صفحات العالم

مقالات تناولت تعيين الأخضر الإبراهيمي موفداً عربياً – دولياً الى سوريا

الخميس

الإبراهيمي وما يمكن أن يقوله للأسد

عبدالوهاب بدرخان

آتي اليكم اليوم مبعوثاً من الأمم المتحدة والجامعة العربية، والحقيقة أنني لم أتحمس كثيراً لهذه المهمة، للأسباب عينها التي جعلت سلفي كوفي انان ينسحب، وقد تجعلني أنسحب بدوري. لكني أعتقد أن الديبلوماسية يجب أن تبقى متاحةً، وألاّ تُوصَدَ دونها الأبواب، فتكون بذلك جاهزة متى حانت أي فرصة للحلول السياسية، فاعتبروني كما أعتبر نفسي، مجردَ مسهّل للأمور إذا كنتم تَنشُدون إنهاء هذه الأزمة.

أعرف أنكم بتّم تشعرون بحساسية وانزعاج من مجرد ذكر اسم الجامعة العربية، ولا أجاريكم في ذلك، لأني مطّلع على تدرّج موقفها مما يحصل في سورية. وقد رأيتكم تتعاملون مع الأفكار والمساعي الدولية، المستوحاة من قرارات الجامعة والمستندة الى شرعيتها، كما رأيت أنكم أحبطتم «التعريب»، ثم «التدويل»، وفهمت أنكم تُؤْثِرون حلاًّ داخلياً. دعوني أصارحْكم هنا، بأن كل العواصم بلا استثناء، صديقةً لكم أو معاديةً، كانت تفضّل علناً، ولا تزال تحبّذ ضمناً، حلاًّ بين السوريين، غير أن قدرتكم على ضرب هذا الحل واستبعاده أذهلتني وكثيرين مثلي، حتى أننا لم نعد نفهم إطلاقاً إلامَ تستندون في صنع قراراتكم.

لستُ هنا لأكون تغطية لخططكم الأمنية، أو لأكون في خدمة مناوراتكم للبقاء في السلطة ولا حتى في خدمة سعي المعارضة لإطاحتكم، بل أريد أن أنسى وتنسوا للحظات صفتي الديبلوماسية، لأقول كعربي قومي الدواخل، إنني هنا في سبيل انقاذ سورية. لا، لن أعود الى أيٍّ من الشعارات التي طنطنّا جميعاً بها طوال عقود، بل قصدت سوريةَ الدولة والشعب والتاريخ، وسورية التعايش الذي عاند قسوة السياسة المتعسكرة، وصبر ولا يزال قادراً على الصمود، لما في مجتمعها من الأصالة وأريحية الطبائع، وهذا ما أخشى أننا عشيةَ افتقاده في الشرق، ويا لفداحة الخسارة. فأين حلّكم الأمني منها، وكيف تدبّرتم تجنبها بالتمادي في القتل وحزّ الأعناق والتنكيل بالكرامات، وبالإمعان في القصف الأعمى للعمران والمعالم التاريخية والحضارية، وصولاً الى تهجير من كانوا حتى أمس القريب يعتبرون أنفسهم مواطنيكم، وظنّوا دائماً أن مثل هذا المصير لن ينزله بهم سوى العدو، والعدو بالنسبة اليهم هو اسرائيل، وها هم اليوم يقارنون وحشية العدو ضد إخوتهم الفلسطينيين باستشراسكم عليهم، بل يسمّون كل شبر أرض «محرّراً» إذ يُجْلونكم عنه. أعرف أن سورية عانت دائماً من مؤامرات عليها، أسوة بالعالم العربي كله، لكني والحق يقال، لم أستطع إبصار مؤامرة حين خرج الناس من بيوتهم ليتظاهروا ويطالبوا بالحرية، بل استشعرت قصر نظر في احتقار طموحاتهم. كانت لديكم مصلحة أكيدة في حقن دمائهم، وفي محاورتهم حين كان الحوار ممكناً وأقلّ كلفة، ولو كان لديكم الخُلُق والاقتدار لتقدمتم صفوفهم لتكونوا معاً وجميعاً في محق «المؤامرة».

أريد أن أصارحكم بأن المؤامرة جاءت في ما بعد، على ظهر دباباتكم وأجنحة صواريخكم وهي تدكّ المدن والحارات، وطالما أني آتٍ من الخارج، فدعوني أنقل اليكم الصورة الأليمة والممضّة لأي عربي يحب سورية التي توشكون على التفريط بها، وقبل ذلك أسألكم: لماذا تحاربون شعبكم؟ أمن أجل البقاء في السلطة؟ إنكم لفاقدونها عاجلاً أم آجلاً، لا أحد يشكّ في أنكم تستطيعون أن تقاتلوا حتى الرصاصة الأخيرة، أما أن تسحقوا الشعب لتحكموه فهذا كان تقليداً سائداً ولم يعد… أتحاربون لاسترجاع مكانة سورية ودورها الإقليمي؟ بإمكاني أن أؤكد لكم، وأحدس بأنكم تدركون، أن الحكم الذي يفقد دعم شعبه لا يمكنه الاحتفاظ بأي مكاسب خارج الحدود. نعم، سمعت ما قاله مسؤول إيراني بأنكم صامدون لتمتعكم بتأييد شعبكم، ولأنكم «حصن المقاومة المنيع»، وأتساءل: هل يخدع نفسه أم يخادعكم؟ ولكم أن تصدّقوه أو تكذبوه، أما اذا كنتم تعتقدون بإمكان استئناف اللعب بما كان لكم من «أوراق»، فإنني أَصْدُقُكم القول بأن العالم، بمن فيه حلفاؤكم الذين يحاربون بكم، بات يعرف أنكم خسرتموها، ولم يعد لديكم ما تكسبونه سوى هذا الدمار الذي صار مثل إهالة التراب على جثة وطنكم الذي كان في أفئدة العرب بمثابة وطنهم المتخَيَّل… أتحاربون من أجل طائفتكم وعائلتكم؟ اذا كان هذا صحيحاً، فهو على أي حال ما يعتقده العالم، أما أنا فلا أريد أن أصدّق، لأنكم بذلك لا تجازفون بالطائفة والعائلة فحسب، بل تتجاهلون أنكم ائتُمِنتم على سورية العظيمة وها أنتم تعرضونها في سوق النخاسة ليتناتشها السماسرة، ولتعود الطوائف كافة، ومنها طائفتكم، الى استجداء الحمايات من كل حدب وصوب. أنتم أدرى بما تريده العائلة، لكن هل تظنون أن الطائفة وراءكم في ما تعرّضونها له وما ترتكبونه باسمها، أم أن غطرسة العصبية والتقوقع زيّنت لكم أن سورية لا تستحق أن تبقى موحدة أرضاً وشعباً اذا لم ترضَ بكم حكاماً، فتعاقبوها بتقطيع أوصالها لتنالوا كياناً ذاتياً تظنون أنه سيكون آمناً بضمان روسيا وايران و… اسرائيل. هناك آلاف السلالات والعائلات التي حكمت واندثرت، ولا ينوّه التاريخ إلا بمن تشهد مخلّفاتهم على ثوابت وئام اجتماعي وتراث عمراني أو اشتراعي وثقافي. واذا كان لي أن أذهب الى أقصى الصراحة، التي لن تسمعوها مباشرة من أحد، فإني مُبَلِّغُكم أنكم أنى هربتم وتواريتم ستكونون مطارَدين، سواء نجحتم في التسويق لدويلتكم أم لا، فهل هذا كل ما لديكم للطائفة والعائلة طالما أن لم يعد لديكم ما تقدّمونه لسورية؟

لا بد لي أن أحذركم بأن كل ما خططتم له مع ايران، وبدعم خبيث من روسيا والصين، لن ينقذ نظامكم، ولن تستطيعوا إحراق المنطقة، كما قلتم، حتى لو نجحتم ببعض التخريب هنا وهناك. قبل سنة، كان أبناء الشعب يواجهونكم بصدورهم وحناجرهم، وقبل بضعة أسابيع صاروا يردّون على المدفع بالرصاص، والآن يدمّرون دبابات ويسقطون طائرات اشتريتموها بأموال كان الأحرى أن تنفق على بناء مدارس وجامعات ومستشفيات ومشاريع إنتاجية. هل أذكّركم بأن ملايين عدة من الشعب تائهون بحثاً عن ملاذات، وبأن من كان معكم صار الأكثر خوفاً من أخطائكم. هل أذكّركم بأن عملتكم فقدت أكثر من نصف قيمتها، وأن معاقبتكم على سفككم دماء السوريين أهلكت الاقتصاد وهرّبت الاستثمارات وجمّدت تصريف النفط وقضت على السياحة وأغلقت الشركات وأوقفت تحويلات المهاجرين، حتى بلغت الخسائر عشرات بلايين الدولارات ستضاف اليها عشرات اخرى لإعادة الإعمار. لا أعتقد أنكم تحتاجون الى تذكير، لكن اذا كانت هذه هي النتيجة، فلماذا ارتضيتم هذه الحرب داخل البيت السوري؟ هل قلتم إنكم دمّرتم أحياء كاملة في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور وإدلب من أجل فرض «الإصلاحات» التي تناسبكم، وبالتالي استدراجاً لمن يرغب في محادثتكم بشأن «حل سياسي»؟ الأكيد أنكم اخترتم الطريقة التي تقتل هذا الحل وتجعل سورية، في أحسن الأحوال وبسبب سوء تقديركم، تحت انتدابات عديدة، إن لم تؤدِّ الى تمزيقها… ومع ذلك، فلكم القرار، هناك فرصة أخيرة لحل من أجل سورية يبدأ بتنحِّيكم ونقل السلطة الى حكومة وحدة وطنية، وعلى هذا أبني مهمتي كمبعوث دولي–عربي، أما أي حل من أجل الطائفة والعائلة فلست معنياً به، لا كمبعوث ولا كعربي، وهو لن يستقيم إلا في اطار حل من أجل سورية.

الحياة

الثلاثاء

“بيان مكة” ومهمة الإبرهيمي

    راجح الخوري

مع وصول الأخضر الابرهيمي موفداً عربياً – دولياً الى سوريا ليخلف كوفي انان، يتوقع ان تكون القمة الاسلامية الاستثنائية التي تبدأ أعمالها اليوم في مكة تلبية لدعوة من خادم الحرمين الشريفين، قد اعلنت في بيانها الختامي صيغة مبادرة عربية – اسلامية جامعة لانهاء الأزمة السورية، على اساس خطة متدرجة للانتقال السياسي تشكل مزيجاً من الحل اليمني ومبادرة الجامعة العربية وخطة أنان.

من الواضح تماماً ان العاهل السعودي تعمّد الدعوة الى هذه القمة الاستثنائية لتركز على ثلاث قضايا اساسية هي: أولاً قضية فلسطين والقدس طبعاً، وثانياً الازمة السورية التي باتت تنفخ في رياح الفتنة المذهبية وتهدّد الوضع العربي والاسلامي والاستقرار الاقليمي، وثالثاً وصول الاسلام السياسي الى السلطة في زمن مضت الصهيونية بعيداً في تأجيج مشاعر “الاسلاموفوبيا” ضد المسلمين بتصوير الاسلام وكأنه الخطر الذي يتهدد العالم بعد الشيوعية!

ولأن الابرهيمي اشترط توافر تفاهم دولي مسبق يدعم مهمته بحيث لا يواجه ما واجهه انان من خدع النظام السوري ومن الانحياز الروسي والصيني والايراني الذي ساعد الاسد على التمسك بالحل العسكري، فان “بيان مكة” المنتظر في جزئه المتعلق بسوريا، يفترض ان يردم هوة الصمت والتخاذل والتقصير الدوليين حيال المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري والتي يمكن ان تنعكس وبالاً على المنطقة كلها وعلى العالم اجمع، اذا لم يتوافر حل سياسي تتوحد كل القوى الاقليمية والدولية في السعي لإنجاحه في اسرع  وقت ممكن، ولهذا على هذه القوى ان تنظر بعين الحذر الشديد الى النتائج الكارثية لاستمرار هذه الأزمة.

أولاً: لأن انزلاق سوريا نهائياً الى الحرب الاهلية سيشعل الحروب المذهبية بين السنّة والشيعة في الاقليم كله وهذه كارثة على العرب والمسلمين. ومن هنا حرص الملك عبدالله بن عبد العزيز على اهمية حضور الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد القمة على رغم كل السياسات السلبية التي تمارسها طهران في الدول الخليجية والعربية.

 ثانياً: لأن الاندفاع الى تقسيم سوريا مثلاً واعلان الدولة العلوية، سيشعل رياح مؤامرة التقسيم في كل الدول العربية. ويكفي هنا النظر الى الخرائط السياسية الراهنة لرؤية هذا بالعين المجردة، وليس التقسيم إلا مقدمة للحروب المذهبية والكوارث.

على خلفية هذا أراد العاهل السعودي ان يضع دول الاسلام أمام مسؤولياتها التاريخية في هذه المرحلة، فوسط صمت العالم المريب حيال سوريا من المهم صدور “بيان مكة” من القمة الاسلامية، متضمناً ما يمكن ان يدفع العالم فعلاً الى مساعدة الابرهيمي في مهمته، وكذلك ابقاء فلسطين قضية العرب والمسلمين الحارة الاولى والعمل لإسقاط مشاعر “الاسلاموفوبيا” من الأذهان في العالم.

النهار

حتى لا يفشل الإبراهيمي!

صالح القلاب

إن كان النجاح غير مضمون فإن الأفضل للأخضر الإبراهيمي، الذي يتمتع بتاريخ طويل من الإنجازات الكبرى التي كان حققها عندما كان أحد رموز الثورة الجزائرية العظيمة، وعندما كان سفيراً لها في أكثر من دولة، ثم عندما أصبح وزيراً للخارجية بعد أكثر من ثلاثين عاماً من المساهمات الفاعلة الرئيسية في بناء الدولة التي جرى تغييبها 132 عاماً، ألا يُقدِم على هذه المغامرة الكبرى في ظل هذه الأوضاع المعقدة التي باتت تعيشها سورية، وفي ظل كل هذا التداخل الإقليمي والدولي في ما أصبح يعتبر قضية سورية. كان السبب الأول والرئيسي لفشل كوفي أنان أن مجلس الأمن الدولي لم يستطع توحيد موقفه إزاء ما يجري في سورية، وإن في الحدود الدنيا، وأن روسيا ومعها الصين، للأسف، قد بقيت تُحبط أي جهدٍ للأمم المتحدة لمعالجة هذه الأزمة، عندما كانت الأمور لم تصل بعد إلى كل هذه التعقيدات التي وصلت اليها، وعندما كانت طرق الحلول السياسية لاتزال آمنة وسالكة، بقدر ما كانت ولاتزال تشارك مشاركة فعلية بالخبراء وبالسلاح وبالذخائر في معركة بشار الأسد ضد شعب من المفترض أنه شعبه. وبالتأكيد أن الأخضر الإبراهيمي، بخبرته وبتاريخه الطويل في العمل السياسي، وبالنجاحات التي حققها في العراق وأفغانستان ولبنان، وفي قضايا أخرى كبيرة، يعرف هذا أكثر من غيره، ولذلك فإنه قد بادر، مع أنه في إجازة رمضانية في إندونيسيا، في ما يعتبر شرطاً مسبقاً للقبول بأن يخلف كوفي أنان في هذه المهمة الصعبة والمعقدة، إلى مطالبة أعضاء مجلس الأمن الدولي، أصحاب حق “الفيتو”، باتخاذ موقف موحد تجاه الأزمة السورية. إنها مهمة صعبة، والنجاح فيها ليس غير مضمون فقط بل هو مستحيل وغير متوقع على الإطلاق طالما أنه لا أمل بأن يكون هناك موقف موحد لأعضاء مجلس الأمن الدولي حول هذا النزاع الذي بات يتخذ طابع الحرب الأهلية، والذي اتخذ طابع المواجهة الإقليمية وتسديد الحسابات الدولية، فالمواقف غدت متباعدة جداً، ولعل ما زاد الطين بلَّة، كما يقال، أن النظام نفسه ممثلاً بالرئيس بشار الأسد أصبح مسلوب الإرادة، وغدا مجرد كرة صغيرة يجري تقاذفها في هذه اللعبة الإقليمية والدولية. إنه لا يمكن أن تغير روسيا، كما هو واضح، الموقف الذي اتخذته، وبقيت تتمسك به منذ بداية انفجار هذه الأزمة التي غدت مستفحلة وشائكة ومعقدة والمؤكد أنها، أي روسيا، ومعها الصين، للأسف، لاتزال مصممة على استخدام حق النقض “الفيتو” ضد أي قرار لا يتطابق مع موقفها ومع حساباتها للمرة الرابعة والخامسة… والألف فالروس، بقيادة فلاديمير بوتين الذي يحلم بأن يستعيد أمجاد كل الذين سبقوه، إن في عهد إمبراطورية آل رومانوف، وإن في فترة الاتحاد السوفياتي “العظيم”!!، مصرون على الذهاب بهذا المشوار الدامي حتى نهايته، ولذلك فإن ما لا نقاش فيه أنهم لن يعطوا الأخضر الإبراهيمي ما لم يعطوه للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان رغم محاباته لهم، ورغم أنه وضع نفسه قبل استقالته في الدائرة التي يقف فيها هؤلاء ومعهم جمهورية الولي الفقيه الإيرانية. ولهذا ومن موقع الحرص على ألا يحرق الأخضر الإبراهيمي، الذي بقي يحقق النجاح تلو النجاح منذ أن كان ممثلاً نشيطاً للثورة الجزائرية حتى أصبح وزيراً للخارجية، وإلى أن حقق ما حققه في لبنان وأفغانستان والعراق وفي جنوب إفريقيا، تاريخه السياسي، ويفشل في مهمة محكوم عليها بالفشل بعدما وصل الصراع الإقليمي والدولي على سورية إلى هذا المستوى الذي وصله، أن يعلم أن كل هذا العنف يجتاح كل شبر من الأرض السورية من درعا في الجنوب حتى حلب وإدلب في الشمال، ومن البوكمال في الشرق حتى اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في الغرب.

الجريدة

في انسحاب المراقبين من سورية

مصطفى زين

لم يكن أحد يتوقع نجاح المراقبين الدوليين الذين أنهي عملهم رسمياً في سورية. ليس لأن عددهم غير كاف، ولا لأن تجهيزاتهم قاصرة عن المراقبة، ولا لأنهم غير كفوئين. بل لأن شروط «استمرارهم في العمل غير متوافرة»، على ما قال المندوب الفرنسي جيرار آرو. ولأن الدول التي توافقت على إرسالهم لم ترد لهم النجاح. وهذا يذكرنا بالمراقبين العرب الذين سبقوهم وأنهيت مهمتهم، عندما كانت الأوضاع في سورية أقل دموية وتعقيداً.

أما الشروط التي تكلم عليها آرو فلا الدول التي انتدبت المراقبين وفرتها ولا الحكومة السورية وفرتها فالظروف لم تنضج بعد. الجيش ما زال متماسكاً، على رغم الانشقاقات المتتالية. حلفاء النظام ما زالوا متماسكين. الرهانات على «انشقاق» الصين أو روسيا لم تكن في موقعها. أما المعارضة فما زالت في مرحلة حرب العصابات. لم تستطع السيطرة على منطقة أو مدينة تتخذها قاعدة لانطلاقها العسكري والسياسي. ولم يستطع حلفاؤها (أكثر من مئة دولة) توحيدها في مجلس سياسي أو عسكري يحدد أهدافها الآنية والمستقبلية. لا يجمع المعارضة هدف سوى كرهها للنظام وحقدها عليه، من منطلق طائفي. ليس لديها تصور واضح لمستقبل سورية، ولا لعلاقة الطوائف والمذاهب والأعراق بالسلطة. لا يكفي القول إن «السوريين متساوون أمام القانون». النظام الحالي يقول ذلك أيضاً. ولا يكفي التغني بالديموقراطية فالنظام الحالي يرى نفسه أكثر ديموقراطية من أي دولة في المنطقة. الأقليات خائفة، وطروحات الأكثرية لا تطمئنها. والضمانات الأميركية والأطلسية ليست مطمئنة. الجميع شاهد على ما حصل ويحصل في العراق. والجميع يعرف أن طرد المسيحيين العراقيين حصل عندما كان في بلاد الرافدين أكثر من مئتي ألف جندي أميركي وغربي.

هذا عن علاقات المعارضة الداخلية. أما سياستها الخارجية فشبه واضحة. لا أحد يتوقع أن يكون لديها سياسة مخالفة للسائد في المنطقة: إيران هي العدو لأنها ظهير النظام وضد الشعب السوري «من منطلق طائفي مذهبي»، لا طرف في المعارضة يرى فيها دولة طبيعية في المنطقة، من الآن إلى أن تتغير سياساتها وتتوقف عن تصدير الثورة. العراق جار و»شقيق» لكن يجب تحجيم السلطة القابضة على الحكم فيه وتغيير علاقاتها بإيران. لبنان جار آخر و»شقيق» لكن «حزب الله» يسيطر على الحكم فيه. ولا شيء يعيد العلاقات الطبيعية معه قبل سحب سلاحه. تركيا شقيقة مسلمة ديموقراطية كانت السند والداعم «لنا». لها ما للأصدقاء والأشقاء الآخرين من احترام. وهي المعادل لإيران وستحل محلها في أسواقنا وستزودنا العتاد والسلاح.

أما إسرائيل وهي جار ليس «شقيقاً» فالخلاف معها يحل عبر المفاوضات بإشراف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي (هذا ما أعلنه المجلس الوطني).

باختصار شديد تتطلع المعارضة إلى نقل سورية من محور إلى محور آخر ينسجم مع الجيران والأصدقاء.

ظروف تحقق هذا البرنامج لم تنضج بعد. الجميع يعرف ذلك، منذ تعيين كوفي أنان وتكليفه تطبيق البنود الستة المعروفة. الواقع أن مهمة أنان كانت في جوهرها الإشراف على ترتيب الانتقال «السلمي» للسلطة واستكشاف ما يمكن فعله إذا سقط النظام، وكيف تدار الأمور بين الطوائف والمذاهب وكيف تقسم السلطة بينها. كانت مهمته إعطاء شرعية دولية لهذا التقسيم، تماماً مثلما حصل في العراق حين أشرفت الأمم المتحدة على توزيع الحصص بين «المكونات». لكن الواقع أفشله فالظروف لم تنضج بعد لتطبيق مثل هذا السيناريو في انتظار اهتراء سورية الدولة والنظام وقبول أي حل من أي جهة أتت، حتى ولو كان التقسيم.

الحياة

شوط ثانٍ مع خليفة أنان في سورية بلا… أهداف؟

جورج سمعان

عندما يشترط الأخضر الإبراهيمي «دعماً قوياً وموحداً» من مجلس الأمن للقبول بخلافة كوفي أنان مبعوثاً دولياً – عربياً إلى سورية، يلقي الضوء مجدداً على الأسباب التي دعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى تقديم استقالته مطلع هذا الشهر. يدرك الرجلان تماماً ما لم يعد سراً وهو أن التوصل إلى اتفاق سياسي بين نظام الرئيس بشار الأسد وخصومه لوقف العنف ليس هو العقبة. فالحكم في دمشق لم يعبّر منذ اليوم الأول لاندلاع الحراك عن رغبة في حلول سياسية. انخرط ولا يزال في الخيار العسكري الذي قام عليه النظام أساساً ووفّر له البقاء طوال عقود أربعة في ظل غطاء من الشعارات الطنانة! ودفع هذا الخيار المعارضة إلى مزيد من العسكرة. حتى باتت البلاد اليوم بين حراب معسكرين غابت عنهما السياسة كلياً. وبمقدار ما لم يعد مفيداً للنظام أن يتلطى خلف ذرائع ليست مقنعة، وبمقدار ما لم يعد مفيداً للمجلس الوطني المعارض أيضاً التغطية على قصوره وعلى تضارب مكوناته، لم يعد مفيداً إخفاء انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، وتالياً إلى فوضى شاملة يصعب بعدها قيام حكم مركزي قادر على إدارتها، ويسهل معها قيام كيانات تهدد بتقسيم وتفتيت سيلقيان بظلهما الثقيل على عدد من دول الجوار.

في ظل تغييب السياسة، يستحيل على أي وسيط إيجاد اتفاق بين المتصارعين في الساحة السورية. ولا حاجة إلى تعداد المحاولات والمساعي التي فشلت في تحقيق ولو مجرد هدنة منذ اندلاع الأزمة. العقبة باتت في مكان آخر. أنان والإبراهيمي وجميع اللاعبين الآخرين يعرفون أن ليس في مقدور أي وسيط أو مبعوث تحقيق اختراق بين الكبار على المستوى الدولي والإقليمي. هؤلاء لا يبدو أنهم مستعدون اليوم إلى إبرام تفاهم أو تسوية توقف حمام الدم. أدرك ذلك المبعوث الدولي – العربي المستقيل منذ اليوم الأول لتكليفه. أدرك أن الأزمة مفتوحة وطويلة. واحتاط للأمر فأعد خطة أعلن صراحة أنها تتطلب سنة وربما أكثر! أرادت الولايات المتحدة وشركاؤها القريبون والبعيدون وأرادت روسيا وشركاؤها القريبون والبعيدون شراء الوقت والتلطي خلف مهمة الأمين العام السابق. وهو أيضاً أراد شراء الوقت مثل الآخرين، في انتظار أن تنضج الظروف الخارجية تسوية ما مقبولة. ويبدو أن هذا الانتظار سيطول أكثر مما يتوقع… فآثر الانسحاب.

انتهى الفصل الأول أو الشوط الأول من مهمة المبعوث الدولي – العربي. كان مستحيلاً تسجيل أهداف، أو أي اختراق. فالصراع في سورية وعليها لا ينتظر فقط نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد ثلاثة أشهر عندما يتحرر باراك أوباما من قيود المعركة الداخلية وما تفرضه مواجهة حملات منافسه، إذا قيض له التجديد. ولا ينتظر تحرك أميركا وأوروبا بلا تفويض من مجلس الأمن بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين من المجازر، كما حصل في مناسبات حديثة سابقة آخرها ليبيا. هو جزء من صراع دولي أوسع على المنطقة، من شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى وأبعد منهما… ولا ينتظر أن ترأف روسيا في النهاية بالسوريين وتتخلى عن دعم النظام في دمشق، أو أن تبدي حرصاً على ما بقي لها من علاقات ومصالح مع عدد كبير من الدول العربية التي اعترضت وتعترض على موقفها من الأزمة. ولا ينتظر أن تنكفئ الصين التي استثمرت الكثير الكثير في أفريقيا وآسيا الوسطى وفي إيران. وقد زاد من حدة الصراع اندلاع «الربيع العربي» وانتشاره من تونس إلى سورية مروراً بليبيا ومصر واليمن والنتائج التي أفضى إليها هذا «الربيع» في هذه الدول. وهي نتائج شكلت بمعظمها خسائر لكل من موسكو وبكين.

في خضم هذا الصراع لا يمكن أن يتوهم أنان أو من يخلفه بالقدرة على تحقيق اختراق بين الكبار. ثمة قواعد وشروط لهذه اللعبة التي لا تحتاج إلى وسطاء. تحتاج إلى اقتناع الأميركيين وشركائهم الأوروبيين والروس والصينيين بأن الحرب السورية استنفدت كل الوقت اللازم، وأن التطورات على الأرض باتت تستدعي البحث عن آفاق الصيغة المقبلة وإدارة المرحلة الانتقالية. لذلك، ربما كان المؤتمر التشاوري الذي دعت إليه إيران محاولة استباق لأي صفقة، بالسعي إلى شق طريق ثالث لمعالجة الأزمة، بعيداً عما يمكن أن يستقر عليه الموقفان الدوليان المتواجهان. وسبق ذلك تراجع طهران عن اتهاماتها لكل من تركيا والسعودية وقطر في خطف مواطنيها الـ48 في سورية، ومحاولتها مغازلة أنقرة مجدداً بعد سيل من الاتهامات التي وجهها إليها عدد كبير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين.

وواضح أن الجمهورية الإسلامية تعي مثل غيرها أن النظام في دمشق تعرّى تماماً ولم يعد له ذلك الغطاء «الوطني الجامع» بعد انشقاق رئيس الحكومة المعين حديثاً وتزايد أعداد العسكريين المنشقين وخروج كل من العاصمتين عن صمتهما الطويل. وأن الوضع يتجه بوضوح نحو خروج النظام في النهاية إلى الشريط الساحلي ليحتمي به ويحميه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وقد لا تروق لها مثل هذه النهاية. فهي تفكر أيضاً بمشاكل الأقليات والمكونات الأخرى للجمهورية، وفي مقدمها الأكراد الذين ستتعزز أحلامهم إذا استقلوا بحكم مناطقهم كما هي الحال في كردستان. لكنها قد لا تجد مفراً إذا تلقّت ضربة قاسية بمثل هذا السيناريو، من دعم هذا «الشريط العلوي»، والتعويل على حليفها اللبناني من أجل الحفاظ على قاعدتها المتقدمة على حدود إسرائيل أولاً. وقد تعمل على ربطه بامتداد لبناني حتى سهل البقاع. وهذا ما فسر ويفسر «حملات التطهير» المستمرة والتي تطاول حمص وحماة وريف اللاذقية… وهذا ما يجعل فئات لبنانية تتوجس من احتمال تكرار «حزب الله» تجربة القوى الشيعية في العراق التي أمسكت بزمام السلطة ومعظم مفاصلها بعد سقوط نظام صدام حسين، على رغم أن التركبية الديموغرافية اللبنانية مختلفة إلى حد ما عن نظيرتها في العراق بوجوه شتى.

لذلك، سيكون لبنان أول اختبار لقدرة جيران سورية على تحمل نتائج الفصل الثاني من الصراع الدولي والإقليمي على سورية. وليس اللبنانيون أفضل حالاً من السوريين. لا شيء يجمعهم في السياسة. يعيشون يوماً بيوم على تداعيات أزمة جيرانهم. ولا يحتاج الوضع الهش إلى دلائل. يكفي أن الحكومة التي يفترض أنها تضم فريقاً واحداً تتصرف مكوناتها بما يوحي أن لا شيء يجمع بين هذه المكونات. بل وصلت الحال في معظم الملفات التي تهم المواطنين وتسيير شؤونهم وحاجاتهم إلى «اشتباكات» شلت البلاد وتشلها. هذا ناهيك عن أطرافها الذين لا يلتقون على موقف سياسي واحد. فضلاً عن تعثر طاولات الحوار، والتوترات المتنقلة من صيدا إلى طرابلس ومحاولة العودة إلى مسلسل الاغتيالات. كلها مؤشرات إلى ضعف لبنان وقصوره عن التعامل بجدية مع تداعيات الأزمة السورية.

وليس من باب المصادفات أن تبادر الإدارة الأميركية، غداة اختتام إيران المؤتمر التشاوري الذي أعدته عاصمتها للبحث في أوضاع سورية، إلى إضافة «حزب الله» إلى لائحة العقوبات المفروضة على كل من سورية والجمهورية الإسلامية. وإلى تحريض أوروبا على أن تحذو حذوها متهمة الحزب بأنه ضالع في أداء دور مركزي في أعمال القمع التي تطاول المعارضين السوريين. وليس من باب المصادفات أن ترتفع مجدداً وتيرة الجدل في إسرائيل حول احتمال توجيه ضربة إلى البرنامج النووي الإيراني قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، خصوصاً أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وفريقه لا يخفيان دعمهما السياسي وغير السياسي للمرشح الجمهوري ميت رومني في مواجهة باراك أوباما.

وقد لا يكون من باب المصادفات أن توقف الأجهزة الأمنية اللبنانية الوزير السابق ميشال سماحة الذي يعد أحد أبرز المستشارين للرئيس بشار الأسد. ولا شك في أن توقيفه والحملة على «حزب الله» سيحركان المياه الراكدة في لبنان الذي سيجد نفسه في مواجهة ما تستدعيه العقوبات الأميركية – وربما الأوروبية قريباً – على الحزب في أكثر من مجال سياسي وغير سياسي وعلى رأسه المسائل المالية، وفي مواجهة انعكاسات توقيف الوزير السابق وإصدار مذكرة جلب لأحد أبرز رجالات الأمن في نظام بشار الأسد، على سياسة «النأي بالنفس» وعلى العلاقات الرسمية بين دمشق وبيروت.

الصراع بفصله الإيراني مرشح للتصاعد مع طي صفحة كوفي أنان، وبدء شوط جديد قد توفر فيه التطورات على الساحة السورية فرصة لبعض اللاعبين لتسجيل أهداف تساعد في الضغط على ساحات أخرى… فلا يظل الأميركيون والأوروبيون «يتلهون» باستنباط وسائل لدعم المعارضة السورية بما لا يخل بميزان القوى القائم، حفاظاً على قواعد اللعبة وضبط إيقاعها، وإن تأجل تسجيل الأهداف إلى الوقت الضائع أو في أوقات إضافية تكون معها خريطة «الشرق الأوسط الكبير» من أفغانستان إلى شمال أفريقيا اتضحت ألوانها وخطوطها.

الحياة

فشل معلن… رغم الأمل
عبدالله اسكندر
خفض الممثل الخاص الاخضر الابراهيمي سقف التوقعات من مهمته في سورية، وذلك بعيد ساعات قليلة من تعيينه رسمياً. لقد بدأ هذه المهمة باعلان عدم استبعاده فشله فيها، وهو المشهور عنه تمسكه بالامل في كل المهمات الدولية التي قام بها في افريقيا وآسيا والشرق الاوسط.

وليس صدفة أن يعيد الابراهيمي التذكير بمهمته في لبنان العام 1989، عندما كان اميناً عاماً مساعداً للجامعة العربية، في اطار اللجنة الثلاثية التي سجلت فشلاً كبيراً في وقف العنف آنذاك والتوصل الى حل سياسي. وهو الحل الذي لم يتم التوصل اليه الا في ظروف مغايرة تماما ادت الى اتفاق الطائف، بعد توافق عربي – دولي، فرضته خصوصا الحملة الاميركية – الغربية – العربية على القوات العراقية لاخراجها من الكويت، ورعته حماية سعودية – سورية – مصرية، بدعم دولي خصوصا اميركياً.

اي ان الحل لأزمة بهذا التعقيد يفترض قدراً واسعاً من التوافق الاقليمي – الدولي، اضافة الى توافر ظروف داخلية تجبر الاطراف على تنازلات تؤدي الى تسوية. وقد يكون هذا ما يأمل به الابراهيمي عندما قبل مهمته في سورية.

كان ملفتاً ان يطالب الابراهيمي، في بيان لجنة الحكماء، بتوافق دولي حول الحل في سورية، وليس اعلان الدعم لها. اذ من المعروف ان كل الدول الفاعلة اعلنت دعمها لسلفه كوفي انان والنقاط الست في خطته. لكن هذه الاعلانات لم تحل دون ان يعلن الموفد الدولي فشل مهمته، بعد ثلاثة شهور وجولات على العواصم ومفاوضات مع الاطراف الداخليين. ذلك ان كلاً من الداعمين كان يدعم ما يوائمه من الخطة وليس ايجاد حل سلمي للازمة السورية. فغاب التوافق وكان الفشل مكلفاً جداً، من ارواح السوريين وممتلكاتهم، واكثر من ذلك في انتقال الازمة الى مرتبة الاحتراب الاهلي ذي الطابع الطائفي وبدء تفكك النسيج المجتمعي للبلاد. أي ان الفشل لم يكن لرصيد ديبلوماسي دولي، وانما كان ولا يزال من رصيد سورية الوطن والدولة.

وما يسعى اليه الابراهيمي ليس اقل من ايجاد توافق بين قوى كبرى تعيش حال حرب باردة، كامنة تارة ومعلنة طوراً. وفي ظل اعتبار روسيا انه حان الوقت لتستعيد التوازن الذي كان سائداً ايام الاتحاد السوفياتي، وان أي ترتيب في دولة حليفة يخضع اساساً للمتطلبات الاستراتيجية الجديدة. وعلى هذا الاساس تتعامل روسيا مع الازمة السورية، اذ لا تكتفي بدعم النظام القائم الذي وفر لها قاعدتها الوحيدة على المتوسط، وانما تحرك القوات والاساطيل وتخطط لمناورات، وصولاً الى التوازن الجديد المنشود.

في موازاة ذلك، ما يسعى اليه الابراهيمي اقليمياً ليس اقل من تفكيك منظومة العلاقات الراهنة في المنطقة، وفي مقدمها العلاقات الايرانية – العربية التي تشهد اسوأ حالاتها منذ سقوط الشاه ونشوء الجمهورية الاسلامية قبل اكثر من ثلاثة عقود. اي على الابراهيمي ان يقنع صاحب القرار الايراني بوقف تدخلاته ووقف انتشار فروع «الحرس الثوري» في المنطقة، وان يقنعه ايضا بتغيير نظرته الى الجوار من ساحة لمصالح استراتيحية خاصة الى علاقات مصالح متبادلة.

وعلى الصعيد الداخلي السوري، على الابراهيمي ان يجد توافقاً بين نظام اتخذ قراراً استراتيجياً بوأد الحركة الاحتجاجية بالنار، من دون حساب لأية تكاليف، باستثناء بقائه واستمراره، وبين ثورة شعب عانى طويلا من هذا النظام ويشكل اليوم هدفاً لكل انواع القتل والتنكيل. ويصعب توقع ان تقبل اليوم المعارضة السورية، بكل تشكيلاتها، اي حديث عن بقاء النظام الذي جمدت عضويته الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ودانته الامم المتحدة بغالبية 133 دولة.

ان احداً من جميع من وقفوا مع الثورة السورية لن يقبل اعادة تعويم نظام ارتكب، بحسب تقارير الامم المتحدة، انتهاكات لحقوق الانسان وجرائم ابادة وضد الانسانية. وبدأت منذ فترة عمليات توثيق هذه الجرائم من اجل محاكمة مرتكبيها لا اعادة الاعتبار اليهم عبر اشراكهم في حل ما.

في انتظار ما قد يقدمه الابراهيمي من افكار لمعالجة هذه العقد شبه المستعصية، لا يتوقف الرجل عن الحديث عن الامل، لكن الحديث هنا يعكس موقفاً فلسفياً من المشكلات الكبيرة وليس استناداً الى معطيات محددة تتعامل مع وقائع عنيدة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى