مقالات تناولت المعارضة السورية ومشاريع التسوية المطروحة
سورية … مجتمع يتسيّس وأحزاب تغادر السياسة/ ميشيل كيلو
هناك مفارقة فاقعة تسم، اليوم، أوضاع المعارضة السورية في صعيديها “الرسمي” (المجلس الوطني والائتلاف)، و”الشعبي” (الأحزاب والتجمعات والتيارات… إلخ)، تتجلى في تقدم السياسة، فاعلية مجتمعية مباشرة وعامة، وتراجعها إلى حد التلاشي نشاطاً حزبياً.
وكنا قد طرحنا، للمرة الأولى في نهاية سبعينيات القرن الماضي، فكرة أن السياسة إما أن تكون فاعلية مجتمعية مباشرة وعامة، أو أنها لا تكون سياسة تلبي مصالح الشعب، وتنحط إلى ألاعيب، قد تكون برنامجية تماماً، سياسوية تتجسّد عبر مهاترات شخصية وحزازات كيدية وتكتيكات أقرب إلى التكتات الخالية من أي عمق استراتيجي، أو ثوري، يتصل بمصالح المجتمع والدولة. وكان قد أملى هذه الفكرة، في حينه، عجز المعارضة الحزبية عن إحراز أي تقدم في تفكيرها، وعلاقاتها مع مجتمعها وتحولاته، وأي تطوير في أبنيتها وطرق عملها، يجعل منها أحزاباً ديمقراطية ترفض أن تحتجز في مسائل ثانوية تمليها انتماءات دنيا، تقوّض قدرتها على التأثير في المجال العام، وممارسة أي دور فاعل فيه. في وضع هذه صفاته، اتسم بسيطرة النظام المطلقة على الشأن العام، كان من الطبيعي أن لا تلعب الأحزاب أي دور قيادي في الإعداد للثورة، أو توجيه مسارها، ولا تنقذها من فخاخ نصبتها السلطة لها، لتحويلها من ثورة حرية إلى اقتتال طائفي متعسكر.
ما كانت الثورة لتقوم، لو لم يتقدم المجتمع لممارسة السياسة، بما هي شأن عام، وفاعلية مباشرة له، انخرط فيها بمجرد أن أتيحت له ثغرة ينفذ منها إلى الشارع، فتحها له القطاع الحديث من الفئات البينية والوسطى، كالشباب وأصحاب المهن الحرة والمثقفين، ومعظم المنتسبين إلى المجتمع المدني. تقدم المجتمع المدني إلى الساحة العامة، بمعيّة قطاعات أهلية هائلة الاتساع من سكان القرى والبلدات والمدن الصغيرة والكبيرة وضواحي الصفيح. واندمج القطاعان المجتمعيان، الحديث والتقليدي، في مسيرة واحدة، شعارها استرداد الحرية للشعب السوري الواحد، وبناء دولة ديمقراطية مدنية، تسودها العدالة والمساواة والكرامة.
عندما التحقت المعارضة الحزبية بالحراك، سارعت إلى السيطرة عليه، مستغلة ضعف خبرته السياسية العملية والخططية، وتعرضه للسحق على يد النظام، وخلوّ مكانه قائداً وموجّهاً للتمرد المجتمعي الكبير. هذا الرهان الذي قام على فكرة ترى أن الفراغ يكفي، بحد ذاته، للحلول محل القيادة المغيّبة، ولتمكين الأحزاب من الانفراد بدور قيادي، لا ينافسها عليه أحد، يحل وعيها وتنظيماتها محل عفوية الجماهير، فشل لأنه بقي لصيقاً بخطط سياسية، رسمت لحالة مغايرة، كان قد أملاها على لينين وضع ثوري مختلف، قال ببناء حزب يحوّل انتفاضة عفوية إلى تمرد جماهيري منظّم، يغيّر موازين القوى السائدة لصالح ثورةٍ، تزيد من التصاق الجماهير به، ومن قبولها له، إلى أن يحاصر ويسقط بمعونتها “قلعة” السلطة، تحت ضغط حلفٍ، يضم أغلبية شعبية من العمال والفلاحين والانتلجنسيا.
“كان يمكن للأحزاب سد الفجوة المتزايدة الاتساع بين الحراك العملي وحوامله النظرية، واحتلال موقع طليعي، يضعها على رأس الثورة، إلا أنها لم تعِ هذه الضرورة”
لم تعرف سورية حزباً طليعياً واسع الوجود بين العمال والفلاحين. ولم تحدث فيها انتفاضة شعبية، يحولها الحزب الغائب إلى ثورة، ولم يتبلور في سياق الحراك حلف عمال وفلاحين يقوده حزب ثوري، وانقسمت الانتلجنسيا حيال ما حدث، ولم تكن قدرات المجتمع المدني التنظيمية، وخبراته الميدانية، عفوية، بل شهدت أساليب تنظيمية متطورة، تكفّلت بإدامة زخم الحراك طوال أشهر، على الرغم ممّا ظهر فيه من شعبويةٍ، أسهمت في إبقاء زمام المبادرة السياسية في يد النظام، حملت مواقفها العملية طابع ردود أفعال على سياسات السلطة وخططها، عجزت عن التصدي للمشكلات التي واجه بها الثورة، كمشكلة الطوائف، والتي استخدمها لفصل المجتمع الأهلي عن المدني: لعزل الثاني عن الأول، وما ضمه من كتل بشرية هائلة، تحركت في كل مكان مطالبة بالحرية، ولإلحاق هذه الكتل بقيادات مذهبية معادية للديمقراطية، مذهبية ومؤمنة بالعنف، بينما كان القمع يتكفّل بإبادة نشطاء المجتمع المدني، وسحب بساط الجماهير من تحت أقدام الأحزاب، وكان تعامل النظام مع الحراك يستعيد أسلوبه القديم، القائم على عزلها عن بعضها، وعن الشعب، والاستفراد بكل واحدة منها، والتلاعب بما يظهر، أو يزرع بينها وفيها من خلافات وتناقضات وصدوع، والتحكّم بتوجهاتها وتبايناتها المحتملة، أو الحقيقية، وحصرها تنظيمياً وسياسياً، ضمن حدود ضيقة، لا تسمح لها بممارسة فاعليات تغييرية، سواء داخل صفوفها أم خارجها.
بعد صحوة قصيرة، بدا الحراك الثوري، خلالها، وكأنه يحرر الأحزاب من احتجازها، ويلهمها قراءة جديدة للواقع واحتمالاته، أشد غنى وثراءً وإبداعاً من قراءاتها التقليدية الرتيبة والباردة، تبيّن أن كوابح هذه الأحزاب أقوى من قدرتها على التجدّد الذاتي، وأنها عاجزة عن تغيير خطابها وممارساتها، وبلورة دور مغاير لما سبق لها أن عرفته في مراحل نضالها، السري والعلني. وبدل أن تتقدم، وتتحول إلى قائد للحراك والثورة، ظلت محمولة عليهما كقشة على سطح نهر صاخب، ولأن حامل الحراك الرئيس وقائده: المجتمع المدني، كان يتراجع تحت السحق، بينما كانت قطاعات واسعة من المجتمع الأهلي تعود إلى أيديولوجيتها التقليدية، المذهبية الطابع، وتنخرط في عسكرة فرضت عليها بمدافع ودبابات وطائرات الأسد، وبجرعات عنف مفرط، مورس ضد بنات وأبناء الأرياف والبلدات والمدن، جعل السلاح وسيلتهم الوحيدة للدفاع عن أنفسهم، مع ما ترتب على الفوضى الناجمة عن العنف من تقويض لمكان السياسة ودورها من الصراع ضد سلطةٍ، صار القتل سياستها الوحيدة .
قفزة في ممارسة السياسة
“النتيجة الحتمية لسياسة وضع المسألة السورية في عهدة الخارج، كانت تحوّل مقاومتها السلمية، ثم المسلحة ضد النظام، إلى حرب بالواسطة بين أميركا وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا وبعض بلدان الخليج”
مثّلت الثورة فعلاً حاسماً حقّق الشعب السوري، بواسطته، قفزة نوعية في وعي السياسة وممارستها، بيد أن حراكه افتقر إلى خطة عملية/ استباقية، تعطيه زمام المبادرة، وتجعله الطرف الفاعل والمبادر في وضع معقد ومتشعب فرضه النظام، اقتصرت مواقفه منه على ردود أفعال غاب عنها الترابط الإيجابي والديناميكي الذي تنتجه عادة المبادرة السياسية. في هذه النقطة، كان يمكن للأحزاب سد الفجوة المتزايدة الاتساع بين الحراك العملي وحوامله النظرية، واحتلال موقع طليعي، يضعها على رأس الثورة، إلا أنها لم تعِ هذه الضرورة، أو أن عوامل متنوعة حالت دون وعيها وقيامها بها، كضعفها التنظيمي والعددي، وتخلّفها الفكري والنظري، وشكّها في استمرار الثورة وانتصارها، وخوفها من النظام، وعسكرة الحراك، وانقساماتها وخلافاتها، مع أن نجاحها في مبارحة نقاط ضعفها كان يمكن أن يخرج الثورة من عنق الزجاجة الذي وجدت نفسها فيه، وأن يقصر فترة الصراع وبلوغ أهدافه.
سحق النظام الذين قاموا بالثورة وقادوها، وعجزت الأحزاب عن تقديم خطة سياسية ضاربة تضعها على رأسها، بينما لم يتح وقت كاف يعبّر صنّاعها خلاله عن مضامينها النظرية والعملية، بسبب ما تعرضوا له من سحق عنيف ومتواصل، خلال مرحلة مبكرة جداً من حراكهم، وغرق حاملها الأهلي في صراعٍ اكتسب أكثر فأكثر سمات طائفية متعسكرة استنزفت قدراته، بضغط من نظامٍ أراد دفعه إلى هذه الحال التي عززت نزعاته الانفعالية على حساب نزعاته العقلانية، الضامرة والمحدودة أصلاً، وساقته إلى خساراتٍ لا يستهان بها، على الرغم من عظم تضحياته، وما أبداه من مقاومة.
كان الواقع يتطلّب إيجاد مخرج من هذا المأزق، كي تبقى الثورة وتنتصر. في هذه الفترة بالذات، تشكل المجلس الوطني السوري، فإذا به يقفز عن الإشكالية الداخلية برمتها، وينتهج خطاً وضع الحراك المجتمعي تحت حيثية الخارج، وربط مصير سورية به، وبما يمكن أن يتمخض عن سياساته من حلول، لاعتقاده أن ما وقع في ليبيا سيتكرر هنا أيضاً، وأن الخارج سيتدخل، حتماً، لصالح الثورة، وأن تدخله سيبدل علاقات القوى وموازينها، وسيحسم الأمور ضد النظام. هذا الانزياح بدّل طبيعة الثورة وشوّه مسارها. ثم، بعد عام ونيّف، تأسس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فدعي، بعد تأسيسه، بأيام قليلة، قرابة ستمئة مقاتل ومنشق إلى تشكيل مجلس عسكري أعلى، وتسمية رئاسة أركان للجيش السوري الحر. لكن الائتلاف لم يُدعَ إلى المشاركة في تشكيل القيادة العسكرية لجيشٍ هو مرجعيته السياسية، فكان لما حدث نتائج كارثية، أقلع الائتلاف معها عن تمثيل الشعب السوري بصورة فعلية، بينما وضع الجيش الحر في أيدي القوى العربية والأجنبية التي “أعادت هيكلته”. ذلك كان النتيجة الحتمية لسياسة وضع المسألة السورية في عهدة الخارج، الذي سرعان ما أحلَّ صراعاته محل ثورتها، وتصفية حساباته محل حريتها، وحوّل مقاومتها السلمية، ثم المسلحة ضد النظام، إلى حرب بالواسطة بين أميركا وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا وبعض بلدان الخليج… إلخ، شارك فيها مرتزقة متنوعو الجنسيات والمذاهب، أمعنوا، بدورهم، في تحويلها إلى حرب مذهبية، لا يربطها رابط بثورة الشعب السوري: ضحيتها الرئيسة.
… واليوم، تدخل الصراعات الخارجية في طور جديد، بينما تبرز مجدداً الحاجة إلى بناء دور سوري مستقل، يعيد إلى الصراع رهانه الأصلي، ثورة في سبيل الحرية، ويكبح تحوله إلى حرب ستكون جد طويلة، في حال تواصل عجز الائتلاف عن إخراج الثورة من تشابكات لم تكن بالأمس، وليست اليوم أيضاً، في مصلحتها، أبقتها عاجزة عن التكور على ذاتها، وسمحت بجرها إلى حرب ضد الإرهاب، لا سيطرة لها على مجرياتها، يقال، صراحةً، إنها ستكون وقودها البري.
“حين وقعت في سورية ثورة، احتاجت إلى مَن يضع خبرته وفكره النقدي في خدمتها، وتحولت السياسة إلى فاعلية مجتمعية مباشرة”
يطرح الظرف الراهن على المعارضين اختبار جدارةٍ هو فرصتهم الجديدة التي يتيحها لهم إصرار شعبهم على نيل حريته، ودورهم في صراعٍ يتخطى بلادهم، سيهزمون إن تم حسمه من دون مشاركتهم، باستطاعتهم الإفادة من حاجة العالم إليهم، لإصلاح أوضاعهم، وإخراج ثورة شعبهم من نفق دفعها إليه قصورهم كنخب، وتعدد قياداتهم وتناقض قواهم، وضمور عقولهم، ووضع قضيتهم بين أيدي قوى أجنبية، حولتها وحولتهم، هم أنفسهم، إلى أداةٍ، يستخدمها منذ نيف وثلاثة أعوام ونصف العام، في صراعات لا شأن لهم بها.
كان ياسين الحافظ وإلياس مرقص يعلقان أهمية كبيرة على “عفوية ” الشعب، ويعتقدان أنها يمكن أن تتجلّى عبر صيغ أرقى من وعي النخب، حين يكون زائفاً، وأن تقدم لها فرصاً تعقل معها الواقع بطرقٍ تمكّنها من تطوير انتفاضة “عفوية” إلى ثورة، إن هي عرفت كيف تحدد مراحلها وقواها ومحطاتها، وكيف تلتقط خيوطها لحظة انفجار تناقضها مع النظام القائم، وكيف تشدها إلى نهايتها الظافرة: انتصار الثورة.
وقد كتب ياسين الحافظ مقالات عديدة، كرّسها لنقد “التنظيمات” التي وجد أنها تفتقر إلى وعي مطابق للواقع واحتمالاته، ولمّح إلياس مرقص إلى أن تحول السياسة إلى فاعلية مجتمعية هو بحد ذاته ثورة.
أخيراً، وحين وقعت في سورية ثورة، احتاجت إلى مَن يضع خبرته وفكره النقدي في خدمتها، وتحولت السياسة إلى فاعلية مجتمعية مباشرة، منذ مارس/ آذار عام 2011، تبيّن أن طرف المعادلة الثاني: نخبنا الحزبية، وكذلك السياسية والثقافية، أسيرة عجز مزمن، قتل خيالها وروح المبادرة لديها، فلم تعِ ضرورة تطويرها، وتوحيد حراكها، ومنع انحداره إلى ما نراه من تخبّط وفوضى.
العربي الجديد
هل تنجح محاولات تأهيل الأسد؟/ غازي دحمان
تجري بعض الأطراف الإقليمية والدولية محاولات لتأهيل نظام الأسد وإعادته إلى الواجهة السياسية على اعتبار أن هذا الحل يمثل الخيار العقلاني والعملي الوحيد في هذا الظرف والضامن لمستقبل سوريا وأمن المنطقة، وذلك ضمن حسابات ورهانات معينة، فيما يبدو أنه محاولة للاستفادة من اللحظة السياسية الملتبسة والمركبة التي يمر بها العالم.
ثمة معلومات عديدة يجري تداولها في الإعلام تفيد بوجود جهد مصري بهذا الخصوص غير معلن ولكنه حثيث ويعمل على أكثر من اتجاه وفي أكثر من مكان.
ويقوم الجهد المصري -وفق ما تسرب من مصادر عديدة- على إقناع بعض الدول الخليجية بقبول مصالحة مع نظام الأسد كمقدمة لإعادة تعويمه بذريعة إنقاذ النظام العربي بعد مرحلة الربيع وربط هذا الموضوع بجهود مكافحة التطرف الأصولي وإثبات أن لنظام الأسد دورا مركزيا في هذا المجال وهو ما يحتم دمجه ضمن منظومة عربية أوسع قد يصار إلى تأسيسها في المستقبل المنظور.
كما كشفت روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف عن رغبتها في إعادة إحياء مفاوضات جنيف ولكن وفق صيغته الأولى التي لا تمس وضع الأسد وترتكز على محاربة الإرهاب وإشراك المعارضة في حكومة وحدة وطنية، على أن تبقى الوزارات السيادية من حصة الأسد، ويذهب البعض إلى حد القول إن موسكو باتت في مرحلة رسم طاولة المفاوضات وإعداد برنامج التفاوض وخريطة الأطراف المتفاوضة.
السؤال البديهي الذي يتبادر للذهن أمام هذا التغير المفاجئ في قراءة الوضع السوري: ما الذي حصل وشجع أصحاب المقاربات المذكورة على طرح أفكارهم للحل في هذا التوقيت؟ فيما لا يبدو أنه يمتلك حظوظا كبيرة للنجاح على أرض الواقع، بل ثمة ما يؤكد عكس ذلك نتيجة تعقد الأوضاع وحالة التباعد بين الأطراف المتصارعة، حتى مقارنة بالمرحلة التي جرت فيها مفاوضات جنيف2 والتي انتهت بفشل ذريع.
تراهن الدبلوماسيتان المصرية والروسية على جملة من المعطيات الحاصلة في السياقين السوري والإقليمي، وتحاول على أساسهما اختبار الفرص الممكنة لنجاح تلك الرهانات ومن ثم فرض سياق تفاوضي على القوى الإقليمية والدولية يضمن إدماج نظام الأسد كخيار إلزامي في المرحلة المقبلة، مستغلتين في ذلك عدة عوامل:
– استغلال مرحلة خلط الأوراق التي أنتجها الانشغال العالمي بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومحاولة تمرير طروحات وأفكار معينة.
– اعتقاد مصر وروسيا أن المصالح الأميركية باتت مهددة نظرا للتهديدات الأمنية التي أفرزتها الأزمة السورية على الدول الخمس المجاورة لها (تركيا والعراق والأردن ولبنان وإسرائيل) وهي ركيزة للمصالح الأمنية الأميركية في المنطقة.
– تعرض الأمن الإسرائيلي -بعد الهدوء عقودا طويلة- لمخاطر حقيقية ومن أكثر من اتجاه (سيناء والجولان وغزة وجنوب لبنان)، ومحاولة الضغط على أميركا من هذه الخاصرة.
– حالة التشتت في صفوف المعارضة السورية ومحاولة إقناع أميركا بلا جدوى بالبحث عن بدائل لنظام الأسد.
بالنسبة لمصر تندرج مسألة تأهيل نظام الأسد ضمن خطة واسعة لإعادة الدور المصري وترتكز على جملة من المحاور: بناء مجال إقليمي أمني وسياسي طارد للإخوان المسلمين في المنطقة من ليبيا غربا إلى سوريا شرقا، وخلق محور مواز لما تعتقده محورا مضادا (قطري-تركي) تشكل سوريا جبهته الشرقية.
ومن شأن هذه الترتيبات -في حال نجاحها- إعادة فعالية الدور المصري كما يتصوره نظام السيسي في المرحلة الراهنة، خاصة بعد محاولة مصر ترويض الجانب الفلسطيني وإخضاعه لصالح الرؤية المصرية، ومحاولات مد جسور العلاقات مع لبنان ودمجه ضمن هذا الإطار بالتزامن مع فتح العلاقات مع السودان والترتيبات الأمنية مع الجزائر خاصة على صعيد محاربة الإسلاميين.
وتحاول مصر تمرير رؤيتها هذه عبر إعلامها ومراكز أبحاثها التي بدأت تروج لدور عربي يمكن أن يقوم به نظام السيسي، وكذلك عبر محاولة تصديرها حقيقة أن الإرهاب الذي تجسده التنظيمات المتطرفة يشكل الخطر الأكبر على أمن وسلامة الإقليم والنظام الدولي برمته، ويقوم التكتيك المصري في هذا المجال على محاولة اللعب على وتر المخاوف الأميركية والإسرائيلية، والعمل ضمن أجندتهما، بل وطرح القضايا التي تعتقد أنهما ترغبان بها ولكنهما تتهيبان طرحها نظرا لحساسيتها الإقليمية، وذلك ضمن لعبة سياسية مكشوفة، وفيما يبدو أنه رسالة لإمكانية قبول لعب أدوار تأنف الدولتان عن لعبهما.
أما روسيا فهي تسعى من خلال عودتها للساحة الإقليمية بعد غيابها السياسي الملحوظ نتيجة انهماكها بالوضع الأوكراني إلى إعادة فتح النوافذ في علاقاتها مع الغرب واختراق حالة الجمود، خاصة مع واشنطن، وتنطلق في طرحها هذا من تقديرها أن واشنطن ربما بحاجة لمثله في الظرف الراهن.
وتعتقد موسكو أيضا أن فرصة إحداث تغييرات جديدة في المقاربة السورية تقوم على أساس التركيز على المعارضة الداخلية القريبة منها والتقليل من فعالية المعارضة الخارجية وتحويلها إلى طرف هامشي عبر الإيحاء بأنها مسؤولة عن ظهور تنظيم داعش وتمدده في المنطقة، مستغلة متاعب الأطراف المؤيدة للمعارضة السورية والخلافات الجارية بين أطرافها، لكن الهدف الأساسي لموسكو هو إعادة طرح نفسها كطرف إيجابي في النظام الدولي، واختبار مدى قبول الغرب مثل هذا التوجه الروسي على أمل فتح أبواب التفاوض أمام ملفات الخلاف المعقدة من أوكرانيا إلى العقوبات الاقتصادية وأسعار النفط المنخفضة.
تتغذى المقاربتان المصرية والروسية على تقديرات صدرت من بعض المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار الأميركي، خاصة مؤسسة راند التي أصدرت تقريرا لها في أغسطس/آب ضمنته نتيجتين، أولاهما: أن التسوية المتفاوض عليها مع نظام الأسد لم تعد مشهدا مطروحا بقوة بين مشاهد حل الأزمة السورية، وثانيتهما: أن سقوط نظام الأسد -وهو مشهد صار أبعد احتمالا- لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة.
علما بأن هذه النتيجة تم بناؤها على معطيات متحركة وغير ثابتة حصلت في المشهد السوري في مرحلة ما قبل صياغة راند تقريرها، إضافة الى حقيقة أن الكثير من تقارير المؤسسات الأميركية بخصوص الأوضاع في المنطقة صار محل شك كبير خاصة بعد اعتراف الرئيس باراك أوباما بأن بلاده أخطأت في تقدير مخاطر نشوء تنظيم داعش وتمدده، والمعلوم أن الإدارة الأميركية تستند في جزء من عملية صناعة سياساتها إلى ما تنتجه تلك المؤسسات من تقديرات ودراسات.
مما لا شك فيه أن المقاربتين المصرية والروسية تنطويان على تسطيح واضح لتعقيدات الأزمة السورية وتأثيراتها العميقة في الواقع الإقليمي بحيث لم يعد ممكنا اختزالها في بعض الأهداف الدعائية أو حتى الأمنية لأطراف معينة، إذ لم تعد خافية جملة التحولات الجذرية التي حصلت في عمق الأوضاع الاجتماعية والحقائق السياسية، مما لا يسمح بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة السورية، وهو ما تحاول مصر وروسيا إعادته عبر ترقيعات لم يكن بالإمكان قبولها في وقت أبكر من ذلك بكثير.
فلو كان الأمر ممكنا لما ترددت أميركا التي تنخرط اليوم بالصراع في طرحها ومحاولة فرض سياق مناسب لإدماجها في واقعه. علاوة على ذلك، لا تملك المقاربتان السابقتان أي ركائز إقليمية تساعد على إنجاحهما نظرا لتعارضهما مع رؤية أغلب الأطراف الإقليمية بما فيها الطرف الإيراني الداعم لنظام الأسد والذي يرى أن أي طرح من خارج عباءته لن يكون مناسبا له ولا مواتيا لترتيباته بخصوص المنطقة ومسار تفاوضاته، ولاعتقاده أن أي تفاهمات بعيدة عنه سيجري بناء ترتيبات موازية لها ستؤدي إلى خروجه من منطقة النفوذ السوري لصالح الأطراف المساهمة في الحل.
الواقع أن أي حل للأزمة السورية يتطلب حلا إقليميا شاملا، ينطوي على إعادة صياغة النظام الإقليمي برمته وإعادة التوافق للنظام الدولي الذي تشتبك أطرافه في أكثر من موقع وقضية، وهو ما يبدو أكبر من توقعات السيسي وبوتين، إذ لم يستطع السيسي الوصول إلى مرتبة طرف مؤثر في الداخل المصري نفسه ولم يستطع مواجهة التحديات العديدة التي تنتصب في وجهه، ولم يستطيع بوتين أن يكون سوى قوة إقليمية عادية تستند إلى عائدات النفط المتراجعة أسعارها لتسيير شؤونها الداخلية، في الوقت الذي تآكلت قوة نظام الأسد لدرجة حولته إلى مليشيا تمتلك قوة جوية في طريقها إلى التلاشي.
الجزيرة نت
دي ميستورا في دمشق وما الجديد؟/ علي العبدالله
جاءت موافقة النظام السوري على زيارة المبعوث الدولي السيد ستفان دي ميستورا الحالية الى دمشق، تلبية لطلب روسيا، التي تريد تعزيز شرعية تحركها في الملف السوري بمشاركة السيد دي ميستورا في لقاء موسكو القادم، بعد ان كان رفض طلبه زيارة دمشق يوم 18 كانون الثاني، وربط بين الزيارة وتحقيق مطالبه لتنفيذ خطة تجميد القتال في مدينة حلب والتي حددها في نقطتين، اعتبرهما شرطا لمشاركته في العملية، النقطة الاولى ما اسماه “حفظ سيادة الدولة السورية على أية منطقة يتم تطبيق التجميد فيها، ومنع أي شكل من الإدارات الذاتية والمحلية فيها يمكن أن تتجاوز سلطة الدولة” والثانية تتعلق بمكافحة الارهاب بـ “اغلاق الحدود امام الجهاديين، ووقف الدعم”، بما في ذلك عمليات التدريب التي تتلقاها الكتائب المعتدلة.
كان السيد رمزي رمزي، نائب دي ميستورا، قد أجرى مباحثات مطولة مع مسؤولين في النظام دون ان يحرز تقدما حول تجميد القتال في مدينة حلب، والذي يشاع انه سيبدأ في شهر نيسان القادم، بسبب تمسك النظام بشروطه، هذا ما اعلنه دي ميستورا في عرضه امام “لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي” في بروكسل يوم 2/2/2015 حيث قال:” أن الأمر لا يزال يراوح أمام شروط مسبقة تريد دمشق تنفيذها قبل موافقتها على تجميد القتال في حلب”. وقد تركز الخلاف بداية حول اقتراح رمزي بمد التجميد ليشمل ريف المحافظة، تلبية لطلب المعارضة، وهو ما رفضه النظام بشكل مطلق، وحول طبيعة العملية حيث ينطلق المبعوث الدولي من تجميد القتال وبقاء كل طرف في مواقعه واقامة ادارة ذاتية تدير المدينة طوال الفترة الانتقالية، وهو ما رفضه النظام ايضا باعتباره مساً بسيادة الدولة السورية، ناهيك عن إلحاحه (النظام) على تفعيل مطلبه محاربة الارهاب بدءا من الضغط على الدول التي تدعم المعارضة بوقف الدعم واغلاق حدودها في وجه “الجهاديين” الوافدين من الخارج. فالنظام، الذي يعتبر كل المعارضة المسلحة ارهابية، انتظر من السيد دي ميستورا ان يحرك الأمم المتحدة للضغط على الدول الداعمة للمعارضة، وخاصة تركيا، لوقف الدعم واغلاق الحدود. وقد عبر عن استيائه من عدم قيام السيد دي ميستورا بذلك برفض طلبه زيارة دمشق في الشهر الماضي. فالعقبة الرئيسة في وجه انطلاق عملية التجميد مازالت قائمة وهي طريقة تعاطي الطرفين معها، فالنظام يرفض ما يعتبره إعطاء أية مشروعية للمعارضة في مناطق التجميد، سواء عبر إدارة ذاتية أو مجموعات منظمة أو حكم محلي، وما شابه، فتصوره للخطة، كما ذكرنا، له مرتكزان الأول هو ما يسميه “سيادة الدولة السورية”، يقصد سيادته هو على البلد، والثاني هو “مكافحة الإرهاب بشكل واضح وصريح”. فالنظام ينظر الى عملية تجميد القتال في حلب كنسخة طبق الاصل عما حصل في حمص حيث خرج مقاتلو المعارضة ودخلت قواته وبسطت سيطرتها على معظم اجزاء المدينة، بقي حي الوعر خارج سيطرتها، وكان قد صعّد في هجومه على محيط مدينة حلب لإحكام السيطرة على الطرق التي تربطها بالريف لعزلها ومحاصرة مقاتلي المعارضة وتكرار معادلة “الاستسلام او الموت جوعا”.
غير ان فشل الهجوم وتحوّل مقاتلي المعارضة الى الهجوم وتحقيقهم مكاسب كبيرة على الارض بلغت حد قطع طريق امدادات قوات النظام من اللاذقية دفعه الى العودة الى مناقشة تفاصيل الخطة مع تمسكه بشرطيه الرئيسين.
واقع الحال ان المبعوث الدولي لا يستطيع اطلاق العملية دون ان يأخذ مطالب المعارضة بالاعتبار بحيث لا تبدو العملية وكأنها تحقيق لمطالب النظام وعودة الى الوضع السابق، بعودة سيطرة النظام على حلب، ويقدم لها ما يطمئنها ويشجعها على القبول بالعملية. لذا ورغم اللقاءات الكثيرة التي اجراها السيد رمزي مع مسؤولين في النظام فانه لم يتوصل الى نتيجة محددة تسمح بالبدء في تنفيذ العملية.
واضح ان ثمة استحالة في اطلاق عملية تجميد القتال في حلب في ضوء التباين الواسع في موقف طرفي الصراع وغياب قواسم مشتركة، دون ان ننسى عقبة “داعش” و”النصرة” وما يمكن ان يفعلاه لعرقلة العملية التي تتعارض مع مشروعيهما في دولة “الخلافة” الداعشية و “الامارة” التي تخطط “النصرة” لإعلانها قريبا في ريفي ادلب وحلب، وفي عدم تركيز دي ميستورا على العملية ودخوله في قضايا الحل النهائي كما كشف عنه في مطالعته امام “لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي” المذكورة اعلاه حيث تجاوز فكرة تجميد القتال في حلب وانخرط في طرح تصور للحل النهائي في سوريا قائم على استنساخ النموذج اللبناني فيها. فقد عرض لخطة خارطة طريق تبدأ من “حكومة وحدة وطنية، شاملة التمثيل، تقود إلى تغيير دستوري”، ومن ثم “إجراء انتخابات عامة”. لم يذكر تشكيل هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات تدير المرحلة الانتقالية، كما نص اعلان جنيف، “على ان يكون الجميع جزءا منها”، بمن فيهم رأس النظام، والحصيلة “يجب أن تقود إلى وضع سياسي، وخصوصا سوريا مستقرة تشمل الجميع”. وختم بالقول:” بناء على ذلك، المطلوب من المجتمع الدولي هو إجلاس أطراف الأزمة السورية حول طاولة التفاوض، وتركهم يعملون لإيجاد حل سوري، على الأرجح على غرار النموذج اللبناني”، يريد ان يجلسهم على الطاولة لإيجاد حل سوري ويحدد لهم الحل مسبقا(؟!)، وأضاف:” أما كي يصل السوريون إلى الحل اللبناني، فيجب على مختلف اللاعبين الدوليين تركهم وشأنهم، لافتا إلى ضرورة “التوقف عن الدفع إلى حسم عسكري”.
يمكن ملاحظة القفزة الواسعة في الفراغ التي قفزها السيد دي ميستورا بعيدا عن خطته الاولى (تجميد القتال في حلب) التي عرضها على المعارضة كمدخل لعملية كبيرة تشمل شمال سوريا، الذي سيتحول، وفق تصوره، الى عشر مناطق ادارة ذاتية، وجنوبها، الذي سيتحول الى ثمانية مناطق ادارة ذاتية، وما تثيره من هواجس ومخاوف كبيرة وخطيرة على خلفية المحاصصة التي تنطوي عليها، والتي ستحول الدولة السورية الى كيان هش وغير مستقر وسهل الاختراق كما هو حال لبنان الذي لم تتوقف فيه الحروب الاهلية والتدخلات الخارجية.
المدن
خارطة طريق للسلام في سوريا
صاغت مجموعة من الباحثين والمختصين خارطة طريق للسلام في سوريا تتبنى ضمن استراتيجية واحدة سبعة مسارات مترابطة للحل، وتتبع نهجاً متكاملاً لمقاربة مبادرات القواعد مع القمة وبالعكس، وتتبنى المرحلية في التطبيق.
وتمت صياغتها وفق رؤية مستقلة عن أي موقف سياسي مسبق، والهدف منها هو طرحها أمام الأطراف، وأصحاب المصالح كمسودة مقترحة للحل.
رؤية الحل:
ترمي رؤية الحل الوصول إلى أكبر قدر من تعقيدات الأزمة السورية ووضع مسارات للحل، وتشعباتها ضمن خارطة واحدة مترابطة. وهي ترتبط ضمن استراتيجية واحدة بسبعة مسارات متلازمة للحل وتتبع نهجاً متكاملاً لمقاربة مبادرات القواعد مع القمة وبالعكس.
أما أسس الحل:
فقد طرحت الخارطة عدة أسس ومنطلقات للحل:
1- تجنب صبغة الغالب والمغلوب: إن الوصول إلى سلام مستدام يتطلب تجنب صيغة الغالب والمغلوب حتى في آليات الحل الجزئية.
2- دعم الحل وليس الأطراف: لأن الضحية الأكبر للصراع هو المدنيين السوريين.
3- البدء بحل سياسي سوري هو شرط لازم للتصدي للمد القاعدي: لا يمكن إيقاف انتشار المجموعات التكفيرية في سوريا، والتصدي لها في ظل الانقسام السوري الحالي وغياب أي آفق لحل سياسي، لذلك فإن اتفاقاً سياسياً ينهي القتال على الساحة السورية ويعيد التنسيق بين الجهات العسكرية والمسلحة السورية هو شرط أساسي لمواجهة المد القاعدي بشكل فعال.
4-تحديد شركاء الحل كجزء من الحل نفسه: يجب أن يسبق البدء بالحل تحديد لشركائه، وتحديداً السوريين، وشركاء الحل لا يقتصرون على أطراف الصراع بل يجب أن يشمل أيضاً أصحاب المصالح والجهات الأكثر تضرراً من استمرار الصراع.
5- اتفاقات سورية بضمانات دولية: يجب أن يتفق أطراف الصراع السوريين في كل مرحلة على الضمانات المطلوبة من المجتمع الدولي ثم التواصل معه للعمل على تحقيقها.
6- إتباع منهج متكامل في الحل أي حل يدمج مقاربات الحل ومفاعليه من القاعدة إلى القمة، وبالعكس، كما أن الحل على مستوى خارطة طريق للسلام في سوريا.
7- رفض المحاصصة إلا بما يقتضيه وقف العنف في المرحلة الأولى: إن أي مشاركة بالسلطة على أساس المحاصصة يمكن أن تكون مقبولة فقط من اجل الوصول إلى تهدئة وفي بداية المرحلة الانتقالية حصراً، وبمشاركة ليس فقط أطراف الصراع، وإنما ممثلي الجهات المتضررة منه وأصحاب المصالح.
8- التشاركية والشمولية: يجب العمل على الوصول إلى صياغة نهائية لخارطة الطريق بشكل تشاركي قدر الإمكان.
9- معالجة القضية الكردية: كجزء أساسي من الحل السوري والعمل بشكل مبكر على إعطاء المجموعات القومية غير العربية في سوريا كامل حقوقها، وبشكل مواز لأي مكونات أخرى.
مستويات الحل:
إن مستويات الصراع في سوريا أصبحت متداخلة ومترابطة بشكل كبير وتحتاج العمل على إحكام دائرتي التوافق الدولي والإقليمي والعمل على التوازي على إحكام الدوائر المحلية والمناطقية بطريقة تضمن الاستقرار في هذه المناطق وتجنب امتداد النزاع إلى غيرها وجعلها عرضة لانتشار الإرهاب فيها.
مراحل الحل:
الحل يتطلب العمل على مراحل بحيث يكون لكل مرحلة عنوان واضح وبحيث ان يكون كل هذه المراحل مجتمعة في النهاية هو الوصول الى سلام مستدام وعادل في سوريا.
أوضحت انه لا يمكن في الوقت الحالي وضع جدول زمني دقيق واضح المعالم للحل في سورية ولذلك يجب تجزئ الحل إلى مراحل بحيث يكون لكل مرحلة عنوان واضح بحيث ان يكون كل هذه المراحل في النهاية هو الوصول إلى سلام مستدام في سوريا.
أولاً- المسار الإقليمي والدولي:
تتحمل الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة في سوريا جزء لا يستهان به من مسؤولية استمرار الصراع الذي أصبحت فيه عبر دعمها للأطراف السورية، ولذلك على هذه الأطراف أن تواجه مسؤوليتها تجاه ما يجري في سوريا، ومن واجبها أن تدعم حل لإنهاء الصراع في سورية، ومن واجبها أن تدعم حل لإنهاء الصراع في سورية وليس دعماً لأحد أطراف الصراع.
أما طريقة الدعم فيجب أن تكون عبر إرسال بعثة مراقبين ومفاوضين إلى سورية ضمن صلاحيات البند السادس، والتوافق على وقف تدفق الأسلحة العشوائية في سوريا، وحظر استعمال الأسلحة العشوائية في سوريا على جميع أطراف الصراع، والبناء على القرار 2170 الذي صدر.
أما إقليمياً فيجب إقناع الدول بالسير نحو التوافق الذي لا يكون إلا بضغط من الدول الكبرى الحليفة عبر عقد مؤتمر رباعي يضم السعودية وقطر وإيران وتركيا برعاية دولية والعمل على إخراج جميع المقاتلين غير السوريين من سوريا وعدم السماح بدخولهم.
ثانياً- المسار السياسي السوري:
دعت الخارطة إلى ضرورة وجود ضمانات دولية قبل التفاوض، أما أسس التفاوض فهي أسس المشاركة على السلطة والإتفاق على إعلان دستوري والتفاوض على صلاحيات الهيئة السورية للسلام وبرنامج المرحلة الانتقالية فضلاَ عن ملف المعتقلين والمخطوفين.
وتعرضت الخارطة إلى مسألة التشاركية على السلطة في بداية المرحلة الانتقالية والتي تشمل تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات منصوصة بالإعلان الدستوري المؤقت، والمشاركة بالسلطة على المستوى المناطقي والمحلي مع اللاعبين المحليين.
كما تعرضت لمسألة المشاركة البنيوية على السلطة، واعتبرت أن أهم مفاصل هذا الأمر هو:
1- إطلاق الحريات المدنية، والكف عن الاعتقال التعسفي.
2- العمل على إحداث توازن رأسي في السلطات بين المركز والأطراف وذلك بمشاركة سلطات الإدارة المحلية.
3-إصدار قانون جديد لجمعيات المجتمع المدني، وقانون للأحزاب السياسية.
4-يتم أثناء المرحلة الانتقالية إجراء انتخابات لمجلس تشريعي يعمل على صياغة دستور مؤقت للبلاد.
5- إجراء انتخابات رئاسية بعد الإنتهاء من وضع الدستور المؤقت.
6- بعد عودة الاستقرار والبدء ببرنامج الحوار الوطني يجب أن يتم انتخاب مجلس تشريعي لكتابة الدستور الدائم للبلاد.
أما فيما يتعلق بالسلطات الأمنية، رأت الخارطة أن الهدف النهائي من أي عملية تشمل القطاعين الأمني والعسكري هو أن يكون هناك قوى أمنية وعسكرية موحدة تعمل لحماية الدولة والشعب وليس فئة بعينها، كما يجب وضع برنامج للتعامل مع التسليح الشعبي وإعادة دمج المقاتلين والعسكريين من غير المتورطين بمجازر وقتل خارج إطار الإقتتال.
وأضافت الخارطة أن الوضع السوري يقتضي العمل بمرحلية مدروسة بدقة، وطرحت تصورها الأول لهذا المراحل:
1- لجان تنسيق أمنية مشتركة.
2- لجان حفظ سلام مشتركة.
3- حوارات مكثفة لإعادة الدمج والهيكلة، بمشاركة المؤسسة الدينية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني.
4- عملية دمج وهيكلة للأجهزة الأمنية والعسكرية.
ثالثاً- مسار وقف العنف:
أما حول مسار وقف العنف وإحلال السلام، فطرحت الخارطة أسس لهذا المسار أهمها الإشراف على تنفيذ إتفاق السلام السوري وتحديداً بما بتعلق بعمليتي صنع وبناء السلام المستدام، والتوافق على عمل لجان السلام. كما رأت الخارطة أن هندسىة عملية السلام تتبع بنية نجمية تشعبية على عدة مستويات، وطرحت فكرة أن التفاوض على المستوى الأعلى يكون مسبقاً على مبدأ مشاركة السلطة مع الشعب.
ودعت الخارطة إلى تشكيل الهيئة السورية للسلام التي تترأسها شخصية سورية توافقية، ودعت إلى ضرورة تأسيس صندوق دولي لدعم السلام في سوريا.
رابعاً- مسار مكافحة المد التكفيري والمشاريع الأممية المتداخلة في سوريا.
أوصت الخارطة لمكافحة المد التكفيري بضرورة تطوير استراتيجيات للتصدي للمنظمات الأممية في سوريا بمشاركة الدول الإقليمية والدولية، وفرض حظر تام على أي نوع من التمويل والدعم، وضبط الحدود، وسحب جميع المقاتلين غير السوريين، كما دعت إلى ضرورة بدء التنسيق العسكري بين الأطراف السورية المتصارعة، والعمل على منع المزيد من الانهيار، والاهتمام بشكل خاص في المناطق التي على تماس مع مناطق التي تسيطر عليها داعش، وإنشاء صندوق خاص وتدريب كوادر لاستعادة الأطفال الذين تم غسيل دماغهم.
خامساً- مسار المجتمع المدني:
دعت الخارطة إلى دمج الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في مسارات الحل ليكون جهة معبرة عن أولويات ومصالح الشعب السوري، وللعب دور في بناء السلام من قاعدة الهرم إلى الأعلى، ذلك بإشراكه بشكل مباشر في عملية بناء السلام ولجان السلام ولعب دور تنفيذي في برامج المرحلة الانتقالية.
سادساَ- المسار الإنساني:
أوصت الخارطة بالعمل على إقامة مناطق خضراء آمنة في المناطق الحدودية تشرف عليها الوكالات الإنسانية، والعمل على إعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم، ووضع برنامج إغاثي وطواري للتعليم وبرنامج طوارئ صحي.
سابعاً- المسار الاقتصادي:
أوصت الخارطة بتعيين خبراء ضمن فريق دولي تتركز مهمته في العمل على تقصي أهم موارد اقتصاد الحرب في سوريا، وآليات التصدي لها، ودعت إلى إعادة تقييم جدوى العقوبات التي فرضت على الاقتصاد السوري، وإلى إعادة رفع الحظر الذي تم على شراء البترول السوري، والتأسيس لاقتصاد سلام وإعادة دمج الشباب السوري وفرض مسؤولية اجتماعية أمام القطاع الخاص تساهم في عملية التنمية والسلام عير دعم المجتمع المدني.
ماذا يعني الحل السياسي سوريّاً؟/ سمير العيطة
مثلما كان الأمر في بداية الصراع، يعود الزخم من جديد، سوريّاً وإقليميّاً ودوليّاً، للحديث عن حلٍّ سياسيّ. لكنّ خلافات جوهريّة ما زالت تحيط بهذا التعبير.
في البداية، عندما كان التظاهر سلميّاً، تمّ استخدام هذا التعبير كنقيضٍ للحلّ الأمنيّ، بمعنى حصول تغييرات جوهريّة استباقيّة في علاقة السلطة مع الدولة والشعب، بدل استخدام القمع، كان منها أن تخفّف من حدّة الاعتراض وتوقف التطوّر نحو صراعٍ داخليّ مفتوح. لكنّ حلّاً سياسيّاً آنذاك كان يعني انتصاراً لـ «الربيع العربيّ» وأفكاره. وقد كان ذلك مرفوضاً ليس فقط من السلطة في سوريا، بل أيضاً من القوى الإقليميّة التي خشيت من امتداد الموجة إليها. كان إذاً للبعد الجيوستراتيجيّ دور كبير في عرقلة الحلّ السياسيّ وأخذ سوريا، كما بلدانٍ عربيّة أخرى، إلى الحرب، كما إلى صراعٍ عسكريّ بين السوريين لمصلحة دول إقليميّة بعينها.
اليوم وقد باتت سوريا في أتون الحرب، يتمّ استخدام تعبير الحلّ السياسيّ للدلالة على أشياء مختلفة تماماً. فمن وجهة نظر السلطة القائمة، يعني «العودة إلى حضن الوطن»، أي الرضوخ للسلطة القائمة وهيمنتها على مؤسسات الدولة كما كانت الصورة قبل 2011. هذا التفسير ليس واقعيّاً على اعتبار أن المؤسّسات ذاتها شهدت تحوّلات جوهريّة من جرّاء الحرب، ونظراً لأن المجتمع أفرز خلالها كثيراً من القضايا، انطلاقاً من عسكرته ووصولاً لإدارة شؤونه محليّاً بشكلٍ ذاتيّ. وهذا جليّ حتّى في ما يسمّى «المصالحات» التي تعقدها مؤسّسات الدولة مع المناطق المحاصرة، أو بخصوص ما يحصل في المناطق الشماليّة، خصوصاً بعد تحرير عين العرب/كوباني. واستمرار السلطة في اعتمادها هذا التفسير لا يعني سوى نكرانها للواقع، كما تنكر واقع استخدام البراميل التي ترميها على المدنيين. وهو أملٌ واهٍ بانتصارٍ عسكريّ وسياسيّ على جميع الأطراف الأخرى، مع تغيّر الظروف الإقليميّة والدوليّة لمصلحتها.
من ناحيتها، تعتمد معظم أطياف المعارضة السياسيّة على تنوّعاتها تفسيراً للحلّ السياسيّ الذي يقوم على أسس بيان «جنيف 1»، أيّ على تفاوض جسم من المعارضة على تقاسم السلطة مع الحكم الحاليّ. إلاّ أنّ هذا التفسير يصطدم بواقع أنّ هذه المعارضة السياسيّة راهنت، وما زالت تراهن، على الدعم الإقليميّ والدوليّ أكثر من مراهنتها على بناء قاعدة شعبيّة لها على الأرض، وعلى ارتباطها الوثيق مع المعارضة السلميّة والمسلّحة التي تقبل بالمساواة في المواطنة. هكذا، وبرغم الجهود المبذولة تحت شعار توحيد المعارضة، يتكرّس أكثر فأكثر اليوم فرزها إلى تكتّلات ذات تناقضات جوهريّة في الأهداف والممارسة. المعارضة المسلّحة تتجمّع في كتل، مثل «الجبهة الشاميّة» مقابل «جبهة النصرة»، وكذلك «جيش الإسلام» الذي أخضع في مناطقه الفصائل الأخرى. والمعارضة السياسيّة تشهد أيضاً نهاية وهم احتكار «الائتلاف» لتمثيل الشعب السوريّ. هذا التحوّل كلّه يأتي نتيجة تغيّرات في رؤية الدول الإقليميّة للحلّ السياسيّ، حتّى بين تلك التي كانت سابقاً في صفٍّ واحد. فمَن يجلس مع مَن إذاً في «جنيف 3؟» ومن هي «المعارضة» التي ستأخذ جزءاً من السلطة والصلاحيات الكاملة، المنصوص عليها في البند الملتبس، المثير للجدل في البيان المرجعيّ الذي اعتمده مجلس الأمن؟ وهل يتضمّن هذا التعبير جميع الكيانات السياسيّة القائمة داخل وخارج البلاد، وكذلك المعارضة المسلّحة غير المتطرّفة وممثليها، وممثّلي قوات الحماية الشعبيّة والإدارة الذاتية في الشمال، والعشائر المعنيّة ذات المواجهة المباشرة مع «داعش»؟ ليس إنقاصاً من قدر المعارضة طرح إشكاليّة ماذا يعني الحلّ السياسيّ، بل إنه مسؤوليّة سياسيّة وجهد مطلوب للخروج من الصراع القائم. وإذا كانت المعارضة «معارضات»، فإنّ السلطة في سوريا لم تعد اليوم سوى طرفاً من الأطراف المتنازعة، وهي في الحقيقة «سلطات»، ومراكز نفوذ متنوّعة.
السفير
تسوية الأزمة السورية/ صبحي غندور
ما يحصل في سوريا هو أشبه بتقاطع طرق لمشاريع عديدة في المنطقة، بحيث نرى تكاملاً بين بعضها وتناقضاً بين بعضها الآخر، لكن في المحصّلة هي «مشاريع» لها خصوصياتها الإقليمية أو الدولية، ولا أجد أنّ أياًّ منها يراهن على حربٍ إقليمية أو على مدّ نيران الحرب في سوريا إلى جوارها باستثناء «المشروع الإسرائيلي» الذي وجد مصلحةً كبيرة في تداعيات الأزمة السورية وانعكاساتها التقسيمية العربية، على مستوى الحكومات والشعوب.
فإسرائيل لا يوافقها توصّل واشنطن وطهران إلى اتفاق كاملٍ بشأن الأوضاع في سوريا، لأنّ ذلك يوقف النزيف الدموي في الجسم السوري، والعربي عموماً، ولأنّه يعني أيضاً تفاهمات أميركية/غربية مع إيران تتجاوز المسألة السورية، ممّا قد يدفع أيضاً بإعادة فتح الملف الفلسطيني ومسؤولية إسرائيل تجاهه.
أيضاً، فإنّ من غير المصلحة الإسرائيلية حدوث أي تسوية سياسية تُسرّع في إنهاء الأزمة السورية، لذلك، فإنّ تمكُّن الحكومة السورية من استعادة سيطرتها على مناطق استراتيجية مهمّة يعني إخلالاً في ميزان القوى على الأرض وإمكانية حسمه لصالح خصوم إسرائيل في المنطقة، ولعلّ هذا ما يفسّر الغارات الإسرائيلية التي حدثت أكثر من مرّة في العمق السوري، وأيضاً الدعم والتسهيلات الإسرائيلية لبعض قوى المعارضة السورية في المناطق المجاورة للحدود مع سوريا.
إنّ المراهنات الإسرائيلية في الأزمة السورية هي على مزيدٍ من التفاعلات السلبية أمنياً وسياسياً وعدم التوصّل إلى أيِّ حلٍّ في القريب العاجل. فمن مصلحة إسرائيل بقاء هذا الكابوس الجاثم فوق المشرق العربي والمهدّد لوحدة الأوطان والشعوب، والمنذر بحروبٍ أهلية في عموم المنطقة، والمُهمّش للقضية الفلسطينية، والمؤثّر سلباً على حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
كذلك، تراهن حكومة نتانياهو على تصعيدٍ عسكري ضدّ إيران ليكون ذلك مدخلاً لصراعات مذهبية محلّية في المنطقة لتغيير خرائطها ولإقامة دويلات طائفية وإثنية، ولتعزيز حاجة أميركا والغرب لإسرائيل بحكم ما سينتج عن الحروب الإقليمية، «الدينية» و«الإثنية»، من تفاعلات لأمدٍ طويل تثبّت مقولة: إسرائيل «دولة يهودية»!.
طبعاً، لم تكن إسرائيل أبداً خلال كل الأحداث المهمة بالمنطقة مجرّد «راغبٍ» و«متمنٍّ»، بل هي قوة مؤثّرة وفاعلة بشكلٍ مباشر أو من خلال واجهات أو علاقات مع حكومات وجماعات دولية وإقليمية.
فهل يمكن أصلاً فصل الأزمة السورية الحالية عن الصراع العربي/الإسرائيلي وعن مأزق التسوية على المسار الفلسطيني. أليس حتمياً حدوث انعكاساتٍ خطيرة على لبنان «الجيش والمقاومة والشعب» من جرّاء تداعيات الأزمة السورية واحتمالات نتائجها السياسية والأمنية؟! ثمّ هل حقّاً أنّ التغيير المنشود في سوريا هو في نظامها السياسي الداخلي فقط، أم أنّ الهدف الكبير الهام لبعض الأطراف الدولية والإقليمية هو فصم العلاقة بين سوريا وإيران من جهة، وبين دمشق وموسكو من جهةٍ أخرى؟!.
تكون مراهنة خاطئة أيضاً، ومميتة أحياناً، عندما تُمارس الحكومات العنف الدموي القاسي ضدّ قطاعاتٍ من شعبها، حتّى لو كان وسط هذه القطاعات مندسّون وإرهابيون. من المفهوم استخدام العنف المسلح في مواجهة اعتداء خارجي، أو من أجل تحرير أرضٍ محتلة، لكن لا يجوز ولا ينفع هذا الأسلوب في تحقيق تغيير سياسي أو في الحفاظ على نظام سياسي. فالخطأ من جهة لا يبرّر الخطأ من الجهة الأخرى.
لكن لا يمكن، منطقياً وعملياً، اعتبار ما يحدث الآن في سوريا من صراعٍ مسلّحٍ (مهما اختلفت تسميته) «قضية داخلية» فقط، ترتبط بحركةٍ شعبية من أجل تغيير النظام.
ولا يمكن تجاهل حقيقة أنّ درجة العنف في الأوضاع السورية الآن هي انعكاسٌ لحدّة أزماتٍ أخرى مترابطة كلّها بعناصرها وبنتائجها وبالقوى الفاعلة فيها. ولا يمكن فصل الأزمة السورية عن الخلافات العربية-الإيرانية-التركية وعمّا حدث في العقد الماضي، فسوريا هي قضية حاضرة الآن في كل الأزمات الدولية، وسيكون مصير الحرب المشتعلة فيها، أو التسوية المنشودة لها، هو الذي سيحدّد مصير الأزمات الأخرى.
أيضاً، فإنّ مخاوف إدارة أوباما من زيادة نفوذ جماعات التطرّف المسلّحة في سوريا ومخاطر انتشارها إلى دول مجاورة، لا يمكن إزالتها من دون تسوية سياسية للحرب الدائرة في سوريا وعلى سوريا.
البيان
خيارات فردية للسوريين في سوقي النظام والمعارضات/ علي العائد
عندما لم يجد السوريون كياناً سياسياً يترجم طموحات ثورة الكرامة السورية، كانوا مضطرين للبحث عن خلاصهم الفردي، كل بطريقته وأدواته.
المجلس الوطني، وهيئة التنسيق، ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وغيرها من التشكيلات، فشلوا جميعاً في تقديم مقال، أو عمل، يقنع جمهور السوريين في ما يعملون، أو حتى في ما يقولون. الأدهى أن عملهم وقولهم لم يقنع حتى المجتمعين الغربي والعربي، فاختار أعضاء هذه التشكيلات السياسية البقاء في مواقعهم، كخيار فردي أيضاً، ليحافظوا على امتيازاتهم في الدخول المادية التي يتقاضونها لقاء هذا التمثيل الشكلي للسوريين، إضافة إلى الظهور الإعلامي، وممارسة البطولات البلاغية التي تغطي ساعات البث التلفزيوني غير المنتهية.
كان طبيعياً أن يهرب الفقراء بحياة أطفالهم، ويهرب أصحاب المدخرات القليلة بما يملكون، وأن يهرب من باع كل ما يملك بحثاً عن الحياة في مكان ما داخل سوريا أو خارجها، كلٌّ اختار تفضيله الفردي مضطراً، بعد أن فقد الأمل في من يحمي خياره السياسي الذي بدأ مع الأيام والشهور الأولى لانتفاضة السوريين قبل أربع سنوات.
يقف اللاجئون السوريون في كل من لبنان والأردن والعراق وتركيا خارج هذه المعادلة، وهم ممن لا يملكون أصلاً ما يهربون به سوى حياتهم البشرية، بمعنى أنهم لا يملكون حتى ترف الخيار الفردي.
يبقى المغامرون الذين استغلوا الفرصة ليهربوا إلى أوروبا بما تبقى لهم من طموحات. كلها خيارات فردية لا يملك المنصف إطلاق حكم قيمة أخلاقي عليها، فالموت أحاط بكل هؤلاء، من جيش النظام، ومن الكتائب المسلحة بمختلف تلويناتها، ومن ثم انتشرت الفوضى وأصبحت شروط الحياة مستحيلة حتى لمن كان في مأمن من الموت قتلاً عن عمد، أو برصاصة طائشة.
إذاً، ساهم كل من النظام، والتشكيلات السياسية والعسكرية للمعارضة، على حد سواء، في اضطرار السوريين للبحث عن خلاصهم الفردي.
هنا، نجد من القصص الفردية ما نجده من قصص في حالات الرخاء، بين حدَّي الانتهازية المطلقة، والتضحية والإيثار.
قد يرى أحدهم أن هذا شيئاً طبيعياً، وأن مجموعة من الأمراض الاجتماعية المكبوتة ظهرت خلال الأزمة التي تعيشها الثورة مرة واحدة، ولذلك تفاجأ بعض المراقبين من كم الأمراض التي ظهرت. هذا صحيح إلى حد ما، فالفقر والتفقير، والجهل والتجهيل، والكبت المزمن، وتكميم الأفواه، وغياب الفضاء العام للتعبير الحر، اجتماعياً وفردياً، جعلا برميلاً فائق الحجم ينفتح بما فيه من أمراض دفعة واحدة ففاجأ الجميع بنتانة رائحته. هذا البرميل كان موجوداً مسبقاً، لكن تلك الروائح كانت مكبوتة، وتتوزع هنا وهناك، في الظل أو بعيداً عن الأضواء التي راح يتابعها الإعلام، بل يتصيدها.
هذه من نتاجات نظام أغلق على السوريين نوافذ الحياة إلا لمن سار في ركاب فساده وإفساده. وهي، تالياً، وخلال السنوات الأربع الماضية، نتاج معارضات يفشل أفرادها مرة وراء أخرى في صياغة خطاب سياسي متماسك عملياً، ناهيك عن الفشل الموصوف في تمثيل هؤلاء الفقراء المذلين المهانين، مع إصرار على الاستمرار في إنتاج الخطاب نفسه على أمل أن تكون النتيجة مغايرة.
لايزال السوريون مذلين مهانين حتى بعد 47 شهراً من إصرارهم على استعادة كرامتهم من النظام. أما النظام فمستمر في القتل لإعادة الناس إلى حظيرة الذل، بينما تستمر المحاولات الكلامية الفاشلة للمعارضات في رد كرامات الناس الذين لا يد لهم في صنع كرسي النظام، ولا يد لهم، أيضاً، في صنع كراسي المعارضات.
موقع 24