مقالات لكتاب عرب تناولت مؤتمر جنيف 2
قبل “جنيف 2” معركة القلمون ومنازلة “داعش”/ جورج سمعان
تقف المعارضة السورية أمام خيارات مصيرية لا مجال فيها للترقب والانتظار. هي مدعوة في الداخل إلى توجيه السلاح نحو خصم بات يشكل لها تحدياً يوازي تحدي مواجهة قوات النظام. لم يعد الوضع يحتمل تأجيلاً. وهي مدعوة إلى «جنيف 2» وسط بلبلة ونقاشات تهدد بتفتيت جسمها السياسي وضرب ما بقي من تنسيق بينه وبين القوى المقاتلة على الأرض. وهو رهان غير مضمون النتائج على ما يمكن أن تحقق من برنامجها السياسي، واختبار قد يكون الأخير لعلاقتها بمجموعة «الأصدقاء» الذين سيجتمعون غداً في لندن.
لا يخفى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً هائلة على «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» من أجل الحضور إلى جنيف. وتشعر المعارضة بأن ذهابها إلى المؤتمر في هذه الظروف من دون ضمانات محددة تتعلق بوقف النار وبقيام الحكومة الموقتة الكاملة الصلاحيات التنفيذية التي ستمهد لرحيل النظام، كمن يذهب بلا أسنان أو خاوي الوفاض من أي ورقة ضغط. في حين تحقق قوات النظام بعض التقدم على الأرض، خصوصاً في أرياف دمشق وضواحيها. وتستعد لمعركة كبرى في القلمون على غرار معركة القصير… بينما تتسع هوة الخلافات بين هيكلي هذه المعارضة سياسياً وعسكرياً وداخل كل هيكل منهما.
تميل أطياف كثيرة في المعارضة إلى حضور»جنيف 2» . وستقرر ذلك في اجتماعاتها قريباً في إسطنبول. وإذا قرر «المجلس الوطني» الثبات على موقفه الرافض المشاركة من دون ضمانات واضحة، فإنه يجازف ليس بفرط عقد «الائتلاف» فقط، بل بفرط عقده هو أيضاً، ذلك أن نحواً من نصف أعضائه أو أقل بقليل يرغبون في الحضور. والمحصلة الأكيدة حتى الآن أن المؤتمر الدولي – الإقليمي سيفاقم الخلافات في صفوف خصوم النظام السوري، الداخليين والخارجيين على السواء.
الراغبون في الذهاب إلى جنيف يربطون مصير المؤتمر بالموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة، كأنهم يريدون اختبار هذا الموقف مرة جديدة. سيتوجهون على قاعدة ضمان الحصول على حكومة تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة لا يكون فيها أي دور للرئيس بشار الأسد. حتى الآن لم تَحِدِ الولايات المتحدة عن موقفها المعلن بأن لا دور للرئيس الأسد، لكنها لا تطرح خريطة طريق توصل إلى هذا الهدف. أو تعبر عن تفاهم مسبق على هذا الأمر مع شريكتها، روسيا وليس أوروبا. ولا يوحي هذا الموقف بشيء من الثقة في أوساط «الائتلاف»، التي تعتقد بأن التجربة مع السياسة الأميركية حيال الأزمة السورية، بعد سنتين ونصف سنة، لم تكن مشجعة في معظم المحطات، إن لم يكن كلها. وآخرها التحول المفاجئ الأخير في سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما، فقبل شهر ونيف كان العالم يتوقع ضربة أميركية قاسية تقوض قدرات النظام في دمشق، وتهز أركانه وتلزمه بالتسليم الكامل لمقتضيات مؤتمر «جنيف 1» ومقرراته. وتتيح للمعارضة تقدماً على الأرض يهدد وجوده كاملاً ويدفعه إلى «جنيف 2» جريحاً ضعيفاً. لكن ما حصل أن «الائتلاف» تلقى ضربة موجعة. أُصيب بخيبة أمل كبيرة عندما شعر بأن الاتفاق الأميركي – الروسي على تدمير الترسانة الكيماوية السورية هو الهدف الأساس.
يرى الراغبون في حضور «جنيف 2» – وهو ما قد يقرره «الائتلاف» على الأرجح- أن المؤتمر سيشكل امتحاناً جدياً لموقف واشنطن، فهل يمكن هذه أن تتفاهم مع موسكو أو تفرض عليها خطة البدء بطي صفحة نظام الرئيس الأسد؟ أم ستواصل التعامل مع سورية ساحة أو بؤرة مفتوحة لتصفية حسابات وصراعات في المنطقة، أو لإبرام تسويات ونسج شبكة علاقات ومصالح، من دون أن تقيم اعتباراً لطبيعة الصراع في سورية وأهداف المعارضة في التغيير؟ في هذه الحال يمكن المعارضة الخروج من المؤتمر والبحث عن بدائل مع معارضين كثر لمثل هذا التوجه الأميركي، وعلى رأسهم دول أوروبية وإقليمية كبرى… وإلا انزلقت الفصائل المسلحة بمعظمها نحو التشدد، والاقتراب من صفوف «النصرة» ومثيلاتها من تشكيلات إسلامية متطرفة.
بهذا المعنى سيكون «جنيف 2» محطة مفصلية ستحدد مصير المعارضة السورية ومستقبل العلاقات بين الدولتين الكبريين (أميركا وروسيا) بالدول الإقليمية الكبرى، فإسرائيل يمكنها أن تطمئن إلى حليفيها الأميركي والروسي اللذين أزالا خطر الكيماوي السوري، وسيعملان بلا شك على تحييد التهديد النووي الإيراني، أما السعودية وتركيا وقطر، فهي لا تخفي استياءها من الموقف الدولي من الأزمة السورية، وقد عبرت باريس وأنقرة عن تفهمهما لرفض الرياض مقعدها في مجلس الأمن، ولا تبديان اطمئناناً إلى الرؤية الأميركية – الروسية للحل المطلوب في جنيف. وتخشى هذه العواصم المتوجسة من مواقف واشنطن أن تواصل إدارة أوباما، على منوال «الاتفاق الكيماوي»، نسج خيوط التفاهم مع موسكو وطهران في ملفات أخرى، من الملف النووي الإيراني إلى مستقبل أفغانستان وخطة الانسحاب الأميركي من هذا البلد إلى خريطة النظام في «الشرق الأوسط الكبير»… وهو ما يدفع دولاً إقليمية كبرى في المنطقة إلى التعبير عن اعتراضها على هذا التفرد في تقرير مــصــير المنطقة ونظامها الأمني والسياسي والاقتصادي من دون الأخذ في الاعتبار مصالحها وهواجسها ومخاوفها، وإلى إعادة النظر في خياراتها وشبكة علاقاتها.
وإلى أن يحين موعد «جنيف 2» سيكون على المعارضة السورية أن تخوض استحقاقاً لا يقل مصيرية عن المؤتمر الدولي المقبل، وأمامها منازلتان كبيرتان: الأولى الاستعداد لمنازلة كبرى في منطقة القلمون، هذه المعركة التي ستحدد مصير العاصمة ووجود المعارضة في أحيائها وضواحيها وريفها، والثانية مواجهة قوى التشدد والتطرف، وفي مقدمها «داعش» التي تنخر مناطق احتضانها الخارجة عن سلطة النظام. معركة القلمون التي يريدها النظام على غرار القصير، قد لا تكون سهلة على الطرفين وسريعة الحسم، فالطبيعة الجبلية الوعرة للأرض لا تسهل تحرك الآليات والدبابات، وربما مال الميزان هنا لمصلحة المقاتلين، غير أن انخراط «حزب الله» فيها بكامل ثقله، كما تدل المؤشرات، سيشكل ظهيراً يعزز مواقع قوات النظام. وسيحمل انفتاح مسرح العمليات على لبنان وسلسلته الشرقية خطر تمدد القتال إلى بؤر سنية فيه، من عرسال إلى البقاع الأوسط وغيرهما من مناطق قريبة تناصر المعارضة، ويكفي ذلك لدفع «الشقيق» الأصغر إلى حافة الهاوية، فإذا لم ينزلق إلى قتال واسع ستندفع إليه قوافل جديدة من اللاجئين، بينما هو لا يعرف إلى اليوم كيف يتلمس سبل انفجار أزمة من سبقوهم إليه.
والأخطر من معركتي «جنيف 2» والقلمون، أن المعارضة ستجد نفسها قريباً جداً أمام قرار منازلة لا بد من خوضها أياً كان الثمن: المنازلة مع الحركات الجهادية وعلى رأسها «داعش»، التي باتت تبسط سيطرتها على مناطق يفترض أنها «تحررت»، لكنها تديرها مستقلة وتقاتل لمنع أي فصيل آخر من مشاركتها في هذه الإدارة، وهو ما جعلها في مدن ونواح ودساكر كثيرة في مواجهة مع الناس العاديين، وبات مقاتلو «الجيش الحر» والفصائل الأخرى ينظرون إليها أداة لخدمة النظام، كأن ما «يحررونه» تستعيده دمشق بطريقة غير مباشرة عبر «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وشقيقاتها، فهي على ما يروي قادة هذا الجيش ليست سوى ذراع من أذرع النظام، يقود كتائبها ضباط كانوا بالأمس القريب مسؤولين في الجيش الرسمي وأجهزته في مختلف المناطق، خصوصاً الشرقية والشمالية. ويعزز هؤلاء ظنونهم بكثير من الوقائع، منها أن قوات الرئيس الأسد تحيِّد مواقع هذه «الدولة» من القصف المدفعي والجوي، فيما تنفذ قواته حملة اغتيالات تطاول ضباطاً منشقين وناشطين في الجبهات الأخرى، حتى أن بعض من تعتقلهم «داعش» ينتهي في سجون النظام!
من هنا يتوقع كثيرون أن تبلغ الأوضاع منحى يضطر معه «الجيش الحر» ومن والاه من فصائل إلى تحويل بنادقهم نحو «داعش» من أجل تصفية الحساب معها ومحاولة اقتلاعها كلياً، خصوصاً أن الأهالي في كثير من مناطق سيطرتها يعبرون عن خشيتهم منها ومن تصرفاتها ولا يروق لهم بقاؤها في ظهرانيهم. إلا أن هذا الجيش يزداد تشتتاً وافتقاراً إلى الحد الأدنى من التنسيق، على وقع الخلافات السياسية في «الائتلاف». ولا تمكن مقارنة ما يعانيه بالتنظيمات الأخرى التي تتلقى الدعم بمختلف أشكاله، ولا شيء يضمن خروجه منتصراً، إن لم نقل سالماً من هاتين المنازلتين. ولا يصح هنا أن يواصل «أصدقاء سورية» الذين يلتقي جمع منهم غداً في لندن أن يتنصلوا من مسؤوليتهم عما آلت إليه أوضاع المعارضة بشقيها السياسي والعسكري.
إن بعض العوارض التي يعانيها «الائتلاف» عائد إلى هؤلاء «الأصدقاء»، الذين تترك توجهاتهم وسياساتهم المختلفة آثارها السلبية في صفوفه وتمعن في تعميق الشرخ والانقسامات في هذا الجسم الهش أساساً، ولا يحتاج هذا الأمر إلى دلائل، فهناك موقف فرنسا وبريطانيا، وهناك موقف أميركا، وهناك موقف السعودية ومصر وقطر وتركيا… واللائحة طويلة. وما يزيد في ضعف «الائتلاف» انعدام التنسيق بينه وبين «الجيش الحر»، وهنا تبرز أيضاً مسؤولية «الأصدقاء» أيضاً، الذين يترددون حتى الآن في تقديم الدعم المالي والعسكري لهذا الجيش، وهو ما عبر عنه رئيس أركانه اللواء سليم إدريس في أكثر من مناسبة… ويخشى مع استمرار هذه السياسة أن تتلاشى قدرة «الجيش الحر» وقواته فيذهب من بقي في «الائتلاف» إلى جنيف منزوع السلاح والأسنان، وربما تحولت الفصائل المسلحة كلها إلى حركات التطرف… لتتحول سورية مقصداً سهلاً لكل حركات الجهاد… وعندها يصح ما يشاع عن «مشروع دولي» لتجميع كل هذه التشكيلات في ساحة معركة كبيرة للإطباق عليها في حرب ضروس تؤدي إلى تدميرها والحد من قدرتها على التحرك في المنطقة كلها، فـ»الحرب على الإرهاب» لم تتوقف، فلا أميركا أوقفتها ولا روسيا.
الحياة
جنيف 2/ زيـاد مـاجد
تتصاعد الاتصالات الدولية في ما خصّ مؤتمر “جنيف 2″، ويحاول وزير الخارجية الأميركي إقناع الائتلاف الوطني السوري كما بعض وزراء الخارجية العرب بحضور المؤتمر والسعي لإنجاحه.
في المقابل، تبدو جبهة روسيا – إيران – النظام الأسدي أكثر برودة، إذ إن النظام ينتظر مآل الاتصالات ويحاول تحسين أوضاعه العسكرية في محيط دمشق والدفاع عن مواقعه في حوران لمنع أي عملية معارضة باتجاه العاصمة. وهو يراهن سياسياً ومادياً على الغطاء الروسي وعلى استمرار الدعم الإيراني رغم النافذة التي فتحتها طهران في علاقتها بواشنطن.
على أن الغموض الذي يكتنف حتى الآن شروط “جنيف 2” وتفاصيل التفاهمات الأميركية الروسية يستدعي التوقّف عند أربع مسائل يمكن للمعارضة السياسية وللقوى الثورية إيلاؤها بعض الأهمية.
المسألة الأولى ترتبط بضرورة ربط الحوار بشرطيّة وقف إطلاق النار والإفراج عن عشرات الألوف من المعتقلين والأسرى، وفي طليعتهم القادة السياسيون والضبّاط المنشقّون، والسماح بممرّات إنسانية تفكّ الحصار الخانق عن مناطق الغوطة ومعضمية الشام ومخيّم اليرموك وأحياء حمص القديمة.
المسألة الثانية هي الإصرار على التعهّدات العلنية من الإدارة الأميركية الداعية للحوار ومعها الإدارات الأوروبية والإقليمية بأن لا مكان لعائلة الأسد في المستقبل السياسي لسوريا، وأن كل تفاوض مؤقت مع ممثّلي هذه العائلة هو لوقف القتال وللتحضير لنقل السلطة وليس للتعاون معها في مرحلة انتقالية طويلة.
وأجوبة بعض المسؤولين في الغرب الذين يتطرّقون للأمر مستشهدين بمثال ميلوسيفتش في يوغوسلافيا السابقة الذي “جرى الاتفاق معه وبقي فترة في السلطة ثم وجد نفسه في لاهاي” ليست مقبولة لأن الوضع الدولي قبل خمسة عشر عاماً ليس هو نفسه اليوم، والتعهّدات بهذا المعنى ينبغي أن تكون واضحة.
المسألة الثالثة هي التي تقرن القبول بمبدأ الحوار بطلبات التسليح التي تُتيح حسن سير العمليات العسكرية في حال فشل المفاوضات أو في حال تأجيلها، كي لا يكون الوقت عنصراً هاماً لصالح جيش النظام المجهّز والمدعوم بآلاف مقاتلي الميليشيات المذهبية العراقية واللبنانية.
أما المسألة الرابعة، وهي تلك التي ينبغي توقّع متطلّباتها إن انعقد الحوار، فترتبط بما تستطيع المعارضة تقديمه كخطّة لتفكيك البنية الأمنية الصلبة للنظام من خلال تقديم قوائم بأسماء الضباط الواجب إبعادهم (ثم محاكمتهم على الجرائم الميدانية) والأجهزية المخابراتية الواجب حلّها بالكامل وتحديد ما يمكن القبول به من تسويات وما لا تنازل عنه نهائياً، مع طرح أسماء ضباط ومسؤولين يمثّلونها لتولّي المسؤوليات في المرحلة اللاحقة.
بهذا المعنى، لا يكفي قول المعارضة بموافقة على المشاركة أو برفض. من الضروي في الحالتين وضع الشروط، وفي حالة الرفض ينبغي التفكير بالبدائل والتأكّد من القدرة الأوروبية (الفرنسية بخاصة) والعربية والإقليمية (الخليجية والتركية تحديداً) على الاستمرار في الدعم السياسي والمادي والعسكري للثورة بمعزل عن الموقف الأميركي، وربما بعكس إرادته، خاصة أن ما بعد الرفض سيشهد جولات قتال ضارية مع النظام، وعلى الأرجح مع “داعش”.
المهمّ أن التفاوض من أجل التفاوض مسار شديد السلبية والخطورة. والتفاوض الذي يرافقه تحسين الأوضاع الإنسانية لملايين السوريين من ضحايا حصار وقمع وسجن وتهجير فرضها النظام (وهذا في ذاته مساهمة في إضعافه)، والذي يُبقي خلال انعقاده الأولوية لتدعيم خطوط الصراع الميدانية يمكن النظر فيه. فالسياسة قد تتطلّبه أحياناً، تماماً كما التقاط الأنفاس قبل انقضاض جديد.
موقع لبنان ناو
عقارب ساعة “جنيف- 2” تدُقّ/ محمود الريماوي
بصرف النظر عن الموعد الدقيق لانعقاد مؤتمر “جنيف- 2” الخاص بالمسألة السورية، فمن الواضح ان هذا الموعد بات قريباً . وكان نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل الذي يكثر من زياراته لموسكو قد حدد يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعداً للاجتماع، إلا أن الخارجية الروسية نفت ذلك قائلة إن الأمانة العامة للأمم المتحدة هي التي تحدد الموعد وليس أي طرف آخر .
انعقاد المؤتمر بات شبه حتمي مع صدور قرار مجلس الأمن 2118 المتعلق بالأسلحة الكيماوية، فقد تبنى هذا القرار الدعوة لعقد الاجتماع بما يعكس إرادة دولية لانعقاده بعد 31 شهراً من الأزمة السورية الدامية .
الحكومة السورية (التي تعكس في العادة رؤى رئاسة الجمهورية والأجهزة الأمنية، لا قرارات مجلس الوزراء) أبدت موافقتها غير مرة على المشاركة في الاجتماع، وتظل هذه الموافقة مبدئية رغم أنها تبدو بلا شروط مسبقة . إذ تعمد الحكومة إلى محاولة تقرير مصير اجتماع قبل انعقاده، من قبيل “رفض” مشاركة الائتلاف في الاجتماع وهو الأمر الذي عبّر عنه الوزير وليد المعلم لدى وصوله إلى نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية، وتفضيل مشاركة معارضة الداخل، من دون أن يحدد المعلم من هي معارضة الداخل هذه . كذلك الأمر بما يتعلق بمشاركة فصائل مسلحة، فالرئيس الأسد تحدث غير مرة عن رفض مشاركة من يحملون السلاح . ومن الواضح أن هذه الرؤى ترمي إلى الضغط على مجرى الترتيبات لانعقاد الاجتماع ، مع التشكيك في أهلية قوى المعارضة والثورة المسلحة للمشاركة .
المعارضة من جهتها تبدو منقسمة إزاء الأمر، فبينما رفض رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا مبدأ المشاركة مهدداً بانسحاب المجلس من الائتلاف في حال المشاركة، فإن رئيس الائتلاف أحمد الجربا أعلن عن مشاركته، بينما ترفض تنظيمات مسلحة خاصة الإسلامية منها مبدأ المشاركة وتحاول سحب البساط السياسي من تحت أقدام الائتلاف حتى لو لم يشارك . وبينما تقوم الأجهزة الرسمية في دمشق بجهد منسق في ما بينها ومع الأطراف الداعمة في طهران وموسكو،، فإن أطراف المعارضة تفتقد مثل هذا التنسيق، بل يقوم الأمر بينها على التنازع على التمثيل . وهذا التنازع من شأنه إفشال المؤتمر قبل أن ينعقد وتفويت الفرصة على حل سياسي جدي . على أن ذلك يبدو من المحذورات، فواقع الأمر أن واشنطن وموسكو هما عرابا المؤتمر تحت يافطة الأمم المتحدة، ولن تترك واشنطن لبعض اطراف المعارضة فرصة تعطيل المؤتمر قبل أن يعقد .
وإذا كان مقدراً مع أغلب الترجيحات ان يعقد المؤتمر مع نهاية نوفمبر المقبل، فإن الأسابيع الخمسة المقبلة سوف تشهد ما لا يحصى من مناورات اقليمية ودولية لتقرير وجهة المؤتمر والتأثير في نتائجه مسبقاً، وكذلك السعي لإحراز نتائج ليست من صميم أهداف المؤتمر، كتكريس التقارب الإيراني – الأمريكي، اذا ما قيض لطهران المشاركة في المؤتمر وهي التي لم تحضر ولم تدع إلى “جنيف -1” في يونيو/حزيران 2012 . أو مباركة تصفية المنشآت الكيماوية على الأرض السورية، واعتبارها عاملاً إيجابياً في تسهيل التوصل إلى حل سياسي . علماً أن هذه المسألة لم تكن في صلب اندلاع الأزمة .
هناك أيضاً توقعات بأن يتم التركيز على تنظيم القاعدة وبقية التنظيمات الإسلامية المتشددة والدعوة إلى مكافحتها، علما بأن ظهور هذه التنظيمات هو أحد عوارض الأزمة ونتائجها على الأرض، والتصدي لها مطلوب ولكن هذا الأمر غير ممكن سوى في سياق حل سياسي جدي، وليس خارجه وبمعزل عنه . وما ينطبق على هذه التنظيمات ينسحب على القوى الأخرى الوافدة من لبنان والعراق وإيران بغطاء رسمي من دمشق .
لقد تم استغلال الأشهر الأخيرة التي ارتفع فيها الحديث عن انعقاد “جنيف- 2” من أجل تحسين ميزان القوى على الأرض لدى الجانبين، وقد تبين أن هذا المسعى عقيم رغم إغراءاته المتعددة، وهو ما أقرّ به نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل، فكل انتصار من هذا النوع محفوف بالخراب والتدمير وسقوط الضحايا من المدنيين والعسكريين وارتفاع موجة التهجير، وهو ما لا يوفّر لأحد فرصة التثمير السياسي لأية إنجازات ميدانية . وقد وصلت الأزمة درجة من التعقيد باتت فيها الأطراف الداخلية عاجزة عن التقدم او التراجع نتيجة انسداد الأفق السياسي والانحياز إلى حلول صفرية . وقد أدى ذلك واقعياً وعملياً إلى تعظيم فرص التدخل الخارجي السياسي، ومن أجلى مظاهره كان الترتيب لانعقاد “جنيف- 2” وهو في الأصل ليس خيار النظام ولا المعارضة .
الخشية الآن أن يغرق جنيف في العموميات، من نوع دعم حل سياسي والشروع به في أقرب الآجال، دون تحديد مضمون هذا الحل وأطره وضماناته وجدوله الزمني، علماً بأن منطلق هذا الحل منصوص عليه في “جنيف -1” وفي مبادرة المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، ويقضي بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، أو أن يغرق المؤتمر على العكس في التفاصيل والجزئيات من قبيل: من هو الطرف المؤهل لتمثيل المعارضة، أو من يحق له من أطراف النظام المشاركة، على خلفية رفض المعارضة مشاركة “من تلطخت أيديهم بالدماء” .
أجل سيكون لواشنطن وموسكو فرصة تقرير الكثير، لكن ذلك لا يقلل من دور الأطراف الاقليمية والدولية وكذلك من دور الأطراف السورية قبيل الانعقاد وخلاله من أجل وضع حل يضع حداً فعلياً للمحنة ويمنع عودة البيئة التي انتجت الأزمة، ولا يستبدل تسلطاً بتسلط آخر .
الخليج
أميركا الانعزالية اختارت إرضاء طهران وعدم مواجهة الأسد/ راغدة درغام
ليس كافياً عقد اجتماع ثنائي لساعتين بين وزيري الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والأميركي جون كيري لإصلاح ما يشوب العلاقة الأميركية – السعودية من توتر وانحسار في الثقة. إنقاذ هذه العلاقة من التدهور يتطلب عدم التظاهر بأن الأمور عادت إلى نصابها بعد اجتماع الوزيرين في لندن مطلع هذا الأسبوع لأول مرة منذ احتجاج المملكة العربية السعودية على السياسات الأميركية نحو سورية وكيفية تعامل الأمم المتحدة مع الملف السوري الأسبوع الماضي برفض عضوية مجلس الأمن. اختلاف المواقف في أكثر من ملف وقضية بات خلافاً عميقاً يحتاج إلى مراجعة جدية للتعرف إلى آفاق التفاهم واستحقاقات الاختلاف. فإذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد اتخذ قراراً استراتيجياً يقضي بتغيير في علاقة التحالف التقليدية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، هذا من حقه إذا رأى فيه مصلحة أميركية، إنما من حق الطرف السعودي أيضاً، بل من واجبه، التدقيق بعمق في ما يتطلبه التغيير في السياسة الأميركية من قرارات تحمي المصلحة السعودية والعربية. المصارحة ضرورية شرط ألا تكون مصارحة عابرة من أجل المصالحة السطحية. هناك مسائل يجب على الطرفين الخوض فيها بصدق – تلك المعنية بالقضايا الإقليمية مثل سورية وفلسطين، وتلك التي تتعلق بأدوار الدول الرائدة في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط برمتها. معادلة النفط مقابل الأمن تتخذ أبعاداً جديدة. وما أتت به إدارة أوباما من سياسات نحو الشرق الأوسط ليس اعتيادياً أو معتاداً. المهم أن الاحتجاج وحده ليس سياسة. فلدى كل من الدولتين أدوات عدة للتعبير عن الرضى أو عن الغضب إذا كان أحدهما جدياً ومتماسكاً في سياسات جديدة قائمة على الافتراق. لكن ما تتطلبه المرحلة الراهنة وما يبدو الطرفان أكثر استعداداً له هو محاولة الإصغاء للآخر لاستكشاف آفاق التفاهم على علاقة استراتيجية بنّاءة حتى إذا اختلفت قواعدها وباتت لها مقومات غير معهودة.
ليس هذا وقت انحسار العلاقة الأميركية – السعودية، لا سيما فيما تتنامى العلاقة الأميركية – الإيرانية بناءً على ما يُنظر إليه وأنه عهد الاعتدال بقدوم الرئيس حسن روحاني إلى الرئاسة في طهران. فالرئيس الإيراني وعهده الجديد ما زال تحت المجهر والاختبار. فإذا فشل الرهان الأميركي والغربي فعلى إيران الاعتدال سيترك ذلك أثره على العلاقة الغربية – الإيرانية ويسبّب انتكاسة للعلاقة التي أعطاها الرئيس روحاني أولوية كبرى وهي العلاقة الأميركية – الإيرانية. عندئذ يجب أن تكون المملكة العربية السعودية جاهزة لمثل هذه التطورات. أما إذا أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية جديتها في التحوّل نحو الاعتدال وفي تبني خطاب سياسي ليس مبنيّاً على الهيمنة الإقليمية، عندئذ أيضاً تكون السعودية جاهزة للاستفادة والبناء على هذا التطور. فالمهم ألّا تتغيب لأنها غاضبة أو مُحبَطة، والأهم أن تكون جاهزة للسيناريوين.
إدارة أوباما تتحدث دوماً بلغة «النووي» عندما تتكلم عن إيران وهي تتجاهل عمداً التجاوزات الإيرانية في سورية وكيف أتت الحرب الأميركية في العراق لتعطي إيران فوزاً استراتيجياً ونفوذاً ضخماً داخل العراق. إدارة أوباما كما الإعلام والرأي العام الأميركي لا تكترث لما يمثل الأولوية القصوى للمنطقة العربية عندما يتحدث العرب بلغة رفض وفرض النموذج الإيراني من الحكم الثيوقراطي الديني على المنطقة العربية. فأميركا حكومة وشعباً لا تبالي بانشغال الطرف العربي بالأولوية «الإقليمية» – وليس «النووية» – لجهة التصدي للطموحات الإيرانية الصاعقة بدور لإيران خارج حدودها وفي داخل العمق العربي.
بكلام آخر، إن الولايات المتحدة قررت ألا تستوعب معنى الانتصار الإيراني في سورية، وإفرازات فوز إيران بسورية في المعادلة الإقليمية. بكلام آخر، اختارت الولايات المتحدة – رئيساً وإدارة وكونغرس وإعلاماً ورأياً عاماً – أن تدفن الرأس في الرمال كي لا تواجه استخدام النظام في دمشق الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين كما استنتجت، رامية بعرض الحائط مزاعمها الأخلاقية والتزاماتها الدولية. بكلام آخر، قررت الولايات المتحدة أنها لا تريد أن تحارب أو أن تنجرّ إلى حروب، فاختارت سياسة إرضاء كل من يرحمها من الحرب ويساعدها في تجنب الانخراط. فأميركا الانعزالية ارتأت أن مصلحتها باتت في إرضاء ايران ومباركة دعم طهران للرئيس السوري بشار الأسد بصرف النظر عما يعنيه انتصارهما إقليمياً وعما سيترتب على ذلك الانتصار لجهة المصلحة الأميركية البعيدة المدى.
الشكوك العربية في المواقف الأميركية نحو إحداث سورية ونحو الدور الإيراني في سورية يجب أن تستوقف صناع القرار الأميركي. لذلك، من الضروري لإدارة أوباما أن نتوقف عن الانزلاق في متاهات ما ترسمها لها الديبلوماسية الروسية الحذقة والديبلوماسية الإيرانية الناجعة في حنكة التفاوض وفنون الاستقطاب.
في البدء، ليت حملة المودة الإيرانية واستقطاب الاقتناع باعتدال جدي لأركان الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، صادقان وجديان. الاختبار يجب ألا ينحصر في المحادثات النووية. إن أولى محطات الاختبار يجب أن تكون سورية. لذلك، يجب على إدارة أوباما أن تكف عن حصر مستقبل العلاقة مع إيران في الأولوية النووية وأن توسع حلقة الاختبار لتبدأ حيث يمكن طهران أن تُثبت حسن النوايا فوراً وذلك في سورية.
تحديداً، إذا كانت إدارة أوباما جدية في مواقفها نحو سورية ونحو إيران، عليها أن تضع الدور الإيراني داخل سورية على الطاولة ومعه دور «حزب الله» في القتال إلى جانب النظام في دمشق. هناك اليوم قنوات تواصل بين واشنطن وطهران، وهناك حاجة ماسة للكف عن التظاهر برفض التباحث في الناحية الإقليمية حرصاً على مفاوضات الناحية النووية. فإيران تحارب في سورية عبر «حزب الله» وهي تنتهك قراراً لمجلس الأمن يحظر عليها، بموجب الفصل السابع من الميثاق، التورط عسكرياً خارج حدودها مباشرة أو بالنيابة. هذه ورقة اختارت واشنطن تجاهلها عمداً بحجة الفيتو الروسي في مجلس الأمن. اليوم توارى شبح الفيتو الروسي وبدأ عهد التواصل مع إيران. هذه فرصة لواشنطن لتتفضل بالتعبير عن مواقفها التي تتهم إيران بالتورط في سورية، أقله لتقول: «حان وقت التحدث عما تفعله الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سورية بما يتعارض جذرياً مع ما تريده الولايات المتحدة هناك. فليتوقف دفن الرؤوس في الرمال».
إدارة أوباما تبدو راغبة بأن يكون لإيران دور في مؤتمر «جنيف – 2» لإطلاق العملية السياسية الانتقالية حيث يتم إنشاء هيئة ذات صلاحيات إدارية كاملة تمثل الانتقال من النظام في دمشق إلى جديد تتفاوض عليه المعارضة السورية مع النظام الحاكم بناءً على ما تم الاتفاق عليه في «جنيف – 1» قبل أكثر من سنة ووقع فريسة التفسيرات الروسية والغربية المناقضة له.
الأمانة العامة للأمم المتحدة تبدو بدورها راغبة في صقل دور لإيران اعتقاداً منها أن الحل التفاوضي للمعضلة السورية يتطلب حتماً دوراً إيرانياً، وهي بدورها تتجاهل عمداً معضلة انتهاكات إيران لقرار ملزم لمجلس الأمن – وتقفز عليها – ظنّاً منها أن طهران تمتلك مفتاح تعطيل الحل السياسي إذا ووجهت بمسألة الانتهاك. بالتالي، ارتأت واشنطن والأمانة العامة للأمم المتحدة أن الحل السياسي للمسألة السورية يتطلب مراعاة طهران لدرجة مباركة الانتهاك الفاضح لقرار مجلس الأمن صدر بموجب الفصل السابع من الميثاق. وهذا خطير.
ما يوازيه من خطورة هو استعدادهما لتوجيه دعوة إلى إيران للمشاركة في «جنيف – 2» من دون تعهد مسبق من طهران بالالتزام بـ «جنيف – 1»، أي الالتزام بأن يكون الهدف البدء بعملية سياسية انتقالية من النظام الحاكم في دمشق إلى حكم جديد في سورية يتم التفاوض عليه بين النظام الحاكم والمعارضة السورية. كلاهما مطالب باشتراط ذلك. كلاهما مطالب بالتوقف عن الانزلاق في أحضان طهران بلا محاسبة.
المملكة العربية السعودية بدورها مطالبة بأن تنخرط جدياً في تمكين انعقاد «جنيف – 2» بمشاركتها هي وعبر التأثير في المعارضة السورية التي تمون عليها بالمشاركة. أولى محطات الدور الضروري لها يكمن في إعادة النظر في رفضها عضوية مجلس الأمن. فلقد عبرت الرياض عن احتجاجها على كيفية تعاطي الأمم المتحدة مع الملف السوري برفضها العضوية التي حصلت عليها عبر انتخابها كعضو في مجلس الأمن. الآن، من المفيد لها وللقضايا التي تهمها – سورية وفلسطين على السواء – أن تلبي مناشدتها العودة عن إعلانها رفض العضوية كي تنخرط جدياً في صنع القرار من داخل مجلس الأمن.
فالامتناع عن العضوية مسيء للقضايا التي تهم المملكة بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، لا سيما أن ملف سورية عاد إلى الأمم المتحدة بدل أن يتحول إلى مقايضات أميركية – روسية. وفي الأمم المتحدة يمكن الديبلوماسية السعودية أن يكون لها نفوذ. الامتناع عن ممارسة هذا الدور ليس في المصلحة السورية. وبما أن الإبلاغ الرسمي لم يتم، من السهل للرياض أن تعود عن رأيها لتثبت أنها جاهزة لخوض المعركة الديبلوماسية المهمة لمستقبل سورية داخل الأمم المتحدة. ففي مجلس الأمن، مثلاً، تسعة أصوات للدول المنتخبة توازي الفيتو الذي تمتلكه الدول الخمس الدائمة العضوية. هناك يمكن الديبلوماسية السعودية أن تثبت ثقلها وتأثيرها في صنع القرار والتصدي لامتلاك القرار في الشأن السوري أميركياً وروسياً حصراً.
«جنيف – 2» مهم للمعارضة السورية مهما بدا أن الانخراط في تلك العملية السياسية الانتقالية سيكون لمصلحة النظام. فمجرد جلوس مندوبين عن النظام إلى طاولة البحث في بديل عنه هو في مصلحة المعارضة السورية. مجرد وجود الأمم المتحدة راعياً للعملية السياسية الانتقالية يمثل حماية للمعارضة في خضم محادثاتها عن بديل للنظام.
فمؤتمر جنيف يعني التغيير في سورية تحت رعاية دولية. انعقاد المؤتمر يعني انطلاق زخم سياسي من أجل التغيير ضمن شراكة دولية ودور فاعل للأمم المتحدة. ومن مصلحة المعارضة الإصرار على الإطار الدولي المتاح في «جنيف – 2». إنه زخم يجب عدم التفريط به. زخم يتيح الفرصة لمحاسبة كل المعنيين، بما في ذلك الإمساك بقدمي روسيا والولايات المتحدة فوق النار كي يقوما بدورهما بالإمساك بأقدام النظام في دمشق ومن يدعمه في طهران لإثبات الجدية في شأن العملية السياسية الانتقالية إلى جديد في سورية.
الحياة
جنيف -2» ليس حاجة سورية/ عبدالله إسكندر
يبدو مؤتمر «جنيف – 2» للبحث في حل للصراع في سورية حاجة روسية (إيرانية) – أميركية (غربية) أكثر بكثير من كونها حاجة للأطراف السوريين أنفسهم. ويظهر أن ديبلوماسية الإعداد لهذا المؤتمر أتاحت تقارباً روسيا – أميركياً حول قضايا خلافية بينهما، خصوصاً الملف النووي الإيراني في الوقت الذي أكد الجانبان تمسكهما بالمصلحة الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل. بما يعيد تعايش المصالح الروسية والأميركية إلى قاعدة استبعاد العمل العسكري، سواء على نحو مباشر أو عبر وسطاء محليين، بعد تجارب قوة حول أكثر من ملف ومنطقة في العالم. ومن هنا يمكن فهم تخلي إدارة الرئيس باراك أوباما عن توجيه ضربة عسكرية لقوات النظام السوري في مقابل ضمانة روسية بنزع الترسانة الكيماوية لهذا النظام.
وفي هذا المعنى، شكل التفاهم الروسي – الأميركي على معاودة إطلاق ديبلوماسية «جنيف – 2» الآلية التي أتاحت لموسكو وواشنطن التواصل المباشر ومن ثم التفاهم على منهجية العلاقة في ما بينهما. وهي المنهجية الجديدة التي ستحل محل منهجية الأحادية القطبية التي اعتمدتها واشنطن وانقادت إليها موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه.
تلاقت هذه المنهجية مع مصلحة النظام السوري على المدى القريب على الأقل، إذ أنها وفرت له فرصة ديبلوماسية ذهبية لالتقاط الأنفاس، ووفرت له القدرة على التحرك الميداني بعدما بات سلاحه الكيماوي الذي كان وراء الهبة العالمية ضده خارج أي اعتبار. وهذا ما عبر عنه الرئيس بشار الأسد بفكرتين: الأولى البقاء على رأس السلطة بعد انتهاء ولايته الحالية، والثانية أن ظروف مؤتمر «جنيف – 2» غير متوافرة، نظراً إلى كون المطروح فيه للمناقشة، نظرياً على الأقل، السلطة الانتقالية التي تتمتع بصلاحيات.
في المقابل، تبدو المعارضة السورية بأطيافها المختلفة غير قادرة حتى على اتخاذ موقف من هذا المؤتمر، بغض النظر عن جدول أعماله. وإلى الجدل الذي أثير بفعل إعلان «المجلس الوطني» المقاطعة، وإلى التضارب في المواقف بين مكونات داخل «الائتلاف» من خارج «المجلس»، هناك القوى العسكرية المعارضة على الأرض التي يعارض بعضها بقوة المؤتمر ويهدد من يشارك فيه والتي يشكك بعضها الآخر في التزام جدول الأعمال المعلن في حين يضع بعض ثالث شروطاً للقبول بالمشاركة.
ومن غير المتوقع أن تسفر الضغوط الروسية – الأميركية، خصوصاً عبر اجتماعات «أصدقاء الشعب السوري» عن الدفع إلى وحدة مواقف المعارضة السورية، ناهيك عن إقناع الغالبية فيها بحضور «جنيف – 2»، بغض النظر عن الوعود والضمانات. إذ إن وضع المعارضة لا يتعلق باختلاف وجهات نظر من عملية سياسية، هي مؤتمر جنيف، وإنما يتعلق بتكوينها وفاعليتها على الأرض ووضوح مشروعها السياسي وقدرتها على ترجمة ذلك في مواجهة ناجحة للنظام، ميدانياً وسياسياً، وصولاً إلى القدرة لفرض السلطة الانتقالية ذات الصلاحيات كما نص على ذلك «جنيف -1».
في هذا المعنى، لم تنضج ظروف المعارضة السورية للدخول في عملية سياسية معقدة مثل تلك التي يفرضها «جنيف -2» في حال انعقاده، بمن حضر وتحت وطأة الضغوط الأميركية – الروسية. وهذا ما يجعل إلقاء اللوم والمسؤولية على دول الجوار الداعمة للمعارضة ذراً للرماد في العيون وهروباً من أي محاسبة التي هي الاستحقاق الحقيقي لعملية سياسية تنهي النزاع في سورية.
هكذا لا يبقى من «جنيف – 2» إلا جولات الموفد الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي وتصاريحه التي تعكس عدم القناعة بجدواه. إذ تارة يقول إن لا موعد محدداً للمؤتمر، وتارة يريد من المعارضة السورية أن تقنعه بأنها معارضة كي يكون حضورها في المؤتمر مفيداً، وثالثة يريد حضور كل من يرى أن له مصلحة في إنهاء النزاع والذي يمكن أن يكون أياً كان، وهلم جرا… ولا يبقى من «جنيف -2» إلا كونه مناسبة وفرصة لاستمرار لقاءات المسؤولين الروس ونظرائهم الأميركيين، بحثاً عن تنظيم التعايش في ما بينهم.
الحياة
مسلسل جنيف/ محمد ابرهيم
نقطة التقاطع الوحيدة بين اميركا واوروبا من جهة وروسيا من جهة ثانية تكاد تكون انه لا حل عسكريا للأزمة السورية. ومن هنا ضرورة اقناع السوريين ودول الجوار الاقليمي بالانضمام الى مسار جنيف- 2. لكن طريق الوصول الى المؤتمر، كما تدل خريطتي الطريق الروسية والاميركية، تعني بالعكس، انه لا حل الا عسكري للنزاع.
ليس على جدول الاعمال الروسي- الاميركي للأشهر المقبلة سوى تذليل العقبات امام انعقاد المؤتمر. وبما ان النظام جاهز منذ الان لتسمية وفده فإن مشكلة الانعقاد تبدو اميركية اولا واخيرا. والمدى الزمني المفتوح امام محاولات عقد المؤتمر يعني ان واشنطن لا بد ستنجح في النهاية في اقناع قسم من المعارضة بالمشاركة. وستكون وسيلة الاقناع، ولاشك، التزام “اصدقاء سوريا” بدعم مطلب المعارضة بازاحة الاسد في المؤتمر.
اذن، المطلوب عملياً انعقاد المؤتمر بإلحاح كي… يفشل في حل الازمة، لكن في المقابل ينجح في التمهيد لمؤتمر جنيف- 3، بأمل توسيع المشاركة وتضييق شقة الخلافات. وهذا المسلك القائم على توافق اميركي- روسي فارغ على عقد المؤتمر وليس على فرض نتائجه، يعني ان لمسلسل جنيف وظيفة فعلية واحدة هي تجنيب الاميركيين والروس الاجابة على الاسئلة المحرجة حول التناقض بين اهدافهم المعلنة وممارستهم الفعلية، وتحويل الاحراج الى السوريين انفسهم.
كما ان المسلسل نفسه، المحرج للوسطيين السوريين وليس لصقور المعسكرين، يجعل عمليا الحل العسكري الافق الواقعي الوحيد. وعلى هذا الصعيد يبدو النظام قوة توحيدية، فيما تبدو المعارضة قوة تفتيتية. وبما ان الحسم ممنوع، لأن المتورطين الاقليميين والدوليين، على الجانبين، اوغلوا في رهن هيبتهم بحصيلة النزاع، فإن الباب يصبح مشرّعا امام التفسيرات التي تقول بأن هناك ارادة مشتركة اميركية- روسية بجعل سوريا لبنان جديدا على الطريقة الكيسينجرية. كان يمكن نسبة هذه الحصيلة الشيطانية للمديرين الروسي والاميركي للأزمة لولا ان روسيا تشعر فعلا بأنها مهددة بالبعد الاسلامي المتوسع للأزمة، ولولا ان اتهام ادارة اوباما الشائع بأنها بدون استراتيجية لا يقتصر على الموضوع السوري. انها شخصية اوباما وواقع ان اميركا لم تتعافَ بعد من سنوات بوش الابن، ما يجعل سوريا تنتقل من جنيف الى آخر. وليس قبل ان ترتب واشنطن معسكرها، معسكر “اصدقاء سوريا”، وعلاقته بالمجموعات العسكرية على الارض بما يحاصر ظاهرة “القاعدة”، يمكن توقع مشروع حل للأزمة يكون في وسع موسكو التوقيع عليه.
مشكلة جنيف هي مشكلة المعارضة السورية اولاً، وانقسامات هذه ليست مجهولة الاسباب، ويصعب العثور في الوضع الراهن على فصيل معارض لا يقع تحت النفوذ المباشر لأحد… “الاصدقاء”.
النهار
المشروع السياسي وراء «جنيف 2/ عبد الرحمن الراشد
يجب ألا تتغيبوا عن «جنيف 2»، لأننا سنناقش فيه مسائل الحكم والجيش والأمن في سوريا الانتقالية. هذه نصيحة رئيس الدائرة السياسية في الأمم المتحدة جيفري فيلتمان للمعارضة السورية التي أصبحت تحت ضغوط شديدة بعدم المشاركة. بعكس ذلك، يقول فيلتمان، وهو من أكثر السياسيين دراية بالتفاصيل السورية، إن أهمية المؤتمر المقبل أنه سيقرر شكل سوريا الجديدة؛ فيه ستناقش الصلاحيات التنفيذية الكاملة للهيئة الحاكمة الانتقالية في سوريا، والتي على مؤتمر «جنيف 2» أن يؤسسها، مثل: لمن ستكون السلطة على الجيش والقوى الأمنية. المؤتمر هدفه إطلاق عملية سياسية بقيادة سوريا «ليس لإدارة الوضع القائم، بل للوصول إلى سوريا جديدة»، كما قال فيلتمان للزميلة «الحياة».
بالنسبة لرئاسة الائتلاف ومعظم الأعضاء يدركون أن الغياب سيمكن فقط النظام السوري من كسب المعركة السياسية، وسيكون من الصعب لاحقا تصحيح الهياكل التي يتم الاتفاق عليها. وهذه القيادات السورية المعارضة تواجه حملة شديدة من أطراف في المعارضة تتعمد إحراجها واتهامها حتى لا تشارك، نتيجة التنافس السياسي بينها داخل المعارضة، وليس فعلا عن قناعة بأن المؤتمر عملية مرفوضة. وقد استخدموا لهذا الغرض أسلحة التخوين الكلامية التي شاعت أخيرا، وبعضهم لجأ إلى التشكيك بحقهم في المشاركة دون تفويض! وهناك فريق غاضب ويائس لا يريد المشاركة في أي عملية سياسية لكنه في الوقت نفسه لا يطرح البديل الذي هو قادر على إنتاجه.
في مؤتمر لندن سعت المعارضة إلى إلزام الأطراف الرئيسية بوضع حد زمني من ثلاثة أشهر لمثل هذه العملية السياسية حتى لا يحولها الخصوم، مثل الروس، إلى لعبة وقت لا تنتهي، لكن الطرف الأميركي لم يكن راغبا في تقييد نفسه بزمن محدد. حتى مع هذا الإخفاق تستطيع المعارضة الانسحاب متى ما اعتقدت أن الوقت طال بلا طائل، أو أنها رأت أن مسار المفاوضات لاحقا لا يصب في مصلحة الشعب السوري وتوقعاته. وإذا كانت المعارضة لم تحصل على ضمانات قبل الجلوس على الطاولة فإنها قد كسبت أن المؤتمرين قد أقروا بأحقية الائتلاف في تمثيل المعارضة، بوصفه من يمثل «أساس وقلب» المعارضة، وقطعوا بذلك الطريق على دكاكين المعارضة الوهمية التي اخترعها النظام السوري وسعى الإيرانيون للترويج لها. لكن لن يكون الطريق سهلا، خاصة أن النية في إعادة تركيبة ائتلاف المعارضة بإدخال جماعات معارضة مسلحة لتعزيز وضعه كممثل لكل القوى على الأرض.
وما يقوله فيلتمان صحيح من حيث ضرورة المشاركة وعدم ترك هذه المناسبة التي تجتمع فيها قوى العالم الكبرى لإقرار مصير سوريا وهم بعيدون عنها، لكن أيضا على المعارضة أن تدفع القوى الموالية لها، مثل الدول الخليجية، برفع الدعم العسكري حتى لا تمر الأشهر المقبلة بانتصارات لجيش الأسد تعزز وضعه التفاوضي. الوضع على الأرض سيلعب دورا مهما خلال فترة المفاوضات، وما قاله الرئيس بشار الأسد من أنه سيرشح نفسه للانتخابات يعني أنه ينوي مضاعفة نشاطه القتالي، وهو الذي لاحظناه لاحقا.
الشرق الأوسط
جنيف ـ 2″ المهدّد بالتأجيل أو الإلغاء/ د. نقولا زيدان
لأن الشعب السوري بذل حتى اللحظة وقدّم 120 ألف شهيد، و225 ألف معتقل وأكثر من 4 ملايين نازح ومشرّد، وعشرات ألوف المدن والبلدات والقرى والدساكر التي تعرضت للتدمير المبرمج، ولإعادة التدمير. فالحقول تصحرت والكروم يبست وأشجار الزيتون جرى احراقها والمحاصيل أتلفت. وسوريا البلد الزراعي الأول في المنطقة أصبح بحاجة لمساعدات غذائية. إن إهراء روما التي بكاها هرقل امبراطور بيزنطية بعد هزيمته في اليرموك لم تعد تقدم الحنطة والحبوب حتى لأهلها الآن. إن الجوع يضرب سوريا الآن فهل يسمع المجتمع الدولي ويرى أم لا؟
على امتداد سنتين ونصف من الحرب المدمرة التي استخدم فيها النظام الأسدي كل ما أوتي من أنواع الأسلحة والتدمير وأمعن في شعبه قتلاً وذبحاً وحرقاً وتدميراً وتهجيراً، والرأي العام العالمي يتفرج أو يعقد الاجتماعات الصورية التي تنفض عن نتائج ضحلة. وكأن الحرب السورية يجب أن تستمر لتشهد الدنيا كلها مأساة العصر. ويدير بشار الأسد علاوة على بربرية بطشه الدموي سياسة الممانعة والمراوغة والنفاق والتلاعب والتهرب والتملص، بل استجرار واستدعاء الارهابيين القتلة المحترفين ليحول سوريا الى بؤرة للارهاب فيجري طعن المعارضة المسلحة في ظهورها لتفكيك أوصالها وشرذمة صفوفها (الجيش السوري الحر). لا بل يستدعي حلفاءه الايرانيين من الشرق (الحرس الثوري الايراني، لواء أبو الفضل العباس) ومن لبنان (مقاتلي حزب الله) وما هبّ ودبّ من أنصار الطروحات المذهبية السوداء، في وقت لا تتوقف الامدادات الروسية والايرانية عن تزويده بفائض هائل من الأسلحة والذخائر. بل وصل به الأمر الى استخدام السلاح الكيماوي تدريجياً من خان العسل وصولاً الى فاجعة الغوطة الشرقية (1430 قتيلاً في لحظات ليل 20 21 أيلول 2013.
أكفهر الجو الدولي وبدا التدخل العسكري الأممي وشيكاً، فأصبح في مأزق داهم رغماً عن التردد والتخبط الذي اعترى دول الغرب التي قررت ضرب نظامه الدموي، فكان اتفاق كيري لافروف: أن يعمد الأسد لتسليم مخزونه من السلاح الكيماوي طوعاً وأن يصار لعقد مؤتمر جنيف 2 بأقصى سرعة ممكنة.
لقد كانت قرارات جنيف1 حاسمة ألا وهي تنحي الأسد وتسليم كامل صلاحياته لحكومة مؤقتة انتقالية (30 حزيران 2012). والآن يجري السباق المحموم لعقد جنيف2.
تعالوا نقرأ معاً، وهذا من حق الرأي العام السوري والعربي، ما الذي يجري اعداده لعقد جنيف2 الذي تتطلع اليه كل الدوائر وجميع عواصم القرار والدول المعنية وبالأخص الدول المحيطة بسوريا، وأهم من هؤلاء جميعاً الشعب السوري:
نص البيان الختامي لجنيف1 على وجوب تشكيل حكومة سورية انتقالية تنتقل اليها صلاحيات الرئيس الأسد وتكون صلاحياتها كاملة. ما يعني ضمناً وجوب تنحيه عن السلطة. بل تضمن البيان صراحة كلاماً واضحاً عن “مرحلة ما بعد الأسد”.
إلا أن الاتصالات التي جرت بين طهران وموسكو ثم الوفود والمبعوثين الذين أرسلتهم دمشق الى الكرملين أدت الى صدور تصريحات عن وزير خارجية روسيا “لافروف” بل “بوتين” نفسه تشكك بالعبارة التي صدرت يومها عن هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة وكأن لدى الروس تصوراً ما لإمكانية قيام حكومة انتقالية في سوريا مع بقاء الأسد في سدة الرئاسة.
وقد ظل اللغط والتأويل يدور حول هذه المسألة طيلة الفترة السابقة حتى وضع حداً عملياً لها اتفاق كيري لافروف في جنيف مؤخراً بعد فاجعة الغوطة الشرقية واحتمال توجيه ضربة عسكرية أميركية لسوريا.
بدا الاتفاق الأميركي الروسي واضحاً بوجوب تسليم الأسد مخزون سلاحه الكيماوي الى الأمم المتحدة فجرى على وجه السرعة تشكيل فريق من الخبراء الدوليين برئاسة البريغادير “مالسروم” النرويجي الذي جاء الى سوريا وباشر مهامه.
في آن معاً بدأ العمل على اعداد جنيف2، حيث أوكل للمبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي الاعداد للمؤتمر.
بعد تأرجح دام بعض الوقت وافقت دمشق رسمياً على حضور المؤتمر. إلا أنه ما لبث نائب الأسد للشؤون الخارجية وليد المعلم أن أدلى بتصريح يقول فيه، “إن الذي يحدد مصير الأسد ليس جنيف2 بل الدستور السوري”.
بالرغم من تحفظاته حيال هذا التصريح كان جواب الائتلاف الوطني السوري بالموافقة المشروطة على حضور هذا المؤتمر على خلفية تمثيله المعارضة السورية كلها هناك.
في آن معاً، وأثناء انعقاد الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، فوجئ العالم بالخطاب الودي الملاين حيال السياسة الأميركية من قبل الرئيس روحاني الذي قوبل باتصال مباشر من الرئيس أوباما به. تبعته مباشرة جلسات جانبية بين وزير خارجية ايران “ظريف” ووزراء خارجية الدول الخمس زائد واحد (ألمانيا) حيث جرى الاتفاق على مساع مشتركة دولية ايرانية لحل المشكلة النووية الايرانية.
صدرت تصريحات غربية عدة بوجوب تخفيف العقوبات الاقتصادية عن ايران في حال أبدت سلوكاً عملياً يسهل حل مشكلات مفاعلاتها النووية.
صدرت عن طهران مواقف ايجابية تتضمن موافقتها على السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية (AIEA) بالقيام بزيارات تفتيش مفاجئة لمفاعلاتها النووية في الوقت الذي قبلت فيه طهران بإبقاء تخصيبها لليورانيوم بنسبة أدنى من 20 بالمئة، لكنها أرفقته بموجب إبقاء مخزونها لليورانيوم على أرضها ورفضها ايداعه خارج بلادها.
إن خطف الأضواء والاهتمام من قبل النظام الايراني والمحادثات المتواصلة بين طهران والاتحاد الأوروبي وأميركا قد حجب عملياً المساعي المبذولة لعقد جنيف2. وقد برز تطور لافت من قبل روسيا بوجوب حضور طهران المؤتمر المذكور. وقد عزز ترحيب الأخضر الابراهيمي هذا الاقتراح. إلا أنه أثار حفيظة المعارضة السورية التي اعتبرت النظام الايراني طرفاً ضالعاً في الصراع العسكري الدائر على أرض سوريا فهي والحالة هذه ليست طرفاً محايداً، فرفضت حضورها فيه.
من أجل اضعاف موقف المعارضة السورية، وأمام التطورات المريبة الجارية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من صدامات مسلحة بين “داعش” و”النصرة” وبينهما وبين قوات الجيش السوري الحر كان تصريح لافروف بوجوب أن تتمثل المعارضة المعتدلة وحدها في المؤتمر.
أعلن المجلس الوطني السوري رفضه حضور جنيف2 وهو العمود الفقري للمعارضة ما أفقد الائتلاف كثيراً من صدقية تمثيله المعارضة في المؤتمر.
شنت قوات النظام السوري بالتآزر مع لواء الفضل بن عباس ومقاتلي حزب الله هجومات ضارية على معضمية الشام والغوطتين ومعاقل أخرى للمعارضة في درعا. والهدف الرئيسي من هذا هو اضعاف المعارضة المسلحة الرسمية (الجيش السوري الحر) لتصل بشق النفس لتتمثل في المؤتمر العتيد.
حيال هذا الوضع المربك والتجاذبات البالغة حدودها القصوى في التحضير لجنيف2 وجه بشار الأسد ضربته اليائسة لإجهاض المؤتمر فصرح منذ يومين لإحدى محطات التلفزة انه عازم على ترشيح نفسه لتجديد ولايته ابتداء من صيف 2014.
أثار تصريح الأسد هذا ردة فعل حادة لدى جميع الأوساط المعنية بالمؤتمر.
فالأخضر الابراهيمي أصيبت جولته المكوكية بضربة قاسية. وتوالت المواقف المستنكرة من قبل الائتلاف الوطني السوري، وزير خارجية أميركا كيري الذي صرح أن الاعلان عن نوايا الأسد استمراره في الحكم هو استمرار للحرب في سوريا. ثم أعقب كيري تصريحه هذا بالقول ان حل مشكلة السلاح الكيماوي السوري لا ينهي المأساة السورية المستمرة. كما أعقبه وزير خارجية بريطانيا بالتأكيد أنه لا يمكن القبول بأن يكون الأسد جزءاً من أي حل للأزمة السورية. أما المندوب السعودي في مجلس الأمن فقد ألقى رسالة قوية في كلمته للمجتمع الدولي وبالأخص في قوله: إن النظام الأسدي يحاول تغطية إصراره على استمرار المذبحة السورية باتلاف مخزونه من السلاح الكيمياوي.
إن المعطيات المتوفرة وجميع المؤشرات المؤثرة لتدلّ أن مؤتمر جنيف 2 قد أصبح عملياً مهدداً بالتأجيل والإرجاء بل بالإلغاء. فأمام المجتمع الدولي خيار واحد لا ثانٍ له: تنحية الأسد شرط ضروري وملزم لنجاحه. والأيام المقبلة ستكون حاسمة في هذا الشأن.
المستقبل
هل يدعم جنيف – 2 ترشيح الأسد؟/ موناليزا فريحة
لم يعد السوريون يعرفون أي جون كيري يصدقون. الوزير الاميركي الذي وقف قرب نظيره الروسي قبل اسبوعين على هامش قمة آسيا – المحيط الهادئ لينوه بـ”امتثال” نظام بشار الاسد و”سرعته القياسية” في تفكيك ترسانته الكيميائية، أم ذلك الذي خرج من لقاءاته مع وزراء عرب في باريس الاثنين الماضي ليقول إن الحرب في سوريا لن تتوقف اذا لم يرحل الاسد.
في الواقع لم يعد السوريون ولا المتحمسون لثورتهم، مقتنعين بأن كيري ومعه اداراته والغرب كله يريدون سقوط النظام السوري. وليست الديبلوماسية الناشطة حالياً لعقد مؤتمر للسلام كافية لتبديد هذه الشكوك. فلا في لقاءات كيري مع الوزراء العرب ولا في مؤتمر”أصدقاء الشعب السوري” ما يوحي جديا بأن الاهداف التي انطلقت من أجلها الثورة السورية قبل سنتين ونصف سنة، ستكون مضمونة في “جنيف-2”.
ليس من حق المعارضة السورية مقاطعة اية محادثات تخص سوريا. وغيابها عن “جنيف -2″، إذا عُقد، لا يحول محادثات السلام مجرد مونولوغ مكرر عن السلام فحسب، وإنما يضعف موقعها أكثر في اية معادلة سورية جديدة. ولكن مع التحدي الذي يواصله الرئيس بشار الاسد والذي بلغ ذروته بقوله ان ليس ثمة ما يمنع ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة، والزخم الذي تكتسبه قواته على الارض، كان واجباً على العالم تحصين هذه المعارضة وتقوية موقعها قبل أية مفاوضات تواجه فيها خصماً يتمتع بدعم ثابت وراسخ من روسيا وايران.
كثيرة هي اخفاقات المعارضة السورية. تشرذم سياسي وعسكري أفقدها كثيرا من صدقيتها على الساحة الدولية وقلص نفوذها على الجماعات المقاتلة. وفي الاسابيع الأخيرة، لم يعد واضحاً ما اذا كان لا يزال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” يمون على أحد على الارض.
خيبت المعارضة لا السوريين وحدهم، وإنما جميع من كانوا يتطلعون الى قيادة سورية معتدلة تحل محل نظام الاسد. لكنّ هذه المعارضة، أو ما تسميه وزارة الخارجية الاميركية “آلاف المجموعات المختلفة” ليست وحدها مسؤولة عن دم السوريين. تلكأ العالم كثيراً في دعم المطالب المحقة للشعب السوري الذي خرج سلمياً يطالب بتغيير النظام. وعندما تحولت الانتفاضة حرباً ضروساً، سارع الى تبني نظرية النظام بأن البديل منه هو حكم “القاعدة” في سوريا، علماً أن “القاعدة” وأخواتها لم تستبح جبهات سوريا الا عندما أظهر النظام مقاومة قوية استمدها من حذر العالم وتردده.
خذل العالم كثيراً الثورة السورية. صارت الهوة بينه وبينها كبيرة، ربما بحجم العداء بين الثورة والنظام. وفي وضع كهذا لا تعود غريبة مخاوف المعارضة من أن تكون الضغوط عليها للمشاركة في “جنيف-2” دعوة لمباركة ترشح الاسد لولاية جديدة.
النهار
انعقاد مؤتمر جنيف – 2 يريح لبنان جولة الإبرهيمي للتنسيق والإعداد/ خليل فليحان
يعتقد المسؤولون المعنيون بملف اللاجئين السوريين في لبنان، أن الحل الحقيقي لتلك المعضلة يبدأ بنجاح مؤتمر “جنيف – 2” الذي سيريح لبنان في مجالات أخرى أمنية واقتصادية، ولا سيما اذا كان المؤتمر سينعقد في الثلث الاخير من الشهر المقبل اذا سارت الامور وفقا لما يخطط لها.
وتغيّر ما كانوا يتوقعونه لدى اطلاعهم على التباين العلني الذي سجل بين الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، والممثل الاممي والعربي الخاص المكلف بالملف السوري الاخضر الابرهيمي في ختام اجتماع الرجلين في القاهرة أول من أمس الاحد، وذلك حول امرين: الاول موعد انعقاد المؤتمر بانه حدد في 23 من تشرين الثاني المقبل، فيما الابرهيمي اكد ان الموعد النهائي لعقده سيكون في ختام جولته التي بدأها بالقاهرة، وستشمل الدوحة وانقرة وطهران ودمشق، وآخر محطة ستكون جنيف للقاء مسؤولين عن الطرفين الاميركي والروسي واعضاء في مجلس الامن وفي ختامه يعلن عن الموعد النهائي لـ”جنيف – 2″. اما الامر الثاني فهو مكونات وفد المعارضة. فالابرهيمي يستبعد عقد المؤتمر اذا لم يتم الاتفاق على وفد يمثل ما سماه “معارضة مقنعة”. وسألت موسكو ليلا ما الجدوى من انعقاد اجتماع للمعارضة اليوم الثلثاء لمناقشة ما اذا كانت هذه المعارضة ستتمثل في اجتماع جنيف في 23 تشرين الثاني ام لا؟ وماذا لو رفضت؟ يجيب المبعوث الاممي والعربي بأنه ليس من الضروري ان تتمثل جميع فصائل المعارضة في المؤتمر الذي تتمنى انعقاده خلال الشهر المقبل، بل يمكن الانضمام الى التفاوض في مراحل لاحقة. المهم ايضا عدم وضع النظام شروطاً مثل عدم التفاوض لما يسميه اولئك الذين تلطخت اياديهم بالدم.
ولمس الابرهيمي خلال اجتماعه بوزير الخارجية المصري نبيل فهمي أن القاهرة مع الحل السياسي للازمة السورية، لكن مصر هي ايضا مع الوصول الى مرحلة انتقالية تمكن الشعب السوري من اتخاذ قراراته وفق آليات تخص دولته.
ودعت مصادر ديبلوماسية في بيروت القيادات الفاعلة الى تشكيل حكومة قادرة وقوية لمواكبة ما يجري من اتصالات قبل حلول موعد انعقاد جنيف – 2، لان ذلك يشجع الدول الكبرى التي بيدها الحل، على المساعدة القصوى للبنان بشكل عام وللعديد من الطلاب السوريين المنتشرين في كل انحاء لبنان لاستكمال احصاء ما يحتاجون اليه من غذاء ورعاية صحية.
وجددت هذه الدعوة بعدما تبين ان بعض الجهات الحزبية تحاول التشويش على المساعي الجارية من اجل عقد جنيف – 2، والمهم عندها الا يعقد، وان تستمر المواجهات القتالية التي لا توحي النية للتوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار لعقد جلسات حوارية بين النظام والمعارضين.
وراجت معلومات مؤداها ان الابرهيمي يستفسر من الدول التي سيزورها عما اذا كان المسؤولون فيها يؤيدون مشاركة طهران في اعمال جنيف 2 ام لا؟ وفي رأي المبعوث الاممي والعربي ان مشاركتها ستسهل الكثير من الامور، ومن بينها المساهمة في وقف النار بهدف وقف التهجير، وكذلك ان تتمثل انقرة في تلك الجلسات.
وأعربت المصادر عينها عن رغبتها في ان ينعكس التقارب الاميركي – الايراني على الجهود الجارية لانجاح جنيف – 2 الذي سيؤدي الى اراحة السوريين من المواجهات العنيفة، تمهيدا لحوار بناء يوقف المجزرة المستمرة ويضع حدا للقتل والدمار والتخريب واللجوء الكثيف الى لبنان وبقية الدول المجاورة لسوريا .
وأكدت أن الابرهيمي يحاول تأمين حدّ أدنى من التهدئة خلال جولته، ووضع جدول أعمال للمناقشة بين المتخاصمين.
النهار
عن الحكومة و”الحوار” و”جنيف – 2/ عبد الوهاب بدرخان
بعد تهنئة مخطوفي اعزاز بسلامة العودة الى ذويهم، لا يزال هناك الآخرون: المطرانان بولس يازجي ويوحنا ابرهيم، السجينات السوريات اللائي كان يفترض اطلاقهن، مئات آلاف الاسرى والمفقودين السوريين الرهائن عند نظام الاسد، مئات اللبنانيين الذين خطفوا منذ ما يقرب من عقدين ونيّف ولم يوفّر النظام حتى الى أقرب حلفائه أي معلومة عنهم…
جميع هؤلاء لم يسأل جمهور “حزب الله” عنهم، فيما توزعت التمنيات والتساؤلات عنهم بحسب الانتماء الطائفي أو السياسي، مع استثناءات قليلة. وهذا بعضٌ من أعراض مرض لبناني لا ينفك يستفحل. كأن هذا المجتمع نسي أنه عرف هذه المرارات ومرّ بهذه المحن، فإذا بقلبه قد قسا ولم يتعلّم شيئاً.
من أين للحقد الأسود ان يصنع سياسة عاقلة أو حتى وطنية. انه ينتج مشاريع تخريب فحسب. سمعنا في غمرة التهاني المتبادلة من يتمنى أن تساهم الفرحة في اشاعة مناخ مؤاتٍ لاستيلاد الحكومة المرتقبة منذ ستة شهور. قد تكون أماني مخلصة، لكن لاحظوا الى أين وصلنا: أن نتوقع الحكومة منّة أو “عيدية” يغدق بها الحزب الحاكم بأمره على الشعب المسكين الذي أحسن صنعاً بابتهاجه بعودة المخطوفين، في الوقت الذي كان النصف الآخر من البلد يتذكّر اللواء وسام الحسن ومعه جميع الذين اغتيلوا ليتمكّن الحزب الحاكم بأمره من العبث بالشركة الوطنية وافسادها من دون أن يزعجه أحد.
تراجع كثيراً الحديث عن “الحوار الوطني”. أصبح مستحيلاً حتى على البديهيات. بالمناسبة هل يرغب الحزب اياه في الحوار قبل معركة القلمون أو بعدها؟ قالوا ان معركة القصير كانت ضرورة من أجل السكان في قرى لبنانية، ثم غدت ضرورية لحماية “ظهر المقاومة”، وكانت فعلياً لتحصين وضع قوات النظام في دمشق ومحيطها، ولم يتحصّن. وماذا عن القتال في حمص والمشاركة في حصارها، والآن ماذا عن معركة القلمون وما سيتبعها؟ كلّه من أجل المقاومة، اذ لم تعد حمايتها ممكنة إلا بقتل الشعب السوري وتدمير مدنه والمشاركة في تهجير أبنائه.
دعكم من الحوار المستحيل، من الحكومة المستعصية، من المجلس النيابي المصادر والمشلول، ماذا عن لبنان في “جنيف – 2″، وأي موقف يتخذ؟ الأفضل عدم المشاركة اذا كان “النأي بالنفس” لا يزال سياسة الحكم. مجرد فكرة أن يتمثل لبنان بوزير الخارجية تثير الغثيان. اصبح معروفاً انه يأخذ التوجيهات من الحزب الحاكم بأمره وليس من مرجعياته الدستورية.
سيكون المؤتمر تمريناً آخر على الديبلوماسية الفئوية، وفرصة لإثبات الموقع الذي حدّده النظامان السوري والايراني للبنان.
النهار
جنيف 2: هل النظام السوري قويّ حقا؟
رأي القدس
تقول روسيا ان النظام السوري وافق على الذهاب الى جنيف 2 وتطالب حلفاء المعارضة الدوليين والعرب بـ’جلب’ المعارضة السورية الى ‘بيت الطاعة’ الدولي (مؤتمر جنيف 2) صاغرة، فهل وافق النظام السوري حقاً على الذهاب الى جنيف 2؟
التزم الائتلاف الوطني السوري، في ورقة قدمها لاجتماع أصدقاء سورية في لندن أمس، بمقررات مؤتمر جنيف 1 الذي ينص على تشكيل حكومة سورية بصلاحيات كاملة، بما فيها القوات المسلحة والأمن والمال، وكذلك الالتزام بالطروحات التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الخاص الى سورية الاخضر الابراهيمي، من وقف اطلاق النار وسحب الجيش واطلاق المعتقلين والسماح بالتظاهر السلمي والسماح للاعلام بدخول سورية لتغطية الأحداث والسماح بدخول المساعدات الانسانية.
النظام السوري لم يوافق على أي من بنود جنيف 1 او طروحات الأخضر الابراهيمي، وفوق ذلك فانه يحاول افشال المؤتمر سلفاً من خلال اشتراطه ان لا يبحث المؤتمر موضوع انتقال السلطة في سورية (وهو البند الأساسي في اتفاق جنيف 1)، وقوله ان المعارضة التي سيحاورها هي المعارضة ‘المرخصة’ في سورية.
لا يوفر رئيس النظام أية فرصة اعلامية للحديث عن ترشحه للرئاسة عام 2014 او عن بقائه رئيساً إذا تعذرت الانتخابات، وحين يسأل عن حكومة بصلاحيات كاملة يقول ان ذلك يستلزم تعديلا للدستور واستفتاء شعبياً وهذا لا يمكن تحقيقه في ظل الوضع الأمني الحالي.
يراهن النظام السوري على اضعاف مواقف المعارضة الجذرية للنظام من خلال دعمه العلنيّ لمواقف ما يسميها ‘المعارضة المرخّصة’ ممثلة بـ’هيئة التنسيق’ وقوى أخرى موافقة ضمنياً او صراحة على بقاء بشار الأسد رئيساً خلال المرحلة الانتقالية.
يضاف كل ذلك الى اصطفاف إقليميّ متبدّل فاسرائيل، نالت جائزتها السورية بموافقة الأسد على تسليم الترسانة الكيميائية، وهي صارت أقرب الى الأسد الضعيف دون أسنان كيماوية، بينما اتجهت الدبلوماسية المصرية الجديدة الى فتح الجسور على النظام السوري والتضييق ليس على المعارضة السورية فحسب بل على السوريين اللاجئين الى مصر حتى، بينما يعاود الأردن الرسمي التوكيد على سياسته السابقة الحذرة في التعامل مع النظام والمعارضة معا.
هذه الاشارات التي تصبّ في ميزان النظام السوري لا تعني ان النظام فرض شروطه على السوريين والمنطقة والعالم أو أنه قادر على الاستمرار، فتحطيم ترسانته الكيميائية، وثلاثة أرباع قوته الجوية، والضربات الكبيرة التي تعرضت لها قواته العسكرية والأمنية، أمور جعلته خارج المعادلة الاقليمية عسكرياً.
تغير الوضع الميداني على الارض ‘لم يحصل بسبب الجيش السوري بل بسبب دور حزب الله وايران وقتالهما دفاعا عن النظام’، كما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمس الأول، كما أن تقدم قوات النظام في منطقة يقابله تقدم آخر للمعارضة في مناطق أخرى كما حصل مؤخراً من استيلاء الاخيرة على حاجز ‘تاميكو’ الذي كان النظام يقصف منه قرى القابون وجوبر وغيرهما، وسقوط بلدتي صدد ومهين في محافظة حمص، والخسائر التي لقيتها قواته في دير الزور والذي أدى لفقدانه أحد مسؤوليه الأمنيين الكبار، جامع جامع.
التحليل الشكلي للواقع السوري والاقليمي الذي يقول بـ’تشرذم’ المعارضة و’قوة’ النظام لا يستقيم مع التحليل الديناميكي لهذا الواقع فالنظام السوري القويّ لم يعد سوى كيان هزيل استولت على سيادته وقراره وامكاناته قوى ثلاث: روسيا (وهنا يجب أن نقرأ معنى تصريحات وزارة خارجيتها عن ‘حماية المسيحيين في سورية’)، وايران (من خلال تدخلها الرأسي والأفقي في الجسد السوري)، واسرائيل (من خلال تدمير الترسانة الكيميائية لسورية)، وإنفضاض أي ركن من هذا أركان هذا المثلث عن حماية النظام سيودي عملياً به.
يقرأ العالم اختلافات المعارضة السورية على أنها شرذمة ولا يرى انها نتاج لما يعنيه الجوع الشديد للديمقراطية بعد طغيان خمسين عاماً، كما يقرأ العالم تماسك النظام الشكليّ على أنه قوة.
على المعارضة السورية، والعالم، رؤية شبح النظام السوري وهو يغادر التاريخ.
القدس العربي
هل تنسف معركة القلمون مبررات «جنيف 2»؟/ إياد أبو شقرا
أي المواقف نصدق؟ وهل يمكن الرهان على العهود؟
خلال ساعات كرر الرئيس السوري بشار الأسد كلاما يوحي بأن لا جديد لديه على صعيد إنهاء معاناة الشعب السوري عبر قوله البليغ إنه لا يرى ما يمنع ترشحه مجددا للانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن «جنيف 2» يأتي لتطبيق مقررات «جنيف 1».. وهذا يعني سلطة انتقالية لها دور فاعل ولا مكان لرئيس فعل ما فعله الأسد بشعبه وبلده.
في أي دولة في العالم، يستقيل الرئيس – التنفيذي – أحيانا إذا ما قصرت حكومته في التعامل مع كارثة طبيعية أو مع فضيحة أخلاقية لأحد أعضاء الحكومة.. والاستقالات كثيرة في تاريخ الديمقراطيات الأوروبية، ويذكر أنه في بريطانيا كاد هارولد ماكميلان يستقيل مع حكومته بسبب فضيحة وزير دفاع (جون بروفيومو) كان على علاقة مع فتاة هوى كانت في الوقت نفسه على علاقة بمسؤول أمني روسي.
القصد أن الرئيس مسؤول – على الأقل – معنويا عما يصيب بلده، أو عن أخطاء وزرائه ومستشاريه، فكيف إذا كان هو من يصدر الأوامر لقصف المدن وإرسال «الشبيحة» لقتل المواطنين وتهجيرهم وتجويعهم وتدمير بيوتهم. لكننا هنا نصل إلى موضوع حساس لا يجوز التقليل من شأنه.
هل بشار الأسد حقا في موقع المسؤولية؟ هل هو من يخطط وينسق وينفذ؟ هل هو من يدير المعارك.. وقبلها، يعرف لماذا تخاض؟
جون كيري، شخصيا وعلنا، قال بالأمس إن جيش الأسد ما كان ليصمد لولا دعم مقاتلي «حزب الله» والميليشيات العراقية الشيعية. والقاصي والداني يعرفان دور «الحرس الثوري» الإيراني في القتال الدائر في سوريا، بل إن السيد حسن نصر الله، الأمين العام لـ«حزب الله»، له تصريح شهير قال فيه – بفخر – إنه يعتز بكونه جنديا في جيش «الولي الفقيه».. مما يعني أنه ينفذ أوامر، وليس – بالتالي – صاحب الكلمة النهائية، في زج ألوف الشبان الشيعة اللبنانيين في معارك العمق السوري.
تطورات الأيام الأخيرة تشير إلى معركة جديدة ذات أبعاد استراتيجية خطيرة موكلة إلى «حزب الله» والميليشيات العراقية عبر حدود لبنان الشرقية مع سوريا في منطقة القلمون.. أو سلسلة جبال لبنان الشرقية.
الجهة التي تدير معركة نظام الأسد، ومعها استعراضاته الإعلامية، تخطط الآن لتشديد ضغطها على ثوار المعارضة السورية و«الجيش الحر» والقوى الإسلامية التي تدعمه عبر تكثيف الهجوم المستمر على ضواحي دمشق الجنوبية لقطع طرق اتصالها بمنطقة حوران (درعا)، وشن هجوم واسع في الزبداني والقلمون بغرب دمشق وشمال غربها لقطع أي اتصال للثوار مع لبنان. ووفق التقارير الأخيرة جهز «حزب الله» نحو 15 ألف مقاتل لهذه المعركة التي ستكون لها، إذا قيض له كسبها، تداعيات في غاية الخطورة على الجيوب السكانية السنية المحاصرة في شمال شرقي لبنان.
النشاط الدبلوماسي – بما فيه «مؤتمر لندن» أمس، وجولة المفاوض الدولي الأخضر الإبراهيمي – يسير خطوة بخطوة مع تحضيرات نظام دمشق وأسياده لفرض واقع ميداني على الأرض. وكان الأسد قد شكك صراحة بالأمس في إمكانية انعقاد «جنيف 2».. وفي توصله إلى أي نتائج ملموسة إذا عقد!
وهذا الوضع الضبابي لا يمكن أن يشجع أي جهة حريصة على نهاية حقيقية لمحنة الشعب السوري.
إصرار واشنطن على القول بأنه لا حل عسكريا للأزمة.. تفسره طهران وموسكو وبكين ودمشق بأن واشنطن حريصة على «صفقة».. على غرار صفقة موضوع السلاح الكيماوي. وبناء عليه، تتحول الأزمة برمتها إلى مساومة على ثمن في «بازار»، وترضيات هنا وهناك على حساب مصير شعب وسيادة دولة ما عادت عمليا موجودة.
في المقابل، مطلوب من المعارضة السورية – الفعلية الحقيقية – التي لا تتفق فيما بينها إلا على مطلب إنهاء النظام، أن تأتي إلى جنيف من دون شروط!
لقد كررت قوى المعارضة منذ اندلعت الثورة الشعبية السلمية، في حينه، على أنها لا تريد أكثر من ذهاب الأسد وأعوانه المتورطين في القمع.. ولا تسعى مطلقا إلى تدمير بنية الدولة أو اجتثاث مؤسساتها. غير أن المجتمع الدولي، ممثلا بـ«أصدقاء» الأسد و«أصدقاء» سوريا المزعومين، تجاوز هذا الطلب وسمح للأسد ومحركيه وداعميه بتحويل النزاع إلى مجازر ضد المدنيين، ومن ثم أسس لنشوء بيئة حاضنة للقوى الجهادية والتكفيرية.
هذه الجماعات التي غدت الآن «ذريعة» المجتمع الدولي للإحجام عن الحسم، لم يطل بها المقام حتى توترت علاقتها ببيئتها الحاضنة في أماكن عدة من شمال سوريا وشرقها. والواقع أنه لولا قمع النظام ولعبه بصورة مفضوحة بالورقة الطائفية المذهبية لكانت الجماعات المذكورة خسرت كثيرا من الدعم في مناطق كثيرة أخرى من البلاد، بما فيها دمشق.
ميوعة الموقف الدولي، إذا استمرت، ستعطي طهران «الضوء الأخضر» لبدء معركة القلمون. ومن ثم، التعجيل بتنفيذ «سيناريو» الفرز الميداني الطائفي في لبنان، الذي هو الخاصرة الرخوة لسوريا، والسند الطائفي الرابط الجاهز لـ«سوريا الغربية» في حال سار مخطط التقسيم وفق رغبات بعض اللاعبين الإقليميين والدوليين. وإذا قسمت سوريا بالفعل، فلن تبقى هناك محظورات. لا لبنان بتوازنه الهش يستطيع أن «ينأى بنفسه» عن الواقع الجيو سياسي الجديد، ولا الأردن والعراق يمكن أن يتجاوزا التداعيات العقائدية والعصبية للفرز الطائفي. بل لا إسرائيل ولا تركيا ستتمكنان إلى ما لا نهاية من تحمل تبعات تغيير خارطة المنطقة وإهداء التشدد المذهبي زمام المبادرة.
في هذه الفترة فإن الثقة بجدية المقاربات الدولية، وبالأخص المقاربة الأميركية، متواضعة جدا في أوساط السوريين أولا، وعلى مستوى العالم العربي ثانيا. وإذا كان للدبلوماسية العربية اللباقة الكافية لتحاشي تسمية الحقائق بأسمائها، سيكون من الحكمة تحاشي المجتمع الدولي مواصلة الهروب إلى الأمام.
إسرائيل مرتاحة للاستقطاب التناحري السني الشيعي، وروسيا سعيدة بـ«مستنقع» المتشددين القوقازيين وإحراج أنقرة، وطهران مستفيدة من عرض عضلاتها وتقديمها أوراق اعتمادها إلى واشنطن بوصفها جزءا ضامنا للحل و«حليفا» موثوقا ومسؤولا إقليميا.
أما المجتمع الدولي.. فيبدو منشغلا بمن سيفوز بـ«نوبل السلام» في العام المقبل!
الشرق الأوسط
الأسد رئيسا لعشرين سنة أخرى/ عبد الرحمن الراشــد
يتحدثون عن انتظار موعد انتخابات الرئاسة السورية في ربيع العام المقبل، وبالتالي ترتيب مؤتمر للاتفاق على من يخلف بشار الأسد بعد انتهاء فترته الرئاسية. وسواء بمؤتمر جنيف أو من دون جنيف الرئيس السوري تأكدوا أنه لا ينوي التخلي عن الحكم إلا بالقوة رغما عنه. هذه حقيقة قديمة أوحى بها انتخابه رئيسا عندما اجتمع مجلس الشعب السوري وقرر تعديل الدستور وتخفيض عمر الرئيس حتى يحق لبشار ابن الرئيس الميت أن يترشح ويصبح رئيسا. وبالتالي لا يمكن للأسد أن يتخلى عن الرئاسة طوعا لأنه فار قسرا، وجلس منذ عامين ونصف العام على جماجم وأشلاء السوريين المائة ألف، وشرد نحو خمسة ملايين مواطن، وأحال معظم المدن إلى ركام، في مشهد لم يعرف له مثيل من قبل في المنطقة!
فهل يمكن لأحد عنده عقل أن يصدق أن رئيسا مثل الأسد يمكن أن يفكر في الخروج من القصر فقط لأنه حان موعد الانتخابات؟
عندما كانت طائرات الناتو تقصف بعنف قوات القذافي في ليبيا وتحاصرها في كل مكان، كان يقال إن القذافي يمكن أن يغادر إلى روسيا أو جنوب أفريقيا، أو ربما فنزويلا. وجاء موفدون للحديث عن الخروج الحل وإنقاذ ليبيا، وإنقاذ القذافي أيضا، لكن الديكتاتور الليبي ما كان يفكر بنفس الطريقة. كان يعتقد أنه مخلد وقادر على البقاء، ويملك خططا احتياطية للجوء إلى قبائله في الداخل والاستمرار حاكما. لهذا بدا مصعوقا عندما أمسكوا به مختبئا في أحد أنابيب السيول. الأسد يعتقد هو الآخر أنه مخلد، وسيبقى في الحكم إلى 20 سنة أخرى، ومن المؤكد أنه لا ينوي أبدا الخروج من الرئاسة وإن كان يفكر في كل مرة في اختراع حيلة نظامية أو قمعية للبقاء.
مؤتمر جنيف ضرورة دبلوماسية للجميع، للمتحاربين السوريين، والوسطاء والقوى الإقليمية والدولية، لكنه لن يضيف جديدا ولن يغير شيئا في مستقبل الصراع الدائر في سوريا. لا تزال هناك القدرة والقوة والعزيمة للقتال على الجانبين، ولن يحسم موضوع الحكم في سوريا من خلال المؤتمرات السياسية. القادر الوحيد على الحسم هم المقاتلون على الأرض. كما أن الشعب السوري يستحيل أن يقبل ببقاء النظام الأسدي مهما حصل عليه من شرعية دولية في جنيف، بإشراكه في المؤتمر، أو حصل عليه المزيد من الدعم من إيران أو روسيا. وهؤلاء الحلفاء يدركون كم هي الحرب مكلفة جدا، عليهم وعلى غيرهم، والحرب ستستمر إلى آخر رصاصة في بنادق المعارضة، أو آخر نفس في صدر الأسد، وتعتمد على من ينتهي أولا.
في جنيف سيطرحون فكرة أن تقبل المعارضة السورية بالانتظار حتى الربيع المقبل، ستة أشهر أخرى. وعلى الأسد أن يغادر بعدها وتحل محله حكومة مختلطة جدا! معارضة حقيقية، ومعارضة مزورة اخترعها النظام، وقيادات من النظام. المشروع السياسي سيواجه بالرفض، لأنه لا يعقل بعد كل هذه التضحيات أن يقبل المقاتلون السوريون أن يحكم البلد النظام نفسه. الأسد يدرك أن هذه هي النتيجة الأكيدة، وسيفشل المؤتمر وستنتهي بعدها الاقتراحات الأميركية، وسيخف الضغط الدولي ليبقى في مواجهة المعارضة السورية. ورغم أن هذا السيناريو مؤلم كثيرا، لأن العالم يسمح عمليا بالمأساة أن تستمر، ويكافئ النظام المجرم بالبقاء في الحكم، فإنه يعيد الأمور إلى السوريين ليكملوا ما بدأوه سلميا وأحاله الأسد إلى أقبح الحروب في تاريخ المنطقة وأكثرها إجراما.
الشرق الأوسط
جنيف..حَلٌّ على هيئة -الجبنة السويسرية/ جواد البشيتي
كل القوى الدولية والإقليمية المتورِّطة في الصراع في سورية، أو المعنية به، متَّفِقَة، متوافِقَة، على مبدأيْن اثنين، ثانيهما مشتقٌّ اشتقاقاً (وهذا الاشتقاق قد يبدو سليماً من وجهة نظر “الشكل” من “المنطق”، فحسب) من الأوَّل؛ فـ “الأزمة”، والتي هي الآن مختلفة، بمحتواها وشكلها، عمَّا كانت عليه في مبتدأها، لا تُحَل، ولا يمكن أنْ تُحَل، عسكرياً، أو بهذا الشكل (الذي استقرَّت عليه) من الصراع بالحديد والنار، ولا حلَّ لها، من ثمَّ، إلاَّ “الحل السياسي”، أو المتأتي من طريق “السياسة”.
وهذا “المنطق”، الذي تَسْتَصْلِحه (الآن) مصالح قوى دولية وإقليمية متورِّطة في الصراع السوري، وغير متصالحة (تلك المصالح) على وجه العموم مع مصالح الشعب السوري، يُذكِّرني بثنائية “المقاومة ـ التفاوض”، التي استبدَّت، وما زالت تستبد، بالتفكير السياسي للقيادة الفلسطينية، بطرفيها المتخاصمين؛ فكلَّما ثَبُت وتأكَّد للقائلين بالحلِّ من طريق التفاوض فشل واستعصاء هذا الخيار، اكتسب خيار الحل من طريق المقاومة العسكرية مزيداً من الثِّقَل في الوعي والتفكير والرؤية؛ وكلَّما ثَبُت وتأكَّد فشل واستعصاء هذا الخيار، ارتفع منسوب الثِّقة بجدوى خيار التفاوض؛ أمَّا “الواقع” فلم يأتِ إلاَّ بما يقيم الدليل على أنَّ هذا الانتقال الدائري (المستمر) من “خيار االتفاوض” إلى “خيار المقاومة”، ومن “خيار المقاومة” إلى “خيار التفاوض”، هو خير دليل على أنَّ “الطرف الفلسطيني (بوجهيه)” لم يتغيَّر، ولم يُغيِّر، بما يجعله من أهْل الخيارين معاً.
وفي الصراع السوري، يريدون لنا الآن أنْ نفهم الأمور بما يُوافِق مَنْطِقاً ليس بالمنطقي؛ وكأنَّ جهود ومساعي “الحل السياسي” يمكن ويجب أنْ تنجح؛ “لأنَّ” تجربة الصراع بالحديد والنار أثْبَتَت (بما لا يدع مجالاً للشك) أنَّ “الأزمة” لن تُحل (وغير قابلة للحل) بالقوى والوسائل العسكرية!
“الطرفان (مع قوى دولية وإقليمية)” مَدْعوَّان إلى الذهاب إلى جنيف، ليتفاوضا، أو ليُشارِكا في التفاوض، هناك، توصُّلاً إلى “الحل السياسي”، الذي هو وحده الحل؛ فَمَنْ يُفاوِض مَنْ؟!
“المعارَضة السورية (السياسية والائتلافية، والمتمركزة في خارج سورية)”، هي المُعْتَرَف بها دولياً (أيْ هي التي تعترف بها غالبية دول العالم) على أنَّها الممثِّل الشرعي للشعب السوري؛ لكنَّ “النسخة الميدانية” من هذا “الاعتراف” لا وجود لها حتى الآن؛ فإنَّ قسماً كبيراً (إنْ لم يكن القسم الأكبر) من القوى العسكرية (المعارِضَة) الفاعلة على الأرض لم يعترف بهذه “الصفة التمثيلية (المُعْتَرَف بها دولياً)” لائتلاف المعارضة السياسية (المتمركزة في خارج سورية).
أمَّا “الطرف الآخر”، أو ما يسمَّى حكم (أو حكومة) بشار الأسد”، فلا يَعْتَرِف “واقع الصراع” بوجوده؛ فالقوى الفاعلة على الأرض، من هذا الطرف، إنَّما هي “قوى إيرانية (بهويتها، أو بهواها)”. إنَّ “حُكْم بشار”، ومن وجهة نظر “واقع الصراع”، لا وجود له؛ فهو كمثل الميِّت الذي يأبى ذووه الاعتراف بموته إلاَّ بعد دفنه. وهذا إنَّما يعني أنَّ التفاوض (عملياً وواقعياً) لن يكون إلاَّ مع إيران وروسيا اللتين تلعبان ورقة “بقاء بشار من عدمه”.
“جنيف” لن تكون (من حيث الجوهر والأساس) إلاَّ مسرحاً لمفاوضات (ومساومات) شاقة بين “القوى الدولية والإقليمية” المتورِّطة في الصراع، الذي ما عاد سورياً إلاَّ بمسرحه (في المقام الأوَّل).
وإنَّ عبارة “بالتراضي”، الواردة في “نَصِّ الإجماع الدولي”، هي ما يكمن فيها “التفسير (والتوضيح)”؛ ففي جنيف سيتفاوضون (وهُم يتفاوضون حتى قبل الذهاب إلى جنيف) على “قيام هيئة حُكْم انتقالي بالتراضي، مع حيازة هذه الهيئة صلاحيات تنفيذية كاملة، تشمل، أيضاً، الجيش والقوى والأجهزة الأمنية كافة”.
و”التراضي” هو أنْ تكون سورية البديلة من “سورية الأسد” مُرْضية لإيران (و”حزب الله” اللبناني) وروسيا؛ فهل تستطيع “المعارَضَة السورية (أيْ هيئتها المعترف بها دولياً)”، مع القوى الدولية والإقليمية المؤيِّدة لها تكتيكياً، أنْ تشتري “رحيل بشار وصحبه وشركائه الدمويين” بالثَّمَن الذي تريده إيران وروسيا، والذي لم تَكْشِفا بَعْد عن كثير من تفاصيله؟!
ومع ذلك، يبقى “الخيار الثالث” هو المؤيَّد واقعياً حتى الآن؛ وهذا إنَّما هو خيار “العيش (أيْ عيش سورية وشعبها) في الحرب، وبالحرب، زمناً طويلاً”!
ثلاثة شروط لإنقاذ مؤتمر جنيف -2
اذا كانت حوافز متزايدة تدفع باتجاه السير على طريق مؤتمر جنيف- 2 اواخرَ الشهر المقبل، فان كوابح كثيرة تبطئ السير وقد تتسبب بوقفه.
على صعيد الحوافز، ثمة تصريح من موسكو لنائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل يعبّر عن حال سورية، حكومةً ومعارضة، في هذه الاونة. الطرفان، بحسب جميل، يراوحان مكانهما. غَلَبةُ احدهما على الاخر باتت شبه مستحيلة. استمرارُ الحرب، والحال هذه، لا يعني سوى امرٍ واحد هو المزيد من النزف والدمار والاهدار.
ثمة حافز اخر لعله وليد التقارب المتزايد بين واشنطن وطهران، نتيجةَ ما تسميه ‘اسرائيل’، بارتياب، ‘هجوم الساحر’ حسن روحاني في الامم المتحدة. هذا التقارب تابعه وزير خارجيته محمد جواد ظريف في جنيف الاسبوعَ الماضي. مسؤولةُ السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ترجمت جدّية التقارب بين واشنطن وطهران بقولها ان الجولة الثانية للمفاوضات ‘النووية’ ستستأنف في جنيف في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
هل من صلة بين المفاوضات التي تجريها مجموعة دول 5+1 وايران بشأن برنامجها النووي، والحرب الدائرة في سورية؟
الجواب: نعم . من الطبيعي والمنطقي ان يسعى الطرفان الامريكي والايراني الى مقاربة جميع موضوعات النزاع بينهما على مستوى المنطقة برمتها، بسبب ارتباط بعضها ببعضها الاخر من جهة، وبسبب ارتباطها بمصالح الحلفاء الاقليميين للطرفين من جهة اخرى.
الولايات المتحدة يهمها في تسوية نزاعها مع ايران، بشأن برنامجها النووي، ألا تأتي على حساب أمن ‘اسرائيل’.
ايران يهمها الا تكون التسوية النووية المرتقبة مع الولايات المتحدة على حساب حليفتها سورية وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين. روسيا تتطلع، من خلال التسوية النووية، الى ايجاد توازن قوى جديد في المنطقة يحمي مصالحها ومصالح حلفائها، وفي مقدمهم سورية.
دول الخليج العربية حريصة ايضا على ألا تأتي التسوية على حساب امنها ودورها الاقليمي. السعودية ترهن حضورها مؤتمر جنيف – 2 بتحديد الغاية المتوخاة منه، وقد شفعت تحفظها بسحب عضويتها من مجلس الامن.
الحوافز التي تدفع باتجاه التسوية تقابلها كوابح ناجمة عن تناقض المصالح. ‘اسرائيل’، مثلا، تتخوف من مفاعيل التسوية على امنها، واحتمال تسبّبها بمضاعفة نفوذ ايران في المنطقة وتعزيز دورها المناهض لكيانها. بعض قوى المعارضة السورية، لا سيما الفصائل الاسلامية ‘الجهادية’ المتهمة بالتعاون مع تنظيم ‘القاعدة’، ترفض مبدأ التفاوض مع نظام الرئيس بشار الاسد، بل هي تقاتل ‘الجيش الحر’ الموالي لـِ’الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة’ الذي لا يعارض الجلوس الى طاولة المفاوضات.
الى ذلك، ثمة مسألة سياسية واخرى اجرائية تحتاجان الى حل. امريكا واوروبا تشعران بأنهما مطالَبتان بتنسيق المواقف مع دول الخليج العربية التي تدعم قوى المعارضة السورية. ما لم توافق السعودية وقطر ومعهما تركيا على حضور مؤتمر جنيف-2 فان فصائل المعارضة السورية الموالية لها لن يكون في مقدورها المشاركة في المفاوضات المنشودة.
ثم، هناك ‘اسرائيل’ التي تعارض اي تسوية نووية مع ايران، وقد تقوم بخطوات سياسية وميدانية لتعطيل التقارب الحاصل بين واشنطن وطهران ما ينعكس، بالضرورة، سلبا على مؤتمر جنيف-2. كيف؟ بتزويد الفصائل المعارضة للمفاوضات اسلحةً نوعية تمكّنها من توسيع نطاق الحرب ضد نظام الرئيس الاسد. هذا سيثير حفيظة ايران التي تعتبر ‘اسرائيل’ مجرد اداة امريكية، وانها لا تتخذ غالبا اي خطوة الا بموافقة واشنطن. باختصار، طهران ستعتبر خطوة ‘اسرائيل’ بمثابة ضغط امريكي يهدف الى تدفيعها ثمن التسوية النووية مرتين: مرة من خلال التنازلات المطالَبة بتقديمها، ومرة اخرى من خلال اضعاف حليفتها الاولى سورية.
الولايات المتحدة استشعرت احتمال قيام ‘اسرائيل’ بعرقلة التسوية النووية من خلال الساحة السورية، فبادر وزير خارجيتها جون كيري الى دعوة ‘المجلس الوطني السوري’ المعارض، الذي كان اعلن رفضـه المشاركة في مؤتمر جنيف-2 للعودة عن قراره السلبي. ثم بادر، بالتنسيق مع بريطانيا وفرنسا، وربما تركيا ايضا، الى تنظيم مؤتمر لـ’اصدقاء سورية’ ينعقد في لندن في 22 الشهر الجاري. غاية المؤتمر التنسيق بين ‘اصدقاء سورية’ وترجمته الى حملة لاقناع مختلف فصائل المعارضة السورية بأمرين: الجلوس الى طاولة المفاوضات، وتأليف وفد موحد ليكون للمعارضة وزن فيها ومكاسب .
ظاهر الحال يشير الى ان الولايات المتحدة تتجه لترجيح حلٍ سياسي للصراع. غير ان ثمة بين المسؤولين في دمشق وموسكو مَن يشكك في نيات واشنطن ويتخوف من ان تكون جهودها لعقد مؤتمر جنيف-2 مجرد مظاهرة اعلامية لطمأنة ايران وحثها على متابعة تفاوضها مع مجموعة دول 5+1 انما مع ابقاء الحرب مستعرة في ارجاء سورية.
حتى لو تمكّنت واشنطن من معالجة هواجس حلفائها الاقليميين واعتراضاتهم بشأن المفاوضات الناشطة مع ايران والمرتقبة مع سورية، فان مسألة اخرى بالغة التعقيد تبقى مستوجبة الحل. انها مسألة تحديد هوية فصائل المعارضة المطلوب تمثيلها للجلوس الى طاولة المفاوضات، ذلك ان واشنطن، وربما غيرها من عواصم القرار، ترفض مشاركة فصائل ‘الاسلام الجهادي’ في المفاوضات، في وقتٍ تقوم هذه الفصائل بالسيطرة على مناطق كان ‘الجيش الحر’ قد هيمن عليها في شمال سورية وشرقها.
ان حصر تمثيل المعارضة بالفصائل غير ‘الجهادية’، التي تنحسر سيطرتها على الارض يُضعفها سياسيا تجاه نظام الاسد في المفاوضات. كما ان دعمها عسكريا لتحقيق غلبة ميدانية على الفصائل ‘الجهادية’ مجازفة قد يطول امدها، فضلا عن ان نتيجتها غير مضمونة. الى ذلك، فان قيادة النظام التي لا تفوتها ملاحظة انقسام المعارضة على نفسها والاقتتال الجاري بين فصائلها، قد تجد نفسها بغنى عن طاولة المفاوضات، وان متابعة تنفيذ الحل الامني اجدى لها وافعل. في ضوء هذه المعطيات والتجاذبات، يمكن ان تستقيم المقاربة الفضلى للصراع في سورية من خلال التوافق على تحقيق مبادئ، بل شروط، ثلاثة:
الاول، اتفاق اللاعبين الكبار، دوليين واقليميين، على تصوّر ومنهج لحل الازمة السورية. توافق اللاعبين الكبار شرط لمصالحة اللاعبين الصغار. أليس هذا درس التاريخ؟
الثاني، توافق الكبار، وبالتالي الصغار، على ان المدخل الصحيح للمفاوضات وانجاحها انما يكون بوقف الحرب، بدءا بوقف تزويد طرفي الصراع بالرجال والسلاح والعتاد.
الثالث، تمكين اطراف الصراع السوريين من التفاوض في ما بينهم باستقلالية تامة، بل بمنأى عن اي تدخل او وصاية خارجية.
سورية هي قضية السوريين وحدهم.
‘ كاتب لبناني
القدس العربي
لاءان للأسد ومعارِض “صالح”/ زهير قصيباتي
لا تنازل عن السلطة، ولا مؤتمر قريباً للتفاوض مع المعارضة، لاءان أطلقهما الرئيس السوري بشار الأسد، ولو بعبارات أخرى، وإذا أُضيفت إليهما اللاءات الخمس التي حددها رئيس الائتلاف الوطني المعارض، أحمد الجربا لتفادي «اتفاق تسوية مذلّ»، تدنّت حظوظ انعقاد «جنيف2» إلى درجة… التجمد.
كان واضحاً منذ وقت مبكر أن النظام في دمشق سيحاول الاستثمار في شهادات «حسن التعاون» التي تمنحه إياها أطراف دولية في ملف تدمير ترسانته الكيماوية. وهو يستثمرها بالتأكيد في محو كارثة الهجوم الكيماوي على الغوطة، واستعادة معنوياته لتدمير ما تبقى من تماسك في صفوف المقاتلين المعارضين… ليُطرح السؤال عمَّن يمثّل المعارضة في مؤتمر «جنيف2»، فتنقلب المسألة من لاشرعية النظام إلى البحث عن معارضة سمّاها الأخضر الإبراهيمي «معقولة»، يمكنها ادّعاء شرعية تمثيل الطرف الآخر.
ولم يكن بلا دلالة قصف تصريحات الرئيس السوري، والذي استهدف فرص انعقاد «جنيف2»، وزرع بذور مزيد من الشكوك والثقة المهزوزة بين الائتلاف الوطني السوري وعواصم القرار في الغرب. فحديث بشار الأسد عن عدم وجود ما يحول دون ترشحه للرئاسة مجدداً العام المقبل، عزز هواجس المعارضين إزاء احتمالات «بيع» العواصم الكبرى الثورة، في مقابل الخلاص من ترسانة الأسلحة الكيماوية. بهذا التصوّر، يُترك النظام ليستعيد هيمنته على الداخل، ويقضم المزيد من المناطق التي سقطت في قبضة المقاتلين. وبهذا التصوّر ايضاً، تُترك المعارضة لمصيرها البائس بين فكَّي نظام لا يأبه لثمن القتال ولو كلّف عشرات الآلاف بعد المئة ألف، وكتائب «إسلامية» مدجّحة بأسلحة التطرف والتكفير، وتأليب كل الأقليات على الثورة، أو ما بقي منها.
وإن كانت للمبعوث العربي- الدولي الأخضر الإبراهيمي زلاّت اللسان المتساقطة من نية حسنة، فيما هو غير مرحّب به لدى المعارضة ولا يعدّه النظام «نزيهاً» بوساطته، فالحال أن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الذي بادر إلى إعلان موعد انعقاد «جنيف2» في حضور الإبراهيمي، بدا كمن يظن أنه يزفّ إلى السوريين بشرى نهاية وشيكة لمآسيهم. وأما وقائع مؤتمر «أصدقاء سورية» في لندن الذي استمع الى الجربا ومطالب «الائتلاف» لحضور «جنيف2»، فلعلها تكشف مجدداً استحالة المستحيل، لدى النظام السوري وخصومه.
بالمنطق والنية «الحسنة»، لا ضير في أن يصدّق السوريون وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي حرص على إبلاغ الائتلاف أن واشنطن لن تكتفي بالملف الكيماوي لطي مأساة المجزرة المستمرة. لا ضير في أن يصدّقوا ايضاً ان لا حل عسكرياً، فيما ثبُت عجز المعارضين عن الحسم أو تعديل ميزان القوة… ولكن، هل في يد «الائتلاف» غلّ قبضة النظام عن آلة الحرب؟ ومَن يقنع موسكو وطهران مثلاً بأن لا أحد يصدق ادعاءهما الحرص على حل سلمي بالحوار، بينما حليفهما النظام السوري يريد احتكار ورقة اختيار المعارض «الصالح» للتفاوض في جنيف؟
يستمر القتل في سورية، ولكن، بالنية الحسنة لدى الإبراهيمي وكيري، وحتى لدى زعيم الكرملين فلاديمير بوتين المتفائل بـ «نجاح» في التحضير لـ «جنيف2»، ما الذي يتبقى سوى التحقق من نيات النظام وأهداف «جبهة النصرة» ودويلة «القاعدة»؟
والحال أن الإجماع على بيان مؤتمر لندن إذ يعزّز رصيد «الائتلاف» ومعنوياته، بعد انتكاسات متتالية وانشقاقات في «الجيش الحر» لمصلحة كتائب فضّلت «القاعدة»، يعطي بيد ليأخذ بالأخرى موافقة «الائتلاف» على المجيء إلى جنيف، لتُشكَّل حكومة انتقالية، تؤول إليها كل صلاحيات الرئيس الأسد، ويغيب عنها.
ولا يجيب البيان بالطبع عن سؤال المربع الأول: مَنْ سيُقنع الأسد بالتخلي عن صلاحياته، ليجرؤ أي من رموز نظامه على التفاوض باسمه في «جنيف2»؟ أهو حليفه خامنئي أم عرّاب حمايته في مجلس الأمن بوتين؟ وإذا كان الجربا لا يقبل بتسوية «مذلّة»، فما الذي سيُرغم النظام السوري على تجرّع كأسها، بعدما بات السيناريو العسكري الأميركي صفحة «افتراضية»، من الماضي؟… وبعدما استعادت دمشق هامش المناورة، مستغلة استفحال «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» وانقضاضها على مناطق «الجيش الحر» وقواعده الشعبية.
فلنصدّق مع أصحاب النيات «الحسنة»، وإلى حين، أن نظاماً لم يدرك بعد حجم الكارثة التي نجمت عن محاولته سحق الثورة، سيصدّق أن الوقت حان لرحيله.
الحياة
جنيف 2» يبحث عن توافق دولي لتصنيع «توافق» سوري/ عبدالوهاب بدرخان *
بدأت ورشة «جنيف 2»، والانطباع السائد اعلامياً وسياسياً أن المعضلة تكمن في ضعف المعارضة وتشرذمها. لكن هذا نصف الحقيقة، فالنصف الآخر أن النظام نفسه ليس في أفضل أحواله كما يحاول الإيحاء، والحملة الاعلامية التي يخوضها لا تخفي قلقه ولا ضعفه. وأظهرت اتصالات أجراها أعضاء الحلقة الضيقة للنظام بعدد من الرموز المنشقّة، لمعاودة استقطابها، أنه يستشعر حلقات مفقودة يحتاج اليها في بناء «الحل السياسي» الذي يلائمه. لا شك في أنه كسب نقاطاً كثيرة بانت معالمها في التركيز الاعلامي الغربي على ظاهرة «الارهابيين» أو «الجهاديين» أو «المتطرفين» التي استشرت أخيراً، غير أن الحكومات والأجهزة تعرف أنه كان له دور مباشر في زرعها. اي أنه لا يتمتع بصدقية ولا بثقة أي جهة خارجية للاعتماد عليه في محاربة هذه الظاهرة.
ورغم أن النظام يقدّم الأرض المحروقة أو الدمار المنهجي اللذين ينزلهما بالغوطتين المحيطتين بالعاصمة باعتبارهما مؤشرات لانتصاره، إلا أن تطورات الاسابيع الأخيرة أعادت «معركة دمشق» الى الواجهة والأولويات. لذلك تسارعت التحضيرات لمعركة جبال القلمون، وعُهد الى «حزب الله» التخطيط لها وخوضها، والهدف مرّة اخرى، كما كان في معركة القصير قبل أربعة شهور، الحؤول دون أي محاصرة لدمشق. هذا المناخ الحربي المتصاعد لا يتناقض فقط مع الغطرسة المنبعثة من الظهور الاعلامي المكثّف لبشار الاسد، بل يتناقض كلياً مع المناخ الدولي الذي يهيمن عليه البحث عن سبل اطلاق «حل سياسي». لكن الاتجاهين دخلا في سباق وربما يلتقيان عند نقطة ما لم تتبلور بعد. اذ استعيد مجدداً الحديث عن ضرورة الحفاظ على «الدولة» و «الجيش» و «حماية الاقليات»، في حين أن الوضع الميداني ينذر بمخاطر انهيار قد يحصل على نحو مفاجئ.
ما يؤيّد هذه المخاوف المتجددة ان ثمة عملاً جارياً في الخارج على «مشاريع بدائل» للنظام وتشمل أشخاصاً، عسكريين ومدنيين، معروفين ولم يعودوا يظهرون في الاعلام. ففي المشاورات البعيدة من الأضواء لم يعد سرّاً أن النظام بتركيبته الحالية غير مؤهل للمشاركة في أي صيغة مستقبلية، حتى لو كان جزءٌ من تشخيصه للحل مقبولاً من روسيا وايران واسرائيل، وبنسبةٍ ما من الولايات المتحدة. لكن هناك إشكالاً طرأ أخيراً، مع البدء بالتفتيش عن المخزون الكيماوي لتدميره، ما يحتّم الحاجة الى النظام وتعاونه الكامل في هذا الملف. هذا ما خطّطت له روسيا وارتضاه الاميركيون (والاسرائيليون) طالما أنه يحقق لهم الخطر الكيماوي. أما الاشكال الآخر فهو أن الأزمة السورية تكمن وراء أولوية اخرى ستحققها واشنطن من خلال التقارب مع ايران سواء بالتوصل الى اتفاق في شأن البرنامج النووي أو بتفكيك عُقد العداء الذي ساد العلاقة بين الدولتين، ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون «صفقة» متكاملة تتضمن اعترافاً اميركياً بمصالح ايران في سورية – أياً يكن الحل – إسوة بما حصّلته في العراق. ولا شك في أن «التوافق» الذي يقود التنسيق الحالي بين واشنطن وموسكو قائم على اعتراف أميركي بمصالح روسيا في سورية بغضّ النظر عن صيغة حل الأزمة.
لكن إخضاع أي عملية سياسية يمكن أن تنبثق من «جنيف 2» لشروط هذه الاشكالات والتوافقات لن يكون واقعياً ولا عملياً. فهو ببساطة سيقيّد هذه العملية، اذا وُلدت فعلاً، ويقحم فيها أجندات من خارج السياق لا بدّ أن تفاقم الخلافات بين الأطراف السورية، ثم أنه سيربطها زمنياً بالتقدّم المفترض في تلبية مطامع روسية متنوّعة وفي حلحلة ملفي الكيماوي السوري والنووي الايراني. وهكذا يبدو «جنيف 2» منذ الآن بازاراً دولياً يراد اضفاء شكلٍ سوري عليه، أما النتائج فيُراد لها أيضاً أن تكون حصيلة توافق دولي يبدو ممكناً رغم الصعوبات وليس حصيلة توافق سوري لا يزال يبدو مستحيلاً رغم المآسي المتراكمة. وفي هذا البازار تجد الأطراف العربية نفسها مدعوةً الى أن تكون «شاهدة زور» فيما يتكالب الآخرون على نهش الخريطة السورية واقتسامها.
بديهي أن ما أضعف الموقف العربي خصوصاً، وموقف «أصدقاء سورية» عموماً، أن تعويلهم على المعارضة ممثلة بـ «الائتلاف» لم يلاقِ توقعاتهم من جهة، وفي المقابل لم ينجح الاميركيون يوماً في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب لمساعدة «الائتلاف» على تنظيم صفوف المعارضة واستقطاب أطرافها كافةً. وقد تسبب التشوّش الاميركي في تضليل «الأصدقاء» وشلّ فاعليتهم. ومنذ «صفقة الكيماوي» مع روسيا، لم يعد هناك أي دور أو تماسك يذكر بين «الأصدقاء» طالما أنهم ليسوا صانعي السياسات المتعلّقة بسورية، والمطلوب منهم انتظار «تفاهمات» اميركا وروسيا ليتكيّفوا معها، حتى لو لم تكن ملائمة لمصالحهم أو مجدية لمعالجة الأزمة السورية. ولمعرفة حقيقة هذه «التفاهمات» أثبتت الوقائع أن تصريحات الجانب الروسي غالباً ما تكون أكثر واقعية وشفافية، في حين يواصل الجانب الاميركي الغموض وطمس مواقفه الحقيقية. اذ لم يقل مثلاً أنه وافق على بقاء الاسد الى نهاية ولايته رغم أن جميع «الأصدقاء» يدركون أنه فعل، ولم يقل أنه لا يمانع حضور ايران في «جنيف 2»، أما اشتراطه موافقتها على «جنيف 1» فلا معنى له، فهل يمكن القول إن روسيا نفسها موافقة على «جنيف 1» أم على تفسيرها له، وهل أن اميركا بعيدة فعلاً من التفسير الروسي، ماذا لو أعلنت طهران أنها مع هذا التفسير اسوةً بنظام الاسد وحكومتي العراق ولبنان؟
ثمة مشكلتان كأدآن أمام أي مؤتمر يزمع عقده أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل: شروط النظام ونظرته الى الشعب السوري وعدم اعترافه بالواقع، وشروط المعارضات والسيولة التي يتّسم بها وضعها على الأرض. فكل ما فعله النظام طوال الشهور الأخيرة (بمساعدة الحليف الايراني و «حزب الله») لم يتعدَّ تحسين موقفه التفاوضي، وفرض واقع يكون فيه النظام بديل ذاته، طالما أن المعارضة لم تبلور بديلاً يعتمد عليه. لكن قبل الوصول الى مسألة «البديل»، لا بد للنظام من أن يبرهن أنه لا يزال قادراً على الحكم بعدما تطيّف الصراع الى هذا الحدّ. تعتبر الأطراف الدولية أن هناك حاجة الى «كيان جديد» (وفقاً لجون كيري) في السلطة ليقوم بالمهمات الأمنية المتوقعة (محاربة «داعش» و «النصرة» وأشباههما)، فيما يعمل على لمّ أشلاء البلد والمضي في بناء نظام جديد، لكنها باتت مدركة أن النظام لا يستطيع، بالعقلية التي أظهرها، أن يكون هذا «الكيان» مهما حاولت موسكو وطهران – أو شركات العلاقات العامة الاجنبية – ترميمه وتجميله والترويج له. فهذا «الكيان» المطلوب يجب أن يكون تعددياً وجامعاً ليتمكّن من شيء من الاقناع في الداخل كما في الخارج.
أما بالنسبة الى المعارضة فقد يميل «الأصدقاء» الى اعادة النظر في «كيانها» الحالي، فرغم اعترافهم بـ «الائتلاف» إلا أنهم يشتغلون على أكثر من صعيد ليؤلّفوا وفداً أكثر تكاملاً للمعارضة. صحيح أن تمثيلاً مستقلاً لـ «المعارضة» المدجّنة في الداخل غير مقبول، لكن اشارة الأخضر الابراهيمي الى «معارضة مقنعة» بتمثيلها وارتباطها بالداخل قد تعني أن معارضة الخارج تتطلّب اعادة صياغة أو حتى اعادة تصنيع، وهذا في حد ذاته يستلزم وقتاً ولا يمكن انجازه قبل الموعد المبدئي المعلن لـ «جنيف 2». وفي كل الأحوال، أياً تكن صيغة التمثيل، فإن المعارضة لن تشارك في أي مؤتمر ما لم توفر الولايات المتحدة «ضمانات» تنوي بالفعل احترامها. لكن أوان الضمانات لم يحن بعد.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
كيري في الملف السوري كما في الفلسطيني جنيف – 2 بين الفرص الهابطة والصاعدة/ روزانا بومنصف
عبّر وزراء الخارجية الاوروبيون على اثر اجتماع مجموعة اصدقاء سوريا في لندن يوم الثلثاء الماضي عن اعتقادهم بان الولايات المتحدة مستمرة في التزامها السعي الى عقد مؤتمر جنيف 2 وتنفيذ مضمون مؤتمر جنيف 1 ورفض اي “دور للرئيس السوري بشار الاسد” في الحكومة الانتقالية بعدما تلقوا طمأنة اميركية بان واشنطن لم تعدل او تبدل من اولوياتها في الشأن السوري. كان ثمة حاجة الى رأب الصدع واعادة الثقة بين الحلفاء الذين اربكهم تحرك الادارة الاميركية نحو اتفاق نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري من دون معالجة سائر الملف السوري. وقد حرص وزير الخارجية جون كيري على تبديد الانطباعات السلبية التي سادت عن اكتفاء بلاده بالاتفاق مع روسيا على نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري وعدم حماستها تاليا لايجاد حل سياسي لا تبدو ظروفه متوافرة من خلال التأكيد على بذل الجهود لانعقاد مؤتمر جنيف 2 والتحضير له. الا ان مصادر ديبلوماسية غربية لا تخفي خشيتها من ان يكون تسلم كيري هذه المساعي مماثلا لتسلمه احياء المفاوضات على المسار الفلسطيني الاسرائيلي منذ تسلمه مهماته في وزارة الخارجية. فالرجل تسلم ملفا شائكا سبق للادارة الاميركية نفسها التي سحبت يدها منه بعد تبن مباشر له فور فوز الرئيس باراك اوباما بولايته الرئاسية الاولى بما يظهر ان الرئيس الاميركي لن يكون متبنيا على نحو مباشر لهذا الملف لكن يمكن ان يتبنى نجاح وزير خارجيته في حال اصاب هذا الاخير نجاحا ما. لكن لا اوهام حقيقية في قدرة كيري على تحقيق اي تقدم في مهلة الاشهر التسعة التي حددها لاحداث خرق في الملف الفلسطيني الاسرائيلي حتى من جانب متابعين اميركيين ومعنيين عملوا عليه في وقت سابق. لذلك تخشى هذه المصادر في ظل اولويات داخلية متقدمة ومربكة للادارة الاميركية وانجاز اتفاق نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري والاولوية الكبيرة التي تعطيها لملف ايران النووي وتحقيق اختراق كبير على صعيد العلاقات الاميركية الايرانية كما في ضوء تعثر الوصول الى صياغة حل سياسي للازمة السورية في المعطيات الراهنة ان تنسحب جهود كيري على صعيد الملف الفلسطيني الاسرائيلي على تلك التي يبذلها في شأن مؤتمر جنيف 2 بحيث اذا اصاب كيري يكون ذلك انجازا جديدا للادارة والا فان الامر قد يكون متروكا لفترة لاحقة تختلف ظروفها.
ومن هذه الزاوية تبدو جهود مجموعة اصدقاء سوريا التي اجتمعت في لندن من اجل تقديم ضمانات للمعارضة السورية بان لا تغيير في اهداف المؤتمر الرامي الى وضع مقررات مؤتمر جنيف 1 قيد التنفيذ عبر حكومة انتقالية تنقل سوريا الى حكم لا دور للرئيس بشار الاسد فيه اقرب الى لم شمل مجموعة هذه الدول بعدما اصابها الموقف الاميركي مع روسيا بالوهن والاحباط وادى الى توتر بين بعض هذه الدول والولايات المتحدة. في حين ان صدقية هذه المجموعة في تنفيذ ما اتفقت عليه في البيان الختامي يبدو مشكوكا فيها في ظل قرارات سابقة لمجموعة الاصدقاء لم تر النور او شهدت تعثرا كبيرا في غالب الاحيان او ايضا لانها لا تملك كل الاوراق المطلوبة او القدرة على التحكم فيها. وهناك عاملان على الاقل يمسكان بارجحية للامور وتقع على عاتقهما مسؤولية عرقلة انعقاد المؤتمر او عدم توصله الى نتائج على رغم تسليط الضوء على تصدع المعارضة او عدم موافقتها ككل على المؤتمر. العامل الاول هو الاشتراط على ايران الموافقة على جنيف 1 والمرحلة الانتقالية التي تضمنها من اجل الافساح امام مقعد لها في المؤتمر. وذلك في الوقت الذي تملك ايران من الاوراق السورية بما فيها القدرة على دعم الاسد او سحب البساط من تحت قدميه وفي الوقت الذي تخوض غمار مفاوضات حول ملفها النووي لا تبدو محسومة قبل الموعد المفترض لمؤتمر جنيف 2 في النصف الثاني من تشرين الثاني المقبل. وهو الامر الذي لن يسمح لها بالتفاوض او التخلي عن الورقة السورية او المساومة عليها بالتزامن مع المساومة على ملفها النووي وتقديم التنازلات في شانه لما قد يوحيه ذلك سياسيا بهزيمة هذا المحور فيما هو يقول انه اكثر قوة وان ايران تفاوض من هذا الموقع وليس من موقع ضعف اضافة الى الارتياح الذي بدا على الاسد بعد التسليم ببقائه على الاقل حتى نهاية ولايته في الربيع المقبل. وتاليا فان عدم مشاركة ايران التي يشكل حضورها ضرورة لا بد منها للنظام السوري كما لروسيا في مقابل مجموعة اصدقاء سوريا لن يكون عاملا مساعدا في المؤتمر. وثمة تناقض بين دول هذه المجموعة في شأن الموقف من مشاركة ايران او عدمه.
اما العامل الاخر فيتمثل في ما بات معروفا بعدم قابلية الاسد واستعداده للتنازل عن صلاحياته في ظل زوال خطر اي عمل عسكري ضده فضلا عن تصدع المعارضة السورية في ظل اخلال الدول الكبرى بتقديم الدعم اللازم لها علما ان الاسد لم يكن مستعدا لذلك في اي وقت وهو بات مستندا اكثر فاكثر الى دعم حليفيه الروسي والايراني ومطمئنا الى عدم التخلي عنه ولو طالت الحرب وخربت سوريا اكثر.
ولذلك تتقدم فرص انعقاد مؤتمر جنيف وفق مواقف بعض الدول وتنحسر وفق بعضها الاخر مما يفيد بتعقيدات كبيرة ليس واضحا اذا كان يمكن تجاوزها ام لا.
النهار
اذهبوا إلى جنيف/ هشام ملحم
تبين أي مراجعة للحروب الاهلية ان أكثرها يحسم عسكريا. والحروب الاهلية التي تنشب بين طرفين ولا يتدخل فيها أطراف خارجيون تنتهي عادة خلال سنوات قليلة (كالحرب الاميركية). وحتى الحرب الاسبانية التي تدخلت فيها قوات خارجية حسمت خلال ثلاث سنوات لانها كانت بين طرفين. الحروب الاهلية التي يشارك فيها أكثر من طرف تستمر سنوات او عقودا (انغولا، لبنان، أفغانستان). حرب سوريا تنتمي الى الفئة الثانية، ومرشحة للاستمرار وقتا طويلا، ليس بالضرورة بالوتيرة الحالية، خصوصا أننا نرى “كانتونات” تسيطر عليها القوى المتحاربة: النظام يسيطر على بعض دمشق وبعض حلب، وتربطه طريق بالمنطقة العلوية، بينما يسيطر بعض قوى اسلامية متشددة على بعض شمال سوريا وفصائل من الجيش السوري الحر” على بعض الجنوب، ويسيطر الاكراد على مناطقهم في شمال شرق سوريا.
صحيح ان فرص انعقاد مؤتمر جنيف – 2 ضئيلة، وفرص نجاحه أكثر ضآلة، لكن تهديد بعض القوى المعارضة بمقاطعته او حتى مقاطعة مبدأ التفاوض مع بعض من يمثلون النظام القائم،هو خطأ تكتيكي واستراتيجي. استمرار القتال سيؤدي الى تفكيك سوريا ويحول ما هو الان تقسيم اولي او “ناعم” Soft Partition الى تقسيم حقيقي وربما نهائي والى تعزيز التيارات السلفية المذهبية، ويخدم الذين يدعون ان الصراع الان بات بين نظام “علماني” وقوى “ظلامية”. انعقاد جنيف – 2 يمكن ان يتحول فرصة جديدة لمعارضة مفككة وضعيفة اكتسبت سمعة غير براقة داخل سوريا، ويقع جزء كبير من المسؤولية على أطياف المعارضة غير المتشددة اسلاميا كي تثبت انها تمثل بالفعل الشعب السوري وتدافع عن مصالحه، وأنها ستبذل كل ما في وسعها، ليس فقط للتخلص من نظام استبدادي والعمل على إيجاد بديل تمثيلي منه، ولكن ايضا لتخفيف معاناة السوريين بأي وسيلة ممكنة خلال هذه الفترة المأسوية من حياتهم.
غياب المعارضة عن جنيف – 2 سيخدم الخطاب التضليلي للنظام بأنه يحارب “المتطرفين”، ويمكن ان يسهل على واشنطن التي أثبتت التطورات والتسريبات الصحافية الاخيرة انه لا يمكن الاعتماد على دعمها وتعهداتها، كي تقبل بتسويات تكون على حساب تطلعات السوريين الى التغيير الايجابي. جنيف – 2 يمكن ان يكون فرصة للمعارضة لان تضع اميركا والذين يسمون أنفسهم “أصدقاء الشعب السوري” امام مسؤولياتهم، لاقامة السلطة الانتقالية بصلاحياتها الكاملة من دون مشاركة الاسد، والافراج عن المعتقلين، وتوفير الدعم الانساني للاجئين والمقتلعين، ورفع الحصار عن حمص والغوطة، والحصول على الدعم المادي لادارة المناطق المحررة. لا أوهام في شأن جنيف – 2، لكن تحقيق هذه المكاسب الآنية مهم حتى في غياب حل نهائي. لا بديل من التفكير السياسي العقلاني والبارد.
النهار
من دون هذا لا«جنيف 2».. والغموض لا يفيد إلا النظام والتنظيمات الإرهابية/ صالح القلاب
لا جديد بالنسبة للأزمة السورية، التي تجاوز عمرها العامين والنصف، سوى أن معظم أصدقاء سوريا، الذين من المفترض أنهم أصدقاء المعارضة المعترف بها دوليا بأنها الممثل الوحيد للشعب السوري، قد تراجعوا عن مواقفهم السابقة وغدوا يلهثون خلف فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف وكل هذا وقد ذهب بعضهم هرولة إلى إيران، التي لم يتغير موقفها تجاه بشار الأسد ونظامه ولو بمقدار قيد أنملة، لإعادة العلاقات الدبلوماسية معها من موقع الذليل والمهزوم بعد مسرحية اجتماع الأمم المتحدة الأخير الذي شهد زواج متعة «صيغة» بين نظام الملالي ممثلا بالرئيس الجديد حسن روحاني وإدارة الرئيس باراك أوباما ممثلة بوزير الخارجية جون كيري.
لا شيء جديدا سوى كل هذه التراجعات الذليلة غير المبررة إطلاقا والتي فتحت المجال أمام بوتين ولافروف لجعل روسيا الاتحادية ليس رقما رئيسيا وفقط بل الرقم الرئيسي في المعادلة الدولية وعلى غرار ما كان عليه الوضع في عهد الاتحاد السوفياتي وأفضل بمئات المرات والتي فتحت المجال أمام إيران المنهكة سياسيا واقتصاديا وأيضا عسكريا كي تلتقط أنفاسها وتسترد لياقة الأعوام الماضية وتبدأ هجوما معاكسا قد يمكنها من خلال التلاعب بعامل الوقت من أن تصبح خلال شهور دولة نووية وتضع العالم كله أمام أمر واقع من غير الممكن تغييره أو التأثير فيه. ولعل ما يشير إلى أن معظم من يعتبرون أنفسهم أصدقاء سوريا، والمقصود هنا على وجه التحديد الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية إن ليس كلها، ينطبق عليها ذلك البيت الشعري القائل:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
«فهؤلاء» الأصدقاء..!! وصل بهم التراجع والخنوع والخضوع للإرادة الروسية التي غدت تملي شروطها عليهم إملاء إلى حد أن بعض فصائل المعارضة السورية الحقيقية والفعلية باتوا يرددون تحت ضغط ما أصابهم من إحباطات: «اللهم احمنا من أصدقائنا أما أعداؤنا فإننا كفيلون بهم».. وحقيقة أن هذه هي الطامة الكبرى وأنها الدليل، الذي ليس بحاجة إلى أي إثباتات، على أن هذه الدول التي تتغنى بالإنسان وحقوقه ليس لديها ولو الحد الأدنى من القيم التي تتغنى بها، وأنها في حقيقة الأمر مثقلة باضطراب المعايير واختلافها.
إننا لو رجعنا إلى البدايات لوجدنا لدى هذه الدول مواقف غير هذه المواقف الرديئة والمحزنة التي نراها ولوجدنا أنها كلها ومن دون استثناء وفي مقدمتها الولايات المتحدة كانت تتفتق حماسا ومرجلة وأنها تقدمت حتى على العرب وعلى الجامعة العربية في الذهاب في الشوط بعيدا والاعتراف بهذه المعارضة نفسها، الممثلة بالائتلاف الوطني وبالجيش الحر، ممثلا وحيدا للشعب السوري، وأن حصارها لبشار الأسد ونظامه قد وصل إلى أن انهياره كان متوقعا في أي لحظة.
وهنا فإن الكل يذكر كيف أن الانشقاقات في جيش النظام قد أصبحت ظاهرة يومية، وكيف أن أعداد المنشقين من الجنود العاديين، وإنْ من الجنرالات وكبار الضباط، قد وصلت في لحظة من اللحظات إلى أرقام فلكية بالفعل، وكذلك كيف أن بعض كبار المسؤولين أخذوا يتقافزون من سفينة شعروا أنها باتت بحكم الغارقة، وكيف أن حتى بعض أقارب بشار الأسد ومعهم بعض أبناء الطائفة العلوية بدأوا يتخلون عن هذا النظام وبدأوا يبحثون عن ملاجئ لهم خارج سوريا وبدأ بعضهم يتقرب من هذه المعارضة وقد انضم البعض إليها فعلا لكنهم ما لبثوا أن تراجعوا بعدما أحسوا بأن المجموعة الحاكمة باتت تلتقط أنفاسها في ضوء الدعم الروسي والإيراني المتصاعد وفي ضوء تراجع موقف الولايات المتحدة ومعها كل الدول الأوروبية بلا استثناء.
وبالطبع فإن هذا التراجع قد استند إلى كذبة، كان أطلقها نظام بشار الأسد حتى عندما كانت المظاهرات السلمية هي عنوان هذه المعارضة التي لم تكن وقتها قد رفعت شعار التخلص من هذا النظام وإسقاطه، وهي أن هناك مجموعات إرهابية تابعة لـ«القاعدة» وغيرها هي التي تقود المعارضين وتسيِّرهم، وأن هذه المجموعات هي التي ستملأ الفراغ في حال سقوط بشار الأسد ونظامه، وبالتالي فإن ما حدث في أفغانستان وفي العراق وفي ليبيا سوف يحدث في سوريا مما يعني أن المنطقة الشرق أوسطية سوف تدخل في مرحلة طويلة الأمد من الفوضى والعنف، وأن هذا سوف يهدد إسرائيل وسوف يشكل خطرا كبيرا على المصالح الغربية في هذه المنطقة الاستراتيجية الملاصقة للقارة الأوروبية.
وكل هذا وكان الأميركيون يعرفون ومعهم كل أصدقاء سوريا من دول الاتحاد الأوروبي أن هذه التنظيمات «الإرهابية» هي في حقيقة الأمر صناعة نظام بشار الأسد وأنه كان قد استخدمها ذات يوم ضد الأميركيين في العراق لـ«إغراقهم في الأوحال والرمال العراقية» كي لا ينتقلوا بمخططهم إلى سوريا وأنه كان قد استخدمها حتى ضد نوري المالكي الذي كان يعتبر أقرب إلى الأميركيين منه إلى الإيرانيين، وأنه كان قد استخدمها في لبنان إنْ ضد معارضيه وإنْ ضد مؤيدي حركة «فتح» ومنظمة التحرير في المجتمعات الفلسطينية وبخاصة المجتمعات الشمالية.
وهكذا فإن هؤلاء الأصدقاء الذين تخلوا عن مواقفهم المبكرة السابقة الداعمة للمعارضة السورية والاعتراف بها ممثلا وحيدا للشعب السوري قد بدأوا يبحثون عن ذرائع لتبرير تراجعهم عن هذه المواقف من بينها – بالإضافة إلى «حكاية الإرهاب» – أن هذه المعارضة ممزقة ومتعددة وكل هذا وهم يعرفون أن كل ثورات التاريخ، باستثناء الثورة الجزائرية، قد عانت من مثل هذا التعدد وأيضا من مثل هذا التمزق وأن الثورة الفلسطينية العظيمة فعلا قد عانت من حمولة زائدة على هذا الصعيد وأنها مع ذلك بقيادة حركة «فتح» قد انضوت في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وأنها رغم معاناتها من الكثير من قوى «الحشد العكسي» التي كانت تنفذ «أجندات» خارجية عربية وغير عربية فإنها حققت إنجازات هائلة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام 1965.
والآن فإن ما يدعو إلى الحزن والضحك في الوقت ذاته هو أن هؤلاء الأصدقاء، والمقصود هنا هو الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية تحديدا، يحاولون جر المعارضة السورية، التي لا غيرها معارضة سورية، إلى مؤتمر «جنيف 2» على أساس المفهوم الروسي لهذا المؤتمر ومن دون تحديد جدول أعمال مسبق وأيضا من دون تثبيت ما كان قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمره الصحافي الأخير في باريس وهو: «إنه إذا بقي بشار الأسد في الحكم فإن الحرب ستبقى متواصلة ومستمرة».
كان يجب بدل هذا الغموض غير الإيجابي والباعث على شكوك كثيرة أن يصر أصدقاء سوريا، الذين من المفترض أنهم أصدقاء المعارضة السورية والشعب السوري، على وقف الأعمال العسكرية التي يقوم بها الجيش النظامي ضد شعب لم يعد لا شعبه ولا شعب بشار الأسد وأن يصروا أيضا على كبح قوات حزب الله والميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية قبل انعقاد هذا المؤتمر (جنيف 2) وأن يؤكدوا أن الحكومة الانتقالية المقترحة يجب أن تكون كاملة الصلاحيات وأن الإشراف على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لها وليس لغيرها وأن عليهم أن يحموا وبصورة نهائية مسألة أنه لا وجود إطلاقا في هذه المرحلة المقبلة لا للأسد ولا لأي من الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين من كبار جنرالاته ومن قادة أجهزته الأمنية وأيضا حتى من شارك هؤلاء أفعالهم الإجرامية من أعوانه في الأجهزة المدنية.
إنه من دون الاتفاق على هذه الأمور مسبقا لتكون جدول أعمال (جنيف 2) وأيضا من دون التأكيد على أنه لا معارضة غير هذه المعارضة، التي اعترف بها العالم بأغلبيته، لا يمكن لا انعقاد هذا المؤتمر ولا ضمان نجاحه في حال انعقاده.. يجب أن تكون كل الأمور واضحة منذ الآن ويجب إدراك أن الحلول المفروضة الضبابية هي التي ستمكن الإرهاب والمجموعات من التحكم بمستقبل سوريا والسيطرة عليها.
الشرق الأوسط
لماذا “جنيف – 2″؟/ روزماري ديفيس
جاء البيان الختامي لاجتماع “لندن 11” واضحاً ببنوده التوافقية والمتمحورة حول مبدأ أساسي يكمن في أن السبيل الوحيد لإنهاء هذا الصراع ومعاناة المدنيين السوريين الأبرياء يكون عبر عملية انتقال سياسي في سوريا، ما يمثل مؤشراً على عزم المجموعة الأساسية من أصدقاء سوريا لأجل تحقيق ذلك، والبناء على ما تم إحرازه من تقدم دبلوماسي خلال اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.
إن مجرد الجلوس على طاولة المفاوضات بين أفرقاء الصراع في سوريا هو خطوة أولى نحو تخفيف الاحتقان والتوتر، والتفكير بمستقبل السوريين عبر إقامة حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة همها الأول والأخير هو مصالح الشعب.
اجتماع “لندن 11” كان إيجابياً من ناحية الوضوح في الموقف المتراصف، بإجماع الدول الإحدى عشرة التي شاركت فيه، أكثر من أي وقت مضى، على التمهيد لـ “جنيف–2 ” بوجوب الدفع في اتجاه التوصل إلى صيغة جديدة للعملية الانتقالية الديمقراطية في سوريا، تنبثق عنها حكومة انتقالية توافقية، يتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية كما هو مبين في إعلان جنيف 2012. كما كان إيجابياً من ناحية الدعم السياسي والفني المكثف الذي تم الاتفاق على تقديمه للمعارضة المعتدلة بقيادة الائتلاف الوطني السوري.
بالرغم من التحديات الهائلة التي تواجه المعارضة السورية، ندعو الائتلاف الوطني للالتزام الكامل بمؤتمر جنيف-2 وأن يقود ويشكل نواة أي وفد معارض، حيث إن مؤتمر جنيف يشكل بارقة أمل للسوريين نحو مستقبل أفضل.
لم يكتفِ البيان الختامي بإعلان هذه المواقف فحسب، إذ كشف وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عن حزمة جديدة من الدعم البريطاني الذي يشمل مساعدات كبيرة غير فتاكة للائتلاف الوطني.
وتجدر الإشارة أن المملكة المتحدة لم تتقاعس يوماً عن الوفاء بالتزاماتها ووعودها بتقديم أقصى مستويات الدعم غير الفتاك للمعارضة والذي بلغ أكثر من 20 مليون جنيه خلال العام الحالي.
بريطانيا كانت دوماً رأس الحربة في حشد المساعي الدبلوماسية الدولية نحو إنهاء الصراع في سوريا، فقد احتضنت قبل “لندن 11” مؤتمرات ولقاءات عدة لتذليل العقبات التي تقف في وجه انعقاد مؤتمر “جنيف-2” رغم رؤية الأسد القاتمة التي أفادت بأن عوامل نجاحه غير متوافرة، محاولاً ضرب كل تلك الجهود عرض الحائط. أضف إلى ذلك، الكم الهائل من المساعدات الإنسانية البارزة التي تقدمها المملكة المتحدة باستمرار للسوريين والتي ناهزت أكثر من نصف مليار دولار.
انعقاد جنيف 2، بحضور ممثلين للنظام السوري وللمعارضة المعتدلة على حد سواء، من شأنه أن يخدم مصلحة سوريا شعباً ودولة، سعياً للتوصل إلى حل بعيد عن الهيمنة التي يفرضها النظام من جهة والتهديد الذي تمثله الجماعات المتطرفة من جهة أخرى.
من دون حل تفاوضي وسياسي يمثل إرادة الشعب السوري بشكل ديمقراطي وغير طائفي، سيستمر أمد الصراع، وربما تتصاعد وتيرته ويصل إلى حائط مسدود، لا ورقة رابحة فيه لأي من الأطراف. فاستمرار الحرب لن يفضي في النهاية إلا إلى تقطيع أوصال الدولة وتفكيكها وتأزم الأوضاع الإنسانية فيها وفي دول الجوار.
ما يمكن أن يتمخض عن المؤتمر، هو التأسيس لحكومة انتقالية توافقية ذات صلاحيات كاملة، بعيدة عن التطرف، يتم تشكيلها بالتراضي بين كافة الأطراف، حيث لا دور للأسد فيها.
مؤتمر “جنيف- 2″ لن يكون مجرد حدث أو منصة لقاء لمدة يوم أو يومين ينتهي باتفاق معين. إنه بداية لـ”عملية سياسية” معقدة وصعبة. وبقدر ما هي صعبة، بقدر ما تشكل ضمانة لمستقبل آمن للسوريين.
* المتحدثة الرسمية باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
جنيف خاص بلبنان/ وليد شقير
لم يعد ممكناً خرق سقوف مطالب الفرقاء اللبنانيين وشروطهم المتعلقة بحل الأزمة اللبنانية التي عنوانها الفراغ الحكومي والمخاوف من الفراغ الرئاسي الآتي في ايار (مايو) المقبل بانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، بل من تعذر إجراء الانتخابات النيابية المؤجلة أصلاً في الخريف المقبل.
حتى الاقتراحات التي يطرحها «الوسطيون» لم تعد قابلة للبحث فيها من قبل أي من فريقي الانقسام اللبناني الكبير الذي يزداد عمقاً، فهي اقتراحات تارة تُحسب لمصلحة أحد فريقي الصراع وانحيازاً له وأخرى تُحسب على أنها محاولات يائسة لا يمكن أصحابها ضمان تطبيقها لأن قرار التأزيم أكبر بكثير من هذه الاقتراحات ومن الساحة اللبنانية المحلية ومن النيات الحسنة.
وعلى عكس ما تتضمنه التصريحات والمواقف المعلنة والتي تستظل حاجة الناس الى الاهتمام بشؤونهم الحياتية والاقتصادية نظراً الى الضائقة التي ازدادت بفعل التأزم السياسي، من أجل تبرير دعواتها الفريق المقابل الى حلحلة عقد الأزمة، فإن الجمهورين المتقابلين لقوى 8 آذار و14 آذار لم يصبهما الملل من زعاماتهما السياسية وتمسكها بمطالبها وشروطها حيال مخارج الأزمة. بل ان الاستقطاب الطائفي والمذهبي بات سبباً لدى جمهور كل من الفريقين من أجل اتهام الجماعة الأخرى بالتسبب بالشلل العام والاهتراء الذي يصيب المؤسسات اللبنانية المعنية بانتظام حياة الناس وتلبية مصالحهم ومعالجة همومهم اليومية. ولا صحة لكل التبريرات التي يطلقها زعماء أي من الفرقاء بأن المواطنين اللبنانيين أخذوا يكفرون بالزعامات. والحقيقة هي أن هؤلاء المواطنين ما زالوا على ولائهم الأعمى للزعامات، ويذهب بهم هذا الولاء الى تحميل زعامات الفريق الآخر مسؤولية التردي المعيشي والاقتصادي والأمني، حتى إذا كانت زعاماتهم هي التي تتسبب به. لقد فعل التحريض اليومي والتعبئة المتواصلة في أبسط القضايا فعلهما في الحفاظ على الاستقطاب المذهبي والطائفي وفي وصوله في كل مرة الى ذروة جديدة. وفي كل مرة يشهد لبنان حدثاً جللاً يدفع البعض من قادة الرأي الى الأمل بفك الاستنفار المتقابل بين الجمهورين، لا تلبث الخيبة أن تلحق بهؤلاء.
وعلى رغم أن الكثيرين يراهنون على أنه عندما تحين اللحظة الإقليمية فإن التسوية التي يمكن أن ترتسم ستجبر الزعامات على تطويع جمهورها، كما حصل غير مرة، فإن ما بات مقلقاً هو أن اضطرار الزعامات والقوى المحلية لرفع السقوف أخذ يأسر هذه الزعامات والقوى أكثر، بحيث يصعب عليها التراجع عن شروطها. وأبرز هذه القوى في الفريقين هو «حزب الله» الذي يوجب عليه اضطراره الى تحريك الآلاف من مقاتليه الى سورية للدفاع عن النظام إظهار أقصى درجات التشدد في لبنان بموازاة انطلاق مرحلة التفاوض الإيراني – الغربي، ليحتفظ المفاوض الإيراني بكل أوراقه قبل أن تحين ساعة المساومات والتنازلات وتحقيق المكاسب.
إلا أن لعبة رفع السقوف تذهب بعملية الاحتفاظ بالأوراق والتشدد في الإمساك بها وتقود الى إبقاء لبنان خاضعاً لنتائج الصفقة الإقليمية الكبرى، مع ما يعنيه ذلك من استخدام ساحته للإمداد والدعم لمصلحة النظام السوري في مواجهته مع معارضيه، ما يقود بدوره الى رفع ذروة الاستقطاب الداخلي ويزيد الحساسيات المذهبية فلا ينفع حتى في ترجمة انتصارات مفترضة في سورية تسليماً من الخصوم في الداخل اللبناني بالمطالب التي يطرحها الحزب وحلفاؤه، بل يقود الى استسهال نقل الفوضى القائمة في سورية الى الداخل اللبناني، ويجعل الفريق المقابل متشبثاً بموقفه وبعدم تغييره. وبهذا يصبح اتهام قوى 8 آذار خصومها بأنهم يراهنون على تطورات خارجية تأتي لمصلحتهم في الداخل كمن يوقع نفسه في فخ هذا الاتهام ليرتد عليه إذا كان يصيب خصومه.
بلغ الوضع اللبناني حال الاستعصاء إذا كانت الحلول ستُترك لقواه السياسية الداخلية، وبات على الدول المعنية به، سواء الكبرى أم الإقليمية، أن تفتش عن جنيف – 1 وجنيف – 2 لحل أزمته، وإخراجه من وضع يقترب من تهديد اقتصاده ونسيجه الاجتماعي القابل للانفجار إذا استمر الصراع فيه على هذا المنوال. ولربما بات على هذه الدول، قبل أن تدعوه الى المشاركة في جنيف – 2، أن تجترح حلاً له، وصولاً الى أن تشكل له حكومته. وإلا ما نفع أن يقول السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل، إنه «لشيء مميز عندما تستطيع روسيا والولايات المتحدة والصين وأوروبا والأمم المتحدة وغيرها الاتفاق على شيء، وهم يتفقون على أن لديهم جدول أعمال مشتركاً للبنان منفصلاً عن أي تطورات في أي مكان في الشرق الأوسط، وبعيداً من الصراع في سورية»، إذا لم يكن يعني عزل أزمة الفراغ عن التفاوض الجاري حول سورية والمنطقة؟ وهذه مسؤولية موسكو مثل واشنطن.
الحياة
تطمينات كيري في لندن/ رندة تقي الدين
كان اجتماع مجموعة الدول الـ ١١ أصدقاء سورية في لندن يوم الثلثاء الماضي في نظر وزراء نافذين عرب وغير عرب مشاركين فيه هو الافضل منذ تأسست هذه المجموعة المعروفة بـ core group. حتى المعارضة الممثلة برئيس الائتلاف المعارض أحمد الجربا رأت فيه ظروفاً افضل من السابق. وسبب ذلك أساساً يعود الى ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري قدم في كلمته امام المجموعة نوعاً من الاعتذار لما سببه القرار الاميركي بالعدول عن القيام بضربة عسكرية على سورية من خيبة أمل وشعور بالأسف والتساؤل والتشكيك لدى كثيرين حول الموقف الاميركي بعد الاصرار على تنفيذ قرار مجلس الامن رقم ٢١١٨ حول تدمير السلاح الكيمياوي ونتيجة الاهتمام بذلك التي أدت لدى البعض الى شعور بعدم اليقين حول واقع الالتزام الاميركي. ولكنه اكد استمرار الالتزام الاميركي بدعم المعارضة السورية مع الاصرار على حل سياسي يكون مبنياً على نص «جنيف ١»، مما جعل المشككين وكانوا كثراً من بين اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة يرون ان الاجتماع كان افضل مما مضى ومفيداً.
وأكد كيري خلال هذا اللقاء انه قال هذا الكلام يوم الاثنين لوزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل خلال لقائه الثنائي معه، مؤكداً ان الادارة الاميركية باقية على التزامها بدعم المعارضة السورية المعتدلة وان من المهم التنسيق في مساعدتها وإبعاد المتطرفين. وأكد الامير سعود الفيصل عزمه على العمل مع الجميع في المجموعة لدعم العناصر المعارضة نفسها، وان السعودية بذلت الكثير من الجهود حتى الآن، مشيراً الى ان «المجلس الوطني» السوري المعارض يعاني من قلة المساعدات المالية وان المتطرفين يحصلون على مساعدات من الخارج وان على مجلس الامن ان يؤكد ثقته بالمعارضة المعتدلة. وأكد الامير سعود انه اذا تم فعل ذلك بالتنسيق معاً يمكن عندئذ مساعدة المعارضة السورية المعتدلة للتوجه الى جنيف.
كانت اجواء اجتماع لندن جيدة بعد فترة شكوك كبرى من دول غربية وعربية ازاء السياسة الاميركية تجاه سورية، الا ان هذا الاجتماع لم يتمكن من التوصل الى نتيجة حول عقد مؤتمر «جنيف ٢»، أولاً لأن الأسد لن يوافق على ارسال ممثلين عن النظام وايضاً لان قراءة روسيا لنص «جنيف ١» مختلفة عن الآخرين لانها لا توافق على إبعاد الأسد وتجريده من جميع صلاحياته بما فيها العسكرية والامنية كما شدد كيري في مؤتمره الصحافي. ان اقوال كيري العلنية في مؤتمره الصحافي والخاصة في الاجتماعات كان من شأنها ان تطمئن في لحظتها. الا ان تردد مواقف باراك اوباما من الصراع السوري مقلق. فأوباما مهتم اولاً بتدمير السلاح الكيماوي السوري ثم بإجراء صفقة مع ايران حول الملف النووي وتطبيع العلاقة معها وبعلاقة جيدة مع روسيا. اما بالنسبة الى الصراع السوري وطالما أن سورية لم تبلغ بعد مرحلة التحول الى معقل لـ «القاعدة» فهو غير معني بشكل كبير بما يحصل على الارض. الا ان استياء حلفائه في اوروبا والعالم العربي حمل الوزير الاميركي على طمأنتهم المرحلية في لندن. ولكن لدى سؤالنا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في لندن عما اذا كان يصدق التطمينات الاميركية قال: «انا اصدق ما سمعته»، ولو ان عدم اليقين بالنسبة الى الموقف الاميركي مبرر لدى الكثيرين. فالسوآل اليوم عما اذا كانت الادارة الاميركية ستفاوض فعلاً روسيا على اساس نص «جنيف ١» وتجريد الاسد من جميع صلاحياته وهل تحصل على ذلك من روسيا.
ان الغريب ان كل المشاركين في اجتماع لندن اكدوا ضرورة انعقاد «جنيف ٢» وايقاف سفك الدماء في سورية ولكن شروط هذا المؤتمر لم تكتمل بعد علماً ان التحضيرات له جارية كما لو انه مؤكد. ان توحيد الفرق العسكرية السورية المعارضة تحت راية اللواء سليم ادريس هو ما تتمناه الادارة الاميركية واعضاء مجموعة الدول الـ ١١ ولكن هذا لن ينجح على الارض من دون مساعدة عسكرية اساسية لمواجهة طائرات وصواريخ رئيس النظام السوري الذي يستخدمها لمحاربة وقتل شعبه. اذن الاوضاع ما زالت بعيدة عن التوصل الى حل سياسي. وكلما طالت الحرب وزاد عدد القتلى واللاجئين كلما ازداد الخطر على المنطقة بأسرها، وبوتين ينظر بارتياح الى نفوذه المستعاد امام القوة العظمى التي ما ان صدقت انها ارتاحت من الاتحاد السوفياتي حتى صعد بوتين على ساحة روسيا يحاول استعادة الرونق السوفياتي في الشرق الاوسط.
الحياة
الكل خذل السوريين/ جهاد الخازن
لو عُقد مؤتمر جنيف-2 اليوم على أساس نتائج محادثات مجموعة أصدقاء سورية في لندن هذا الأسبوع لانتهى بفشل كامل يتبعه تصعيد في المواجهات العسكرية، وهذه عبارة تعني شيئاً واحداً هو قتل المدنيين السوريين الأبرياء.
كان يُفترض أن يؤدي اجتماع لندن إلى قيام جبهة موحدة ضد نظام بشار الأسد إلا أنه لم يفعل غير تركيز الأضواء على الخلافات الهائلة بين جماعات المعارضة السورية، وعدم اتفاق «الأصدقاء» على رأي يجمعهم.
الولايات المتحدة ضد التدخل العسكري في سورية، وخطوطها الحمر خرافة، أما بريطانيا وفرنسا فتؤيدان التدخل العسكري غير أن قدراتهما محدودة. ألمانيا وإيطاليا ضد التدخل العسكري وهدفهما تقديم مساعدات إنسانية، وتركيا أخذت جانب المعارضة الإسلامية وهدفها الأول الآن أن تبقى الحرب الأهلية السورية داخل حدود سورية، وهذا هو أيضاً هدف الأردن الذي ركز على مساعدة اللاجئين السوريين. المملكة العربية السعودية تؤيد المعارضة الوطنية، إلا أن هذه لا تؤيد نفسها وقد أصبحت «معارضات» خلاف بعضها مع بعض أعنف منه مع النظام، وقطر تؤيد جماعات إسلامية، بعضها متطرف حتى لا نقول إنه إرهابي. أما الإمارات العربية المتحدة فتخشى النفوذ الإيراني في سورية وخطر زيادته، وهو خطر حقيقي، إذا هُزِمت المعارضة في سورية. ثم هناك مصر وكانت تقود المجموعة العربية في زمن مضى، إلا أنها اليوم بحاجة إلى مَنْ يساعدها ضد إرهاب الإخوان المسلمين وحلفائهم، ودورها محدود جداً.
وضع المعارضة السورية أسوأ كثيراً من وضع «الأصدقاء»، فالمعارضة السياسية، من نوع الائتلاف الوطني والمجلس، لا تجتمع على رأي وهناك خلافات داخل التنظيم الواحد. أما الجيش الحر فلم يبقَ منه سوى اسمه بعد أن أعلن عدد كبير من الكتائب المقاتلة أنه لا يعترف بقيادته.
بعض هذه المجموعات مجرد اسم لا يمثل وجوداً على الأرض، وبعضها عصابات جريمة، ثم هناك جماعات أصولية متطرفة.
أسوأ من كل ما سبق، إن كان بالإمكان أن يوجد ما هو أسوأ، أن سورية أصبحت الآن ميدان نشاط جماعات إرهابية مجرمة، وكان البدء مع جماعة النصرة، والآن هناك إرهابيون من الدولة الإسلامية في العراق وسورية وغيرهم، وهم جميعاً القاعدة مهما اختلفت الأسماء، وأي نجاح لهم يعني أن تخرج سورية من نظام سيء إلى ما هو أسوأ منه بكثير.
ربما حدثت تطورات قبل 23 تشرين الثاني (نوفمبر) تجعل فرص نجاح جنيف-2 أفضل مما هي الآن. غير أنني شخصياً لست متفائلاً، فالرئيس السوري يتحدث عن احتمال أن يرشح نفسه لولاية جديدة السنة المقبلة، و «الأصدقاء» والمعارضة يصران على أن لا دور له في مستقبل سورية، وهو يقول إنه يريد أن يعرف من تمثل المعارضة قبل الذهاب إلى جنيف، والمعارضة تقول إنها ترفض الجلوس مع النظام في جنيف، يعني أنها ذاهبة لتفاوض نفسها. وهو موقف مفهوم بالنظر إلى خلافاتها الهائلة.
في غضون ذلك، تتحدث منظمة الصحة العالمية عن عودة شلل الأطفال إلى سورية بعد 14 سنة من تسجيل آخر إصابة به هناك، وعن أمراض جلد في حلب مع وجود ألوف أطنان القمامة في الشوارع. ماذا ستكون المصيبة القادمة؟ الطوفان؟ الكل خذل شعب سورية.
الحياة