مقالات تناولت انتخابات الائتلاف السوري المرتقبة
انتخابات الائتلاف والضجيج الأبكم/ ياسين السويحة
وسط استقطابات كواليسيّة مُعتمة، وتسريبات «صحفيّة» هنا وهناك عن مطامع ومخطّطات الطامحين، يدخل ’الائتلاف الوطني‘ هذا الشهر «استحقاقه» الدوري في اختيار رئيس جديد له، بعد استنفاذ فرص أحمد عاصي الجربا في الحصول على ولاية جديدة إثر ولايتين نصف سنويتين متتاليتين. ثمة من يتحدّث عن سعي الرئيس الحالي لإيجاد مخرج قانوني يسمح له بالتمديد لنفسه بطريقة ما؛ آخرون ينقلون مخططات مفترضة للإتيان برئيس جديد من دائرة الجربا الوثيقة، يُدير دفّة ’الائتلاف‘ لفترة رئاسية واحدة ثم ليرشّح الجربا نفسه من جديد بعدها، على طريقة بوتين-ميدفيديف في روسيا (ونِعم المثل والقدوة، بالمناسبة)؛ فيما تذهب تكهّنات ثالثة إلى افتراض أن طموحات الجربا غير مستقرّة في اسطنبول، بل تنوي الرحيل جنوباً باتجاه غازي عينتاب، مقرّ رئاسة الحكومة المؤقّتة. هناك فرضيات أخرى عدا المذكورة. هناك ضجيج، ضجيج كبير، لكنه ضجيج صامت، أصمّ، وأبكم!
يعيش ’الائتلاف‘، ككيان سياسوي افتراضي، في واقع لا يشبه وقائع ما يجري في الداخل السوري في شيء. لا إيقاعُ تحرّكه يتناسق مع مجريات الداخل، ولا فداحة النكبات الكبرى التي وقعت على رؤوس السوريين ترتدّ في أدائه السياسي. السوريون، من يُتابع منهم أخبار ’الائتلاف‘، على موعد مع ضجيج دوري كلّما اجتمع أعضاءه لـ«انتخاب» رئيس جديد له، ضجيج يَصدر ويُسمع في واقع سريالي، ليته كان واقعاً موازياً بأقل درجات التوازي. لا أخبار عن ’الائتلاف‘ بالكاد إلا المشاحنات والخصومات والمكائد، وتغيّر اصطفافات وتحالفات أعضائه كأفراد، أو الكيانات الهُلاميّة –كي لا نسمّيها وهميّة– التي يُفترض أنها تكوّنه. يجري كلّ هذا وسط ضبابيّة ووراء كواليس مثيرة للريبة وللغضب: على ماذا يختلفون؟ على ماذا يتفقون؟ لماذا يتحالف هذا مع ذاك اليوم؟ لماذا خاصم هذا ذاك أمس؟ وهل ستعود الخصومة غداً؟
بعد أقل من شهر تنتهي ولاية أحمد عاصي الجربا الثانية، ويكون قد مرّ عام على تولّيه رئاسة ’الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية‘. لم نعلم حينها من أين أتى، فأغلبنا لم يكن قد سمع باسمه من قبل، ولا بإمكاننا –عدا موقعة الصفعة الشهيرة، وخطاب جنيف٢– تحديد ماذا أنجز خلال هذا العام. عدا دعم سعوديّ كبير يُقال إنه يتلقاه، لا نعلم شيئاً عن المؤهّلات التي يحملها كي يكون الآن، بشخصه، وبالمجموعة الغامضة التي أنشأها حوله، عنصراً مهماً، بل الأهم ربما، في المعارضة السوريّة اليوم. من اختار الجربا؟ ولماذا؟
لكنّ المسألة ليست مشخصنة، ولا تبدأ عند الجربا ولا تنتهي عنده، ولا المشكلة فقط في أنه كان مجهولاً عند السواد الأعظم من السوريين. المعارضون التاريخيون والمعروفون لم يطرحوا أداءً أفضل، ولا وضوحاً أكبر في مواقفهم، ولا في تحالفاتهم وخصوماتهم داخل العالم الموازي لـ’لائتلاف الوطني السوري‘.
معضلة ’الائتلاف‘ أكبر بكثير من منصب رئاسته ومن المعارك الدونكيشوتية الدائرة حوله. الآفة في الجوهر، في الأساس والتكوين، المبني على حساسيات الـ«ريال بوليتيك» الإقليمية والدولية، وعلى تجاذبات القوى الكبرى والوسطى ومتطلباتها، وعلى تعقيد وغموض هذه التجاذبات. لا أثر بالكاد للتباينات السياسية والأيديولوجيّة البارزة بين السوريين في خريطة «مكوّنات» ’الائتلاف‘ من أحزاب وجماعات وتحالفات، بل هناك خطوط تماسّ ملتهبة بين السعوديّة وقطر، متمفصلة على تباينات شخصانيّة لا يُفهم فرق التوجّهات والمواقف بينها. إنه تشوّه خلقي على الأرجح لا يمكن إصلاحه، على الأقل في المدى المنظور. لكن تعريض الساحة السياسيّة اليوم لمهزلة جديدة بمناسبة «الاستحقاق الرئاسي» لـ’الائتلاف‘ طامّة كبرى، في الشكل وفي المضمون.
لا تُشاهد أيّ ملامح لرغبة لدى سياسيي ’الائتلاف‘ بتجنّب المشهد البائس لـ«عمليتهم الديمقراطية» في الأسابيع القليلة المقبلة. سنقرأ الكثير عن المعارك الداخلية، بمخططات ومخططات إفشال، هجومات وهجومات مضادّة، وقد يصل يوم الاستحقاق دون أن يتمكن فرقاء زوبعة الفنجان من التوافق على حلّ. إننا، باختصار، أمام مساهمة مضافة، ولو متأخرة، للحملة الانتخابية لبشار الأسد. ليس في هذا الكلام أي رغبة في المقارنة أو المفاضلة، ولا إحالة إلى منطق «الطرفين» البائس؛ انما هو إشارة إلى فداحة أثر الصورة السيئة التي يتم عرضها أمام السوريين أولاً، وأمام العالم أجمع ثانياً: إذا كان مفهوماً أن يكون المشهد العسكري في الداخل بهذه الصورة، نتيجة العنف الوحشي الذي يمارسه النظام، وتواجد جماعات فاشيّة التكوين والممارسة مثل «داعش» وأخواتها، وأثر التوجّهات والمصالح المتضاربة لمموّلي السلاح، فما المانع في أن تتحلّى النخبة السياسية المعارضة، المقيمة في الخارج وبعيداً عن ضغط ما يجري على الأرض، بحدّ أدنى من المسؤولية، وأن تمارس حياة سياسيّة واضحة بالحدّ الأدنى، وأن تطرح خطاباتها ومشروعاتها الاستراتيجية والتكتيكية وتُسايس حولها مع الجماعات الأخرى ومع «المجتمع الدولي»؟ ألا يوجد أي هامش لأفق أوسع للتفكير والممارسة خارج الدوّامة غير المتناهية من المشاحنات الضيّقة حول الشؤون الإجرائية، أو غيرها من المسائل الثانوية؟
واقعياً، لا مجالات، في المدى المنظور، للعمل على إعادة تكوين الجسم السياسي المعارض من جديد. تعبيرات من قبيل «إسقاط الائتلاف الوطني« هي ردّ فعل غاضب ومفهوم على فداحة المهزلة التي نعيشها، لكنها لا تكفي كمشروع سياسي. أما إنشاء كيانات جديدة، موازية لـ’الائتلاف‘ ومتناحرة معه، دون أرضية سياسية واضحة وصلبة، ودون مشروع ذو جرأة وصراحة، فهو استمرار في اللعبة القاتلة ذاتها. لا شك أن الحديث عن المعارضة وقصورها وعجزها وقلّة كياسة غالبية أعضائها البارزين قد بات مملاً ومكروراً، لكن لا مفرّ من مواجهة هذا الواقع بالوسائل المتاحة، وإن كانت بدورها مملّة. لا بدّ من عمل جماعي، على مستوى فاعلي الشأن العام جميعاً، من مثقفين وكتاب وصحافيين وناشطين، من أجل الضغط على سياسيي المعارضة السوريّة، ولا سيما خلال الأسابيع المقبلة. لا نريد منهم معجزات نعلم أنهم عاجزون عنها، فالحلول الكبرى للمسألة السوريّة في مجرّة أخرى بعيدة عن إمكانياتهم، لكن ممارسة السياسة، لا اللعب السياسوي الضيّق والمظلم، ليس بالمستحيل! أن يكون هناك جسم ائتلافي عريض، يمثل أكبر طيف ممكن من الرأي العام المنحاز للثورة، تجري ضمنه حياة سياسية مبنية على تفاعلات بين كيانات واضحة تُعبّر عن تباينات وخلافات واختلافات أطياف الرأي العام المعارض، تفاعلات تُنتج في النهاية خطاباً وازناً يتم تقديمه للسوريين وللعالم كمشروع بلد، ليس رابع المستحيلات، بل هو أخلاقياً أضعف الإيمان. هو احترام لعقول السوريين، كي لا نقول كلاماً مزاوداً عن احترام الدم والدمع والركام.
قد يبدو هذا الكلام طوباوياً وغير قابل للتطبيق، ومن المرجّح ألا يشعر فاعلو الشأن العام برغبة أو بدافع للعمل من أجله، لكن المرافعة عنه والدعوة إليه ضرورة: المنطق السياسوي الضيّق كارثة، لكنّ الترفّع عن «السياسة» بمعناها المباشر ليس حلاً، بل تعميق للأزمة الكبيرة، خاصةً مع ركود الأوضاع، المرشّح بقوّة للاستمرار لفترة طويلة.
لا للضجيج الأبكم!
موقع الجمهورية
كذبة الائتلاف من التأسيس إلى لجنة الحكماء/ غسان المفلح
قبل مؤتمر انطاليا للمعارضة السورية المنعقد باستنبول، كتبت مادة عن وضع المعارضة، والموقف الدولي، يمكن للقارئ من العودة إليها بعنوان” حول مؤتمر انطاليا في تركيا” 26.05.2011 قلت فيها” وزير الخارجية الايطالي لتبرير تخاذل المجتمع الدولي تجاه النظام وجرائمه في سورية، يصرح أنه لايوجد معارضة سورية”.
قبلها بالطبع ومنذ الشهر الأول لانطلاق الثورة السورية من حوران18آذار2011 كتبنا أيضا انا وغيري من الكتاب السوريين عن تخاذل الموقف الدولي. إذا منذ انطلاق الثورة كانت تواجه الثورة إشكاليتين الأولى وهي الاخطر والاهم، تتعلق بتخاذل الموقف الدولي عن حماية الشعب السوري، اخطر لأن هذا الموقف ينعكس دما سوريا في ميزان القوى على الارض بين تظاهرات سلمية وجيش اسدي يقتل بلا تردد.
الثانية تتعلق بتشظي المعارضة السورية، خاصة وإن الثورة فاجأتها بانطلاقها دون أن يكون لها دور، ودون ان تستطيع لملمة شظاياها، في مؤسسة تمثل تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والتي من أجلها قام بثورته، تأسس المجلس الوطني بعدها باشهر 2 تشرين الأول 2011 . وهو المؤسسة الوحيدة تقريبا، لو ارخنا للثورة، حاز على تمثيل شعبي اكثر من غيره من كافة تشكيلات المعارضة التي شكلت قبله أو بعده وحتى تاريخ كتابة هذه المادة.
لا اريد الدخول في اسباب حصوله على هذه الشعبية النسبية بالطبع. لكن بقاء تيار محاورة النظام، والتيار الروسي، والتيار الذي كان يتشدق بالسلمية، والتيار الذي يرفض التدخل الدولي لحماية المدنيين حاولوا التشكيك بالمجلس وهذه الشرعية النسبية. كلها بقيت خارج المجلس علما أن المجلس كانت ابوابه مفتوحة للجميع.
والاهم من كل هذا ان قيادة المجلس الاولى برئاسة الدكتور برهان غليون لم تطالب بالتدخل الدولي، وكانت ترفض حتى مجرد الحديث عن هذا الموضوع، وحاورت روسيا. وبقيت تراهن على جيش الاسد- باعتباره جيش سوري- وهذا ما عبر عنه الدكتور برهان في اول مقابلة له بعد تسلمه رئاسة المجلس مع قناة الجزيرة.
بغض النظر عن الدور السلبي لبعض قيادات الاخوان وقيادات المجلس. لم تكن معجزة الانضمام للمجلس لو ارادت هذه القوى الانضمام اليه، مسألة رئيسية واجهت الموقف الدولي المتخاذل بزعامة اوباما وهي عدم قدرته على جعل المعارضة السورية كلها صورة لهذا الموقف المتخاذل،خاصة بوجود المجلس الوطني الذي لاسباب تتعلق بطبيعة تأسيسه، كان من الصعب ان يقبل بما اراده اوباما بتنفيذ سفيره السابق روبرت فورد، الذي اعلن منذ اسبوعين عن رفضه لسياسة اوباما تلك، علما أنه هو من اصر على رفض تسليح الجيش الحر حتى قبل أن تدخل النصرة وداعش وبقي على هذا الموقف حتى لحظة استقالته.
وعلى اساس موقفه هذا كان له دور في تأسيس الائتلاف** عوضا عن المجلس الوطني، وهو من الاسماء التي ورطت الاستاذ رياض سيف*** في أن يتحمل مسؤولية الكذبة التي على اساسها تشكل الائتلاف. “عندما قمت بالمبادرة كنت عضواً في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري – وهو أعلى هيئة قيادية في المجلس – وكنت مخلصاً له.
يعلم الجميع أن المجلس بعد مرور ما يقارب العام على تشكيله أصبح غير قادر على تحقيق هدف وحدة المعارضة على الرغم من الحاجة الماسة لسلطة بديلة لنظام بشار الأسد. لقد بتنا نواجه السؤال في كل مناسبة، ماذا لو سقط نظام الأسد فجأة فما هو البديل؟” هذه كذبة فورد اساسا، وعاد نفسه الاستاذ رياض ليؤكد كذب هذه الوعود لأنها لم تتحق يمكن العودة لنص الاستاذ رياض ومكاشفته لظروف تأسيس الائتلاف، ومافيها من تناقض!! فمن جهة يقول انه لادخل لامريكا وغيرها بتأسيس الائتلاف، ومن جهة اخرى يؤكد انه اخذ وعودا من تلك الدول لدعم الائتلاف والجيش الحر!!
دول لا تعطي وعودا لجهة لم تشارك في معرفة تفاصيل تشكيلها على الاقل، وهذا يوضح ان الائتلاف برمته بني على كذبة. كان للاسف مسوقها السيد رياض سيف، الذي كان عضوا بالمجلس الوطني وقيادي فيه منذ لحظة تأسيسه، فماذا فعل بهذا المجلس؟ ولماذا يركض قيادي في مؤسسة معارضة لتأسيس مؤسسة أخرى؟ بعيدا عن النوايا الحسنة والسيئة، مجيئ الشيخ معاذ الخطيب لرئاسة الائتلاف كانت تحمل معها خطة انقاذ دمشق عبر جنيف!! انقاذها من الحرب الدائرة بين الجيش الحر وجيش الاسد!! وكأن دمشق وسكانها ليسوا من سورية!! وكل مبادرات الخطيب الارتجالية وغير الارتجالية لاحقا، تصب في هذا المنحى التأسيسي الكاذب للائتلاف.
استطاع الائتلاف هذا ان يكون خير معبر عن رؤية فورد، ومن خلفه اوباما، لكي يتم هلهلة التمثيل السياسي للثورة، وهذا ماحصل. لم يكن يريدون منذ اول الثورة، بديلا عن الاسد امريكيا لأنه غير مطروح اساسا، كما يفترض الاستاذ رياض سيف وكما عبرت عن ذلك مع غيري من المعارضين، ان الحديث عن البديل هو عبارة عن كذبة كبيرة. المطروح امريكا وهذا ما تبلغه كل قادة المعارضة بشكل مباشر وغير مباشر بين السطور هو الدفع نحو الصوملة، وهذا اتضح جليا قبل تشكيل الائتلاف.
قادة الائتلاف وقبلهم بعض قادة المجلس قبل تأسيس الائتلاف ايضا، عندما سئلوا من قبل الامريكان عن السلاح الكيماوي، اجابوا “انه سلاح الشعب السوري ولايجوز تدميره، إلا بقرار من الشعب السوري!! او باشراف مؤتمر دولي لتدمير كافة اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط، تماما كموقف الاسد، وعلى رأسهم الشيخ معاذ.
العودة لهذه المواضيع تأتي عبر سؤال كبير أين وصلنا الان في الثورة والائتلاف والمجلس؟ وما يجري الآن داخل الائتلاف من مؤامرات وخلافات للزعامة وحسب، دون محددات سياسية ورؤى سياسية واضحة. المناسبة انتهاء ولاية السيد احمد الجربا، وفجر قسما منها السيد علي صدر الدين البيانوني عندما صرح لقناة الاورينت بعد انسحابه الفردي منه على إثر برقية التهنئة التي وجهها رئيس الائتلاف للرئيس المصري المنتخب” أن الائتلاف يتعرض لعدة ضغوط منذ حوالى السنة، وفرض رئيس معين للائتلاف كان بداية هذه الضغوط ومن ثم تم فرض قائمة معنية لإدخالها الى الائتلاف، مشيراً الى انه اقترح على جماعة الاخوان المسلمين حينها الانسحاب من الائتلاف إلا أن قيادة الجماعة كان لديه رأي آخر”.**** ومن ثم الحديث عن تشكيل لجنة حكماء من الشخصيات التي ساهمت بغياب الحكمة عن عمل المعارضة. وهم معرفون بالاسم.
نحن الآن أمام كذبة من نوع جديد.. المطلوب من لجنة الحكماء النظر في المرآة قبل الدخول في كذبة جديدة. معقول كل الامتيازات وغيرها التي حصلتم عليها من خلال حكمتكم في تأسيس الائتلاف وتوسيعه ديمقراطيا أن تذهب سدى!! نحن لا نقبل يجب ألا تذهب سدى!! فأنتم حكماءنا قبل الجربا وبعده.
أورينت
الائتلاف الوطني وبرنامج المرحلة المقبلة/ فايز سارة
يتقدم الائتلاف الوطني نحو عملية انتخابية، يجدد فيها انتخاب قياداته للمرحلة المقبلة بعد عام ونصف العام من عمره جدد فيها انتخاب قياداته مرتين قبل أن يستعد للمرحلة الراهنة، التي يمكن القول إنها تتميز بخواص جديدة نتيجة ظروف داخلية ووطنية وخارجية، تحيط بالقضية السورية، التي دخلت مرحلة الكارثة بكل المعاني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
خلاصة الظروف المحيطة بالقضية السورية، تتميز في المستوى الوطني باستمرار سياسة النظام الدموية وتصاعدها على أمل استعادة سيطرته على الأراضي التي خرجت من تحت سيطرته، انطلاقًا من المناطق المتاخمة نحو الأبعد مصرًّا على متابعة القتل والتهجير والتدمير، وإن اضطر إلى تسويات مؤقتة في بعض المناطق دون أن يغير سياساته وممارساته، فيما تسعى قوى الإرهاب والتطرف وخاصة «داعش» إلى التمدد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مستخدمة سياسات وأساليب النظام في القتل والتهجير والتدمير. وبين حالتي الإرهاب والتطرف المزدوج للنظام من جهة و«داعش» وأخواتها من جهة أخرى، تجد المعارضة السورية في شقيها السياسي والعسكري نفسها في حالة حصار، تشكل محاولة مزدوجة لإنهاء الثورة، ووضع حد لطموحات السوريين في نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين.
ولا تقل الظروف الخارجية المحيطة بالقضية السورية سوءًا؛ إذ ما زال الحلف الدولي – الإقليمي الداعم لنظام الأسد، وبخاصة إيران وأدواتها، في دعمه الكبير للنظام دون أي مسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها، وما زال المجتمع الدولي الذي يستنكر جرائم النظام ويبدي تعاطفه مع السوريين، يمتنع عن اتخاذ مواقف وممارسة سياسات حاسمة في القضية السورية مستخدمًا تبريرات وذرائع، يتم تجديدها في كل مرحلة، مما يجعل الكارثة السورية تستمر، وتفتح الأبواب نحو تمدد إقليمي في المحيط.
والائتلاف بواقعه وإمكانياته وسياساته، يحتاج إلى نقلة نوعية للقيام بما ينبغي أن يقوم به خدمة للقضية التي اعتبر بسببها ممثلًا للشعب السوري، عبر تجاوز ما فيه من انقسام آيديولوجي وسياسي، وضعف تنظيمي وإداري وضعف في الالتزام، وقلة في الإمكانيات البشرية والمادية إلى جانب مشاكل أخرى، جرى التعامل معها جميعًا في العام الأخير على أمل إحداث تبدلات في واقع الائتلاف، ومنها محاولات تضييق فجوة الانقسامات، وتحسين الواقع التنظيمي والإداري، وتوفير إمكانيات أفضل من الناحيتين البشرية والمادية لكن النجاحات كانت محدودة.
والعملية الانتخابية القريبة في الائتلاف الوطني ليست عملية انتخابية بين أشخاص أو جماعات وكتل، وإنما هي عملية انتخابية بين برامج وأهداف ينبغي أن يتم إعلانها وتأكيد الالتزام بها لمعرفة المسار الذي سيمضي إليه الائتلاف في المرحلة المقبلة بعد مرحلتين كانت أولاهما من التأسيس إلى التوسعة، وتميزت بالتخبط وعدم وضوح الأهداف وغياب الآليات، ومرحلة ما بعد التوسعة التي اتخذت طابع المرحلة الانتقالية، نتهيأ في آخرها لأخذ الائتلاف أمام تحدياته الجدية والجديدة.
والأبرز في تحديات الائتلاف، ينبغي أن تكون برنامج قيادته المقبلة، ولعل الأبرز والأهم فيها من الناحية السياسية مهمات في أولها تأكيد الأهداف الثابتة لثورة السوريين في إسقاط النظام وتغييره انتقالًا إلى دولة ديمقراطية مدنية، تقوم على حكم القانون ومبدأ المواطنة، والالتزام بحقوق الإنسان، وهو تأكيد لا بد أن يتلازم مع موقف واضح من الإرهاب والتطرف بعد كل ما عاناه السوريون واحتمال أن يعانوه من تطرف وإرهاب النظام والجماعات المسلحة بما يشكلانه من خطر في واقع السوريين ومستقبلهم.
وإذ عانى السوريون من بطش ودموية النظام وجماعات التطرف والإرهاب، وحاولوا ما استطاعوا مقاومته بالسياسة والحراك الشعبي وتشكيلات الجيش الحر، فلا بد من مهمة تأكيد الالتزام بالسعي إلى حل سياسي يوقف سفك الدم والدمار، ويضمن تحقيق أهداف الثورة انطلاقًا من وثيقة جنيف 1 وقرارات الشرعية الدولية.
ويطرح الائتلاف مهمات برنامجية تخصه على القيادة المقبلة، لعل الأبرز فيها العمل على إصلاح الائتلاف، وتطويره ليعمل كمؤسسة ديمقراطية تشاركية لا مكان فيها للانقسام الحاد بالمعنى الصراعي ولا للممارسات الفردية والتسلط أو أي منهما سواء كان شخصيا أو كتلويا، كما أن المهمة الثانية في موضوع الائتلاف ينبغي أن تضمن توسعة نسائية، فعدد النساء بالائتلاف قليل لا يعكس وجودهن في المجتمع ولا دورهن في الثورة، كما ينبغي أن يكون في إطار المهمات التركيز على تفعيل الائتلاف بهيئاته ومؤسساته وأعضائه، وتحويله كما ينبغي إلى خلية فيها دور ومهمة لكل عضو من خلال هيئات ولجان ومكاتب مختصة، وهذا كله لا يمكن أن يتم دون تأهيل الأعضاء والكوادر، وهو ما ينبغي أن يكون في أهداف النهوض بالائتلاف.
ولا يمكن القيام بما تقدم من مهمات دون تعديل النظام الأساسي للائتلاف ومأسسته. وقد منع النظام الحالي في أوقات سابقة إيجاد صيغ تنظيمية وإدارية ومالية، تطلق الائتلاف ومؤسساته وهيئاته وشخصياته للقيام بأعمال لو تم القيام بها لكان الوضع أفضل مما عليه في الوقت الراهن، وهذا ينقلنا إلى مهمة أخرى تواجه القيادة المقبلة، في خلق أساليب وآليات عمل جديدة، منها تشكيل لجان استشارية متنوعة الاختصاصات تكلف بأعمال محددة، تشمل جمع المعلومات ووضع الخيارات وإنضاج قرارات، وتقديم كشوفات حول ما تم إنجازه والعقبات التي تواجه المهمات والمشاريع المطروحة.
إن الجوهري في مهمات برنامج القيادة المقبلة، يفتح بابًا لمهمات برنامجية أخرى في سياسات ومواقف الائتلاف في العلاقة مع المؤسسات التابعة للائتلاف وأدواته في العلاقة مع الداخل، ومنها الحكومة السورية المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم والجيش الحر، وكلها تحتاج إلى دعم وتنظيم ومساعدة، مما يقوي مهمة برامجية أخرى شديدة الأهمية، وهي تعزيز وتقوية علاقة الائتلاف بالداخل عبر تشبيك مع المؤسسات والشخصيات السياسية المعارضة والأهلية ومنظمات المجتمع المدني، مما يضمن توسيع قاعدة الائتلاف وفاعليته.
وثمة مهمة برامجية أخرى، لا بد أن تحتل مكانة مميزة في رؤية القيادة المقبلة، وهي علاقات الائتلاف الإقليمية والدولية، التي دون الاهتمام بها وتطويرها، فإن القضية السورية يمكن أن تستمر بتردياتها، وتبقى دون حل جوهري. ولهذا فإن من المهم لكسب الدعم والمساندة للائتلاف والثورة ولعموم القضية السورية، أن يكون للائتلاف علاقات ممتازة مع العمق العربي والإسلامي وصولًا إلى بقية الدول، ولا سيما الكبرى التي كانت الأقرب إلى القضية السورية في السنوات الماضية، ومنها تركيا والسعودية وقطر من القريب، وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة من البعيد، لكن تلك العلاقات لا بد أن تظل محكومة بخط مبدئي واضح وهو القرار الوطني والمصلحة الوطنية السورية.
الشرق الأوسط
إلى «رموز» المعارضة السورية في الخارج… كفى/ معتز حيسو
أتابع كغيري ممن ملّ وقَرف خطاب أبطال الفضائيات، الذين يدّعون تمثيل الشعب السوري و«الثورة» من الخارج. وأتوجه إلى هؤلاء، بأن يحافظوا على ما كان لهم من تاريخ في ذاكرة بعض السوريين، هذا إن بقي لهم من تاريخهم شيء. وأن يكفّوا عن استغباء السوريين الذين سئموا خطابهم المكرور، وملّوا كذبهم المفضوح. إذ بات ينطبق عليهم القول بأنهم تجّار السياسة ومعارضة فنادق الخمسة نجوم. بداية ما سأعرضه لا يختزل أزمة المعارضة بأشخاص، فأزمتها كما يبدو للجميع، أزمة بنيوية عميقة، وآليات ومسارات أدائها السياسي على مدار الأزمة السورية، لا يعدو أن يكون بعضاً من تجليات أزمتها.
وإن كانت وسائل الإعلام من أحد أدوات الحرب الضروس، فهذا لا يعني أن يتخلى من أدمن الظهور على الفضائيات عن المصداقية والأخلاق. إذ إن عموم السوريين يدركون حجم الكارثة التي تحيق بهم، ومن هي الأطراف التي تتاجر بدمائهم وتعمل على تمزيق وحدتهم ووحدة أراضيهم. وكذلك يعلمون جيداً من هي الأطراف التي تعمل على تهديم كيانية دولتهم. فذاكرة الشعوب عميقة، والمواطن السوري يميز جيداً بين الغث والثمين، بين من يمثّل مصالحه، وبين من يتاجر به ويكذب عليه ويعمل على تضليله.
فبعد محاولات السيد جورج صبرا (الشيوعي سابقاً) تلميع صورة جبهة النصرة واعتبارها مع الأطراف الجهادية، من بنادق ثورته. طالعنا أخيراً بموقف آخر لا يقل خطورة عما سبق، ألا وهو تلميع صورة الولايات المتحدة الأميركية وتقديمها بصورة معاكسة للحقيقة. فهي من وجهة نظره الحمل الوديع الذي لا يحمل للشعب السوري إلا الخير، وهي المدافع عن وحدة السوريين ووحدة أراضيهم، وأنها ضد العسكرة وتحارب الإرهاب وضد العنف والتسليح وهي من أنصار الحل السياسي الذي يضمن مصالح السوريين وينقلهم إلى الديمقراطية… متجاهلاً أن الحكومة الأميركية هي من يرعى الإرهاب والاستبداد في الماضي والحاضر، وأنها من أسباب تخلف وإفقار الشعوب. وإن سياساتها التدخلية والاحتلالية في المنطقة لا تخرج عن سياق ضمان مصالحها ومصالح وأمن حلفائها، الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى وبعض الدول الخليجية في الدرجة الثانية. وهذا يندرج كما بات واضحاً في سياق تناقضاتها البنيوية والعميقة مع روسيا التي تمثل مع حلفائها قطباً آخر. وموقف السيد صبرا ومن يصطف في خندقه ومن يتقاطع معه، يعبّر عن ارتهان وتبعية واضحين للدول الداعمة لتحالفه، أما شرعيتهم التي يتكلمون عنها فمصدرها ذات الدول الداعمة وليس الشعب الذي لم يعد يثق بهم وبمواقفهم.
أما السيد محي الدين اللاذقاني فتاريخه السياسي معروف، وكذلك أسباب خروجه من سوريا، وليس من ضرورة للحديث عن ذلك. وما تقدم به في حديثه عن الانتخابات، لا يعدوا أن يكون تشويهاً لإرادة المواطن السوري. فمن ذهب للإدلاء بصوته يعلم جيداً أين تكمن مصالحه ولماذا شارك في الانتخابات. وقد يكون كثيراً ممن شارك في العملية الانتخابية من السوريين سواء من شارك منهم في التظاهر أو من معارضة الداخل أو حتى من أنصار الرئيس الأسد، له كثير من التحفّظات والمخاوف. لكنهم جميعاً يمتلكون مبررات المشاركة، وهذا من ضمن حقوقهم المشروعة. وقد يكون من هذه الأسباب قناعة الكثيرين بصحة سياسات الحكومة وهذا حق يجب أن يحترمه الجميع. وقد يكون الخوف، وهذا أيضاً حق مشروع يجب احترامه. ومن المرّجح أن توق السوريين إلى الاستقرار والأمان المفقود، والخلاص من الأزمة الراهنة وإيقاف دورة العنف والقتل من أسباب المشاركة. وهذا من أبسط حقوق المواطنة ويجب أيضاً احترامه. وقد يكون من أسباب المشاركة في الانتخابات، هو فشل أقطاب معارضة الخارج تحديداً، عن تقديم أنفسهم كبديل مُقنع للمواطن السوري. وأيضاً عجزهم عن تقديم مرشّح رئاسي يحظى بإجماع وطني في الداخل والخارج. إذ على مدار أكثر من ثلاث سنوات لم يلحظ المواطن السوري من هؤلاء إلا المبالغة والتضليل وحتى الكذب المفضوح والفساد المالي والسياسي والصراعات ذات الأبعاد الشخصية والمصالح الأنانية، التي كان من نتائجها زيادة تمزيق المعارضة أكثر مما هي ممزقة. فبعد الدمار الذي أحاق بالمجتمع السوري ومقدّراته وثرواته الوطنية. بات المواطن السوري يدرك جيداً بأن إنهاء الصراع يضمن وحدة المجتمع السورية ووحدة أراضيه، ويخلّصهم من خطر المجموعات الجهادية التكفيرية التي تهدد إنسانيتهم. وهذا بتأكيد سيفتح الأفق على تغيير سياسي واجتماعي.
من لم يرَ سوريا إلّا على الخرائط والفضائيات لا يحق له الكلام باسم السوريين
لكن أن يدّعي من في الخارج بأن الانتخابات الرئاسية فاشلة وغير شرعية ولم تشهد إقبالاً جماهيرياً، أو أن من شارك فيها هم من أنصار الرئيس فقط، وهؤلاء جميعاً خائنون يستحقون القصاص أو الإعدام بتهمة الكفر ودعم النظام. فإنهم بذلك لا يريدون رؤية الواقع على حقيقته. ولا يريدون أن يعترفوا بأن الرئيس الأسد، ما زال يحتفظ بقبول شعبي، وإن النظام ما زال ممسكاً بزمام الأمور في الداخل السوري، وإن بشكل نسبي. وهذا ما لا يريد من يتشدق بالمعارضة في الخارج الإقرار به، متذرّعين بأن الانتخابات تخالف إطار بيان جنيف وكأن الأخير نص مقدس. بالرغم من أنهم أول من عارضه رافضاً مبدأ الحوار إلا بعد رحيل الأسد. رغم أنهم يعلمون جيداً أن مشاركتهم في مؤتمر «جنيف 2» كانت نتيجة ضغوط دولية من الدول الداعمة لهم، والتي بدورها أوعزت للوفد الائتلافي للتمسك بأولوية نقاش بند تشكيل حكومة كاملة الصلاحية دون غيره، كونه يضمن لهم الإمساك بالسلطة، كذلك لعلمهم أن هذا سيفجّر المؤتمر من الداخل، لمعرفتهم بأن وفد الحكومة السورية ومن خلفه الدول الداعمة له لن يقبلوا بذلك، وأنه سيصّر على أولوية مناقشة ملف مكافحة الإرهاب وآليات إيقاف الصراع. ما يعني فشل المفاوضات واستمرار الصراع حتى يتم تدمير الباقي من سوريا. وهذا يعني أن الطرفين كانا على طرفي نقيض. وبعيداً من ملف جنيف نسأل قادة معارضة الخارج وقادة الحكومات الغربية التي ترى بأن الحل السياسي يكمن في تعديل موازين القوى على الأرض لصالح الفصائل المسلحة، عن مصدر الشرعية. فإن كان الشعب هو مصدرها فإن السوريين قالوا كلمتهم حتى لو تعددت الأسباب. وهذا يدل على فشل معارضة الخارج التي تحوّل رموزها إلى أبواق لقادة الحكومات الداعمة لهم. وهؤلاء لم يشبعوا بعد من التذلل والتسول أمام أبواب السفارات الغربية.
أما مناشدة السيد أحمد الجربا، للسوريين ألّا يخرجوا من منازلهم وأن يقاطعوا الانتخابات حرصاً على أرواحهم لأن النظام سيقوم بتفجير بعض المراكز الانتخابية واتهام المعارضة بذلك، يدعو إلى القرف في وقت يتوسّل هو وأتباعه قادة الغرب لمدهم بالسلاح الفتّاك، وهو يعلم بأن زيادة التسليح يعني مزيداً من القتل والتهجير والدمار. ألم يُدرك هو ومن يواليه بعد، بأن الحل لم يكن ولن يكون عسكرياً، أم أن شهوة السلطة والمال أعمت بصيرته وبصيرة الكثيرين. ألم يُدرك هؤلاء بأن هدف من يدعمونهم بالسلاح هو تدمير سوريا وتحويلها إلى دولة فاشلة تضمن أمن إسرائيل وتفوقها ومصالحها في المنطقة. وهنا نستذكر مواقف اللبواني بخصوص التدخل الخارجي، وإسرائيل التي يعتبرها دولة صديقة.
أخيراً نؤكد أن الرابط بين من أتينا على ذكرهم، وآخرون لم نذكرهم. هو الرهان على أن وصولهم للسلطة مرهون بولائهم للقادة الغربيين والخليجيين. لذا فإن استماتتهم من أجل زيادة التسليح لا تزيدهم إلا انبطاحاً وارتهاناً، وافتقداهم للشرعية الشعبية، يدفعهم إلى التمسّك بتلابيب القادة الغربيين والخليجيين علّهم يمنحونهم بعضاً من شرعية، وهذه سيقابلها بالتأكيد مزيد من التبعية والارتهان والإذلال والمهانة وصولاً إلى الخيانة الوطنية.
لهذا نقول لأبطال الفضائيات كفى بحق الله. فالشعب الذي تدّعون تمثيله والدفاع عنه لفظكم ومل خطابكم الممجوج. راهنتم على التدخل الخارجي وفشلتم، روجّتم أن أيام النظام معدودة وها هو يفوز بولاية ثالثة، طالبتم بحظر جوي ومعابر آمنة وسلاح فتّاك ولم تحصدوا إلا الخذلان، ترفضون الحوار وتتمسكون بإسقاط النظام كونه من ثوابت ثورتكم، فلم تكن النتائج إلا مزيد من القتل والدمار وتعويم الصراع وعولمته وفتح سوريا أمام الجهاديين الآتين من كل أصقاع العالم، في وقت لا تدخلون فيه الحدود، إلا لالتقاط الصور التذكارية علّها تخلد نضالكم. لكن هذا لم يعد خافياً على أحد. هربتم إلى الخارج بحثاً عن أمانكم الشخصي، وهذا من حقكم، لكنه ينزع عنكم صفة الثورية التي تدّعون. وكذلك فإن من لم يرَ سوريا إلّا على الخرائط والفضائيات، لا يحق له الكلام باسم السوريين والمزاودة عليهم، وعلى معارضة الداخل التي تعاني بدورها مزيداً من الأزمات. ولا يحق لكم أيضاً أن تحوّلوا السوريين، إلى قرابين «للحرية» التي تنشدون وتدّعون أن ثمنها غالٍ والسوريين جاهزون لدفع أثمانها، فأنتم أول من هجر وطنه.
لذلك نطالبكم بالارتقاء إلى الحد الأدنى من الأخلاق التي تحفظ دماء السوريين. فالشعب وإن طالت الأيام لن ينسى من يخون وطنه. وحماسة البعض في تأييد الرئيس الأسد مع أنها تُحرج «أصدقاء سوريا» لكنها تعكس بشاعة تأثير المجموعات المُسلّحة التي نفّرت السوريين وكفّرتهم بـ«ثورة» كان يمكن أن تحظى بتأييدهم لو أن قطر والسعوديّة وإسرائيل وأميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لم تسرقها باكراً.
* باحث وكاتب سوري
الأخبار