صفحات العالم

لماذا “يدافع” ميشال كيلو عن “جبهة النصرة”؟

 

ديانا سكيني

للوهلة الأولى يبدو خبر مشاركة سياسي مدني عريق كميشال كيلو في إطلاق هيئة “سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية”، محيّراً بعض الشيء. الحيرة تتأتى من إقرار رموز علمانية بخصوصية الواقع الطائفي الذي افرزته وقائع واحداث عامين من محاولة شرائح كبيرة من السوريين كسر طوق الاستبداد.

كيلو يبدو حاسماً في قوله بأن المشاركة في هيئة ذات صبغة طائفية لا تعني تمرد العلماني على أدبياته التي بقيت حتى حين ترفض الاقرار بالواقع الطائفي الخارج الى العلن.

يقول كيلو لـ”النهار” أنه يشارك في الهيئة انطلاقا من اقتناعاته المدنية، وانه ليس جزءا من مصالح طائفة لكي يوصف بالطائفي. يضيف بأنه “ينظر الى الطائفة كجزء من الشعب، ولذا فان هدف الهيئة يكمن في العمل على كسر حدة الطائفية، وردم الهوة بين المسيحيين وبقية الشعب في ما خصّ النظرة الى الثورة ومستقبل سوريا”. وفي الموازاة، تهدف الهيئة للعمل على حماية القرى المسيحية وتأمين صمود سكانها من خلال مدهم بالمساعدات. اما التمويل فيقول كيلو انه “من رجال اعمال اعضاء في الهيئة”.

بعد تكرار المحطات التي اكدت فيها كنائس مشرقية موقفها من الاحداث، وبعد المشهد الاحتفائي “السياسي” في قداس دمشق، قد لا تبدو مهمة كيلو سهلة، فكيف سيقنع المسيحيين الذين يرون ان الفاعلية العسكرية على الارض في مقلب الثورة هي بيد من اقام اليوم محاكمه الاسلامية؟

يجيب كيلو: “نقول للمسيحيين ان المجتمع السوري مقبل على نهاية الاستبداد الذي همشهم وخوفهم ووضعهم في مواجهة مع شرائح من مجتمعهم، لذا فان خروجهم من الاصطفاف مع النظام هو في صالحهم، وانقاذ لوجودهم، وهو اهم من محاكم جبهة النصرة”.

لكن هل يكفي خطاب في مقابل ما يشاهده المسيحيون من ممارسات “الجبهة” التي تعيدهم في الاذهان الى عهود الذمية، وما يسمعونه من خطاب الغاء للآخر؟ هنا يبدو كيلو واضحا في رفض ما يسميه بالخطاب التهويلي السائد تجاه “جبهة النصرة” دون ان يقلل من وقع ادانته لاعمال وصفها بالاجرامية كأحكام الاعدام الميدانية. لكن عضو المنبر الديموقراطي يرى ان معظم الذين يتحدثون عن “الجبهة” لا يدركون فعليا عمن يتحدثون، ويسود لديهم خلط بين فصائل مسلحة اسلامية كثيرة متواجدة على الارض، فـ”ليس كل اسلامي جبهة نصرة”. يخبرنا ما دار في منطقة رأس العين، حيث رعى  كيلو مصالحة بين الأكراد والمعارضين المسلحين، فيقول أنه حين ارادت “الجبهة” تأسيس مجلس شورى، “جاء ناشط يعترض بأنه “لا يجوز ان تحكموا على اهل الكتاب بما لا يرضون”، فكان ان وُسِّع مجلس الشورى ليضم ثلاثة شيوخ وكاهناً”. وخاض كيلو في انطاكية تجربة حوارية مع الجبهة حين التقى بالشيخ ابو عبد الرحمن السوري مسؤول المحاكم الشرعية في حلب (عدد المحاكم 26)، وهو سلفي علمي لا ينتمي تنظيميا الى الجبهة لكن مهمته تحظى بغطائها. فماذا دار بينهما؟ يروي كيلو: “جاء ابو عبد الرحمن من حلب لمقابلتنا، وناقشنا معه خلال 4 ساعات مسائل سياسية ودينية، وأخبرنا ان للمسيحيين وضعا خاصا بحيث لا يخضعون الى المحاكم في الاحوال الشخصية، بل في الاحوال العامة، حيث تتقاطع الاحكام التي تطبقها هذه المحاكم اليوم غالبا مع القانون السوري”. يتابع: “لم يخف الشيخ ان هدفهم اقامة دولة اسلامية، وقال لنا: لكم منا عهد ان يكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وقال أنه على استعداد لتوقيع عهد بذلك وانه يوافق على اجراء انتخابات وانه ليس ضد اهل الكتاب الذين اوصى الرسول بهم”. نسأل كيلو بماذا اجاب الشيخ وما اذا كان اقتنع بحديثه؟ يجيب: “انا ديموقراطي، اعمل من اجل قيام سوريا ديموقراطية مدنية، لا يمكنني أن انكر على غيري ان يملك نظرته السياسية الخاصة بسوريا، هناك من يقول انه يريد سوريا مدنية، وهناك من يقول انه يريد سوريا اسلامية، حق الاختلاف السياسي هو المبدأ “.

بالتأكيد تفتح مواقف كيلو سجالاً كبيراً حول ما يراه البعض تسليماً مبكراً من قوى مدنية وبحثاً عن سبل التعايش مع أمر واقع إسلامي سياسي بدأ يتكرس في حيز من الواقع وهو يتطلع الى التمدد في المستقبل. الحديث مع كيلو لا يترك شكاً حول اقتناعه بأن “كثيرين ممن يرتدون ربطات العنق في الائتلاف الوطني والمجلس الوطني وغيرهما من أطر المعارضة اسوأ بكثير من جبهة النصرة”. واذا كان التصنيف بين اسوأ وأفضل يخضع لمعايير تعثر الادارة السياسية والالتهاء بالخلافات والحسابات الشخصية بين المعارضين، فان للارض معيارها الوحيد للمفاضلة، وهو ذاك الذي تحكمه لغة النار… وهنا تبدو الجذوة لجبهة النصرة واخواتها في منازلة النظام عسكرياً…  ومعها كل مفاهيمها الخاصة للتغيير وقدرتها المبكرة على ارساء امر واقع… قد يجد بعض الراغبين بالخروج من إطار “معارضة الفنادق والمؤتمرات” ضرورة محاورته.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى