صفحات العالم

مقالات تناولت معركة القصير وتدخل حزب الله ضد الثورة السورية

الحرب على الإرهاب وفق «حزب الله»

سامر فرنجيّة

إحدى ميزات الصراعات الطائفية اتّكالها على مبدأ المحاكاة والتماهي بين المتصارعين، بحيث يذوب الفارق بينهم على رغم اعتقادهم بوجود اختلافات جوهرية تفصلهم وتحدّد هوياتهم المتغايرة. بدأ المسلسل الأخير للمحاكاة في لبنان مع المحاولات الكثيرة لاستنساخ منظومة «حزب الله» سنياً من ألاعيب أحمد الأسير في صيدا، ثم مع «قادة المحاور» في طرابلس. ومع توغّل «حزب الله» في سورية، بدأت مرحلة جديدة من التماهي أخذت شكل استنساخ أسلوب الحرب على الإرهاب ومفرداتها من جانب الحزب المقاوم وجمهوره.

في وجه تحدي القصير، لم يجد «حزب الله» ومنظّروه إلاّ مفردات أعدائهم التاريخيين وتبريراتهم لتفسير الواقع. فالحرب على القصير «استباقية» و «دفاعية»، وإن كانت تخاض في بلد آخر. وهي، وفقاً لتصريح قيادي في هذا التنظيم أدلى به إلى جريدة «الرأي» الكويتية، تتمّ وفق «عمليات جراحية» ناجمة عن «دقة القصف» لـ «بنك من الأهداف» تم جمعه بعد جهد استخباراتي. وتلك العبارات المستوحاة من مفردات «الحرب النظيفة» التي واكبت الحرب على العراق ولبنان وغزة، وجدت طريقها اليوم إلى معجم المقاومة لتغنيه بأبعاد جديدة.

مفردات الحرب النظيفة ليست الاستعارة الوحيدة التي قام بها «حزب الله»، بل دعّمها باستيراد منطق «الحرب على الإرهاب»، عارضاً نفسه بوصفه الوريث الفعلي، وإن لم يكن الشرعي، لخطاب إدارة المحافظين الجدد. فعرّف الأمين العام لـ «حزب الله» أثناء كلمته في ذكرى التحرير أعداءه السوريين بـ «التكفيريين» (وهي لم تكن تهمة عندما حارب الحزب إلى جانبهم في البوسنة والهرسك). وحدّد مشكلته مع العقل التكفيري بـ «أنه يكفّر الأفراد لأبسط الأسباب»، معيداً إلى الذاكرة ثنائية «المسلم الجيد والمسلم السيء» التي شكّلت أحد أسس الحرب على الإرهاب، بعدما أعاد صوغها وفق «الديالكتيك المشرقي». واستكمل دفاعه عن حرية الأفراد بادعاء أن الحرب على القصير لا تخاض باسم الحزب فحسب، بل باسم السوريين و «اللبنانيين والدولة والعيش المشترك». فكما حُرِّر العراق على أجساد العراقيين، ستحرر القصير وإن دُمِّرت. وعلينا شكره على هذا الفعل، إن لم يكن اليوم، ففي يوم لن يكون بعيداً، كما توقع أو هدّد أحد منظّري «حزب الله»، الذي كان، قبل صعود خطر التكفيريين الجدد، ينوي وضع «وردة على بحر العرب» لروح شهيد التكفيريين، بن لادن.

غير أن المحاكاة تعمل في الاتجاهين، ومن فكّك هذا الخطاب لسنوات وحاربه، كان عليه تخيّل شكل الرد. ففي مقابل وضع «حزب الله» نفسه في موقع الجيش النظامي الذي يحتل أرضاً على نحو استباقي، جاء الرد في استنساخ أسلوبه بمقاومة ذاك الهجوم.

فميدانياً، صورة القصير تشبه صورة غزة أو جنوب لبنان في استعمال المقاومين السوريين للأزقة والأنفاق وتحصّنهم في المنازل. وصدمة مقاتل «حزب الله» لخروج مقاتلين من الأنفاق ومهاجمتهم من الخلف ليست إلاّ صدى لمعاناة الجيوش النظامية في حروبها غير التقليدية، وهي مدرسة برع «حزب الله» في تطويرها. أمّا التماهي الميداني الثاني، فأخذ شكل صاروخين مجهولي المصدر تساقطا على منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت. ولوهلة سريعة، بدا أن على تلك المنطقة التعاطي مع عدو خفي من الصعب ردعه، مهما وعد زعيمها بانتصارات جديدة.

ماذا يعني تبني «حزب الله» خطاب خصومه القدامى؟ يمكن اعتبار هذا الاستنساخ جزءاً من الترسانة الخطابية للحزب المملوءة بحجج تستعمل مرة وتُرمى من دون أي أثر يذكر. فاستعارة خطاب الحرب على الإرهاب تأتي استكمالاً لمسلسل حجج سخيفة كمقولة محاربة «التطرف» باسم «الواجب الديني» أو التصدي لـ «الفتنة» من خلال إرسال مقاتلين شيعة لمحاربة آخرين سنّة. فحجة الحرب على التكفيريين، بهذا المعنى، مثلها مثل «خبر» الآلية الإسرائيلية والضباط الفرنسيين الموجودين في القصير: كلام مدة صلاحيته لا تتعدى الدقائق.

وعلى رغم هشاشة هذه الاستعارة، لديها بعض الدلالات. فهي إشارة إلى الالتحاق الرسمي لـ «حزب الله» بعنوان الصراع الشيعي- السنّي في المنطقة. ذاك أنّ شعار الحرب على الإرهاب شكّل أحد عنواني الاقتتال العراقي، بعدما تمّ تطييفه ليصبح مرادفاً للصراع ضد الكتل السنّية. وبقي «حزب الله» خارج هذا العالم الخطابي، متمسكاً بخطابه الممانع، ليلتحق به اليوم، ويُدعِّم تهم الخيانة المعتادة بتهم جديدة عن التكفير. كما أنّها إشارة إضافية إلى دخول لبنان نفق الحرب الأهلية. فتبرير الصراع في سورية على أنّه صراع ضد التكفيريين هو إعلان حرب على شريحة كبيرة من الشعب اللبناني، وإعلان بداية معركة طويلة لن تنتهي في سورية.

والمحاولة البائسة للأمين العام لـ «حزب الله» بأن يعكس مقولة «حرب الآخرين على أرض لبنان» لا تنفع، بخاصة بعدما عرّف عدوه بصفة التكفيريين المطاطة واعتبر أنّ الحدود وجهة نظر. وهي أيضاً إشارة الى أن جمهور المقاومة من المثقفين والمحللين بات محصّناً حيال أي اختراق وملتفّاً حول حزبه حتى في أكثر لحظاته العبثية. فبعد فشل الأداة الديموقراطية واللعبة السياسية والحياء العام في ردع «حزب الله»، كان الاعتراض الداخلي للطائفة آخر صمامات الأمان. وقد سقطت تلك الإمكانية في القصير مع التبني العام لمقولة التكفيريين، لبصبح «حزب الله» محرَّراً من أي رادع يمكن أن يجنب لبنان حرباً جديدة.

وهكذا، فمع التحاق الحزب بخطاب الحرب على الإرهاب، دخل الارتباك صميم خطابه وتعريفه لنفسه. فالضياع الذي ساد موقف بعض خصوم «حزب الله» في لبنان، نتيجة دعمهم لمبدأ المقاومة ورفضهم للحزب المقاوم، أو نتيجة تحالفهم مع الغرب المرفوض تقليدياً في القاموس النضالي، بات يطاول موقف «حزب الله» في معاداته للولايات المتحدة واستنساخ إحدى صفحاتها الأكثر سواداً.

وقد يفيد الأمين العام للحزب، خصوصاً مع حبه لثبات منطقه، أن يستهل خطابه المقبل باعتذار ولو متأخر من منظّري الحرب على الإرهاب وبإعلان صوابية احتلال الدول الداعمة للإرهاب. فمعركة القصير ليست إلاّ مصغراً عن احتلال أفغانستان أو العراق، وتأكيداً لمبدأ حظر «حزب الله» وأجنحته العسكرية.

الحياة

موت لبنان مكلّل بصمت أبنائه

حازم الأمين

الحال في لبنان ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان يقول انه «ضد ان يُرسل «حزب الله» مقاتليه الى سورية»! وهذه بعض من مفارقات واقع يُتيح فيه بلد لحزب اقتناء السلاح، ويُثبت ذلك في البيانات الوزارية، فتستحيل مواقف رئيسه تمنيات، وتتحول البيانات الوزارية حبراً على ورق، ويصير السلاح صاحب القرار.

فمَن اليوم في لبنان يحق له ان يقول للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ان قرار المشاركة في القتال في سورية هو خروج عن المهمات التي أناطتها البيانات الوزارية بسلاح المقاومة؟ انه سلاح الحزب ولا أحد غير الحزب، والمقاتلون المُرسلون الى القصير هم مقاتلو الحزب، هو درّبهم وهو سلّحهم، فيما الدولة اللبنانية غير غافلة عن ذلك.

القول اليوم إن لبنان لا يمكن ان يُحكم من جانب سلطة متشكلة عبر انتخابات، يبدو نافلاً، والرئيس السوري بشار الأسد اذ قال في مقابلته مع تلفزيون «المنار» ان لبنان لعب دوراً سلبياً في الأزمة السورية، عنى بما قاله «تمنيات» الرئيس اللبناني. ذاك ان المهمة كانت تقضي بأن يُرسل المقاتلون الى هناك من دون «تمنيات». واليوم يمكننا ان نتحقق على نحو ملموس من الوظيفة المنوطة بدولتنا الضعيفة، فنحن الاستثناء الوحيد بين كل دول الجوار السوري. وحده لبنان أعلن رسمياً ارسال مقاتلين لبنانيين الى القتال في سورية، ووحدها حدودنا من كان ينتظر منها الرئيس السوري مزيداً من الدعم. من العراق يُرسل نوري المالكي مقاتلين، لكنه يفعل ذلك في غفلة من القوانين. ومن تركيا تسهّل الحكومة عبور السوريين، لكنها لم ترسل جندياً تركياً واحداً، والحدود مع الأردن محكومة بمعادلة تحفّظ الحكومة على الحرب في سورية.

يمكن اللبنانيين أن يشعروا اليوم بأنهم يعيشون في العراء، لا بل إن أي شعور بغير ذلك يبدو مصطنعاً، والنقاشات السائدة حول قانون الانتخابات النيابية، وتأجيل إجرائها لأسباب تقنية وغير تقنية، هي أشبه بصراخ يستعيضون به عن وحشة يُتْمٍ كانوا يُخبئونه بضجيج ما يعتقدون انه سياسة.

اليوم قال لهم «حزب الله» «سأذهب الى القصير»، وقال لهم بشار الأسد ان «تمنياتكم تلعب دوراً سلبياً في سورية». اذاً عليكم ان تتعايشوا مع المهمة بصمت. مَنْ لا يؤمن بالمهمة عليه ان يكتفي بالصمت. عليه ألا يراقب. لم تعد للبيان الوزاري قيمة، فمن قبل به على رغم ما فيه من مفارقة، عليه ان يقبل بتجاوزه، هذا الأمر هو أصلاً جزء من آلية عمله.

يسود هذا الشعور في لبنان. كل اللبنانيين يغصون بسؤال عن ارتداد المشاركة في القتال في سورية عليهم. الخبرة لا تسعفهم في التخيل، ذاك أنها المرة الأولى التي يتوجه مقاتلون من بينهم الى دولة مجاورة. ماذا سيعني فشل المهمة؟ وماذا سيعني نجاحها؟ لا شك في ان لبنان قبلها هو غيره بعدها، فـ «حزب الله» ذاهب الى القصير لأسباب لبنانية أيضاً، وانتصاره هناك سيُصرف هنا، وكذلك هزيمته.

لكن «حزب الله» راكم «انتصارات» لم يعد لبنان يتسع لها، وها هي اليوم تفيض على القصير وعلى سورية، وهو اذ اعتقد بأنها ذخيرة للمستقبل، فها هو اليوم يشعر بوطأتها. القوة الفائضة في لبنان هي غير ذلك في سورية.

هذه بعض صور تخبطنا جراء المهمة الجديدة التي أُنيطت بسلاح «حزب الله»، ذاك ان ارتدادها علينا عبر مزيد من الوهن في صورة دولتنا خلّف شعوراً بالموت النهائي للدولة وللحكومة. فقد كنا نعيش بالمواربة، وها نحن اليوم أمام الحقيقة من دون مواربة. لا دولة ولا سلطة. مجرد توافق على العيش بشيء من الهدوء والصمت والإشاحة.

ثم إن خيالنا في ظل المهمة الجديدة هذه لم يعد يسعفنا في تخيل ما سنكون عليه بعدها، فهي أُوكِلت لنا من دون ان نكون معنيين بحصد نتائجها.

قد يتخيل المرء «حزب الله» قبل حرب تموز و «حزب الله» بعد حرب تموز، وأن يُجري بعد ذلك مقارنة قد يختلف في تقويمها مع غيره. ولكن، ماذا عن «حزب الله» قبل القصير و «حزب الله» بعد القصير؟ بالتالي ماذا عن لبنان قبل القصير ولبنان بعدها؟ «حزب الله» لا يمكن ان يكون أقوى من نفسه، أو ان يُسابق نفسه، اذ لا نفوذ لغيره اليوم في لبنان، وأن يتفوق على السلطة فيه، فهو بذلك يتفوق على نفسه.

يميل المرء الى الاعتقاد بأن الحزب عاجز عن التخطيط لما بعد المهمة، وأنه لا يعرف على مَنْ ستقع الخسارة سواء انتصر أم هُزم. لكن الثابت حتى الآن ان لبنان يترنح تحت وطأة هذه المهمة، وأن مزيداً من التلاشي يصيبه هو ودولته ومجتمعاته، وأن رئيسه يُناشد الحزب عدم الإمعان في الانزلاق. وثمة استغاثات خرساء يُطلقها كثيرون من دون أن ينطقوها. وما يزيد وحشة المستغيثين، رصدهم الذهول الذي خلفته المهمة في نفوس من يشبهونهم. فمقتدى الصدر يناشد «حزب الله» الكف عن إرسال المقاتلين الى سورية، وأن ذلك يولد مزيداً من الخوف. والرجل كان ضيف الحزب قبل أسابيع قليلة، وهو لا يقول ذلك لأنه يتمنى لبشار الأسد ان يسقط غداً، انما لأنه شعر بعدم انسجام المهمة.

ليست هذه حال مجتمع «حزب الله» فقط، انها حال اللبنانيين من خصوم الحزب ومن مؤيديه، فلبنان لم يسبق أن اختبر التدخل في مصائر دول أخرى. صحيح ان «حزب الله» في لحظة قتاله هناك لا يُنفذ مهمة لبنانية، لكن ذلك لا يعني أبداً ان لبنان سيكون بمنأى عن نتائجها، سواء لجهة مستقبل العلاقة بين جماعاته، أو لجهة مستقبل العلاقة مع سورية.

الحياة

لبنان.. ريف القصير أم «جبهة النصرة»؟

نصري الصايغ

ما كان متوقعاً، لم يتأخر. حدث وفق ما كان يتخوّف منه اللبنانيون. التخوف لم يمنع حصوله. وما هو متوقع للأيام والشهور المقبلة، لن يتأخر. سيقع وفق ما هو مرسوم في الأذهان. الكارثة لن تخوف اللبنانيين الذين يتخوّفون من وقوعها.

لا يعود السبب في صدق التوقعات، إلى نبوءات أو هلوسة مخاوف، بل إلى كون الأحداث تأتي في سياقها الطبيعي، ويستحيل أن لا تحدث.

أخبار الشهور الماضية، حافلة بالتحذيرات التي أجمع عليها الأفرقاء اللبنانيون، المتنازعون المختلفون على كل شيء، والذين اتفقوا فقط على خوف انتقال الأزمة السورية إلى لبنان. وها هي قد انتقلت. الأزمة السورية راهنا، هي في سوريا، وتتقدم يوماً بعد يوم، لتصير من اليوميات اللبنانية الميدانية. نحن الآن، بتنا جزءاً من ريف القصير، وجزءاً من ريف دمشق.

ما كان كلاماً، صار سلاحاً. انخراط الأطراف اللبنانية في الأزمة السورية الطاحنة والمدمرة والمرعبة والمجنونة، بالكلام والمواقف، تحوّل إلى رفد للأزمة، بالسلاح والمقاتلين، ثم انخراطاً في المعارك.

التوقعات صدقت، للأسف الشديد، لأن ما يحصل، هو من طبيعة الأشياء، ولأنه يأتي في سياقه المنطقي وتسلسله المبرم. من كان يظن أن اللبنانيين سيكونون على حياد واهم ولا يرى أبعد من أنفه المتفائل، والذي يحسن الشم والظن، بلبنانية اللبنانيين.

طبيعي جداً أن يحصل انقسام بين اللبنانيين حول النزاع السوري. لأنه من الطبيعي جداً أن نلتفت إلى كون القاعدة الذهبية في لبنان، وفي نظامه، وفي قواه، هو تدعيم الانقسام الداخلي، بانقسام حول ما يحدث في الخارج. القانون الطبيعي اللبناني أفضى إلى نتيجة واحدة راسخة: «ما فرّقه اللبنانيون لا يجمعه إله». الانقسام اللبناني هو الشيء الوحيد الطبيعي في لبنان. لبنان المنقسم، هو الحالة الدائمة، والكلام على «الوحدة الوطنية» و«العيش المشترك» و«المصلحة العليا» و«بناء الدولة» (إلى جانب قاموس الاستهلاك السياسي الرسمي والطائفي) ليس سوى نشيد وطني كاذب لا يشبه أبداً، «كلنا للوطن».

من كان يظن أن «حزب الله» لن يتدخل في سوريا إلى جانب النظام، إما واهم أو مكابر أو مبرِّئ كاذب. لا يمكن لـ«حزب الله» أن يكون على الحياد. منذ البداية، كان النبهاء يعرفون ذلك ويتوقعون الانخراط أكثر، وفق ما تمليه عناوين الحرب وميادينها ومخاطرها ومآزقها.

القراءة الموضوعية لا يمكن أن تحيد عن السياق الذي تكرّس في التحالف المزمن بين المقاومة والنظام السوري ودولة إيران. لقد بدا هذا التحالف متيناً في كل الأزمات الإقليمية. فقيما كان معسكر «الاعتدال» يشن حربه على المقاومة، بالسياسة والإعلام والتواطؤ مرة، وبتوكيل أميركا واسرائيل مرة، كانت المقاومة تجد سندها في سلاحها ورجالاتها وفي ظهرها السوري وشريانها الإيراني.

هذه حقيقة من أركان وجود المقاومة. المقاومة لبنانية عن حق، ولكنها بثلاثة أقانيم، ومن يعرف العقيدة المسيحية، يدرك أن الله واحد بثلاثة أقانيم، ولا ينفصل. كذلك المقاومة، هي واحدة في ثلاثة. ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، تصلح للاستهلاك اللبناني. أما ثلاثية المقاومة، دمشق، طهران، فمن دونها لا مقاومة ولا فلسطين. ما توقعه اللبنانيون بلغوه، وصلوا إليه بجدارة الخوف والعقل معا… ولأن لبنان يشبه تاريخه، ومن يقرأه يعرف أنه من الطبيعي ان تكون قوى «14 آذار» بقيادة تيار المستقبل ذي الحاضنة السنية، ضد النظام السوري، ومندفعاً في تأييد المعارضة، أكانت سلمية أم مسلّحة. ولقد حصل ذلك من بدايات الأزمة.

من كان يظن أن الحاضنة السنية في لبنان لفريق «14 آذار» بتنوع تياراتها وجماعاتها وإماراتها ورجالاتها «وإداراتها»، لن تكون إلى جانب المعارضة، هو واهم أو غبي. إرهاصات هذه الحاضنة العدائية قديمة. تأكدت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإصرار هذا الفريق على اتهام بشار الأسد تحديداً بالاغتيال. ولقد حصّن هذا التوجه العدائي سوء أداء النظام السوري، وطريقة تعامله مع هذا الفريق وطريقة إدارته الفظة والشنيعة للملف اللبناني برمّته. ولقد دفع ثمن ذلك انسحاباً مذلاً من لبنان، لم تتبرع المقاومة بطريقة لمنعه. حصل الانسحاب والمقاومة تشاهد ذلك بصمت، وألزمها أن تحل مكانه في جزء من السلطة، لحماية ظهرها من الداخل اللبناني.

كل هذا مفهوم. ومفهوم إذاً، أن يذهب فريق «14 آذار» إلى دعم المعارضة وإلى المساهمة، مع من يتولى مهمة إسقاط النظام برموزه السياسية والعسكرية والأمنية.

كل هذا مفهوم وطبيعي، وبكل أسف كارثي.

كذبة النأي بالنفس عاشت طويلا، إلى أن سقطت في القصير وطرابلس والهرمل وعرسال وصيدا وهلم جراً، غدا وبعد غد.

أمس، دشن لبنان حقبة جديدة من مصيره المأزوم. ما كان مصاناً حتى الأمس القريب، بات على قارعة التفريط. آخر همّ المعنيين، حراسة السلم الأهلي، ما تحفل به اهتمامات المهتمين، هو التفرج على الانهيار التدريجي للسلم الأهلي.

لقد انتقلت الأزمة السورية إلى الميادين اللبنانية. طرابلس اللبنانية، سورية الهوى والأهواء. والرياح فيها متعارضة. ما يرسو في التبانة لا يشاطئ جبل محسن. والعجز تام. قادة الميادين يحكمون طرابلس. ولا أحد يتمتع بذكاء عادي، يتوقع أن تنتهي المعارك في طرابلس، التوقعات تفيد بأن طرابلس اليوم، بديل عن بيروت العام 1975، تاريخ بدء الحرب اللبنانية.

الصاروخان اللذان سقطا على الضاحية الجنوبية، أصابا لبنان كله بالسؤال اللعين: هل نحن في القصير؟ الرد على خطاب السيد في مشغرة جاء سريعاً. إذاً هناك تنظيم وبنية عسكرية تحتية منتشرة، خارج أماكن القتال. وإذاً أيضا، لبنان برمته قد تحوّل إلى غابة يتجوّل فيها السلاح والمسلحون، كأنهم في ريف القصير أو حلب أو دمشق.

ما كان يتخوّف منه اللبنانيون قد تحقق. لبنان غداً، لن يشبه لبنان المأزوم سياسياً والمصاب بعصاب العنف الموضعي في بعض أنحائه. الجديد، أن إرهاصات الكوابيس قد حلّت، وصور الأنبار والفلوجة وشيوع التفجيرات واقتراب «النصرة» من لبنان ثم انتقالها إلى لبنان، قد باتت توقعات جديدة.

يجب أن يتغير اللبنانيون. يجب ألا يخافوا بعد اليوم. عليهم أن يرتعبوا. إلا إذا كان كل ما جاء في هذه المقالة، كان مغلوطاً من الأساس وآمل أن يكون كذلك، ولكنه ليس.

السفير

اعترافات القرضاوي.. موقف شجاع

 عبد الرحمن الراشد

مراجعات الشيخ يوسف القرضاوي حدث مهم؛ لأنه وقف واعترف صراحة «إنني ظللت لسنوات أدعو إلى تقريب بين المذاهب، وسافرت إلى إيران أيام الرئيس السابق محمد خاتمي. هم ضحكوا عليّ وعلى كثير مثلي، وكانوا يقولون إنهم يريدون التقريب بين المذاهب».

ويعترف بخطئه: «دافعت (قبل سنوات) عن حسن نصر الله الذي يسمي حزبه حزب الله وهو حزب الطاغوت وحزب الشيطان، هؤلاء يدافعون عن بشار الأسد». وقال: «وقفت ضد المشايخ الكبار في السعودية داعيا لنصرة حزب الله (آنذاك)، لكن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني وأبصر مني؛ لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم.. هم كذبة».

شيخ في مقام الشيخ القرضاوي يقدم اعترافاته علانية وصريحة حدث مهم جدا، يقول كنت على خطأ في كل ما فعلته، ودافعت عنه، وهاجمت الآخرين بسببه. المعارك التي دارت في السنوات العشرين الماضية كانت تقوم على فكرة بناء عالم إسلامي من حكومات وأحزاب وشخصيات، وبني المشروع الرومانسي على كم هائل من الأكاذيب والخرافات، جمع المخادعين مع المخدوعين.

شجاعة الشيخ القرضاوي تستحق الاحترام؛ لأنه شبه الوحيد الذي قال لقد أخطأت، وكان بإمكانه أن يلجأ للتبرير أو التجاهل، إنما اختار أن يواجه أتباعه معترفا بخطئه.

لم يخطئ القرضاوي في فكرة التقارب بين المذاهب، والدعوة للتعاون الإسلامي؛ لأنها أفكار نبيلة. أخطأ في فهم محركات السياسة التي أدارت المشروع في طهران وبيروت ودمشق. طهران الخميني مشروع لا علاقة له بالإسلام، بل مشروع إيراني هدفه الهيمنة على المنطقة، واعتمد مخططوه في طهران على كذبة الثورة الإسلامية، لأنها الرابط الوحيد مع ألف مليون مسلم في العالم، والتي يمكن ركوبها للتوسع جغرافياً ونفوذاً.

خضنا معارك جدلية مع كل حلفاء إيران وحزب الله ونظام سوريا، مثقفيهم ودعاتهم؛ لأننا نعرف كنه هذه النظم، وأهدافها، وتفاصيل نشاطاتها. نعرف أن الأغلبية التي سارت خلف هذه الجماعات الشريرة غرر بها، اتبعتها بنية حسنة، لكن كما تعلمون.. الطريق إلى جهنم مليء بالنوايا الطيبة. الشيخ القرضاوي، نفسه، انساق وراء أوهام كبيرة، ككثير من رجال الدين الذين دخلوا ساحة السياسة بكثير من الحماس وقليل من العلم في هذا المجال. غادر مصر احتجاجا على الرئيس الراحل أنور السادات؛ لأنه وقع اتفاق السلام مع إسرائيل، وعاش بعدها في قطر. وكانت إيران قبلة للغاضبين والمتحمسين لتغيير العالم الإسلامي. المحبطون والمبهورون كتبوا كتبا تمجد الثورة الإيرانية، وألقوا خطبا تبجل القيادات الإيرانية، رغم أن أوساخها السياسية ظاهرة للعيان منذ هروب أبو الحسن بني صدر، أول رئيس منتخب والمقرب من آية الله الخميني. عصابة النظام الجديد طاردوا شركاءهم في الثورة وقتلوا العديد منهم. بعد هذا كيف يصدقون أن نظاما مجرما في حق أهله في طهران يمكن أن يكون قائدا لهم يحرر فلسطين ويزيل أنظمة الطواغيت؟

ليس صحيحا أن إيران كانت لغزا مجهولا، بل كانت نظاما طائفيا سيئا منذ البداية. عندما ألف سلمان رشدي روايته «آيات شيطانية»، قادت إيران حملة ضد بريطانيا وسعت تطلب معاقبتها في مؤتمر إسلامي في جدة. المفارقة أن الوفد الفلسطيني الذي كان يعرف أكاذيب نظام الخميني مبكرا، قال بريطانيا ليست بلدا إسلاميا، وطرح فكرة منع سب الصحابة أولا في الدول الإسلامية، وليس فقط ضد بريطانيا. جن جنون الوفد الإيراني ورفض وانسحب.

وبكل أسف لا يزال رفاق القرضاوي المخدوعون يسيرون وراء إيران، مثل قيادات حماس، وقيادة «الإخوان المسلمين» في مصر. ألا يفكر أحدهم قليلا ويتخيل كيف سيكون عالمنا غدا تحت سيطرة شخص سيئ مثل علي خامنئي أو قاسم سليماني أو حسن نصر الله؟ من المؤكد أن إيران المتطرفة ستتحالف غدا مع أميركا الشيطان الأكبر، وستتعاون مع إسرائيل، وستجثم على نفط المنطقة وتفرض مشروعها!

الشرق الأوسط

معركة القصير مفصلية

    علي حماده

ليس سرا ان معركة القصير التي اشعلها النظام في سوريا ومعه “حزب الله” تهدف في ما تهدف الى فتح طريق آمنة للتواصل بين “الكانتون” العلوي العتيد في الساحل السوري وكل من  دمشق والكانتون الشيعي التابع لنفوذ “حزب الله” في لبنان. هذه هي الخطة باء التي تعرفها عواصم القرار العالمية، وتعرف من خلالها اهمية معركة القصير ومفصليتها. فسقوط القصير معناه سقوط آلي للاحياء الصامدة في حمص، وانهيار جبهة الرستن ومحاصرة الشمال اللبناني الذي لا يزال يشكل عمقا لوجستيا للثورة السورية. كما ان سقوطها يفتح الباب امام مشروع تفتيت سوريا.

الحديث عن مشروع الكانتون العلوي صار على كل شفة ولسان باعتباره الخطة باء في حال انهيار النظام في الجنوب ودمشق. ولكن لماذا الحديث عن “كانتون شيعي ” او “كانتون حزب الله” ؟ لان الحزب المذكور يتعامل مع واقعه اللبناني على قاعدة خلق كيان ضمن الكيان يضعف الكيان الاصلي، ثم يقضمه فيلحقه بمشروعه. ولعل ما يهم “حزب الله ” في المرحلة الراهنة، ان يعطل الدولة اللبنانية، وان يرهب المكونات اللبنانية الاخرى، ليخلق تواصلا بين الجنوب والبقاع وصولا الى سوريا حيث التواصل مع الكانتون العلوي. وكلا الكانتونين يكونان تحت وصاية المشروع الايراني في المنطقة. القاعدة بسيطة: ان لم نتمكن من الحفاظ على “سوريا الاسد”، فسنلجأ الى خلق دويلة او كانتون للاسد على تواصل جغرافي وبشري مع لبنان او الاجزاء الواقعة منه تحت الحكم التام لـ”حزب الله”.

إذاً ان معركة القصير في حال انتصار “حزب الله ” فيها ستحدد مسار المعركة من اجل سوريا. وواضح ان تحالف النظام في سوريا والايرانيين يعتبرونها مفصلية وإلا لما جرى زج “الاحتياطي  الاستراتيجي” الايراني في المشرق العربي، اي “حزب الله” في معركة من المؤكد انها ستنعكس مباشرة على وضع الحزب داخل لبنان، إن على مستوى العلاقات الطائفية والمذهبية بين اللبنانيين، او على مستوى امن لبنان الهش اصلا. فالتورط في معركة القصير بهذا الحجم، كما التورط في مناطق اخرى هو دعوة مفتوحة لاستدراج الحرب الى قلب لبنان، واستدراج رد من فصائل الثورة السورية على ارض لبنان. واول المستهدفين هم بيئة “حزب الله” الحاضنة.

هذا لا يعني ان لبنان لن يتأثر بأي عمل انتقامي رداً على تورط “حزب الله”، ولكن التذرع بمقاتلة من يوصفون بـ: عملاء اسرائيل واميركا ” في سوريا، وكذلك “التكفيريين” لا يقنع بقية اللبنانيين بصوابية تورط “حزب الله” في حرب مع الشعب السوري.

النتائج ستكون وخيمة، لا بل وخيمة جدا. وكون معركة القصير مفصلية بين الطرفين، فإنها اما ان تصمد وتتحول حرب استنزاف متبادلة، او تسقط فتفتح ابواب جهنم على من تورطوا بدماء السوريين، وتفتح معها حربا اوسع منعا لتحقق اهداف ايران في كل من سوريا ولبنان.

النهار

«حزب الله» أم «حزب الشيطان»… هو نتاج عربي!

خالد الدخيل *

وصلت دراما الصراع في المنطقة إلى ذروة أخرى. لم يعد النظام السوري قادراً بمفرده على حماية نفسه أمام الثوار. بات في حاجة إلى مقاتلين إيرانيين وعراقيين، وإلى مقاتلي «حزب الله» اللبناني تحديداً. انقلبت المعادلة. كان الحزب نشأ في الأصل تحت حماية النظام السوري. لم يسقط النظام لكنه يتهاوى. لذلك يبدو أن الحزب يأخذ مكانه موقتاً كقوة إقليمية يتجاوز دورها في شكل علني حدود لبنان، ويتعهد قائدها بحماية النظام الذي كان يحميه من قبل، ومن حيث أن الحزب ذراع إيرانية، فهو يحاول بذلك أن يدفع بالدور الإيراني إلى مرحلة متقدمة كشريك في إعادة رسم الخرائط السياسية إن لم تكن الجغرافية للمنطقة. هل في ذلك مفارقة؟ المفارقة أن إيران جعلت من النظام السوري غطاء لنفوذها ودورها في الشام، في مقابل وهم قدرتها على حمايته من السقوط. كلاهما يقامر بما لا يملك.

في موازاة احتدام المعارك، وتداخل الأدوار على أرض سورية، برز ما يبدو أنه تفاهم أميركي – روسي على كل شيء، وعلى لا شيء حتى الآن. عنوان التفاهم هو «جنيف2». والسؤال هنا: على ماذا يمكن أن تتفاهم أميركا التي تريد تنحي الأسد، وروسيا التي أولويتها تفريغ الربيع العربي من شحنة اندفاعاته حتى لا تتجاوز حدود منطقته الأصلية، والمحافظة على بقائها في الشرق الأوسط بالنظام السوري أو من دونه؟ هل يمكن أن تكون هناك صيغة تتحقق في إطارها أهداف واشنطن وموسكو؟ ما علاقة ذلك بالغموض الذي يحيط بمؤتمر «جنيف2»؟ ما هو هدف هذا المؤتمر؟ من الذي سيشارك فيه؟ موقع المعارضة معروف في هذا المؤتمر، لكن ما هو موقع الرئيس السوري؟ هل تشارك المعارضة؟ أجزاء أخرى من المشهد تأخذ شكل الملاحظة وليس السؤال. في إطار التفاهم المشار إليه تنسق روسيا مع إسرائيل، وتتغاضى واشنطن عن دخول إيران في الحرب الدائرة في سورية. الأكثر إثارة أن واشنطن تعمل وبحماسة لافتة على الملفين السوري والفلسطيني في الوقت نفسه، وكأنها تريد بذلك أن تجعل من هاتين القضيتين ورقة مهمة في ملف القضية الأخرى. لا بد من أن تكون لذلك علاقة بملف إيران النووي، وبشعار المقاومة الذي ترفعه طهران.

هنا تبدو الأزمة السورية نقطة تقاطع تلتقي عندها واشنطن وتل أبيب وطهران. إذا كانت موسكو – كما تردد – غير معنية ببقاء الأسد، فإن طهران معنية بذلك، لكنها تدرك أن الرئيس استنفد أغراضه. قد يتمكن بمساعدتها وروسيا من تأخير سقوطه عسكرياً أو سياسياً، لكنه في الأخير لم يعد قابلاً للبقاء. حديثه هذه الأيام عن فتح جبهة الجولان هو حديث من بدأ اليأس يستبد به. هل يقدم على ذلك عندما يشعر بلحظة الخطر ليسقط السقف على الجميع؟ ربما. لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار بأن سلطات الرئيس في خضم الحرب ومواقف الأطراف الأخرى في النظام، والتدخل الكبير لإيران و «حزب الله» وموقف موسكو، ليست كما كانت عليه قبل الأزمة أو مع بدايتها. في الأغلب لم يعد أمر جبهة الجولان بيد الرئيس وحده أو خاضعاً لحساباته من دون غيره. تعرف إيران كما دمشق بأن تل أبيب لا تزال تفضل بقاء النظام لأنه رهَنَ بقائه لمرتكزات، أحدها أن تكون الجولان هادئة. فتح الجبهة في هذه الظروف الحرجة يعني أشياء كثيرة، فهو يقلب حسابات واشنطن، ويضع حداً لترددها وتفضيلها الحل السياسي، كما أنه يهدد بإضعاف أو سحب تأييد موسكو، ويلغي حياد تل أبيب في الحرب الطاحنة.

لماذا إذاً تتدخل طهران عسكرياً من خلال مقاتلين شيعة من إيران والعراق ولبنان؟ لتأخير سقوط النظام، وجعله مكلفاً حتى تحتفظ لنفسها بورقة لمرحلة ما بعد سقوطه. في هذه الحال، ما معنى الإصرار على شعار المقاومة؟ هذه ملهاة مأسوية. الذي يُقتل يومياً بسلاح «المقاومة» هو الشعب السوري، والمدن التي تدك يومياً بصواريخ وطائرات هذه المقاومة هي المدن السورية. وتكتمل صورة الملهاة عندما تأتي الطائرات الإسرائيلية في عز احتدام المعارك وتدك معاقل «المقاومة» في سورية، ثم لا تجد هذه الـ«مقاومة» ما ترد به إلا بإرسال المزيد من قواتها وجنودها إلى القصير وحمص وحلب. المقاومة غطاء لأشياء كثيرة، غلالة تظلل التدخل الإيراني في سورية، وهي تعود موضوعاً للصراعات الإقليمية بعد أن كانت أحد أطراف هذه الصراعات.

أين الدول العربية من كل ذلك؟ يرمز النظام السوري بتاريخه منذ 1963 وبما انتهى إليه الى النهاية نفسها التي انتهى إليها ما كان يعرف بالنظام الرسمي العربي. لا تستطيع الدول العربية التأثير بشكل حاسم في الوضع السوري حالياً. قرارات الجامعة العربية تؤكد بأن جميع الدول العربية اكتشفت متأخرة – على الأرجح – أن النظام السوري بات يشكل عبئاً ثقيلاً عليها. دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا عُمان ترى أن مصلحتها كما مصلحة الشعب السوري تقتضي سقوط هذا النظام. عُمان كانت ولا تزال تستطيع التعايش مع سقوط النظام أو بقائه. مصر تمر بأزمة سياسية واقتصادية طاحنة، وتعاني من عدم استقرار سياسي خطر. موقفها كان واضحاً، ثم بدأت تشوبه حال من الغموض، وكأنها تريد المساومة على ثمن لموقفها من الدول الخليجية ومن إيران، أما الجزائر ففيها أكثر الأنظمة العربية شبهاً بالنظام السوري. توحي مواقفها في الجامعة العربية بأنها لم تعد معنية بمستقبل هذا النظام. هي تشترك مع روسيا في ضرورة وضع حدّ لزخم الربيع العربي، ولذلك تفضل على الأرجح أن يأتي سقوط النظام بعد أن يُستنزَف الجميع ويصلوا إلى حال إنهاك تدفن ذلك الزخم تحت التراب السوري، كما أن النظام السوري يعكس الحال العربية، ويأتي «حزب الله» اللبناني نتيجة للحال نفسها. يخدع حسن نصرالله نفسه بأنه يمثل حالاً جديدة أو مختلفة. خدع العرب بكذبة المقاومة ليس لأنه لم يقاوم، وإنما لأنه قدم هذه «المقاومة» على غير حقيقتها. لم يفعل الحزب هنا أكثر من أنه وظف القضية الفلسطينية لمشروع إيران السياسي، كما كانت أنظمة عربية كثيرة توظفه لمشاريعها. الفرق أن الحزب كان أكثر حرفية في الكذب وتسويقه، وكان أكثر نجاحاً في عملياته العسكرية لسببين: أنه أولاً كتنظيم خارج الحكم غير مقيد بقيود الأنظمة السياسية، وثانياً أن حرب العصابات ساعدته إلى جانب حسن تدريب كوادره وتسليحه، لكنه لم يحقق انتصارات بدليل أن السياسة الإسرائيلية في الشام لم تتغير. ما حققه الحزب أنه خلق نوعاً من التوازن السياسي وليس العسكري على الجبهة اللبنانية. لم يكتشف كثيرون كذب «حزب الله» إلا بعد الثورة السورية، وعندها اتضح أن المقاومة لا يمكن أن تتماهى مع نظام مستبد دموي يقتل شعبه ببشاعة تفوق بشاعة العدو. لم ينتبه أحد إلى أن الحزب في حقيقته حال سياسية ملتبسة. قانونياً ينتمي إلى «الجمهورية اللبنانية»، لكنه دينياً وسياسياً وعسكرياً ينتمي إلى «الجمهورية الإسلامية الإيرانية». اخترعته إيران في 1982، وتبناه حافظ الأسد كأداة يشاغل بها إسرائيل في جنوب لبنان لتغطية هدوء الجولان. في إطار علاقتها مع سورية أيام حافظ الأسد وفرت السعودية تحت مظلة اتفاق الطائف غطاء عربياً سنياً كبيراً لتسليح حزب شيعي تابع لإيران. اكتشفت السعودية متأخرة خطأها الفادح. دمشق لا تملك خياراً آخر. هي الآن تحتاج إلى ميليشيا الحزب. «حزب الله» عربي لكن هويته دينية شيعية، ودوره السياسي له صبغة فارسية لأن تحالفه مع النظام السوري فرع لتحالف إيران مع النظام نفسه. لم تدرك قيادة الحزب أن الثورة السورية رسمت حداً فاصلاً بين المقاومة وبين إدعائها لأغراض لا علاقة لها بالمقاومة. الأسوأ أن حجم كذبة الحزب غير مسبوق، ولذلك انهارت شعبيته دفعة واحدة في العالم العربي، وتغير اسمه إلى «حزب الشيطان». جرأة الحزب على المشاركة في قتل الشعب السوري نصرة لإيران وللنظام، ثم إصرار أمينه العام حسن نصرالله على ادعاء أن الحزب إنما يفعل ذلك باسم المقاومة، كان قمة الكذب والاستهتار بذكاء الناس وقناعاتهم. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الحزب الذي فقد صدقيته وبات ملتبساً في هويته وفي دوره، هو القاسم المشترك بين ثلاث جمهوريات ملتبسة هي لبنان وسورية وإيران، وكل هذا يحصل في قلب العالم العربي.

* كاتب واكاديمي سعودي

الحياة

شيعة عراقيون يقاتلون في سوريا!

طارق الحميد

مشاركة المقاتلين العراقيين الشيعة في سوريا لم تعد سرا، بل إن أحد قياديي الجماعات الشيعية العراقية بسوريا يقول لصحيفة «واشنطن بوست» إنه بات من الدارج أن يقول شيعة العراق علنا: «نحن ذاهبون للقتال بسوريا»، مضيفا: «لماذا بمقدور الظواهري أن يقولها علنا، ولا نقولها نحن؟»!

وهذا أمر طبيعي طالما أن المجتمع الدولي، بقيادة أميركا، لا يزال مترددا ويمارس نفاقا صارخا في التعاطي مع الأزمة السورية التي جرها الأسد إلى المستنقع الطائفي؛ فالتقاعس الدولي هو ما دفع الأمور إلى هذا الحد، وخصوصا مع الفراغ الحاصل على الأرض في سوريا، فمقاتلو الأسد ليسوا بالمؤمنين بمعركته، ومهما قيل، ومهما حدث، فبحسب قصة صحيفة «واشنطن بوست» التي كشفت التورط الشيعي العراقي في سوريا، فإن قائد الميليشيا العراقية الشيعية الذي تحدث للصحيفة عرض للصحافي الذي أعد القصة مقطع فيديو من جواله الخاص يظهر المقاتلين العراقيين وهم يقومون بقتال الثوار السوريين، ويقول للصحافي: «انظر لجنود الأسد، إنهم لا يفعلون شيئا، فهم مذعورون»! وهذا وحده يسقط كذبة أن للأسد أتباعا يقاتلون من أجله، فلو كان له أتباع مؤمنون بمعركته لما استعان بمرتزقة إيران، وحزب الله، وشيعة العراق، ضد السوريين.

قصة «واشنطن بوست» التي كشفت تدخل الميليشيات الشيعية للعراق، لم تأتِ بجديد للمتابع العربي؛ فالتورط العراقي في سوريا معروف منذ فترة طويلة، الجديد اليوم في القصة أنها تنشر في واشنطن، وعبر إحدى أهم الصحف الأميركية تأثيرا، فهل يقرأها الرئيس أوباما ليرى كيف تعقدت الأمور بسبب تردده غير المبرر؟ اليوم يقول حزب الله علنا إنه لن يسمح بسقوط الأسد، والميليشيات العراقية تفاخر بالقتال في سوريا، بينما لا تزال الحكومة العراقية تمارس التقية التي مارسها حسن نصر الله إلى أن تعلن تورطها رسميا، لكن هل الإدارة الأميركية عاجزة، مثلا، عن قراءة دلالات إلغاء التأشيرة لـ«السياح» العراقيين الراغبين في زيارة سوريا الآن؟ فأي سياح هؤلاء الذين يزورون بلدا يوشك على الانهيار كسوريا؟ فالواضح أنهم مقاتلون طائفيون هدفهم نصرة الأسد، فما الذي تنتظره أميركا، وغيرها من المجتمع الدولي؟! أمر محير فعلا.

الإدارة الأميركية أضاعت قرابة العام بالحديث عن «جبهة النصرة»، وتنظيم القاعدة، واليوم تفاخر «قاعدة» الشيعة، من حزب الله، والميليشيات العراقية الشيعية، بفعل الأمر نفسه الذي تفعله «القاعدة» السنية بسوريا، برعاية إيرانية، وإدارة الرئيس أوباما لا تزال تلتزم صمت الأفعال، وليس صمت الأقوال، حيث لم نرَ تحركا يستهدف الجماعات الشيعية تلك، ولا دعما حقيقيا بالسلاح للثوار السوريين للدفاع عن بلادهم المستباحة من قبل مرتزقة إيران، فهل تعتقد إدارة أوباما أن ما يحدث الآن سيقف عند هذا الحد؟ إذا كان كذلك فهذا هو العبث بعينه، فالمنطقة تغلي طائفيا، وكل ما يحدث في سوريا الآن يبعث روحا جديدة في الأصولية والتطرف، بشكل غير مسبوق، فما الذي ينتظره أوباما للتحرك؟!

الشرق الأوسط

مواقف شيعية شجاعة ضد نصر الله

عبد الرحمن الراشد

ليس سهلا على السيد علي الأمين، العلامة الشيعي، أن يقف مع القلة في وجه شخصية شيعية نافذة مثل السيد حسن نصر الله الذي يرأس سبعين ألف مقاتل، ويملك ترسانة أسلحة أكبر من أي ميليشيا أخرى في العالم، ويحصل على مليار دولار سنويا من مال النظام الإيراني وما يصله من أموال الجمعيات الدينية الموالية له.

مع هذا السيد علي الأمين كرر ظهوره، وانتقاداته، لأفعال حزب الله وانخراطه في قتال سوريا، وحكى ببلاغة وصراحة يرد على نصر الله ضد توريط شيعة لبنان في حماية نظام الأسد. وكذلك فعل الشيخ صبحي الطفيلي، من قيادات شيعة لبنان، الذي قال لنصر الله إن مقاتلي الشيعة هناك «لا يدافعون عن (السيدة زينب) بل عن الرئيس بشار الأسد، وإن إيران تزج بهم في كل حرب تريدها».

وسبقهما سيدان شيعيان آخران، محمد الأمين وهاني فحص من لبنان، اللذان وقعا بيانا في العام الماضي نددا فيه بجرائم الأسد وضد دعمه من أي جانب، وتحديدا حزب الله، وأعلنا وقوفهما إلى جانب الشعب السوري. وجاء الرد على هذا الموقف الأخلاقي بأن شنت صحافة الأسد ونصر الله حملة ضدهما، وسمتهما شيعة الوهابية!

ولو كان المرجع محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، على قيد الحياة لفعلا الشيء نفسه حيث عرفا بمواقف شجاعة في اعتدالها، ودعوتهما للتعايش مع كل الطوائف والأديان، وضد خرافات روايات التاريخ التي تستخدم للكراهية والصدام بين أبناء الطوائف.

لهذا نحن نقدر أن زمننا هذا ليس سهلا أن تقال فيه كلمة الحق، ومن يفعلها ضد الأغلبية التي يعيش بين ظهرانيها، أو حيث الغلبة لحملة السلاح، لا بد أنه حقا شجاع صادق وصاحب مبدأ.

نصر الله لا يبالي بأن يرسل أولاد طائفته، فآلاف منهم يقاتلون الآن في ريف دمشق، ومدينة طرطوس، ومنطقة القصير السورية، كل ذلك خدمة لتوجيهات النظام الإيراني الذي يقول إن سقوط نظام الأسد يعني سقوطهم!

وعندما يخرج السيد علي الأمين يتحدث لملايين العرب، سنتهم وشيعتهم، يعلن صراحة استنكاره فعل نصر الله وجرائم الأسد، فإنه يجسر الهوة الضخمة التي تتسع بين الطائفتين السنية والشيعية، حتى بلغت هذه الأيام ذروة الكراهية بينهما منذ أكثر من ألف عام. ما نراه من حروب وفتن لا علاقة لها بالشيعة ولا السنة بل نتيجة الاستخدام السياسي. لم يكن صدام حسين سنيا بل كان ديكتاتورا انتهازيا، وكذلك الأسد ليس بعلوي بقدر ما هو مجرم في صورة رئيس، ولا حسن نصر الله زعيم شيعي بل زعيم ميليشيا وموظف في مكتب رئيس الحرس الثوري الإيراني.

الحرب الطائفية، من تجييش وتعبئة، هدفها التكسب لإرسال المغرر بهم للحرب والموت في سبيل أهداف شخصية. زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن قتل من أبناء السُنة مثلما قتل الأسد، وتسبب نصر الله في قتل آلاف الشيعة في حروب عبثية مع إسرائيل وأبناء طوائف لبنانية أيضا ليس حبا في فلسطين ولا دفاعا عن الحسين بل سعيا للمجد الشخصي والزعامة.

الشرق الأوسط

نصر الله سقط.. ماذا عن الآخرين؟!

مشاري الذايدي

لم أجد أسوأ من كلام حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني – الإيراني، في الدعوة لنقل الحرب بين الميليشيا التابعة له، وبين المعارضين لبشار الأسد، إلى أرض سوريا، وتحييد لبنان، إلا كلام المتحدث باسم الخارجية الإيرانية (عباس عراقجي) لدعوة الآخرين لعدم التدخل في سوريا.

نصر الله في خطابه الأخير بدا عاريا من كل أكاذيب المقاومة العربية والإسلامية و«النصر الإلهي». وخطاب: أشرف الناس وأنبل الناس… والمحاضرة على البقية في الاستقلال والنزاهة. كان مجرد مقاتل طائفي مريض، يصرخ بشعارات شيعية مجلوبة من أعماق التاريخ.

تبخرت أكاذيب السيد، التي خدر بها السذج، الذين ينسبون زورا إلى «النخبة» العربية الواعية غير الانفعالية، وها هم اليوم يندبون حظهم، ويلومون عقولهم كيف «انخدعت» بكذبة حزب الله والمقاومة، رغم أنهم – هم أنفسهم – من كانوا يشتمون ويخوّنون كل من كان يقف معارضا لخدعة حزب الله ومن معه من تجار القضية الفلسطينية، ويتحدثون ويحاضرون، وينظّرون عن «فكر المقاومة»، وهراء الممانعة، وتحت هذا الضجيج اللفظي ولج جنرال الظلام، قاسم سليماني، خفاش المرشد خامنئي، ومسؤول التجنيد الإيراني عنده، إلى غزة، ومصر، ولبنان، والبحرين، كما نجح خطاب الممانعين العرب في إقامة حفلة تشويه وهجاء منهجي، في الفضائيات، والمقالات، والمحاضرات، والندوات، طيلة العقد الماضي، لشتم كل مخالف لهذا المحور الوهمي، محور خامنئي، والأسد، ومعهما تابعهما حسن نصر الله، وحبيبهما خالد مشعل، ورفيقه رمضان شلح، وطبعا صديق إيران «المقاومة»، سابقا، مهدي عاكف في مصر، والجناح الإيراني الإخواني الكبير في العالم العربي.

لقد كان كل هؤلاء «النخبة» مضخة تضليل، ومنصة تشويه، لكل من يعارض هذا المحور الضال، وإذا تحدث أحد عن نيات إيرانية مخفية خلف ضجيج الشعارات الإسلامية، والممانعة، وأن حنجرة حسن نصر الله الصاخبة ليست إلا بوقا إيرانيا، إذا تحدث أحد بمثل هذا الكلام في السنوات العشر الماضية، وُصم بالعمالة والصهيونية، والقبض بالبترودولار، على أساس أن القبض بالمال الإيراني «النظيف» حلال زلال كشرب ماء المطر!

الآن، لا عزاء للمخدوعين، والسذج، من المنسوبين زورا إلى الوعي والنخبة، حصحص الحق، وأشرقت الشمس، ولكن للأسف على مشهد خراب ودمار وذبح يومي طائفي في سوريا، واختطاف كامل للدولة في لبنان تحت قبضة سلاح الميليشيا الإيرانية بقيادة حسن نصر الله، وتجنيد للدولة العراقية في هذا المخطط، تحت توجيه ابن حزب الدعوة، نوري المالكي.

المشكلة، كل المشكلة، أن هؤلاء السذج، المنسوبين زورا إلى النخبة العربية، والذين كانوا مطبلين ومزمرين للمحور الإيراني الإخواني طيلة الفترة الماضية، لن يتعظوا، ولن يعتبروا، وسينتجون نفس الأخطاء، وسيمدحون أصناما أخرى، عند اكتمال زوال الأكذوبة الحالية، ليدخلوا في أكذوبة أخرى، كما قال المتنبي ذات يوم:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر

فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

إنها نفس النخبة التي هتفت لجمال عبد الناصر، وصفقت لصدام حسين، ونوهت بإرهاب وديع حداد، ومجدت ميليشيا حسن نصر الله، بل وأشاد بعضها بأسامة بن لادن بوصفه بطلا قوميا ضد الإمبريالية!

شاعر عربي آخر، قديم، قال يشخص علة النخبة في وقته، والنخبة في وقته كانوا يسمون «القراء»، وهم من اتسموا بالنزاهة والعلم والتدين، ولذلك صاروا يلقبون بـ«ملح البلد»، ولكن كيف السبيل إلى الصلاح إذا كان الملح نفسه فاسدا؟ لذلك قال هذا الشاعر:

يا أيها القراء يا ملح البلد

من يصلح الملح إذا الملح فسد؟!

الحديث حول فساد النخبة العربية حديث موجع، ومحبط، ولكن لا بد منه.

الأمر الحاضر الآن، وكان فاتحة المقال، هو عند أكذوبة أخرى، من فقاقيع الدعاية الإيرانية التي ما فترت عن الظهور على سطح ماء الإعلام العربي.

فقبل أيام ظهر حسن نصر الله، محاولا تجميل القبيح، وتفصيح الكلام الفارسي، عبر الحديث عن أنه بزجه لقوات الحزب الإيراني في لبنان، حزب الله، إنما يحمي ظهر المقاومة (والمقاومة كلمة رديفة لشبكة إيران في المنطقة)، وأنه يقاوم الأميركان والصهاينة، ومن معهم (الإشارة طبعا إلى تركيا والسعودية ودول الخليج، خصوصا قطر)، وأضاف المعمم اللبناني نصر الله: «وأيضا التكفيريين».

هذا كذب. وكلام حافل بالمغالطة.

ليت أميركا تقف مع الثوار في سوريا، علتنا هي في تخاذل أوباما، وتفضيله للهروب الدبلوماسي، وهذا الدعم الأميركي لو حصل ليس عيبا يعيب به نصر الله الثوار، فحليفه نوري المالكي في العراق جاء على ظهر دبابة أميركية صريحة، وهو اليوم جزء من حلف نصر الله، الإلهي، ضد الآخرين!

أما الصهاينة فليسوا مع بشار، ولا مع الثوار، على الأقل هذا كلامهم، ومنطق حالهم يقول: فخّار يكسر بعضه بعضا. بل وربما، وهذا قالوه، فضلوا لو أن بشار استمر في الحكم كما هو سابقا، على اعتباره أهون الشرور.

أما دول الخليج وتحديدا قطر، فقد كانت لا تقطع حبل الود مع حسن نصر الله ومرشده خامنئي، قبل أن تعلن صراحة سعيها لانتصار الثوار في سوريا ضد بشار، وكانت صور أمير قطر تزين الضاحية والجنوب اللبناني، بوصفه من أمراء المقاومة، ولكن حين اعلنت قطر اختلافها مع هذا المحور الإيراني «الطائفي» الداعم لبشار، صارت قطر شريرة فقط عند هذه اللحظة، وغضب حسن نصر الله من وزير خارجيتها ورئيس وزرائها، في وقت سابق، تعليقا على كلام له حول الخذلان العربي للثورة السورية.

الأمر مكشوف، وحسن نصر الله مهما أوتي من البلاغة اللفظية، والصراخ، والهتافات، واستدعاء صورة الحسين، وتذكرة كربلاء، لن يخرج عن كونه جنديا طائفيا، يهلك الحرث والنسل، ويقامر بمستقبل كل شيعي في هذه المنطقة، في لعبة خطيرة. أعجب من عدم انتفاضة الشيعة العرب عليه! حسن نصر الله، ليس إلا مقاتلا يتلقى «التكليف الشرعي» من ولي أمره، المرشد خامنئي، وهو قال صراحة في خطابه الأخير إن لديه تكليفا شرعيا، ولدى خصومه كذلك، فلنطبق تكاليفنا الشرعية في سوريا، ترجمة هذا الكلام هي: لنقتل ونهدم ونقصف ونذبح، الناس في سوريا، ناسكم، وناسنا، وندع لبنان، لأن التكليف الشرعي لم يأتِ بعد!

حسن نصر الله يناور بالكلام، مثل زميله في دولة الولي الفقيه، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس عراقجي الذي وعظ فرنسا مؤخرا حول سوريا بالقول: «فرنسا تسعى إلى التستر على تدخلها في الشؤون السورية الذي أدى إلى خسائر بشرية ومالية».

وجاءت تصريحات المسؤول الإيراني بعدما جدد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اتهام إيران بعرقلة الحل السياسي للأزمة السورية، ومشاركة قواتها في النزاع الدائر.

سقطت الأقنعة، وانكشفت الأجندة المخفية، وليس المهم أن تتعرى إيران وكل أعضاء شبكتها في المنطقة، على أهمية هذا الأمر، لكن المهم وضع اليد على موضع الداء العربي، وموضع الداء هو فيمن يفترض به أن يصنع الدواء: النخبة العربية!

طبيب يداوي الناس وهو عليل…

لشرق الأوسط

نصرالله: الكلمات والمقاصد

حازم صاغيّة

وفق الطريقة الممانعة في تأريخ الأحداث، تلقّت إسرائيل خلال فترة 2000 – 2008 ثلاث هزائم جبّارة: مع الانسحاب الأحاديّ من لبنان في 2000، وفي الحرب مع «حزب الله» في 2006، ثمّ في الحرب مع حركة «حماس» في غزّة في 2008.

الهزائم تلك قابلتها انتصارات حصدها مَن نازلوا إسرائيل، فجاءت انتصاراتهم، كما هزائم الإسرائيليّين، مُزلزلة وتاريخيّة واستثنائيّة وإلهيّة، تبعاً للأوصاف التي سبق أن أطلقها تباعاً السيّد حسن نصرالله، الأمين العامّ لـ «حزب الله». ومُجلّلاً بأفعل التفضيل امتدّ وصف الهزائم والانتصارات إلى ميدان الأغاني التي قالت إحداها إنّ نصر نصر الله «هزّ الدني».

لكنّ السؤال البسيط الذي يستدعيه هذا التأريخ: هل يعقل أن تنهزم الدولة العبريّة ثلاث هزائم في هذا الحجم الهيوليّ في غضون ثماني سنوات لا أكثر، وأن تبقى على قيد الحياة؟ بل هل يمكن أعتى امبراطوريّات التاريخ أن تحصد ثلاث هزائم مطنطنة في خلال ثماني سنوات وتبقى حيّة تُرزق؟

لا شكّ في أنّ طريقة التأريخ هذه تكشف عن خلل ما في التعريف الذي أعطاه الممانعون، وما زالوا يعطونه، للانتصار وللهزيمة ولمصطلحات كثيرة أخرى. وهذا ما يجعل من الضروريّ مراجعة الأمر كلّه، خصوصاً أنّ إسرائيل، المصابة بهذه الهزائم المدوّية كلّها، استطاعت قبل أسابيع فقط أن توجّه ضربة جويّة قاصمة إلى سوريّة لم يُردّ عليها حتّى الآن!

وما يزيد في الطلب على مراجعة كهذه، أنّ السيّد نصرالله نفسه وعد حزبه ومناصريه مجدّداً بانتصار آخر يأتي هذه المرّة من القصير في سوريّة.

والحال أنّ هذا النصر الموعود غير قابل للتحقّق لكنّه، وهذا هو الأهمّ في مجالنا هذا، سيكون عصيّاً على التسويق نصراً جديداً. ومن غير دخول في المساجلات العسكريّة والتقنيّة، سيكون من تاسع المستحيلات إلحاق هزيمة بشعب في بلده، فيما الأفق الوحيد المتاح لحرب كهذه توسيعُ رقعة النزاع الطائفيّ وتسعيره. وما دام «حزب الله» قد عبر الحدود، سعياً منه للانتصار على سكّان القصير ومناطق سوريّة أخرى، بات عبور الحدود مشاعاً للجميع في صراع دمويّ مفتوح.

ما يعنيه هذا، بين أمور أخرى، أنّ الحزب وجمهوره سيضطرّان إلى تسمية الأمور بأسمائها، ولسوف يحصل انزياح متزايد من لغة التصدّي لإسرائيل وأميركا والتكفيريّين إلى لغة شيعيّة صريحة في كرهها السنّة تقابلها لغة سنّيّة لا تقلّ صراحة في كرهها الشيعة.

والانزياح اللغويّ، وعلى رغم جارحيّته الواقعيّة، صار مطلوباً من أجل أن نصدّق الكلمات التي تقال. أفلم يقاتل الحزب إلى جانب التكفيريّين في العراق (والبوسنة والهرسك، على ما علمنا مؤخّراً) قبل أن يقاتل التكفيريّين إيّاهم في سوريّة؟ بل ألم يبرع مؤتمر شهير عُقد في طهران في ترجمة اسم «سوريّة»، كلّما ورد ذكره، بـ «البحرين»؟

نريد دولة لبنانيّة قويّة… نقاتل إسرائيل… نهزم إسرائيل مثنى وثلاثاً… نواجه التكفيريّين… ننخرط في العمليّة السياسيّة في لبنان… ندافع عن الشعب السوريّ… نحبّ ميشال عون وتيّاره…، هذه كلّها عبارات تتعدّد مناسباتها وتتفاوت أهميّتها، لكنّها كلّها تشترك في أمر واحد هو افتقارها الكامل إلى الصدق. أمّا الصدق فليُبحث عنه في الرغبات الطائفيّة وفي امتداداتها السامّة العابرة الحدود!

الحياة

تهديدات نصر الله وجرأة الوزير البحريني

رأي القدس

تتصاعد حدة الحديث هذه الايام عن قرب انعقاد مؤتمر دولي للسلام لبحث الازمة السورية ومحاولة التوصل الى حل سياسي بحضور جميع الاطراف المعنية، لكن مؤشرات كثيرة تفيد بأن احتمالات الحرب الاقليمية تتصاعد ايضا، وقد يكون الحديث عن السلام هو مجرد غطاء لها.

فعندما يضع السيد حسن نصر الله كل ثقله خلف النظام السوري، ويؤكد انه سيقف الى جانبه في وجه القوى ‘التكفيرية’ باعتباره سندا للمقاومة وحاميا لظهرها، وعندما تجري اسرائيل مناورات لتعزيز جبهتها الداخلية في مواجهة اي هجمات بالصواريخ والاسلحة الكيماوية، وعندما يتهم نائب رئيس الوزراء التركي ‘حزب الله’ بانه ‘حزب الشيطان’، فان هذه الشواهد كلها تعكس توترا وارهاصات الحلول العسكرية وليس السياسية.

شهر حزيران (يونيو) بات على الابواب، وهناك من يهمس في منطقة الخليج بانه سيكون الشهر الحاسم، وربما يشهد حربا على ايران وحلفائها، والا كيف يخرج الشيخ خالد بن احمد آل خليفة مهندس الدبلوماسية البحرينية عن كل الاعراف الدبلوماسية، وفي مثل هذا التوقيت، ويصف السيد نصر الله بانه ‘ارهابي يعلن الحرب على امته ويجب ايقافه وانقاذ لبنان من براثنه’ في تغريدة على حسابه الخاص على ‘تويتر’ لولا انه يعرف مسبقا ان هذه الحرب باتت وشيكة؟

فليس من عادة المسؤولين في دول الخليج، والصغيرة منها على وجه الخصوص، الهجوم على ايران وحلفائها مثل حزب الله بمثل هذه اللهجة القوية الواضحة، وتسمية الاشياء باسمائها الصريحة دون مواربة. فقد عودنا هؤلاء على الاغراق في العموميات، واللجوء الى الغمغمة، والكلمات المبهمة.

حالة السعار الاسرائيلي المتمثلة في شن غارات على سورية لضرب اي اسلحة متطورة الى حزب الله اللبناني هي مؤشر اخر حيث يؤكد محللون استراتيجيون ان الحصول على اسلحة متطورة، وصواريخ على وجه الخصوص، يمكن ان يغير ‘قواعد اللعبة’ وبما يؤدي الى خسارة اسرائيل، جزئيا او كليا، التفوق العسكري الذي يضمن لها حسما سريعا للحروب وبأقل قدر من الخسائر.

اسرائيل تخشى نوعين من الاسلحة، وهي صواريخ اس ايه 17 الشديدة الدقة في اصابة اهدافها والتي يمكن ان تزود برؤوس كيميائية، وصواريخ ياخونت الروسية المضادة للسفن الحربية، علاوة على صواريخ ‘فاتح 110′ الايرانية الصنع والتي يصل مداها الى حوالي 300 كيلومتر.

نقل هذه الاسلحة الى ‘حزب الله’، او سقوطها في ايدي جماعات اسلامية متشددة تقاتل لاسقاط النظام السوري مثل ‘جبهة النصرة’ و’احرار الشام’، يشكل رعبا لاسرائيل، لان هذه الجماعات ليست دولا يمكن ان تخشى على سيادتها او سقوط انظمتها وزعاماتها، وتستطيع اتخاذ قرار الحرب دون اي عوائق او محاذير.

المنطقة تعيش حالة من الغليان من الصعب ان تدوم لفترة طويلة، لان حالة الجمود الحالية ليست في مصلحة اي من الاطراف المتورطة في النزاع، سواء كانت اقليمية او دولية، ولهذا فمن المنطقي ان يتم توقع الاسوأ، نقولها بكل اسف ومرارة.

القدس العربي

قذائف «حزب الله» أخطأت الهدف

الياس حرفوش

سعى الأمين العام لـ «حزب الله» في خطابه الأخير إلى رد التهمة المذهبية الموجهة إليه بسبب مشاركة مقاتليه في حماية نظام الرئيس بشار الأسد. قال إنه لا يخوض في القصير حرباً شيعية، بل يشارك هناك لحماية «ظهر المقاومة»، انطلاقاً من أن النظام السوري هو حامي هذه المقاومة ورائد «الممانعة» في المنطقة، وفي غياب هذا النظام سيعاني «حزب الله» من حالة يُتم.

هذا الموقف يتجاهل الحقيقة التي يعرفها الجميع في المنطقة وخارجها، وهي مهادنة نظام الأسد الأب والابن للاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية على مدى أربعين عاماً، وهي مهادنة تنفي عنه صفة النظام المقاوم، وتجعل من الصعب تبرير الدفاع عنه بأنه حامي محور «الممانعة». لم يسكت هذا النظام فقط عن الغارات الإسرائيلية على أرضه والاختراقات لأجوائه، بل فشل في حماية عماد مغنية أحد أبرز قادة المقاومة الذي اغتيل في دمشق، كما حال دون مشاركة «حزب الله» في التحقيقات التي قال النظام إنه أجراها في ظروف اغتيال مغنية، والتي لم تكشف نتائجها إلى اليوم، على رغم مرور خمس سنوات على الاغتيال.

إن الحرب التي يخوضها مقاتلو «حزب الله» في سورية تختلف كل الاختلاف عن الحرب التحريرية التي خاضوها في جنوب لبنان، والتي جاء خطاب نصرالله بمناسبة مرور 13 عاماً على الانتصار فيها. ذلك أن الحرب التحريرية على الجبهة السورية مكانها في الجولان، وليس في القصير والغوطة الشرقية وأحياء دمشق. ولو قام «حزب الله» بخوض تلك الحرب، ودفع الجيش السوري إلى المشاركة فيها، قبل الثورة السورية وخلالها، لما وجد من يوجه إليه الانتقادات باستخدام سلاحه ومقاتليه في حرب مذهبية، لنصرة طائفة على أخرى، كما هي الانتقادات الموجهة اليوم. ولما وجد من يتهمه بالتدخل في شؤون دولة أخرى، مثلما هو الاتهام اليوم. فنصرة بلد بهدف تحرير أرضه، هي واجب قومي، وهي العمل المقاوم الحقيقي، الذي تسقط أمامه كل الاتهامات والحملات.

الحرب التي يخوضها «حزب الله» في سورية اليوم ليست هي المعركة التي كان يفترض أن يخوضها. ونحن نعرف الأسباب التي منعت ولا تزال تمنع فتح جبهة الجولان ضد أي عمل مقاوم، سواء شاء «حزب الله» القيام بذلك، أو حتى الجيش السوري نفسه. لقد أغلق النظام السوري تلك الجبهة واكتفى بأن يكون ممراً لمرور السلاح الإيراني إلى الجبهة اللبنانية ورعاية الحروب فيها، طالما أنها لا تمس حدوده ولا تشكل تهديداً لنظامه. ولم يعلن هذا النظام عن فتح جبهة الجولان إلا عندما رأى أنها يمكن أن تشكل متنفساً لأزمته الداخلية مع معارضيه، وللإيحاء بأنهم يلهونه عن معركة التحرير التي يستعد لخوضها «في الوقت المناسب»! وحتى في هذه الحال بقي باب الجولان مفتوحاً ضمن الحدود التي يريدها النظام ولا تزعجه، وضمن الحدود التي يسمح بها الراعي الروسي، الذي يشرف على صيغ التفاهم السورية الإسرائيلية التي تحدد ضوابط تحرك سورية وحدود هذا التحرك، سواء تعلق الأمر بالعمل العسكري أو بالحصول على الأسلحة (كصفقة صواريخ «أس 300» الأخيرة).

من الصعب تصديق أن «حزب الله» الذي حارب غزو إسرائيل للأرض اللبنانية، والذي يعرف أكلاف الغزو وصعوبة دفاع أي قوة محتلة عن الأرض التي تحتلها، إذا قرر أهل هذه الأرض تحريرها، من الصعب تصديق أنه لا يجد حرجاً في غزو أراضي بلد جار، تحت ذريعة الدفاع عن قراه الحدودية المحاذية للأرض السورية. ألم تكن تلك الحجة الأمنية هي التي تذرعت بها الدولة العبرية لقيام جيشها باحتلال جنوب لبنان، ومن ثم إقامة سياج أمني داخل الحدود اللبنانية وتعيين عملاء لبنانيين لها يديرون تلك المنطقة بهدف حماية مستوطناتها الشمالية؟

الحياة

مبدأ الأسد – نصرالله

حازم صاغيّة

بعد غزو تشيكوسلوفاكيا في 1968، ظهر ما عُرف بمبدأ بريجنيف، نسبة إلى خطاب شهير ألقاه الزعيم السوفياتيّ يومها ليونيد بريجنيف وقال فيه: «حينما تحاول قوّات مناهضة للاشتراكيّة أن تحرف تطوّر بلد اشتراكيّ ما نحو الرأسماليّة، لا يعود الأمر مشكلة تخصّ البلد المذكور، بل مشكلة عامّة تعني الدول الاشتراكيّة كلّها».

المبدأ الذي برّر الغزو رافقته دعاوة كثيفة عن تدخّلات مارستها ألمانيا الغربيّة والولايات المتّحدة، وشاركت فيها الصهيونيّة طبعاً، لإطاحة الاشتراكيّة في تشيكوسلوفاكيا. لكنّ أهمّ ما في ذاك المبدأ اتّضاح أنّ سلامة المنظومة الاشتراكيّة وأنظمتها لا تعير اهتماماً لأيّ اعتبار، بما في ذلك الحدود الوطنيّة وقرارات الدول السيّدة. ذاك أنّ سقوط المنظومة في امتدادها التشيكوسلوفاكيّ قد يفضي لاحقاً إلى سقوطها في رأسها السوفياتيّ.

بالمعنى نفسه يجوز الكلام على مبدأ يُجمع عليه الرئيس السوريّ بشّار الأسد والأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله، تسنده بالطبع إيران من دون أن يكون رئيس الحكومة العراقيّة نوري المالكي بعيداً منه.

والمبدأ هذا، الذي استدعاه واستعاده الأمين العام لـ «حزب الله» في خطابه الأخير، يعود فضل تأسيسه إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ذاك أنّ جوهر السياسة الأسديّة بدءاً بـ1976 هو الردع: ردع اللبنانيّين والفلسطينيّين من أجل ضمان استمرار منظومة الممانعة التي لا تنهض إلاّ على ردع السوريّين. وهذه حسبة دقيقة في آخر المطاف، إذ أنّ استقلال اللبنانيّين والفلسطينيّين بقرارين وطنيّين مستقلّين يُضعف النظام السوريّ ويعزله، ومن ثمّ يشجّع شعبه على التجرّؤ عليه.

في هذا المعنى، حلّت مصالح المقاومة والممانعة محلّ مصالح الاشتراكيّة في التصوّر البريجنيفيّ المعلن.

لكنّ الأدوار تنقلب اليوم من دون أن يتغيّر الجوهر. فمع التهديد الذي طرحته الثورة السوريّة على نظامها، يتولّى «حزبُ الله» تعزيز ذاك النظام بهدف الحفاظ على نظامه هو في لبنان. في هذه الحقيقة تندرج كلمات نصر الله، التي تنمّ عن حسبة دقيقة بدورها، في ما خصّ الخطر الذي يشكّله سقوط النظام السوريّ على وضع المقاومة ومستقبلها. ذاك أنّه إذا زال الأسد زالت قدرة «حزب الله» على إبقاء البندقيّة، الموجّهة إلى المجتمع اللبنانيّ، في يده.

هكذا ننتقل من وضع كان فيه «الرفيق» السوريّ يصوّب مسدّسه إلى الرأسين اللبنانيّ والفلسطينيّ كي يضمن إحناء الرأس السوريّ، إلى وضع بات معه «الأخ» اللبنانيّ يصوّب مسدّسه إلى الرأس السوريّ كي يضمن إحناء الرأس اللبنانيّ. وبعدما كان لبنان إسفنجة التناقضات السوريّة، حيث ينبغي أن تستقرّ السلطة وتطمئنّ، صارت سوريّة نفسها، وقد تداعى نظامها، ساحة الصراع بعيداً من لبنان. ففي هذا الأخير ينبغي أن تستقرّ سلطة «حزب الله» وتطمئنّ. وغنيّ عن القول إنّ الأسد ونصر الله يملكان من الرطانة الإيديولوجيّة ما كان يملكه بريجنيف لجهة التحذير من المؤامرات والخطط المفطومة على شرّ يصيب الجميع ويبرّر التدخّل السوريّ في لبنان ثمّ اللبنانيّ في سوريّة.

بيد أنّ الاختلاف الكبير بين المبدأين، مبدأ بريجنيف ومبدأ الأسد – نصر الله، أنّ الأوّل صاغ تورّط المركز في الأطراف فيما الثاني يهندس تورّط الأطراف في المركز. وكي نقدّر المدى الفضائحيّ الذي بلغته الأمور، يكفي أن نتخيّل لو أنّ الاتّحاد السوفياتيّ هو الذي اهتزّ في 1968 ثمّ جاءه الدعم والإنقاذ من تشيكوسلوفاكيا، حتّى لا نقول من بلغاريا!

الحياة

ما بعد القصير

  خيرالله خيرالله

هناك ما هو أبعد من معركة القصير. هناك ما بعد القصير. ماذا يستطيع «حزب الله» عمله في حال انتصر على الشعب السوري واحتلّ القصير؟

لنفترض أن قوات النظام السوري استطاعت بدعم من عناصر «حزب الله» السيطرة على بلدة القصير القريبة من حمص وذات الاهمية الاستراتيجية من نواح عدة. في مقدّم هذه النواحي أن القصير تقف عائقا في طريق الربط بين دمشق والساحل السوري حيث الوجود العلوي. وهذا يعني في طبيعة الحال، أن هناك حاجة الى القصير في حال اضطر أهل النظام الذين يوجدون حاليا في دمشق الى الانتقال الى الساحل السوري.

كذلك، لنفترض أن القوات التابعة للنظام، التي يشارك معها «حزب الله» في القتال حقّقت انتصارا كبيرا على الشعب السوري واحتلت قراه. ولنفترض أيضا أن «حزب الله» أقام ممرّا آمنا بين منطقة الهرمل اللبنانية والساحل السوري. هل يقدّم ذلك أو يؤخر؟

الجواب بكلّ بساطة أن ذلك لا يقدّم ولا يؤخر وأن المطلوب اليوم قبل غد ايجاد حلّ جذري، ذي طابع سياسي، يأخذ في الاعتبار حقيقة الوضع السوري. وحقيقة الوضع يمكن اختصارها بأن الشعب السوري يرفض النظام القائم ويرفض الاستعمار الايراني لسوريا.

لو لم يكن هناك وضع سوري جديد، لما استمرّت الثورة منذ ما يزيد على عامين، أي منذ آذار- مارس 2011 عندما انتفضت دمشق، ثم انتفضت درعا…وانتفضت بعد ذلك سائر المدن والمناطق السورية، من حمص وحماة وادلب وصولا الى حلب ومدن الساحل على رأسها بانياس.

انّ الثورة السورية ليست حدثا عابرا وذلك، بغض النظر عمّا سيحصل في القصير. هذا ما تعجز روسيا عن فهمه، كذلك ايران والادوات الايرانية، بمن فيها «حزب الله».

يمكن فهم العجز الروسي عن استيعاب ما يجري في سوريا. لا تريد موسكو الاعتراف بأن النظام انتهى وأن كل ما تستطيع عمله هو توريط النظام في مجازر أخرى ترتكب، للاسف الشديد، بواسطة السلاح الروسي.

لم تفعل روسيا يوما، منذ كانت امبراطورية اسمها الاتحاد السوفياتي، سوى الرهان على الانظمة الديكتاتورية التي تقهر شعوبها. لم تهتمّ يوما من الايّام بالشعوب العربية. كان هناك دائما نوع من الازدراء لهذه الشعوب ومصيرها، بما في ذلك للشيوعيين العرب. كانت هناك دائما رغبة واضحة في استخدام الشعوب العربية لأغراض مرتبطة بسياسة سوفياتية، ثم روسية قصيرة المدى. ليس صدفة، في ضوء هذه السياسة أنّ موسكو لا تقيم علاقات معقولة مع أيّ دولة عربية، باستثاء سوريا. حتى العلاقات بين موسكو والجزائر تبدو متذبذبة اذا أخذنا في الاعتبار ما شاب صفقة السلاح الاخيرة بين البلدين وما رافقها من فضائح. لا تشبه هذه الفضائح سوى تلك التي رافقت المحاولات العراقية لعقد صفقة سلاح ضخمة مع الاتحاد الروسي. ليس معروفا بعد هل الصفقة العراقية- الروسية يمكن أن تنجز يوما. الشيء الوحيد المعروف أن السلاح صار الرابط الوحيد بين موسكو وبعض العرب، في حين كان في الامكان اقامة علاقات صحّية من نوع مختلف بين وريث الاتحاد السوفياتي ومعظم البلدان العربية، خصوصا في الخليج.

هناك فرصة حاليا، بعد انعقاد «مؤتمر أصدقاء سوريا» في عمّان تمهيدا لانعقاد مؤتمر جنيف-2. هناك فرصة لمعالجة مختلفة للوضع السوري تقوم على اقتناع الجميع بأن ليس في الامكان الانتصار عسكريا على الشعب السوري.

كلّ ما يمكن عمله هو متابعة تزويد النظام بأساحة الدمار الآتية من روسيا وتوفير دعم ايراني له عن طريق «حزب الله» ومقاتلين عراقيين وخبراء ومستشارين ترسلهم طهران.

من الصعب اقتناع موسكو وطهران بأن لا مفرّ في نهاية المطاف من حلّ سياسي يستجيب لمطالب الشعب السوري وطموحاته، خصوصا أن موسكو تعتقد أن في استطاعة الرئيس بوتين الاستفادة داخليا من الدعم الذي يوفّره للنظام السوري. أما ايران، فهي مقتنعة أكثر من أي وقت بأن مستقبل نفوذها في المنطقة، بل كلّ دورها الاقليمي، مرتبط بمستقبل سوريا وبقائها تحت سيطرتها. ولذلك نجد طهران تهدد هذه الدولة العربية أو تلك وتتوعدها باجراءات معينة في حال متابعة دعمها للثورة السورية.

لا شكّ أن روسيا دولة قوية تمتلك امكانات كبيرة، في مقدّمها النفط والغاز. ولا شكّ ايضا أن ايران تمتلك وسائل ضغط على دول المنطقة، كما لديها ادوات كثيرة تستخدمها في هذا البلد أو ذاك، خصوصا قدرتها على استغلال الغرائز المذهبية لتحقيق اهداف سياسية. هذا شيء والقدرة على حسم المعركة عسكريا في سوريا شيء آخر. هل سمعت روسيا يوما بأن حاكما ظالما استطاع الانتصار على شعبه؟ ما ينطبق على روسيا، ينطبق على ايران التي تعاني بدورها من ازمة نظام. هل من دليل على مدى عمق هذه الازمة اكثر من وضع العراقيل امام ترشح هاشمي رفسنجاني للرئاسة؟

قضية سوريا لا تختزلها معركة القصير ومن يسيطر على القصير. قضية سوريا قضية شعب حيّ يريد استعادة كرامته ويرفض البقاء الى ما لا نهاية تحت حكم لا يتقن سوى اذلال السوريين عن طريق الاجهزة الامنية والقمع. هذا كل ما في الامر. وهذا ما لم تستوعبه روسيا وايران اللتان ما زالتا تعيشان في وهم القدرة على اعادة عقارب الساعة الى خلف واختصار سوريا بعائلة واقلّية طائفية واجهزة امنية في امرة هذه العائلة وتلك الاقلّية…

الرأي

معركة القصير هي سيدي بوزيد

مأمون فندي

معركة القصير الدائرة في سوريا بين مقاتلي حزب الله من ناحية والمعارضة السورية من ناحية أخرى، هي ذاتها احتراق جسد البوعزيزي في سيدي بوزيد في تونس، الذي كان الشرارة التي أطلقت الثورات العربية في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا.

القصير هي سيدي بوزيد؛ بمعنى أنها تطلق شرارة جديدة لصراع جديد في المنطقة العربية في إطار التوجه الاستراتيجي الجديد الذي رسمه حسن نصر الله في خطابه أول من أمس. ولا أتردد للحظة في القول بأنه منذ كلمة عمر سليمان القصيرة التي أعلن فيها تنحي مبارك عن الحكم، فإن كلمة حسن نصر الله أهم كلمة لها تبعات استراتيجية حقيقية سمعتها خلال العامين الماضيين. وعندما أقول أهم كلمة لا يعني أنني أتفق مع مضمونها، ولكن يعني أن تبعاتها خطيرة جدا وجديرة بالتأمل والدراسة، إذ رسمت كلمة نصر الله، رغم ما فيها من نفي للطائفية، طبيعة الصراع المقبل في المنطقة، وهو صراع سني – شيعي ولا شك، أول احتكاكاته القتالية على الأرض هو معركة القصير، معركة وعد فيها نصر الله أنصاره بالنصر. النصر على السنة ولا ريب.

الأمر واضح إذن، ومن يقل كلاما مواربا في هذا الأمر فكمن يريد أن يغطي عين الشمس بغربال.

الحقيقة الناصعة التي لا مراء فيها اليوم هي أننا أمام الموجة الثانية من الربيع العربي معكوسا في القصير، حيث تتغير طبيعة المواجهة من مواجهة بين معارضة وأنظمة إلى صراع بين الشيعة والسنة لرسم ملامح الشكل الاستراتيجي للمنطقة العربية لسنوات مقبلة. المنطقة العربية اليوم ستكون سجينة صراع آيديولوجي عقائدي بين سيطرة الشيعة ومعها كفيلها الإقليمي إيران، مقابل محور سني يتشكل بين تركيا ودول الخليج الفاعلة، خصوصا بعد غياب مصر عن المشهد الإقليمي كظهير للسنة ذي ثقل سكاني لا يستهان به.

مهم أن يعي أي قارئ معنى الشفرة في خطاب نصر الله، عندما يتحدث عن سوريا كظهير للمقاومة حتى يعرف أن هذا الصراع ليس صراع أفكار أو صراع رفاهية ناعما، ولكنه صراع حقيقي له جانب عملياتي عسكري خطير إذا ما أدركنا المغزى.

كشفت الحرب الدائرة في سوريا بين الجيش السوري والمعارضة عن أن هذا الجيش يعاني من ثغرات حقيقية، فهو ليس الجيش الذي كنا نتصوره نحن من ناحية القدرات القتالية، كما أنه ليس الجيش الذي كانت تعتمد عليه إيران وحزب الله كسند. لذا يكون جزء من تدخل حزب الله وإيران في سوريا، إضافة إلى مناصرة النظام السوري، هو في حقيقته عملية سد الثغرات في الجيش السوري وإعادة هيكلته وترتيبه. وأهم من ذلك كله ما سينتج عن تلك المشاركة الحقيقة على الأرض بين الجيش السوري وقوات حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني. النتيجة لمن يفهم هي ما يسمى في الأحلاف العسكرية الحقيقية بفكرة الـinteroperability أي كما في عالم الكومبيوتر الذي يتواءم فيه جهاز كومبيوتر مع آخر compatible كذلك تكون الجيوش في الأحلاف العسكرية فيما بينها وبين بعضها مستوى عال من التنسيق، بداية من القيادة إلى العمليات إلى العقيدة، يجعل مهام الحرب سهلة.

وصول هذا النوع من التنسيق بين الثلاثة جيوش: الإيراني والسوري وجيش حزب الله، يخلق الجيش الشيعي المنضبط حسب قواعد مشتركة والداعم للصراع الآيديولوجي الإقليمي (طبعا هناك من سيأخذ هذه الأفكار ويعيد صياغتها بشكل أكثر سلاسة لتصبح فكرته كالعادة، ولكن ليس هذا هو المهم)، المهم هو ماذا يعني حديث نصر الله بالنسبة للشكل الاستراتيجي الجديد في المنطقة وطبيعة ما هو مطروح من أفكار، مثل مؤتمر «جنيف2» أو رحيل الأسد.

يعني أول ما يعني خطاب نصر الله، في أي مفاوضات حول مصير النظام السوري، حجز المقعد الشيعي على طاولة المفاوضات ممثلا بإيران. هذا على مستوى التمثيل، أما أجندة الحوار فيكون فيها الشيعة طرفا، كراع إقليمي للنظام، مضافا إليهم الكفيل الدولي ممثلا بروسيا وسيرغي لافروف.

بكل أسف ليس للسوريين، نظاما أو معارضة، كلمة في موضوع «جنيف2» بعد كلام حسن نصر الله.

النظام السوري ومعارضته سيكونان ليسا فاعلين فيما سيحدث في «جنيف2». المفاوضات ستكون بين الكفيلين الدوليين للنظام والمعارضة: بين روسيا وأميركا. كما أنها ستكون مفاوضات غير مباشرة بين الكفيل الإقليمي للنظام متمثلا بإيران، والكفيل الإقليمي للمعارضة متمثلا في تركيا ومعها بعض دول الخليج الفاعلة. ولا غرابة أن مقر المعارضة في إسطنبول، وكذلك دعمها مقابل الدعم الإيراني للنظام والوقوف العلني معه صراحة، كما جاء في كلمة حسن نصر الله التي لا مواربة فيها.

سيناريوهات «جنيف2» في ظل كلمة نصر الله هي ثلاثة لا غير. الأول هو التوصل لرسم خارطة طريق للمرحلة الانتقالية في سوريا. أما السيناريو الثاني فهو أن يكون «جنيف2» مثل لقاء وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر مع طارق عزيز قبل حرب تحرير الكويت، يعلن فيها الطرف الأميركي ومعه التحالف الأوروبي والعربي: لقد فشلت الدبلوماسية وحان موعد التغيير بالقوة، ولكن ليس هناك في الغرب من رأي عام يؤيد تغيير النظام بالقوة في سوريا، وهذا يقودنا إلى السيناريو الثالث وهو أن الغرب يريد أن يقول مثلما كان يقول في القضية الفلسطينية: انظروا نحن نفعل شيئا، نحن نتحرك ولا يرضينا كل هذه البشاعة التي نراها، وهو موقف أخلاقي وليس موقفا سياسيا.

أغلب الظن أن «جنيف2» سيفشل أو سيتوصل إلى أنصاف حلول، ومعه تستمر حرب السنة والشيعة في معركتها التكتيكية والرمزية الأولى في سوريا لتحديد من سينتصر على الأرض، ومن الذي سيملي شروطه في المفاوضات المقبلة.

وكما ذكرت في البداية.. معركة القصير في سوريا التي يتدخل فيها حزب الله بشكل معلن لترجيح كفة النظام هي عكس سيدي بوزيد، فبعد القصير ندخل مرحلة أخرى من الصراع ليس على من يهيمن على مقدرات الدولة كما في دول الربيع، ولكن من سيسيطر على مقدرات الإقليم. وكما في السيارات التي كان يأتي بها الصعايدة من الخليج التي بها ميكروفون يقول: «احترس السيارة ترجع إلى الخلف». اليوم يمكننا القول: احترس الربيع العربي راجع بظهره، أو الربيع العربي يعود إلى الخلف في صورة صراع بدائي نشأ قبل ألف عام.

أن تفرض حركة مثل حزب الله توجها استراتيجيا لمنطقة بأكملها، وأن ينقل حسن نصر الله طبيعة الصراع إلى مستوى آخر، ومعه يطرح تصورا استراتيجيا جديدا للمنطقة، هذا يعني أول ما يعني تراجع دور الدول لصالح الحركات في منطقتنا، وأن العلاقات الدولية في الإقليم ستنتقل من علاقات بين دول إلى علاقات بين طوائف وتجمعات بشرية تسبح في فضاء غير فضاء الدول. وهنا أنصح قرائي بالعودة إلى مقال كتبته منذ شهور في هذه الصحيفة بعنوان «المسار الفاطمي للربيع العربي». الإجابة هناك.

الشرق الأوسط

مفارقات لبنانية في سورية!

الياس خوري

اتهم السيد حسن نصرالله في خطاب عيد التحرير الدولة اللبنانية بأنها دولة طائفية، وهذا كلام صحيح، ولكن هل الخلاص من الطائفية يفترض بالسيد ان يقود حزبا سياسيا-عسكريا تقتصر عضويته على ابناء الطائفة الشيعية ؟

قال السيد ان الدولة اللبنانية عاجزة، بسبب طائفيتها. لكن الى اين يقودنا تبنيه مع حليفه العوني مشروع ايلي الفرزلي الانتخابي (الذي عُرف باسم القانون الارثوذوكسي)، والذي يقوم بايصال الطائفية الى ذروتها. هل نحارب الطائفية بالطائفية، على طريقة ابي نواس، ‘وداوني بالتي كانت هي الداء’؟

قال السيد ان سقوط سورية وتدميرها سوف يشكل كارثة على القضية الفلسطينية، وهذا صحيح، هل انقاذ سورية مرادف لانقاذ المستبد؟ ولماذا ارسل السيد جنوده للدفاع عن نظام دمّر نصف سورية، ويعدنا بمزيد من التدمير؟

قال السيد ان سورية هي ظهر المقاومة وسندها. حجة النظام البعثي لاحتلال لبنان تجسدت في مقولة ان لبنان هو الخاصرة الرخوة لسورية ، هل يريد السيد اليوم ان يقلب المعادلة، فيقوم لبنان باحتلال سورية، دفاعا عن ظهره؟

قال السيد انه يقاتل اسرائيل في القصير، ولم يسأل نفسه من أوصل اسرائيل الى قلب سورية، التي تعرضت عاصمتها لقصف الطيران الاسرائيلي من دون اي رد ينقذ ماء الوجه من قبل نظام الممانعة او حزب المقاومة!

وعد جماعته بالنصر في القصير وسورية، متناسيا ان الحرب الأهلية هي المصيدة التي تلافى حتى الآن الوقوع فيها، وان السقوط في الحرب الطائفية لا تعني سوى الوقوع في المصيدة الاسرائيلية، واراحة اسرائيل بل جعلها حكما، وتدمير فكرة المقاومة.

والى آخره…

شعرت وانا استمع الى السيد بالألم، وفهمت العلاقة بين الكلمة والجرح، ففي اللحظات التي القى فيها خطابه كان جحيم الصواريخ يتساقط على القصير ويقوم بتهديمها بيتا بيتا. الرجل لم يكن يتكلم جزافا، بل حوّل الكلمة الى جرح نازف، جاعلا من اجساد فقراء سورية قربانا على مذبح المستبد غير الممانع.

كان السيد يسعى الى الخروج من مأزقه عبر الغرق فيه. وهنا تكمن المفارقة اللبنانية الكبرى التي عبّر عنها هذا الخطاب.

فلقد قام حزب الله بتحقيق الانجاز الاكبر الذي لم يسبقه اليه احد، اذ الغى عمليا الحدود اللبنانية السورية. اعلن سقوط الحدود، وكلف نفسه وحزبه اللبناني مهمة انقاذ سورية من نفسها! واذا رست الأمور على هذه الحال، فمن سيمنع غدا الجيش السوري الحر من اجتياح مناطق في لينان، بحجة حماية سورية من اخطار تهددها. هل سيرفع السيد عندها شعار الوطنية اللبنانية التي انهاها في ريف دمشق ودفنها في القصير؟

قرأت في الخطاب ملامح المأزق الكبير الذي دخل اليه لبنان من الباب السوري ودخلت فيه سورية من الباب اللبناني. صحيح ان الباب اللبناني ليس لبنانيا، لأنه منذ لحظة اندلاع الحرب اللبنانية عام 75 تخلّعت ابواب لبنان التي كانت هشة منذ تأسيس الكيان على اسس طائفية. الباب اللبناني اتخذ اسماء عديدة، فكان اسرائيليا مرة، وسوريا مرة ثانية، والى آخره. هذه المرة كسر السيد نصرالله الباب تحت المظلة الايرانية، واوصل الخطاب الطائفي للنظام السوري الاستبدادي الى ذروته، وذهب الى القصير لتدميرها بصواريخ المقاومة، محطما آخر ما تبقى من قدسية الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي.

حزب الله في مأزق، او بعبارة ادق في المصيدة. والمصيدة ليست من صنع الآخرين فقط، بل هي من صنع يديه، فلقد تورط في معركة انقاذ نظام لا يمكن انقاذه.

ضعف الدولة اللبنانية بسبب الطائفية كانت سببا في فائض القوة التي يتمتع بها حزب الله في لبنان. هذا الفائض الناجم عن استثمار البنية الطائفية الى حدودها القصوى، خلخل معنى الرأسمال الرمزي الذي صنعته المقاومة ضد الاحتلال، لتصبح هذه المقاومة في نهاية المطاف اداة قهر للشعب السوري في انتفاضته من اجل حريته.

حرية السوريين صارت في العرف الطائفي اللبناني تهديدا للمقاومة؟

ما هذه المفارقة المرعبة التي وضع فيها حزب الله نفسه؟

منذ انطلاق الثورة، اي قبل العسكرة الوحشية التي فرضها القمع الفالت من عقاله، كان نصرالله في خندق النظام. واليوم يجد نفسه مضطرا للدفاع عن نظام يتهاوى، وبدل ان توجه الصواريخ الى اسرائيل توجه الى القصير وريف حمص وريف دمشق!

انه الأفول.

يجب ان يؤخذ كلام نصرالله بجدية، فالرجل قرر ان يقاتل في سورية، وهو قادر ومصمم على ذلك، وسيقذف بالوف المقاتلين الى القصير والجبهات السورية المختلفة، لكن من قال له ان اللعبة ستقف عند هذا الحد.

دعا اللبنانيين المعارضين لموقفه الى قتاله في سورية وليس في لبنان؟

وفي هذا ما يثير العجب، فالرجل يستدرج لبنان الى الفتنة والحرب. من قال له ان الاصوليين اللبنانيين الذين تشبه تنظيماتهم حزبه في بنيتها العقائدية سيكتفون بملاقاته في سورية؟ ومن قال له ان السوريين سيتفرجون على بلادهم وقد غدت ساحة لاقتتال اللبنانيين؟

والألم ان حزب الله الذي يحفظ له اللبنانيون والعرب ذاكرة مقاومته للاحتلال قد سقط في الفخ، وقرر ان يمحو ذاكرة المقاومة بذاكرة الحرب الاهلية الطائفية.

القدس العربي

العاديون أيضاً يقترفون الشرّ

رشا الأطرش

في خطابه الأخير السبت، نفى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، بثقة بالغة، فكرة “شباب يذهبون إلى الجبهة (في سوريا) بالقوة”، بل أكّد السعي إلى فرض “تقنين نتيجة الاندفاع الكبير الموجود… لسنا في حاجة إلى إعلان الجهاد، بكلمتين فقط ستجدون عشرات الآلاف يذهبون إلى تلك الجبهات”… وصَدَق.

 صحيح أن التململ مسموع في أوساط الحزب وبيئته، وإن كتمته وسائل الإعلام الموالية. مسموع عند أبواب مستشفيات يُهرع إليها الجرحى، وعلى ضفتي جنازات متدفقة في مناطقه في شكل شبه يومي (يتداول رقم 22 قتيلاً في سوريا السبت، أي في يوم الخطاب نفسه، ناهيك عن صواريخ اليوم التالي)… إلا أن السيد، على الأرجح، لا يتبجّح. بل لعل يقينه في محله، يكتنف واحدة من حقائق قليلة تضمّنها خطابه الأخير.

 الحقيقة أن فئة كبرى من “جمهور” الحزب (وأحياناً جمهور حلفائه) مأخوذة بالخطر الذي ما انفك نصرالله يطلق ناقوسه، منذ أكثر من عامين. مشبّعة بأزمة خيالها الديني. حتى حديث المقهى، مع أي من المعارف “المدنيين” المحسوبين على ذلك الخندق، كفيل بإثبات ذلك.

“الجماعات التكفيرية”، “المحور الغربي” المتآمر ومعه أكثر العرب، المصمِّم على كسر ظهر المقاومة في سوريا وإيران ولبنان، وقبلها اجتاح مصر وتونس وليبيا. وأخيراً، إسرائيل – العدو الأزلي والحجّة الأُمّ لكل زلّة سلاح. أما ارتفاع عدد القتلى اللبنانيين في سوريا، فالأرجح أنه لن يزعزع الخطاب، بل سيرفده بمزيد من الغرائزية الثأرية، يؤكده خوفاً مؤسطراً بدلاً من خوف عقلاني تنتجه التعبئة هذه. كأنها نبوءة تحقق ذاتها. دائرة مفرغة، إلا من الدم.

 ما عادت إسرائيل البعبع الأول، وإن ما زالت تحظى بمساحة معتبرة من خطابات الوعيد والترهيب، مثل “المانترا” – اللازمة التي لا يستقيم من دونها طقس. إلا أن الفزاعة الحقيقية هي تلك التي تحرّك “أنصاراً”، فيكسّرون منزل رامي عليق في الجنوب. يروّعون مروى عليق وعائلتها بالشتيمة والتهديدات والقدح الالكتروني بأقذع الكلمات، قبل طردها تقريباً من قريتها الجنوبية… فقط لأنها فرد يفكر لنفسه، وقرر إعلان رفضه لقتال “حزب الله” في سوريا. لأنها من “طائفة المقاومة”، ومثلها عديدون. ذنبها مضاعف إذ شاركت في اعتصام تضامني مع الشعب السوري بلافتة تُعلي الحيوات اليانعة لشبان الحزب فوق مقدّساته… والأمثلة كثيرة من نوع “إشكالات فردية”، مرة في مخيم للاجئين الفلسطينيين أو السوريين، ومرة في هذه أو تلك من المناطق المختلطة/النقيّة مذهبياً.

 الفزاعة الحقيقية هي “الآخر” المعلّبة صورته منذ أكثر من ألف عام، وتزداد فولاذية وشروراً. “الآخر” الذي يزداد أبلَسة بتفاعلات الانتفاضات العربية. “الآخر” المخيف عند كل من الطرفين، بدلالة قطع الشيخ أحمد الأسير وأنصاره في صيدا طريق جنازة لأحد قتلى “حزب الله” في سوريا بشكل مستفز، وقبل ذلك أحداث كثيرة مزينة بصور الملتحي اللبناني الأشهر، ممتشقاً بارودة، في صيدا اللبنانية كما في سوريا.

 في طرابلس حرب واضحة وضارية لا تقل دلالة، بل تفيض بالمعاني. والراطنون بـ”حقوق المسيحيين” ومخاوفهم، على جانبي الصراع السنّي – الشيعي وبأدواته ولغته (وأسلحته أحياناً!)، المتشدقون بكينونة طائفية تحتكر الهويّة الفردية والجماعية… هؤلاء أيضاً لا يختلفون عن أقرانهم في سائر الكانتونات الممعنة في التكور على نواتها الأصل، الغارقة في مراياها المقعرة من صنف ما نرى في مدن الملاهي وحلقات السيرك.

 والحال إن أفعال الترهيب المتبادل، وإن تفاوتت فاعليته وضراوته بحسب الفاعلين، ليست حكراً على الحزبيين أو الأعضاء المنظمين في ميليشيا أو تيار أو حتى في جماعة يرأسها إمام جامع.

 الحالة تعمّ. كل غيتو على حدة. حالة من الشرّ المقيم.

ليس البشر هم الأشرار بالضرورة، ونقصد هنا من ليسوا قادة مكرّسين أو كادرات ترسم سياسات وخططاً عن سابق تصور وتصميم ومصالح. نتحدث عن “مواطن” يكتب تهديداً في صفحة إلكترونية بأريحية لا تكدرها لحظة تفكير. وآخر يكسّر واجهة “بيت معارض”، أو يؤيد ضمناً فعلة من النوع هذا. وثالث تأخذه الحميّة (ناهيك عن مكاسب زبائنية أخرى يسوغها انكسار الدولة)، فينضم طوعاً إلى حاجز “ارتجالي” أمام جنازة، أو حتى إلى أحد متاريس التبانة – جبل محسن، ولا يتوانى عن تحميل طفلة سلاحاً تطلق منه النار على “العدو” فيما يصورها زميله بزهو (على ما ظهر في فيديو تم تداوله أخيراً). ورابع يعبر الحدود إلى القصير طوعاً، مقتنعاً بأنه “مقاوم”.

 نعم، يمكن لـ”عاديين” اقتراف الشرّ الذي لا ينحصر في الأسماء العلم وتابعيها المنظمين. المسألة ليست ببساطة امتثال أعمى للأوامر. أحياناً، لا أوامر. قد ينفذ العاديون شروراً عندما يتماهون مع إيديولوجيا تجمّل شرّاً أو تبرره، وهذا خيار. الخيار الذي جادلت فيه حنة أرندت في تحليلها “عادية الشرّ”، وجادلها فيه كُثُر.

 في زمن الأزمات، يمسي الناس أكثر هشاشة، وكذلك عندما يستشعرون تداعي جماعة ينتمون إليها، جماعة تُعرّفهم. لا يخلطنّ أحد تلك الهشاشة بالضعف. بل عدائية هي، ذروتها – إن بُلِغت – مدمّرة.

 هي الإيديولوجيا، عقائدية كانت أم سياسية، أو حتى مصلحية. إن أُخذ حرفياً، زعمُ الإيديولوجيا بامتلاك الحقيقة الكاملة، فإن هذا الزعم يصبح نواة منظومة “منطقية” تتفرّع منها أفكار وأفعال “منسجمة” مع تلك الذات المؤدلجة. جنون المنظومة يستقر في منطق تواليها. نعم، التبسيط دائماً أكثر منطقية، الثقة المفرطة في جوهر ما. ثقة خلاصية. وهذه جرثومة الشمولية: ازدراء الواقع، بتنوعه وتناقضاته وحيواته. قد ينفذ “موظف” الأوامر بامتثال أعمى، وقد تعمي الإيديولوجيا “أشراراً عاديين”.

 ليس في مقابل التوتاليتارية ضدّ أو مُعاكس، لا ترى إلا ذاتها، ولذلك هي أزمة. ممحاة الاختيار الحر والفردية. تُنكر قيماً كونية وعلى رأسها الإنسان. ويقال إنها تُسيّس الحيز الخاص، الفردي. لكن الواقع أن هذا، بالضبط، هو اللا- سياسة. الفعل الحر سياسي بالتعريف. قوة الشمولية عقيمة، لا سياسة فيها. الفارق بينهما كالفارق بين قوة زلزال أو طوفان، وبين قوة الرياح أو الشمس إذ تولّد الطاقة.

 قطعاً، لا سياسة في “رصد” إعلام موالٍ لإيران والنظام السوري مؤخراً، آلية إسرائيلية في القصير، تبيّن أنها من مخلفات الاحتلال في بلدة الخيام اللبنانية الجنوبية. ثم أشيع في صفحات إلكترونية للمعارضة السورية أن مصطفى بدر الدين، أحد المتهمين باغتيال رفيق الحريري، يدير عمليات “حزب الله” في القصير… فحتى الفانتازمات المتبادلة شرّ يُبتذل.

المدن

العدوان الثلاثي يتكرر مع سوريا!

يوسف الكويليت

جندي من نظام بشار يرفع علامة النصر على قرية قرب القصير، ويغرس علم الدولة الرسمي في ظاهرة لم نعهدها في أي بلد بالعالم، وهذا دلالة أن النظام يعطي الحقيقة أنه بهذا التصرف غير شرعي، وكأنه أحد الغزاة، والتاريخ لن يرحم حين يكتب وفق تسلسل الأحداث والتجاوزات والأدوار التي قامت بها القيادة أو من هم خلفها، ويدونها للأجيال.

العدوان الثلاثي الجديد من روسيا وإيران والعراق، شبيه بعدوان دولي أكبر على مصر عام ١٩٥٦م والفارق أن تلك المرحلة، هي بقية الاستعمار المباشر ولكنها فشلت لأن القوى الزائلة أعطت المفاتيح للقوى القادمة. ومن يخططون لأن تكون سوريا ولاية إيرانية، أو حلقة في الجمهوريات الروسية، يعلمون أن كل من اعتمد على استراتيجية القوة بمحاربين على غير قناعة بجدوى الحرب، تأتي ضغوط المشاعر بقبول الهزيمة ذاتياً، وقد جربتها دول كبرى عاشت وهم الهيمنة العسكرية، وخرجت منها بأذرع مقطوعة، وعودة لطاولة المفاوضات للإقرار بالهزيمة، والتوقيع عليها..

سوريا ليست مفصل الحدث في المنطقة وحدها، فهي خط نار بدأ ساخناً بين المتعاركين من الشرق والغرب داخل الغرف المغلقة في الحوار الدبلوماسي، وقد تنتقل إلى ورطة عسكرية بينها من خلال طرفي النزاع في الداخل السوري، وقد تتطور، وفقاً للإشارات الأمريكية أن تقوم قواتها بحظر جوي على مواقع مختارة، وهنا ماذا سوف يكون عليه المشهد، هل يتدخل الروس بالنزاع مباشرة، وتصبح المسألة أكثر تعقيداً، أم تكتفي بمد النظام بأسلحة أكثر تقدماً، لكن هناك خصم آخر أي إن إسرائيل هددت بأنها سترد لمجرد وصول صواريخ اس ٣٠٠ بما تراه حقاً في حماية أمنها، وبالتالي لن يكون مجال للدبلوماسية، إلاّ بإلحاق الأذى والضغط على القوى التي دخلت الميدان مباشرة، أو من خلف المتحاربين، لتتحدد المسافات المفتوحة بخطوات أخرى، إما القبول بالحل المشترك، أو الذهاب إلى النهايات غير السعيدة..

نعرف أن مراكز البحوث، والتقديرات التي تعطيها دوائر الاستشارات لصانعي القرار في الدول المهتمة في الشأن السوري، سوف يكون لها رؤى وأفكار تبنى عليها جميع الاحتمالات بالفشل والنجاح، لكن ماذا لو اعتمدت كل من بريطانيا وفرنسا الوفاء بالتزاماتهما تزويد الجيش الحر بالأسلحة المتقدمة، وقبل المهلة المطروحة، وما رد الفعل الروسي الإيراني، وكيف ستكون عليه الصورة بداعمي النظام عسكرياً ومادياً، ومن يدعمون الجيش الحر وخاصة من دول المنطقة، وتحديداً الروس، والإيرانيين، مقابل دول الخليج وأوروبا وأمريكا؟

أن تسقط سوريا بقبضة إيران – روسيا أمر لا تسمح به الأطراف المضادة لأن الرهان سيكون على أمن المنطقة كلها، وحتى مسألة استغلال انشقاق المعارضة السورية وتباين المواقف بين الدول العربية، وانشغال الأخرى، بربيعها وذيوله المكلفة، فإن القضية سوف تكون حالة نزاع وجود، وحتى الغرب لن يقبل أن تتأسس قاعدة للاعبين آخرين في منطقة يعتبرونها تاريخياً في نطاق أمنهم ونفوذهم وعلى هذا الأساس فإن المعركة قد تتجاوز الوضع الراهن إلى حالة إشعال المنطقة كلها، وهذه المرة بإرادة دول ستتعالى مصالحها على أي أمر آخر؟!

الرياض

نصر الله: فصل بين خطابين

ساطع نور الدين

  المعلومات التي اوردها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في النصف الاول من خطابه امس في ذكرى التحرير عن التعبئة والحشود والمناورات الاسرائيلية الجارية خلف الحدود الجنوبية للبنان هي في غاية الدقة وفي غاية الخطورة، لكنها لا تستقيم مع المنطق الذي اعتمده في النصف الثاني من الخطاب ولوح فيه للمرة الاولى باعلان الجهاد.. في سوريا.

ثمة خطأ غير معهود في ترتيب الاولويات. ازدواجية في الخطاب. توزيع غير منصف للمسؤوليات. تقدير غير عادل لمهمات الدولة. ما هو مطلوب في الجنوب في هذه اللحظة الحرجة، لا يتقاطع ابدا مع ما هو منشود في الشمال في هذه اللحظة الحساسة. والسؤال البديهي الذي يمكن ان يوجه الى الحزب: اذا صح ان حربا اسرائيلية جديدة على لبنان هي على الابواب، فلماذا يتم ارسال المقاتلين الى سوريا؟

احتمالات الحرب الاسرائيلية واردة فعلا، لكن النصف الثاني من الخطاب ينفيها ويستبعدها، او لعله يلغي حاجة العدو اليها. ارقام القتلى والجرحى من الحزب، كما اعداد المقاتلين المرسلين الى سوريا، لا تدع مجالا للشك في ان اسرائيل لن تكون مضطرة الى المخاطرة بجنودها مرة اخرى في لبنان، بل ستكتفي بتسجيل حقيقة ان عدد ضحايا الحزب على الجبهة السورية الشمالية تجاوز حتى الان عدد شهدائه في حرب تموز العام 2006.

لا يمكن التثبت مما يقال عن ان حزب الله قادر على خوض حربين معا، على جبهتين منفصلتين. وهو اختبار لا يرغب به جنوبيون كثر يشعرون اليوم ان جزءا كبيرا من منظومة حمايتهم يتهاوى امام اعينهم، وينذر بتجدد الاختراقات الاسرائيلية للحدود اللبنانية الجنوبية، باعتراف نصر الله نفسه.. الذي احجم هذه المرة عن تحذير الاسرائيليين من مغبة ارتكاب اي حماقة جديدة، وعن تهديدهم بما سبق ان هددهم به في خطاباته السابقة كلها من دون استثناء.

لا يمكن الظن في ان حزب الله تخلى عن مسؤولياته الجنوبية الاساسية، لكن النصف الاول من الخطاب لم يكن مطمئنا ابدا، لاسيما الحديث الطارىء عن دور الدولة والشعب في مواجهة الحرب الاسرائيلية المقبلة. فالدولة والشعب يدركان على الارجح موازين القوى التي لا يمكن ان تمنع عدوانا اسرائيليا جديدا، وهما لذلك يصليان في السر لتفادي تجرع ذلك الكأس المر مجددا، ويعرفان ان الجبهة الداخلية اللبنانية لم ولن تكون جاهزة لاي تجربة مدمرة من هذا النوع، لا اليوم ولا في اي مستقبل قريب.. لذلك يصبح من المشكوك فيه ان يبادر الحزب نفسه الى اشعال مثل هذه الحرب مع العدو الاسرائيلي، عندما يحشر على الجبهة السورية، كما يشاع!

الخطر على الجنوب تضاعف. هي حقيقة لا شك فيها. يؤكدها النصف الاول من الخطاب، ويجزم بها النصف الثاني منه.. حيث يقرر الحزب التوجه الى سوريا حيث تخاض، حسب تعبير نصر الله، حرب عالمية يشارك فيها الاميركيون والاسرائيليون والتكفيريون في خندق واحد، هو، في المناسبة، واحد من اغرب الخنادق المكتشفة منذ انفجار الازمة السورية، واكثرها مجافاة للعقل ويقينه الثابت ان اميركا واسرائيل هما وحدهما اللتان تمنعان تسليح المعارضة السورية وتعارضان سقوط النظام السوري، وتجاهران برفضهما الانضمام الى تلك الحرب المفترضة.

في تبرير قرار الخروج العلني والصريح الى تلك الحرب، وضع نصر الله النظام السوري في مرتبة سياسية عالية جدا، تتعارض مع المفاوضات الجارية تحضيرا لعقد المؤتمر الدولي المقبل في جنيف الشهر، حيث يتوقع ان يظهر الخيط الابيض الاميركي والاسرائيلي من الخيط الاسود. وهو ما يمكن ان يوقع الحزب في حرج لم يسبق له مثيل.. ويضع التكفيريين السوريين في مأزق لم يخطر في بال الحزب، خصوصا وانهم لا يطغون على المعارضة السورية ولا يمثلون سوى مظاهرها البشعة، والمحدودة، والظاهرة على الشاشات. وهم في ابعد التقديرات الاميركية والاسرائيلية يشكلون خمسة بالمئة من نحو ثلاثمائة الف سوري يحملون السلاح اليوم في وجه النظام.. ولاحقا في وجه اميركا واسرائيل. والجولان على موعد.

لا بأس في خروج الحزب الى تلك الحرب العالمية. فهذا قدره. ولا مانع ايضا في ان يلبي جميع المقاتلين من حلفاء النظام السوري وخصومه اللبنانيين نداء نصر الله للقتال هناك. فالجنوب يمكن ان يبتكر مقاومة بديلة، والشمال يمكن ان يعثر على حتمية مختلفة.. والخطاب يمكن ان يتحول الى ذكرى لحقبة لبنانية عصيبة ما زالت تقاوم الزوال.

المدن

امبراطورية “حزب الله

    اوكتافيا نصر

عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982، كنت مراهقة أترعرع في أسرة مسالمة لم تكن مسيَّسة ولا مذهبية. وعلى رغم أن “حزب الله” نشأ آنذاك كحركة مقاومة ضد الوجود الإسرائيلي في لبنان، لم يثر اهتمامي إلا في مرحلة لاحقة، وتحديداً عندما حاولت، في إطار عملي في الصحافة عام 1990، “التواصل مع الفريق الآخر”، وحصلت على مقابلة حصرية مع المرشد الروحي للتنظيم، السيد محمد حسين فضل الله.

أتذكّر أنني أمضيت ساعات طويلة في أحد مراكز البحوث القليلة المتوافرة في لبنان، حيث رحت أبحث في الوثائق والمقالات والكتب عن معلومات عن الرجل والتنظيم. والموضوع الأول الذي لفت انتباهي كان الأجندة الإسلامية التي يخفيها الحزب. وقد طرحت السؤال صراحةً على فضل الله. ربما كان من أصعب الأسئلة لأنه كان مباشراً وتطلّب رداً مباشراً منه. وقد نظر في عينَي وقال: “حتى لو كان مشروعنا الأسلمة، أستطيع أن أطمئنك وأطمئن الآخرين الى أن حكمنا سيكون جامعاً وشاملاً للبنانيين كافة وسيحترم حريات الجميع”. ومن الأمور المهمة الأخرى التي تلفت الانتباه في تلك المرحلة النفوذ الكبير الذي كان يتمتّع به فضل الله من موقع المرشد الروحي للحزب بالمقارنة مع أمينه العام، والعدد الكبير من الأشخاص الذين كان يؤثّر فيهم، بما في ذلك وفد إيراني كبير كان ينتظر للقائه بعد انتهاء المقابلة. ما بقي محفوراً في ذهني من تلك المقابلة هو الانطباع الذي تكوّن لدي عما يمكن أن يكون “حزب الله”، وهي صورة مختلفة تماماً عما كان الحزب في الحقيقة وعما صار على مر السنين.

شيئاً فشيئاً، إنما بخطى ثابتة، باتت القيادة تتمحور أكثر فأكثر على شخصية القائد الفرد بدل المجالس المتعدّدة التي أنشأها الحزب في البداية. ولم يعد هناك من وجود للمرشد الروحي، وحل محله حكم عسكري أكثر تشدداً. كان “حزب الله”، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، الميليشيا المسلّحة الوحيدة التي سُمِح لها بمواصلة العمل بعد إعلان انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، الأمر الذي منح التنظيم شرعية غير مسبوقة استخدمها لاحقاً ليشهر سلاحه في وجه الشعب نفسه الذي يُفترَض فيه حمايته. وقد عمدت القيادة في “حزب الله” إلى تغيير النظام الأساسي للحزب للسماح بإعادة انتخاب الأمين العام إلى أجل غير مسمّى. وهكذا يمسك السيد حسن نصرالله بدفة الميليشيا منذ سبع ولايات متتالية على الأقل اعتباراً من عام 1992. وقد وضع نفسه في مواجهة مع العالم، وجعل الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية في الغرب، في حين تمنحه التنظيمات الأكثر تشدّداً وأصولية في المنطقة وسام الشرف. وفي عهده، اتّضح مشروع “حزب الله” أكثر علناً، فلم يعد يفصله سوى خيط رفيع وهمي عن التطرّف الإيراني والسوري. خاض حرباً مع إسرائيل عام 2006، ليعلن بعد ذلك تحقيق النصر “الإلهي” متجاهلاً الثمن الباهظ الذي دفعه اللبنانيون ولا يزالون يدفعونه نتيجة قراراته وتصرّفاته الأحادية خلال عام 2006 وبعده. مع أن علة وجود الحزب الأساسية، أي مقاومة إسرائيل، كان يجب أن تنتفي بعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، تحوّل كياناً عسكريتارياً مستقلاً داخل لبنان ذا تمثيل واسع في مجلسَي النواب والوزراء. وعوض أن يصير الحزب شريكاً جدياً في بناء الدولة، تحوّل أمبراطورية في قلب الدولة.

على رغم أن السيد نصرالله يختبئ خوفاً من الاغتيال، فإنه يتصرف الآن ويتكلم وكأنه أمبراطور من الزمن الغابر. لقد خُيِّل إليه أن التصفيق الذي ناله من كثيرين تعبيراً عن إعجابهم بمقاومته للاحتلال الإسرائيلي، يمنحه ضوءاً أخضر للقيام بما يحلو له. وقد نجح أيضاً في خنق الجزء الأكبر من المعارضة للحزب تحت تهديد تصويب أسلحته نحو أي رأي انتقادي أو أية شخصية معارِضة. وبما أنه لا صوت داخل الميليشيا غير صوته هو، يشعر السيد نصرالله بأنه لا يُقهَر ولا يُردَع ولا يُمسّ ولا يتزعزع وأنه معصوم من الخطأ. ونتيجةً لذلك، لم يعد يصح القول بأن “حزب الله” هو حزب مقاوِم، بل أصبح الآن محرِّضاً ومثيراً للاضطرابات يخدم الأجندة الإيرانية الساعية إلى بسط هيمنة إيران على المنطقة. يدرك السيد نصرالله أنه امتداد لذلك المشروع، ويراهن على تأدية دور قيادي في حال نجاحه.

لقد سقط طغاة عرب وسيستمر آخرون في السقوط مثل أوراق الخريف، وفيما تتغيّر المجتمعات العربية في أنحاء المنطقة وتتّجه نحو الحداثة والانفتاح والحوار، اختار “حزب الله” سلوك الأزقة الضيقة والمظلمة، أزقة القمع في إيران وسوريا. ولعل السبب أنها الأماكن الوحيدة حيث تستطيع أمبراطورية “حزب الله” أن تنوجد وتزدهر!

النهار

كغريق يحرق مراكبه؟!

    راجح الخوري

بنى السيد حسن نصرالله كل مبررات تدخل “حزب الله” في القتال الى جانب النظام السوري على ان ليس في لبنان دولة تستطيع حمايته، اولاً من اسرائيل التي تستهدف النظام السوري وثانياً ممن سماّهم التكفيريين الذين يقاتلون هناك.

قبل النقاش الهادئ في هذا الكلام، من الضروري والمفيد جداً، ان نتذكر ان ايران حرصت على التوضيح عندما كان السيد حسن يعلن انخراط “حزب الله” في القتال، انها لم ترسل احداً من جنودها الى سوريا للمشاركة في المعارك. طبعاً لن يصدق احد الاعلان الايراني، لكن من المفارقة ان تحرص ايران على النفي، في حين يندفع السيد حسن في اعلان الحرب، واعداً جمهوره بالنصر، وهذه المرة لحماية نظام الاسد بعدما قيل ان التدخل هو لحماية المزارات الدينية والقرى اللبنانية، على اساس ان لا وجود للدولة اللبنانية!.

بالعودة الى هذه الدولة، التي ينعي السيد حسن وجودها وجدواها، نقع بعد ساعات من الخطاب في مفارقة جديدة، فبعد سقوط الصاروخين على مداخل الضاحية، الجنوبية وهو العمل الذي اجمع اللبنانيون على ادانته، برزت مراهنة كل المراجع والقوى بمن فيها قيادات الحزب، على هذه الدولة اياها في معالجة الامر وكشف الفاعلين! واذا كان صحيحاً ان “حزب الله” يوسّع اجراءات الامن الذاتي في مناطقه، مسقطاً دور الدولة، فالأصح انه تقع على الدولة التي ينكرها الحزب مهمات اوسع بكثير من مهمته، سواء في طرابلس او في الجنوب او في البقاع الغربي، فلماذا ندمر الدولة كغريق يحرق مراكبه؟

في زمن الفلتان والجنون جرى تدمير الدولة اللبنانية على نية القضية الفلسطينية، وعلى وقع شعارات بيوتنا “قواعد للفدائيين”، ثم دخل النظام السوري لبنان على دماء “حزب الله” وعلى جثث اللبنانيين، ليصحح ما وصفه دائماً بأنه “جريمة سايكس بيكو”، وليمحو الدولة اللبنانية باسم القضية الفلسطينية ومقاومة العدو الاسرائيلي، لكنه ذبح اللبنانيين والفلسطينيين واخرج ياسر عرفات مهزوماً من طرابلس، بعدما اخرجه الاسرائيليون من الجنوب، ثم جاء دور “حزب الله” في تهميش الدولة وتجاوزها وتقبيحها، ودائماً تحت مسوّغات مواجهة العدو الاسرائيلي وصار يعطّل الحكومات ويشكلها ويسقطها خدمة لسوريا وايران، ثم تحوّل النأي بالنفس زجاً للنفس في الأتون السوري الذي سيحرق لبنان و”حزب الله” لتتفرج اسرائيل بفرح عظيم!

المثير اكثر واكثر ان شخصيات من داخل عائلة النظام السوري بكّرت في القول ان سقوط الاسد سيؤذي اسرائيل الساهرة على بقاء الاسد، فكيف نصدق الآن ان قتال “حزب الله” الى جانبه هو لحماية لبنان من اسرئيل؟ ثم اين كان “التكفيريون والارهابيون” عندما كان السوريون يقتلون برصاص النظام على وقع صراخهم “سلمية سلمية”؟ ثم لماذا تختبىء ايران في اعلانها عدم التدخل وراء قتلى “حزب الله” هناك؟

النهار

حرب نصر الله الطائفية!

سليمان الهتلان *

مشاركة «حزب الله» العلنية في معركة القصير ضد ثوار سورية تشكل إعلاناً صريحاً عن دعم الحزب علانية لنظام لا يردعه رادع في قتله المريع لشعبه. وهنا سقط الحزب الذي طالما تغنى بالثورة ضد المحتل وبمناصرة الفقراء والمغلوبين على أمرهم في شر أعماله. حسن نصرالله قالها – أخيراً – صراحة إنه لن يتخلى عن دعم نظام الأسد مهما كلفه الأمر. وأنصاره في وسائل الإعلام العربي قالوها صراحة: حسن نصرالله يضحي بسمعته في مقابل مبادئه! هذه المبادئ تجلت طائفيتها في القصير. تلك هي حقيقة نصرالله الطائفية التي تحايل وتذاكى طويلاً لإخفائها. تورطه العسكري في سورية كشف المزيد من الأقنعة عن وجه حسن نصرالله وحزبه. كان بإمكان نصرالله أن يكتفي بدعم نظام الأسد سياسياً، وهذا الدعم كان سيبقى مكان خلاف «سياسي». بل ربما تفهم البعض، حتى في صفوف المعارضة السورية، موقف «حزب الله» السياسي، بحكم أن نظام الأسد يعد من أركان دعم «حزب الله» الرئيسة في المنطقة. لكن التورط ميدانياً في حرب بين نظام يقتل شعبه وثوار يسعون لاستعادة وطنهم وحريتهم، يكشف القناع عن وجه طائفي كان حسن نصرالله يخفيه خلف شعارات مقاومة إسرائيل وتحرير القدس. ما أكذبهم أولئك الذين أشغلونا لعقود بوعودهم الجوفاء بتحرير القدس ومواجهة إسرائيل. انكشف المستور لكل من بهرته خطب حسن نصرالله ودروسه في المقاومة ومحاربة المحتل.

فالرجل اليوم يزج بحزبه في معركة بين نظام طائفي وشعب ثار لكرامته ومستقبله. ولا يخجل نصر الله وهو يبرر تورطه في معركة السوريين بقوله إنه يدعم الأسد صوناً لمقاومة المحتل الإسرائيلي، وكأن تحرير القدس يبدأ بقتل السوريين في القصير. خطورة تدخل «حزب الله» ميدانياً في سورية أنها ستدخل المنطقة كلها في فصل جديد من الصراعات – وربما الحروب – الطائفية، كما لو أن منطقتنا في حاجة إلى المزيد من هذه الفتن والصراعات. وبمشاركته عملياً في قتل الثوار السوريين على الأرض السورية، يكشف «حزب الله» أيضاً للمنخدعين بشعاراته أنه أيضاً ذراع عسكرية فاعلة للسياسة الإيرانية في المنطقة. فقائد الحزب تلميذ نجيب في مدرسة المرشد. وهو يفاخر كثيراً بإيمانه وولائه لولاية الفقيه. في المحصلة النهائية، «حزب الله» أداة من أدوات إيران في المنطقة، تبطش بها وتحركها متى وأين شاءت، كيف لا وإيران هي التي أسست ورعت «حزب الله» وأمينه العام؟ لكن أكثر ما يزعج حسن نصرالله ويربك مخططاته «الطائفية» هو ظهور أصوات شيعية مؤثرة تعارض سياساته وخططه الطائفية، وضد تدخله السافر في الداخل السوري. على رأس قائمة معارضي تدخل نصرالله في الشأن السوري، يأتي المرجع الديني اللبناني علي الأمين.

لقد أعلن علي الأمين موقفه الرافض لتدخل اللبنانيين، وعلى رأسهم «حزب الله»، في الداخل السوري. وهو بهذا الموقف، يسعى الى تجنيب اللبنانيين، بكل طوائفهم، تبعات الصراع في سورية. لكنه، أيضاً، يرسل رسالة مهمة للمنطقة كلها، مفادها أن حسن نصرالله لا يمثل كل الشيعة في لبنان وخارجها. وتلك حقيقة يعرفها اللبنانيون، بكل طوائفهم، لكن خطاب حسن نصرالله الإعلامي وخطبه في المقاومة و «دحر المحتل» كادت أن تخفيها. من هنا تأتي أهمية ظهور أصوات معتدلة ومؤثرة من الشيعة والسنّة معاً للإسهام في إطفاء فتيل فتنة طائفية جديدة يسعى حسن نصرالله، وأمثاله من جماعات التكفير السنّية، لإشعالها. فخطاب نصرالله الأخير ومشاركة حزبه في قتل السوريين ألهبا فتيل الفتنة، وعمّقا الشق الطائفي المخيف في منطقتنا. والراصد لردود الفعل على خطاب نصرالله الأخير عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحديداً، يلحظ عمق الفجوة الطائفية في خطابنا الراهن. وذلك ليس سوى واحد من مؤشرات التخندق الطائفي البغيض حتى في أوساط بعض المثقفين العرب مع الأسف. باختصار: إنها فتنة جديدة، جد خطيرة، يشعل فتيلها اليوم حسن نصرالله – وأمثاله -، ليس فقط بخطابه المأزوم، ولكن – وأشد خطورة – بإقحام عناصر حزبه في أتون حرب ظالمة بين شعب يقاتل من أجل حريته ونظام مارق لا يؤمن بغير لغة القتل والقهر والذل.

* كاتب سعودي

الحياة

حزب الله يقاتل السوريين دفاعاً عن الأسد!

 عبدالحميد الأنصاري

ما كان أي محب لحزب الله يود أن يرى الحزب يوجه سلاحه مستهدفاً إخوانه السوريين، وما كان أي عربي أو مسلم يتمنى أن يتورط حزب الله في معارك ضد الثورة السورية دفاعاً عن نظام قتل ما يزيد على مئة ألف من شعبه.

لقد سقط العشرات من مقاتلي حزب الله في معارك القصير وأغلبيتهم من قوات النخبة، ونقلت الوكالات صور تشييع جنائزهم ومظاهر الحزن والأسى على وجوه الأمهات والزوجات والبنات والأخوات، إنه لأمر محزن سقوط القتلى من الجانبين في الوقت الذي يواصل فيه النظام قصف المدن على رؤوس النساء والأطفال والأبرياء بالطائرات والمدفعية وقاذفات الصورايخ ويسانده حزب الله.

التساؤلات المطروحة هي: لماذا يساند حزب الله نظاماً يقتل شعبه؟! ولماذا يضحي برجاله في سبيله؟! ولماذا يعادي ثورة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته؟! ولماذا يسيء حزب الله إلى تاريخه ونضاله؟!

إن حزب الله بوقوفه ومساندته ومشاركته الفعلية في القتال مع هذا النظام، لا يسيء إلى نفسه وسمعته وتاريخه كحزب مقاوم لإسرائيل إنما أيضاً يشوه مفهوم (المقاومة) ويحز مصداقيتها في نفوس الملايين من العرب والمسلمين، كما يؤكد بهذا العمل غير الأخلاقي اتهامات خصومه من أن الحزب مجرد أداة باطشة تستخدمها إيران لخدمة نفوذها ومطامعها في المنطقة العربية. لقد بنى الحزب سمعته وشعبيته على قضية عادلة هي قضية الدفاع عن فلسطين ومقاومة عدوان إسرائيل، وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق قبلت الدولة اللبنانية احتفاظ الحزب بسلاحه خارج نطاق الجيش اللبناني، مع أن ذلك وضع شاذ بين الدول، فكيف يبرر الحزب اليوم توجيه سلاحه ضد السوريين؟!

لطالما عارض قطاع كبير من اللبنانيين احتفاظ الحزب بسلاحه خارج نطاق الشرعية خوفاً من مغبة استخدامه أداة بطش في الداخل اللبناني، واليوم بتدخل حزب الله في معارك النظام السوري ضد الثوار ودفعه بآلاف المقاتلين من رجاله للفتك بالمدنيين السوريين إنما يقوي حجة المعارضين لسلاح حزب الله ويسقط مبرراته، كما يؤكد حجج القائلين بأن رفع شعار (المقاومة) ما هو إلا متاجرة في قضية فلسطين وغطاء سياسي كاذب لأهداف ومآرب أخرى.

لقد عشنا دهراً نقدس سلاح المقاومة ونمجد حامليه، ولا نرضى المساس بهم ونبذل الغالي والنفيس في سبيل تمكينهم، لقد حكم هذا السلاح- سلاح المقاومة- وعي العرب السياسي الحديث عقولهم ونفوسهم، وأهدرت الثروات الطائلة في سبيله وسقطت أنظمة وحكومات عربية، وقامت على إثرهما حكومات وأنظمة أخرى بحجة المقاومة والممانعة والتصدي لإسرائيل، ولكن ها هو سلاح حزب الله المقاوم يضل طريقه إلى الداخل السوري مرة أخرى، كما ضل بالأمس حين وجه إلى صدور اللبنانيين وأرهبهم.

ويبدو أن حزب الله لن يتعلم دروس الماضي، مؤكداً بذلك مقولة ناقدي الجماعات الدينية من أن الإسلاميين شيعة وسنّة، لن يتعلموا شيئاً، ولن يستفيدوا من تجارب الماضي بسبب انغلاقهم الأيديولوجي وتشبثهم بالسلطة، وبخاصة إذا كان السلاح في أيديهم أو كانوا في السلطة مهيمنين، كما هي الحال في مصر وتونس وغيرهما، لأنهم جميعاً لا يعترفون أصلاً بالآخر السياسي والديني والمذهبي ولا يقبلونه شريكاً في الوطن والمواطنة، وهذه عقدة الإسلاميين المزمنة.

لقد انقلب سلاح المقاومة والجهد على مجتمعاتها في كافة الدول التي تسامحت وقبلت بوجود هذا السلاح خارج الإطار الشرعي للدولة، وصار عبئاً عليها ومصدراً للاضطرابات والنزاعات وإرهاب الناس كما تحولت الجماعات الدينية الزاعمة أنها تقاوم إسرائيل بمختلف ألوانها وأطيافها ومشاربها، وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، إلى جماعات انقلابية على دولها تنفذ مخططات ومشاريع (تفكيكية) وانفصالية لدولها الوطنية، كل جماعة دينية مسلحة تسعى إلى الاستئثار بالسلطة وإقامة إمارة دينية وسياسية خارج نطاق الدولة الوطنية، وعندنا نموذجان بارزان: حزب الله في لبنان وحماس في غزة. الحركات الإسلامية كلها شيعية وسنّية ما هي إلا مجرد مشروعات تفكيكية وانقسامية للدول القائمة بدءاً بحزب الله في لبنان، مروراً بالحوثيين في اليمن والمحاكم في الصومال والجماعات المتشددة في العراق والجزائر وباكستان ومالي وطالبان في أفغانستان وانتهاءً بحماس في فلسطين، وهذه الجماعات جميعاً، لا قيمة للإنسان لديها مطلقاً! فالزعيم الديني الأيديولوجي الحاكم للجماعة الدينية يهون عليه التضحية برجاله حتى في معارك غير متكافئة أو من غير مبرر مقبول! بل يهون عليه التضيحة بالشعب بأكمله في سبيل تحقيق أهدافه وبقائه، يغامر بالوطن ويتلاعب بمقدراته، ويعرض الناس للمخاطر، ثم يفاخر بأن ذلك مقاومة وأنه حقق انتصاراً إلهياً!

ومرة أخرى النموذجان البارزان في هذا الميدان: حماس في مغامرتها ضد إسرائيل 2008، والتي تسببت في دمار غزة، ومقتل آلاف الشهداء وحزب الله في حساباته الخاطئة والتي جرت الويلات على لبنان (صيف 2006) لو كان للإنسان قيمة لدى حزب الله وغيره لما زج به في حروب عبثية إثر مغامرات غير محسوبة! ولما زج به اليوم في معارك دامية ضد المدنيين السوريين! والأخطر من ذلك أن “حزب الله” بهذا الاصطفاف مع النظام السوري، إنما يؤجج النزعة الطائفية، ويعمق التعصب الديني ويعزز الصدام المذهبي مما يعرض المنطقة كلها لمخاطر الحروب المذهبية، كما يقول الكاتب والصحافي طارق الحميد.

وتأكيداً لهذا الأمر يقول الكاتب السعودي خالد الدخيل “لم تعرف المنطقة منذ القرن 19 صراعات واصطفافات طائفية على النحو الذي نشاهده الآن”، لقد انتقد رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري حزب الله في تدخله غير المشروع في الأرض السورية متهماً إياه باستنساخ الجرائم الإسرائيلية بحق لبنان، وتطبيقها على أهالي القصير وريف حمص، مؤكداً “أن الحزب الذي يستهين بدماء السوريين ولا يجد غضاضة في المشاركة في المجازر التي تتعرض لها مدينة القصير، لن تضيق ضمائر قياداته في تحمل دماء مئات أو عشرات المقاتلين ممن يسمونهم قوات النخبة”، وتساءل: هل هذا إقرار من الدولة اللبنانية بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هو فوق الدولة ومؤسساتها، وله وحده حق الإمرة في الشؤون المصيرية في شن الحروب بأي اتجاه يختاره أو تختاره إيران؟!”. حزب الله اليوم بهذه الأعمال المسيئة لنفسه وتاريخه وأنصاره والمعجبين به، والتي جلبت إدانات المجتمع الدولي عليه، معرض لإدراج جناحه المسلح على قائمة المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى عدم التعامل مع أي حكومة يشارك فيها حزب الله.

ختاماً: في خطابه أمام منتدى الدوحة، طالب سمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بضرورة مشاركة الشعوب في إدارة الشأن العام، مؤكداً أن العالم العربي يمر بمرحلة من أهم مراحل تاريخه، ومحذراً من يرفض الإصلاح والتغيير ومتطلبات المجتمعات الحديثة، بأن ضرورات التاريخ ومسيرة الزمن ستغيره، لأن الشعوب لا تقتات بالشعارات والأيديولوجيات.

ومن هنا نرى أن حزب الله بمساندته لنظام قمعي يرفض التغيير إنما يعاند حركة التاريخ، كما يقف ضد إرادة الشعوب ورغبتها في نيل حرياتها، وهو حتماً يقف مع الطرف الخاسر في النهاية، وهذا موقف غير أخلاقي وغير إنساني يستنزف ما بقي من رصيد حزب الله في نفوس الجماهير العربية.

الجريدة

نصر الله: فصل بين خطابين

ساطع نور الدين

  المعلومات التي اوردها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في النصف الاول من خطابه امس في ذكرى التحرير عن التعبئة والحشود والمناورات الاسرائيلية الجارية خلف الحدود الجنوبية للبنان هي في غاية الدقة وفي غاية الخطورة، لكنها لا تستقيم مع المنطق الذي اعتمده في النصف الثاني من الخطاب ولوح فيه للمرة الاولى باعلان الجهاد.. في سوريا.

ثمة خطأ غير معهود في ترتيب الاولويات. ازدواجية في الخطاب. توزيع غير منصف للمسؤوليات. تقدير غير عادل لمهمات الدولة. ما هو مطلوب في الجنوب في هذه اللحظة الحرجة، لا يتقاطع ابدا مع ما هو منشود في الشمال في هذه اللحظة الحساسة. والسؤال البديهي الذي يمكن ان يوجه الى الحزب: اذا صح ان حربا اسرائيلية جديدة على لبنان هي على الابواب، فلماذا يتم ارسال المقاتلين الى سوريا؟

احتمالات الحرب الاسرائيلية واردة فعلا، لكن النصف الثاني من الخطاب ينفيها ويستبعدها، او لعله يلغي حاجة العدو اليها. ارقام القتلى والجرحى من الحزب، كما اعداد المقاتلين المرسلين الى سوريا، لا تدع مجالا للشك في ان اسرائيل لن تكون مضطرة الى المخاطرة بجنودها مرة اخرى في لبنان، بل ستكتفي بتسجيل حقيقة ان عدد ضحايا الحزب على الجبهة السورية الشمالية تجاوز حتى الان عدد شهدائه في حرب تموز العام 2006.

لا يمكن التثبت مما يقال عن ان حزب الله قادر على خوض حربين معا، على جبهتين منفصلتين. وهو اختبار لا يرغب به جنوبيون كثر يشعرون اليوم ان جزءا كبيرا من منظومة حمايتهم يتهاوى امام اعينهم، وينذر بتجدد الاختراقات الاسرائيلية للحدود اللبنانية الجنوبية، باعتراف نصر الله نفسه.. الذي احجم هذه المرة عن تحذير الاسرائيليين من مغبة ارتكاب اي حماقة جديدة، وعن تهديدهم بما سبق ان هددهم به في خطاباته السابقة كلها من دون استثناء.

لا يمكن الظن في ان حزب الله تخلى عن مسؤولياته الجنوبية الاساسية، لكن النصف الاول من الخطاب لم يكن مطمئنا ابدا، لاسيما الحديث الطارىء عن دور الدولة والشعب في مواجهة الحرب الاسرائيلية المقبلة. فالدولة والشعب يدركان على الارجح موازين القوى التي لا يمكن ان تمنع عدوانا اسرائيليا جديدا، وهما لذلك يصليان في السر لتفادي تجرع ذلك الكأس المر مجددا، ويعرفان ان الجبهة الداخلية اللبنانية لم ولن تكون جاهزة لاي تجربة مدمرة من هذا النوع، لا اليوم ولا في اي مستقبل قريب.. لذلك يصبح من المشكوك فيه ان يبادر الحزب نفسه الى اشعال مثل هذه الحرب مع العدو الاسرائيلي، عندما يحشر على الجبهة السورية، كما يشاع!

الخطر على الجنوب تضاعف. هي حقيقة لا شك فيها. يؤكدها النصف الاول من الخطاب، ويجزم بها النصف الثاني منه.. حيث يقرر الحزب التوجه الى سوريا حيث تخاض، حسب تعبير نصر الله، حرب عالمية يشارك فيها الاميركيون والاسرائيليون والتكفيريون في خندق واحد، هو، في المناسبة، واحد من اغرب الخنادق المكتشفة منذ انفجار الازمة السورية، واكثرها مجافاة للعقل ويقينه الثابت ان اميركا واسرائيل هما وحدهما اللتان تمنعان تسليح المعارضة السورية وتعارضان سقوط النظام السوري، وتجاهران برفضهما الانضمام الى تلك الحرب المفترضة.

في تبرير قرار الخروج العلني والصريح الى تلك الحرب، وضع نصر الله النظام السوري في مرتبة سياسية عالية جدا، تتعارض مع المفاوضات الجارية تحضيرا لعقد المؤتمر الدولي المقبل في جنيف الشهر، حيث يتوقع ان يظهر الخيط الابيض الاميركي والاسرائيلي من الخيط الاسود. وهو ما يمكن ان يوقع الحزب في حرج لم يسبق له مثيل.. ويضع التكفيريين السوريين في مأزق لم يخطر في بال الحزب، خصوصا وانهم لا يطغون على المعارضة السورية ولا يمثلون سوى مظاهرها البشعة، والمحدودة، والظاهرة على الشاشات. وهم في ابعد التقديرات الاميركية والاسرائيلية يشكلون خمسة بالمئة من نحو ثلاثمائة الف سوري يحملون السلاح اليوم في وجه النظام.. ولاحقا في وجه اميركا واسرائيل. والجولان على موعد.

لا بأس في خروج الحزب الى تلك الحرب العالمية. فهذا قدره. ولا مانع ايضا في ان يلبي جميع المقاتلين من حلفاء النظام السوري وخصومه اللبنانيين نداء نصر الله للقتال هناك. فالجنوب يمكن ان يبتكر مقاومة بديلة، والشمال يمكن ان يعثر على حتمية مختلفة.. والخطاب يمكن ان يتحول الى ذكرى لحقبة لبنانية عصيبة ما زالت تقاوم الزوال.

المدن

قضية سوريا لا تختزلها القصير

خيرالله خيرالله

لنفترض أن قوات النظام السوري استطاعت بدعم من عناصر “حزب الله” السيطرة على بلدة القصير القريبة من حمص وذات الأهمية الاستراتيجية من نواح عدة. في مقدّم هذه النواحي أن القصير تقف عائقاً في طريق الربط بين دمشق والساحل السوري حيث الوجود العلوي. وهذا يعني في طبيعة الحال، أن هناك حاجة الى القصير في حال اضطر أهل النظام الذين يوجدون حالياً في دمشق الى الانتقال الى الساحل السوري.

كذلك، لنفترض أن القوات التابعة للنظام، التي يشارك معها “حزب الله” في القتال حقّقت انتصاراً كبيراً على الشعب السوري واحتلت قراه. ولنفترض أيضاً أن “حزب الله” أقام ممرّاً آمناً بين منطقة الهرمل اللبنانية والساحل السوري. هل يقدّم ذلك أو يؤخر؟

الجواب بكلّ بساطة أن ذلك لا يقدّم ولا يؤخر وأن المطلوب اليوم قبل غد إيجاد حلّ جذري، ذي طابع سياسي، يأخذ في الاعتبار حقيقة الوضع السوري. وحقيقة الوضع يمكن اختصارها بأن الشعب السوري يرفض النظام القائم ويرفض الاستعمار الإيراني لسوريا.

لو لم يكن هناك وضع سوري جديد، لما استمرّت الثورة منذ ما يزيد على عامين، أي منذ آذار- مارس 2011 عندما انتفضت دمشق، ثم انتفضت درعا… وانتفضت بعد ذلك سائر المدن والمناطق السورية، من حمص وحماة وإدلب وصولاً الى حلب ومدن الساحل على رأسها بانياس.

إنّ الثورة السورية ليست حدثاً عابراً وذلك، بغض النظر عمّا سيحصل في القصير. هذا ما تعجز روسيا عن فهمه، كذلك إيران والأدوات الإيرانية، بما فيها “حزب الله”.

يمكن فهم العجز الروسي عن استيعاب ما يجري في سوريا. لا تريد موسكو الاعتراف بأن النظام انتهى وأن كل ما تستطيع عمله هو توريط النظام في مجازر أخرى ترتكب، للأسف الشديد، بواسطة السلاح الروسي.

لم تفعل روسيا يوماً، منذ كانت امبراطورية اسمها الاتحاد السوفياتي، سوى الرهان على الأنظمة الديكتاتورية التي تقهر شعوبها. لم تهتمّ يوماً من الأيّام بالشعوب العربية. كان هناك دائماً نوع من الازدراء لهذه الشعوب ومصيرها، بما في ذلك للشيوعيين العرب. كانت هناك دائماً رغبة واضحة في استخدام الشعوب العربية لأغراض مرتبطة بسياسة سوفياتية، ثم روسية قصيرة المدى. ليس صدفة، في ضوء هذه السياسة أنّ موسكو لا تقيم علاقات معقولة مع أيّ دولة عربية، باستثاء سوريا. حتى العلاقات بين موسكو والجزائر تبدو متذبذبة إذا أخذنا في الاعتبار ما شاب صفقة السلاح الأخيرة بين البلدين وما رافقها من فضائح. لا تشبه هذه الفضائح سوى تلك التي رافقت المحاولات العراقية لعقد صفقة سلاح ضخمة مع الاتحاد الروسي. ليس معروفاً بعد هل الصفقة العراقية – الروسية يمكن أن تنجز يوماً. الشيء الوحيد المعروف أن السلاح صار الرابط الوحيد بين موسكو وبعض العرب، في حين كان في الإمكان إقامة علاقات صحّية من نوع مختلف بين وريث الاتحاد السوفياتي ومعظم البلدان العربية، خصوصاً في الخليج.

هناك فرصة حالياً، بعد انعقاد “مؤتمر أصدقاء سوريا” في عمّان تمهيداً لانعقاد مؤتمر جنيف-2. هناك فرصة لمعالجة مختلفة للوضع السوري تقوم على اقتناع الجميع بأن ليس في الإمكان الانتصار عسكرياً على الشعب السوري.

كلّ ما يمكن عمله هو متابعة تزويد النظام بأسلحة الدمار الآتية من روسيا وتوفير دعم إيراني له عن طريق “حزب الله” ومقاتلين عراقيين وخبراء ومستشارين ترسلهم طهران.

من الصعب اقتناع موسكو وطهران بأن لا مفرّ في نهاية المطاف من حلّ سياسي يستجيب لمطالب الشعب السوري وطموحاته، خصوصاً أن موسكو تعتقد أن في استطاعة الرئيس بوتين الاستفادة داخلياً من الدعم الذي يوفّره للنظام السوري. أما إيران، فهي مقتنعة أكثر من أي وقت بأن مستقبل نفوذها في المنطقة، بل كلّ دورها الإقليمي، مرتبط بمستقبل سوريا وبقائها تحت سيطرتها. ولذلك نجد طهران تهدد هذه الدولة العربية أو تلك وتتوعدها بإجراءات معينة في حال متابعة دعمها للثورة السورية.

لا شكّ أن روسيا دولة قوية تمتلك إمكانات كبيرة، في مقدّمها النفط والغاز. ولا شكّ أيضاً أن إيران تمتلك وسائل ضغط على دول المنطقة، كما لديها أدوات كثيرة تستخدمها في هذا البلد أو ذاك، خصوصاً قدرتها على استغلال الغرائز المذهبية لتحقيق أهداف سياسية. هذا شيء والقدرة على حسم المعركة عسكرياً في سوريا شيء آخر. هل سمعت روسيا يوماً بأن حاكماً ظالماً استطاع الانتصار على شعبه؟ ما ينطبق على روسيا، ينطبق على إيران التي تعاني بدورها من أزمة نظام. هل من دليل على مدى عمق هذه الأزمة أكثر من وضع العراقيل أمام ترشح هاشمي رفسنجاني للرئاسة؟

هناك كلام عاقل صدر عن الجانب الأردني قبيل افتتاح مؤتمر عمان. شدّد وزير الخارجية السيد ناصر جودة على أهمية المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة بعد مفاوضات بين المعارضة والنظام. هذا يعني في طبيعة الحال وجود حكومة انتقالية تمتلك “صلاحيات كاملة” تمهد لأخذ سوريا الى نظام جديد بعيد كلّ البعد عن النظام الذي تحكّم برقاب السوريين منذ نصف قرن.

قضية سوريا لا تختزلها معركة القصير ومن يسيطر على القصير. قضية سوريا قضية شعب حيّ يريد استعادة كرامته ويرفض البقاء الى ما لا نهاية تحت حكم لا يتقن سوى إذلال السوريين عن طريق الأجهزة الأمنية والقمع. هذا كل ما في الأمر. وهذا ما لم تستوعبه روسيا وإإيران اللتان ما زالتا تعيشان في وهم القدرة على اعادة عقارب الساعة الى خلف واختصار سوريا بعائلة وأقلّية طائفية وأجهزة أمنية في إمرة هذه العائلة وتلك الاقلّية…

المستقبل

القصير… قادش القرن 21

طوني فرنسيس

توصف «القصير» السورية بأنها بلدة زراعية على نهر العاصي وملتقى طرق بين البقاع اللبناني وحمص وبين دمشق والساحل السوري، وبأنها بسبب هذا الموقع تحولت معبراً للجيوش الغازية جنوباً وشمالاً، شرقاً وغرباً. ويقال إن جيوش ابراهيم باشا اقامت فيها اثناء معركته مع السلطنة العثمانية في اربعينات القرن التاسع عشر وإذ استطاب مصريون مذاقها استوطنوها وأنشأوا عائلات باتت قصيرية سورية.

القصير تميزت بأنها نمت خارج سلطة الاقطاع التقليدي، بمعنى ان سكانها جاهدوا لبناء حياتهم بأنفسهم، كل في ارضه وأرزاقه، في منزله وحارته، ومن ذلك تنشأ حرية في القرار واستقلال عن الاستتباع، واستماتة في الدفاع عن الارض. ولعل القتال منذ 20 نيسان (ابريل) الماضي الذي يخوضه القصيريون وعناصر المعارضة في وجه قوات النظام البرية والجوية مدعومة من عناصر «حزب الله»، ابرز تجلٍ لمواصفات البلدة الجغرافية والسكانية وإشارة الى وعي المقاتلين فيها أهمية وحساسية الموقع الذي يدافعون عنه. وقد اندلعت معركة القصير عشية الاتفاق الروسي-الاميركي على الدعوة الى عقد مؤتمر جنيف –2، بعد عام على عقد جنيف-1، استناداً الى نص يقضي بقيام حكومة انتقالية كاملة الصلاحية، من دون اشارة الى دور الرئيس الأسد. وبين جنيف الاول وجنيف الثاني سنة من القتل والدمار فاق ضحاياها الخمسين ألف قتيل وملايين النازحين والمهجرين في الداخل السوري وخارجه وتصدير للمشاكل الى دول الجوار.

عندما انتهى مؤتمر جنيف الاول في حزيران (يونيو) 2012، قال الغرب ان نتائجه تعني رحيل الأسد وقال الروس وحلفاء الاسد في ايران انه هو من سيقود الحل، وأوضح بشار بدوره انه يشن حرباً كونية على الارهاب ويتهيأ لترشيح نفسه لولاية ثالثة عام 2014.

اختلفت التفسيرات وتوالى سقوط المبعوثين العرب والدوليين وانكفأ الاميركيون والغربيون الى تكرار تصريحات مملة عن ضرورة تنحي الاسد فيما تحولت الانذارات التركية الى نكتة، ودار نقاش حماسي في اسرائيل حول مصلحتها في بقاء نظام وفّر لها امناً وأماناً في الجولان على مدى اربعين عاماً.

في مطلع ايار (مايو) المنصرم زار جون كيري وزير الخارجية الاميركية موسكو. لم يكن سراً ان خليفة هيلاري كلينتون قرر تنشيط سياسة بلاده في المنطقة على محوري الصراع الفلسطيني–الاسرائيلي والازمة السورية، وأنتجت مباحثاته مع الروس الدعوة الى جنيف –2.

كثيرون رأوا في ما فعل الوزير الاميركي تراجعاً عن المواقف الاميركية السابقة. لم يطرح كيري في موسكو مسألة تنحي الاسد، ولم يحمل معه مواقف قاطعة بدعم المعارضة السورية التي تطالب بتسليح نوعي لتتمكن من مواجهة طيران النظام ودباباته، فيما كان محدثوه الروس قاطعين في دعمهم الاسد كرئيس شرعي وفي تقديمهم مختلف انواع الاسلحة بينما يزداد حضورهم العسكري البحري قوة وانتشاراً على الساحل السوري وصولاً الى بيروت وحيفا.

بدت الدعوة الى مؤتمر دولي بمثابة اطلاق سباق لتحقيق مكاسب على الارض في سورية اكثر مما هي خطوة مدروسة ستقود الى حل متكامل عبر التفاوض، فبدأ النظام حملة عسكرية واسعة ضد القصير التي يعتبرها مفتاحاً لحسم السيطرة على حمص ومحيطها وللإمساك بتقاطع الطرق بين العاصمة والساحل وبين حمص ولبنان. لم تكن تلك المناسبة الدولية الوحيدة التي يستغلها الاسد للقيام بمحاولة اختراق، ففي العام الماضي اغتنم فرصة الفيتو الروسي-الصيني في مجلس الامن (4 شباط/فبراير 2012) ليشن هجوماً على حي بابا عمرو في حمص بما سمح له بزيارته في 27 آذار (مارس) والاعلان عن انهاء معركة حمص، إلا ان هجوماً مضاداً نسف هذا الاعتقاد وبقيت أحياء في المدينة تحت سيطرة المعارضة، ما قاد الاسد وحلفاءه الى التفكير بالحسم في القصير الرئة التي يتنفس منها المقاتلون ضد النظام.

باتت القصير بنداً في التحضيرات للمؤتمر الدولي الموعود فحشدت ضدها القوى من «حزب الله» وإيران والعراق، ولم يكن الروس بعيدين من تفاصيل ما يجري، فميخائيل بوغدانوف زار طهران ثم بيروت ولم يطلب الى «حزب الله» عدم ارسال قواته الى هذه المنطقة. وبعد اربعة ايام من اعلان لافروف – كيري، في 11 ايار، كانت الصواريخ وقذائف المدفعية والطيران تنهمر على ضفاف العاصي إيذاناً بالمعركة الحاسمة للسيطرة على المدينة.

وعلى وقع المواجهة الدامية وسقوط المئات من المدافعين والمهاجمين وبينهم عناصر «حزب الله» الذين دُرّبوا سابقاً لمواجهة اسرائيل، كانت شروط عقد المؤتمر الدولي في طبعته الجديدة تزداد تعقيداً: الاسد يرشّح نفسه عبر الاعلام الارجنتيني، الوفود المشاركة من سورية لا يتفق عليها والمعارضة تغرق في خلافاتها وترفض شخصيات يقترحها النظام. موسكو تطرح ضرورة حضور ايران (الحاضرة في ارض المعركة) فتلاقي رفضاً اميركياً وأوروبياً وعربياً، ثم يأتي القرار الاوروبي المتأخر بتزويد المعارضة السلاح لتعتبره موسكو «إضراراً مباشراً» بالجهود الديبلوماسية وليثير انقسامات في الجسم الاوروبي، ويفسح في المجال أمام مزيد من السلاح الروسي والايراني الذي لم ينتظر قرارات مقننة للوصول الى سورية.

البند الاخير في جدول بنود الإعداد للمؤتمر الدولي الموعود ستحدده كما يبدو حصيلة المعركة في القصير التي تحولت نقطة صدام عالمية فيها يحسم مستقبل سورية ومعه مستقبل القوى والدول المنخرطة في الصراع.

في التاريخ القديم كانت تلك المنطقة حيث يسقط الضحايا بالمئات اليوم ممراً وفخاً للغزاة والجيوش المتحاربة، وفيها تحديداً وقعت احدى اكبر معارك التاريخ القديم بين الفراعنة والحثيين في القرن السابع قبل الميلاد. حصلت المعركة في قادش المعروفة الآن بتل مندو التابع للقصير، وانتهت الى اول معاهدة سلام معروفة في التاريخ، نصوصها تعرض في مبنى الامم المتحدة في نيويورك.

الحياة

هل يستدعي نصر الله الأسد للضاحية؟

طارق الحميد

إذا كنت تعتقد أن العنوان أعلاه تهكمي فأنت مخطئ، فبعد خطاب زعيم حزب الله مساء السبت الماضي، فإن بشار الأسد هو من يحتمي الآن بحسن نصر الله، وليس العكس. فخطاب نصر الله كان انقلابا كاملا على الدولة اللبنانية، والمعادلة السياسية القائمة بالمنطقة، ومنذ تشكل حزب الله.

فقد أعلن نصر الله في خطابه الأخير لكل اللبنانيين، أنه الدولة، والدولة هو، كما أعلن لبنان محمية شيعية، وقسم المنطقة إلى فسطاطين، وعلى غرار ما فعله بن لادن، حيث اعتبر نصر الله أن هناك محور الولي الفقيه، الذي يتزعمه هو، ومحور من سماهم التكفيريين حلفاء إسرائيل وأميركا، والمقصود بالطبع سنة سوريا ولبنان والدول الإقليمية السنية، وتحديدا السعودية، والطريف أن نصر الله يقول في محاولة لإبعاد الشبهة الطائفية عنه وعن حزبه، إنه سبق لحزب الله أن شارك في «الجهاد» بالبوسنة دفاعا عن السنة، متناسيا أن من يصفهم الآن بالتكفيريين «نابشي القبور، وشاقي الصدور، وقاطعي الرؤوس»، بحسب تعبيره، هم من كانوا «يجاهدون» أيضا في البوسنة!

المهم أن انقلاب نصر الله وتقسيمه المنطقة لمحورين، وإعلانه أن إسقاط الأسد يعني طعنا لظهر «المقاومة»، كل ذلك يعني أن نصر الله ألغى حتى المعادلة السياسية التاريخية القائمة في علاقة الحزب بسوريا، فأيام الأسد الأب كان نصر الله مثله مثل أي سياسي «يدعى» إلى دمشق، بل و«يؤدب» إذا دعت الحاجة، اليوم اختلف الأمر، حيث بات حزب الله هو الحامي الرسمي والمعلن للأسد، وليس حتى إيران، فبحسب خطاب نصر الله فإن الأسد بحمايته، حيث لوح قائلا، أي نصر الله، إنه قادر بـ«كلمتين» على تحريك عدد أكبر من مقاتلي الحزب ومن دون الحاجة للدعوة الشرعية لـ«الجهاد» في سوريا! ومن شأن كل ذلك بالطبع أن يشعل الحرب الطائفية بالمنطقة، سواء بقي الأسد أو رحل.

ولذا فإن خطاب نصر الله كان بمثابة خطاب الانتحار، حيث زالت عنه شعبية من كانوا مضللين فيه، وبات الحزب الآن ملتحفا باللحاف الطائفي، ولا شرعية أخرى له، ولذلك كان الجزء الخاص بمخاطبة أنصار الحزب تغلب عليه اللغة العاطفية، و«الشحاذة» الشعبوية بنبرة تسولية عكس النبرة المتعالية التي تحدث بها نصر الله عن لبنان وسوريا، وحتى عن الأسد، حيث قال نصر الله، ثم استدرك: «يا عمي، الرجال بيعرض عليكم إصلاحات». فهو لم يقل الرئيس، بل «الرجال»، ولذا فمن غير المستغرب الآن أن يقوم نصر الله باستدعاء الأسد للضاحية الجنوبية ببيروت ليقول له ما يجب فعله، وما لا يجب، وعلى غرار ما كان الأسد الأب يفعل مع بعض الساسة اللبنانيين، ومنهم حسن نصر الله نفسه الذي أشعل حريقا طائفيا بالمنطقة لن ينجو منه بكل تأكيد، طال الزمان أم قصر.

الشرق الأوسط

إنهم يحفرون القبور في لبنان

عبدالله إسكندر

صواريخ مجهولة المصدر تسقط على طرف الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله» الشيعي الذي يقاتل في سورية دفاعا عن النظام. مسلحون مجهولون يقتلون جنوداً لبنانيين على طرف بلدة عرسال في البقاع الشرقي، المعقل السُني المناهض للنظام في دمشق. اعتداء مجهول المصدر والفاعل هنا، يليه آخر مماثل هناك. وكأن ثمة من يرد على دعوة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى تقاتل الأطراف اللبنانيين، من مناهضي النظام السوري وداعميه، في سورية والامتناع عن التقاتل في لبنان. وكأن ثمة من يريد أن يثبت أن الاقتتال المسلح في مدينة طرابلس الشمالية، بين حي جبل محسن «العلوي» وباب التبانة «السُني» والذي يتأجج على وقع المعارك في سورية، لا يكفي للدلالة على استحالة فصل النزاع الأهلي السوري عنه في لبنان.

في حين أن الطبقة السياسية اللبنانية، خصوص النواب، المهمومة بمدد التمديد للبرلمان وقوانين الانتخاب التي تضمن أرجحيتها في أكل جبنة السلطة، لا ترى وتسمع ما يجري حولها، في سورية والمنطقة، وفي الداخل اللبناني حيث يزداد يومياً منسوب التوتر والتحريض والتسليح.

التعبيرات عن النزاع الأهلي اللبناني تسبق تلك التي رافقت انفجار نظيره السوري، ولم تترك الطوائف اللبنانية وسيلة لإظهار خصومة كل منها للآخرين، رغم كل الكلام المنمق عن البلد الواحد والمصير المشترك. وربما تكون الطبقة السياسية اللبنانية المهجوسة بمصالحها فحسب تعتبر أنه يمكنها أن تتعايش مع مرحلة توتر عابر لتعود مجدداً إلى أكل جبنة السلطة، بعد أن تعود الأمور إلى نصابها في سورية وتالياً في لبنان.

الوضع السوري يتجه إلى مزيد من المواجهات والانقسام الطائفي، مع الانخراط الفعلي للمقاتلين في المنطقة، بصفتهم الطائفية، وليس انطلاقاً من موقف سياسي. وفي حين لا تزال جهود الحلول «خارج» جوهر الأزمة السورية، ولا تزال الديبلوماسية الدولية تمارس تمارين التذاكي لحماية مصالح مفترضة، تتكور الأزمة السورية على ذاتها وتخرج من أحشائها مزيداً من تعبيرات الكره الطائفي الذي يطاول البشر والحجر أيضاً. وما الظهور بمظهر التعاون مع هذه الديبلوماسية الدولية إلا في إطار كسب الوقت والسلاح لتدمير الطرف الآخر في الداخل.

ثمة عملية مماثلة تجري في لبنان قد لا تكون الطبقة السياسية تراها أو أنها لا تريد أن تراها. فمع استمرار القتال المتقطع في طرابلس، جاء استهداف طرف الضاحية الجنوبية وطرف عرسال ليؤكد أن الأمر اليومي يصدر عن حملة السلاح، وليس عن المؤسسات الشرعية والدستورية. حملة السلاح هؤلاء هم «غلاة» السنّة الذين يحملون أسماء كثيرة وهم «غلاة» الشيعة المنضوين في «حزب الله».

إذا كان الحزب «انخرط» بالعمل السياسي الشرعي ودخل إلى البرلمان والحكومة، فإن استراتيجيته، بمن في ذلك اعضاؤه في البرلمان والحكومة، بقيت خارج اطار الشرعية والدستور، ما دام بقي متمسكاً بسلاحه وإمرته الحصرية على السلاح وقرار السلم والحرب. فالحزب غير معني، ولم يكن معنياً في السابق، بكل أشكال الترتيبات على الطريقة اللبنانية وتبويس اللحى والتسويات التي تستدرج تنازلات منه. فهو ميليشيا «خارج» الحسابات اللبنانية الداخلية، ولا يحسب نفسه في اي ترتيب داخلي. وهو، في هذا المعنى، مثل المجموعات والتنظيمات «السنية» المتشددة الناشطة خارج أي إطار سياسي محلي، ولها حساباتها واستراتيجيتها وغير معنية بالتسويات الداخلية.

هكذا تتخلى الطبقة السياسية اللبنانية، عن ضعف أحياناً وغالباً عن انتهازية مقيتة، عن دورها لحملة السلاح. وتضبط سياستها على وقع حاجات وتبرر لهم اللجوء إلى العنف والكراهية. ليصل الجميع إلى مكان لا يعود ممكناً حتى الكلام عن دولة في لبنان وعن مؤسسات واحدة وعن وحدة المصير والعيش المشترك.

الحياة

إنشداد ديبلوماسي إلى حسابات معركة القصير: حزب الله” في مواجهة نتائج لغير مصلحته

    روزانا بومنصف

لم يترك الخطاب الاخير للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله انطباعات ايجابية لدى مصادر ديبلوماسية اجنبية في بيروت طرحت تساؤلات عن النتائج التي يمكن ان يحصدها الحزب من اقحام او توريط طائفته في مواجهة المسلمين السنة في العالم العربي من خلال تجييشه المشاعر ضد من اعتبرهم تهديدا له من الثوار السوريين الذين ادرجهم في خانة التكفيريين. كما تتساءل عن مصلحة الامين العام للحزب في بروز اقتناعات واسعة سياسية وديبلوماسية، لم يبرز ما يدحضها بل على العكس، من ان تدخله في الحرب السورية هو قرار ايراني بموجب ارادة المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية بما سمح ليس باعتبار ان الحزب يأتمر باوامر ايران فحسب وهو امر لا ينفيه الحزب بل ان ايران تورط طائفة شيعية عربية وليست ايرانية او فارسية في وجه المسلمين العرب. وهو امر كفل نشوء خلافات غير معلنة داخل الحزب حول النتائج والتداعيات التي يمكن ان تترتب عليه في ضوء تدخله في سوريا، لكن هذه الخلافات لم تظهر الى العلن.

وفي الوقت الذي يهتم مراقبون ديبلوماسيون كثر بالانتصار الذي وعد به الامين العام للحزب جمهوره في القصير السورية مع الاقرار بتحقيق النظام بمساعدة الحزب تقدما ملموسا في بعض المواقع في ريف القصير وبعض المواقع الاخرى، فان المصادر الديبلوماسية تتحدث عن معلومات تقول انها متوافرة لديها ان حسابات الربح والخسارة في حرب الحزب في القصير لم تعد لمصلحة الحزب حتى في حال نجاحه والنظام السوري في السيطرة على المدينة. اذ تتحدث هذه المعلومات من جهة وعلى ذمة اصحابها الديبلوماسيين عن وجود اعداد كبيرة من الضحايا بين عناصر الحزب اكثر مما اعلن عنه او عرف حتى الآن بحيث لا يبدو ان من مصلحة الحزب في اي حال كشف الاعداد الصحيحة لهؤلاء دفعة واحدة على رغم تشييع الكثيرين. كما انها تبرز عامل الوقت في هذه الحرب بحيث انها لا تعود الى الاسبوعين الاخيرين حين اشتدت الحرب اكثر من السابق، بل الى ما لا يقل عن شهر تقريبا. اذ ان هذه المصادر كانت تابعت باهتمام سؤالا وجهه احد المراجع الرسمية الى مسؤولين في الحزب حول تدخله وكشف علنية تدخله في سوريا في نهاية شهر نيسان الماضي على خلفية بدء المعركة في القصير. فكان جواب المسؤولين في الحزب ان الامر لا يكتسب اي اهمية لان معركة القصير انتهت ولا داعي للتوقف عند تدخله في سوريا بناء على ذلك، ليتبين في الاسبوع الاخير ومع الخطاب الذي القاه السيد نصرالله وتشييع عدد كبير من مقاتلي الحزب ان هذه الحرب لم تنته على عكس ما اشيع لا بل انها لا تزال مستمرة حتى الان. وهو امر له حساباته وتقويمه بالنسبة الى المتابعين الكثر للحزب لجهة ما سيسعى الى توظيفه لمصلحته في لبنان او خارجه اي في مواجهة اسرائيل بالاستناد الى انتصار مفترض في القصير. فالاهمية التي اعطاها لتدخله في المدينة وربطه بانه لحماية ظهر المقاومة تجعل من خسارتها مؤشرا على نكسة للحزب علما ان مدة شهر او اكثر من اجل حسم معركة يساند فيها الجيش النظامي السوري من حيث المبدأ او بالعكس ستخفف اهمية هذا النصر من جهة كما انها تطرح على بساط المتابعة القوة المفترضة للحزب علما ان الحرب ليست قتالا ميدانيا فحسب بل هي ايضا ظروف وعقيدة سياسية او دينية. الامر الذي يقيم فرضية ان الحزب يمكن ان يمنى بخسارة وفقا للمصادر الديبلوماسية نفسها ولو انه من المبكر الجزم بانه سيعوضها مع بقاء النظام في سوريا ام لا. ومن غير المرجح ان يكون بعيدا عن مسامع الحزب ومسؤوليه ايضا الاقتناع الذي يسود اوساطا ديبلوماسية وسياسية عدة من ان جانبا من تدخله في سوريا قد يأتي ايجابا على لبنان في المحصلة من حيث نتائجه وتبعاته.

من جهة اخرى تقول هذه المصادر ان الامين العام للحزب قلل اهمية وجود اتجاه لدى الاتحاد الاوروبي من اجل وضع الجناح العسكري للحزب على لائحة الارهاب. وهو امر لا يراه مهما نتيجة وضعه كليا من الولايات المتحدة على لائحة الارهاب من جهة واعتبار مسؤولين كثرا ان القرار الاوروبي مرن وليس قويا ولا يوجه اكثر من رسالة خصوصا انه قد ينتهي عمليا الى ما يشبه قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحيث تمت تسمية اشخاص من دون شمول الحزب بالتهم التي اوردها القرار الظني حول مسؤولية عناصر من الحزب. الا ان ما قد يكون اكثر اهمية هو ان الموقف الاوروبي يوازن في هذا الموقف وفي توقيته طلب اوروبا من الامم المتحدة تصنيف “جبهة النصرة” تنظيما ارهابيا من جهة واعتبار مسؤولين اوروبيين ان القرار ازاء “حزب الله” هو لكونه يماثل النصرة او يشكل نظيرا لها وفق ما نسب الى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قوله امام مجلس الشيوخ الفرنسي الاسبوع الماضي. فهذا الامر يطيح كليا ما يحاول الامين العام تصويره للغرب من انه يشاركهم الحرب على “الارهابيين” و”التكفيريين” في سوريا.

النهار

من الخداع إلى التهوّر

    عبد الوهاب بدرخان

المسألة في لبنان لم تعد مسألة اطلالات تلفزيونية للسيد حسن نصرالله، بما فيها من حذاقة كلامية ومهارة في المحاججة والتلفيق واخفاء النيات والحقائق، وخصوصاً التهديدات الصريحة، بل أصبحت اصراراً على أخذ البلد الى حافة الهاوية السورية. سقطت كل الحدود الفاصلة، التي كنّا نتخيّلها، بين لبنانية “حزب الله” وايرانيته وسوريته، بين وطنية عمّدها بالدم في مواجهة العدو الاسرائيلي ولاوطنية كرّسها بالدم أيضاً في استخدامه سلاحه، سلاح المقاومة، ضد اللبنانيين والسوريين.

أراد “حزب الله” إيهام اللبنانيين بأن قتاله في سوريا الى جانب النظام حتّمته ضرورات انسانية وواجبات جهادية. ماذا لو قرر النظامان السوري والايراني غداً أن مصلحتهما تقتضي اشعال حرب أهلية في لبنان؟ بالتأكيد سيرضخ الحزب وينفّذ. قد يقال إن هذه ستكون حرباً لا أهدافاً، لكن الحلف الجهنمي يريدها لاستغلالها في المساومات الدولية، وفي ترتيبات ما بعد انهاء الأزمة السورية بإيجاد التواصل الجغرافي والسياسي بين لبنان المخترق من “حزب الله” وحلفائه، ودويلة الساحل العلوي في سوريا.

يعيش اللبنانيون الآن نتائج خطأ واهمال تاريخيين ارتكبتهما الدولة، اذ انقادت طوال أعوام من الوصاية السورية ثم الايرانية، الى تسليم نفسها الى “حزب الله”. لم تستطع أن تتمايز عنه، بل رضخت لترهيبه وتركته يسيطر، حتى أصبحت تحت رحمته وبات العالم يعتبرها “دولة حزب الله”. فالحزب هو الذي يحدد حالياً سقف الكلام والموقف والفاعلية لأقطاب الدولة وللطوائف الاخرى. أكثر من مرّة أنذر حزبيون رئيس الجمهورية بأنه ذهب أبعد مما يجب في الدفاع عن المصلحة الوطنية وعن مكانة الحكم. أكثر من مرّة سأل نصرالله: ماذا فعلت الدولة؟ وأين الدولة؟ وأخيراً قال إن هذه الدولة لم تتعامل مع اسرائيل على أنها عدو، أما هو وحزبه فأصبحا يتعاملان مع الدولة وبالتالي مع الشعب على أنهما العدو الآخر، ولن يترددا في مقاتلتهما.

في خطاب “ذكرى التحرير” كشّر نصرالله عن انيابه وكسر كل الحواجز الاخلاقية ليقول للدولة، للحكومة، للجيش، للبنانيين جميعاً، إنه مستعد لكل ما يتخيّلونه، وأنهم لا يستطيعون شيئاً ضدّه. أمضى الاعوام الثلاثة الماضية وهو يحاول افهام الجميع بأنه خدعهم، ضحك عليهم، وليس أمامهم سوى الرضوخ للأمر الواقع. فالدولة التي يتحدثون عنها عاجزة وفاشلة وغير موجودة، واذا كانت هناك دولة فهي هو، وسيّان عنده أن يفهموا أو لا يفهموا، لأن “جمهوره” يهتف له ويضخّ له رجالاً للموت من أجل بشار الاسد، ولأن هناك خارج جمهوره من يسكتون أو يصفّقون بحسب استفادتهم منه.

لماذا أمضى الوسط السياسي الاسابيع الأخيرة مختبئاً وراء البحث عن قانون انتخابي بائس وحكومة جديدة أكثر بؤساً؟ لأنه لم يرد استفزاز “حزب الله” خلال قتاله في القصير، ولأنه يخشى أن تكون الخطوة التالية للحزب انقلاباً مسلحاً على الدولة… والآن طارت الانتخابات، كما كان متوقعاً منذ عام ونيّف، أما الحكومة العتيدة فمصيرها مبهم.

النهار

رهائن “حزب الله

    موناليزا فريحة

كما النظام السوري، يحارب “حزب الله” في سوريا من أجل البقاء. ومثله ايضاً، يسخِّر دولة بمؤسساتها وشعبها في معركة لن يكون النصر فيها في أحسن الاحوال الا بداية لمعركة أخرى أوسع وأشرس وأعنف.

على خطى جهاديين من لبنان ودول أخرى رموا بأنفسهم في أتون حرب مستعرة منذ أكثر من سنتين، تسلل الحزب الى النزاع السوري بذريعة حماية المقامات الشيعية حينا والدفاع عن القرى الحدودية أحيانا. ومن الباب العريض في القصير، دخل المعركة فريقا أساسيا في حرب النظام على شعبه، قبل أن يعلن أمينه العام مباشرة وبلا مواربة بدء مرحلة جديدة اسمها “تحصين المقاومة وحماية ظهرها وتحصين لبنان وحماية ظهره”.

بالطبع، لم يكن مقام السيدة زينب ولا القرى الشيعية الا بطاقة عبور وهمية للحزب الى النزاع السوري. في مدينة القصير وريفها، يخوض الحزب منذ البداية معركة تحصين نفسه، كما قال السيد نصرالله، ومعه ايضا تحصين النظام السوري والنفوذ الايراني في المنطقة.

في القصير، يسعى النظام الى توفير تواصل جغرافي بين القرى الشيعية والمناطق العلوية على الساحل السوري، وضمان ممر آمن الى طرطوس، المدخل البديل للنفط والاسلحة الروسية في حال سقوط دمشق. وبهذا وذاك، يحاول تثبيت تفوقه العسكري تعزيزاً لموقعه التفاوضي قبل مؤتمر “جنيف – 2″ المفترض. وفي كل هذا يرمي الحزب بثقله وراء النظام السوري، خصوصا أن طرطوس تشكل خط امداد مباشرا للاسلحة من ايران والنظام السوري اليه. وليس خافيا أن الحفاظ على هذه الامدادات مسألة حياة أو موت لـ”حزب الله”.

بكل المعايير، يخوض الحزب في سوريا معركة وجود وبقاء. لا صاروخا الضاحية سيردعانه ولا قتل العسكريين الثلاثة سيغير حساباته، ولا تهديدات اللواء سليم ادريس بملاحقته ستضع حداً للعبة الموت التي يمارسها. بكل المعايير، يجازف الحزب باستقرار لبنان وبمصير شعبه. ففي بلد منقسم بين مؤيدين للنظام السوري ومعارضين له، ليس تورطه المباشر والعلني في سوريا الا صباً للزيت على نار مشتعلة اصلاً. وفي منطقة تستعر فيها النزاعات الطائفية، يخشى أن يصير لبنان ساحة ثالثة لهذا النزاع، بعد سوريا والعراق، بعدما صار “حزب الله” فريقا أساسيا فيها.

بخطى متدرجة ولكن ثابتة، دخل “حزب الله” النزاع السوري. وبالوتيرة نفسها، دفع لبنان الى مصير مجهول. ضرب عرض الحائط سياسة “النأي بالنفس”، وأطاح “اعلان بعبدا”. بعد سنوات على حرب تموز 2006، لم يتوان “حزب الله” عن أخذ الدولة اللبنانية واللبنانيين مجدداً… رهائن.

النهار

سورية والتدخل الخارجي

د. فوزي ناجي

لقد اصبح التدخل الخارجي في سورية مكشوفاً للعيان، ولم يعد بالمقدور إنكاره من قبل الأطراف التي تدعي أنها ضده. جامعة الدول الدول العربية لا تزال تصر رسمياً على رفض التدخل الخارجي في سورية، على الرغم من ان اعضاءها يقومون بذلك منذ بداية الأحداث الدامية في سورية. فالأسلحة كانت تصل الى المعارضة المسلحة بدعم قطري وسعودي بالتعاون مع لبنان وتركيا. ترفض الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً التدخل، بينما ضباط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (C.I.A) يوجدون في جنوب تركيا بالقرب من الحدود السورية لجمع المعلومات عن الأسلحة الكيميائية السورية، وتنظيم ايصال الأسلحة للقوى المعارضة المتعاونة معهم، حسبما ذكرت صحيفة ‘التليغراف’ بتاريخ 20.7.2012. كما أشارت مجلة ‘فوكوس′ الأسبوعية الألمانية بتاريخ 23.12.2012 الى وجود قوة فرنسية كانت قد دخلت الى سورية قبل ذلك التاريخ بعدة اشهر عن طريق الاردن. كما توجد في سورية ايضاً وحدة اسرائيلية خاصة تعمل بسرية، حسبما نشر في صحيفة ‘الصاندي تايمز′ بتاريخ 12.12.2012. الدعم العسكري الايراني للنظام السوري يتواصل عن طريق الأراضي والأجواء العراقية. كما يتزايد النشاط الروسي لدعم نظام الاسد عسكرياً في الآونة الأخيرة.

ان قتال حزب الله الى جانب النظام السوري لم ينكره السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله. وقد أكد نصرالله أن حزبه يقوم بذلك بدوافع لا تمت للطائفية بصلة، وانما لأن نظام الاسد، حسب قناعة نصرالله، يعتبر سند المقاومة وحامي ظهرها، والمقاومة لا يمكن ان تقف مكتوفة الأيدي إزاء كسر ظهرها أو قتل حاميها، كما جاء في خطاب نصرالله بتاريخ 25.5.2013.

من المعروف ايضاً للقاصي والداني ان هناك قوى اسلامية متطرفة تقاتل ضد النظام السوري، ليس من أجل إنشاء نظام ديمقراطي، فمبادئها تتعارض تماماً مع مبادئ الديمقراطية، وإنما لمقاومة العلويين والشيعة في كل اماكن وجودهم وإنشاء نظام إسلامي لا يعترف الا بأفكارهم التي تتعارض مع المبادئ السمحة للدين الاسلامي العظيم، دين الوسطية والاعتدال الذي يحترم الانسان بغض النظر عن دينه او جنسيته. القوى المتطرفة تكفر المسلمين الآخرين المخالفين لها في الرأي، فما بالك بالمشاعر التي يكنونها لاتباع الديانات الأخرى. تتعارض مبادئ هذه القوى ايضاً مع المبادئ العظيمة للثورة السورية السلمية في بدايتها، المطالبة بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية لجميع افراد الشعب السوري، من دون تمييز للعرق او الدين. سورية يجب ان تكون لجميع مواطنيها، مسلمين ومسيحيين، عرباً وأكراداً، او لمن ينتمون لأي قومية اخرى. سورية الثورة يجب ان يكون هدفها تحقيق الأمن والاستقرار والمساواة والعيش الحر الكريم لجميع مواطنيها.

قدِمَت القوى المتطرفة من دول عربية وأجنبية مختلفة ودخلت الى الأراضي السورية بمساعدة دول الجوار، ألا يعد ذلك تدخلاً في الشأن السوري من قبل هذه الدول؟ الا يحق لنا ان نتساءل عن اسباب ذلك؟ هل السماح لأعضاء القاعدة او من يدور في فلكها بالدخول لسورية يساهم في تحقيق الديمقراطية وإقامة العدل والمساواة والأمن والاستقرار للشعب السوري؟ هل إصرار السعودية والامارات العربية المتحدة على زيادة عدد اعضاء الائتلاف الوطني السوري ثلاثين عضواً إضافياً، من اجل الحد من سيطرة الاخوان المسلمين الذين تدعمهم قطر، لا يعتبر تدخلاً سافراً في الشأن السوري؟ هل يسعى ‘أصدقاء سورية’ لتحقيق اماني الشعب السوري، أم يريدون تحقيق اجنداتهم الخاصة؟ هل تفتيت سورية الى دويلات طائفية هو المطلوب؟ هل عندنا القدرة على التمييز بين العدو والصديق؟

من ساهم بشكل او بآخر في مساعدة دخول القوى الاسلامية المتطرفة الى سورية لا يمكن ان يحسب من اصدقاء سورية الحقيقيين، وانما ممن يعملون على تفتيت سورية الوطن ونسيجها الاجتماعي وسرقة ثورتها العظيمة وإعادة سورية الى عصور الجهل والظلام.

يعتقد الرئيس الروسي بوتين بأن الغرب واسرائيل يريدون صوملة سورية، وقد ذكر ذلك لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، اثناء زيارته لاسرائيل في حزيران/يونيو من العام الماضي. أما نتنياهو فلا يعارض بتاتاً ان يقوم بوتين بتسمية الرئيس السوري الجديد خلفاً للاسد، اذا التزم الرئيس السوري القادم بقطع علاقته مع ايران.

جميع القوى الخارجية المشاركة او الداعمة للقتال الدائر في سورية تهدف لتنفيذ اجنداتها الخاصة، سواءً التي تدعم النظام او التي تسعى للاطاحة به. أما الشعب السوري ومصالحه المشروعة فليست على جدول أعمال هذه القوى. الشعب السوري هو الضحية لهذا الصراع الاقليمي والدولي. إذا استوعب المتقاتلون السوريون هذه النتيجة، عليهم وقف القتال والبحث معاً عن حل سياسي ينقذ ما يمكن إنقاذه من سورية، ويحافظ على وحدتها الوطنية التي بدونها ستتفتت سورية ويكون الشعب السوري كله الخاسر الوحيد.

انعدام الرؤية عند البعض من حكام امتنا العربية افقدهم القدرة على تمييز عدوهم من صديقهم، وجعلهم يلهثون وراء السراب حفاظاً على كراسي حكمهم التي ستقتلعــــها شعوبهم من تحتهم ليهووا الى الحضيض إذا لم يتداركوا امورهم ويزيلوا الغشاوة عن عيونهم ويبتعدوا عن التعاون مع اعداء الامة العربية من اجل مصالحهم الخاصة.

‘ أكاديمي فلسطيني مقيم في المانيا

القدس العربي

احتراما لحدود لبنان وسوريا

ساطع نور الدين

 انها الاثمان الباهظة للتورط اللبناني في سوريا.

الردود التي تأتي اليوم من وراء الحدود الشرقية والشمالية، لا تختلف كثيرا عن الردود التي طالما جاءت من تلك النواحي. وكان فيها الكثير من القصف والعنف والعبث السياسي. لكنها هذه المرة تخيب الامل الذي لاح في مستهل الثورة السورية بتغيير ذلك المسار والمصير البائسين.

 لم يحفظ اللبنانيون التاريخ. ولن يحترم السوريون الجغرافيا. لعل الظرف الحالي الناجم عن انفجار البركان السوري ومسارعة اللبنانيين الى القفز في أتونه، يرسخ هذه القاعدة التي لا تزال تحكم العلاقات الثنائية بين الشقيقين الجارين،علما بان الممارسات المتبادلة والعابرة للحدود المشتركة المعترف بها حتى الان لا تدع مجالا للشك في ان المرحلة المقبلة ستكون اصعب من ذي قبل على البلدين والشعبين.

ثمة مشكلة عميقة جدا في الصلات اللبنانية السورية. لا مجال لتجنب مثل هذا الاعتراف. وهي مشكلة ساهم النظامان السياسيان الحاليان في بيروت ودمشق في تعميقها، لكنها في الاصل ناجمة عن عقود من الريبة المتبادلة والموروثة منذ استقلال الدولتين عن بعضهما ثم عن الاستعمار الفرنسي، وهي ماضية كما يبدو مع المعارضة السورية التي يبدو انها تستكمل تجربة النظام الحالي المتهاوي، وتراكمها على سجل حافل بالتوتر العابر للحدود في الاتجاهين.

في الظرف الراهن، لا جدال في ان لبنان هو البادىء، وبالتالي هو الاظلم، سواء كان يعبر الحدود من اجل دعم النظام السوري، او كان يتسلل منها لدعم الثورة السورية. في الحالتين خرق فاضح ليس فقط لما هو مرسوم ومعترف به بين البلدين،بل لابسط قواعد السياسة وادنى مراتب الحكمة. لم يبحث احد من اللبنانيين عن بدائل لمثل هذا الخيار الخطير. بل كان الجميع يعتبر نفسه ومنذ اللحظة الاولى طرفا وشريكا مع احد فريقي الصراع السوري.

كان الامر بمثابة استدعاء واعٍ للكارثة، فرضته الشروخ العميقة في المجتمع اللبناني، التي ادت الى تهور في الذهاب الى سوريا، ومن دون اي تقدير لمستوى الاحقاد السورية الدفينة التي انفجرت دفعة واحدة وادت الى هذا السيل الجارف من الدماء والى تلك الممارسات الوحشية التي لم يسبق لها، من قبل طرفي الصراع.. والتي لن يشفى منها المجتمع السوري حتى بعد اجيال على الاطاحة بالنظام الحالي.

هذه المظاهر السورية المرعبة لم تشكل رادعا لاي لبناني، بل زادت الحماسة الى المزيد من التورط، حتى تحول لبنان من فناء خلفي لذلك الصراع الى واحدة من جبهاته الامامية، التي ينطبق عليها ما ينطبق على جبهة القصير او حمص او ريف دمشق او درعا.. حيث تدور معارك ضارية، تستخدم فيها جميع الاسلحة والاساليب المحرمة، التي تستبطن نزعة الى استئصال الاخر وتصفيته نهائيا. وهكذا يرتفع عدد الضحايا اللبنانيين يوما بعد يوم، سواء العائدين من الجبهات السورية،الذين اختاروا هذا الموت بملء ارادتهم وكامل وعيهم،او الذين يتسللون عبر الحدود لمهمات خاصة، ومحدودة ، او الذين يقفون عند هذه الحدود ، مثل الجيش اللبناني الذي كانت خسارته الاخيرة لثلاثة من جنوده مؤلمة حقا،خصوصا وانها تهدد اخر حصن يمكن ان يحتمي فيه اللبنانيون من حمم البركان السوري .. ويتفادوا تحول شوارع مدنهم وبلداتهم الى خطوط تماس مشتعلة، على ما تعد به طرابلس وصيدا وغيرهما.

لبنان في مرمى النيران السورية التي نفخ فيها حزب الله بشكل جنوني اخيرا، من دون ان يدرك ان خرق الحدود لن يبقى في اتجاه واحد.. لا سيما وان لدى الاشقاء السوريين خبرات وتجارب لا تزال حية في الذاكرة في اتقان مثل هذا الخرق، والوصول بسهولة الى العمق اللبناني، استنادا الى خرائط مواقع واهداف موزعة على امتداد الجمهورية اللبنانية، لم يسلم اي منها من تجارب القصف السوري طوال حقبة “الردع” التي استطالت نحو ثلاثين عاما.. ربما باستثناء المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني.

اخطر ما في قرار حزب الله الاخير انه يدعو المعارضة السورية التي تقاتل اليوم على مختلف الجبهات، الى التعامل مع الجبهة اللبنانية على النحو الذي اعتمده النظام في الماضي. وما التهديدات الصادرة عن المعارضين السوريين، الذين لم يتورع احدهم عن التلويح باعادة الجيش السوري مجددا الى لبنان بعد تغيير النظام ، سوى دليل على ان احدا في لبنان وسوريا لم يستخلص العبر ولم يفكر في تبديل المسار والمصير . وفي هذه الحالة يصبح قصف الضاحية الجنوبية لبيروت والهرمل واستهداف الجيش اللبناني عمدا، مقدمة لما ابعد من الرد على حماقة لبنانية ترتكب داخل الحدود السورية.. ولما اسوأ بكثير من المعادلة السابقة التي كانت تقضي بان يكون لبنان هو المقاوم وسوريا هي الممانعة.

كان ولا يزال يتوقع من المعارضة السورية سلوك وخطاب مختلف تجاه لبنان، الذي لا يصح ان يكون جبهة، والا فان النظام السوري وحلفاءه اللبنانيين هم الكاسبون.

المدن

نصر الله ليس غبيا.. ونحن كذلك!

محمد كريشان

بإمكان أي كان أن يتهمه بأي شيء إلا الغباء، أعداؤه والمفتونون به على حد سواء مجمعون على هذه النقطة على الأقل. ولأنه ليس كذلك، فالأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أقر في خطابه الأخير بأن’ الغبي هو الذي يتفرج على الموت والحصار والمؤامرة تزحف دون أن يحاول مواجهتها’ ذلك أن ‘سوريا هي ظهر المقاومة وهي سند المقاومة، والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي ويكشف ظهرها أو يكسر سندها. أقول هذا بصراحة وألا نكون أغبياء’.

ولأنه بالتأكيد ليس غبيا فهو ما كان له أن ينتظر أن تدور الدوائر على نظام بشار الأسد حتى يلتف الحبل على عنقه بعد أن يكون دق عنق حليفه. الكل بإمكانه أن يفهم ذلك بما فيهم إسرائيل التي تحفل تعليقات صحافتها هذه الأيام بعبارات من نوع أن حزب الله يخوض في سوريا حرب بقاء لأن سقوط الأسد سيجعله ليس فقط محروما من شريان الحياة الذي يمده بالسلاح من إيران وإنما أيضا في مواجهة متوقعة مع محيطه في الوطن وحوله.

كل ذلك صحيح فالحزب يدرك تماما، وهو ليس مخطئا على كل، أن ما يجري في سوريا بغض النظر عن حيثياته ووجاهته ومشروعية مطالب الناس في الكرامة والحرية لا يمكن في النهاية إلا أن يؤدي، إذا ما سقط نظام بشار الأسد، سوى إلى تلقي محور إيران سوريا حزب الله ضربة قاسية وقد تكون قاسمة. ولهذا قرر الحزب منذ البداية أن يدير ظهره للسوريين المظلومين والمقهورين وأن يصطف، بشكل تصاعدي، مع النظام سياسيا في البداية ثم عسكريا بشكل علني عندما شعر بأنه ‘يا روح ما بعدك روح’.

نصر الله، بهذا المعنى، لم يكن غبيا بالتأكيد لأنه اصطف مع من هو مدين له بالبقاء ومن سيصبح من بعده يتيما ذليلا. نحن أيضا لسنا أغبياء لكي لا نفهم ذلك، حتى وإن كان هناك من يردد، بمثالية جميلة، بأن مصلحة حزب الله مع شعب سوريا وليس نظامها. ولكن لا أدري لماذا يفترض زعيم حزب الله بأننا نحن الأغبياء حتى نقبل مبهورين بخياره هذا، المصلحي أو حتى الميكيافيلي، على أنه اصطفاف ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، والأدهى من الكل، على أنه اصطفاف من أجل فلسطين. نحن أيضا يا سيد حسن نصر الله لسنا أغبياء!!

قاتل مع من تشاء ودافع عمن تشاء وبرر كما تشاء انتقالك من القول إنك في سوريا للدفاع عن عائلات شيعية ومزارات دينية إلى الدفاع عن نظام إن سقط ضاعت معه فلسطين والضفة وغزة والجولان. أنت سيد نفسك فلتفعل ما يحلو لك… ولكن أرجوك أن تقدر أننا أيضا لسنا سذجا حتى نرى ما تريد لنا أن نراه، بغض النظر عما إذا كنت قلته صادقا أو كنت ضمن زمرة المتاجرين بقضية الشعب الفلسطيني الذين حفل بهم تاريخه المسكين طوال عقود.

النظام الذي تقاتل إلى جانبه لم يفعل شيئا لاستعادة أرضه المحتلة، ولا نقول فلسطين، وقتل من أبناء شعبه ومن الفلسطينيين واللبنانيين ما لا يقارن بمن قتل من الأعداء. أنتم أيضا أخذتكم الحمية إلى القصير وليس إلى مزارع شبعا التي لم نعد نسمع لها حسا. هذا النظام لو أبدى من البأس مع إسرائيل ما أبداه مع شعبه لكنا نتبختر الآن متنزهين في شوارع حيفا وما بعد حيفا. هل ما زلت تذكر هذه الجملة؟!! يوم قلتها كانت كل الأفئدة تهفو لكل حرف تقوله ولكنها اليوم ليست مستعدة أن تذهب معك إلى معركة ليست معركتها حتى وإن كنت تعدونها بالنصر.. وعلى من؟! وقتها أحبك العرب جميعا ولم ينظروا لا إلى مذهبك ولا إلى عمامتك السوداء ولا إلى تهمة موالاة طهران التي تلاحقكم كظلكم، لكن ليس معنى ذلك أنك قادر على أن تستهبلهم اليوم بالحديث عن المقاومة والممانعة وأنت تقف مع الظالمين، قاهري شعوبعم ومشرديه . الرجال تـُـعرف بالحق ولا يـُـعرف الحق بالرجال.. أتذكرون من قائل ذلك يا سيد حسن …إنه الإمام علي رضي الله عنه.

القدس العربي

تورط «حزب الله» في سورية والرد الأميركي

راغدة درغام

لخّص مسؤول روسي كبير تقويم موسكو لما يجري في سورية وحولها بقوله «الأمور تسير على أحسن ما يرام». وشخّص مسؤول أميركي موقع الرئيس باراك أوباما إزاء التطورات السورية قائلاً بعد اجتماعه به مطوّلاً انه «يقع في حيرة». هذه الخلاصة للموقعين الأميركي والروسي مؤسفة بل يستحق التنديد كل من الاحتفاء الروسي بإنجازاته الكريهة في سورية والاختفاء الأميركي عن المشهد السوري بكل تحقير للاعتبارات الإنسانية. دخلت سورية اليوم نفقاً آخر من الظلام القاتم بمساهمة روسية وأميركية. وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتعانق مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في رقصة التانغو الديبلوماسية على وقع جعير الموت الآتي من سورية.

اللاعبون الإقليميون تورطوا في سورية وباتوا رعاة الحروب التي تُدار من أجل الأدوار التي تسحق أجيال سورية وترميها في أحضان الدمار. «حزب الله» جاهر بخوضه الحرب السورية بالرجال والسلاح فيما عقدت القيادة الإيرانية بالموازاة مؤتمراً لأصدقاء سورية عنوانه الرئيسي ضمان دور إيران في رسم مصير سورية. دول مجلس التعاون الخليجي المعنية بالملف السوري «شخصنت» سياساتها كعادتها واعتمدت تكتيك الرد بدلاً من الالتزام بتنفيذ متكامل لاستراتيجية. كل هذا فيما تفاقم الرعب في الدول المجاورة، بالذات لبنان والأردن، من انفجار البنية التحتية فيهما نتيجة تدفق اللاجئين إليهما. كل هذا فيما مضى النظام في دمشق في إقناع نفسه بأنه مقبل على النصر منفذاً تعهداته بأن إما له الانتصار في سورية وإما أن يكون مصير البلاد الانهيار.

مرة أخرى، يترافق التسابق على التسليح مع السباق نحو طاولة الديبلوماسية والحلول السياسية الموعودة لسورية. ما ساهم في تفعيل السِكّتين – سكّة موازين القوى العسكرية على الأرض وسكّة المفاوضات السياسية في مؤتمر دولي – هو دخول «حزب الله» علناً طرفاً في النزاع المسلح لصالح النظام في دمشق وما أسفر عن ذلك من تعزيز موازين القوى العسكرية لصالح محور الممانعة الذي يضم إيران و «حزب الله» والنظام في دمشق إلى روسيا ومعها الصين.

مصادر مطلعة على معلومات صنع القرار الأميركي أفادت أن التغيير الأبرز في الموقف الأميركي تمثّل في تعبير «عرّفنا الآن هوية شبابنا» في سورية.

هذا يعني أن الإدارة الأميركية توقّفت – أقله حالياً – عن الترفّع التام عن إمداد المساعدات العسكرية المباشرة وغير المباشرة – باختلاف نوعياتها – إلى المعارضة السورية. يعني أيضاً أنه تم التمييز بين المعارضة المعتدلة وبين القوى المتطرفة في المعارضة السورية التي تخشى الولايات المتحدة أن تدعمها خطأٍ فتُلام على دعم أمثال «جبهة النصرة» أو «القاعدة» أو الإرهاب.

تحديد هوية «شبابنا» يعني أن الاستخبارات الأميركية وجدت في المعارضة السورية مَن تعتبرهم موضع ثقة وأن واشنطن جاهزة الآن للسماح بتسليحهم. يعني أن الرئيس الأميركي الواقع في «حيرة» تطلع جنوباً ويساراً ورأى أن امتناعه عن الانخراط يعني أنه يقوم بتقديم سورية هدية إلى إيران تماماً كما سبق وقدّم سلفه جورج دبليو بوش العراق إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. يعني أن باراك أوباما أعاد النظر قليلاً في معنى السماح بانتصار إيران و «حزب الله» في سورية وأبعاد ذلك الانتصار إقليمياً، فاستدرك. يعني أيضاً أنه نُصح أن يفكر ليس فقط بإرضاء روسيا في سورية وإنما أن يفكّر ملياً بإفرازات نقمة السنّة في أعقاب تسليم سورية – بعد العراق – إلى القيادة الشيعية المتمثلة الآن بإيران وما يترتب على ذلك من انتقام المتطرفين الجهاديين من السنّة بأعمال إرهابية داخل البيت الأميركي وضد مصالحه الدولية.

المرشح السابق للرئاسة السناتور الجمهوري جون مكاين تحدث صراحة في المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت الأسبوع الماضي عن ضرورة تعزيز الدور العسكري للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في سورية. تحدث عن كل خيار باستثناء تواجد عسكري مباشر للجنود الأميركيين في الحرب السورية وشمل ذلك فرض حظر الطيران. الأهم، أن جون مكاين توجّه إلى الداخل السوري واجتمع، بعلم البيت الأبيض، بقيادات عسكرية الأرجح أن بعضها من «شبابنا» الذين عرّفتهم الإدارة الأميركية.

هذا التحوّل في الموقف الأميركي قد يكون تكتيكياً وقد يكون استراتيجياً. الواضح أنه لم يأتِ من فراغ. ولعل وضوح الدور الإيراني العسكري المباشر وعبر «حزب الله» ساهم في إعادة النظر في الترفع الأميركي عن الانخراط. وبالتأكيد، رأت روسيا أن هذا الدور العسكري المباشر لإيران و «حزب الله» ليس مفيداً لما وضعته مؤخراً كأولوية لها وهو المؤتمر الدولي – كما تسميه – وليس جنيف – 2 بحسب التسمية الشائعة.

نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، في حديث معمق ومهم مع «الحياة» أثناء انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت، أوضح انزعاج موسكو من الانخراط العسكري عبر «حزب الله». قال إن التدخل «من حزب الله أو أي دولة أو طرف هو تدخل غير منتج للعملية السياسية» وإن أي «تدخل خارجي في الأزمة السورية سيزيدها اشتعالاً».

روسيا تنفي أن يكون دورها في سورية تدخلاً يزيد سورية اشتعالاً. الأسلحة التي تقدمها للنظام، بسحب غاتيلوف، «أسلحة دفاعية صرف لا تُستخدَم في حرب أهلية كمضادات الطائرات». هدفها، كما أوحى، هو الرد على اعتداء إسرائيلي على رغم أنه عارض قطعاً فتح جبهة الجولان أمام المقاومة، كما يريد «حزب الله». وما كان مبطّناً في إجابته هو أن أحد أهداف هذه الأسلحة هو الرد على أعمال عسكرية من حلف شمال الأطلسي، إذا وقعت فعلاً.

فموسكو تسير بحذر بين السِكتين العسكرية والسياسية حرصاً على صياغة علاقة مميزة مع واشنطن يحصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ما يريد منها بموجب الصفقة الكبرى، أو ضماناً لاستمرار موازين القوى العسكرية لصالح حلفائها في محور الممانعة.

في هذا المنعطف، تنصب الديبلوماسية الروسية على حياكة العلاقة مع الإدارة الأميركية عبر «الكيمياء» بين سيرغي لافروف وجون كيري. فلقد انزلقت العلاقة مع وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في أعقاب تراجع لافروف عما تم الاتفاق عليه في جنيف – 1، أي عملية سياسية انتقالية جدية في سورية تستبدل الرئيس بشار الأسد ونظامه تدريجياً. اليوم، يلتقي الرجلان بعضهما تكراراً بابتسامات عريضة، وبالأحضان. فلافروف المخضرم في الملف السوري يجد في كيري رجلاً جديداً على الساحة آتياً من ماضٍ تميّز بإعجاب كان يكنّه بعمق لبشار الأسد وعقيلته أسماء. يجد فيه الفرصة المؤاتية لتحضير قمة تجمع بعد أسبوعين باراك أوباما وفلاديمير بوتين كقائدين على قدم المساواة لدولتين «عظميين» في سورية وليس لدولة القطب الواحد القائد.

مؤتمر جنيف – 2 محطة تمهيدية تفضّل موسكو أن تسمّيها المؤتمر الدولي لأنها تريد الحديث عن الصفقة الكبرى عبر سورية – وهذا يتطلب من وجهة نظرها بالضرورة أن تكون إيران على الطاولة وجزءاً أساسياً من التفاهمات. غينادي غاتيلوف كان صريحاً بقوله إن لإيران دوراً مهماً في سورية وإن المملكة العربية السعودية وقطر تخطئان في معارضتهما انضمام إيران إلى مؤتمر البحث في مستقبل سورية. بل إنه قال علناً أن لا مانع أن تكون إسرائيل أيضاً على طاولة المؤتمر الدولي في شأن سورية ومستقبلها.

منطقياً، إذا تم عقد مؤتمر دولي حول سورية، يجب أن تشارك فيه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لا سيما أن اثنتين منها – روسيا والصين – تنضمان إلى حلف الممانعة الداعم للنظام في دمشق. يجب أيضاً، منطقياً، أن تشارك الدول التي تلعب أدواراً مباشرة في الحرب السورية وعلى رأسها إيران دعماً للنظام والسعودية وقطر دعماً لإسقاطه. بل أن لإسرائيل أيضاً دوراً بصفتها جارة مباشرة لسورية، وكذلك العراق والأردن ولبنان بشقه الرسمي وبشق «حزب الله» منه الذي يحارب في سورية – هذا منطقياً. إنما سياسياً وواقعياً، تدرك موسكو استحالة جمع إسرائيل وإيران والمملكة العربية السعودية على طاولة واحدة. لذلك، إنها تركّز على إيران بهدف تشريع دورها داخل سورية – وهذا ما تعارضه الدول الخليجية.

مواقف العديد من دول مجلس التعاون الخليجي تشوبها أخطاء «شخصنة» الصراع في سورية وكأن هذه حرب انتقام شخصي وتعهدات الكبرياء. إسقاط النظام في دمشق بات هدفاً معلناً لدول خليجية ارتأت أن تضع ذلك الهدف نصب عيونها. ليس هناك استراتيجية تطمئن إلى اليوم التالي. ليس هناك في الواقع أية استراتيجيات وإنما هناك سلسلة تكتيكات في حرب الاستنزاف التي «أفغنت» سورية وشرّعتها على الحروب المذهبية. حتى المعونات إلى الدول المجاورة لاستيعاب اللاجئين تُقطّر و «تُشخصَن». مجلس التعاون الخليجي يجب أن يعقد اجتماعاً طارئاً يتمعَّن في معنى انتقال النزاع إلى العراق أو إلى الأردن أو لبنان. فالإجراءات الاستباقية ضرورة مُلحة تشمل تقاسم دول الخليج عبء اللاجئين والنازحين بدلاً من الهروب إلى الأمام. الأردن خائف من استخدام تدفق اللاجئين إليه لتسريب عناصر متطرفة بمهمة ضرب استقراره وزعزعة الحكم فيه. هكذا يمكن الانتقام من الأردن وتسليمه هدية إلى إسرائيل التي طالما قالت وأثبتت أنها لا تريد أي حل للمسألة الفلسطينية وأن الحل الوحيد في رأسها هو تحويل الأردن إلى الوطن البديل للفلسطينيين.

لبنان مهدد بنيوياً بسبب إنكاره أزمة تدفق اللاجئين لأسباب سياسية ومذهبية في الوقت الذي تهدد فيه هذه الأزمة بانهيار البنية التحتية. الانصباب على مسألة الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة جديدة شغل البلد كله بعيداً عن خطر انهيار بنيته التحتية. وبعدما تمخض الجبل، انتج الفأرة التي كانت مخبأة في صدر الفاعلين الذين أرادوا أساساً إجهاض إجراء الانتخابات في موعدها وعدم السماح بحكومة مختلفة عن حكومة الرئيس المستقيل نجيب ميقاتي التي كان دور «حزب الله» فيها واسعاً وعميقاً جذرياً. هكذا نجح «حزب الله» وحلفاؤه في «8 آذار» بتأجيل إجراء الانتخابات اللبنانية إلى ما بعد الانتخابات السورية المزمع عقدها بعد سنة مع الاحتفاظ بحكومة من صنف يلائمهم.

البعض يرى أن في ذلك شراء لاستقرار يحتاجه لبنان أشد الحاجة. أي أن إرضاء فريق «حزب الله» مع انشغال الحزب في الحرب السورية ومستنقعها قد يرحم لبنان من مفاجأة أمنية عسكرية تدمره. البعض الآخر يخشى أن يأتي الانتقام من تورط «حزب الله» في الحرب السورية إلى داره في لبنان وذلك من أجل إشغاله في بلاده عن استمراره في بلادهم في تغيير المعادلة العسكرية.

لا أحد يضمن هذا السيناريو أو ذاك لا سيما عندما تخوض حروب سورية أطياف وأشكال من المقاتلين الذين يستفحلون في استنزاف بعضهم البعض في المعارك المذهبية.

الحياة

معركة “حزب الله” مع الشعب السوري

خيرالله خيرالله

أكّد الخطاب الاخير للسيّد حسن نصرالله أن خطورة زجّ “حزب الله” بمقاتليه في أتون الصراع السوري لا تقتصر على لبنان وحده. تنسحب هذه الخطورة ايضا على المنطقة كلّها بما فيها سوريا، خصوصا في ضوء ما شهدناه وما زال نشهده لدى الجار العراقي. هناك محاولة واضحة لاعطاء الصراع على سوريا طابعا مذهبيا فاقعا. الاكيد أن شعارات من نوع “الممانعة” و”المقاومة” لا تغطي ما يرتكبه “حزب الله” بناء على طلب مباشر من ايران. تكمن مشكلة نصرالله في أنّه لم يتمكن من ايجاد مثل هذه التغطية على الرغم من ذهابه بعيدا في الاستعانة بكلّ ما يمت لفلسطين بصلة.

كلّ ما يفهمه السوري واللبناني والعراقي والخليجي، عموما، هو أن حزبا مذهبيا تابعا لايران، أقام دويلة له في لبنان، ارسل عناصره اللبنانية الى الاراضي السورية لنصرة نظام طائفي أقلّوي يحكم سوريا منذ ما يزيد على اربعة عقود بالحديد والنار. هذا كلّ ما في الامر. ما يفهمه أيضا أيّ عربي يعرف الف باء السياسة أنّ ايران قررت الغاء الدولة اللبنانية واعتبار لبنان مجرد “ساحة” أو نقطة انطلاق لتنفيذ سياسات معيّنة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالشعب اللبناني ومصالحه.

هناك خوف ايراني على النظام الطائفي في سوريا، ولذلك كان لا بدّ من توفير كلّ دعم ممكن له من لبنان والعراق وايران نفسها وحتى عن طريق اسلحة تشترى من موسكو التي لا يهمها عدد السوريين الابرياء الذين يقتلون يوميا.

ما نشهده في سوريا اليوم، بدليل ما خرج به نصرالله في خطابه، هو مرحلة اخيرة من عملية بدأت في العام 1966 استهدفت في نهاية المطاف تغيير طبيعة المجتمع السوري.

شارفت هذه العملية على نهايتها بعدما صرنا في الفصل الاخير منها. تبيّن أن هذا الفصل يتطلب أيضا، في الجانب اللبناني منه، تغيير طبيعة المجتمع اللبناني والموقف التقليدي للبنان مما يدور حوله وحتى تغيير الحدود الجغرافية للوطن الصغير عبر ربط مناطق سيطرة “حزب الله” في البقاع اللبناني بمناطق سورية مطلوب أن تجري فيها عملية تطهير مذهبي تشمل تهجير سكّانها السنّة.

كذلك، يتطلب هذا الفصل دعما مستمرّا للنظام السوري ان عن طريق ايران أو عبر ميليشيات مذهبية عراقية ومساعدات مالية من حكومة بغداد. يحصل ذلك للأسف الشديد بغطاء توفّره روسيا التي يبدو همّها محصورا في كيفية ابقاء الشرق الاوسط في حال من التوتّر واللاتوازن.

في العام 1966، يوم الثالث والعشرين من شباط- فبراير تحديدا، كان الفصل الاوّل. يومذاك، باشر الضباط العلويون في احكام سيطرتهم على المؤسسات الامنية وعلى القوات المسلحة السورية. قضت الخطوة الاولى في هذا المسار بالعمل على التخلص من الجناح المدني في حزب البعث الذي نفّذ انقلاب الثامن من آذار-مارس 1963 بحجة رفضه الانفصال عن مصر. استهدف هذا الانقلاب قطع الطريق على عودة بورجوازية المدن السورية، أي العائلات الكبيرة، الى حكم سوريا.

منذ 1966، التي أسست لهزيمة 1967، ثم لانفراد حافظ الاسد بالسلطة في 1970، استطاع النظام، بفضل الطائفة، حتى السنة 2000، ثم العائلة والطائفة في عهد بشّار الاسد، إحكام قبضته على سوريا…وحتى على لبنان في مرحلة ما استمرّت حتى العام 2005.

أجرى النظام السوري كلّ الحسابات الممكنة. وأقام كل التحالفات التي تسمح له بالسيطرة الكاملة على البلد. لعلّ أهم ما فعله هو اغلاق جبهة الجولان المحتلّ وابقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة. لم تكن اسرائيل، حتى العام 2006، ضدّ هذه المعادلة. فاسرائيل أصرّت، لدى وضع “خطوط حمر” لدخول القوات السورية الى لبنان في العام 1976، على بقاء الجنوب اللبناني تحت سيطرة “المسلحين الفلسطينيين” التابعين لمنظمة التحرير بحجة أنها في حاجة الى “مناوشات معهم بين بين وآخر”.

ما فاجأ النظام السوري ومعه كلّ حلفائه بدءا بايران هو الشعب السوري. تبيّن أن عملية ترويض هذا الشعب، التي استمرّت ما يزيد على اربعة عقود، باءت بالفشل. هذا ما لم يستوعبه الامين العام لـ”حزب الله” الذي يرفض الاعتراف بأنه زجّ شبانا لبنانيين في معركة ذات طابع مذهبي مع شعب يريد استعادة حريته وكرامته ليس الاّ.

ما دخول “حزب الله” ومن خلفه ايران على خطّ المشاركة المباشرة والمعلنة في المعارك الدائرة في الاراضي السورية سوى دليل على هذا الفشل. أكثر من ذلك، انّه دليل على العجز عن التمييز بين نظام انتهى وشعب يقوم بثورة.

لم يعد السؤال مرتبطا بمستقبل النظام السوري. النظام صار من الماضي. اضطرار “حزب الله” لاعلان مشاركته في القتال يؤكّد ذلك. السؤال الحقيقي ما الذي سيترتب على المشاركة الايرانية عن طريق ميليشيا مذهبية عناصرها لبنانية على الوضع الاقليمي برمته.

هل من حاجة بعد الآن الى تأكيد ما صار معلومات عامة عن أن كلّ شيء تغيّر في الشرق الاوسط وأن ما يهدد المنطقة الممتدة من العراق الى لبنان مرورا بسوريا، صار النزاع ذا الطابع المذهبي أكثر من أي شيء آخر؟

ما فعلته ايران، عن طريق “حزب الله” هو تأجيج لنزاع لا يزال في بدايته ضرب العراق ثم سوريا وها هو يضرب لبنان. كلّ ما يمكن قوله أن ايران اقدمت على مخاطرة كبيرة. هل يستأهل الدفاع عن النظام السوري الساقط مثل هذه المخاطرة التي لا يمكن الاّ أن تصب للاسف الشديد في مصلحة اسرائيل؟

المستقبل

إلى أين يريد “حزب الله” أن يوصلنا؟!

إنّ المشكلة إذن، وزبدة التورّط، ومنطلق انغماس “حزب الله” في الحرب الدائرة في سوريا لم يكن بتاتاً وعلى الاطلاق، كما سبق للسيد نصرالله أن أشار قبلاً، يكمن في ذلك التداخل البشري والسكاني بين جهتي الحدود اللبنانية السورية للذود والدفاع عن أولئك اللبنانيين الذين شاءت الجغرافيا أو سايكس بيكو أن تباعد بينهم وبين وطنهم الأم. لذا أصبح لزاماً علينا الآن أن نعترف ونقرّ أنّ ما سبق لنا منذ أكثر من سنة أن طالما سمعناه من محطات التلفزة الخاصة بالمعارضة السورية عن تورّط الحزب في الحرب الدائرة في سوريا كان حقيقياً، بل أكثر من ذلك عن اتهام الحرس الثوري نفسه بالمشاركة في القتال.

نذكر كيف بدأ اللغط والهمس والإشاعات يملأ الأجواء عندنا وتنتشر أنباء قاتمة سوداء حول جثامين تُنقل إلى لبنان لتدفن بعيداً عن الإعلام. وكان الحزب في الواقع قد حزم أمره على أعلى المستويات للتدخّل عسكرياً في المعركة دفاعاً عن نظام بشار الأسد الكلباني الاستئثاري الاوتوقراطي الدموي في وجه المعارضة التي خرجت أول الأمر تطالب بالاصلاحات فجوبهت بالرصاص وقذائف الدبابات والاعتقالات الجماعية وجرائم الشبيحة الأوغاد. وفي آن معاً راحت حكومة الصناعة السورية عندنا تنشر الأكاذيب على وسائل الإعلام عن نأي مزعوم بالنفس في الوقت الذي كان وزير خارجيتنا ينطق بلسان أسدي خالص. إنّه صوت سيّده القابع في دمشق. يومها لم يكن “السيد” يخبرنا إلا بنصف الحقيقة على عادته ليترك لمناسبة أخرى النصف الآخر، ثم كان أن أعلن بعدها جهاراً وصراحة انه يقاتل في سوريا وفاءً منه للنظام الذي أرسل إليه السلاح.

في 25 أيار الجاري عبّر السيد نصرالله عن كامل وجهات نظره في ما يتعلق بالحرب في سوريا، إذ بعد أن أشار للخطر الإسرائيلي ثم إلى المجموعات التكفيرية كخطر آخر يهدّد سوريا ليصل إلى لبنان بل إلى المنطقة العربية بأسرها، وكأني به يحاكي منطق الاسد نفسه الذي يحاول من طرف خفي طرح نظامه الدموي كسد منيع للدفاع عن الغرب في مواجهة الإرهاب وباسم حماية الأقليات. والغرب كما نعلم يعاني من حساسية مفرطة حيال الإرهاب. إنه لغزل رقيق موجّه للغرب نفسه الذي يتّهمه النظام الأسدي كما نصرالله الآن بأنه يدير مؤامرة كونية عالمية بالتعاون مع إسرائيل للنيل من حصن المقاومة النظام الأسدي الميمون، إنّه لتناقض مبطن لكن مثير أيضاً.

إلاّ أنّ السيد نصرالله، حيال الوضع اللبناني الغارق إلى الدرك الأسفل من التردّي والتسيّب والاهتراء وانعدام الأمن والفساد وسقوط الدولة بكل مرافقها ومؤسساتها وإداراتها في قبضة حزبه كقوى أمر واقع مدججة بترسانة ضخمة من السلاح، يجد نفسه بحاجة إلى مبررات ومسوغات محاولاً بها إقناع اللبنانيين بالرضوخ والاستسلام لقدرهم المحتوم. فبعد سنوات عديدة من تهميش الجيش ورفض تسليحه والتقنين عليه بالتجهيزات والمعدات بل برفض فتح باب التطوّع على مصراعيه في صفوفه، بل بفرض معادلة “شعب وجيش ومقاومة” ابتداء بطاولة الحوار العقيم وانتهاء بالأمر الواقع في الجنوب والبقاع الجنوبي، إذا بالسيد نصرالله يتّهم الجيش نفسه بالتقصير والتخاذل والضعف. لكن ما دام هناك في لبنان أكثر من جيش فأية ملامة يا تُرى تقع على الجيش الوطني؟ وهل تملك الدولة قرار الحرب والسلم؟ وهل بمقدور الجيش تنفيذ قرار من هذا القبيل ما دام قرار الحرب والسلم بيد “حزب الله”؟ إنّ القرارات في مكان آخر. أليس هذا بالضبط ما جرى لنا في حرب تموز 2006؟ ثم انّ الحديث على البنية التحتية وملاجئه وتحصيناته وشبكات الاتصال الخاصة به هو خارج نطاق البحث ما دام “حزب ليس فقط دولة داخل الدولة بل هو الدولة كلها.

أويعتقد السيد نصرالله بعد أربعين سنة من الحكم الأسدي الحديدي المخابراتي لسوريا والهدوء التام المديد المتواصل على الجولان المحتل والمفاوضات السرّية السورية الإسرائيلية في تركيا وغيرها، انّ الناس تصدّق ترهات النظام الأسدي المترنح بفتح جبهة الجولان مع إسرائيل؟ وأنّ النظام الأسدي الذي تحرص إسرائيل على بقائه حفاظاً على أمنها ومصالحها هو بصدد إطلاق يد المقاومة الفلسطينية هناك؟ إنّ الذي لم يطلق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل طيلة أربعين سنة هو الذي أطلق كل الأسلحة والذخائر المتاحة وما زال باتجاه الشعب السوري. أليس كذلك؟ إنّ الالعاب النارية التي يتلهّى بها النظام الأسدي بالتواطؤ مع إسرائيل هناك لن تخدع أحداً من الشعوب العربية قط.

ان الدعوة التي أطلقها السيد نصرالله للبنانيين الذين يخالفون في وجهات نظره لملاقاته الى سوريا. للتقاتل هناك ليست مرفوضة فحسب بل ترمي في حقيقتها لتغطية تورط حزب الله في الحرب هناك وتقدم له في هذا الاطار كل المبررات والمسوغات لمغامرته العسكرية الجديدة. وجبهة القصير ليست ستالينغراد سوريا والمعارضة السورية المسلحة التي تواجه ببطولات أسطورية المثلث الأسدي الايراني حزب الله هناك تملك ما يكفي من “العزيمة والارادة والقدرة على متابعة حرب التحرير الوطنية. فالمعين الذين لا ينصب من دينامية القوى الثورية التي يختزنها الشعب السوري ستصنع وتجترح “قصير” ثانية وثالثة ورابعة اذا تطلب الأمر.

لم يتحدث السيد نصرالله بكلمة واحدة لا عن النظام الايراني ولا عن الدعم العسكري الروسي على الاطلاق. كما لم يشر الى دور حكومة المالكي في دعم النظام الأسدي.

ان المشروع الايراني الذي عقد صفقة فضائحية مع الأميركيين في العراق الذي تحوّل الى محمية ايرانية، والذي يساند النظام الأسدي بالمال والسلاح والعسكر بكل ما أوتي، وصولاً الى لبنان الذي تظلله عباءة ايرانية واضحة وضوح الشمس، فأصبح الخط اللوجستي الايراني يبدأ بطهران لينتهي في بيروت يصر على حجز مقعد له في مفاوضات السلام حول المنطقة. لا بل ها هو “سيرغي لافروف” في غير مناسبة يصر على دعوة طهران للمشاركة في محادثات جنيف2 حول مستقبل سوريا.

كل هذه المسائل قد غابت عن خطاب السيد نصرالله الأخير.

ان النظام الأسدي الذي لم يقدم الى الشعب السوري لا الحرية ولا الديموقراطية ولا الرفاهية، ولم يقاتل اسرائيل منذ حرب تشرين 1973، وظل طيلة أربعين سنة يتلاعب بالقضية الفلسطينية وبلبنان في تناغم وتوافق تام مع السياسة الأميركية والغربية ليس نظاماً مقاوماً كما يسبغ عليه السيد نصرالله النعوت ويكيل له المديح. وهذا النظام البربري الدموي الوحشي هو الرحم الذي خرج من جوفه التكفيريون الذين يهول بهم نصرالله على الغرب.

اننا لسنا بصدد لا الذهاب الى سوريا للقتال ولا بالمقاومة نيابة عن الشعب الفلسطيني ومقاومته ولا حتى الى البوسنة والهرسك، هذا في الوقت الذي نقدم فيه للشعب السوري المعذب كل الدعم الانساني والغذائي والايواء والطبابة والتعليم والأهم من كل ذلك الدعم السياسي والوطني من منظور الأخوة القومية، ولن تقدر قوة في الأرض أن تسلبنان ذاتنا وهويّتنا القومية.

أما عن لبنان الذي لا مكان فيه في خطاب نصرالله لا لشعبه ولا مؤسساته ولا لإداراته ولا حتى لحاضر أهله ومستقبلهم المعيشي والاقتصادي، فقد تحول الوطن الصغير الى ألعوبة بيد “الحزب”. فأن تجري الانتخابات في موعدها الدستوري أو لا تجري وأن يمدّد للمجلس النيابي الحالي أو لا يمدّد، وأن نصل الى قانون جديد للانتخابات أو لا نصل، وأن تتشكل حكومة جديدة أو لا تتشكل فنبقى في حالة مستدامة من الاهتراء والعجز والتردي والفقر والتعاسة، فكل ذلك هموم ثانوية بالنسبة له. ويبقى السؤال الكبير هو التالي: إذا كان الجانب الأكبر من اللبنانيين يرفض المشاركة في القتال الدائر في سوريا خلافاً للنصيحة أو الاقتراح الذي قدمه لنا، فإن شحن النفوس وتعبئتها دون توقف وإشاعة التوتر والصدامات المسلحة في غير مدينة لبنانية وقرية، أليس هذا هو المدخل الطبيعي والتلقائي لتفجير الوضع اللبناني كبديل منطقي آخر عن الاحتراب في سوريا؟ عندئذٍ سيعم الخراب والدمار لبنان وسوريا على حد سواء. إن ذلك لأمر مؤسف حقاً فإلى اين يريد حزب الله أن يودي بنا؟.

د. نقولا زيدان

المستقبل

سوريا: الطائفية الحارقة!

عبدالله العوضي

 معركة «القصير» أخرجت الطائفية من كُمونها، وأظهرت الوجه المذهبي بكل بشاعته لأنه لا يزيد النار إلا اشتعالاً، ولا يزرع في الإنسان السوري إلا بذور الانتقام، خاصة بعد دخول “حزب الله” على خط المعركة الدائرة هناك، والوقوف مع النظام الذي يقدم شعبه قرباناً على مذبح الطائفية البغيضة.

بيد أن “حزب الله” الذي خسر رهان بناء لبنان حرة من أغلال الطائفية الضيقة، والذي يطالب بحياد لبنان في الوضع السوري خرج لـ”الجهاد” مع النظام ضد الشعب السوري الأعزل إلا من فتات أسلحة النظام القاتلة، يبدو أن مبادئ المقاومة انقلبت في سوريا ضد الشعب السوري، وكأن العدو الأبدي الذي دمّر لبنان مرات ومرات قد اختفى عن الأنظار وحل محله شعب النظام الجبار، بدل “شعب الله المختار” الذي طالما تبجح “حزب الله” بمكانته بزعمه دفاعاً عن الوطن المستباح في سوريا بعد لبنان.

إذا كان يمكن لنا القول إن الأسوأ لم يأت إلى سوريا بعد، فإن حشر “الطائفية” في معركة القصير هو بداية الأسوأ، ولقد ذاق لبنان مرارة الطائفية في حرب دامت عقداً ونصف العقد من عمر الزمان فماذا يريد “حزب الله” لسوريا بعد أن دس أنفه في الأسوأ الذي يحرص الجميع على تجنبه، بل وتجاوزه إلى دولة المواطنة الحقة التي لا تحرق أحداً على حساب أحد.

إذا كان النظام السوري يحارب الشعب من أجل إطالة أمده في الحكم، فما مصلحة “حزب الله” في المشاركة الميدانية للسير مع النظام في تحقيق نفس الغاية لمصلحة من في نهاية المطاف؟

فإذا كانت إيران ونفوذها التي أعلن نصرالله ولاءه الطائفي لها هي الغاية الأساسية من كل هذا الاختراق لأبسط قواعد الدين، فماذا بقي لهذا الحزب من مصداقية رفع رايتها في حرب 2006، ولكن سرعان ما سقطت في معركة “القصير”.

لا تزال الأيام حبالى لمن لا يدركون حقائق الأحزاب التي تخترق حصانات الأوطان وتقفز على جدرانها لبيع ما تبقى لمصلحة نوع آخر من أعداء الداخل وهم الأخطر، لأن ظهورهم المفاجئ يربك المعادلة الوطنية الذي تذرع بها “حزب الله” لعقود قد اختلطت بطائفية عقيمة لا تنتج سوى المزيد من التشرذم والأحقاد والضغائن، بدل الوقوف صفاً واحداً أمام عدو أوحد طالما تغنى الحزب بهزيمته وتوعد بحرقه وتدميره، إلا أن معركة “القصير” أخرجت تلك الشعارات من وعائها وأظهرت الأنياب من أغمادها، للإعلان بأن الطائفية هي التي ستقود ليس سوريا وحدها، بل المنطقة بأكملها إلى بحر لا قرار لهيجانه.

إذا لم يعتبر “حزب الله” من تجربة الحرب الأهلية اللبنانية التي تركت لبنان غير مستقر حتى الآن، فإن تجربة الحزب العابرة بطائفيتها إلى سوريا تعد شراً مستطيراً وليس من مستصغر الشرر، بل هو الشرر بعينه المتطاير من تحت رماد الطائفية إلى العلن.

إن يد “حزب الله” الطولى يجب أن تسحب قبل فوات الأوان، وإلا فإن القادم الأسوأ لسوريا مسألة وقت، وكلما تلطخت أيادي “حزب الله” بدماء السوريين، فإن نبرة صوت الحرب الأهلية الطائفية تعلو مع الأيام، فليس من مصلحة سوريا العليا ولا النظام الحاكم المضي مع “حزب الله” حتى الطريق المسدود ولا النفق المغلق منذ بداية الأزمة فتراجع الجميع عن هذا النهج الدموي هو عين الصواب، أما الإصرار على الاستمرار في استباحة الأعراض وقتل الأطفال الرضع والاستهانة بدماء الأبرياء، فلا يجر ذلك إلا إلى حرب حارقة لكل بارقة أمل تخرج من العمق السحيق للأزمة.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى