صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الأميركي من المسألة السورية

 

تفويض أوباما وفوضى الاستراتيجيا!/ راجح الخوري

في ٨ أب من العام الماضي بدأت المقاتلات الاميركية شن غارات لمنع تنظيم “داعش” من السيطرة على سد الموصل، ومنذ ذلك التاريخ حتى يوم امس، كان من المثير تماماً ان شركاء واشنطن في الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يضم اربعين دولة، لا يعرفون ما هي خطة أميركا في هذه الحرب، ولا يلمسون موقفاً اميركياً موحداً لا بين البيت الابيض والكونغرس، ولا داخل الكونغرس، ولا حتى بين اوباما والبنتاغون.

وهكذا عندما طلب اوباما امس تفويضاً من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية ضد “داعش” مؤكداً انه لن ينجرّ الى التورط في حرب برية جديدة في الشرق الاوسط، تذكّر الكثيرون وصف المستشار السابق للبنتاغون انطوني كودرسمان الوضع قبل شهر بأنه “فوضى استراتيجية” فى مواجهة الإرهاب!

ومنذ آب الماضي الى يوم امس قدم اوباما أطروحات متناقضة تماماً، ففي ٢٩ آب قال انه طلب وضع استراتيجيا لهذه الحرب، وفي أخر تشرين الأول اشار الى وجود هذه الاستراتيجيا، ثم كانت المفاجأة عندما كشف موقع “بريت بارت” الأميركي ان اوباما تحدث عن الاستراتيجيا قبل ان يطلعه البنتاغون عليها، ولعل ما يزيد الثورة اضطراباً وتناقضاً قول رئيس مجلس النواب جون بوينر “ان خطاب اوباما عن الاستراتيجية شيء والاستراتيجية شيء آخر، وان مقترح تدريب القوات العراقية والمعارضة السورية يمكن ان يستغرق أعواماً”!

بأزاء كل هذا ليس من الواضح ما اذا كان الكونغرس سيقرّ مشروع التفويض دون تعديل، ولكن من الواضح تماماً ان اوباما بعد ثمانية اشهر من بدء الحرب، يواصل إعتماد استراتيجيا السير على البيض في مواجهة “داعش”، بما يؤكد نظرية الجنرال جون آلن منسّق الائتلاف ان القضاء على “داعش” يحتاج الى ثلاث سنوات وربما الى عشر!

الشيء الوحيد الثابت في كل تصريحات اوباما عن الحرب على الإرهاب، انه حريص على عدم الإنجرار الى حرب برية جديدة، وأنه لن يرسل الجنود الأميركيين الى الميدان إلاّ على سبيل التدريب والتخطيط على ما يجري في العراق الآن، وهو ما كرره امس.

ولكن ليس المطلوب ارسال قوات اميركية بل وجود قرار اميركي جاد بدعم المعركة التي يخوضها الحيش العراقي الجديد ضد “داعش” فلقد بحّ صوت حيدر العبادي وأصوات زعماء قبائل الأنبار وهم يطالبون واشنطن بتسليحهم وهم كفيلون بهزيمة الارهابيين ولكن السلاح الاميركي يصل بالقطّارة كما يقال، ثم ان هناك في العراق من يصرّ على ان اميركا تسقط الاسلحة لتنظيم “داعش” بالمظلات.

ليس المطلوب ان يقاتل الاميركيون على الأرض بل ان يتعاملوا مع العراقيين والمعارضة السورية كما تعاملوا مع الأكراد في كوباني مثلاً… والسؤال لماذا الأكراد وحدهم لا يحتاج الى جواب!

النهار

 

 

 

في قوّة “داعش”/ حازم صاغية

مقابل توقّع قاسم سليماني نهاية «داعش» «الحتميّة»، طلب باراك أوباما تفويضاً تشريعيّاً من الكونغرس مدّته ثلاث سنوات، لمحاربة ذاك التنظيم في العراق وسوريّة وفي مناطق تتعدّاهما.

أغلب الظنّ أنّ توقّع أوباما أدقّ من توقّع سليماني.

فلم يعد من الهرطقة أن يقال إنّ «داعش» يستند إلى دعم أهليّ في العراق كما في سوريّة، وإنّ الدعم هذا مصدره طائفيّ ومناطقيّ، ومحطّاته الكبرى تمرّ في استبداد النظامين الصدّاميّ البائد والأسديّ الحاليّ، وإهمال الأسدين لمناطق الشرق والشمال الشرقيّ في سوريّة، والعداء للسنّة بعد سقوط صدّام في العراق، ودمويّة المواجهات الأميركيّة – السنّيّة في «المثلّث السنّيّ» العراقيّ بعد 2003.

لكنّ هذه العوامل كلّها، على أهميّتها، لا تكفي وحدها لتفسير قوّة «داعش»، أو لفهم الاستقبال الحسن الذي لقيه ويلقاه «خطابه الثقافيّ» واستحضاره «الخلافة» التي ربّما عاشت في المكبوت المديد لبيئات عريضة لم تجنِِ من عقود الحداثة الشكليّة، الجمهوريّة والعسكريّة، إلاّ النبذ والاستضعاف.

فهناك أيضاً وجهة عريضة تشقّ اليوم طريقها في المنطقة، يمكننا أن نصفها بـ «الداعشيّة»، حتّى حين تكون مناهضة لـ «داعش». وفي وجهة كهذه تزدهر تراكيب كـ «الدولة الإسلاميّة» وأطروحات كأطروحاتها.

صحيح أنّ دول المنطقة لم تكن مرّةً عديمة الصلة بتكوينات أهليّة صلبة، دينيّة أو طائفيّة أو إثنيّة. لكنّها لم تكن مرّةً، كما حالها الآن، متطابقة تمام التطابق مع تلك التكوينات.

فإذا اعتمدنا سوريّة نقطة انطلاق، وجدنا أنّ النظام الذي يخوض حرب البقاء والفناء، بالبراميل وبالكيماويّ وبما تيسّر من أدوات قتل، نظامُ طغمة أمنيّة وعسكريّة ذات مصالح اقتصاديّة فاقعة. لكنّ الأصحّ أنّه ليس نظام طغمة بالمعنى الذي أقامه بينوشيه في تشيلي، أو ضبّاط اليونان خلال 1967-1974، ولا حتّى نظام حسني مبارك في مصر وبن علي في تونس، وقبلهما الشاه في إيران.

فهو أوّلاً وأساساً، وقبل أيّ تحديد اجتماعيّ آخر، نظام جماعة أقلّيّة مذهبيّاً، ليست كلّها بطبيعة الحال مؤيّدة له، ولا مستفيدة منه، إلاّ أنّ رعونة السلطة وقسوتها في مقاومة التغيير تعكسان خوفاً لم يوجد مثله في إيران وتونس ومصر، وهي كلّها بلدان أعلى من سوريّة في درجة انسجامها الطائفيّ.

وفي العراق بات معروفاً أنّ صدّام حسين سبق أن قاد عمليّة انتقال من حكم الحزب، حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، إلى حكم الطائفة والمنطقة. وعلى رغم التعويل الراهن على رئيس الحكومة حيدر العبادي، فإنّ عراق اليوم يستأنف الصدّاميّة في صيغة معكوسة، بحيث تحلّ في الصدارة طائفة محلّ طائفة ومنطقة محلّ منطقة.

وإذ يرجح الدور الشيعيّ المحض على السياسة الخارجيّة لإيران، ويتنامى الدور السنّيّ في السياسة الخارجيّة لتركيّا، وتتّجه يهوديّة إسرائيل لأن تزن أكثر ممّا تزنه ديموقراطيّتها، لا تقدّم بلدان كليبيا واليمن ولبنان إلاّ عيّنات متفاوتة على تحوّل الدول أوعيةً للطوائف أو المناطق، أو تعرّضها للانكسار تحت ضغط الميل الأهليّ إلى الصفاء والاكتفاء الذاتيّ. وفي هذا كلّه انتصار لـ «داعش»، وعياً وسلوكاً. فحتّى حين ينهزم «داعش»، كما الحال في كوباني، لا يتبدّى أنّ وطنيّة سوريّة جامعة هي المستفيد من تلك الهزيمة، كما لا يتبدّى أنّ حدثاً كهذا، على أهميّته، يحسّن شروط السعي إلى إقامة دولة سوريّة بديل.

فعنف «داعش»، والحال على ما هي عليه، يرهص بمستقبل قد يكون مستقبلنا بوصفنا جماعات أهليّة متناحرة سُدّت في وجهها أبواب الدولة. وليست بلا دلالة المبايعات التي يحرزها التنظيم ما بين اليمن وليبيا. أمّا الوضع الإقليميّ والدوليّ الذي يحارب «داعش» حرباً تقوّيه، فأغلب الظنّ أن يسفر لاحقاً عن استعداد للتطبيع مع واقع الحال «الداعشيّ». وقد تكون سوابق أفغانستان و»طالبان» مفيدة في هذا الباب.

الحياة

 

 

استراتيجية أوباما: الأمن أولاً /جويس كرم

ليس هناك إعادة حسابات ولا تغييرا جذريا في السياسة الأميركية خلال السنتين الاخيرتين لباراك أوباما في البيت الأبيض، بحسب ما يتضح من وثيقة “استراتيجية الأمن القومي” الأخيرة لواشنطن. فالأعمدة الرئيسية التي وضعتها المستشارة سوزان رايس بعد “الربيع العربي” ما زالت هي نفسها، تتبدى فيها اقليميا أولوية الأمن على الديموقراطية، واعتماد مبدأ الابتعاد عن النزاعات المكلفة بدلا من استنزاف قدرات بشرية وعسكرية لحلها.

الاستراتيجية الجديدة التي كشفت عنها الادارة الجمعة الماضي، وهي الاخيرة لأوباما قبل مغادرة البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) 2017، تعكس توازنا لمصلحة الدائرة الضيقة داخل فريق الرئيس، وآخر إقليميا حذرا وبراغماتيا يعتمد نهجاً بارداً في مقاربة أزمات المنطقة. فمن ناحية الفريق، تعكس الاستراتيجية الواقعة في 35 صفحة نفوذ رايس التي رافقت أوباما منذ الحملة الرئاسية في 2007، وهي الأقرب اليه وأكثر تأثيراً في رؤيته الخارجية من الوزير جون كيري.

رايس المعروفة بصراحة فاضحة تغيب عنها الديبلوماسية، سوقت الاستراتيجية الجديدة في خطاب امام “معهد بروكينغز”. وجاءت الوثيقة لتعبر عن تطابق تام في سياسة الشرق الأوسط مع ما كانت كشفت عنه المستشارة العام 2013 في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”. فالخطوط العريضة الأربعة التي حددتها قبل عامين في المنطقة تتكرر نفسها اليوم كمحرك لرؤية واشنطن، وهي أولا مكافحة الإرهاب وتفكيك الشبكات الإرهابية، وثانيا ضمان أمن الحلفاء الإقليميين وتعزيز قوتهم الدفاعية، وثالثا الحد مِن الانتشار الكيماوي والنووي (إيران)، ورابعا ضمان تدفق النفط والطاقة من الشرق الأوسط.

عملياً، بررت الاستراتيجية انعطافات أوباما الإقليمية من سورية الى مصر بمحاربة “القاعدة”. فالفشل الذي يتهمه به خصومه في سورية تسميه الوثيقة “الصبر الاستراتيجي” وتبرر المسافة التي حفظها اوباما من النزاع بعدم الانزلاق الى “حروب أهلية” و “فتن طائفية” في المنطقة، وعدم حصر القوة الاميركية بالناحية “العسكرية”. وتحدد الوثيقة سقف اي تحرك في سورية بدعم المعارضة المعتدلة للمحاربة على جبهتين “ضد الاٍرهابيين وضد وحشية نظام الأسد”، وهو ما تتوقع مصادر ان يبدأ مطلع الصيف بعد الانتهاء من تدريب الفوج الاول للمقاتلين الخمسة آلاف المدعومين من واشنطن.

أما في مصر، فترسخ الاستراتيجية الاحتضان الاميركي للمصالح الامنية والتعاون البراغماتي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. اذ قالت رايس في “بروكينغز” حول دعم الديموقراطية في العالم العربي ان “الهدف البعيد المدى هو المجتمعات الديموقراطية، إنما من الصعب النجاح حين يكون علينا التركيز على التهديدات الأمنية”. وتبنت الوثيقة “المحافظة على التعاون الاستراتيجي مع مصر بشكل يعزز التعامل في الرد على التهديدات الأمنية المشتركة وتوسيع شراكتنا وتشجيع التقدم نحو بناء المؤسسات”.

فأوباما البارد في حساباته الإقليمية، كان متمسكا منذ اليوم الاول بالانسحاب من النزاعات المكلفة في الشرق الأوسط والتحول الى أسواق آسيا. وجاء “الربيع العربي” ثم “داعش” وأزمة اوكرانيا ليعرقلوا هذه الرؤية. غير ان الرئيس المتردد سيحاول قدر الإمكان إدارة أزمات المنطقة من بعد، من دون التورط في وحولها. فلا قوات برية في العراق، ولا تصادم مع اسرائيل حول عملية السلام التي تناستها الاستراتيجية الجديدة، فيما يستمر امتحان نوايا ايران في محادثات احتواء برنامجها النووي. وعليه، فإن الدور الاميركي في المنطقة، والى حين خروج أوباما، أمني ودفاعي بالدرجة الاولى، عبر دعم الحلفاء عسكريا، وضرب “داعش” و”القاعدة” وما يماثلهما، وإبطاء عجلة المنشآت النووية الإيرانية.

الحياة

 

 

سوريا وإيران..وإدارة أوباما/ خيرالله خيرالله

بعد اسابيع قليلة، في الحادي عشر من آذار ـ مارس المقبل، تدخل الثورة السورية سنتها الخامسة. مع مرور الأيّام، يتبيّن كم حجم تضحيات الشعب السوري كبير وكم سيكون صعبا بقاء الكيان السوري موحّدا. يعود ذلك إلى أنّ سوريا عانت منذ الإستقلال من أزمة كيان ونظام في الوقت ذاته. لم تكن هناك أي شرعية لأي نظام فيها باستثناء فترات قصيرة كانت فيها مجالس نيابية منتخبة. ما تبقّى كان أنظمة تستند إلى كلّ شيء باستثناء الشرعية.

بلغ التدهور في سوريا حالا بات فيها النظام يراهن منذ فترة لا بأس بها على الاحتفاظ بقسم من البلد، على أن يكون لهذا القسم ممرّ إلى لبنان، إلى سهل البقاع الذي يسيطر «حزب الله» على جزء منه، خصوصا محيط مدينة بعلبك.

هناك محاولات مستميتة يبذلها النظام منذ فترة من أجل تغيير طبيعة التكوين السكّاني في المنطقة التي ينوي السيطرة عليها والتي تشمل الساحل السوري ودمشق، مرورا بحمص، وصولا إلى الداخل اللبناني. كان التركيز في كل وقت على تحويل ما بات يعرف بـ»دولة النظام» إلى دولة تضمّ أقل عدد من المواطنين السنّة. وهذا يفسّر إلى حد كبير عمليات التهجير ذات الطابع المذهبي في حمص ومحيطها وشراء أراض في دمشق ومحيطها والسعي إلى الإرتباط بمناطق «حزب الله» في لبنان… فضلا عن تجنيس عراقيين ولبنانيين!

يبقى السؤال، هل سيكون ممكنا إخضاع دمشق، على الرغم من كلّ الجهود التي تبذل من أجل ذلك؟ إنّها جهود تستخدم فيها وسائل مختلفة وتلقى في طبيعة الحال دعما ايرانيا واسعا. هذا الدعم مباشر وعبر أدوات إيران اللبنانية والعراقية. ليس معروفا إلى متى يمكن أن يستمر ذلك، خصوصا بسبب التغيير الذي حصل في العراق منذ الإنتهاء من حكم نوري المالكي.

كذلك، ما يطرح تساؤلات في شأن الدعم الإيراني هبوط اسعار النفط في وقت بدأ الصراع على السلطة في طهران يأخذ طابعا جدّيا في ضوء مرض «المرشد» علي خامنئي من جهة واحتمال التوصّل إلى إتفاق في شأن الملف النووي مع الولايات المتحدة من جهة أخرى. ماذا يمكن أن يعني الإتفاق الأميركي ـ الإيراني، في حال حصوله، على صعيد البرنامج التوسّعي لإيران؟ هل يعني إطلاق يدها في المنطقة والإعتراف بها كقوة إقليمية تتقاسم النفوذ مع اسرائيل وتركيا، أمّ أن الإقتصاد سيقرّر في النهاية حجم قدرة ايران على لعب دور أكبر من دورها؟

بغض النظر عمّا سيكون عليه الدور الإيراني على الصعيد الإقليمي،هناك عاملان يدعوان إلى التشاؤم بمستقبل سوريا. الأوّل السياسة الأميركية والآخر الطموحات الإيرانية.

لا وجود، إلى اشعار آخر، لسياسة أميركية واضحة تجاه سوريا، خصوصا في ظلّ إدارة حائرة إختزلت مشاكل الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني. أكثر من ذلك، لا يبدو أن الولايات المتحدة مهتمّة بتحقيق هدف ما في سوريا باستثناء أنّها ترفض القيام بأيّ خطوة تحول دون تفتيت البلد أو تسيء إلى ايران.

حتى بالنسبة إلى روسيا، التي ليس مفهوما لماذا تدعم نظاما بات معروفا جيّدا أنّه انتهى، هناك مسايرة أميركية لها. تبدو إدارة أوباما في وضع من يريد تفادي أي مواجهة مع روسيا في شأن سوريا. هذا لغز غير مفهوم ولا تفسير له سوى الرغبة في عدم إزعاج ايران والرهان على إمكان التوصل معها إلى إتفاق يتعلّق بالملفّ النووي الذي بات محور السياسة الأميركية في الشرق الؤسط.

أمّا بالنسبة إلى ايران حيث يدعو «المرشد» إلى ارسال شبّان إلى سوريا والعراق ولبنان، فلا شيء يدلّ على استعداد للتراجع. على العكس من ذلك، هناك سياسة ايرانية تقوم على تشجيع قيام «دولة النظام» المرتبطة بلبنان وبدويلة «حزب الله» في غياب القدرة على تحويل سوريا كلّها إلى مستعمرة. ولذلك، نجد طهران تطلب هذه الأيّام ضمانات محددة، على شكل عقارات، في مقابل كل دولار تريد تقديمه إلى النظام.

يبدو المستقبل مظلما في سوريا في ظلّ نظام لم يمتلك يوما أي شرعية من أيّ نوع كان. إنّه نظام لا يرى من مخرج سوى قيام دولة خاصة به تكون في نهاية المطاف تحت رحمة ايران وتعيش في ظلها.

يدفع النظام حاليا ثمن عجزه عن فهم المعادلة الإقليمية. لا يشبه عجزه غير عجز صدّام حسين وغبائه السياسي الذي دفعه إلى إجتياح الكويت صيف العام. لم يكن حجم جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في مثل هذه الأيام من العام أقلّ من جريمة احتلال الكويت. في الحالتين نجد ايران تملأ الفراغ الذي تركه سقوط صدّام في العراق، فيما هي في صدد ملء الفراغ الناجم عن سقوط بشّار الأسد، الذي سقط عمليا قبل أن يسقط رسميا.

هل ما يؤهل ايران على لعب هذا الدور الإقليمي، الذي يعني أوّل ما يعني الإنتهاء من سوريا التي عرفناها، حتّى لو توصّلت إلى إتفاق في شأن ملفها النووي مع إدارة أوباما؟ الأكيد أن قدرتها على لعب هذا الدور أمر صعب لكنّه ليس مستحيلا. الأكيد أن مستقبل سوريا أسود بغض النظر عما إذا كانت ايران ستربح رهانها أم ستخسره…

ما هو أكيد أكثر من ذلك كلّه، أنه تظلّ للكتلة العربية كلمتها في المنطقة. صحيح أن الكتلة العربية لم تستطع التدخل في سوريا ومنع ادارة أوباما من متابعة سياسة تصبّ في تفتيتها. لكنّ الصحيح أيضا أنّه لا يزال مجال لقرار عربي يتجاوز السياسة الأميركية. هذا ما حصل في مصر حيث كان يمكن أن يقع البلد العربي الأكبر في الشباك الإيرانية بفضل الإخوان المسلمين والنظام الذي سعوا إلى إقامته. كان القرار العربي القاضي بإنقاذ مصر من براثن الإخوان دليلا على أنّ هناك من يفكّر في المستقبل ويرفض الإنقياد لإدارة أميركية لا تعرف ماذا تريد، باستثناء أنّها تريد استعادة ايران. تريد إدارة أوباما استعادة ايران ولكن من دون طرح سؤال بديهي هو أي ايران مطلوب استعادتها؟ هل ايران التي ترتهن على اثارة الغرائز المذهبية في كلّ بلد عربي، على غرار ما شهدناه في العراق؟

نعم، مستقبل سوريا أسود. هل يمكن عمل شيء عربيا، على غرار ما حدث مع مصر حيث ساند العرب ثورة شعبية حقيقية قلبت نظام الإخوان. الجواب أن الوضع السوري تجاوز مرحلة كان لا زال ممكنا عمل شيء للبلد. الواقع أنّ إدارة اوباما لم تترك مجالا سوى لخيار واحد هو تفتيت سوريا. هل تتمكّن ايران من الحصول على جزء من هذا الكيان؟ الجواب متروك للمستقبل…

المستقيل

 

 

 

 

أميركا لداعش: لا تؤاخذونا سنقصفكم قليلاً/ حسين عبد الحسين

فجأة انهارت السياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه. فعلى مدى الأسبوع الماضي، تلقت الإدارة الأميركية الصفعة تلو الأخرى بسبب ارتباكها في التعاطي مع سوريا والعراق، ولم ينقذها إعلانها استراتيجيتها للأمن القومي للعام 2015، وزاد في مأزقها تصريحات المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الذي بدا وكأنه يعارض اتفاقية الإطار التي توشك مجموعة دول “خمسة زائد واحد” وإيران على الإعلان عنها.

أسوأ الأسابيع للسياسة الخارجية الأميركية بدأ باستفسارات من المشرعين حول المجهود الأميركي الحربي في العراق وسوريا في جلسات مغلقة، انعقدت على إثر طلب البيت الأبيض من الكونغرس اصدار قانون جديد يخول الحكومة “استخدام القوة العسكرية”، ويستبدل قانوني حربي أفغانستان والعراق.

وحسب التقارير المتواترة من أروقة الكونغرس، قام أعضاؤه – من الحزبين الجمهوري المعارض والديموقراطي – بممارسة “الشواء”، حسب التعبير المتداول، بحق مسؤولي الإدارة. وحاول بعض المشرعين الاستفسار عن اعلان الكرد تحريرهم الكامل لمدينة كوباني في شمال سوريا الشرقي. وبعد سلسلة من الإجابات غير الواضحة، رفع أحد المشرعين ورقة وقال “هذا بيان القيادة الوسطى، سبع غارات قرب كوباني، تلتها تسع غارات، تلتها 11 غارة. إذا كنا حررنا كوباني، فلماذا مازلنا نشن غارات عليها؟”.

وتابع المشرع، بغضب “هذه نصف حرب على الإرهابيين وكأننا نقول لتنظيم داعش لا تؤاخذونا سنقصفكم قليلاً”. وتابع المشرعون هجومهم على إدارة أوباما، وقالوا إن داعش مازال قادراً على شن هجمات في العراق، وأنه كان حتى الأسبوع الماضي يطرد شيوخ العشائر من السنة العراقيين المعادين له، ويقتلهم.

ومن المآخذ على الحكومة الأميركية بطء برنامج “تجهيز وتدريب المعارضة السورية المعتدلة”، الذي تتحدث عنه الإدارة منذ الصيف الماضي والذي لا يبدو انه أثمر حتى الآن. واعتبر أحد أعضاء الكونغرس أن أي إنجازات حققها “الجيش السوري الحر” ضد داعش، أو قوات الرئيس السوري بشار الأسد، جاءت بمجهود ذاتي وقدرات متواضعة، “فيما نحن نعلن في كل مرة وقف مساعداتنا المتواضعة لهم في كل مرة ينجح خصومهم في توجيه ضربات لهم، بدلا من ان نفعل العكس”.

ولم تكد الإدارة تفق من هجوم الكونغرس عليها، حتى تصدر الصحف الأميركية استطلاعاً قامت به مجلة “فورين بوليسي” وشمل أكاديميين متخصصين في السياسة الخارجية في أبرز الجامعات في الولايات المتحدة. وأظهر الاستطلاع ان المتخصصين يعتقدون أن وزير الخارجية جون كيري هو الأقل فاعلية بين وزراء الخارجية الأميركيين على مدى السنوات الخمسين الماضية.

تلى الاحراج الذي طال كيري إطلالة “مستشارة الأمن القومي” سوزان رايس، في معهد بروكنغز للأبحاث، للإعلان عن استراتيجية الإدارة للأمن القومي للعام الحالي. ولم تقدم رايس ما هو جديد، حسب غالبية المتابعين، وكررت الحديث عن خطة واشنطن “لإضعاف قدرات” داعش، ولتسليح المعارضة السورية المعتدلة، وللتوصل الى حلول سياسية في سوريا، ودبلوماسية مع إيران، وبين بين في أوكرانيا.

وكتب الصحافي ايلاي لايك في “بلومبيرغ فيوز” أنه في خطاب رايس، وردت كلمة أن أميركا “تقود” أو “قيادة” أكثر من 100 مرة، “فيما كان في الخطاب الكثير من كلمات تدريب وتجهيز”، حسب الصحافي الأميركي، الذي ختم متهكما بالقول: “كونوا مطمئنين، فكل جهودنا (الأميركية) هي دائما شاملة”.

وبينما كان كيري يعقد اجتماعات متكررة، على هامش “مؤتمر الأمن” في ميونيخ، مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وفيما بدا أن المفاوضين يتجهون لإعلان “اتفاق إطار”، قبل أو مع حلول 24 من الشهر المقبل، يليه إبرام اتفاقية نووية دائمة مع إيران قبل انقضاء شهر حزيران/يونيو المقبل، أطل خامنئي في خطاب لينسف هذا الترتيب، وليطلب اتفاقية واحدة مفصلة تؤدي الى رفع فوري وشامل للعقوبات الاقتصادية الدولية على إيران، في مقابل وضع ضوابط تجبر الإيرانيين على إبقاء برنامجهم النووي بعيدا مسافة عام من انتاج قنبلة نووية.

وإنقاذا لبعض ماء الوجه، كان كيري، الذي يدرك ان غالبية الكونغرس الساحقة بغرفتيه وحزبيه ستنقلب على أوباما وادارته في حال عدم التوصل الى أي نتائج مع حلول 24 آذار/مارس، قال إن لا تمديد جديداً لأي مفاوضات بعد هذا التاريخ، أي أن الطرفين مجبران على التوصل الى أي نوع من الاتفاق – مرحلي ام نهائي – مع حلوله. ولكن مع قضاء خامنئي على فكرة اتفاق الإطار المرحلي، يصبح كيري مجبراً على تقديم اتفاقية نهائية ترفع العقوبات بأكملها، وهو ما سيكون من الصعب على أوباما وإدارته تسويقه سياسياً في واشنطن في هذه المدة الزمنية القصيرة.

ولأنه يبدو أن أوباما عقد كل آماله في سياسته في الشرق الأوسط على اتفاقية مع الإيرانيين، ولأن التوصل لهكذا اتفاقية صار يبدو أكثر تعقيداً، شنت غالبية الأميركيين المعنيين بالسياسة الخارجية هجوماً على الإدارة الحالية، واتهموها بعدم تقديم أي خطط بديلة في حال فشل الدبلوماسية مع الإيرانيين.

وقال الخبراء، الذين أطلوا عبر الاعلام، إن الجزء الأساسي من القضاء على داعش يرتكز الآن على ميليشيات شيعية موالية لإيران، وأن الحل في سوريا ربطته الإدارة بالتوصل لاتفاق مع طهران، وكذلك يبدو الوضع في اليمن. وتساءل الخبراء بالقول إنه إذا انهارت المفاوضات مع الإيرانيين، يصبح خيار أوباما الوحيد “مشاهدة طهران وهي تبتلع المنطقة، فيما المقاتلات الأميركية تشن نصف حرب ضد داعش، ولا تعرف بالضبط أهدافها، ويمكنها بالكاد إبقاء الدول الحليفة في التحالف”.

كلمة ذلك المشرع في الكونغرس “لا تؤاخذونا سنقصفكم قليلاً” تختصر ارتباك أوباما وإدارته، وربما يمكن تحويرها لتجعل إدارة أوباما تتوجه الى العالم بالقول: “سامحونا فنحن لا ندري ماذا نفعل”.

المدن

 

 

 

استراتيجية أوباما في الحرب على «داعش» والنظام السوري /راغدة درغام

مع نهاية الشهر المقبل تصل المفاوضات النووية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى منعطف تاريخي لمستقبل التسلح النووي بغض النظر إن فشلت تلك المفاوضات أو أثمرت عن اتفاق. وحتى ذلك الوقت، ستمر العلاقة الأميركية – الروسية بعدة محطات، بينها المحطة الإيرانية التوافقية نسبياً، مع أن روسيا عملياً هي حليف لإيران والولايات المتحدة لم تطبّع معها رسمياً بعد. فالرئيس الأميركي باراك أوباما يميّز المفاوضات النووية مع إيران عن كافة سياساته الأخرى وقد وضع لها استراتيجية فيما ترك أهدافه الأخرى المعلنة بلا استراتيجيات. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجد في الملف النووي الإيراني مساحة مستمرة للتفاهمات مع الغرب وهو يسعى لأن تكون الحرب على «داعش» باباً آخر إلى ساحة التفاهمات مع الولايات المتحدة. فالرئيسان يتصارعان في أوكرانيا حيث أحدهما في عزم وعناد على مواقفه والآخر في مطاطية وانفتاح. وهما يتعانقان في إيران وسورية بالرغم من أن أحدهما في حلف واضح مع طهران ودمشق والآخر أعلن سياسة تقضي بعدم السماح لإيران بامتلاك قدرات نووية غير سلمية وتطالب برحيل الرئيس بشار الأسد. هذه التناقضات والتجاذبات ليست غير جدية ولا هي مجرد لعبة ديبلوماسية، لكن الخلاف بين البلدين يصل إلى ذروة الجدية عندما تتداخل الأدوات الاقتصادية مع استراتيجيات التموضع عالمياً. وهنا، تبدو الولايات المتحدة في ارتياح تام بسبب الاعتبارات الاقتصادية واعتلائها عرشاً جديداً في موازين النفط، فيما تبدو روسيا في عين العاصفة وهي تعاني من انخفاض أسعار النفط وعقوبات اقتصادية مؤذية لن تنقذها منها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي أصرّت على أوباما ألاّ يوفّر الأسلحة إلى الحكومة الأوكرانية كي لا يثير غضب صديقها بوتين ويتخذ إجراءات تورّط حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أوكرانيا وفي مواجهة مع روسيا. حصلت على تأجيل الحسم في القرار من الرئيس الأميركي الذي قال إنه يضع كامل الخيارات أمامه إنما لن يتخذ القرار حتى حين آخر.

هذا موقف شبه معتاد من الرئيس أوباما الذي لا يهرول إلى القرار وإلى التسليح – لا في سورية ولا في أوكرانيا – ويراهن على اللاتورط واللاانخراط لعل الصبر والحذر والانتظار تؤدي إلى نتيجة.

النتيجة كانت واضحة في سورية حيث أسفرت تلك السياسة عن مأساة إنسانية مروعة يرفض الجميع تحمل مسؤوليتها، بما في ذلك بشار الأسد الذي يعتبر نفسه بريئاً من قتل الأبرياء من أهله لأنه في حرب ضد الإرهاب نيابة عن العالم. النتيجة كانت واضحة لأن مماطلة أوباما في اتخاذ القرار والتمسك بسياسة اللاانخراط والصبر والانتظار ساهمت جذرياً في تحوّل سورية إلى مغناطيس جذب الإرهابيين إليها، إلى أن تحوّلت ساحة إنماء للإرهاب وباتت حروبها تُختصَر بالحرب على «داعش».

بالطبع ليست الولايات المتحدة هي المسؤولة الوحيدة عن الوضع في سورية، بل هي ليست المسؤولة الأولى. فروسيا وإيران انخرطتا في الحرب حليفتين للنظام في دمشق في حرب أهلية قبل أن تتحول سورية إلى حرب على «داعش» يشنها تحالف من الولايات المتحدة ودول عربية لا يشمل محور روسيا وإيران وسورية – المحور المستفيد جداً من تلك الحرب، وهو شاكرٌ للتحالف الذي يشنها.

ما هي استراتيجية إدارة أوباما التي تقود التحالف الدولي في الحرب على «داعش»؟ إذا كان مجلّد «استراتيجية الأمن القومي» الذي أصدرته الإدارة الأسبوع الماضي دليلاً، لا توجد لدى إدارة أوباما استراتيجية لتنفيذ الأهداف التي يدرجها المجلد وتشمل التعهد بتدمير «داعش»، وإذا كانت تلك الاستراتيجية موجودة، فإن إدارة أوباما فضّلت الاحتفاظ بها بدلاً من مشاركتها مع الشركاء في التحالف. وإذا كانت شاركتهم بها، فإن القرار هو الكتمان والاحتفاظ بالسرية القاطعة.

أحد المصادر تحدث عن معلومات عسكرية لديه بأن إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة أدى إلى اتخاذ واشنطن قراراً يقضي بنقلة نوعية في العمليات العسكرية، يبدأ تنفيذها مع بداية شهر نيسان (ابريل)، تنطوي على استراتيجية سحق «داعش» بعمليات جوية ترافقها عمليات برية لجنود أميركيين موجودين في المنطقة وبقوات أخرى من التحالف الدولي.

لعله كان لدى واشنطن علم بمقتل الرهينة الأميركي، كايلا مولر، عندما اتخت القرار. إنما، وفق هذا المصدر، تم اتخاذ هذا القرار بالتوافق والتنسيق بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية الأميركية. وهو حاسم وحازم. وبناء عليه سيتم توسيع العمليات التي يقوم بها أقطاب التحالف، جواً وبرّاً.

واضح أن القيادة العسكرية الأميركية تبلغ القيادة العسكرية السورية، كما قال الأسد في حديثه إلى محطة «بي بي سي»، بأنها تنوي شن الغارات على «داعش» – عبر العراق وأطراف ثالثة أخرى – لتجنب المواجهة معها خطأً في الأجواء السورية. واضح أيضاً أن القيادة العسكرية السورية توافق على اختراق أجوائها السيادية بأخذها علماً بالإبلاغ وتبرر ذلك بأنه في مصلحتها لأن «التحالف» يكسب لها معركة ضد «داعش» لم تكن قادرة على الصمود في وجهها. وفي الوقت ذاته، تستطيع دمشق التركيز على معركتها مع المعارضة المسلحة المعتدلة لأن «التحالف» يريحها من المعركة الضارية مع «داعش».

وعليه، عودة إلى السؤال: ما هي الاستراتيجية الأميركية نحو دمشق وحلفائها في المحور الذي يضمها مع «حزب الله» وطهران وموسكو وهي تقود تحالفاً يشن حرباً على «داعش»؟ بماذا تطمئن الإدارة الأميركية شركاءها في التحالف الذين لن يتمكنوا من أن يتحولوا إلى الرصاصة في البندقية التي تنقذ بشار الأسد وتعطي إيران و «حزب الله» وروسيا انتصاراً على المعارضة وفوزاً بسورية؟

هناك رأي يقول إن سحق «داعش» بات الأولوية القاطعة ليس فقط لواشنطن وإنما أيضاً للعواصم العربية المشاركة في «التحالف»، بسبب ما يشكله من خطر وجودي عليها. وبالتالي، لا مانع لدى هذه الدول من تفاهمات تقضي ببقاء أجزاء من النظام في دمشق في الحكم مع رحيل الأسد، وإن هذه التفاهمات التي تُبحَث وتُعَد تشمل الولايات المتحدة وروسيا، وربما إيران إذا اقتضى إنجاح المفاوضات النووية ذلك.

وعندئذ، يُطرح السؤال التالي: هل توافق إيران على تفاهمات تؤدي إلى رحيل الأسد أو إلى التخلي عن الفوز بسورية عبر نظام موالٍ لها بعدما استثمرت كثيراً في الحرب السورية؟ فالانقسام في داخل إيران حقيقة، لكن القرار ما زال للمرشد آية الله علي خامنئي. فهل سيقف في وجه «الحرس الثوري» ويقول إن على ايران أن تعيد حساباتها كي لا تكون الخاسر في سورية وكي تتمكن من التموضع مجدداً ما بعد رفع العقوبات عنها إذا تم التوصل إلى الاتفاق النووي؟

مرة أخرى، هناك أكثر من رابط الأمر الواقع بين المفاوضات النووية وبين التوغل الإيراني إقليمياً، وأبرز الروابط هو العنصر الاقتصادي، لأن طهران لن تتمكن من الانتصار في الحرب السورية ما لم تتمكن من التحرر من العقوبات بموجب تفاهمات نووية. مرة أخرى، هناك أكثر من محاولة تموضع روسية تقع بين طموحاتها الأوكرانية وبين تحالفاتها الإيرانية والسورية. لذلك، ترى موسكو أن من مصلحتها البناء على حاجة واشنطن إليها في المفاوضات النووية مع إيران وفي الحرب على «داعش» في سورية كي تتعافى من إفرازات المواجهة مع واشنطن وحلف «الناتو» المتمثلة بالعقوبات المؤذية لاقتصادها وعنفوانها – والذي بدوره قد يقودها إلى تصعيد وتورط أكبر في أوكرانيا.

ماذا سيحدث إثر المفاوضات النووية بين إيران ودول الـ5+1، في حال فشلها أو نجاحها؟

الفشل لن يؤدي إلى حرب لأن استراتيجية واشنطن لا تنطوي على ذلك. سيؤدي إلى شد الخناق الاقتصادي على إيران لدرجة الحصار، وستقوم الولايات المتحدة بعدة إجراءات تقلّم الأظافر الإيرانية الممتدة إقليمياً مباشرة أو عبر «حزب الله». ستتخذ واشنطن كل الاحتياطات لما تتوقعه من عمليات انتقامية بما فيها عبر تغذية عمليات إرهابية. وقد تضطر الولايات المتحدة لاحقاً إلى القيام بغارات عسكرية محدودة الأهداف للقضاء على قدرات إيران النووية في مفاعل محددة.

الفشل قد لا يؤدي إلى كبح الطموحات النووية الإيرانية. وهذا سيؤدي بدوره إلى إطلاق السباق على التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط، عربياً وتركياً.

أما نجاح المفاوضات فقد لا يكبح السباق على التسلح النووي لأن إنجاح المفاوضات يتطلب بالضرورة الإقرار بالقدرات النووية الإيرانية على بعد «برغي» من تفعيلها. وهذا يعني، كما قال هنري كيسنجر أمام لجنة الخدمات العسكرية في مجلس النواب، إن إدارة أوباما نقلت المفاوضات النووية من خانة إجماع دولية على منع الانتشار ومنع «القدرة» على تطوير السلاح النووي إلى مفاوضات ثنائية حول «مدى scope تلك القوة» لفترة محددة. وهذا يعني الانتقال من «منع» الانتشار النووي إلى «إدارته».

يعني أيضاً أن الموافقة على امتلاك إيران القدرات النووية العسكرية ستؤدي بدول المنطقة إلى الإصرار على حقها أيضاً بامتلاك تلك القدرات، بشرائها، وليس بالضرورة بتطويرها وصنعها داخلياً.

البلد الأول الذي دشّن السلاح النووي في الشرق الأوسط هو إسرائيل التي تعتبر أن مجرد نفيها امتلاك الأسلحة النووية كافٍ لعدم خضوعها للمحاسبة وللمراقبة. الدول العربية ثابرت على المطالبة بإنشاء «منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل» في الشرق الأوسط إلى أن حاول الرئيس العراقي السابق صدام حسين اقتناءها، فدُمِّرت بقرارات دولية ودُمِّر العراق معها. وكان الموقف الأميركي القاطع هو عدم السماح لأية دولة عربية حتى بالتفكير بامتلاك القدرات النووية.

لم تتخذ الولايات المتحدة مواقف مماثلة من امتلاك إيران القدرات النووية. وهكذا وصلت الأمور إلى مفاوضات على «إطار» قد يعطي إيران حق امتلاك القدرات النووية شرط عدم تصنيفها عسكرياً. ومثل هذا الاتفاق هو الذي سيطلق السباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط.

لذلك، ما ستكشف عنه المفاوضات النووية بعد سبعة أسابيع ليس مجرد محطة وإنما هو منعطف بغض النظر إذا فشلت المفاوضات أو نجحت.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى