مقالات تناولت “داعش” والناس
غارات التحالف ترمّم حاضنة “داعش” الشعبيّة/ عبسي سميسم
إسطنبول
لم يتّبع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أي أسلوب لاستمالة حاضنته الشعبيّة المفترضة، من سكان المناطق التي يسيطر عليها، من أجل مواجهة “التحالف الدولي”. تشير كلّ الأخبار الواردة من تلك المناطق إلى أنّ التنظيم أبقى على الأسلوب ذاته، الذي اتّبعه منذ بداية سيطرته على تلك المناطق، أي الأسلوب القائم على الترهيب وإخافة الناس من جبروته وأحكامه، التي يشعر من خلالها أي مواطن، أنّ رقبته معرّضة للقصّ في أيّ لحظة.
ولعل طبيعة التنظيم القائمة على الإقصاء المطلق لكلّ من يخالفه، تمنعه من اتباع أساليب لاستمالة الناس الذين يحكمهم، انطلاقاً من أنّ إيديولوجيا التنظيم قائمة على مبدأ أنّ كل الناس رعايا خاضعون لحكمه بتكليف إلهي. وبالتالي، يفترض أنّهم جميعاً مستتابون ومبايعون للتنظيم، وكلّ من يخالف تعاليمهم يُقام عليه الحدّ، وتعني البيعة الولاء المطلق. ولا يسمح التنظيم لنفسه أن يظهر بمظهر المهادن لرعيته، لأنّ أيّ أسلوب قد يتبعه في استمالة حاضنته الشعبيّة، يخالف إيديولوجية التنظيم ويظهره متساهلاً في تطبيق أحكام الله.
ولم يكتفِ تنظيم “داعش”، منذ بدء ضربات التحالف الدولي، بمحاولة الظهور أمام سكان المناطق التي يسيطر عليها، بمظهر اللامبالي بتلك الضربات فحسب، بل بات لديه مبرر أكبر لفرض جبروته على المدنيين وتوجيه تهم التعاون مع التحالف لكل من يشكّ بولائه.
وعلى الرغم من الطابع العام القائم على الترهيب، والذي اتّبعه تنظيم “داعش” في التعاطي مع المدنيين الخاضعين لسيطرته، لكنّ ذلك لم يمنعه من استخدام تكتيكات مختلفة معهم، بحسب طبيعة المنطقة وحجم الفصائل المسلّحة الموجودة فيها. فالتعاطي مع الناس في مدينة دير الزور، يختلف عن التعاطي معهم في ريف المحافظة، إذ بقيت في المدينة مجموعة من الفصائل لم تبايع التنظيم، لكنّها تنسّق معه في حصار المطار العسكري والأحياء الخاضعة لسيطرة النظام. وأدّى وجود هذه الفصائل إلى التخفيف من حدّة تعاطي التنظيم مع السكان، بخلاف ما هو الحال في الريف، حيث تعامل مع السكان بكلّ أساليب الترهيب، من قطع الرؤوس إلى التهجير.
أما في ريفيّ حلب الشمالي والشرقي، فلم يتردّد التنظيم، خلال الأيام القليلة الماضية، بقطع رؤوس مدنيين، بينهم أطفال في الساحات العامة بتهم الكفر والعمالة للتحالف والثوار، إذ أعدم يوم الثلاثاء الماضي، شابَين في الساحة العامة لمدينة تادف، بريف حلب، بتهمة سبّ الذات الإلهية، وأقدم، قبل يوم واحد، على إعدام طفلين في بلدة قباسين بريف حلب، بتهمة الكفر، يبلغ أحدهما 11 سنة والثاني 17 سنة.
ولا يزال التنظيم يستخدم الساحات العامة لتنفيذ أحكامه من أجل ترهيب السوريين. ففي ساحة الكرنك في مدينة منبج بريف حلب، نفذ التنظيم منذ أربعة أيام حكم الإعدام بحقّ شابين، أحدهما بتهمة الكفر والآخر بتهمة التعاون مع الثوار. وتشهد هذه الساحة في كل جمعة تنفيذ أحكام، باسم تطبيق حدود الله، من تقطيع أيدي ورؤوس، على مرأى من أعين الناس.
من جهة أخرى، يبدو أن الطريقة التي اتبعها التحالف في حربه ضدّ “داعش”، جعلت سكان المناطق الخاضعة لسيطرته، يشعرون بأنهم مستهدفون شأنهم شأن التنظيم، ذلك أنّ طائرات التحالف الدولي، وعلى الرغم من عدم استهدافها تجمّعات مدنية في مناطق سيطرة داعش، لكن بنك أهدافها لم يكن متوافقاً مع تصريحات قيادة الجيش الأميركي، التي بيّنت أنّ الضربات الجوية ستستهدف مقاتلي التنظيم ومعسكرات تدريبه ومقار قيادته وشاحناته ومركباته المدرعة. إذ استهدفت الضربات مراكز خدمية، كمراكز توزيع الوقود في محافظتي الرقة ودير الزور، وصوامع الحبوب في منبج بريف حلب، والتي أثرت بشكل مباشر على الوضع المعيشي للناس، نتيجة تضاعف أسعار الوقود وفقدان الخبز، الأمر الذي وحّد السكان مع التنظيم في مواجهة عدو مشترك، يقصف مصدر قوتهم ويزيد من أعبائهم، فضلاً عن الإحساس العام لدى سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بأنّ أجندة التحالف لا تتوافق مع ما قامت عليه ثورتهم.
وعلى خلاف تعاطي التنظيم مع سكان المناطق التي يسيطر عليها، فقد استطاع استمالة العديد من الفصائل التي كانت محاربتها أولوية للتنظيم قبل بدء هجمات التحالف الدولي، وجرّها نحو التعاطف معه، وخصوصاً الفصائل ذات التوجّه الإسلامي، إذ لعب “داعش” على الوتر الديني بتصوير الحرب على أنّها حرب بين الإسلام والكفر، فأظهر بوادر حسن نيّة تجاه عدوه اللدود، جبهة النصرة، من خلال الإفراج عن نحو 300 معتقل لديه معظمهم من الجبهة، ومن خلال عقده اجتماعات سرية بين شرعيي التنظيم وشرعيي النصرة، أفضت إلى نوع من الهدنة غير المعلنة بين الطرفين. وأدى ذلك إلى شبه توقّف لجبهات القتال بينهم، كما أنّ تعاطي التحالف مع الفصائل التي كانت تحارب التنظيم، وتقسيمها بين قوى معتدلة وأخرى متشددة، من دون فرز واضح بينها، ساعد “داعش” على تبريد معظم جبهات القتال، بينها وبين فصائل المعارضة، وأعطاه فرصة للتقدم من خلال جبهات يختارها بنفسه، كجبهة عين العرب التي استطاع التقدم فيها خلال فترة تنفيذ التحالف ضرباته عليه. وتمكّن التنظيم من الوصول إلى مشارف مدينة عين العرب، على مسافة لا تتعدى بضع كليومترات، كما تمكن من التقدم في ريف حماة الشرقي، يوم الثلاثاء الماضي، وخاض معارك عنيفة مع القوات النظامية السورية، تمكّن خلالها من قتل عشرات العناصر والسيطرة على قرى رسم الغجية والمزاريع والزعبة وأم توينة.
ويبدو أن تنظيم داعش يسعى إلى فتح معارك مع القوات النظامية، ليظهر في خندق واحد مع قوى المعارضة، التي تسعى بالدرجة الأولى إلى إسقاط النظام، وبالتالي إحراج التحالف الدولي، الذي لم يضع النظام ضمن أولوياته. وكان التحالف بدأ شنّ غاراته ضد “داعش”، في وقت كان فيه الأخير يستعد لاقتحام مطار دير الزور العسكري، والسيطرة على الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام ضمن مدينة دير الزور، الأمر الذي قد يكسبه المزيد من التعاطف من قبل بعض فصائل المعارضة، خصوصاً تلك التي لم تعرف تصنيفها أميركيا بعد، أو تلك التي صُنّفت لاحقاً ضمن لائحة الإرهاب كـ”جيش المهاجرين والأنصار”، وحركة “شام الإسلام” المنضوين ضمن جبهة أنصار الدين. ومن المواقف التي تعكس نجاح التنظيم في كسب تعاطف فصائل المعارضة ضد التحالف، مبايعة الكتيبة الخضراء، قبل 3 أيام، لـ”جيش المهاجرين والأنصار، والتوحد معه على الرغم من تصنيفه من قبل الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي.
ويرجح أن ينجح “داعش” في تحييد المزيد من الفصائل، وحتى في استمالة الكثير من الأفراد للانضمام إلى صفوفه، ما لم يتّبع التحالف الدولي استراتيجية واضحة، تقوم على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد كأولويّة، بالتوازي مع أولوية القضاء على التنظيم المتطرف.
العربي الجديد
سوريون في “تنظيم الدولة الإسلامية”/ جلال زين الدين
انسدت الآفاق بوجه الشباب السوري، بعد سنتين من ثورتهم، وباتوا يواجهون كل صنوف القتل والتعذيب على يد النظام. دفع ذلك الكثير منهم للانخراط في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، التي غسلت عقولهم وقلوبهم، وأقنعتهم باستهدافهم كـ”سنة”، وأن دينهم الاسلامي في خطر. ترافق ذلك مع تجاهل عالمي لمحنتهم، وتركهم بلا سلاح أمام الموت الذي ينشره النظام.
من الشباب السوري الذي انتسب بالآلاف لتنظيم الدولة؛ خريج الأدب الإنكليزي، أسامة من مدينة الرقة، وابن الـ27 عاماً. أسامة المتزوج والأب لطفلة واحدة، رفض في بداية الثورة السورية الخروج في أية تظاهرة، مبرراً ذلك بقوله “كنت أعيش حياة روتينية ولم أرغب بالتغيير، كما أنني لم أكن مقتنعاً بأن هذه التظاهرات ستسقط النظام”. لكنه سرعان ما فقد عمله كدليل سياحي في مكتب سفريات، ووجد ان القتل يزداد من دون أن يكون هناك أمل في نهايته، فـ”انتسبت لأحرار الشام وخضعت لمعسكرات تدريبية، ولم يكن لي سوى هدف واحد: إسقاط النظام المجرم”. تسارع الأحداث، وسيطرة تنظيم الدولة على الرقة، دفعه لترك حركة “أحرار الشام”، وبعد تردد قرر الانتساب للتنظيم، في تحول جذري، قلب حياته رأساً على عقب، يقول أسامة “فتح الله بصيرتي عندما بايعت الدولة الإسلامية، فالنظام النصيري لم يكتف باستعبادنا، بل أبعدنا عن ديننا، وأفهمنا علماء السلطان أن الدين صلاة وصوم، أما اليوم فإننا نقاتل من أجل إقامة دولة الإسلام التي تقيم شرعه وتطبق حدوده”.
أسامة كان شاباً بسيطاً يحب الحياة، قبل أن ينضم لتنظيم الدولة. يحدثنا جاره في الحي: “أسامة شاب محبوب من قبل أهل الحي، فروحه مرحة، وكنا نجلس أمام المحل نشرب الشاي ويحدثني عن الوفود السياحية الغربية، كان معجباً بانضباطهم وحبهم للنظام. أما اليوم فقد أصبح جاداً لا يمازح أحداً إلا في ما ندر”. ويبرر أسامة ذلك “نحن أمام مرحلة مفصلية في التاريخ، اختار الله أهل الشام لاقامة دولة الخلافة، فاليوم جد لا هزل”.
أسامة لا يرى غضاضة في قتل عناصر الجيش الحر أو بقية الفصائل الإسلامية التي كان بالأمس القريب عنصراً فيها “الجيش الحر شريك في قتل المسلمين، لقد والى الغرب الكافر الذي ساعد الأسد وقدم له كل التسهيلات لقتل المسلمين، وطلب العون من الغرب دون الله. والى الغرب الذي يتبجح كذباً بالحرب على الإرهاب، ونسي أن الأسد قتل أكثر من ربع مليون مسلم”. فالغرب بحربه على تنظيم الدولة دون النظام السوري، عزز قناعة منتسبي التنظيم بصوابية نظريتهم، واعتقادهم بأن الإسلام هو المستهدف، ودفع المزيد للانخراط بصفوف التنظيم.
من جهة أخرى، وائل خريج التجارة والاقتصاد، كان يعمل مندوباً لشركة تجارية في الجنوب اللبناني، وعاد إلى سورية مع بداية الثورة، وشارك في التظاهرات الأولى الخجولة في مدينة الرقة، وكان من أوائل حملة السلاح في المدينة. يقول وائل “كنت مقتنعاً منذ اليوم الأول أن الثورة ستتجه لحمل السلاح، فالنظام السوري مستعد لقتل 90 بالمئة من السوريين في سبيل البقاء بالحكم”. وانضم وائل إلى فصائل مسلحة في الرقة، ليتركها بسرعة “هناك الكثير من الأخطاء والتجاوزات، كما أني لم أجد التزاماً حقيقياً وهدفاً واضحاً لدى كل الفصائل التي انتسبت إليها”. ومع أول يوم لتحرير الرقة، توجه وائل لمبايعة التنظيم، يتابع “الجيش الحر لا يمتلك استراتيجية وقيادة موحدة، ونجاحه بإسقاط الأسد كان سيسقط بلاد المسلمين في حرب أهلية. فالفصائل التي تمتلك قيادات مختلفة ومرجعيات مختلفة وأهداف مختلفة وتكون مأجورة للخارج ستتصارع في ما بينها فور سقوط الأسد”. وهو أمر على خلاف الدولة الإسلامية “التي تملك قيادة واحدة بأهداف واضحة”. وعززت تجربة وائل في لبنان اعتقاده باستهداف السنة، يوضح ذلك قائلاً “لم أكن أعرف معنى سني أو شيعي، لكن عملي في لبنان جعلني أقف على الفوارق. ومبايعتي للدولة جعلتني أقف على حقائق كثيرة من دين الشيعة، وعرفت الآن سبب ذلك الحاجز الذي كانوا يقيمونه بيني وبينهم”. تدخل “حزب الله” في سوريا، ساهم في انتقال وائل إلى تنظيم الدولة الإسلامية، يقول صديقه أبو حمد “كان وائل مقتنعاً أن الحرب ضد الأسد هي حرب ضد التشيّع. وجاء تدخل حزب الله الصارخ، وتأييد إيران الفاضح ليعزز هذه القناعة، فحياته في لبنان أثرت كثيراً في خياراته”.
يؤمن الكثيرون من السوريين المنتسبين إلى داعش، بأن هناك مؤامرة كبرى تجمع إيران والغرب، بهدف القضاء على الإسلام السني، الذي لم يعد هناك من يذود عنه سوى الدولة الإسلامية. يقول وائل “الغرب يرضى بدولة إسلامية على شاكلة إيران التي ترفع شعار الموت لأميركا، ولا يرضى بدولة إسلامية في سورية والعراق! الغرب وإيران متفقان على محاربة الإسلام الحقيقي، والدليل واضح للعيان”.
أسامة ووائل نموذج للآلاف من الشباب السوري، الذي مر بأدوار وأطوار قبل أن ينضوي في صفوف تنظيم الدولة. وهذه الأدوار كانت تتم تحت مرأى ومسمع العالم. ولعل اتهامات التنظيم لعدد من قياداته بالتعامل مع المخابرات الأميركية، مثل أبو عبدالله الكويتي أحد أمراء التنظيم بدير الزور، أو المخابرات البريطانية مثل أبو عبيدة المغربي أمير الأمنيين بمدينة الباب في ريف حلب، تعطي مؤشراً، وإن كان يحتمل التشكيك به، على أن “الإرهاب” كان يصنع برعاية دولية.
المدن
سوريا: أكلاف انسانية لهجمات أميركا على داعش/ جهاد اليازجي
إلى جانب الأثر العسكري للهجمات الجوية التي تشنها قوات الولايات المتحدة الأميركية، على “داعش” في سوريا، فإنه سيكون لها بالتأكيد أثر انساني أيضاً.
أطلقت القوات الجوية الأميركية، يوم الثلاثاء في 23 أيلول الماضي، بدعم من المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، الأردن، والبحرين هجمات ضد مواقع مختلفة في سوريا، غالبيتها كما قيل، خاضعة لسيطرة “داعش” وغيرها من المجموعات التكفيرية.
وفي حين ما يزال تأثير هذه الضربات قيد التقييم، فإن تأثيرها الاقتصادي أصبح ملموساً. إذ تفيد التقارير الصادرة عن مصادر متنوعة، وبينها نشطاء ميدانيون، بأن الهجمات قد خرّبت صوامع الحبوب بالقرب من مدينة منبج شرق حلب، وكذلك الأمر بالنسبة لسوق النفط بالقرب من منبج ايضاً، حيث تم تدمير العديد من مواقع تكرير النفط المنتشرة على مساحة الجزء الشرقي من البلاد. إضافة إلى ذلك تم استهداف محطة معالجة الغاز، المعروفة باسم “كونوكو” (دون تضررها على ما يبدو)، والتي كانت قبل بداية الانتفاضة تحت إدارة شركة النفط الفرنسية “توتال”.
من الصعب الآن تقييم تكلفة الأضرار التي لحقت بهذه المشاريع، ولكن تأثيرها سيكون كبيراً، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الواقعة تحت سيطرة “داعش”.
في 30 أيلول المنصرم، قالت الولايات المتحدة أن غالبية المصافي التي تستخدمها “داعش” قد تم تدميرها. وعلى الرغم من أن الهدف الرسمي من تدمير هذه المصافي هو حرمان التنظيم من الحصول على مصدر تمويل، فإن آثار التدمير ستنعكس أيضا على السكان، لأن هذه المصافي تستخدم لتكرير النفط بهدف الحصول على مادتي المازوت والبنزين، اللتين تشكلان المصدر الرئيسي لتدفئة المنازل. كما يستعملهما المزارعون لتشغيل مختلف الآلات والمعدات الزراعية. لذلك، سيكون لتدمير مصافي تكرير النفط أثر سلبي على المحصول الزراعي المقبل، وسيؤدي حتماً إلى ارتفاع إضافي في أسعار المنتجات الزراعية، وسيحرم الناس من امكانية الحصول على التدفئة الكافية في فصل الشتاء، وسيرفع تكلفة أجور النقل.
وكمثال على ما سيحدث فإن التقاريرالواردة من دير الزور، تفيد بارتفاع اسعار البنزين والمازوت نتيجةّ لانخفاض الكمية المعروضة في السوق حاليا من هاتين المادتين.
وفي الوقت نفسه، تستخدم صوامع الحبوب في مدينة منبج لتأمين مادة الطحين لنحو مليون شخص يوميا. ولا بد من الاشارة إلى أنه في االعامين الأخيرين، وبسبب زيادة الفقر بين السكان، وارتفاع معدلات التضخم، وبسبب تراجع الانتاج الزراعي، أصبح استهلاك الخبز أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لغالبية السكان. وإذا لم يتم توفير البديل عن الطحين والخبز، فسيكون لتدمير صوامع الحبوب تأثير إنساني خطر في مناطق سورية الشمالية – الشرقية. ومن الجدير بالذكر، أنه وحتى الآن، لم يتجرأ لا النظام ولا “داعش” على تدمير صوامع الحبوب، مما يجعل من العسير فهم الدوافع الاميركية الكامنة وراء قيامها بهذا الأمر.
الهجمات الاميركية ذكرت الجميع بأنَّ هناك ملايين السوريين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها “داعش”. وبعد نحو أسبوعين على بدايتها، أكدت هذه الهجمات ما يعرفه الجميع: لا تلقي الولايات المتحدة الاميركية، عند مقاربتها للنزاعات في الشرق الاوسط، بالاً لعذابات السكان.
المدن
“إنت قادر”: توعية ترافق القصف الأميركي.. هل تنفع؟/ وليد بركسية
“اليوم إنت قادر، خبّر الناس ووعّيهن”، هي الكلمات الأساسية التي ترسم ملامح حملة “إنت قادر” التوعوية من راديو “سوريالي” المعارض، والتي أطلقها مجدداً بالتزامن مع بداية الضربات الأميركية المستهدفة لتنظيم “داعش” في العمق السوري، وما يرافق ذلك من أخطار تهدد حياة المدنيين، خصوصاً مع لجوء إرهابيي “داعش” للاحتماء في الأماكن المدنية.
انطلقت الحملة بشكل فعلي قبل عام تقريباً، إثر استخدام الأسلحة الكيماوية في أماكن متفرقة من سوريا، ورغم تذكير الراديو بها بشكل متقطع من فترة لأخرى، إلا أنه أعاد إحياءها بكثافة مؤخراً بعد “ازدياد الأطراف المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا اليوم” على حد تعبير مدير البرامج في الراديو إياد كلاس.
ويوضح كلاس لـ”المدن” أن الحملة هي “محاولة بسيطة للمساهمة في نشر وعي شعبي حول الاجراءات الأولية الضرورية التي يمكن اللجوء إليها في حال التعرض لمشاكل أمنية، ضربات عسكرية أو اشتباكات حربية”، مضيفاً أن “أصحاب الفكرة هم طاقم عمل “سوريالي” أحد أبرز الإذاعات المجتمعية السورية التي ظهرت بعد الثورة، بهدف تشارك المعرفة وتفعيل دور المستمعين بنشر المعلومات الواردة في الحملة لعلّها تفيد أحدهم في مكان أو وقت ما”.
تبث الحملة عبر أثير “سوريالي”، سواء عبر الإنترنت أو موجات FM في بعض مناطق الداخل السوري (دمشق وريفها – حمص – حماة – دير الزور – ريف إدلب – ريف حلب – اللاذقية – طرطوس)، إضافة للنشر في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. ويأمل فريق الراديو في إيصال معلومات الحملة إلى جمهوره رغم الصعوبات المعيشية التي يعانيها السوريون اليوم. ويوضح كلاس أن “الجمهور المستهدف من الحملة ينقسم إلى قسمين، الأول هو جمهور الراديو الموجود في مناطق النزاع، والثاني هو الجمهور الموجود في أي مكان والراغب مشاركة المعرفة المستخدمة في الحملة”.
لا تبدو الفائدة الفعلية من الحملة – وأي حملات أخرى مشابهة – واضحة، خاصة أن الحرب الأهلية في سوريا باتت اليوم في عامها الرابع، لتبدو الجهود التوعوية ككل عبثية نوعاً ما مع سرعة الموت الآتي من الضربات العسكرية أو الجوية، فلا إنذارات مسبقة قبل قصف الطائرات الأميركية لمكان ما أو ما شابه، وهنا تصبح معلومات الحملة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع أو غير مفيدة حقاً (ارتداء ثياب مريحة لسهولة الحركة، إبقاء الحذاء قرب الباب في حال الاضطرار للهرب، جمع الأدوية والإسعافية في حقيبة يدوية صغيرة للضرورة ..).
ببساطة، معلومات الحملة قد تنفع أحدهم ولو بشكل جزئي، لكنها حتماً لن تضر إن لم تنفع” بهذه الكلمات يبعد كلاس صفة العبثية عن جهود الحملة، ويضيف: “رغم أن الحملة لا تستطيع درء ماكينة الحرب عن المدنيين، لكن المعلومات الموجودة فيها قد تسهم في إنقاذ حياة أحدهم بعيد الضربات العسكرية، أو قبلها إن استطاع الاستشعار بالأمر، أو خلالها إن كان الوضع قابلاً للسيطرة، أو قد تفيد حتى في أي مكان أو زمن كما هو الحال في بعض الاجراءات الاحترازية غير المتعلقة بالضربات العسكرية”.
لا يبحث أعضاء “سوريالي” عن تفاعل جماهيري محدد من حملتهم. هي جهود بغرض المساهمة بطريقة أو بأخرى في خدمة المجتمع الذي ينتمي له الراديو. وبالتالي يتخطى الراديو التفاعل نحو أهداف أكثر مثالية كالسلامة والأمان، إضافة إلى “تفعيل دور المواطن المبادر الفعال proactive citizen في نشر المعلومات في محيطه”، على حد تعبير كلاس.
يشرف على إعداد معلومات الحملة فريق “سوريالي” من عاملين ومتطوعين سواء من الإعلاميين أو الاختصاصيين في مجالات مختلفة (صحة عامة، صحة نفسية، إدارة أزمات، علم اجتماع وغيرها)، كما “تم التشاور مع أشخاص ومصادر موثوقة في صياغة الاجراءات الواردة في الحملة، وقام الفريق الإعلامي بدوره بوضعها ضمن الإطار التقديمي فقط بعد الموافقة على المعلومات من الاختصاصيين غير الإعلاميين”.
بعض النصائح في الحملة أتى بشكل تفاعلي من قبل جمهور “سوريالي” نفسه، إذ أرسل أشخاص مقاطع صوتية يقولون فيها ما هم “قادرون” على فعله، فيما اكتفى البعض الآخر بالمشاركة عبر الوسائل الاجتماعية أو تحميل المعلومات بهدف إعادة عرضها لاحقاً. وعليه، يقيّم كلاس انتشار “إنت قادر” بالمقبول في المجمل، علماً أنه لا تعاون فعلياً مع جهات أخرى في إنتاج الحملة وبثها.
المدن
محاولة قراءة في سينما داعش/ فراس خوري
انتشرت في الآونة الأخيرة فيديوهات يُفترض أنهما توثيقية يتم خلالها ذبح صحافيين أميركيين وعامل إغاثة بريطاني، على يد عنصر من “داعش” (تنظيم “الدولة الإسلامية”). هذه الفيديوهات تختلف كلياً عما عهدناه من فيديوهات قطع الرؤوس مذ لمع نجم القاعدة في أوائل الألفية الجديدة حتى الآن، حيث، وفي أغلب الحالات، تُصوَّر هذه الفيديوهات بكاميرا بسيطة، وعادةً بكاميرا هاتف محمول. اعتقادي الشخصي أن هذه الفيديوهات مفبركة، واذا كان حقاً مصير هؤلاء الأسرى الذبح، فإنه حتماً لم يحدث خلال تصوير هذا الفيديو.
بغض النظر عن مصير الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف والبريطاني ديفيد كوثورن هينز، فإن الفيديو أُخرج من قبل “مخرج” وأٌنتج من قبل “منتج” وهذا مما لا شك فيه. هذا عمل فني/ ترفيهي كان فيه خيارات فنية واضحة لا بد من الخوض فيها. سوف نحلل هذه الفيديوهات بشكل موجز مثلها مثل أي عمل فني مرئي مسموع آخر، على أمل أن يساعدنا ذلك في فهم حقيقة هذه السلسلة.
في كل الفيديوهات كان هناك طاقم تصوير مكوّن من مصوّرَيْن (على الأقل) يصوران بكاميرات HD عالية الجودة. الصورة الأولى هي لرجل يجلس على ركبتيه ويداه مقيدتين خلف ظهره، وآخر يقف بجانبه. من منظور ترتيب العوامل المصوَّرة في إطار الصورة (الـ composition) فإن عين الإنسان تنجذب بشكل فطري صوب مركز الصورة، لذا قد وضع المخرج الممثلين في وسط إطار الصورة بالضبط، وجعل خلفيتهم بسيطة بمركباتها (رمال) كي لا يخطر ببالنا أن ننظر إلى أي جهة غير مركز الإطار، حيث الشخصيات.
يجلس المحكوم عليه بالإعدام في كل الفيديوهات على ركبتيه، مرفوع الرأس، فاتحاً صدره، ومختلفاً بذلك كل الاختلاف عن جميع الذين نراهم يُعدمون يومياً في وطننا. لا شيء في هيئته يذكّر بأنه أسيرٌ ذليل. وضعية جلوسه تذكّر بأبطال الأفلام الهوليودية الذين حين يعدمون بالرصاص يستقبلون الإعدام بنبلٍ وشهامة وهدوء. هناك تمثيل واضح لفكر الـ “martyrism” (الاستشهاد/ التضحية) بمفهومه المسيحي/الغربي. هؤلاء المذبوحون هم “شهداء حق” وإن ساوركتم شكوك فاسمعوا نصّهم الذي يقدّمون به أنفسهم كأكباش فداء.
النص في الفيديو مباشر جداً ودعائي، هناك مغالاة في أفواه المذبوحين وكأنهم يتعاطفون مع حالة قاتليهم أكثر من التعاطف مع حالتهم هم. تمثيل الشخصيات المتواضع يضاعف من إخفاقات هذا النص المباشر.
من الواضح أن الشخصيات تقرأ عن ورقة موجودة عند نقطة معينة في محاذاة الكاميرا، إذ أن بؤبؤ عينها لا يتحرك عن تلك النقطة. وليس هناك أخطاء لغوية أو أي تلعثمٍ بالكلام. تخيلوا أن إنساناً سيُنحر بعد قليل، يتكلّم بهذه الدرجة من الثبات والرزانة والوضوح.
“عنصر داعش” يمثل شخصية شريرة تشبه التمثيل الهوليويدي لـ”الإرهابي الإسلامي” الخطير. صوته ثخينٌ جداً، يتكلّم بشكل متقطّع، يهدّد مستعيناً بحركات حادة هادئة لإبراز قوة الجسد المتين.
في الفيديو الثاني، في ما يفترض أنه إعدام الصحفي ستيفن سوتلوف، يفتتحه بالقول “لقد عدت”، على نسق ألعاب الفيديو القتالية. غريب هذا العالم الذي تقلّد به الأفلام البشر بشكل سيئ، فيقلّد فيه البشر الأفلام السيئة بطريقة أسوأ. هذا “المسلم الشرير” في الفيديو يقلّد نفسه ولكن بشكل سيء.
هناك احتمال أن هذا التصوير جرى في استوديو، وإضافة الصحراء في الخلفية جاءت في ما بعد، إلا أن أغلب الظن أن التصوير كان بالفعل في صحراء، ولذا وبسبب الرياح لا يمكن المخاطرة بلاقطة صوت عادية، لذا تم وضع “نيك مايك” (لاقط صوت خاص يوضع على الملابس) على كل الممثلين. الصوت واضح جداً وبجودة عاليه وقلما يتشوّش بسبب الريح التي نراها تحرك ملابس الشخصيات. هناك “رجل صوت” مهني في موقع التصوير، وأغلب الظن أن هناك من أجرى معالجة صوتيه للفيديو في مرحلة المونتاج.
هناك مونتاج في الفيديو، وهذا أمر جديد مقارنة بفيديوهات البث الحي ذات اللقطة الواحدة بدون قطع (للصورة)، التي تصلنا من العراق وسوريا. القانون الأول والأهم في المونتاج هو: إن كان لا حاجة إلى “الكَتْ” فلا تقطع الصورة. استعمال الـ”كتّات” في الفيديوهات هو مشابه لاستعمالها في مقابلات الأستوديو، فحين يكون الأشخاص الذين يتكلمون، ثابتين في مكانهم، يمكن أن يمل المشاهد، لذا يُصطنع “الكَت” لإضافة بعد تصويري آخر للمتكلم وإدخال بعض الحركة على هذا الركود. أي أن التفكير من وراء هذا الـ”كت” هو وبشكل واضح ومعلن ترفيهي بحت، من أجل أن لا يمل المشاهد من مونولوغات الشخصيات في الفيديوهات. إلا أن الـ”كتّات”، في حالة الأفلام الداعشية، عفوية جداً، فأحياناً ليس هناك أدنى تفكير فني وراء الانتقال إلى اللقطة القادمة، الأمر الذي يبرز أن المخرج غير متمرس.
اتبع المخرج التقشف كأداة فنية. الملابس بسيطة وبلون واحد، الضحية تلبس برتقالي أسوةً بمعتقلي غوانتنمو الإسلاميين، شخصية “عضو داعش” تلبس ملابس سوداء. لا بد أن هناك من خاط هذه الملابس للشخصيات وعلى مقاسها وحضرها قبل يوم التصوير المحدد. إلا أن المزعج هو درجة نظافة هذه الملابس، فكيف يعقل أن ثياب مقاتل شرس في عصابة وأسيره اللذين يسكنان في الصحراء، لم يمسها الغبار. حتى أن “مقاتل داعش” وطريقة ترتيب ملابسه الجديدة لا تخلو من الأناقة.
يحيلنا هذا إلى وجود طاقم تصوير مهني وممثلي أقسام الإنتاج (المذكورين أعلاه) في موقع التصوير، ومن المفترض أنهم استمروا، كلٌ في مهنته وبمهنية تامة، في لحظة فصل الرأس عن الجسم.
ألا يفترض بأن ملابس القاتل اتسخت بالدم (ولو قليلاً) بعد قطع رأس جيمس فولي بهذه الطريقة؟ كيف يظهر بعدها وهو يمسك ستيفن سوتلوف وملابسه نظيفة (وكذلك هو الأمر بعد قتل ستولوف والانتقال إلى هينز). إن كل ما حدث هناك قد صُوِّر في يوم تصوير واحد مع كل الشخصيات بحسب برنامج تصوير واضح، فلماذا الادعاءات بإمهال أوباما هذه المهلة الزمنية لكي يتراجع عن مهاجمة “داعش”؟
معالجة صورية بسيطة للفيديو عن طريق التلاعب بالألوان ودرجة التباين بين الأبيض والأسود، ثم عرضه بالتصوير البطيء تكشف بأن السكين تأتي وتذهب على عنق جيمس فولي ثماني مرات من غير أن تخرج قطرة دم واحدة، وهذا يحتم تعريف هذا الفيديو كفيلم هوليودي من صنف الـ “B movie” وهو مصطلح أميركي يطلق على أفلام الإثارة ذات الميزانيات المحدودة والتي يظهر شحّ إمكانياتها من خلال المؤثرات التقنية البسيطة.
* سينمائي من فلسطين
العربي الجديد
إعدامات تنظيم “الدولة” لأمرائه ..صراعات أم خيانات؟/ جلال زين الدين
يركز الإعلام على الإعدامات التي يقوم بها تنظيم الدولة بحق معارضيه، من إعلاميين وجنود في جيش النظام والجيش الحر، أو حتى من علماء الدين، والصحافيين الأجانب. في حين يتجاهل الإعلام، الإعدامات والتصفيات التي يقوم بها التنظيم ضد عناصره، ولا سيما الذين يتبوؤن مناصب قيادية في التنظيم. وتسارعت وتيرة الإعدامات في شهر رمضان، عقب قيام تنظيم الدولة بإعلان الخلافة ومبايعة أبو بكر البغدادي، أميراً للمؤمنين.
مسلسل الإعدام بدأ مع أبو عبد الرحمن المصري، الشاب والخطيب المفوه الذي لعب دوراً كبيراً في الدعاية لتنظيم الدولة، وجذب المؤيدين والداعمين له، في مدينة الباب بريف حلب. وكانت آخر خطبة للمصري، تلك التي أعلن فيها أنّ البيعة يجب أن تكون لأمير المؤمنين الملا عمر، زعيم طالبان باكستان، لكونه السابق بالإمارة والجهاد، ولا يجوز وجود أميرين.
المصري أبطل بذلك البيعة للبغدادي، ليتم إثر ذلك اعتقاله، مع ستة قياديين مقربين منه، بينهم قائد جبهة أخترين، ونائب والي حلب آنذاك أبو دجانة. ليقوم التنظيم بتصفيتهم بعد فترة وجيزة جداً، من اعتقالهم في سجونه. ليخرج خطيب آخر قارئاً الآية القرآنية: “وما محمد إلا رسول، قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين” آل عمران 144. ويعلن بذلك مقتل المصري، لشقّه صف المسلمين وخروجه عن طاعة البغدادي. هذا الإجراء تمّ درءاً لـ”الفتنة”، وتناسياً لكل الخدمات والأعمال التي قام بها المصري من أجل خدمة التنظيم. يقول شاب من سكان الباب: ” لقد خطف أبو عبد الرحمن القلوب والأضواء، وحاز مكانة عظيمة في قلوب الأهالي الذين زوجوه وأكرموه، لكن ذلك كان سبباً في النقمة عليه، فأهل الحسد لفقوا حوله القصص الكثيرة التي أدت لمصرعه”. ويتابع الشاب، عن سبب إعدام المصري، بشكل سري على غير عادة التنظيم بإعدام معارضيه بالساحات العامة “أُعدم أبو عبد الرحمن بالسجن مع رفاقه خشية النقمة والثورة من قبل الأهالي نظراً لشعبية الرجل، وحتى لا يأخذ الناس فكرة أن التنظيم يأكل بعضه بعضاً”. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ عبدالله، المقرب من التنظيم: “بعد أخذ البيعة للبغدادي، حدثت تصدعات كبيرة داخل التنظيم. فالكثير منهم يعتقد أن الولاء يجب أن يكون للقاعدة، وتصفية أبو عبد الرحمن تندرج في هذا السياق، وإلا فعدم مبايعة البغدادي لا يبرر قتل أبو عبد الرحمن، المسألة صراع قوى داخل التنظيم لا غير”.
كما أعدم تنظيم الدولة، أبو عبيدة المغربي أمير الأمنيين بالباب، بتهمة العمالة للمخابرات البريطانية، وأبو عبد الله الكويتي شرعي دير الزور، بتهمة العمالة للمخابرات الأميركية. إعدام هذين الرجلين، أخطر من إعدام المصري، لأن ذلك يوحي بالاختراقات الكبيرة الموجودة داخل التنظيم وعلى مستوى عال، ومن أجهزة مختلفة. وهنا يقول مقاتل سابق بالجيش الحر: “إذا استطاع الغرب تجنيد شخصيات بهذا المستوى، أمراء في صفوف التنظيم، فذلك دليل على أن تنظيم الدولة من صنع المخابرات الدولية، وقد تم تطويره لأهداف معينة تريدها هذه الدول”. ويرى الشرعي في تنظيم الدولة أبو قتادة الأنصاري، أنّ ذلك لا يعيب الدولة الإسلامية بل يصب في صالحها فمن “الطبيعي أن تعمل قوى الكفر على تدمير الدولة الإسلامية من الداخل، وقد عانت الدولة الإسلامية الأولى زمن النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء، وهم موجودون في كل المجتمعات والعصور، وكشفهم دليل على نقاء الدولة الإسلامية عموماً، وعلى قدرتها على كشف أعدائها وأنها تسير بالخط السليم”.
ويذكر أنّ جل المتهمين بالخيانة والعمالة للغرب، هم من شديدي التطرف، فكل من الرجلين؛ أبو عبيدة، أبو عبد الله الكويتي، له كثير من الممارسات التي تدل على تشدده وتطرفه. إذ عرف عن أبي عبيدة، كرهه الشديد للثوار ولا سيما القادة، وتواترت المعلومات عن دوره بقتل القيادي في حركة أحرار الشام، أبو خالد السوري. كما كان لأبي عبد الله الكويتي يد سوداء بقتل أبناء عشيرة الشعيطات، ويتهمه آخرون بمحاولة اغتيال أبو عمر البغدادي والي دير الزور. وهنا يقول الأستاذ عبدالله: “أستبعد أن تكون التهم الموجهة للرجلين بالخيانة صحيحة، وربما تندرج في إطار الصراع الداخلي الذي يشهده التنظيم، فهناك تيارات وأقطاب فكرية تتصارع في ما بينها”. ويستدرك “لكن ذلك لا يعني أن التنظيم غير مخترق، فالاختراقات كثيرة وكبيرة، لكن السؤال لماذا يتم الحديث عن هذه الخيانات بعد إعلان الخلافة، وفي وقت تخوض فيه الدولة الإسلامية أشرس المعارك”.
ويرى قسم من المراقبين، أن هذه القيادات التي تمّ إعدامها، لعبت دوراً بارزاً في إشعال الفتنة وتأجيجها بين الكتائب الإسلامية وجبهة النصرة من جهة، وبين تنظيم الدولة من جهة أخرى. مما يعزز الرأي القائل بعمالتهم للمخابرات الغربية التي ترغب بقيام الفصائل بتصفية بعضها على الأرض السورية، واغتيال أبو خالد السوري وقناص الدبابات وغيرهم يندرج في هذا السياق.
ويُعتقد بأن ما يكشف من عمليات الإعدام هو غيض من فيض، فهناك إعدامات بتهم السلب والنهب وقطع الطرق والسرقة، عدا اتهامات الاختراقات ذات المستوى الرفيع في قيادات الصف الثاني لتنظيم الدولة، ولا سيما من قبل المخابرات السورية. فالكثير من هذه القيادات هم من البعثيين السابقين، أصحاب العلاقات الوطيدة بالنظام السوري، ولا سيما أثناء الاحتلال الأميركي للعراق. ويقول ضابط سابق في الجيش السوري: “تمكنت المخابرات السورية من اختراق التنظيم قبل الأحداث الجارية بسوريا، وقد اعترف رئيس الاستخبارات السورية علي مملوك، بذلك قبل الثورة للأميركيين كما نشر في تسريبات ويكيلكس. وهناك كثير من المؤشرات أثناء الثورة السورية تدل على هذه الاختراقات،و منها تهريب ضباط كبار بالأمن العسكري من مدينة الرقة، إضافة لأعمال كثيرة.”
يبقى أن السبب الحقيقي وراء قتل التنظيم لعدد من أمرائه وقادته، أمر غامض، فالسرية التي يحيط به التنظيم نفسه، تجعل كل الاحتمالات مفتوحة، دون إمكانية استبعاد أي منها بشكل مطلق. وستكشف الأيام القادمة حقيقة هذه الإعدامات، وربما تزيدها غموضاً.
المدن
بلاد “داعش” بميثاق شرف صحافي
لا يكاد يمرّ يوم واحد من دون أن تحذّر المنظمات الدولية من خطورة العمل الصحافي في سورية، خصوصاً مع فرض”تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، سيطرته على عدد من المناطق في البلاد. لكن ما كشفه موقع “سيريا ديبلي” أنه سلّط الضوء على جانب آخر من العمل الصحافي في المناطق التي يسيطر عليها “داعش”.
إذ نشر الموقع 11 قاعدة وضعها “داعش” في دير الزور، ويجب على الصحافيين الراغبين بالعمل في المدينة الالتزام بها. فمع دخول المنطقة، عقد التنظيم اجتماعاً موسّعاً لكل الصحافيين العاملين في دير الزور، وأبلغهم بقواعد العمل. من رضي بهذه الشروط تابع عمله، ومن لم تعجبه، اضطرّ إلى مغادرة المدينة.
القاعدة الأولى هي إعلان الولاء التام للخليفة أبو بكر البغدادي. القاعدة الثانية والأهم هي أن كل عمل صحافي، يتمّ تحت إشراف المكتب الإعلامي لـ”داعش”. الثالثة تسمح للصحافيين بالعمل مع وكالات الأنباء العالمية (رويترز، اسوشييتد برس، فرانس برس…) لكن يمنع منعاً باتاً على أيّ صحافي التعاون مع فضائية محلية أو أجنبية. وفي حال حصل تعاون مع أي قناة، بعد موافقة مكتب “داعش” الإعلامي، فإنّ القاعدة الرابعة تمنع مجرّد التفكير بالتعاون مع القنوات الموضوعة على لائحة التنظيم السوداء، “لمحاربتها المسلمين”.
وتمتد “قواعد” العمل الصحافي في دير الزور، حيث تنصّ القاعدة الخامسة على أنه يسمح للصحافي بتغطية النشاطات في المنطقة بمقالات مكتوبة وصور، من دون الرجوع إلى المكتب شرط أنّ تحمل توقيع صاحبها. وإنّ كان هناك تساهلاً مع تغطية النشاطات، فإنّ التقارير والتحقيقات الطويلة لا يمكن أنّ تصل إلى أيّ وسيلة إعلامية قبل حصولها على موافقة المكتب الإعلامي للتنظيم، وفق ما تنص عليه القاعدة السادسة.
أما على مواقع التواصل الاجتماعي فإنّ لداعش أيضاً قواعده. هكذا تعطي القاعدة السابعة للصحافيين حرية إنشاء حسابات على مواقع التواصل، شرط أنّ تُعطى تفاصيلها لمكتب التنظيم الإعلامي، مع هويات أصحابها. القاعدة الثامنة تمنع تصوير أيّ نشاط أو مركز أمني أو عسكري لـ”داعش”. أما القاعدة التاسعة فهي القاعدة الأولى التي تحمل تهديداً واضحاً إذ تنص على أنّ “التنظيم سيراقب كل الإنتاج الإعلامي، وعند أيّ اعتراض فإنّ الصحافي أو المصور سيوقف عن العمل، وسيعتبر مسؤولاً عن خطئه”.
القاعدة العاشرة هي الأخطر، إذ تعلن أنّ “هذه القواعد غير نهائية ويمكن أنّ تخضع لتعديلات حسب الظروف ودرجة التعاون بين الصحافيين وإخوتهم في تنظيم الدولة الإسلامية”، كما تقول القاعدة نفسها.
أما القاعدة الأخيرة فتنظيمية إذ تفرض على الصحافي تقديم طلب للحصول على رخصة مزاولة المهنة في دير الزور، ولا يمكن بدأ العمل الصحافي قبل الحصول على هذه الرخصة.
ونتيجة هذه القواعد، غادر قسم كبير من الصحافيين دير الزور، فيما فضّل آخرون البقاء لتصوير يوميات المنطقة، وهم ملتزمون بهذه القواعد، التي كشف عنها صحافيون غادروا دير الزور بعد هذا الاجتماع. ويتحدّث هؤلاء عن ضغوطات تمارس على الأرض تحديداً ضدّ الناشطين الإعلاميين لدفعهم إلى مغادرة ديرالزور.
العربي الجديد
كيف تريدين أن تموتي؟ يوميات صحافية مختطفة
كل ما في الصحافية الشابة يوحي بكونها إيطالية، بشرتها المتوسطية، لون ثوبها الأسود الذي يتكرر في صورها، ولغتها الأم التي تترك أثرها على إنجليزيتها. فقط جواز سفرها هو الذي كشف عن اسم عائلتها السوري لخاطفيها قبل عام ونصف، لتبدأ رحلة القلق أحد عشر يوما صادقت خلالها زوجة تونسية لأحد الخاطفين.
وصلت سوزان دبوس برفقة ثلاثة صحافيين إيطاليين عبر الحدود التركية إلى قرية الغسانية شمال سورية أوائل أبريل/نيسان 2013 لتصوير آثار الدمار الذي طال الكنائس بعد قتال بين قوات المعارضة وقوات النظام، انسحبت فيه الأخيرة من المكان. كان التصوير لصالح تلفزيون “راي” الإيطالي الذي عملت معه سوزان من مكتب بيروت. ولم يرق للمجموعة المسلحة زيارة مجموعة إعلامية أجنبية تريد “التلصص” عليهم، ولم يرق لهم أن الشابة ذات الأب السوري، ليست متدينة كما يجب أن تكون عليه المرأة من وجهة نظرهم. لحظات صعبة وجدت فيها نفسها في وضع مفارق يكشف الصراع بين ثقافتين، ثقافة الحياة وثقافة الموت، أو (ما يسمونه الاستشهاد). وقررت سوزان أن تعيش تلك الأيام بالحيلة.
في اليوم الرابع دخلت عليها امرأة، وسألتها عما تفعله في هذا المكان الخطر؟ فردت عليها “هذا بلدي، وهنا تعيش عائلة أبي، ما الذي تفعلينه أنت هنا؟ كانت الشابة التونسية هي المرأة الوحيدة في القرية الجبلية التي هجرها سكانها. عرّفت نفسها بأنها “مريم”، زوجة أحد المقاتلين. ولأن اللهجة التونسية غير مفهومة لسوزان، راحت الاثنتان تتواصلان باللغة الفرنسية وتتقاسمان العمل في المطبخ. ارتدت سوزان عباءة تغطيها من رأسها حتى أخمص قدميها، ولم تعد تعرف ماذا حل ببقية زملائها الصحافيين الذين أخذوا إلى مكان آخر.
تقول دبوس التي كتبت عن تلك التجربة في كتاب لها بالإيطالية وبنسخة إلكترونية بالإنجليزية عنوانه: كيف تريدين أن تموتي؟ “ربما لن نعرف أبدا تفاصيل المفاوضات التي تدخلت فيها عدة أطراف وساعدت على إطلاق سراحنا”، لكنها علمت عن تمسك الخاطفين بها كونها من أصول سورية، ورفض الإيطاليين للفكرة، ولا تزال تتذكر مشاعر الخوف والقلق التي اجتاحتها ودفعتها لإثبات إسلامها، لمقاتلين يتراوح عددهم بين 50 و70 يسيطرون على البلدة، بدءاً من قراءة القرآن والاستيقاط المبكر للصلاة.
في لقاء دبوس مع جمهور حضر إلى الجمعية الملكية للأبحاث (تشاتام هاوس) في لندن، للترويج للكتاب في نسخته الإنجليزية، بدا واضحا أن عدة أسئلة ركزت على نمطية النظرة إلى الإسلام والكتائب الإسلامية، فقد سئلت عن القلق من احتمال تعرّضها للاغتصاب من قبل المقاتلين، وعما إذا كانت الغاية من خطف الفريق الصحافي الحصول على المال، لكنها نفت الفكرتين بحزم، “ليس مع هذه المجموعة أبدا”.
دفعت فترة الخطف سوزان إلى مواجهة ثقافتها الأصلية، والمقارنة بين إسلام متسامح عايشته بين أفراد عائلة أبيها، وبين أيديولوجيا تمجد الموت.
هل ستعودين إلى سورية لتغطية الأحداث مرة أخرى لو أتيحت لك الفرصة؟ تنفي الفكرة. وبحركة عفوية تضع يدها على بطنها من فوق الثوب الأسود، لتعلن “لست وأنا حامل على الأقل”، مضيفة أن عملها هي وزوجها بات الآن في مكتب بالقدس، ولم يعد في بيروت كما كان قبل سنتين.
العربي الجديد