مقالات تناولت “داعش” والناس
دولة «داعش»
بيروت: «الشرق الأوسط»
يتجاوز الخلاف بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش»، وتنظيم القاعدة بفرعه السوري «جبهة النصرة»، البعد العسكري المباشر نحو ما هو استراتيجي.
فتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يضم الجيل الجهادي الثالث (بعد بن لادن والظواهري) يعيب على منظري «القاعدة» اهتمامهم بتنفيذ أهداف عالمية ضد مصالح الغرب دون تأسيس دولة تكون مظلة للقوى الجهادية وقاعدة لوجستية لتنفيذ هجمات محتملة. كان العراق البلد الأكثر ملاءمة بسبب اضطرابه الأمني، لتلبية طموحات التنظيم التوسعية، الذي أطلق على نفسه اسم «دولة العراق الإسلامية». ومع انطلاق الحراك الشعبي المعارض لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا ودخول البلاد في حقبة الفوضى العسكرية، وجد التنظيم الفرصة سانحة لمد نفوذه خارج العراق ونقل عملياته إلى «أرض الشام» متبعا استراتيجية واحدة للقتال في البلدين المتجاورين، هدفها الأساس تأسيس دولة مكتملة البنية ليصبح اسمها «دولة العراق والشام الإسلامية».
سيطرة التنظيم المتشدد على مدينة الرقة شرق سوريا شكلت الخطوة الأولى لتثبيت سلطته في البلاد، إذ سارع إلى فتح مراكز له محولا كنيسة الأرمن في المدينة إلى مكتب دعوي. سعى التنظيم في البداية إلى كسب ود السكان المحليين عبر تقديم خدمات إغاثية وتقديم نفسه مخلصا من «فساد الفصائل المقاتلة». لكن سرعان ما كشر التنظيم عن أنيابه ملزما الناس بأحكام متشددة غريبة عن بيئتهم وتقاليدهم تحت طائلة العقوبة أو الاعتقال. المعارضة السورية التي صمتت عن ممارسات التنظيم ظنا منها بإمكانية الاستفادة منه في المعارك ضد النظام، دفعت ثمن هذا الصمت لاحقا بعد أن طرد التنظيم معظم الفصائل المقاتلة من مناطق نفوذه تمهيدا لإعلان دولته. خسائر المعارضة بظهور «داعش» والتواطؤ معها تعدى ما هو ميداني نحو زيادة هواجس الغرب حيال تسليح الجيش الحر في ظل انتشار الكتائب المتطرفة والخوف من وصول السلاح إليها.
وعلى الرغم من أن كتائب المعارضة تحالفت مع الكتائب الإسلامية المعتدلة وشنت حملة عسكرية مشتركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن ذلك لم يغير كثيرا من الوقائع على الأرض، إذ بقيت «الدولة» تحكم سيطرتها على عدد من المدن والبلدات شمال وشرق سوريا.
وقد يكون النظام السوري الطرف الأكثر استفادة من تمدد نفوذ التنظيم لتأكيد روايته بأن المعارضة السورية ليست سوى مجموعة من «الإرهابيين» الذين تجب محاربتهم. يضاف إلى ذلك ما يقوله المعارضون من أن «داعش» تنوب عن النظام في محاربة المعارضة شرقا وتستنزف قواها.
ولم يكن مفاجئا كثيرا شريط الفيديو الذي يظهر فيه أحد قادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في منبج بريف حلب ويصف فيه «القوات النظامية بأنهم (أشرف) من مقاتلي المعارضة»، فالقصف النظامي المتواصل على المناطق الشرقية والشمالية حيث يوجد تنظيم «داعش» نادرا ما يستهدف مراكز التنظيم المنتشرة بشكل علني في الرقة ودير الزور وريف حلب، إضافة أن الجبهات العسكرية بين الطرفين غالبا ما تكون هادئة قياسا بتلك التي تشهد معارك ضارية بين المعارضة والنظام أو بين المعارضة والتنظيم نفسه.
محاولات «داعش» التمدد في المناطق المحررة لتأسيس دولته الإسلامية جعل من كتائب المعارضة بكل تلاوينها عدوا أول له يسبق النظام. وقد ساهم تبريد «الدولة الإسلامية» جبهات معاركها مع النظام والتفرغ لمحاربة فصائل المعارضة في نقل القوات النظامية عملياتها من الشرق إلى الجنوب وتحديدا درعا حيث أحرزت تقدما في بلدة نوى ومحيطها.
هذا الواقع يشير إلى علاقة مصلحية غير مُعلنة بين النظام وتنظيم «الدولة الإسلامية»، ففيما يستفيد النظام من استنزاف المعارضة من خلال معاركها مع «داعش» والتفرغ لمحاربتها في مناطق أخرى، يستفيد «داعش» أيضا من عدم استهدافه من قبل النظام للتفرغ لبناء دولته وتوسيع نفوذه في المناطق «المحررة».
ويؤكد عضو الائتلاف الوطني المعارض والخبير في الجماعات الجهادية، عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام السوري اخترق تنظيم (الدولة) عبر الضباط البعثيين العراقيين الذين كانوا يخدمون في جيش صدام حسين قبل الاحتلال الأميركي للعراق ليتحولوا بعدها إلى المقاومة العراقية»، ويضيف: «حظي هؤلاء برعاية من النظام السوري الذي استخدمهم لزعزعة استقرار العراق».
ويوضح الحاج أن «الضباط البعثيين انخرط معظمهم في (داعش) مما سهل للنظام السوري اختراق التنظيم وتمرير أجندته من خلاله»، لافتا إلى أن «الانفصال الذي حصل بين (النصرة) و(داعش) والذي تحول إلى صراع مفتوح انعكس تناقصا على عدد المقاتلين داخل (الدولة) وهو ما استغله النظام لاختراق التنظيم بعدد كبير من المتطوعين التابعين له»، مستدلا على ذلك من «ممارسات عناصر التنظيم الوحشية التي تتقاطع مع عناصر النظام».
وسبق لـ«الشرق الأوسط» أن كشفت ضمن وثائق جديدة مسربة عن النظام السوري تحت عنوان «وثائق دمشق السرية» طبيعة العلاقة بين تنظيم «داعش» والنظام السوري؛ إذ تبين الوثائق كيف استفاد نظام الأسد من عدد كبير من العملاء السوريين والعراقيين المزروعين في التنظيم، وكيف منع «داعش» عنه هجمات المعارضة في بعض مناطق الشمال بسبب «سطوته» بين فصائل المعارضة.
كما تبين الوثائق أن «الجانب العراقي تعاون إلى حد كبير مع النظام في تأمين وثائق مزورة لعملاء للنظام لتسهيل اختراقهم (داعش)، كما سهل عبور المقاتلين المؤيدين للنظام في الاتجاهين عبر الحدود».
ولم يتردد «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في وصف العلاقة بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ونظام الأسد بـ«العضوية»، موضحا في أحد بياناته أن «التنظيم يحقق مآرب عصابة الأسد بشكل مباشر أو غير مباشر»، وأضاف أن «سيل دماء السوريين على يد هذا التنظيم رفع الشك بشكل نهائي عن طبيعته وأسباب نشوئه والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها والأجندات التي يخدمها، ما يؤكد طبيعة أعماله الإرهابية والمعادية للثورة السورية».
هيكلية التنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» سُميت في السابق «دولة العراق الإسلامية»، مما يعني أن مجلس الشورى فيها وقياداتها ليسوا حديثي العهد، بحسب ما يؤكد الناشط القريب من التنظيم محمد الحلبي لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «الشيخ أبو بكر البغدادي، وهو أمير (الدولة) الحالي، خليفة الشيخ أبو عمر البغدادي، وكلا الشيخين يُعتبران خليفتين للشيخ أبو مصعب الزرقاوي الذي يعود له الفضل في بناء (الدولة الإسلامية)».
ويشير الحلبي إلى أنه بعد موت «الشيخ أبو عمر البغدادي، تولي الشيخ أبو بكر البغدادي بناءً على اجتماع مجلس الشورى، الذي يضم أهل الحل والعقد المتمثلين بأهل العلم وكبار الشخصيات في العشائر المبايعة لـ(الدولة الإسلامية)».
والاسم الحقيقي لأبو بكر البغدادي هو إبراهيم عواد إبراهيم البدري، وقد عمل محاضرا في الدراسات الإسلامية وإماما لجامع أحمد بن حنبل في سامراء، ومن ثم إمام جامع في العاصمة العراقية بغداد، ثم في الفلوجة. اعتقلته القوات الأميركية في 4 يناير (كانون الثاني) 2004 لنحو ثلاثة أعوام، ليخرج لاحقا من السجن ويؤسس تنظيما تحت اسم «جيش أهل السنة»، والتحق بعدها بتنظيم القاعدة، وأصبح الرجل الثالث في التنظيم، وتولى القيادة خلفا لأبو عمر البغدادي.
وعلى الرغم من زعامة البغدادي للتنظيم، فإن الحاج بكر كان يعد القائد الفعلي للتنظيم في سوريا قبل أن يُقتل في فبراير (شباط) 2014 خلال معارك بريف حلب ضد «الجبهة الإسلامية». والاسم الحقيقي للحاج بكر هو سمير عبد محمد الخليفاوي. وهو ضابط سابق في الجيش العراقي.
ويقود المجلس العسكري، وهو ما يقابل قيادة أركان عمليات التنظيم، أبو أحمد العلواني مع إدارة ثلاثة ضباط آخرين، مهمتهم التخطيط وإدارة القادة العسكريين ومتابعة «الغزوات». في حين يرأس الهيئات الشرعية أبو محمد العاني، إضافة إلى مهامه في الإرشاد والدعوة ومتابعة الإعلام. مجلس الشورى الذي يضم من 11 إلى 19 عضوا يجري اختيارهم من قبل البغدادي، ويديره أبو أركان العامري ومهمته تزكية الولاة لرئاسة الولايات بعد موافقة البغدادي على أسمائهم. أما مجلس الأمن والاستخبارات الذي يهتم بأمن البغدادي وأمن التنظيم من الاختراق فيتزعمه أبو علي الأنباري، وهو ضابط سابق في الاستخبارات العراقية.
ومؤسسات الإعلام بزعامة أبو أثير الشامي، من أصل سوري، حيث يتابع الإعلام الإلكتروني والمواقع الجهادية. وهي قريبة إلى هيكلية القاعدة المركزية وتتضمن مؤسستي «الفرقان» و«الأندلس».
ويشير عضو الائتلاف الوطني المعارض والخبير في الجماعات الجهادية عبد الرحمن الحاج، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود «تقسيم واقعي وليس ممنهجا داخل الهيكل القيادي في تنظيم (داعش)»، موضحا أن «قيادة التنظيم عراقية متحكمة بقراره على الرغم من وجود مجلس شورى يضم عددا من الجنسيات، لكن القرار الفعلي يبقى للعراقيين»، ويعود ذلك بحسب الحاج إلى كون «التنظيم جرى تأسيسه في العراق بحكم الواقع على الأرض. مؤسسوه بمعظمهم من الضباط المنشقين الذين كانوا ضمن الجيش العراقي الموالي لصدام حسين»، مشددا على أن «المنطق القبلي والجهوي والمناطقي غالبا ما يربط بين قيادات التنظيم، حين يستعين كل قيادي بأبناء قبيلته أو عشيرته في موقع القيادة لضمان ولائهم».
أما الذراع العسكرية الضاربة للتنظيم، فهي، بحسب الحاج، أتباع الجنسيتين التونسية والليبية؛ إذ يتصدر هؤلاء الصفوف الأولى في القتال، وأحيانا يجري الاستعانة ببعض المهاجرين الأجانب. كما يعد القوقازيون خزان الانتحاريين في تنظيم «الدولة» لأنهم يبنون علاقتهم مع الدين بشكل عاطفي، مما يسهل تجييش مشاعرهم الدينية وتجنيدهم في تنفيذ عمليات انتحارية، وفقا للحاج الذي يؤكد أن «السوريين ليس لديهم قرار في (التنظيم) ولا يحتلون أي مواقع قيادية»، مُرجعا ذلك إلى «قلة الثقة بهم إثر الانشقاقات التي حصلت مع (النصرة)».
وتسمي «الدولة الإسلامية» مناطقها بـ«الولايات»، فهناك «ولاية حلب» و«ولاية الرقة» و«ولاية نينوى» و«ولاية صلاح الدين» و«ولاية البادية (حمص)»، و«ولاية الخير (دير الزور)»، وهكذا.. والمدن الكبيرة داخل هذه الولايات يطلق عليها اسم «قاطع»، مثل «قاطع منبج»، و«قاطع جرابلس»، و«قاطع البركة (الطبقة)».
كل ولاية من هذه الولايات لها أميرها الخاص، ولها محكمة إسلامية خاصة بها، ولها مجلس للخدمات الإسلامية يقوم بها، ولكن هذا الأمير وهذه المحكمة وهذه «الهيئة الإسلامية للخدمات» تعود بالنهاية لأمرائها على مستوى المنطقة. فمثلا «قاطع البركة» له مركز خدمات إسلامية هو بمثابة البلدية، ولكن مصدر تمويله وإدارته يعود بالأصل لولاية الرقة، حيث إن «قاطع البركة (الطبقة)» موجود ضمن ولاية الرقة.
ولكل ولاية أمير حاكم، وأمير عسكري (بمثابة القائد العسكري) ولا يمكن بحال من الأحوال أن توجد معلومات عسكرية في حلب يعلمها القائد العسكري أو الأمير في الرقة. كل ولاية ترجع في قراراتها العسكرية والأمنية والمعلوماتية والخدمية إلى قادتها مباشرة دون مشاركة المعلومات مع ولاية أخرى.
كما أن هناك مراكز أمنية كاملة لدى «الدولة الإسلامية»، فيها استخبارات مضادة ضد خصومها، ولديها أجهزة مدنية وأجهزة عسكرية لجمع معلومات متكاملة. ولكل مقر مسؤول لحمايته ودراسة لوازمه، ومجموع المقرات في المدينة الواحدة ترجع إدارتها لشخص وظيفته أنه «مسؤول أمن المقرات»، وهذا ما جعلها تنجح في ضبط أمورها بسرعة قياسية عند دخول أي مدينة سواء في العراق أو سوريا.
* سجون «الدولة».. رعب وإعدامات وجلد أطفال
* يجمع المعتقلون الذين نجوا من الموت في معتقلات وسجون «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على أن الظروف في هذه السجون غير إنسانية، وأشد رعبا من تلك التي يخصصها نظام الرئيس بشار الأسد لقمع معارضيه. وتتوزع هذه السجون بين مبنى المحافظة وإدارة المركبات والمرأب، في مدينة الرقة، بالإضافة إلى سد البعث ومنشأة نفطية في العكيرشي في مناطق أخرى من محافظة الرقة، ومشفى الأطفال، ومقر أحمد قدور في حلب.
وأشارت منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها إلى وجود «أطفال بين المحتجزين في سجون (داعش) ممن تعرضوا لعقوبات جلد كبيرة» وفقا للإفادات التي حصلت عليها المنظمة. وتكشف هذه الإفادات أن «أحد الآباء اضطر للتحامل على نفسه، مغلوبا على أمره، وهو يسمع صرخات ابنه من الألم الناجم عن تعذيبه على أيدي آسريه من عناصر تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في إحدى الغرف المجاورة»، فيما روى اثنان من المحتجزين كيف شهدا جلد فتى في الـ14 من العمر أكثر من 90 جلدة أثناء استجوابه في سد البعث، أحد السجون التابعة للتنظيم بمحافظة الرقة، وتعرض فتى آخر من العمر نفسه تقريبا للجلد المتكرر على مدى أيام لاتهامه بسرقة دراجة نارية.
ونقلت العفو الدولية عن محتجزين سابقين أن «مسلحين مقنعين اعتقلوهم واقتادوهم إلى أماكن مجهولة، حيث ظلوا قيد الاحتجاز هناك مدة وصلت إلى 55 يوما بالنسبة لبعضهم، ومنهم من لم يعرف أبدا أين كان محتجزا».
ويؤكد أحد الناجين من سجون «الدولة» رؤيته عناصر «داعش» يعدمون سجناء «بينهم فتى كردي في الـ15 من العمر، اتهموه بالاغتصاب والانتماء إلى حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض فرعه السوري (حزب الاتحاد الديمقراطي) معارك ضد (داعش)، وقد نفى الفتى الاتهامات الموجهة إليه، إلا أنهم ضربوه طوال خمسة أيام، إلى أن اعترف، حينها أطلقوا النار عليه مباشرة».
بدوره، اكتشف المصور الصحافي عمر الخاني رعب السجون «الداعشية» خلال اعتقاله مرتين لدى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»؛ إذ كان من ضمن المعتقلين داخل مستشفى الأطفال بحلب في أغسطس (آب) الماضي بعد أن حوله التنظيم إلى فرع أمني.
ويشير الخاني إلى أن «قبو المستشفى هو المعتقل والغرف، شديدة الاكتظاظ لدرجة أن المعتقلين كانوا ينامون على أجنابهم ولا مكان للاستلقاء على الظهر»، وأضاف أنه «قضى الأيام الأربعة الأولى واقفا في الممر وهو معصوب العينين، دون أن يُسمح له بالجلوس أو حتى الصلاة».
ولكل سجان في معتقلات «داعش» أسلوبه في التعذيب، وفقا للخاني الذي قال إن محاولات الخنق كانت شائعة.. «كانوا يضعون كيسا بلاستيكيا على رأسي ويحكمون إغلاقه، في البداية كنت أمزقه بأسناني ثم زادوا عدد الأكياس، ويبقونها هكذا حتى أشارف الاختناق.. أما الصعق بالكهرباء فأسلوب آخر يعتمدونه في التعذيب، حيث كانت الصعقات تؤدي إلى فتح قروح كبيرة في الجلد، وبعض السجانين كانوا يستخدمون السلاسل الحديدية في الضرب، وآخرون يعتمدون على العصي. وكان هناك سجان لديه طريقة خاصة في التعذيب، حيث يستعمل قماشة تحوي مادة ما ويضعها على فم وأنف السجين فيقع أرضا ويصاب بنوع من الشلل وألم في الكليتين، ثم يبدأ في ضربه، وكثيرا ما كرر هذا الأمر مع العديد من المعتقلين»، بحسب الخاني.
الشرق الأوسط
وثيقة المدينة: داعش من التنظيم إلى الدولة/ مازن عزي
أهمية “وثيقة المدينة” تكمن في إدراجها بنوداً تأسيسة لعقد اجتماعي جديد، مستمد من العقيدة الإسلامية، وقرائتها الجهادية (أ ف ب)
يسير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، على خطى تأسيس الدولة. في انتقال محموم من تنظيم ذو خصائص شمولية، إلى سلطة باطشة على الأرض. تنعدم فيها الحدود بين الدولة والأمة والخلافة، وتتلاشى الفوارق بين “الحاكمية الإلهية” وحاكمية التنظيم.
التنظيم أوضح أن قضيته الوحيدة هي “إقامة سلطان الله على الأرض، وبسط نفوذ الشريعة، وكنس شريعة الغاب من أرض المسلمين”. وذلك في مقدمة ورقة حملت اسم “وثيقة المدينة”، أصدرها المكتب الإعلامي في “ولاية نينوى”، بعد سيطرة تنظيمات إسلامية عقب انسحاب الجيش من عدد من المدن العراقية. وتتألف الوثيقة من 16 بنداً موجهاً من قبل التنظيم إلى “عشائرنا الأصيلة وأهلنا وأحبابنا وعوائلنا في ولاية نينوى”، ويخص بها مدينة الموصل.
الدولة كانت قد نسبت إلى نفسها كامل “الفتوحات الربانية” في أرض العراق، وهنأت العالم الإسلامي بتحرير الأسرى من سجون “الطغاة الرافضة”. وفي لغة مستمدة من عصر الفتنة الإسلامية الكبرى وثاراتها، داس “صناديد الدولة” على “كرامة الصفويين بأقدام الفاتحين”.
فالأمر ليس بغريب على التنظيم السنيّ المتطرف، والمنشق عن يمين القاعدة. فهو يحمل اسم “الدولة” ويعتبر نفسه صاحب “مشروع الخلافة المنشود، وسيفها المشرّع”. كما يُعرّف عن نفسه في وثيقة المدينة، بأنه من يأخذ على عاتقه “إرجاع أمجاد الخلافة الإسلامية، ودفع الظلم والحيف عن أهلنا وإخواننا، بعد التفاف الأفعى الصفوية على رقاب المسلمين”. التعريف ينطلق من لحظة تأسيسية قبل 14 قرناً، زمن الخلافة الأول، واللحظة المنشود استعادتها. ويحدد النقيض-العدو في الهيمنة الإيرانية-الشيعية على المنطقة الإسلامية، في تماثل مسحوب تاريخياً مع الصفويين الفرس. التنظيم بذلك يُجسر الخلاف بين اللحظة الراهنة وعمقها التاريخي، وهو كنقضائه من القوى الشيعية المتطرفة، يستمد قوته من رفض الآخر المختلف.
أهمية الوثيقة تكمن في إدراجها بنوداً تأسيسية لعقد اجتماعي جديد، مستمد من العقيدة الإسلامية، وقراءتها السنيّة الجهادية. حيث ستكون معاملة الناس (من أهل السنة) “بما ظهر لنا منهم”، فلا “نأخذ أحداً بالظن والتهمة بل بالبينة والحجة الساطعة”. يتضمن هذا البند طلباً جلياً من “الناس”، بالإقرار، بواقع سلطة الدولة-التنظيم وحاكميتها. تلك الحاكمية ستجعل الناس آمنين مطمئنين، فلا “رغد للعيش إلا في ظل حكم إسلامي يضمن للرعية حقوقهم، وينصف المظلوم ممن هضمه حقه”. والوعيد لمن “صدّ وندّ وارتد” يتبع الشرط الأول، ويستكمله: عقاب من يخرج على حاكميتنا “حاكمية الإسلام”، هو الخروج من وصف الرعية، إلى حكم الردة.
التماهي الذي يقيمه التنظيم مع الأمة الإسلامية، وقيادته لها، يؤكد على شموليتها الأصيلة؛ فزعيمها هو إمام المسلمين، والمسلمون رعاياها، والمال في الأرض هو مالها. داعش التي استولت على مئات ملايين الدولارات من بنوك الموصل، تعتبر أن الأموال التي كانت “تحت قبضة الحكومة الصفوية.. أمرها عائد إلى إمام المسلمين”. الأمر يحمل بعداً استعلائياً ينسجم مع موقع السلطة المتخيلة التي تحلم بها داعش، كما يتضمن استعداءاً كاملاً لبقية القوى المشاركة في “تحرير الموصل”. فمن يمد يده من بقية القوى إلى مال المسلمين “بنهب أو سلب” عرّض نفسه “للمثول أمام القضاء الشرعي”. وسيتم التعامل مع “عصابات السطو المسلح” ممن يتجرأ مقاسمة داعش لثرواتها “على أنهم مفسدون في الأرض” وستطبق أحكام قرآنية منتقاة بحقهم.
الوثيقة تحض الرعية، وتحث المسلمين على تأدية الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، وتحرم الإتجار والتعاطي بالخمور والمخدرات والدخان وسائر المحرمات. وتعلن صراحة نيتها في هدم المراقد والمشاهد “الشركية”. وتدعو النساء إلى “الحشمة والستر والجلباب الفضفاض”، والبقاء “في البيت وملازمة الخدر وترك الخروج إلا لحاجة”.
وتحذر من “مراجعة العمالة ومغازلة الحكومة” فالطريق بيّن وواضح، و”التائب من الذنب كمن لا ذنب له”. داعش توارب باب التوبة، ولا تغلقه في وجه “المرتدين” من الجيش والشرطة و”بقية الأجهزة الكفرية”، أما من أصر على ردته “فليس له سوى القتل”.
التسلط والفاشية سمات أساسية لم تبارح داعش في سوريا ولا في العراق، وهي مكونات أصيلة في بنيتها الفكرية، وتصورها المتخيل للعدالة الإلهية على الأرض. وعليه تُحرّم “المجالس والتجمعات والرايات بشتى العناوين وحمل السلاح”، عملاً بالحديث: “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه”. وفي البند الذي يليه يصبح “أمر الله بالجماعة والإئتلاف ونبذ الفرقة والخلاف، وكدر الجماعة خير من صفو الفرقة”. الأمر ليس تناقضاً البتة، فالتأويل الداعشي لـ”أمر الله” يقوم على التماهي معه، وقلبه، ليصبح أمر داعش هو “أمر الله”. وبذلك يصبح الانقسام والشقاق عنها “من فخاخ الشيطان”.
وبعد كل ما تقدم، تَعِدُ الدولة الإسلامية رعاياها، بأنهم سينعمون “في حكم إسلامي مقسط ووادع”. فالسعادة ستعم “في حقبة الدولة الإسلامية وعهد الإمام أبي بكر القرشي”، كيف لا وهي التي اتخذت “الوحي المنزل منهجاً”؟
المدن
من يقف جنب داعش؟/ فادي الداهوك
أخذت الأحداث المتسارعة في العراق تتضح شيئاً فشيئاً. الأيام الأولى للانكسارات والهزائم التي لحقت بالجيش العراقي، تشبه كثيراً ما حصل إبان الاحتلال الأميركي للبلاد. ولفهم الأحداث، وتفكيكها، لا بد من التمعن والبحث في طبيعة كل الأطراف المشاركة في المشهد الجديد.
مشهد السيطرة على المناطق العراقية يتوزع على عدد من الأطراف، أبرزها الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي تعتبر القوة الأعظم التي قادت الهجوم. وما مكنها من بلوغ تلك المكانة العسكرية، هو سيطرتها على مدرعات وطائرات للجيش العراقي، وأموالاً طائلة وسبائك ذهبية، ليصبح التنظيم الأكثر ثراءً في العالم، بين ليلة وضحاها.
يلي الدولة الإسلامية، جيش رجال الطريقة النقشبندية، المكون من أتباع “الطريقة النقشبندية المحمدية الشريفة”. وهو تشكيل “روحاني إيماني عقائدي إسلامي”، تحوّل إلى تنظيم مسلح جهادي بعد احتلال العراق، في مواجهة هدفين رئيسيين؛ الأول أميركا المنسحبة، والثاني إيران، المالك الفعلي لمقدرات البلاد وقرارها، من خلال حكومة نوري المالكي. أما الطرف الثالث فهو حزب العودة، المكون من بقايا بعث العراق، بقيادة عزة الدوري، الرجل الثاني في السلطة إبان حكم صدام حسين، والأمين العام لحزب البعث خلفاً للرئيس الذي أعدم. وأخيراً ثوار العشائر، وهم الطرف المدني الوحيد في المشهد، الذي تشكل حديثاً، لمواجهة قوات المالكي بعد فضها لاعتصامات الأنبار أواخر العام الماضي، في منطقة الرمادي. هؤلاء يمكن أن يكونوا درعاً لأي من الأطراف الثلاثة الأخرى.
البعثيون، أو رجالات صدام حسين، كان لهم الحضور الأهم في ما حصل. بداية تقدم “الدولة” كان من الموصل شمال العراق. والمتهمون في تسليم المدينة ثلاثة ضباط، هم: قائد القوات البرية، الفريق أول علي غيدان، وقائد العمليات المشتركة، الفريق أول عبود قنبر، وقائد شرطة الإتحادية في الموصل، اللواء مهدي صبيح الغرواي. الثلاثة كانوا ضباطاً في عهد صدام حسين. علي غيدان عضو قيادة شعبة في حزب البعث. عبود قنبر أحد الضباط المشاركين في الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت، أما مهدي صبيح الغراوي، فهو عضو شعبة في حزب البعث، وضابط في الحرس الجمهوري والفرقة الخامسة.
أخبار داعش انتهت في الموصل. حيث تؤكد مصادر عديدة أن التنظيم هو القوة الضاربة هناك فقط. لكن في باقي المناطق، أخذت الأطراف الأخرى زمام الأمور فيها، وخاصة في تكريت، مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين. هناك تبرز السيطرة لثوار صلاح الدين، وثوار العشائر، الذين عينوا محافظاً جديداً للمدينة، هو أحمد عبد الرشيد التكريتي، صهر صدام حسين. يواكبهم هناك عزة الدوري، الذي كشف عن أن التالي هو تحرير سامراء. والهجوم عليها من الحدود الشرقية بالتزامن مع هجوم آخر من الحدود الشمالية.
ولعل الملفت في الأمر، هو حفاظ الأكراد على مناطق الإقليم، التي كانت شبه خالية من أي أحداث تهدد أمنه. باستثناء بعض المواجهات المحدودة التي حصلت في كركوك. هذا الأمر يعزز صحة القول بإن نشاط داعش انحسر تقريباً، واقتصر تواجده في الموصل. داعش قامت بنقل ما غنمته من الجيش العراقي إلى محافظة الحسكة في سوريا، أو ولاية الخير كما يسميها التنظيم، وهي تضم الحسكة ودير الزور. هدوء مناطق إقليم كردستان يعزز فرضية أن يكون التحرّك هو تحالف العشائر مع تنظيمات إسلامية وجهادية، باستثناء داعش. فتنظيم “الدولة” يعتبر الأكراد أحد أعتى خصومه، ولا سيما في سوريا، حيث اندلعت مواجهات بينهما في مناطق كردية، حسم التنظيم أغلبها بمذابح أليمة.
خلاصة القول. ثوار العشائر، وجيش رجال الطريقة النقشبندية، وبقايا حزب البعث، نالوا من داعش، فاستخدموها وحرّكوها في إطار ضيّق، وضمن مجالها الحيوي المحدد بين الموصل ونينوى في العراق والشمال الشرقي في سوريا. قد يكون ذلك لخلط الأوراق أمام إيران وسوريا والولايات المتحدة الأميركية، ومن ثم استعادة الثوار زمام الأمور. هذا يوضح سبب الحمية الإيرانية التي ثارت وأعلنت جهوزية الحرس الثوري الإيراني للتدخل إلى جانب قوات المالكي، الذي اعترف بحدوث “خيانة” في الجيش، منذ اللحظات الأولى. إضافة إلى وضوح الرئيس الأميركي باراك أوباما في استعداده الجدي هذه المرة، على عكس موقفه من سوريا، لاتخاذ خيار عسكري سريع، لانتشال العراق من سيناريو كفّ اليد الإيرانية عن العراق خصوصاً، ومنطقة الهلال الخصيب عموماً. لترسيخ قاعدة التنازل عن ديموقراطية محافظة في المنطقة، تتبع لتركيا أو دول الخليج. والتي بدورها أظهرت بلادة في التعامل مع المسألة السورية، لصالح مشروع إيراني، أقل خسارة للغرب عموماً من بديل جهادي، يجعل المنطقة غير مستقرة، أو مقبلة على نشوء دولة متشددة على حدود تركيا وإيران والأردن وإسرائيل.
المدن
إرهاب “داعش” إن لقّم ماكينة البروباغندا/ وليد بركسية
يبدو “النصر الإلهي” الذي حققته “داعش” في مدينة الموصل وما تبعها من تمدد للدولة الإسلامية المتطرفة داخل العراق في محافظتي نينوى وصلاح الدين وبالامتداد نحو بغداد، مفاجئاً حتى لـ”داعش” نفسها. المتابع لإعلام “داعش” خلال الأسبوع الأخير، يلاحظ التغطية الخجولة التي رافقت “الغزوة” الأخيرة في البداية، ثم الزخم الكبير في الضخ الإعلامي المحتفل بالنصر ابتداءً من أمس الخميس.
مدونة “أنصار المجاهدين” التابعة للتنظيم، والتي تصدرت قوائم “ووردبرس” لفترات طويلة قبل أشهر عند تفعيلها، احتفلت بالنصر على طريقتها المعتادة بتقديم فيديوهات حصرية بثتها من إنتاجها. إنتاجات بدائية المونتاج والتصوير في معظمها، توضح عمليات جمع الغنائم في “ولاية نينوى” ووعد المجاهدين للمسلمين “السنّة” بالنصر الكامل والأمان والخير قريباً!
أبرز ما قدمته المدونة الداعشية من فيديوهات على الإطلاق ما سمته “الإصدار المزلزل: الدولة الإسلامية تحرر الموصل”، وفيه حرفية واضحة وجهد مبذول في المونتاج والتصميم على عكس بقية الإنتاجات. ويبدأ الفيديو بصور ثابتة وعبارات بيضاء تعلي من قيمة النصر الكبير بتحرير الموصل من “الرافضة” المتمثلين بصورة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، مع تتالي الصور الثابتة من مواقع التواصل الاجتماعي المعبرة عن فرحة المسلمين بالنصر، وممتزجة بنشيد ديني يشيد بقوة وجبروت “رجال الدولة المغاوير”.
يستمر الشريط السوريالي الغريب بتقديم المزيد من المفاجآت، فبعد التهليل بالنصر لا يقدم صوراً فعلية للمعركة من تصوير “داعش” كما جرت العادة، بل يقتبس تقارير إعلامية للمرة الأولى، ربما من القنوات الفضائية الكبرى (الجزيرة، الآن نيوز، ..)، حاجباً أسماء شعارات القنوات برايات الدولة السوداء مع قليل من الفلترة والتشويش على صورة المذيعة من نشرة أخبار “سكاي نيوز”، مكتفياً بصوتها بما يتوافق مع قواعد الدولة الإسلامية الصارمة في تخلفها وتشددها على ما يبدو!
يقدم الفيديو ما جرى في العراق من دون تبنّي رواية “داعش” نفسها للأحداث. كأن إعلاميي “الدولة” يحاولون تقديم الأخبار بمعزل عن رأيهم الذي يُترك للنصف الأخير من الفيديو بالكامل، وفيه فيديوهات بسيطة مصورة بكاميرا محمولة باليد في سيارة متجولة ضمن الموصل، التي يتصاعد دخان الدمار من أرجائها المهجورة، على إيقاع أناشيد دينية دعائية، هي أقرب للتراتيل والابتهالات التي من شأنها إضفاء شرعية إلهية ما على العنف المخيف الظاهر في الصور.
وفجأة، تنحسر أناشيد الفيديو الدينية الرتيبة عن رسالة صوتية من رئيس التنظيم الداعشي المعروف بأبي بكر البغدادي متوجهاً فيها إلى أهل السنة في العراق، مهنئاً أياهم أولاً بالنصر على “الرافضة” ومتعهداً فيها بإكمال الحرب الإلهية على “الصفوي الحاقد نوري”. ويدعو البغدادي أهل السنّة إلى “الالتفاف حول المجاهدين” في الغزوة التالية “نحو بغداد والجنوب”، ويختم برسالة تهديد ساذجة إلى “أميركا حاملة الصليب” متوعداً إياها “بالمواجهة المباشرة المنتظرة”، وربما لا يطول ذلك كثيراً مع استنجاد المالكي نفسه بالجيش الأميركي لقصف مواقع “داعش” في العراق.
لا يختلف الإنتاج “المزلزل” الأخير عما يقدمه إعلام “داعش” من الناحية الفكرية عادة، ففيه الكم الكبير ذاته من البروباغاندا والدعاية العاطفية. الاعتماد على التفسيرات الإلهية ومهاجمة “الكافرين” معاً في جمل واحدة طويلة (اليهود والنصارى والمجوس والصفويين والرافضة..)، قبل عكسها على أهداف محددة عند الانتهاء من التعبئة النفسية وإيصال الحقد الطائفي في النص إلى مستوى معين، مع تكثيف في أسلوبي الترغيب والترهيب معاً، وهو ما يجعل إعلام “داعش” عاكساً طبيعياً لفكرها المتعصب الأسود والمخيف في آن واحد.
منتديات “داعش” البسيطة في الإنترنت والمنتديات الجهادية الحليفة لها، واكبت الأحداث وتقدم “داعش” من سوريا نحو العراق عل شكل أخبار نصية وصور قليلة لا أكثر. منتدى “المنبر الجهادي العالمي” التابع لـ”داعش” كان الأبرز في هذا السياق، فقدم تغطية تشبه الأخبار العاجلة السريعة التي تميزت بالكم الدعائي الهائل فيها، مع فيديوهات لتحرير سجن بادوش في نينوى وصور لجثث أفراد في الجيش العراقي أو “جيف الرافضة” حسب التسمية الداعشية بعنصريتها المتعارف عليها.
الاحتفال بالنصر استمر في مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لـ”داعش” بأساليب مختلفة. إذ انتشرت في تطبيق “ساوند كلاود” الشهير قصيدة “البشارة من سجن بادوش جات” باللهجة المحكية، تبتهج بالنصر الكبير في محافظة نينوى مع التكبير التقليدي في النهاية. ولا تخرج القصيدة نفسها عن إطار الدعاية الداعشية بمقوماتها الروتينية الإقصائية والمليئة بالحقد الطائفي.
في “تويتر” لا يختلف الوضع كثيراً. فمن جهة تحاول حسابات “داعش” المختلفة إضفاء الشرعية على وجودها في محافظات العراق التي احتلتها، عبر نشرها فيديوهات خاصة بها (فرحة المسلمين باستعراض الدولة الإسلامية) أو فيديوهات مستقاة من القنوات العربية مثل “الجزيرة” (شهادة مراسل الجزيرة بحق مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام. لتبث، من جهة ثانية، أنباء انتصاراتها المهولة بالكلمات فقط، على أن تبث الصور لاحقاً. علماً أنّ معظم تلك الأخبار تُنشر في “تويتر” على شكل “ريتويت” من حسابات أخرى. كأنّ هناك انفصالاً بين الجانبين الإعلامي والعسكري في التنظيم التكفيري هذه المرة.
التقارير الميدانية استمرت بالظهور متأخرة إل حد ما، وأبرزها تقرير “البركة نيوز” الذي يروج له موقع “داعش” الرسمي على الإنترنت، وفيه عرض بالصور الحصرية لجانب من حصيلة المعارك ضد جيش “الهالكي” لـ “أسود الدولة الإسلامية” على الشريط الحدودي بين العراق والشام، وتمتزج فيه الصور بعبارات “تحمد الله على انتهاء زمن سايكس بيكو”، مترافقة مع عرض صور مخيفة تظهرأسرى و جثث الجنود العراقيين “الرافضة” و”المجوس”.
أما على منصتها الإخبارية باللغة الانجليزية “@_Dowlah”، فتقدم “داعش” نمطاً هادئاً من الاحتفال بالنصر بعيداً من البروباغندا الدينية العاطفية. إذ تركّز على الأمان الذي نشره المجاهدون في الموصل وأفراح السكان المحليين به. وذلك باعتمادها على معلومات إخبارية مجردة من الرأي “الفج” إلى حد ما، وبما يتوافق مع خصائص المنصة الإخبارية نفسها وخصائص جمهورها.
آخر ما تم تقديمه في الإعلام الداعشي، كان كلمة صوتية لأبي محمد العدناني الشامي، المتحدث الرسمي باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بعنوان “ما أصابك من حسنة فمن الله”، من إنتاج “مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي”. وهي عبارة عن خطبة دينية تعكس فكراً طائفياً وشديد التعصّب، وفيها تأكيد وتكرار لكل ما سبق وقدّم في الإعلام الداعشي. إذ يعزو العدناني النصر الأخير إلى “الإرادة الإلهية” و”عقيدة المجاهدين وإيمانهم بنصر الله” و”تضحيات أبناء الدولة”، داعياً بشكل رسمي جنود “داعش” لغزوة بغداد المنتظرة حيث “تصفية الحساب” من “الروافض”، لتحرير المدينة من “عبدة البشر والحجر”.
ويختم العدناني خطبته هذه برسالة تهديد موجهة إلى رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، وصفه فيها بـ”أحمق الرافضة نوري” و”بائع الملابس الداخلية”، على أن يكون الحساب “الثقيل الطويل” في “كربلاء المنجسة والنجف الأشرك” ، على حد تعبيره دون مواربة لفكره الإقصائي.
المدن