صفحات الناس

مقالات تناولت الناس ومؤتمر “جنيف 2”

جنيف 2 في حلب .. بين الألم والأمل/ رامي سويد

في الوقت الذي تتناقل فيه وكالات الأنباء ووسائل الإعلام تفاصيل ما يجري في جنيف حيث يجتمع ممثلو النظام والمعارضة، تستمر المعارك الطاحنة على مختلف جبهات مدينة حلب بين الفصائل المعارضة من جهة وقوات النظام من جهة ثانية.

 وعلى الرغم من حديث وزير الخارجية السورية، وليد المعلم، قبل ذهابه إلى جنيف عن ترتيبات أمنية تمهد لوقف إطلاق نار جزئي في مدينة حلب، فإن قوات النظام لا تزال تحاول التقدم على أكثر من محور في المدينة، في محاولة منها لتشتيت قوات المعارضة واستغلال انشغالها بالحرب التي تخوضها ضد تنظيم “الدولة لإسلامية في العراق و الشام”.

 في موازاة ذلك، تستمر معاناة السكان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة جراء تعرضها لقصف البراميل المتفجرة، الذي يستهدف مختلف الأحياء السكنية الواقعة تحت سيطرة الثوار.

 تواصل القصف يُشعر السكان بعدم جدوى عقد اجتماعات تفاوضية بين وفد المعارضة ووفد الحكومة السورية.

لا يبدو أبو أحمد ياسرجي، وهو صاحب مكتبة في حي “الشعار”  الذي يقصف بالبراميل المتفجرة بشكل شبه يومي، مقتنعاً بجدوى عقد مؤتمر دولي في جنيف لمناقشة الأزمة في سوريا.

 من وجهة نظره، “الصراع في سوريا أصبح صراع وجود، فلا يمكن أن يتعايش هذا الشعب الذي بات يتعرض للإبادة يومياً مع النظام الذي يسعى لإبادته”. ويضيف “كل ما يتم الحديث عنه في هذه الأيام ليس إلا فقاعات إعلامية منتهية المفعول لا تختلف بشيء عن الأحاديث والاجتماعات التي تلت ضربة الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية، واجتماعات وزراء الخارجية العرب ومجموعة أصدقاء الشعب السوري”.

 ويرى ياسرجي أن “هذا النظام سيبقى متمسكاً بالسلطة إلى آخر لحظة ولن يتركها إلا بالقوة، وسيدفع ثمن ذلك الشعب بسبب سكوت المجتمع الدولي ووقوفه مكتوف اليدين أمام هذه الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد والتي لم يشهد لها العالم مثيلًا”.

 بدوره، يوافق حسام قواص، وهو مقاتل في صفوف كتائب “نور الدين زنكي” المقاتلة على جبهة حي الشيخ سعد، أبو أحمد، في وجهة نظره، ولا يعقد آمالاً على اجتماعات جنيف، لكنه يستطرد قائلًا: “إن أي حل سيتم التوصل إليه سيكون فاشلاً إذا لم يضمن إزاحة بشار الأسد عن السلطة وحل جميع أجهزة النظام الأمنية ومحاكمة المسؤولين عن جرائم القتل والقنص والقصف العشوائي والتعذيب حتى الموت”. وختم حديثه بالقول”دون ذلك لن يكون هناك سلام، وستسمر الحرب إلى ما لا نهاية”.

 على الطرف الآخر، في مناطق سيطرة النظام من مدينة حلب تحديداً، يعقد السكان آمالًا كبيرة على مؤتمر “جنيف 2”. من يسموّن بالرماديين يعتقدون أن طرفي النزاع أصابهما الكلل والملل واقتنعوا تماماً بأن القتال لن يوصل لنتيجة لذلك فهم سيصلون إلى اتفاق يضع نهاية لهذه الحرب العبثية “كما يصفونها”.

عبثية يختصرها مروان، وهو مهندس يقيم في حي الفرقان الخاضع لسيطرة النظام في حلب بالقول: “منذ أكثر من سنتين انطلقت المعارك في مدينة حلب، خلال شهرين أو ثلاثة سيطر مسلحو المعارضة على ثلثي المدينة شمالًا وشرقاً وجنوباً في مقابل تمترس قوات النظام في وسط المدينة وغربها”. ويضيف “لم تحصل تغيرات هامة في خطوط الاشتباك خلال السنة والنصف الاخيرة، بعد محاولات كثيرة من الجانبين للتقدم باءت جميعها بالفشل”، معرباً عن اعتقاده بأن الطرفين قد اقتنعا ضمنياً بعبثية هذه الحرب التي لن تجر إلا المزيد من الدماء والدماء.

ومضى يقول: “يجب عليهما أن يعترفا بذلك، وأن يجنبا من تبقى من السكان في المدينة المزيد من المعاناة من خلال التوصل لاتفاق ما ينهي هذا الصراع”.

 أما مؤيدو النظام، فيرون أن مفاوضات جنيف ستنتهي “باقتناع المجتمع الدولي بضرورة دعم النظام في حربه على المجموعات التكفيرية التي جرت البلاد إلى الفوضى”.

 ياسين بابللي، صاحب محل ملبوسات في حي العزيزية الخاضع لسيطرة النظام في حلب، لا يتردد في القول إن “الدول التي دعمت المجموعات المسلحة بدأت تشعر بفشل مخططاتها الهادفة لتقويض نظام الحكم في سوريا، لذلك فهي تسعى للخروج بصيغة تحفظ ماء وجهها، لكن القيادة السورية على وعي تام بمخططات هذه الدول لذلك فهي ستتمكن من إفشال مخططاتها كما أفشلتها مراراً سابقاً”.

بالنسبة لبابللي “لن يكون هناك أي معنى لمفاوضات تهدف إلى إسقاط النظام في سوريا، لأن النظام قاتل الإرهاب والتطرف خلال عامين ولم يسمح من خلال تماسك جيشه وأجهزته الأمنية بتمرير مخططات الدول المعادية فكيف سيسمح بذلك من خلال مؤتمر وبضع جلسات دبلوماسية”!

المدن

جنيف 2 للسلام: هل تستطيع الدبلوماسية المكوكية إحلال السلام في سوريا؟/ ربى صقر

هذا المقال بقلم زهراء أكيرهويس، المسؤولة الصحفية في منظمة أوكسفام، والتي كانت مؤخرا في المركز الإعلامي بمقر الأمم المتحدة في جنيف، والمعروف بقصر الأمم، وذلك خلال اليوم الأول من المباحثات بين الحكومة السورية والمعارضة. وها هي تحدثنا عن تجربتها:

كنت أتناول وجبة الإفطار صباح الجمعة هذا الأسبوع، عندما انتبهت بأنني أفكر بأم هاني، هذه المرأة السورية هادئة الطبع، والأم الوقورة لثمانية من الأبناء، والتي تعيش الآن كلاجئة في الأردن. التقيت بأم هاني في أواخر العام الماضي، ولن أنسى ما حييت ابتسامتها الصافية وحزنها الصامت، وهي تتذكر بيتها والحقول التي كانت تقوم بزراعتها مع أسرتها.

ورغم الفرق الشاسع الذي يفصل جنيف عن تلك الشقة الصغيرة متواضعة الحال، والتي تقتسمها أم هاني مع أسرتها كبيرة العدد، إلا أنني قد شعرت وأنا في طريقي إلى قصر الأمم، حيث يتواجد مقر الأمم المتحدة السويسري، بأنني أقرب من أي وقت مضى لأم هاني، خصوصا في ذلك اليوم الأول من المباحثات بين الحكومة والمعارضة.

فلولا أم هاني – وملايين النساء والعائلات مثلها – ما كان لمباحثات السلام في جنيف أن تحظى بكل تلك الأهمية. فقد تعين علينا الانتظار لسنوات عديدة كي يتسنى لنا أن نرى الحكومة والمعارضة على مائدة التفاوض. خلال هذه السنوات فقد أكثر من 100,000 حياتهم، بينما فقد ملايين آخرون بيوتهم وموارد أرزاقهم.

في قصر الأمم، مكثت طوال اليوم في غرفة الصحافة، أترقب أي نبأ يشي بحدوث تقدم في التوصل إلى حل للحرب التي دمرت حياة الكثيرين في سوريا. ولكن الوفدين لم يكونا حتى في قاعة واحدة، وتعين على المبعوث الأممي الخاص، الأخضر الإبراهيمي، بأن يمارس “الدبلوماسية المكوكية” بين القاعتين. وعلى مدار اليوم كنا نسمع تكهنات العديد من الصحفيين بأن المفاوضات ربما كانت على وشك الانهيار.

وفي ظل كثرة الشائعات، يصعب كثيرًا معرفة ما يجري بالفعل في المفاوضات – وما إذا كانت تبشر بحدوث اختراق مهم – أم أن أحد الأطراف قد ينسحب منها. ثم جاء المؤتمر الصحفي للإبراهيمي في نهاية اليوم، لتعلو موجة من الدهشة وجوه كل من بالقاعة، عندما أعلن – وعلى عكس ما توقع الجميع – بأن الطرفين سيجتمعان وجهًا لوجه، للمرة الأولى، بل وأن هناك التزامًا بمناقشة تحسين نفاذ الخدمات الإنسانية إلى الداخل السوري وإنهاء العنف.

الطريق نحو التوصل إلى حل سياسي دائم، ما زال طويلاً بطبيعة الحال. وقد اعترف الابراهيمي نفسه بأنه شاق ووعر. ولا غرابة في اعترافه هذا، فهو دبلوماسي “براغماتي” ومحنك، ولم يكن له أن يهوّن من شأن المهمة الصعبة والمعقدة التي أمامه.

ولنتذكر بأن الكثيرين قد قالوا بأن جنيف 2 لن يتم عقده أبدًا، وها هو قد عُقد. وقال كثيرون بأن الطرفين لن يوافقا أبدًا على الجلوس في قاعة واحدة، وها هما يفعلان. التغيير ممكن… ولكنه يحتاج إلى التزام حقيقي من الأطراف المنخرطة، حتى يُكتب له الدوام. والعنف يجب أن يتوقف، فقد دمر حياة الكثيرين حتى الآن.

في جنيف، قضيت وقتي أفكر بأم هاني وما عساها تعلق حول ما حدث هناك؟ و وددت لو أستطيع سؤالها!

ايلاف

جنيف 2 يخيف النظام السوري.. اقتصاديا/ سلام السعدي

قبل أشهر من اليوم، عندما بدأت التحضيرات الجادة لعقد مؤتمر جنيف 2، كان واضحاً للجميع أن هدف المؤتمر المذكور لدى انطلاق أعماله، سيكون التوصل إلى تسوية “توافقية” تقرر المستقبل السياسي والاقتصادي لسوريا. ما أشاع، حال التفكير به، خوفاً شديداً لدى النظام السوري. إذ انه، في هذا الكابوس الرهيب، سيتحول لأول مرة من “فرعون” يقرر وينفذ كل ما يحلو له، إلى مجرد “شريك” يصيغ بالتوافق مع شركاء آخرين مستقبل البلاد. ويبدو أن ذلك الخوف كان كفيلاً بانطلاق سلسلة من الإجراءات الأحادية الجانب على الصعيد الاقتصادي، كنوع من تكريس أمر واقع، قبل وفي أثناء عملية التفاوض.

فقبل أيام قليلة، استقبل رئيس مجلس الوزراء السوري وائل الحلقي، وفداَ من شركة “كانسي” الصينية. ناقش الاجتماع سبل البدء بإنشاء 12 ألف وحدة سكنية بصورة “سريعة” بذريعة كونها مساكن خاصة بـ”المهجرين”. فضلاً عن 25 ألف وحدة سكنية أخرى. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” عن الحلقي دعوته “الشركات الصينية إلى المساهمة بمرحلة إعادة إعمار وبناء سورية، والتي سيتم تنفيذها بسواعد أبناء سورية وشركاتها الوطنية ومساهمة الأصدقاء”. وبالمثل أعلن معاون وزير الأشغال معلا الخضر، أن الوزارة تعمل على إنشاء “تحالفات مع شركات البناء المحلية والعالمية من الدول الصديقة، لاستقطابها وتنفيذ إعادة الإعمار بوسائط وتكنولوجيا البناء الحديثة”.

قبل ذلك بأيام فقط، أعلن وزير الصناعة السوري كمال الدين طعمة عن اتفاق مع شركة “كامك” الصينية، لتطوير خطوط وآلات الإنتاج في معمل إطارات في مدينة حماه. وقبله أيضاً صادقت رئاسة الوزراء على البدء بإنشاء مطحنة تلكلخ مع شركة “سوفو كريم” الروسية. كما وقعت عقداً آخر مع شركة “آروما سنين” الإيرانية لإنشاء خمس مطاحن موزعة على مناطق مختلفة من سورية (درعا، السويداء، الحسكة، الرقة).

وكانت صحيفة “الثورة” الحكومية قد أشارت نقلاً عن مصادر في وزارة الاقتصاد، إلى قرب توقيع خط ائتماني بين سورية وروسيا، وبيّن المصدر أن سوريا ستحتاج هذا القرض للنهوض بقطاعها الصناعي الأساسي بعد التخريب الذي لحق ببنيتها الصناعية، فضلاً عن الحاجة له “في مرحلة إعادة الاعمار”.

جهود حثيثة إذن، تبذلها الحكومة السورية مع حلفائها للسيطرة على مستقبل سوريا الاقتصادي، أو لضمان وضع قدم ثابتة في ذاك المستقبل، خصوصاً على مستوى الاستثمار الذي توجت جهودها فيه مؤخراً بتوقيع اتفاقية مع شركة “سيوزنفتا غاز” الروسية  للتنقيب والحفر في منطقة قبالة الساحل السوري يتوقع أنها غنية بالنفط والغاز، مقابل حصة روسية مهيمنة ولمدة 25 عاماً. ويبدو مفهوماً أن يسيل لعاب حلفاء النظام أمام الاستثمار الأضخم في الفترة القادمة في قطاع المساكن والبنية التحتية، خصوصاً بعد تضرر نحو 1.5 مليون منزل بصورة جزئية أو كلية، قد تصل تكلفة إعادة اعمارها إلى نحو 100 مليار دولار.

انه السعي المحموم ذاته، الذي عودنا عليه النظام السوري وهو يعيش حالة إنكار تامة للواقع وتطوراته. فالنظام وحتى بعد إرغامه على حضور مؤتمر “جنيف 2” من أجل التوصل إلى حل سياسي “دولي” بقي خلال أيام المؤتمر مشدوهاً وغير مصدق لما يجري من حوله، فتمسك بروايته للأحداث في سوريا وبحلّه السياسي الخاص بعيداً عن اتفاق “جنيف 1”. كذلك الأمر على المستوى الاقتصادي، إذ أن للنظام برنامج عمل اقتصادي خاص، وخطة اعمار خاصة، تتجاهلان برعونة بالغة أنهما تخصان فقط ذلك الجزء الذي يسيطر عليه من البلاد، وأن خطة إعادة الاعمار الأكبر والأهم ستكون من نصيب الجزء الذي دمره النظام عبر ثلاث سنوات بعد أن خرج عن سيطرته. على الأرجح، وكما يرتسم الحل السياسي اليوم بجهود دولية، فإن خطة إعادة الإعمار ستكون دولية بامتياز، ولن تقتصر على “الأصدقاء”، كما يشتهي النظام السوري وحلفاؤه.

بعيداً عن الأحلام والأوهام، يجري إعداد خطط دولية عديدة لإعادة الاعمار، أبرزها خطة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا”، التي يعكف ستة من أعضاءها برئاسة المستشار الاقتصادي السابق في الحكومة السورية عبد الله الدردري على رسم تفاصيلها. وتقدر “الاسكوا” خسائر قطاع السكن في سوريا مع نهاية العام 2013 بنحو 700 مليار ليرة سورية. وهو ما يتطلب تشييد 400 ألف منزل جديد بالكامل، تقع جميعها تقريباً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتنتظر رحيله مع خططه الاقتصادية، من أجل وقف التدمير أولاً، ومن ثم الشروع في عملية إعادة الإعمار.

المدن

في جنيف: إعلاميون برتب عسكرية/ فادي الداهوك

“دكتور بشار الجعفري شرفتنا، أهلا وسهلا، أهلا وسهلا.. شرفتنا”، تقول موفدة التلفزيون السوري إلى جنيف، إليسار معلا، ويرد الدكتور “صباح الخير.. صباح النور ست إليسار.. كيف أمورك؟”. بهذه الطريقة بدأت موفدة أخبار التلفزيون السوري تقريرها الإخباري الأول. لوهلة، يبدو للمشاهد أن اللقاء الذي تجريه المراسلة يحصل أثناء معرض للزهور في حديقة تشرين في دمشق مثلاً، وليس أثناء حدث، يفترض أنه مصيري لشعب وبلد، واجتمعت كل الدول من أجله.

لا تختلف رواية الإعلام السوري لجنيف عن رواياته للجماعات المسلحة والإرهابيين، وحبوب قناة الجزيرة التي كان يبتلعها المتظاهرون قبل كل تظاهرة، فصوّر ما يحصل في جنيف على أنه انتصار الخير المتمثل بوفد الحكومة على الشر المتمثل بوفد المعارضة.

ويظهر اهتمام النظام السوري بالجانب الإعلامي لمؤتمر “جنيف 2” بشكل جلي، إذ لم تكن الترسانة الإعلامية، المكونة من خمسين صحافياً، التي رافقت وفد الحكومة السورية من دمشق إلى جنيف، مجرد وفدٍ عادي.

انتقاء الأسماء كان دقيقاً جداً، كما الانتماء الطائفي، الذي شكّل عصب تلك الترسانة وكان محركاً أساسياً لها، يعطيها الأوامر وكأنها قطعة عسكرية، لا سيّما في اللحظات التي سبقت المؤتمرات الصحافية، إذ كان الحصول على فرصة طرح سؤال على متحدث في المؤتمر يتطلب تسجيل دورٍ ومن ثم تخضع الأسماء للغربلة. هذه الغربلة كانت تظهر بشكل فاضح خلال المؤتمرات الصحافية لوفد الحكومة، إذ من أصل 15 سؤالاً وجهه الصحافيون لوزير الخارجية السورية، وليد المعلم، حظي وفد الإعلام السوري الرسمي بتسعة أسئلة منها تم الاتفاق عليها مسبقاً مع قائد الترسانة. ذلك القائد هو مدير إذاعة “شام أف أم” الذي كان مسموحاً له، وحده، أن يجري لقاءات مع أعضاء وفد الحكومة بكاميرا جوّالة أو كاميرا منزلية، ويبثها عبر الانترنت.

ولم يغير الإعلاميون المحسوبون على ملاك الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا، من سلوكهم الفضائحي أو التشبيحي. ذلك السلوك ظهر في اليوم الافتتاحي للمؤتمر. بعد دقائق من بدء استراحة الغداء في اليوم الافتتاحي، بدأت صور إعلاميي النظام بالظهور في مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أبرز ما تداوله النشطاء، صورة لمراسل قناة سما السورية، فراس مارديني، وهو جالس في قاعة الصحافيين يشرب “المتة”.

وتمادى السلوك التشبيحي لهؤلاء، في الكثير من المرات، حتى ليظن المرء أنه أمام ضابط مخابرات أو قائد عسكري. لعلّ المؤتمر الصحافي الذي أجراه نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، في الجولة ما قبل الأخيرة من المفاوضات، أكبر دليل على مدى التشوه الذي يحمله صحافيو النظام، لا سيّما عندما حاولت هناء الصالح، ضرب مايكروفون تلفزيون “أورينت” الذي وجه مراسله سؤال محرجاً للمقداد، ليلتف حول المقداد مراسلون للتلفزيون السوري الرسمي ووكالة “سانا”، إلى جانب الصالح، يجيبون عن المقداد ويشوّشون على الأسئلة التي تسبب إحراجاً له.

ولم يقتصر تشبيح صحافيي وفد النظام على نظرائهم من الصحافيين أو على الشخصيات المعارضة، بل وصل بهم الأمر إلى التشبيح على والدة الطبيب البريطاني، عباس خان، الذي قتل في سجون النظام السوري. إحدى مراسلات “سانا”، لاحقت والدة الطبيب وبدأت باستفزازها فخرجت المراسلة بتقرير على وكالة “سانا”، بعنوان “مسرحية جديدة في استثارة الرأي العام بجنيف.. بطلها معارضون يدعمون الإرهاب وأداتها والدة الطبيب خان”.

كذلك استدعى الحرج الذي سببته والدة الطبيب، إلى إجراء مقابلة كاملة حول قضيته، أجراها مدير إذاعة “شام أف أم” بجواله أو الكاميرا المنزلية، مع المقداد، فأجاب الأخير، أن الطبيب ببساطة، انتحر، معللاً سبب انتحاره بأنه إرهابي، والإرهابي ينشر ثقافة الموت ولا يحبّ الحياة!

وتعامل صحافيو النظام مع المؤتمرات الصحافية التي أجراها الإبراهيمي كأن من يجريها هو وزير الإعلام، عمران الزعبي، أو ناطق باسم الحكومة السورية، إضافة إلى أن مجمل الأسئلة تماهت مع خطاب وفد الحكومة الذي أصر على تضييع الوقت خلال الجلسات، في نقاش الإرهاب، فمثلاً المذيعة في قناة “سما”، هناء الصالح، كانت تروي للإبراهيمي في إحدى مؤتمراته، قصص الإرهابيين في سوريا وما يفعلونه في منطقة عدرا العمالية، ليبادرها هو بسؤال: “ما الذي تريدينني أن أقوله يعني؟”.

وأمام تلك الصورة المشوهة التي حملها صحافيو النظام، برز إعلام سوري حقيقي، أو ما يسمى بالإعلام البديل، أثبت العاملون فيه أنهم إعلاميون يحترفون المهنة، ويتفوّقون على جحافل الصحافيين التي جرها وفد الحكومة خلفه من دمشق إلى جنيف. هؤلاء هم صحافيون بالأصل، أبرز اثنين منهم كانا مراسل “راديو الكل”، أحمد زكريا، ومراسل “راديو أنا”، رامي الجراح، الذي ترك آلة التسجيل وأخذ يواسي والدة الطبيب عباس خان بعدما هاجمتها قوات الإعلام السوري.

الجراح وزكريا، كانا يطلقان أسئلتهما في وجه مسؤولي النظام، وفي كل مرو تلقوا شتيمة بدلاً من الإجابة، بعدما بلغ الحرج بالمسؤولين مبلغه، وهم الذين لم يعتادوا تلقي أسئلة غير تلك التي تطرح عليهم في دمشق، منذ أكثر من سنتين ونصف، فصاروا يهربون.

إذاً، للمرة الأولى، كان المعلم والزعبي والمقداد والجعفري وشعبان عرضة للأسئلة المحرجة. أسئلة تخلو من السذاجة أو طلب التحدث عن انتصارات الجيش على الإرهابيين. أسئلة تمحورت حول البراميل التي تهدم المنازل على رؤوس ساكنيها في حلب، وحول كذبة أن النظام يحارب داعش. فما كان من وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، إلا أن ولّى هارباً من سؤال مراسل “راديو أنا” الذي لاحقه: “يا سيادة الوزير جاوبني.. شو تعليقك على البراميل، طيب ليش ما عم تقصفوا داعش، يا سيادة الوزير..”

المدن

من اللاجئين السوريين في عرسال إلى جنيف2/ عبـدالله الحجيـري

عرسال – خفُت الأمل الذي عقده كثيرون على مؤتمر جنيف2 في التوصل إلى حلٍّ ما أو خارطة طريق لانتهاء الأزمة السورية المستمرة منذ ثلاث سنوات، خصوصاً وأن الأمور الانسانية على الأقل لم تجد طريقاً للاتفاق، وهي أكثر ما يعني السوريين في مختلف المناطق السورية، وأولئك منهم اللاجئون إلى دول الجوار. في مخيم “البابين” في عرسال، تختلف رؤية النازحين وتطلعاتهم للمؤتمر.

يتابع بعضهم وقائع المؤتمر عبر أجهزة التلفزيون القليلة المتوفرة في المخيم، حيث يتجمهرون لمتابعة الأخبار المتواردة من جنيف أملاً في سماع خبر يخلّصهم من قساوة خيمة لم يألفوها بعد.

قبل بداية المؤتمر، كان هناك نوع من التفاؤل بحلحلة للأوضاع القائمة، بحسب أكثر من ساكن في المخيم. حسان الزير قال لـNOW: “زهقنا وقرفنا من الحالة يلّي عايشين فيها، بدنا ايّاهن يتفقوا ونرجع عبيوتنا، إذا بقي منها شي. شبعنا تشرّد وفقر، بدنا نخلص من الذلّ يلي عايشين فيه بهالخيم. انشالله تنحلّ بهالمؤتمر”.

لكن ما يتنامى إلى أسماع اللاجئين عن مفاوضات جنيف2، أفقدهم بصيص التفاؤل، وخصوصاً بعد خطاب وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم. ورأى الزير أنّ “الكلام ذاته يتكرر من النظام ومن المعارضة”، داعياً إلى “الضغط على كل الأطراف حتى وقف القتل والخراب”.

رؤية مغايرة يقدّمها أبو محمد (رفض الكشف عن اسمه الحقيقي)، وهو جار حسان الزير في خيمة ملاصقة: “منذ بدء الثورة والنظام يقول الكلام نفسه. هيدا نظام بنعرفو منيح، ما بيفهم إلا بالقوة. والحل لن يكون إلا على أيدي الثوار. فالمعارضة تريد الحل، فيما المعلّم يعيد نفس الإسطوانة: إرهاب وتكفيريين ووهابيين. هذا الكلام لا يصدقه أحد، كل العالم بات يعرف من الإرهابي الذي يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة”.

ويضيف أبو محمد “هذا النظام لا ينفع معه الحكي، يجب على أميركا والدول الكبيرة أن يتحركوا حتى إزاحة بشار، هذا هو الحل ولا غيره. المهم في هذا المؤتمر أنه يؤكد فضح النظام أمام كل الدول والعالم”.

وتابع أبو محمد: “صار عنّا 150 ألف شهيد بسوريا، دمهم لا يجب أن يُهدر، الحل الوحيد أن يرحل بشار ونظامه، ولو بدّو يموت مليون شهيد. الموت ولا المذلة”.

حالة الاستياء من الأوضاع المزرية والبائسة التي يعيشها النازحون في المخيمات، تدفعهم إلى التعلق بجنيف2 باعتباره فرصة لن تعوّض لحل الأزمة. هذا ما يؤكده أيضًا هاشم الزين، الذي فقد شقيقه وابنه في قصف على منزله في منطقة بابا عمرو في حمص. “إذا ما اتفقوا اليوم، الله وحده بيعلم أيمتى رح يرجعوا يتفقوا أو أيمتى رح يزبط الوضع. الناس اختنقت بالمخيمات، وفي عالم بسوريا عم تموت من الجوع، لازمنا حلّ أو عالقليلة هدنة حتى الناس المحاصرة يوصلها أكل. إخواتي وأهلي بحمص ما بعرف شو صار فيهن، إذا ماتوا أو هربوا أو بعدن عايشين، بدنا فرصة نقدر نعرف عنن أخبار”.

ويلفت الزين “عنّا أمل بالجمعيات المدنية ومؤسسات الأمم المتحدة يلي بتعرف وضعنا منيح والحالة يلي عايشين فيها، إنو توصِّل صوتنا ومعاناتنا لمؤتمر جنيف وتعمل ضغط حقيقي عالمجتمعين حتى يحسّوا فينا ويلاقوا حلّ لمشاكلنا”.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى