، أي الأزمة السورية، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي ومنع تدخلاتها السلبية في الإقليم، ومحاربة الإرهاب، ومحادثات السلام في الشرق الأوسط.

إعلان مسؤول كبير رافق أوباما أنه «كان من المهم الحصول على فرصة للقدوم لمقابلة الملك عبد الله، فلا شيء أفضل من اللقاء وجها لوجه، والرئيس لم يأتِ للقيام بما يفعله مسؤولون كبار من البلدين»، يعني أن أوباما يقر ضمنا بما تركته سياساته المتراجعة عربيا والمتهافتة إيرانيا من شكوك مشروعة لدى حلفاء أميركا في المنطقة. وليس سرا أن هناك أصواتا قوية ترتفع في واشنطن متسائلة: كيف نستبدل بحلفائنا التاريخيين والمضمونين في الخليج، حلفاء إيرانيين غير مضمونين؟

المحور الذي ركز عليه الأميركيون بعد القمة هو أن «أوباما لن يقبل باتفاق سيئ مع إيران، والاهتمام بالقضية النووية لا يعني أننا غير مهتمين بأنشطة إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة، أو أننا لا نركز كثيرا على هذه المسألة التي تقلقنا مثل دعمها للأسد وحزب الله والتدخل في اليمن والخليج، فهذه مخاوف ثابتة عندنا».. ولكن هذا الكلام يتناقض كليا مع ما يفترض أن يمليه من سياسات أميركية في المنطقة.

الشرق الأوسط

الحرب تبقى سجالاً في سوريا ولا حسم إلا بعد تدمير الكيميائي والاتفاق على النووي/ اميل خوري

تضاربت المعلومات حول ما أسفرت عنه القمة الأميركية – السعودية. فمن قائل إن الرئيس الأميركي طمأن العاهل السعودي إلى أن أمن دول الخليج هو من ضمن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وذلك حماية للمصالح الحيوية المشتركة، إلا أن هذه الاستراتيجية لا تتضمن تدخلاً عسكرياً لقلب أنظمة إنما تدخلاً سياسياً وضغطاً لإحداث تغيير فيها بالطرق الديموقراطية، والعمل على تحقيق توازن يسود معه الأمن والاستقرار، وتحسين معيشة الشعوب لتصبح مناهضة لكل شكل من أشكال الارهاب ولا تظل أي فئة حاضنة له كونها تشكو من الفقر والقهر والحرمان.

أما بالنسبة إلى الوضع في سوريا فإن حسمه يقترب مع انهاء عملية تدمير الاسلحة الكيميائية السورية كي لا يتخذ الرئيس بشار الأسد وربما روسيا من هذه الاسلحة ورقة ضغط ومساومة على مواضيع أخرى وللحصول على مكاسب إضافية سواء في المنطقة أو خارجها. وبالنسبة إلى ايران فإن البحث يقتصر الآن على البرنامج النووي توصلاً الى اتفاق نهائي حوله لأن البحث في مواضيع أخرى مثيرة للخلاف قد يفتح باب التسويات والمقايضات. وهذا معناه أن لا حسم للوضع في سوريا ولا في المواضيع ذات الاهتمام المشترك قبل أشهر وربما حتى حزيران أو تموز. ومن قائل إن ما تم الاتفاق عليه في القمة الأميركية – السعودية بقي طي الكتمان، ولم يصدر بيان مشترك لهذه الغاية كي لا يثير تسرّبه هواجس دول معنية بأوضاع المنطقة بما فيها روسيا. لكن في الامكان مراقبة التطورات على الأرض في سوريا تقابلها تطورات في أوكرانيا، إذ إنه لم يعد مقبولاً إطالة الحرب في سوريا بعدما باتت تداعياتها تشكل خطراً على دول الجوار، ولا سيما على لبنان بامكاناته المحدودة وعجزه عن إيواء ما يزيد عن المليون سوري على أرضه، ما يهدد أمنه واستقراره السياسي والاجتماعي، فضلاً عن العبء المالي الذي تتحمله الدول المنخرطة في هذه الحرب.

وفي ما يتعلق بتزويد الولايات المتحدة الاميركية المعارضة السورية المعتدلة أسلحة متطورة تعيد التوازن بين المتحاربين، فإن روسيا تعهدت مرّة أخرى وقف غارات النظام على المدنيين بالبراميل المتفجرة. وما إقدام تركيا على اسقاط الطائرة الحربية السورية سوى تحذير لجعل المعارك تقتصر على البر ولا يتدخل فيها سلاح الجو. وهذا يذكّر بحروب لبنان التي كان ممنوعاً فيها على سوريا استخدام الطائرات الحربية والمروحيات، وعندما فعلت تصدّت لها اسرائيل فأسقطت مروحية سورية فوق صنين. وعندها أختفى سلاح الطيران السوري من ساحة الحرب في لبنان. فهل يكون التدخل التركي الجوي نذيراً بإبعاد السلاح الجوي عن المعركة كي لا تبقى عندئذ حاجة إلى صواريخ مضادة يخشى أن تقع في ايدي الاصوليين والارهابيين الذين قد يهدّدون بها سلامة الطيران المدني؟

لذلك لا بدّ من انتظار تطورات الوضع الميداني على الارض، ولا سيما في جبهة الساحل المفتوحة في ريف اللاذقية، فإما تكون مؤشراً لحرب طويلة تتعب كل المشاركين فيها، إلى أن تنضج الحلول التي تطبخها الولايات المتحدة الاميركية وروسيا بالتنسيق والتفاهم مع حلفاء كل منهما، وإما أن تساعد التطورات على الارض على العودة إلى جنيف ليصبح ما كان مرفوضاً في جنيف 2 مقبولاً في جنيف3.

الواقع أن كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تعلم أن الرئيس الأسد لن يتخلى عن الحكم طوعاً وسوف يظل يقاتل ما دام انه يستطيع فرض بقائه، وليس سوى جعل كل المتحاربين يشعرون بالتعب والارهاق ليقبلوا الحل الذي يطبخ لهم.

وفي المعلومات أن لا حسم للوضع في سوريا لا عسكرياً ولا سياسياً إلا بعد تدمير كل الأسلحة الكيميائية السورية، كي لا تظل هذه الاسلحة ورقة ضغط وابتزاز، وبعد التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران حول الملف النووي فلا يظلّ هذا الملف ورقة ضغط وابتزاز أيضاً.

هل صحيح ما يقوله كل طرف عن نتائج القمة الاميركية – السعودية، ومَن يخدع مَن؟

لقد بات بين الولايات المتحدة الأميركية ودول عربية من خلال الممارسات والتجارب أزمة ثقة، فواشطن هددت مراراً وتكراراً بضربة عسكرية لسوريا، ثم تراجعت عنها بحجة أنها نجحت في جعل نظام الرئيس الأسد يتخلى عن سلاحه الكيميائي، وهدّدت بضرب ايران إذا لم تتوقف عن انتاج السلاح النووي ثم وافقت على الدخول معها في محادثات تهدف الى وقف إنتاج هذا السلاح. فمن يضمن ألا تبيع الولايات المتحدة الأميركية أصدقاءها وحلفاءها خدمة لمصالحها، أو تقيم توازناً سياسياً وعسكرياً في ما بينهم أي بين هلال سنّي وهلال شيعي غير معلنين، وتدير أميركا بالاتفاق مع روسيا هذا التوازن. وقد وعدت ايران تحقيقاً لذلك بأن تتعاون وتساعد على حلّ الأزمة السورية، ما جعل السعودية تتريث وتنتظر.

النهار

سوريا وأوباما.. و«الجانب الصحيح للتاريخ/ غازي العريضي

يقول أحد السياسيين المخضرمين الخبراء في السياسة الأميركية: «نحن في حاجة إلى مجمع منجّمين لمعرفة حقيقة موقف الإدارة الأميركية من الأحداث في سوريا. الحقيقة الوحيدة الثابتة هي أن سوريا تتحطم، تتحّول إلى ركام، شعبها لاجئ، مهجّر، تائه، محاصر، جائع، جيشها مستنزف. الدولة قد تنهار، ووحدة البلاد مهددة.. هل هذا ما تريده أميركا؟ إن الرابح من هذه النتيجة إسرائيل، وإسرائيل فقط»!

وإذا استعرضنا المواقف الأميركية الأخيرة قبل وبعد زيارة أوباما إلى المملكة العربية السعودية لفهمنا هذا القول. السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد قال منذ أيام: «لا حلّ في الأفق في سوريا. بنية الدولة السورية تنحلّ. والأسد أكثر اعتماداً اليوم على المقاتلين الأجانب مثل حزب الله ومليشيات عراقية». وحذّر فورد من خطر التفكك مشيراً إلى أنه «ولو أحرز النظام تقدماً على الحدود مع لبنان، فإن الجبهة الشمالية أو الشرقية الجنوبية ستخلق مشاكل وهذا الأمر لا ينتهي». ونصح فورد المعارضة بضرورة «أن تتأقلم مع المتغيرات في استراتيجية النظام وتركز بشكل أقل على السيطرة على أراض وأكثر على استهداف إمدادات الأسد»! كيف سيتم ذلك؟ هل لدى المعارضة القدرة على مراقبة الإمدادات إذا كان كل المجتمع الدولي يقف عاجزاً عن القيام بهذا الدور ولا يقدم المساعدة للمعارضة؟ ويذكر في هذا السياق أن مسؤولاً إيرانياً متابعاً بدقة لتفاصيل الوضع في سوريا، قال منذ مدة قصيرة لسياسي لبناني ساخراً من حديث الأميركيين عن إجبار العراقيين على تفتيش طائرة إيرانية متجهة إلى سوريا: «يقولون إنهم أوقفوا طائرة لنا وفتشوها في العراق، ويتناسون أن 1500 شاحنة إيرانية تعبر الحدود العراقية يومياً إلى سوريا»!

وقال فورد: «الضربات الجوية والطائرات من دون طيار لن تحل المشكلة والمطلوب حل سياسي»! وفورد يعرف، وقد سمع بالتأكيد الأخضر الإبراهيمي يقول: «ليس في الأفق حل سياسي والأمور تعقدت. وجنيف 3 ليس قريباً»!

إذن، لا حل عسكريا وليس في الأفق حل سياسي. ماذا يحصل غير الخراب والدمار وحتى إشعار تواصل قوات النظام تقدمها وقوات المعارضة تراجعها مع المزيد من الخلافات في صفوفها وبين داعميها؟

وفي هذا الإطار أشار فورد إلى أن إيران والولايات المتحدة «تتشاركان في مكافحة الإرهاب»! وأن طهران لا يمكن أن تكون سعيدة بتغلغل «القاعدة» في سوريا! إذن هناك تلاق للمصالح في هذا المجال بين إيران وأميركا، إضافة لمعالجة الملف النووي الإيراني عبر التفاوض. فكيف يكون التغيير في سوريا الذي أكد عليه فورد؟

أوباما أكد ما قاله فورد قبل وصوله للسعودية: «إنه غير صحيح الاعتقاد بأننا كنا في موقف نستطيع فيه من خلال توجيه ضربات محددة الأهداف، أن تمنع حصول ما نراه اليوم في سوريا. وحتى في ظل سيناريو التدخل العسكري ليس مؤكداً أن النتيجة ستكون أفضل بكثير»! وبعد زيارته السعودية، لم يكن ثمة تأكيد حاسم بأن الرئيس الأميركي وافق على تسليح المعارضة بما يمكنها من تغيير موازين القوة على الأرض للدخول في الحل كما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وأشار إليه المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا، دانيال روبنشتاين عندما تحدث عن أهمية التنسيق الإقليمي، أي «فعل ما أمكن لضمان أعلى درجة ممكنة لتوحيد المعارضة المعتدلة وتقويتها»! وربط تحقيق ذلك بالتوازن على الأرض ونهج النظام حيال آلية جنيف للوصول إلى مرحلة انتقالية.

لا حل عسكرياً، وإذا حصل فلن يؤدي إلى نتيجة. نعم للتوازن على الأرض للدخول في الحل السياسي. ولا تسليح للمعارضة.. كيف يتحقق ذلك؟

السفيرة الأميركية في القاهرة باترسون التي عينّت مساعدة لوزير الخارجية، سئلت في مجلس الشيوخ عن الموقف من الأحداث في سوريا، واتهام إدارتها بعدم وجود خطة لدعم المعارضة فقالت: «لدينا خطة واضحة»، وسئلت: ما هي؟ فقالت: «لا نستطيع الحديث عنها»!

أما وزير الخارجية كيري فأعلن في باريس بعد لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن «أميركا لن تسلّم المعارضة السورية صواريخ أرض جو»، في نفي صريح للأخبار التي تكهنت باحتمال تسليح المعارضة أثناء زيارة أوباما للسعودية!

صحيح أننا بحاجة لمنجمّين! حتى المسألة الإنسانية لا حلّ لها رغم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139. فكل الإحصاءات تشير إلى أن الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه قبل صدور القرار. والكل يتحدث عن مسؤولية النظام بشكل أساس ويحمّله المسؤولية الأكبر عن تفاقم الأزمة وعن تجويع وحصار الناس ورمي البراميل المتفجرة فوق رؤوسهم. بل ذهب بعضهم إلى مناشدة النظام والطلب إلى داعميه ممارسة الضغط عليه ليقبل بتطبيق القرار، لكن شيئاً لم يتحقق حتى الآن.

وقد نشرت تقارير تفيد بأن خسائر الجيش السوري بلغت نحو 30 ألف جندي. ولهذا قال السفير فورد إن الأسد بات أكثر اعتماداً على المقاتلين الأجانب من «حزب الله» والمليشيات العراقية. إضافة إلى معلومات تحدثت عن توجه للاستفادة من الخدمة الإلزامية لتأمين حوالي 20 ألف جندي جديد غالبيتهم ستكون من لون مذهبي معين، لأن كثيرين غادروا البلاد وكثيرين لن يلتحقوا بالخدمة الإلزامية اليوم! كذلك نشرت تقارير عن أن 40 في المئة من سكان سوريا صاروا بدون مأوى وهناك ثلاثة ملايين لاجئ و150 ألف قتيل!

الكاتب الأميركي ديفيد اجناتيوس، يكرّر دائماً عبارة الرئيس الأميركي المميزة بشأن «الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ». وفي سياق حديثه عن الموقف الأميركي من الأزمة الأوكرانية، توجّه أوباما في بروكسل إلى قادة الاتحاد الأوروبي بالقول: «إن الحرية لا تأتي مجاناً»!

ترى هل الموقف الأميركي مما يجري في سوريا هو الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ، ومع الحرية التي يدفع ثمنها غالياً الشعب السوري؟ أهذا هو الجانب الصحيح؟ أهذا هو التاريخ الذي تريده الإدارة الأميركية؟ وهل الموقف الأميركي مما يجري في فلسطين هو الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ أم أنه انحراف عن التاريخ ومحاولة لرسم تاريخ ومستقبل للمنطقة مخالفين للمنطق ولتجارب الشعوب وضد كل القيم الإنسانية؟

ويضيف أوباما: «كان بإمكاننا ألا نبالي بما يحدث في أوكرانيا. لكن هذه اللامبالاة لا تعني عدم الاهتمام بما تعنيه المقابر حول أوروبا بسبب الحربين العالميتين». ترى لماذا اللامبالاة بتضحيات الشعب السوري وما يتعرض له واللامبالاة حيال الشعب الفلسطيني وحقوقه؟ هل المطلوب تعميم المقابر في سوريا وفلسطين وحولهما لتدفن مع الأبرياء كل الأحلام بالحرية والكرامة والعدالة؟

إسرائيل تتلقّف كل هذه المواقف، وتستغل الحروب والتناقضات والمشاكل العربية لتهوّد فلسطين وتعلن أن الجولان سيبقى تحت سيطرتها إلى الأبد. وثمة من يتحدث عن انتصارات! إنها صفحات سوداء من تاريخنا تكاد تغطي على الانتصارات الحقيقية!

الاتحاد

أوباما بين الواقعية والمبدئية في السياسة الدولية/ حسن منيمنة

في مجلس خاص، لخّص أحد المقربين من البيت الأبيض موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء ضم روسيا شبه جزيرة القرم الى نطاق سيادتها بالتالي: «طبعاً، على الرئيس الأميركي إظهار استهجانه هذه الخطوة الخطيرة، ولا بد من تحرك لتأكيد أنه لا يجوز تكرارها، لكن الواقع أن لروسيا في القرم مصالح وقدرات، في حين أن ليست للولايات المتحدة فيها أية مصلحة موضوعية». وبالفعل، فالمناورات الموعودة لحلف شمال الأطلسي مع القوات الأوكرانية تسعى جهاراً إلى إبلاغ رسالة فحواها أن ثمة عواقب لأي احتلال روسي جديد للأراضي الأوكرانية. أي أنه، في ما يتعلق بموضوع القرم، التسليم بما حصل أمسى أمراً قائماً.

ولكن، فيما الحكومات في أوروبا كما في الولايات المتحدة منشغلة بإدارة المظاهر، أي بأداء ما من شأنه إقناع جماهيرها بأنها حرّكت ساكناً، ما حدث في القرم خطوة جديدة باتجاه انهيار منظومة الأمن العالمية القائمة منذ نهاية الحرب الباردة، والمعتمدة على أساسين: الأول القدرة الرادعة للقوة العظمى الوحيدة في العالم، الولايات المتحدة، والثاني إطار المشروعية الدولية الذي توفره الأمم المتحدة، تحديداً مجلس الأمن. وإذا كانت للولايات المتحدة قدرة بديهية على فرض نفسها في الجانب الأول، إذ أن إنفاقها الدفاعي يتجاوز ما تخصصه دول العالم المتبقية مجتمعة للأغراض العسكرية، وحضورها العالمي موطَّد بقواعد منتشرة في كل القارات وبمعاهدات دفاعية، فإنها في الجانب الثاني اعتمدت على حال الأحادية القطبية المستقرة، والتي في سياقها- خلافاً لسجل المراحل التاريخية السابقة في العلاقات الدولية- تنتفي إقامة التحالفات المضادة التي من شأنها تحدي نفوذ القوة الأولى بسبب الأهمية القصوى التي توليها كل من القوى الأخرى لعلاقاتها مع هذه القوة الأولى. فالصين، القوة الثانية، مثلاً، قد لا يطيب لها النفوذ الأميركي في شرق آسيا، لكن علاقتها الحيوية بالولايات المتحدة تعترض اصطفافها مع روسيا، القوة الثالثة (أو ما يقارب)، لتشكيل تحدٍّ لهذا النفوذ، وإن بدا من التشكيلات الاسمية التي تنشأ بين الحين والآخر، مثل تجمُّع «بريكس» ومجلس شانغهاي للتعاون، أن ثمّة رغبة في إقامة بعض التوازن.

ومع انهيار المنظومة الاشتراكية، وانطلاقاً من هذه المقومات الموضوعية، ترسخت قراءة متفائلة في واشنطن بأن الثقل الأميركي قطعي وحاسم، ومجريات الأحداث في التسعينات صادقت على هذا الاقتناع. ثم كانت اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) التي اختبرت حدود القدرة المفترضة من خلال رد الفعل على الاعتداء في أفغانستان والعراق، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي عززت شكوك المرتابين بالقراءة المتفائلة.

ومسعى أوباما، وهو من هؤلاء المرتابين، كان في اتجاه تعديل التوازن بين القوة والمشروعية الدولية لمصلحة الأخيرة، لذلك شهد عهده تراجعاً بل تخلياً أميركياً عن الاستفادة من الفارق الشاسع للقوة بين الولايات المتحدة وسائر الدول الفاعلة عالمياً. وفي حين يصوّر المؤيدون لأوباما مسعاه بأنه إقرار بحقيقة ثابتة هي تراجع القدرات الأميركية، لا سيما بعدما تبينت حدودها في العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، إضافة إلى كونها موقفاً مبدئياً ثابتاً، فإن المنتقدين لهذا التوجه يشيرون إلى التفاوت الخطير بين التراجع النسبي الضئيل للقدرات الأميركية، والذي لا يؤثر على مكانة الولايات المتحدة كقوة قاطعة فائقة التفوق على غيرها، وبين السلوك السياسي لأوباما الذي يتصرف كأن الولايات المتحدة استنفدت قدراتها. فإذا كانت المرحلة الماضية مرحلة تفاؤل وإفراط، فالولايات المتحدة تشهد اليوم تشاؤماً وتفريطاً لا مبرر لهما.

والخطر الذي كرَّر المنتقدون الإشارة إليه هو أن رغبة أوباما المفترضة في الاتكال على المشروعية الدولية، لا تُلزم غيره. فانطلاقاً من إعلانه الالتزام بالإجماع الدولي والذي تنقضه موسكو، يستطيع الرئيس الأميركي أن يتنصل من الإقدام على خطوات ما فاعلة في الشأن السوري، لكن وفاءه المفترض لهذا الإجماع لم يمنع موسكو من ضم القرم. وإذا بمعقل المبدئية في السياسة الدولية للقرن الحادي والعشرين، كما تكررت الإشارات الخطابية من مسؤولين في حكومة أوباما، يبدي تفهماً موضوعياً لحدث التوسع الروسي.

المعادلة التي يؤسسها هذا الازدواج مقلقة، إذ تمتنع الولايات المتحدة على أساس المبدئية عن تجاوز المشروعية الدولية المقيدة بحق النقض لخصومها، وتتفهم هذه الولايات المتحدة عينها، على أساس الواقعية، تجاوز هؤلاء الخصوم المشروعية الدولية… وما على سائر هؤلاء الخصوم، في ما يتعدى روسيا، أي الصين وإيران تحديداً، إلا أن يتعظوا. فإلزام القوة العظمى بالامتناع عن الفعل لغياب التفويض الدولي هو وسيلتهم لتكبيلها، وإقدامهم على ما يتناسب ومصالحهم بصرف النظر عن انسجامه مع المشروعية الدولية، من شأنه أن يُقابَل ببعض التهويل اللفظي، يصاحبه الإقرار الضمني.

وإذا كانت في الأمر دعوة للخصوم إلى الاستفادة من هذه الاستقالة عند أوباما من التصدي للتحديات، فإن فيه كذلك تحذيراً واضحاً لأصدقاء الولايات المتحدة المفترضين- حتى الذين تربطهم بها معاهدات دفاعية- من أن زمن الاعتماد على القوة العظمى كعامل داعم للاستقرار قد ولّى، وجاء زمن البحث عن بدائل وترتيبات مرادفة، مع ما يستتبع هذا الإدراك من تسابق على التسلح وفوضى في التحالفات تفسد العلاقة بين الأصدقاء قبل أن تردع الأعداء.

وثمة مَنْ يرى في واشنطن أن هذا السلوك المفرّط بالمصالح الأميركية ليس وليد المبدئية لدى أوباما بمقدار ما هو نتيجة لتفضيل عدم الإقدام. فالمبدئية تستدعي حين تقتضي الجمود، والواقعية تثار لتبرير التقاعس، والحصيلة واحدة: قوة عظمى منكفئة، وساحة دولية قلقة.

بقي من عهد أوباما قرابة ثلاثة أعوام، يضاف إليها عدد الشهور الذي يستغرقه إعداد فريق العمل للحكومة المقبلة، والجهد الذي لا بد لهذه الحكومة بذله لإقناع الجمهور الأميركي بأن كلفة الانكفاء أعلى من عائداته. فأمام روسيا وغيرها فرصة لا يستهان بها لتحقيق المكاسب، وأمام حلفاء واشنطن تحديات متواصلة تتطلب البدائل.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى