مقالات تناولت دور حزب الله في سورية
الأسد ونصر الله.. المصدر واحد/ طارق الحميد
ليس مفارقة أبدا أن يخرج تصريحان متشابهان في يوم واحد من قبل بشار الأسد وحسن نصر الله مفادهما أن الأسد قد تجاوز الخطر «العسكري» وأن «الأزمة» في طريقها للنهاية، فالواضح أننا أمام حملة دعائية هدفها القول إن الأسد قد انتصر، فهل هذا صحيح؟
الإجابة لا بالطبع، فالأسد أبعد ما يكون عن هذا الانتصار، وما نقلته وكالة إيتارتاس الروسية أمس عن مسؤول روسي سابق التقى الأسد مؤخرا وسمع منه أن «المرحلة النشطة» من الصراع العسكري ستنتهي هذا العام مع مواصلة النظام لمعركته مع «الإرهابيين»، وما قاله زعيم حزب الله أمس في مقابلة مع صحيفة «السفير» عن أن «مرحلة إسقاط النظام، وإسقاط الدولة انتهت» وأن الأسد سيخوض الانتخابات وأن دمشق تجاوزت خطر التقسيم؛ كل ذلك ما هو إلا حملات دعائية يقوم بها الأسد وحزب الله، وخلفهما إيران، للقول بأن الأسد انتصر. وهذه التصريحات تأتي في نفس سياق التنسيق الدائم بين إيران والأسد، وحزب الله، وهو ما فعلوه العام الماضي، والآن، بل وسنسمع نفس هذه التصريحات قريبا من مسؤولين إيرانيين، فالواضح أن مصدر الأسد ونصر الله والمخطط لهما واحد.
إلا أن ما يجب أن نتذكره هو أن هذه التصريحات ليست جديدة، ويعرفها زوار الأسد من اللبنانيين، كما يعرفها المسؤولون اللبنانيون كافة، ومنذ اندلاع الثورة حيث كان يقال، وهذا ما سمعته من مسؤولين لبنانيين، إن جماعة حزب الله كانوا يقولون «كم الساعة الآن؟ غدا في مثل هذا الوقت تكون الأزمة في سوريا قد انتهت»! وبالطبع لم تنتهِ، واضطر الحزب للتدخل بالسلاح لنصرة الأسد تحت ذريعة حماية لبنان، ثم عاد نصر الله ليقول إن الأوضاع تدهورت بدمشق لأن الحزب تأخر في التدخل!
كما أن سبب هذه الحملة الدعائية الأسدية الآن، التي يشارك فيها نصر الله الذي يتحدث في المقابلة الصحافية الأخيرة وكأنه هو المسؤول الأول بدمشق، هو الحديث عن اقتراب جهوزية الخطة الأميركية تجاه سوريا، ودعم المعارضة، وخصوصا التسريبات التي تقول إن واشنطن بصدد تزويد المعارضة بأسلحة خفيفة، وما يريد الأسد وحزب الله وإيران قوله للأميركيين هو أن الوقت قد فات، ولا جدوى من دعم المعارضة، كما أن الهدف من الحملة هو محاولة ضرب الروح المعنوية للمعارضين الذين لم يستطع لا الأسد ولا حزب الله، ولا الميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران، كسرهم على الأرض.
ولذا فإن ملخص القول هو أن ما يحاول الأسد وحزب الله فعله هو القيام بحملة دعائية لضرب المعارضة، ورفع الروح المعنوية لأنصارهم وتبرير طول المعركة، وكذلك القيام بمناورة تجاه الأميركيين للقول بأن الوقت قد فات، والحقيقة أنه بمجرد وصول صواريخ مضادة للطائرات للمعارضة السورية، مثلا، سيعجل من تدحرج النظام وهرولة الحزب، فهل تدرك أميركا ذلك؟ هذا هو الأهم وليس ما يقوله الأسد، أو حزب الله!
الشرق الأوسط
لماذا لا يترشح نصر الله لانتخابات سوريا!/ طارق الحميد
إذا كنت تعتقد عزيزي القارئ أن هذا عنوان ساخر فهو ليس كذلك فمن يحكم سوريا اليوم فعليا هو حسن نصر الله، وهو من يدير القتال هناك دفاعا عن بشار الأسد، فلماذا لا يترشح نصر الله للانتخابات الرئاسية السورية طالما أننا نعيش أصلا مهزلة لا مثيل لها!
منذ أسبوع ونصر الله، والآن نائبه نعيم قاسم، يتحدثان عن الأوضاع في سوريا، وواقع الأزمة، ومستقبلها، و«الشروط» الكفيلة لحلها، هم من يتحدثون وليس الأسد، فنصر الله يتحدث بثقة وبتفاصيل توحي بأنه حاكم دمشق، وقد يتذكر القارئ عندما كتبنا هنا في 27 مايو (أيار) 2013 «هل يستدعي نصر الله الأسد للضاحية»، وها هي الأحداث تؤكد أن لنصر الله اليد الطولى هناك وليس الأسد، نصر الله الذي يقول إن الأسد لن يسقط، وسيترشح للانتخابات. وقبل يومين خرج نائبه نعيم قاسم قائلا إن بسوريا «خيارين لا ثالث لهما»، وهو إما أن يبقى الأسد رئيسا «باتفاق وتفاهم مع الأطراف الأخرى بطريقة معينة، وإما أنه يستحيل أن تكون المعارضة هي البديل»، مضيفا أن «الخيار واضح؛ إما التفاهم مع الرئيس الأسد للوصول إلى نتيجة، أو إبقاء الأزمة مفتوحة مع غلبة للرئيس الأسد في إدارة البلاد». ويشير قاسم إلى أنه «على الغرب أن يتعامل مع الواقع السوري لا مع أمنياته وأحلامه». ومهددا الغرب بالقول إنهم «لو استمروا في هذه المنهجية عشر سنوات سيبقى الحل هو الحل».
ومعنى هذه التصريحات هو أنه إما أن يبقى الأسد أو تدمر سوريا، وحتى يحسم هذا الخيار فإن نصر الله هو الحاكم الفعلي لدمشق حيث يقول قاسم متحديا: «وجودنا في سوريا ضروري وأساسي، أما متى يتغير هذا الظرف، فهذا أمر ميداني سياسي»، أي لا قيمة للسوريين، ولا لدمائهم، ولا حرمة لأراضيهم، ولا اكتراث بالمجتمع الدولي، والقوانين الدولية حيث إن سوريا فعليا اليوم تحت الاحتلال الإيراني، وبقيادة حزب الله الذي يدرب مع طهران قرابة المائة ألف مقاتل هناك دفاعا عن الأسد كما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»!
وعليه فلماذا لا يترشح نصر الله في الانتخابات السورية القادمة ويحكم سوريا حيث هو الحاكم الفعلي لها الآن، وبذلك يكمل نصر الله المهزلة الحاصلة بمنطقتنا الآن تحت ذرائع مختلفة من كذبة المقاومة والممانعة، إلى كذبة الديمقراطية التي نراها في العراق، أو التي تجعل نصر الله يرسل رجاله لقتال السوريين دفاعا عن الأسد بينما يرسل قسما آخر منهم ليكونوا ممثلين في «لعبة» الديمقراطية اللبنانية! حقا إنها مهزلة وتحدث على رؤوس الأشهاد وسط عجز دولي، وتلكؤ عربي غير قادر على إدراك أن الإدارة الأميركية الحالية عاجزة عن فهم الخطر الذي يحيط بالمنطقة ككل بسبب الأوضاع في سوريا، وما تفعله إيران وحزب الله هناك!
الشرق الأوسط
“حزب الله”: سنة أولى في الميدان السوري ماذا حقّق وهل حانت ساعة العودة؟/ ابراهيم بيرم
في مثل هذا الشهر من العام الماضي سقطت بلدة القصير في ريف حمص بيد القوات السورية، فكان لاندحار المعارضة هناك الوقع المدوي، لناحيتين الاولى ان خسارة المجموعات المناوئة للنظام كانت الخسارة الاولى الكبرى بهذا الحجم وبهذه الاهمية الاستراتيجية، والثانية ان قوات “حزب الله” أدت دوراً ريادياً، في هذا المكسب لدمشق. وبناء على هذه الواقعة صار الحزب وخصومه في آن “يحيون” كل على طريقته ما صار يعرف بالذكرى السنوية الاولى لانخراط “حزب الله” في الميدان السوري. حدث، ولا ريب، ثقيل الوطأة على الحزب إن لجهة المقدمات أو لناحية التداعيات والنتائج، فمنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، صار خصوم الحزب يقاربون هذا الحدث وكأنه نقطة الضعف الرئيسية في سلوك الحزب وأدائه، نسوا قصة سلاحه وتجاهلوا قضية حدث 7 أيار، وصار التركيز على دعوة الحزب للخروج من قلب الميدان السوري، وصاروا يعتبرون هذا التدخل مبرراً ومسوغاً للاحداث الأمنية التي شهدتها طرابلس، وتلك التي عانت منها بلدات حدودية مثل عرسال ووادي خالد، فضلاً عن اعتبار هذا الدخول مبرراً لنشوء حركة الشيخ أحمد الأسير في صيدا، أو سواها من الظواهر المتمردة والخارجة على النظام العام، فضلاً عن أن كل الانفجارات والتفجيرات واعمال قطع الطرق الدولية وسواها من ممارسات مخلة اعتبرت ردات فعل مبررة على ولوج قوات الحزب الى داخل النار السورية المشتعلة. ولم يعد خافياً ان دفاع الحزب عن هذا المسار الذي دفعه الى ركوب هذا المركب الخشن كان في البداية دفاعاً ضعيفاً، بل وبدا أحياناً كثيرة مرتبكاً، أمام هجمات خصومه وأمام تساؤلات شريحة واسعة من جمهوره وقاعدته خصوصاً أمام اعتبارات اساسية:
الاول: العدد الكبير نسبياً في بدايات المعارك لجثث المقاتلين العائدين في توابيت من الميدان.
الثاني: الحملة العالية الوتيرة التي شنت على الحزب من الداخل ومن الدول الخارجية والتي تماهت مع الحملة التي كانت في ذروتها يومذاك، خصوصاً ان الرهان على ان النظام ساقط ولا محالة وفي أقرب وقت ولم تكن صورة المعارضة على هذه الدرجة من السوء كما هي حالياً.
الثالث: ان قيادة الحزب أخذت قرار الانخراط في الميدان السوري وعلى هذا النحو من الاتساع بشكل مفاجئ ومن دون تحضير وتهيئة، واستطراداً من دون أن تقدم تبريرات مقبولة ومعقولة للمعنيين.
الرابع: ان دخول الحزب في دائرة اللهب المستعرة في سوريا فاقم الاحتقان المذهبي من جهة، وزاد منسوب الاضطراب الداخلي لدرجة أحرجت أحياناً حلفاء الحزب من غير الشيعة.
وهكذا وجد الحزب نفسه وسط جملة احداث داخلية جسيمة افتعلها خصومه تحت ذريعة انخراطه في الميدان السوري. وحملة الخصوم هذه على الحزب كانت موجودة بالاصل وبالتحديد منذ أن أسقط حكومة الرئيس سعد الحريري بالضربة القاضية، لكن قراره بالسير خلاف مناخات كبرى مناهضة للنظام في سوريا قوّى أوراق مناوئيه ونمّا بؤر التوتر والمناخات الاصولية، وأعاق عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وزاد ارتباكها وتعثرها.
ولا شك ان الحزب عاش لحظات حرجة وصعبة حيال اشتداد وتيرة هذه الهجمة عليه خصوصاً ان خصومه ضيقوا الخناق عليه وقطعوا أمام مواكبه الطرق وفجروا العبوات بمسؤوليه على طريق المصنع، و”زرعوا” الحالة الأسيرية على الطريق الى معقله في الجنوب لدرجة أحس بعض قادة الحزب ان القرار المتخذ بحقه هو محاصرته ومنعه من الحراك، وجعل حركة عناصره وكوادره محفوفة بالمخاطر، خصوصاً بعدما خرج الاوروبيون عن الطريقة المألوفة للتعامل معه فوضعوا جناحه العسكري على لائحتهم للمنظمات الارهابية، فيما بدأت اسرائيل تخرج هي ايضاً بدورها عن صمتها حياله وترفع عقيرتها بالتهديد والوعيد وتضاعف عمليات تحرشها به.
وكانت ثالثة الاثافي بطبيعة الحال انخراط رئيس الجمهورية ميشال سليمان في جبهة المعارضين بشدة لدخول الحزب الى سوريا الى درجة انه جعل هذا الأمر شغله الشاغل، وصيّره مادة رئيسية في كل خطاباته وتصريحاته. بالاجمال دفع “حزب الله” اثماناً سياسية جسيمة نتيجة قراره المفاجئ بالتدخل في سوريا، اذ شعر ان خصومه نجحوا اجمالاً في جعل الارض تميد من تحت اقدامه. لكن اشهراً سبعة احتاجها الحزب لكي يستعيد توازنه ويستعيد زمام اللعبة حارماً خصومه، كما تقول دوائره، من فرصة اصطياده بعد ضبطه متلبساً بجرم التخلي عن الدور الذي تنكّبه طويلاً وورط نفسه في لعبة اقليمية دولية كبرى، قلما شهدت المنطقة والعالم نظيرهما في العقود الأربعة الماضية، من حيث تعقيدها وتشعبها، ومن حيث كثرة المتبارين في ميدانها ومسرحها داخلياً واقليمياً ودولياً.
وعليه لم يكن مفاجئاً أن يختار الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مناسبة مرور السنة الأولى لدخول حزبه الميدان السوري، ويجري مقابلة صحافية امتدت على نحو 7 ساعات تميزت باتساع مواضيعها وثقة السيد بنجاعة القرار الصعب الذي أخذه بعد تفكير طويل بالدخول لاعباً اساسياً في ميدان مكتظ ومزدحم بعدد اللاعبين.
البعض قد يرى ان الحزب وسيده “يكابران”، فالأزمة السورية ما زالت مفتوحة على احتمالات التصعيد والتعقيد، فالنظام وإن حقق مكاسب في جزء ما من الميدان، فإن دائرة اعدائه ما تلبث ان تضخ له جبهات استنزاف جديدة تبدد وهج ما حققه، وتبلغه رسالة فحواها ان الانتصار النهائي محرّم عليه.
اضافة الى ذلك فإن خصوم الحزب بدأوا يعتبرون خطاب رموز الحزب الآخر حول مسألة انسحابه من الميدان السوري بعد كل ما تحقق تنبع من اعتبارات ميدانية – سياسية، هو بمثابة مقدمة تمهيدية لجلائه عن الميدان الذي انزلق اليه خلافاً للعديد من الحسابات.
وبناء على كل هذه الاعتبارات والتكهنات فان ثمة من يوجّه الى قيادة الحزب سؤالاً ملحاً عن امرين اثنين. الاول: هل اظهرت نتائج الدخول الى الميدان السوري ان قرار الدخول لم يكن خاطئاً، ام أنها كانت خطوة ارتجالية متسرعة؟
لا شك ان قيادة الحزب بدأت تتصرف في الآونة الاخيرة تصرّف الواثق من نجاح قراره من خلال تظهير واقعين اثنين: الاول النجاحات المتكررة في الميدان لدرجة ان ثمة من يتحدث عن دخول الحزب قلب المعادلات الميدانية والسياسية، والثاني ان المجموعات المسلحة المنتمية الى افكار ومعتقدات سلفية تكفيرية لم تكن اطماعها وطموحاتها تتوقف عند حدود اسقاط النظام في دمشق. بل هي سعت وتسعى الى أبعد من ذلك، ولبنان بكل ما فيه من انتماءات واطياف ليس بعيداً عنها.
وثمة في الحزب من يتحدث صراحة عن خبرات ميدانية اكتسبتها قوات الحزب المقاتلة وعن توسيع لآفاق حدود المواجهة مع اسرائيل.
الثاني: هل ان لحظة خروج الحزب من الميدان السوري قد أزفت بعد كل ما أنجز وتحقق؟
على هذا تعطي قيادة الحزب اجابات من نوع حمالة الاوجه، فالوجود في سوريا ليس ابدياً ولكنه خاضع لحسابات ميدانية وسياسية حاضرة ومستقبلية.
الحياة
عن «أداة» صغيرة تدعي أنها «لاعب إقليمي!/ محمد مشموشي
لا يمل «الممانعون» من تكرار أن «حزب الله» لم يعد حزباً لبنانياً فقط، ولا حزباً شيعياً بالطبع، ولا حتى حزب مقاومة للاستكبار والصهيونية العالميين وحدهما، إنما تحول إلى «لاعب إقليمي» على مساحة المنطقة كلها. وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، لا يقف الحزب عند هذه النقطة فحسب، بل يصبح، كما قال أمينه العام السيد حسن نصرالله في تصريحات أخيرة له، هو من يحدد قواعد اللعبة وظروف الاشتباك ويفرضها على الطرف الآخر.
كيف؟ لا أحد يعرف. ولماذا؟ لأن أحداً بدوره لا يجوز أن يسأل عما يقوم به الحزب في سورية، أو لبنان أو في غيرهما. هو «لاعب إقليمي»، في السلم كما في الحرب، وليس لأحد أن يجادل في ذلك، بما فيه الدولة اللبنانية التي يشترك في حكومتها ومجلس نوابها والكثير من مؤسساتها وأجهزتها الإدارية. وإلى متى؟ إلى أن يقرر الحزب، أو «الولي الفقيه» الإيراني، أنه حقق ما يريده (عملياً، ما يراد له!) أو تخلى عن هذا الدور.
لكن المسألة ليست ببساطة هذه الأسئلة، ولا ببساطة الإجابات عنها.
ذلك أن القائلين بهذا الدور الإقليمي للحزب، ينسون (ولعلهم يتجاهلون قصداً) أن في لبنان دولة، وأن من شأن هذه الدولة أن تقرر أن تلعب، أو لا تلعب، مثل هذا الدور في أي ظرف من ظروف المنطقة بافتراض حاجة البلد والشعب في لبنان إليه من ناحية، والقدرة المادية عليه من ناحية ثانية.
وأكثر، فهؤلاء يعرفون أن نصف اللبنانيين على الأقل يتحفظ ليس عن سلاح الحزب ودوره في لبنان وسورية فقط، وإنما أيضاً على علاقته الأيديولوجية والمادية بـ «الولي الفقيه» الإيراني ومخططاته المعروفة للمنطقة… أي تماماً على ما يوصف بدور الحزب كـ «لاعب إقليمي» لحساب تلك العلاقة مع النظام في طهران.
كذلك، فهذا البلد الذي اسمه لبنان، الصغير في حجمه وإمكاناته، والضعيف في بنيته المجتمعية لأسباب يعرفها الحزب أكثر من غيره، لم يفكر يوماً في أن يلعب مثل هذا الدور، لا على المستوى الإقليمي الضيق، أي العربي، ولا طبعاً على المستوى الأوسع.
ثم ما هي الميزات وعناصر القوة والأوراق التي يملكها «حزب الله» وتؤهله للعب مثل هذا الدور؟ هو لا يملك غير السلاح الذي تتحفظ عنه الغالبية العظمى من اللبنانيين، بمن فيهم من يطلق عليه اسم «البيئة الحاضنة» التي ترفع في وجهه مئات علامات الاستفهام عندما يستخدم في غير الموقع الذي حمل من أجله… كما في بيروت والجبل في 2008، أو في سورية كما هي حاله الآن.
لا يملك الحزب، مثلاً، ما كان لدى نظام الأسد الأب عندما طرح لنفسه دوراً إقليمياً في السبعينات والثمانينات. كان هذا النظام يستحوذ، بالقوة أو بالابتزاز، على الورقتين اللبنانية والفلسطينية بصرف النظر عما ألحقه بهما من خسائر وحتى تمزيق. وهو لا يملك بالطبع وزن مصر أو دور السعودية أو العراق، أياً كان حجم التراجع الذي لحق بأدوار هذه البلدان في المنطقة. وإذا ذكرت دول مثل تركيا وإيران وإسرائيل التي تحاول أن تلعب مثل هذا الدور، ففي هذه الدول شعوب وجيوش واقتصادات وموارد مالية وبشرية قد تسمح لها بادعاء السعي إلى دور «لاعب إقليمي»، وحتى دولي أو شبه دولي في بعض الأحيان.
كيف يتأتى لهذا الحزب إذاً، وفي هذه الفترة التي بات فيها الإقليم كله ساحة حرب محلية ودولية، أن يتوهم بأنه بات ما يصفه إعلامه بـ «لاعب إقليمي»، بل وبأنه هو من يحدد قواعد اللعبة ويرسم حدود الاشتباك مع إسرائيل في الجنوب اللبناني؟
غني عن القول إن «حزب الله» لا يدع فرصة إلا ويعلن فيها أنه «يختصر» الدولة اللبنانية، أو يصادرها، إن على المستوى المحلي، أو الإقليمي أو حتى الدولي.
ولا يعني غير ذلك عملياً قبوله داخل مجلس الوزراء (في الحكومة التي كانت حكومته بامتياز برئاسة نجيب ميقاتي) على ما وصف بسياسة «النأي بالنفس» عن الحرب الدائرة في سورية، ثم تدخله بقواته فيها وقتاله إلى جانب النظام وباقي الميليشيات الإيرانية والعراقية واليمنية والأفغانية من دون سؤال أحد. تعليقاً على ذلك، لا يجد الأمين العام للحزب ما يقوله، من دون أن يرف له جفن، سوى أنه تأخر كثيراً في التدخل… أو أنه كان في نهاية المطاف آخر المتدخلين فيها.
وفي آخر تصريحات السيد نصرالله، لم يجد حرجاً في إعلان أن أفراداً من حزبه زرعوا عبوة ناسفة انفجرت في طريق دورية إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا، وأن هذه العبوة كانت رداً على غارة إسرائيلية قبل مدة استهدفت قواته المقاتلة في سورية على الحدود المشتركة بينها وبين لبنان، في الوقت الذي يؤكد فيه التزام لبنان (والتزامه هو؟!) نص قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الذي يمنع عمليات من هذا النوع عبر ما يسمى «الخط الأزرق» في منطقة الجنوب.
هل هذا فقط؟
لم يعد خافياً، أن الحزب يخاطب بكلامه هـذا ما يسميه بيئته الحاضنة… تلك التي قال الســيد نفسه إنها رفضت عملياته القتالية في سورية، لكنها عادت ووافقت على التدخل.
كما لم يعد خافياً أن قيادة الحزب قد «تورمت» كثيراً في خلال الفترة الماضية: من الإعلان الفج عن إسقاطه حكومة الرئيس سعد الحريري، ثم الإعلان الفج الآخر عن تشكيله حكومة ميقاتي، ثم دعوته الفرقاء الآخرين في لبنان إلى «اللحاق بأنفسهم» والموافقة على ما يطرحه لتشكيل الحكومة، وصولاً إلى مطالبتهم قبل أيام بإعادة النظر في مواقفهم من تدخله في سورية (لا ندعوهم إلى القتال معنا هناك، إنما فقط إلى إعادة النظر في رفضهم هذا القتال) إلخ…
لكن ما يبقى هو الأساس: مصادرة الدولة اللبنانية من داخلها، كما في العالم العربي والمنطقة والعالم أيضاً.
وهو يحاول من أجل ذلك أن ينفي حقيقته الدائمة: حقيقة أنه مجرد «أداة» صغيرة تدعي أنها «لاعب إقليمي»!
الحياة