صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الإيراني من الأزمة السورية

 

 

التجربة الروحانية/ حسام عيتاني

يتفق مراقبون للشأن الايراني على أن وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان بمثابة فتح طريق أمام تجربة يقوم بها النظام من دون أن تكون خياره الوحيد وترمي إلى استيعاب التوتر الداخلي وتفكيك الجبهة الدولية المناهضة للسياسة الإيرانية الحالية.

ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانتخاب روحاني، تبدو طفيفة التغيرات التي أدخلها على المناخ السياسي الإيراني والاقليمي. فعلى مستوى الصراع بين التيارات الايرانية، ساهم روحاني في ادارة الخلاف لادراكه صعوبة التوصل إلى تسوية بين الأطراف المتنافسة في ظل وجود مراكز القوى في الحرس الثوري ومكتب المرشد وتجمعات الاصلاحيين وكلهم في حال تربص وانتظار فيما يدير مرشد الجمهورية علي خامنئي خيوط التوازنات والصراعات محافظا على الخطوط العريضة للاستراتيجية الايرانية. وهذه يمكن تلخيصها بتجميع أوراق إقليمية يمكن التفاوض عليها وبها لحماية استمرار النظام. وبعد الاتفاق النووي الموقع بين مجموعة “5+1” وإيران في العام الماضي، تصاعدت أهمية الأوراق الإقليمية كجزء من حزمة التسوية المقترحة مع إيران. ازداد التصلب في رفض الحل السياسي في سوريا. تدفقت الأموال والأسلحة على الحوثيين في اليمن. ويجري استكمال الخطوات الآيلة إلى فرض نوري المالكي رئيساً لوزراء العراق لولاية ثالثة.

يمكن اقتراح تفسير للاستراتيجية الإيرانية يحصرها بين نقطتين أو نغمتين: عالية ومنخفضة أو صادحة وجهيرة. توجد النغمة العالية- الصادحة في التوجه المباشر إلى الولايات المتحدة كطرف محاور ومفاوض وتجاوز القوى الإقليمية، خصوصاً في الخليج. فهذه، وفق الرأي الإيراني أضعف من أن تحوز مقعداً على مائدة المفاوضات الجدية. ولجذب انتباه المفاوض الحقيقي لا بد من التلويح براية براقة الألوان: تجارب الصواريخ، تحديث المنشآت النووية وضم أجهزة طرد مركزي جديدة إليها، تحقيق انتصارات ميدانية في الحرب في سوريا والادعاء بقرب القضاء على الثورة هناك، منع انتخاب رئيس جمهورية جديد في لبنان من دون اتفاق شامل…الخ

أما النغمة المنخفضة- الجهيرة، فتبرز عند طلب الغرب تهدئة إيران مخاوف الدول العربية. عندها يتوجه المبعوثون حاملين رسائل الطمأنة إلى الخارج ويحظى أمير الكويت باستقبال كبير في طهران وتقدم إيران نفسها كقوة سلام حريصة على منع الحروب في المنطقة. لكن ذلك لا يحول دون تمسكها بأداء هذا الدور من موقع المنتصر على ما فُهم من رفض وزير الخارجية الإيراني علي جواد ظريف تلبية الدعوة إلى زيارة السعودية بذريعة انشغاله بالمفاوضات النووية بعدما تبين أن الزيارة لا تشمل لقاء مع الملك عبد الله بن عبد العزيز.

بين هاتين النغمتين، تمضي السياسة الإيرانية على إيقاع الأزمة الداخلية متعددة الوجوه التي تتركز حول مستقبل النظام بعد رحيل المرشد والإخفاقات في معالجة الأزمة الاقتصادية رغم الرفع الجزئي للعقوبات والإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة.

واقع الأمر أن عمق الأزمة الاقتصادية الإيرانية يتجاوز بأشواط آثار العقوبات الدولية ليصل إلى أوجه شبه كثيرة مع اقتصادات الريوع النفطية مضاف إليها الفشل في احتلال موقع كدولة صناعية قادرة على التصدير وجذب الاستثمارات الخارجية، على النحو الذي نجحت فيه تركيا في العقدين الماضيين على سبيل المثال. الافتقار إلى دور اقتصادي إقليمي ومحاولة تجاوز الإخفاقات الاقتصادية بالهيمنة على أسواق دول “صديقة” مثل العراق وسوريا، وغزوها بالسلع الإيرانية متوسطة النوعية والأسعار، مرتبط حكماً باستمرار السياسة الإيرانية الإمبراطورية. عليه يمكن فهم المأزق الإيراني من زاوية جديدة: يفترض أن يشمل رفع العقوبات عن إيران جانباً اقتصادياً يتيح لها التخفيف من حجم البطالة المرتفع (في سوق العمالة الخليجية ربما) وتصدير سلعها غير النفطية والحصول على استثمارات في مجالات التكنولوجيا النفطية التي تكاد تنهار في إيران والقطاعات الصناعية الأخرى، التعدينية والغذائية وغيرها.

يعيد هذا التصور بعض الأهمية إلى النغمة الجهيرة في الاستراتيجية الإيرانية. نغمة التهدئة وتقديم التنازلات وسحب فتائل التوتر من عدد من النقاط الساخنة. لكن منفذ هذه السياسة، روحاني، يبدو مثل سيزيف دافع الصخرة الأزلي إلى أعلى الجبل الذي يمضي عمره في يراقبها وهي تنحدر نزولاً كلما اقترب من القمة.

التيار المتشدد القابض على الاقتصاد المربح، من شركات اتصال ومقاولات كبرى وغيرها، لا يرى أنه في حاجة إلى الانفتاح الاقتصادي وبالتالي السياسي على الخارج. وأنه في الوسع البقاء على هذه الحال إلى أن يقضي الله أمراً ما دام قادراً على ضمان تفوقه العسكري على جيرانه الذين تبدو علاقاتهم مع الحليف الغربي وكأنها في مرحلة إعادة تقييم.

تسير “التجربة الروحانية” بين هذين الحدين أو النغمتين. تتقدم خطوة ثم تتراجع اثنتين والعين دائماً على ما يمكن الحصول عليه من الغرب الذي يريد، من جهته قطف كل الثمرات من دون أي تضحيات.

موقع 24

 

 

 

 

سورية ورقة في مفاوضات خمسة زائد واحد بين إيران والدول الكبرى/ راغدة درغام

الفارق بين الرئاستين المصرية والسورية في انتخابات هذا الأسبوع هو أن الأولى أحيت مصر دولةً رائدة في موازين القوى الإقليمية بقرار وبدعم عربي، بينما الثانية أخرجت سورية من السرب العربي وجعلتها ملحقاً لإيران في الموازين الإقليمية. الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جعل من الأوضاع المعيشية والاجتماعية والأمنية أولويته راضخاً أمام مطالب الشعب بأن تكون همومه في صدارة الاعتبارات ومستقبله في أعلى قائمة التعهدات. الرئيس السوري بشار الأسد جعل من مكافحة الإرهاب العالمي عنوان أولوياته فحوّل الأرض تربة للمعركة العالمية المدمِّرة وحشد شعبه ذخيرة لها. وهذا فارق شاسع بين الرئيس الذي استدعاه الشعب وكلّفه القيادة تحت مجهر المراقبة والمحاسبة للسنوات الأربع المقبلة وبين سيد «قصر الشعب» الذي أقصى نصف شعبه بإصراره على انتخابات تمديد ولايته لسبع سنوات وسط دمار ونزوح ولجوء إلى دول مجاورة لا سابقة له. والفارق الآخر بين الرئاستين هو أن إيران تتباهى بفوزها بسورية في إطار استراتيجية أدوارها الإقليمية وساعدها الطويل في الدول العربية، وبالذات العراق وسورية ولبنان، وهي تضخ الأموال في السلاح وحروب تغذي النزاعات الداخلية داخل هذه الدول. بالمقابل، حققت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية نصراً استراتيجياً في مصر من خلال ضخ المال في عملية الإصلاح وترميم البنية التحتية الاقتصادية والتنموية داعمة القرار الشعبي المصري برفض مشروع «الإخوان المسلمين» الخطير على مصر والمنطقة أجمع.

الرئيس السيسي سيبقى تحت مراقبة الشعب الذي أتى به إلى السلطة ومحاسبته، فإذا خطر على باله أن يتحوّل إلى رئيس فوق إرادة الشعب سيُُخلع. كيفية صعوده إلى السلطة سابقة، ليس في مصر فحسب وإنما في المنطقة العربية أجمع. قد يُسمَحُ له بإجراءات انتقالية صارمة لضبط الأوضاع الأمنية، إنما لن يُسمح له بالتعدي على الحريات باسم الصلاحيات الأمنية على المدى البعيد. وما عليه إلاّ أن يضع في مكتبه صورتين لرئيسين خلعهما الشعب المصري في غضون سنة ليتفادى أخطاء سلفيه، وكلاهما (الرئيس الأسبق حسني مبارك والسابق محمد مرسي) ما زالا في السجن يطلان على الرئيس السيسي بدرسٍ من المفيد له أن يحفظه عن غيب.

مواقف العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدى تهنئة الرئيس السيسي ملفتة، فهو حض الرئيس الجديد على إجراء «حوار وطني مع كل فئة لم تلوث يدها بسفك دماء الأبرياء وترهيب الآمنين». وبالمقدار نفسه من الأهمية دعا إلى مؤتمر مانحين لمساعدة مصر «في تجاوز ازمتها الاقتصادية» محذّراً من أن «من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب… لا مكان له غداً بيننا إذا ما ألمّت به المحن وأحاطت به الأزمات». ناشد العاهل السعودي «كل الأشقاء والأصدقاء الابتعاد والنأي بأنفسهم عن شؤون مصر الداخلية بأي شكل من الأشكال»، معتبراً أن المساس بمصر مرفوض قطعاً «وهو مبدأ لا نقبل المساومة عليه، أو النقاش حوله تحت أي ظرف كان».

هذه الرسالة موجهة إلى الولايات المتحدة بقدر ما هي موجهة إلى إسرائيل وتركيا وإيران،لأن عنوانها الرئيسي هو أن السعودية تدعم صعود مصر إلى مرتبة الوزن العربي الفاعل في الموازين الإقليمية.

مصر تشكل نجاحاً للسياسة السعودية الإقليمية، فيما سورية تشكل فشلاً. الرياض لن تساوم على إنجازها المصري الذي أتى عبر الدعم الاقتصادي وليس عبر التدخل الأمني والعسكري. الرياض -باعترافها- لم تنجح في سورية، ولذلك تعيد النظر في سياساتها نحو تلك الدولة العربية المهمة التي نجحت طهران في الفوز بها.

طهران تستثمر غالياً في سورية للفوز بها، ليس فقط لأن ذلك حجر أساسي في طموحاتها الإقليمية وإنما أيضاً لأن سورية أصبحت ورقة في المفاوضات النووية بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا والمعروفة بمفاوضات 5+1.

وللتأكيد، طهران لا تريد لسورية أن تكون ورقة مساومة في المفاوضات النووية لأنها تريد الفوز بالمطلبين الإقليمي والنووي. لكن طهران تدرك أن رفع العقوبات الكبرى المفروضة بموجب قوانين أميركية وأبرزها قانون داماتو، يتطلب من صنّاع القرار في الولايات المتحدة التطرّق إلى شق السياسات الإيرانية الخارجية بالذات في منطقة الشرق الأوسط وفي ما يسمى دعم الإرهاب.

إدارة أوباما قد ترى أن طهران تساعدها في الحرب على الإرهاب السلفي، بالذات في سورية، إنما ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة ستنسى دعم إيران المجموعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية،

هذا مهم لطهران لأسباب تتعلق برفع العقوبات التي يحتاجها كل من قوى الاعتدال المتمثلة بالرئيس حسن روحاني وقوى التطرف التي يقودها «الحرس الثوري» برعاية المرشد آية الله علي خامنئي. كما أنه مهم في إطار دور «حزب الله» في سورية، نظراً لتصنيفه أميركياً رسمياً في خانة «الإرهاب»، فيما عملياً تقر إدارة أوباما علناً بأهمية دوره في سورية كما فعل وزير الخارجية جون كيري أثناء زيارته الخاطفة إلى لبنان هذا الأسبوع.

لعل الوقت مناسب الآن كي يقوم كل المعنيين بالتفكير ملياً –وسريعاً– فيما يجب أن تكون استراتيجيتهم ما بعد الانتخابات الرئاسية السورية. فسورية واقعياً ليست أبداً نصراً لأي طرف كان، طالما أن مأساتها الإنسانية مستمرة بغض النظر عمّن يتخيّل أنه فاز أو انتصر.

فأولاً، وعلى صعيد بشار الأسد، لو كان اتخذ قرار التسوية السياسية مع المعارضة السورية لما اختار الانتخابات التي تمترسه –وفق رأيه– في السلطة لسبع سنوات، فمجرد إصراره، بقرار إيراني ودعم روسي، على خوض الانتخابات الرئاسية للإطاحة بفكرة الحكم الانتقالي الذي أقره بيان جنيف–1 ومؤتمر جنيف–2، يعني أن الرئيس السوري وحلفاءه قرروا أن لا استعداد لديهم لتسوية سياسية على أساس المفاوضات التي أقرها مجلس الأمن والأمم المتحدة. ولو كان في ذهن أقطاب هذا المحور أدنى قدر من الاستعداد للتسوية السياسية لفكروا بتمديد صلاحيات الرئيس الأسد لسنة أو سنتين بدلاً من انتخابات تسمره في السلطة لسبع سنوات. سنوات ستكون قمة التدمير لسورية لأن لا حسم عسكرياً في المسألة السورية مهما بدت الموازين العسكرية حالياً لصالح النظام.

ثانياً، وأمام وضوح قرار محور دمشق– طهران– موسكو سوياً مع «حزب الله» وبدعم من بكين، ينحسر بين الحين والآخر أن المساءلة تطاول المعسكر المضاد، فما هي الاستراتيجيتان الأميركية والسعودية بعد الانتخابات السورية؟ وأين هي الأمانة العامة للأمم المتحدة؟

على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يتحلى بسيكولوجية الإقدام بدلاً من الإذعان لانطباع الانتصارات الزائفة. عليه أن ينفض عن نفسه سمعة الحذر البطيء البيروقراطي وحسابات طموحات مستقبله السياسي فيما العالم يراقب باسترخاء أخطر مأساة إنسانية. فلا يجوز لبان أن يأخذ وقته في تعيين خلفٍ لممثله وممثل الجامعة العربية في سورية الأخضر الإبراهيمي، ولا يحق له الخضوع أمام مطلب موسكو ودمشق بتعيين ممثل له.

إن مسؤولية بان تتطلب منه ألا يقبع في ظل حساباته وشخصيته هو، بل أن ينظر ويحدق ملياً في متطلبات الوضع الإنساني والسياسي والأمني في سورية. لذلك، لا يمكن له أن يختار بيروقراطياً كممثل للأمم المتحدة في المسألة السورية. لا يحق له أن يأخذ وقته وأن يضع في المنصب شخصاً قابلاً للاستخدام من قبل دمشق أو موسكو أو طهران مرفوضاً من جانب الرياض وأبو ظبي والقاهرة، لأنه إذا فعل أطال المأساة السورية، فهناك حاجة ماسة لمقاربة جديدة جريئة واضحة وصريحة للمسألة السورية. وعلى بان كي مون أن يفكر بشخصية قادرة على تلك المهمة.

فاليوم يشعر بشار الأسد وحلفاؤه بالاستقواء ميدانياً، إنما واقعياً هم جميعاً في هشاشة، فالأسد يترأس حرباً أهلية وهو يخشى القرار الأميركي الجديد بتسليح نوعي للمعارضة مهما تظاهر بأنه يثق بالقدرة الأميركية على التراجع، ومهما كان محقاً في تصوره أن المهمة الموكلة إلى المعارضة المعتدلة لمحاربته ومكافحة الإرهاب معاً مستحيلة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تورّط في أوكرانيا، وبالتالي هو ينظر إلى سورية كقطعة في الشطرنج وليس كوسيلة لاستعادة العظمة. أما إيران، فإن أولوياتها النووية تجعلها أيضاً غير قادرة على الاستقواء، خاصة وأنها ستخضع لفترة طويلة للعقوبات الكبرى.

وعليه، على بان كي مون أن يفكر في المساحة المتاحة للمرونة اضطراراً، بدلاً من أن يفكر في الانتصارات العابرة. عليه أن يفكر بأن الفرصة الآن متاحة لفرض الممرات الإنسانية إلى سورية بدلاً من أن يظن خاطئاً أن عليه أن يطلب الإذن من دمشق مسبقاً. وبالقدر نفسه من الأهمية، يجب عليه أن يسرّع وتيرة مساعيه الحميدة –إذا كان اتخذ هذا القرار الضروري– ليلعب دوراً رائداً في صياغة العلاقات الإقليمية الضرورية للحل السياسي في سورية، وبالذات العلاقة السعودية– الإيرانية، فالفرصة الآن مواتية.

الفرصة مواتية لأن في الموازين الإقليمية يمكن القول الآن إن السعودية كسبت مصر وإيران فازت في سورية. فهم هذه المعادلة وكيفية البناء عليها يتطلب شخصية دولية قادرة على المعادلات الإقليمية وليس شخصية بيروقراطية تفوتها الفرصة، لكن بان كي مون ليس وحده المُطالب بتجنب الوقوع في فخ إدارة بيروقراطية اعتيادية للأزمة السورية.

على الرياض أن تقرر ما هي استراتيجيتها البديلة في حال أصرت طهران أن الحدث السوري هو انتصارها وفوزها. فلقد أتت الانتخابات الرئاسية السورية لتبيّن الفشل الأميركي والبريطاني والفرنسي والسعودي مهما قاومت هذه الدول ذلك الواقع ومهما اعتبرت تلك الانتخابات «مهزلة» أو «صفراً» أو سحباً للشرعية عن بشار الأسد وفرصة لدفع الائتلاف إلى أحضان الشرعية الدولية والاعتراف الدولي بها.

فالواقع على الأرض هو الشاهد على الانتصارات والهزائم، عابرة كانت أو وهمية. هذا الواقع يفرض على السعودية الاعتراف بأن إدارة أوباما عقدت العزم على إنجاح المفاوضات النووية بأي ثمن كان. فماذا ستكون الاستراتيجية السعودية على الصعيدين النووي والسوري؟ هل لديها خطة (أ) و (ب) أم أنها ستتمهل في انتظار نتائج المفاوضات النووية.

البعض في السعودية يراهن على فشل المفاوضات النووية، وهو في ذلك يرتكب أخطر الأخطاء الفادحة، ولكن حتى في ظل هذا التفكير يجب أن تمتلك الرياض خطة (ب). أما سورياً، لقد حان الوقت للعودة إلى طاولة رسم الاستراتيجيات لاستبدال خطة حروب الاستنزاف الفاشلة، التي مزّقت النسيج الاجتماعي في سورية ودمّرت البلاد، والجميع بلا استثناء مذنب في تلك الحروب المكلفة، فاليوم تبدو الحلول السياسية عبر جنيف1 و2 في مهب الريح، وإذا كان من مجال لمقاربة تفاوضية فإنها تُملى نتيجة الموازين العسكرية على الأرض. لذلك تتصدر روسيا جهود التظاهر بإحياء جنيف–2 في دورة ثالثة، فيما قامت فعلياً منذ البداية بتحويل تلك الفكرة إلى مجرد «عملية» إلهاء وتضليل رهيبة، فهي –ومعها إيران و»حزب الله» والصين بدرجة أقل– تحتفي بتتويج بشار الأسد رئيساً رغم أنف جنيف1 و2، وهي تطالب بالعودة إلى العملية التضليلية للإلهاء وكأن شيئاً لم يحدث.

بالمقابل، فأن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تهرب إلى الأمام، تارة تحت ظل التظاهر بالعمل على إنجازات في الناحية الإنسانية وتارة بالسير نحو المحاسبة في المحكمة الجنائية الدولية، أما الحقيقة فهي أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا –زائد ألمانيا– تريد أكثر ما تريد إنجاز الصفقة النووية مع إيران وحماية تلك المفاوضات من الانهيار مهما دفعت سورية من لحمها ثمناً لذلك.

الحياة

 

 

ما يعنيه التقارب السعودي-الإيراني للأسد/ لينا الخطيب

بعد أشهر من المحادثات وراء الكواليس، تبدو المملكة العربية السعودية وإيران في طريقهما نحو التقارب، الأمر الذي لايمكن إلا أن يكون له تأثير سيّئ على بشار الأسد. ففي حين أن موقف السعودية نحو الأسد لم يتغيّر، وهو يرمي على مايبدو إلى إزالته من السلطة، سيصبح موقف إيران على الأرجح أقرب إلى الموقف السعودي، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة.

كان المنطق السائد أنّ إيران ألقت بثقلها كلّه لدعم الأسد، وأنها لن تتخلّى عن هذا الحليف لأنه يضمن مصالحها الاستراتيجية في المشرق. لكن الأسد نفسه يُعَدّ أقلّ قيمةً لإيران من صفقة الأسلحة النووية الذي تسعى وراءها بشدة. فالمحادثات بين الولايات المتحدة وإيران تتّجه على مايبدو نحو تسوية، فيما الموقف السعودي الأكثر ليونةً إزاء إيران يعني أن هذه الأخيرة يجب أن تعطي السعودية شيئاً في مقابل العلاقات الودّية، لأن السعودية تبقى اللاعب الإقليمي الأقوى في الخليج. وهكذا من المرجح أن يشكّل الأسد التنازل الأقلّ كلفةً لإيران على الجبهتَين.

ومع أن علاقات الأسد بإيران لاتزال قائمةً، إلا أن قيمته في نظر طهران تتضاءل بسبب بعض القرارات الاستراتيجية التي اتّخذها بغية البقاء في السلطة. فقد يكون اعتماد الأسد على حزب الله لمحاربة المعارضة السورية أتاح له مكاسب عسكرية على الأرض، إلا أنّه تسبّب بتراجع نفوذه السياسي الإقليمي. والواقع أن حزب الله تمكّن من ترجمة انتصاراته العسكرية في سورية إلى نفوذٍ سياسيٍّ متزايدٍ ضمن لبنان. فالتأخير في انتخاب رئيس لبناني جديد يُعزى إلى حدٍّ كبيرٍ إلى رغبة الحزب في انتقاء الرئيس بنفسه حينما يريد، وتحديداً بعد الانتخابات الرئاسية السورية. وحزب الله لن يفعل ذلك كي يتمكّن الأسد من إعطاء بركته قبل انتخاب رئيس لبناني، كما جرت العادة مع جميع الرؤساء مابعد الحرب الأهلية، بل ليظهر للأسد أن الحزب أصبحت له الاستقلالية الآن لفرض أجندته السياسية في لبنان.

وهكذا يكون الأسد قد مكّن حزب الله على حساب نفوذه الإقليمي، الأمر الذي يجعله أقلّ قيمةً لإيران من الحزب. فعوضاً عن اتّخاذ التدابير اللازمة لتعزيز موقع الأسد الإقليمي، بدأت إيران عمليةً تصاعديةً لاستنساخ نموذج حزب الله اللبناني في سورية. فهي ليست في طور تأسيس حزب الله السوري فحسب، بل ترعى أيضاً عمليّة التشيّع (من شيعة) في صفوف السوريين. من خلال هذه الإجراءات، تقوم إيران بإرساء أسس محسوبية طويلة المدى في سورية للحفاظ على نفوذها الإقليمي بغضّ النظر عمّن يتولّى الحكم في سورية.

بالنسبة إلى إيران وإسرائيل، لايزال إبقاء الأسد في السلطة مجدياً طالما أنّه قادرٌ على ضمان مصالحهما الاستراتيجية. بيد أنّ دعم الأسد غير المباشر لدولة الإسلام في العراق والشام (داعش) شكّل تهديداً خطيراً محتملاً على استقرار هاتين الدولتين. ويُزعم أنّ تنظيم داعش يتمتّع راهناً بالاستقلال المالي، مايعني أنّه قد يبدأ على الأرجح بالعمل خارج نطاق سيطرة الأسد. تصف التقديرات الجديدة لقدرات داعش هذا التنظيم بأنّه النسخة الجديدة لتنظيم القاعدة من حيث تهديده الدولي المحتمل. لن تقبل لا إيران ولا إسرائيل بتنظيم سنّي متطرف يستخدم دولةً مجاورة كمعقلٍ له. وتنظر المملكة العربية السعودية أيضاً إلى تنظيم داعش على أنه يشكّل تهديداً خطيراً على استقرارها المحلّي. وهكذا، أنشأت قرارات الأسد الاستراتيجية أرضيةً مشتركةً للخصوم الثلاثة الأقوى في الشرق الأوسط، إذ يُعزى التقارب الإيراني-السعودي جزئيّاً إلى المخاوف المشتركة حول الأمن في المنطقة.

على الصعيد المحلّي، يوشك الأسد أيضاً على فقدان السيطرة. يعني قيامه بتدمير البنى التحتية في الدولة، حتى في المناطق الموالية له، أنّه لن يتمكّن في المستقبل من توفير الخدمات التي سيطالب بها مؤيّدوه الذين سيصبحون محسوبين على أمراء الحرب الجدد الذين سيحكمون سورية، مثل قادة قوّات الدفاع الوطني. ومع تعاظم نفوذ داعش، من المرجّح أن يضطرّ الأسد إلى القبول على مضض بتسويةٍ لتقاسم السلطة مع الجهاديين في المستقبل. إنّ ضعف السيطرة المحليّة يعني ضعف القدرة على ضمان المصالح الإيرانية.

لذلك، قد يسدّد التقارب المتوقّع بين إيران والمملكة العربية السعودية ضربة للأسد. وعلى الرغم من أنّه لن يشكّل نهاية النظام السوري، أو نهاية الصراع، إلا أنّه يعني على الأرجح أنّ الانتخابات الرئاسية المزمعة ستكون الأخيرة بالنسبة إلى الأسد.

 

 

 

مقاتلو إيران من الشيعة الأفغان في سوريا/ فيليب سميث

في 22 أيار/مايو، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني يجنّد اللاجئين الأفغان الشيعة للقتال في سوريا ويعدهم برواتب شهرية تبلغ 500 دولار بالإضافة إلى أوراق إقامة إيرانية. ولفت المقال إلى أن التقارير عن جنازات أولئك المقاتلين بدأت تظهر في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، مع الإشارة إلى أنه قد تم تجنيدهم في الأساس للتعويض عن الخسائر التي لحقت بصفوف عملاء “فيلق الحرس الثوري” في سوريا. بيد، أن ظاهرة المقاتلين الأفغان الشيعة الذين يحاربون إلى جانب بشار الأسد لا تعتبر تطوراً جديداً، بل إن انخراطهم المتزايد في الحرب يستدعي تمحيصاً أدق نظراً إلى تداعياته المحتملة على سوريا ومستقبل طموحات إيران الإقليمية والطائفية.

الخلفية

بدءً من تشرين الأول/أكتوبر 2012، ادعت عناصر مرتبطة بـ “الجيش السوري الحر” أنها أسرت مقاتلاً شيعياً ذو جنسية أفغانية يدعى مرتضى حسين. وتم استجوابه لاحقاً من قبل الثوار في مقطع فيديو قصير على يوتيوب. وقد أصبح وجود مثل هؤلاء المقاتلين موضوعاً كثير التداول والشعبية بدءً من ربيع 2013، في الوقت الذي أعلنت فيه الجماعة الشيعية الجهادية اللبنانية «حزب الله» بأنها نشرت قواتٍ تابعة لها في سوريا. وبذلك أخذت مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للنظام والمعارضة على حد سواء تتداول صوراً غير مؤكدة عن مجموعة من الأفغان يرتدون الزي العسكري ويحملون الأسلحة. وفي حالات عدة كانت وجوههم – التي تميل إلى أن تكون متميزة عرقياً – واضحة، ووُصف المقاتلون بـ “الشهداء”. وبقي أولئك القتلى الأفغان مجهولي الهوية.

لكن في تموز/يوليو 2013، ظهر ملصقٌ للشهداء ذُكر فيه اسم سفر محمد كأحد الأفغان الذي لقوا حتفهم. وجاء الملصق في إطار ذهبي مزين بأعلام «حزب الله» والنظام السوري وأفغانستان.

أصول فيالق إيران الأفغانية

ينحدر المقاتلون الشيعة الأفغان في سوريا من ثلاثة أصول رئيسية. أولها هي الوحدة التي كانت موجودة بالفعل في سوريا قبل اندلاع الحرب، والتي يسكن عددٌ من أفرادها بالقرب من مرقد السيدة زينب – مزار شيعي بارز في جنوب دمشق. ووفقاً للباحث أحمد شجاع، انتقل نحو ألفي أفغاني شيعي، معظمهم من قومية الهزارة التي يتكلم أبناؤها اللغة الفارسية، للعيش في سوريا قبل اندلاع الأعمال العدائية. وعلى غرار لاجئي الهزارة في البلدان الأخرى، فرّ الكثيرون منهم من أفغانستان جراء المعاناة المتواصلة التي تعرضوا لها على أيدي حركة طالبان. ولكن مع اندلاع الحرب، يُقال أن العديد منهم باتوا مجدداً مستهدفين بالاعتداءات بسبب هويتهم المذهبية وسرعان ما أصبحوا نازحين داخلياً. وقد انضم بعضهم إلى القتال – على سبيل المثال، علي صالحي، هزارة مقيم في سوريا وفقاً للتقارير، كان قد لقي حتفه خلال القتال في منطقة دمشق.

ويبدو أن المقاتلين الذين ينحدرون من هذه الفئة من السكان اللاجئين قد اتّبعوا في تنظيمهم نموذجاً يشابه تنظيم “لواء أبو الفضل العباس” – أبرز فصيلة شيعية مؤيدة للنظام في سوريا. وقد تألف صلب القوة الأصلية لـ “لواء أبو الفضل العباس” من لاجئين عراقيين شيعة من منطقة السيدة زينب الذين تجمعوا في شكل لجنةٍ شعبية؛ وكان تبريرهم المعلن عن مشاركتهم في القتال هو الدفاع عن المرقد الشيعي المقدس. وجاء في ما بعد المجندون المدعومون من إيران والمقاتلون المدربون من منظمات قائمة كـ “عصائب أهل الحق” و “كتائب «حزب الله»”، و “«حزب الله» اللبناني” ليساهموا في توسيع هذا اللواء وبناء قدراته القتالية.

أما الوحدة الثانية من المقاتلين الشيعة الأفغان فتنحدر من إيران؛ ووفقاً للصحف المدعومة من الحكومة الإيرانية ومصادر شيعية أفغانية، تشكل هذه الوحدة المجموعة الكبرى بين الوحدات الثلاث. يُشار إلى أن الكثيرين من هؤلاء المجندين كانوا في الأصل لاجئين في إيران، التي تُعد موطناً لحوالي نصف مليون من الهزارة؛ وقد أشار تقرير “مركز ستيمسون” عام 2010 إلى أن ثلث هؤلاء اللاجئين “أمضوا أكثر من نصف حياتهم في إيران.” ويتبين من المآتم الشعبية التي أقيمت في جمهورية إيران الإسلامية في تشرين الثاني/نوفمبر- كانون الأول/ديسمبر 2013 أن المقاتلين الشيعة الأفغان يأتون من مدن من جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك أصفهان ومشهد وطهران وقُم. حتى أن أحد “الشهداء” الشباب، رضا إسماعيل، كان ملتحقاً بجامعة مشهد في إيران وقد نُشرت له صورة قيل إنها أُخذت في سوريا ويظهر فيها وهو يحمل بندقية “إم-4” من نوع “كاربين”. وكان قد قُطع رأسه على ما يبدو، من قبل متمردين جهاديين سنة.

والمصدر الثالث – والأكثر مدعاةً للجدل – للمقاتلين الشيعة الأفغان هو جماعات اللاجئين في بلدان من غير إيران وسوريا. وفي نيسان/أبريل 2013، أعلن مسؤولون أفغان أنهم سيدرسون التقارير التي تفيد عن مواطنين أفغان يقاتلون لصالح الأسد. وفي الشهر الماضي تحديداً طلبت كابول من طهران عدم تجنيد مواطنيها للقتال في سوريا. وإذا ثبت ضلوع إيران في التجنيد المباشر، تهدد أفغانستان بتقديم شكوى لـ “المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة”. ومع ذلك لم تظهر حتى اليوم أي أدلة فعلية على عمليات التجنيد المباشر في أفغانستان.

وفي حالة أخرى نُشرت صورة لمقاتل لم يكشف عن أسمه يحمل رشاش من نوع “پي كي إم” زُعم أنه لاجئ شيعي أفغاني مُنح حق اللجوء في أستراليا قبل أن ينضم إلى الحرب في سوريا. ولكن لم يتم حتى الآن إثبات هذا الإدعاء.

الجماعات الأفغانية الشيعية الخاصة

في البداية، كان المقاتلون الشيعة الأفغان متواجدين ضمن شبكة الفصائل المرتبطة بـ “لواء أبو الفضل العباس”. وعندما قُتل بعض هؤلاء المحاربين في ساحة المعركة، كانوا يصنَّفون بشكل محدد كعناصر من “لواء أبو الفضل العباس”؛ هذا بالإضافة إلى الصور التي نُشرت لشيعة أفغان يرتدون زيهم العسكري مع شعار اللواء.

وفي حين تعدّ هذه الروابط وغيرها التي تضم أشهر الفصائل الشيعية مجرد واقع مستمر، إلا أن المآتم التي أقيمت في إيران في تشرين الثاني/نوفمبر- كانون الأول/ديسمبر تدل على تغيّر طبيعة انخراط الشيعة الأفغان في الحرب. إذ تم الإعلان أن المقاتلين العشرة الذين شُيّعوا في تلك المآتم هم عناصر من تنظيم قتالي جديد يدعى “لواء الفاطميون”. ومع أن هذا اللواء قد ادّعى منذ ذلك الحين أنه لم يكتفِ بتجنيد الشيعة الأفغان فحسب، فإن المواد التي نشرها مؤيدوه تؤكد تحديداً على تجنيد تلك الفئة.

وقد نفى كل من “لواء الفاطميون” وطهران ضلوع الحكومة الإيرانية المباشر في أنشطة التنظيم، لكن هذه المزاعم غير منطقية. فأعمال التجنيد لم تتم في إيران فحسب، بل إن المواكب الجنائزية لتشييع القتلى شملت بانتظام جنوداً من “الحرس الثوري الإيراني” بزيهم العسكري فضلاً عن لافتات تحمل شعار “مؤسسة شؤون الشهداء والمحاربين القدامى” الرسمية الإيرانية.

وبالرغم من تشكيل تنظيمهم الخاص، لا يزال المقاتلون الشيعة الأفغان ينسّقون بانتظام ويقاتلون إلى جانب التنظيمات الشيعية الأخرى المؤيدة للنظام. ومثالٌ عن ذلك هو الصور التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لـ “لواء الفاطميون”، والتي تُظهر أحد المقاتلين الأفغان مع اثنين من مقاتلي “عصائب أهل الحق”. وبالمثل، ادّعى تقرير نشرته صحيفة إيرانية الشهر الماضي أن المقاتلين الشيعة الأفغانيين كان لهم وجود في “عصائب أهل الحق” وميليشيات شيعية أخرى مثل “لواء ذو الفقار”. وقد أتاح هذا الوجود لهؤلاء المقاتلين المشاركة في الاشتباكات الكبرى في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك اشتباكات في نيسان/أبريل في منطقة دمشق، وفقاً للتقارير.

 

وجدير بالذكر أن تطور التنظيمات الخاصة للمقاتلين الشيعة الأفغان لم يتوقف مع “لواء الفاطميون”، الذي يبدو اليوم منضوياً تحت راية تنظيمٍ آخر غير بارز نسبياً يدعى “حزب الله أفغانستان”. إذ تشابهت النشرات التي أصدرها التنظيمان، حيث نسب كلا التنظمين إلى نفسه العناصر والشهداء نفسهم. وفي حين أن أسم “حزب الله أفغانستان” لم يبرز رسمياً بعد، إلا أنه بلور هويته الرمزية الخاصة وبسط وجوده داخل القوى المعزولة لشبكات التواصل الاجتماعي المرتبطة بـ “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” على الإنترنت.

تفكير إيران الاستراتيجي

شكّل مجتمع الهزارة الشيعي في أفغانستان هدفاً منطقياً للتجنيد الإيراني للحرب في سوريا. ولدى طهران سجلٌّ حافل باستغلال السكان الشيعة الذين تستطيع التأثير عليهم بشكل مباشر بفعل مركزها الجغرافي – الاستراتيجي والديني والتاريخي. ونظراً إلى الفترة الطويلة التي عاشتها الجماعات الأفغانية في إيران، قد تجد طهران في الحرب فرصةً لبسط نفوذها على العناصر الشيعية المختلفة والمضي قدماً بمخططاتها القيادية. وعلاوة على ذلك، فإن استخدام المقاتلين ذوي الانتماءات العرقية المتنوعة قد يسهم في إظهار الدعم الشيعي الكبير لقوات الأسد الدفاعية المسلحة التي تنظّمها إيران، مع الهدف المفترض المتعلق بإضفاء الشرعبية على نهج طهران.

وكما ذُكر في تقارير أخرى، من الواضح أيضاً أن “الحرس الثوري الإيراني” والتابعين له يتكبدون خسائر في سوريا ويستوجب بالتالي إيجاد بدائل عنهم. وهنا يعتبر الشيعة الأفغان، الذين يملكون بغالبيتهم تجارب تدريبية مع الحروب الطائفية الضروس في أفغانستان، المرشحين الأمثل لمحاربة الثوار السُّنة في سوريا، على الرغم من أن فعاليتهم في ساحة المعركة ما زالت غير مؤكدة. لكن وجودهم المتنامي يتيح على الأقل للقوات الإيرانية وغيرها التابعة لها فترة راحة هي بأمسّ الحاجة إليها.

وأخيراً، قد تحصد إيران منافع متبقية أخرى من تدريب وتجهيز هذه الوحدات وتعزيزها. وفيما تباشر الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان على نطاقٍ أوسع، قد تقرر طهران إعادة توجيه شبكتها الجديدة من العملاء الأفغان نحو الشرق، بهدف التأكيد على نفوذ أوسع بين المجتمعات الشيعية التي غالباً ما تسودها الانقسامات في أفغانستان.

فيليب سميث هو باحث متخصص في الجماعات الإسلامية الشيعية يعمل في “مختبر الديناميات الحاسوبية الثقافية” في جامعة مريلاند. ويمكن إيجاد بحوثه عن هذه الجماعات في المدونة Hizballah Cavalcade [“موكب «حزب الله»].

معهد واشنطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى