مقالات تناولت “داعش”
“داعش” يحاصر تَرِكة أوباما وقد يعيد المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض/ جويس كرم
كان مفترضاً أن يكون العام ٢٠١٥ أميركياً، عام الإنجازات الديبلوماسية وإنهاء حال العداء الدائم مع إيران وكوبا بالرهان على الاتفاق النووي والانفتاح التجاري معهما. ورغم إنجاز هذه الاتفاقات، هيمن صعود تنظيم «داعش» وتهديده الغرب، من باريس إلى كاليفورنيا، على رصيد الرئيس باراك أوباما، مهدداً بتقويض ترِكته السياسية واحتمال إعادة المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض عام 2016.
«داعش» الذي وصفه أوباما بأنه مثل فريق «جاي في»، أي الهواة في رياضة كرة السلة، يطارد شبحه الإدارة الأميركية ويُظهر حجم التصدّعات في عقيدة الرئيس الأميركي الخارجية، فمن الانسحاب المبكر من العراق، إلى تجاهل الحريق السوري، فتحت سياسات أوباما -كما يقول منتقدوه- الباب لـ «داعش» على مصراعيه للتمدُّد بين الموصل وتدمر.
عقيدة أوباما والواقع
وصول أوباما إلى البيت الأبيض عام ٢٠٠٨ كان في جزء منه رداً عكسياً على سياسات سلفه جورج دبليو بوش الذي خاض حربي أفغانستان والعراق، وضاعف العجز المادي، وأضر بموقع أميركا دولياً. واعتمد صعود أوباما على نبرة انقلابية ضد بوش، بإعطاء أولوية للانسحاب من العراق، والتواصل مع إيران التي كانت في «محور الشر» سابقاً، وإنعاش عملية السلام. وكان هدف كل ذلك أن يبدو أوباما رئيساً «تحوُّلياً» على الساحة الدولية، كما كان رونالد ريغان وقبله جون كينيدي.
سريعاً اصطدم أوباما بواقع شرق أوسطي معقّد أفشل خطط عملية السلام، وإغلاق غوانتانامو، وأبقى على المفاوضات مع إيران وسرّع الانسحاب من العراق، وبقي على مسافة من سورية. ويعزو المراقبون هذه السياسات إلى عودة «داعش» من باب التهميش في العراق والفوضى السورية، وبسبب تراجع القيادة الأميركية في المنطقة كما تقول نائب رئيس الدراسات الخارجية في معهد «أميركان إنتربرايز» دانيال بليتكا لـ «الحياة». وتعتبر بليتكا أن الرئيس الأميركي المقبل وبصرف النظر عن اسمه وحزبه «سيواجه عواقب الاتفاق الإيراني المدمّرة والفشل في إدارة الملف السوري، وصعود تنظيم داعش وازدياد قوته».
وترى بليتكا أن الواقع الذي سيتركه أوباما لخَلَفه هو «كابوس حقيقي»، وتشدد على أن التغيير الجذري في السياسة الأميركية لا مفرّ منه، سواء كان الرئيس المقبل الجمهوري ماركو روبيو أو دونالد ترامب، أو الديموقراطية هيلاري كلينتون.
فالرهان على أن الاتفاق النووي الإيراني سيقوّي المعتدلين، ويفتح أفق التعاون بين واشنطن وطهران، بعد مصافحة فيينا في تموز (يوليو) الفائت، سقط أيضاً هذه السنة، فمن اعتقال أربعة مواطنين أميركيين إلى الدخول مع روسيا في التصعيد العسكري في سورية إلى عرقلة الاستراتيجيا في بغداد، لم يأتِ الاتفاق النووي بـ «بداية جديدة» مع إيران، ولم ينهِ التجاذب الإقليمي، فالمعتدلان اللذان تراهن عليهما واشنطن، الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، لا يمتلكان مفاتيح القرار، كما يقول مسؤول أميركي لـ «الحياة»، وفي ملفات إقليمية أبعد من الاتفاق النووي.
هذا يعني أن الإنجاز النووي مع إيران هو بالدرجة الأولى تقني واقتصادي، يتيح إمكان فتح باب ضيق للاستثمارات في ضوء استمرار العقوبات غير النووية، ومصيره غير محسوم بعد عشر سنين. أما الزيارات المتبادلة والإفراج عن الرهائن فغير وارد في القاموس الإيراني- الأميركي، وأيديولوجيا الثورة في ١٩٧٩ برهنت أنها أقوى من رسائل أوباما إلى مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي.
وتبدو حظوظ أوباما بزيارة هافانا أعلى بكثير مما قد تأتي به طهران أو فرص إغلاق معتقل غوانتانامو. فكوبا فيدل وراؤول كاسترو تحركت بسرعة لكسر الجمود في العلاقة هذه السنة، وذلك عبر فتح السفارات ومن ثم استئناف حركة البريد والطيران بين الجزيرة الشيوعية وأميركا الرأسمالية. وقد تتوّج هذه الخطوات بزيارة تاريخية لأوباما إلى هافانا العام المقبل، بعد ستة عقود من القطيعة الديبلوماسية والاقتصادية بين البلدين.
صعود «داعش»
جاءت الانتكاسة الأكبر لإدارة أوباما في 2015 من عدو قلّل من أهميته البيت الأبيض قبل عامين، وهو غير مستعد لتبني استراتيجيا عسكرية قادرة على هزيمة «داعش» بدل احتوائه. فهذا العام ورغم أكلاف الضربات الجوية، توسع «داعش» في الرمادي وريف حلب وتدمر، ورسخ قبضته في الموصل والرقة.
الفشل في احتواء «داعش» اتضح من خلال اعتداءات باريس في ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر)، ثم في اعتداء سان برناردينو في ٢ كانون الأول (ديسمبر) الجاري. هاتان المحطتان رسّختا القناعة الأميركية خارج الإدارة بأن الاستراتيجيا الحالية غير كافية، وبأن الاحتواء الذي يعتمده أوباما فشل في حماية الأمن القومي الأميركي، كون اعتداء كاليفورنيا هو الأكبر إرهابياً منذ ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١. ويقول مسؤول ديموقراطي سابق على تواصل مع البيت الأبيض، إن فريق أوباما متمسك بصواب نهجه، ولا يريد تصعيداً بإرسال قوات أميركية تقاتل ضد «داعش» أو إنشاء مناطق حظر جوي قد تقود إلى مواجهة مع روسيا في سورية.
وساهمت الاعتداءات الأخيرة واللهجة الانتخابية في أميركا المنتقدة بشدة لأوباما، في تهاوي ثقة الأميركيين بجهوده ضد «داعش»، إذ أبدى ٣٤ في المئة فقط اقتناعهم بأن هذه الاستراتيجيا ستنجح، فيما ارتفعت المخاوف من عمل إرهابي الى أعلى نسبة في أميركا منذ ١١ أيلول (سبتمبر ) 2001، وبلغت ٧٩ في المئة (استطلاع «نيويورك تايمز»). مع ذلك، من غير المتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة تحوُّلاً في سياسة أوباما التي تبقى محصورة بالضربات الجوية، وتحسين التعاون الاستخباراتي مع الحلفاء من دون التصعيد براً، رغم انهيار برنامج تجهيز قوات للمعارضة سورية، وفشل بغداد في تسليح العشائر وتأهيل قوة سنّية ضد «داعش».
المحافظون الجدد
انتكاسات إدارة أوباما في الخارج تثير قلقاً في معسكر هيلاري كلينتون الانتخابي، فوزيرة الخارجية السابقة غير قادرة على إعلان طلاق كامل مع رصيد أوباما الذي كانت جزءاً منه لأربع سنوات، وهي تحاول اليوم البقاء على مسافة، بتأييد الخطوط العريضة والتمايز بالتكتيكات واللهجة.
تؤيد كلينتون الاتفاق النووي الإيراني لكنها تنتقد «أذرع إيران في كل النزاعات الإقليمية» وبينها اليمن، كما قالت في خطاب أمام مجلس العلاقات الخارجية. وتؤيد السيدة الأولى السابقة محادثات فيينا الخاصة بسورية، إنما تدعو لإنشاء منطقة حظر جوي والتصدي لروسيا. ويقول مستشار في حملتها لـ «الحياة»، إن كلينتون ستُصعِّد في خطابها بعد تجاوز الانتخابات التمهيدية ونيل ترشيح الحزب الديموقراطي في الربيع المقبل، من دون التفريط بعلاقتها مع أوباما الذي ستحتاج إلى دعمه الانتخابي، وحشده أصوات الليبراليين والأقليات.
وساهمت تعثُّرات أوباما في إعطاء الاندفاعة الأكبر للمحافظين الجدد منذ مغادرة بوش الابن الحكم. إذ عادت اللهجة المتشددة إلى حملات المرشحين الجمهوريين روبيو وتيد كروز ودونالد ترامب، الذين تعهّدوا إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، والتصعيد جواً وبراً ضد «داعش». كما تبرز أسماء من حقبة بوش، بينها بول وولفوفيتز وستيفن هادلي في الحملات الرئاسية للجمهوريين. وفيما يستبعد الخبير الجمهوري من معهد «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية» جوناثان شانزر، العودة إلى سياسات بوش، يقول لـ «الحياة» إن الحزب الجمهوري «أكثر حذراً وأقل أيديولوجية عما كان عليه أيام بوش عام 2000». ولا يرى أن هناك قابلية كبيرة لدى الرأي العام الأميركي لخوض حروب في المنطقة.
في الوقت ذاته يُجمع الخبراء على أن تخبُّطات أوباما هذه السنة، من الرهان على إيران، إلى التقليل من خطر «داعش»، ستفرض إعادة التوازن إلى السياسة الخارجية الأميركية بعد خروجه من البيت الأبيض، وستطرح علامات استفهام حول شرعيته الخارجية، بين نجاحات هافانا وخيبات المنطقة.
الحياة
هي الحرب الكونية ضد «داعش»… ولكن/ محمد مشموشي
لم يعد من شك الآن في أن العالم، بتعقيداته وصراعاته وتعدد مصالحه وتنوعها وتناقضها، بات يرى المنطقة التي يسميها «الشرق الأوسط» من زاوية واحدة وربما وحيدة: الإرهاب وتنظيم «داعش» في شكل خاص. لا قضايا شعوب وحرية وعدالة ومساواة وديموقراطية هنا، ولا حتى أنظمة استبداد قروسطية تصادر هذه الحقوق، بل الإرهاب أولاً وقبل كل شيء، بما في ذلك مسؤولية الأنظمة عن استيلاد هذا الصنف من الإرهاب.
وليس خافياً أن تحرك دول العالم أخيراً، من فيينا ثم نيويورك باسم إنهاء الحرب السورية، إلى الصخيرات في المغرب تحت عنوان الأزمة الليبية، إلى سويسرا ثم إثيوبيا لاحقاً من أجل اليمن، يستهدف الحرب على «داعش» وتوحيد الجهود من أجلها أكثر من أي أمر آخر. وإذا كان العنوان في ليبيا معلناً ومحكياً عنه بالاسم، أي تنظيم «داعش» وتمدده على مرمى حجر من أوروبا وفي أفريقيا، فليس مسكوتاً عنه لا في ما يتعلق بالتحرك على صعيد الحرب في سورية أو لجهة الوضع في اليمن أو حتى على مستوى الحرب الأهلية الباردة في العراق.
هي فقط حرب العالم على «داعش»، وربما على أخواته وأقرانه أيضاً، مهما قيل عن مشاريع «حلول» أو «تسويات» لحروب المنطقة الحالية أو لمشكلاتها الإنسانية والسياسية المزمنة.
في هذا السياق، تجوز المجازفة بمحاولة تفسير عدد من «الوقائع» الدولية المستجدة في المنطقة على الشكل التالي:
أولاً، هذه الاندفاعة المتزامنة لـ»الكبار» في العالم كلهم، عظماء وطامعين باللقب ومحايدين وبين بين، بعد خمسة أعوام تقريباً من سقوط دول المنطقة في حروب أهلية وتمزقات وفوضى واحتمالات تفكك، بدعوى البحث عما يسمونه حلولاً أو تسويات لهذه الآفات.
لماذا يحدث ذلك الآن فقط، بعد ما يعرفه الجميع عن رفض إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على مدى الفترة الماضية اتخاذ أي إجراء عملي (منفرد أو جماعي) لا في شأن سورية ولا تجاه ليبيا أو العراق أو اليمن؟… كما بعد التزام دول الاتحاد الأوروبي موقف المتفرج بينما تحترق ليبيا وتتفكك على مسافة أميال قليلة من شواطئها؟ كما بعد صمت روسيا المطبق على تدهور وقرب انهيار وتفكك دولتين حليفتين تاريخياً لها هما سورية والعراق؟
لا يجد المرء جواباً عن السؤال إلا في العمليات الإرهابية التي استهدفت دول العالم خلال الشهور الثلاثة الماضية: إسقاط الطائرة المدنية الروسية في سيناء، التفجير الثلاثي المتزامن في قلب باريس، أعمال القتل في سان فرناندينو وغيرها في الولايات المتحدة، التفجيرات ومحاولات التفجير المتكررة في أكثر من دولة، فضلاً عن التهديدات والشبكات المكتشفة فيها… وكلها يوصل، علناً أو استخبارياً، إلى اسم «داعش» أو ما له من صلة أو ارتباط مباشر به من التنظيمات المماثلة.
ثانياً، اجتماع دول لم يكن متصوراً أن تجتمع على موقف (الولايات المتحدة وروسيا مثلاً) من الحرب في سورية، أو حتى من الأزمة في أوكرانيا وليبيا، تحت شعار واحد في المرحلة الحالية على الأقل هو: محاربة الإرهاب.
عملياً، لا معنى للاتفاق الذي تم التوصُّل إليه بالإجماع في نيويورك في شأن سورية سوى هذا المعنى. ولا كذلك الاتفاق الآخر في الصخيرات حول ليبيا، حتى لا ننسى «الصفقات» التي عقدت حول قضية النازحين السوريين والعراقيين في البلدان الأوروبية، ولا المعركة العراقية- الأميركية- الدولية الدائرة لتحرير مدينة الرمادي تمهيداً للمعركة الأخرى ضد ما يسميه «داعش» عاصمة دولته في الموصل.
هكذا، لم يعد مهماً بالنسبة إلى واشنطن وباريس وبرلين أن يخلو اتفاق نيويورك من أية إشارة إلى مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، ولا كذلك بالنسبة إلى موسكو ما سمته «عملية الغدر» في ليبيا، ولا بالنسبة إلى طهران (حليفة موسكو في سورية والعراق) مصير نظامها المزروع في بغداد أو ميليشياتها في اليمن.
ثالثاً، ذهاب باريس إلى خطوة غير مسبوقة باتجاه التنسيق العسكري مع موسكو، وتسريبها معلومات عن إمكان تدخلها عسكرياً في ليبيا، وما يعنيه الأمران من موافقة أميركية وأوروبية عليهما، بعدما بدا لفترة خلال الشهرين الماضيين أن الغرب كله، وليس فرنسا وحدها، لا يدع مناسبة إلا وينتقد فيها العملية الروسية في سورية ويعتبرها موجهة ضده وضد مصالحه في المنطقة.
في الوقت ذاته، كان يخرج إلى العلن عرض روسيا بيع الجيش الأفغاني (الأميركي، وفق توصيف موسكو) ما يحتاجه من أسلحة، كما نبأ عودة وحدة من القوات المسلحة البريطانية إلى كابول أخيراً بعد انسحابها منها قبل أعوام.
هل هي مصادفة أن يحصل ذلك، بين باريس وموسكو من ناحية، وبين موسكو وكابول من ناحية ثانية، وبين لندن وواشنطن وكابول من ناحية ثالثة؟ يصعب قول ذلك، لا سيما في ظل ما بات معلناً أنه «اتفاق» دولي لشن حرب شاملة (حتى نهاية «داعش» كما قال أوباما) ضد الإرهاب وضد هذا التنظيم تحديداً في المنطقة وفي العالم.
ربما كان الثابت الوحيد الآن هو هذه الحرب الكونية على «داعش»، ومن أجلها السكوت (أو أقله عدم الكلام موقتاً) على نقاط الخلاف والاختلاف الأخرى حول القضايا المفتوحة في المنطقة وفي العالم.
لكن الثابت في السياسات الدولية أيضاً، أنه عندما يُفتح البازار لا يمكن التنبؤ بما قد ينتهي إليه.
ولعلها هذه هي اللحظة الراهنة هنا وفي أكثر من بقعة في العالم… من أوكرانيا إلى سورية إلى ليبيا… إلى العراق واليمن وحتى إلى أفغانستان.
الحياة
«سوريا»: خلافات المصالح تقوّض جهود الحرب ضد «الدولة الإسلامية»
ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد
لا يبدو أن هناك حد في الأفق للصراع السوري، ويستمر استدراج المزيد من الدول إلى أتون المعركة. استجابة للضغوط الأمريكية، وحرصا منها على اكتساب المزيد من التأثير على اتجاه الحرب الأهلية السورية، فإن المملكة العربية السعودية تحاول تنسيق نشر قوات على الأرض في سوريا إلى جانب حلفائها.
أعلن نائب ولي العهد السعودي ووزير الدفاع «محمد بن سلمان» عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي خلال مؤتمر مفاجأة صحفي في الساعات الأولى من صباح 15 ديسمبر/كانون الأول في الرياض. يتكون التحالف من 34 دولة، ويسعى لتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب ضد جماعات مثل «الدولة الإسلامية». في وقت لاحق من ذلك اليوم، قال وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» إن نشر القوات البرية، وخاصة قوات العمليات الخاصة، لمحاربة «الدولة الإسلامية» ما زال ممكنا. هذه التصريحات في أعقاب بيان 30 نوفمبر/تشرين الأول من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قالت إنها على استعداد للمشاركة في أي جهد دولي يتضمن تدخل بري لمكافحة الإرهاب.
العديد من الدول الأخرى، وأبرزها، الولايات المتحدة وتركيا، تريد أن ترى انتشارا للقوات العربية في سوريا. مدفوعا بالانتقادات بسبب وجود تقدم في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن البيت الأبيض يبدو حريصا على إدخال المزيد من القوات في المنطقة. ودعت الولايات المتحدة بالفعل حلفاءها في حلف الناتو بما في ذلك إيطاليا وألمانيا، إلى تكثيف مساهماتهم في المعركة. ومع ذلك، فإن وزارة الدفاع الأمريكية حريصة خصوصا أن ترى المزيد من المشاركة الإقليمية، لاسيما في مجال القوات البرية، نظرا لأنها تحاول تجنب المزيد من التورط في الحروب البرية المحفوفة بالمخاطر في الشرق الأوسط.
بالنسبة لأنقرة، فإن إضافة قوات عربية إلى المزيج سوف يكون تطورا مرحبا به نظرا لأنهم سيسهم في إضفاء الشرعية على تدخل تركيا في سوريا في عيون جيرانها العرب الذين يتهمونها بالسعي إلى هيمنة عثمانية جديدة في المنطقة. الأتراك قلقون بشدة من تعزيز التواجد الروسي والإيراني في سوريا وبالتالي يسعون إلى ضمان غطاء أوسع لأي توسيع محتمل للعمليات في سوريا.
انقسام القوى
ومع ذلك، عندما تصبح الدول العربية أكثر انخراطا في الحرب الأهلية السورية، فإنها يمكن أن تقوض أي محاولة لتشكيل جبهة موحدة ضد «الدولة الإسلامية» في سوريا. هذا هو ربما أحد الأسباب لكون التحالف الإسلامي قد أعلن عنه بعيدا عن الولايات المتحدة. وقد نفى المسؤولون في ماليزيا وأندونسيا وباكستان قبولهم دعوة للانضمام إلى التحالف. بالإضافة إلى ذلك، تحمل قائمة عضوية التحالف بعض الأخطاء الفاضحة، بما في ذلك غياب بعض الدول الإسلامية الكبرى مثل إيران.
الحرب المستعرة بين الحكومة السورية والمعارضة تقوض باستمرار الجهود العالمية في مواجهة «الدولة الإسلامية»، وغالبا ما تحل محل القتال ضد «الدولة الإسلامية» من حيث استنفاذ الجهود والدعم من الفاعلين الرئيسيين على الطرفين. وقد توجت هذه الانقسامات في مواجهة متوترة في شمال حلب، حيث منع الانتشار الروسي الكثيف بشكل فعال العملية التركية الأمريكية المزمعة ضد «الدولة الإسلامية» في ممر عزاز. وعلاوة على ذلك دعمت إيران تحذير دمشق من أي تدخل عسكري في سوريا يتم بدون تنسيق أو دعوة مباشرة من الحكومة السورية. بالنسبة إلى طهران، فإن وجود القوات السعودية على أرض الواقع في سوريا سيكون مقلقا لها بشكل خاص. وبالنظر إلى أن إيران هي مساهم فعلي بالقوات في الصراع في طرف الحكومة السورية، فإن خطر الاصطدام مع القوات السعودية والقوات الحليفة لها سوف يكون مرتفعا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القتال بين الأتراك ووحدات حماية الشعب الكردي عبر الحدود في سوريا يقوض بدوره آفاق الجهود المشتركة ضد «الدولة الإسلامية». إلى الشرق من نهر الفرات في سوريا، حيث نشرت الولايات المتحدة مؤخرا نحو 50 من قوات العمليات الخاصة لمساعدة القوى الديمقراطية السورية في سعيها نحو الرقة، فإن نشر المزيد من القوات العربية داخل صفوف هذه القوى بإمكانه أن يثير شكوك الأكراد. هذا ينطبق بشكل خاص نظرا للصراع المزعوم مؤخرا بين العرب والأكراد حول بلدات شمال سوريا الرئيسية مثل تل أبيض.
وهناك أيضا مسألة ما إذا كان السعوديون وشركاؤهم من دول مجلس التعاون الخليجي سوف يكونون قادرين على جمع قوة كبيرة للانتشار في سوريا. السعوديون وحلفاؤهم بالفعل متورطون الآن في الحرب في اليمن وعلى الرغم من أنهم سوف يتجهون إلى نشر أعداد أقل من قواتهم البرية، فإنهم سوف يتوجهون إلى بطبيعة الحال إلى الحلفاء العرب الرئيسيين الآخرين لتقديم الدعم. مصر والأردن في مقدمة المرشحين: مصر بسبب جيشها الكبير والقوي، والأردن بسبب موقعها الجغرافي وقواتها جيدة التدريب. في الواقع، فقد أجرت كل من مصر والأردن تدريبا عسكريا مشتركا في 18 ديسمبر/كانون الثاني من أجل إظهار استعدادهما للمشاركة في أي بعثة مشتركة لدعم الاستقرار والأمن في المنطقة. كلا الدولتين تتلقيان مساعدات اقتصادية ومالية وافرة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وهم حريصون على الحفاظ على تلك العلاقات المربحة.
ومع ذلك، فإنه نظرا لأن الحكومة في مصر تواجه تمردا محليا وعداء مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد جاء موقف مصر مساندا للحكومة السورية في حربها ضد المتمردين، وهو الموقف الذي زاد من توتر علاقاتها مع تركيا. تتطلع مصر أيضا على نحو متزايد لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مع روسيا، وهي قوة أخرى لديها تحفظات على أي عمليات عسكرية تنفذ في سوريا من دون التنسيق مع دمشق. على سبيل المثال، فقد علمت «ستراتفور» أن المصريين حريصون على تجنب أي دور في سوريا يمكن أن يؤدي إلى حل تفاوضي يتضمن دمج المتمردين المعتدلين مع القوات الموالية السورية.
السعوديون يعملون بجد لتغيير هذه الظروف ومواءمة موقف مصر مع بلادهم. من خلال مجلس التنسيق المصري السعودي، فإن السعوديون قد وثقوا علاقاتهم مع مصر من خلال عدد من المشروعات الاقتصادية ويتطلعون لإصلاح العلاقات المصرية التركية من خلال اجتماع مشترك للدول الثلاث في 5 يناير/كانون الثاني الماضي.
الأردن، من ناحية أخرى، عملت بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية وقطر والولايات المتحدة في جهودهم الرامية إلى دعم الثوار في سوريا، وخاصة متمردي الجيش السوري الحر في الجبهة الجنوبية. ومع ذلك، فقد كان الأردنيون حذرين في دعمهم للمتمردين بسبب مخاوف عمان من أي انهيار مفاجيء ومزعزع للاستقرار للحكومة السورية وهو ما قد يعطي القوى المتطرفة فرص للعمل خارج الفوضى.
ولا تزال أهداف ومصالح الأطراف الإقليمية والعالمية المختلفة تلعب بعنف في الحرب الأهلية السورية، وبينما تبدو هناك المزيد من الدول على استعداد لزيادة مساهماتها ضد خطر «الدولة الإسلامية»، فسوف تستمر مواقفها المتباينة في تقويض أي جهود أوسع نطاقا. يتركز اهتمام أطراف الصراع على مصالحهم في المقام الأول، كذا فإن التركيز الكبير من المتمردين والحكومة السورية لا يزال على بعضهم البعض، وليس على «الدولة الإسلامية». ولا تزال معظم الضربات الجوية الروسية موجهة لضرب الجماعات المتمردة الأخرى أكثر من تركيزها على الدولة الإسلامية. وتوجه العمليات القتالية الرئيسية في تركيا حاليا ضد حزب العمال الكردستاني، والعمليات الرئيسية لإيران جنوب حلب موجهة ضد وحدات من الجيش السوري الحر ومجموعات أحرار الشام وجبهة النصرة. في ضوء ذلك، على الرغم من أي قوة إضافية تشارك ضد «الدولة الإسلامية» يمكن أن تزيد من الضغوط عليها، فإن الخطر الأكبر ضد المجموعة المتطرفة يتمثل في التفاوض الفعال على طريق لإنهاء الحرب الأهلية السورية ولكن من غير المحتمل أن يكون الأمر كذلك في الوقت الراهن.
ستراتفور