صفحات العالم

مقالات حول حوار فاروق الشرع الأخير

شرع الأسد!

طارق الحميد

حديث لافت ذاك الذي نشرته صحيفة «الأخبار» اللبنانية، المحسوبة على حزب الله، لفاروق الشرع وتحدث فيه عن تسوية تاريخية في سوريا، لكن من السذاجة بالطبع التصديق بأن الشرع قد أجرى تلك المقابلة دون موافقة الأسد، هذا إذا لم يكن الأسد نفسه هو من قام بكتابة الأجوبة، أو تلقينها، والمهم بالطبع هو قراءة مدلولات ذلك الحديث وليس الانبهار به.

والمهم في مقابلة الشرع هو قوله إنه «ليس بإمكان المعارضة حسم المعركة عسكريا، كما أن ليس بإمكان النظام أن يحسمها بهذه الطريقة»، مشيرا: «لسنا في موقع الدفاع عن فرد ونظام، بل عن وجود سوريا»، حيث يقول إن «الحكم القائم بجيشه وأحزابه لا يستطيع لوحده إحداث التغيير من دون شركاء جدد». واعتبر الشرع أن «الحل يجب أن يكون من خلال تسوية تاريخية تشمل دولا إقليمية أساسية وأعضاء مجلس الأمن»، لافتا إلى أن «التسوية يجب أن تتضمن وقف كل أشكال العنف وحكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة»!

وعندما نقول إنه يجب عدم الانبهار بحديث الشرع فلسبب بسيط، وهو أن ما يقوله الآن ما هو إلا خدعة أسدية قديمة جديدة، فلو قال الشرع ما قاله قبل عام، أو أربعة أشهر، لكان ذا جدوى، لكن الحديث عن التسوية التاريخية الآن، وبعد أن قال قائد الائتلاف السوري إنه ليس بحاجة لتدخل خارجي لأن الثوار باتوا قريبين من تحقيق النصر، فإن القراءة الوحيدة لتصريحات الشرع تنحصر بأمرين، وهما: إما أن الأسد بات يستشعر الهزيمة ويريد خدعة معارضيه، والمجتمع الدولي، بخطة تسوية جديدة يقوم بإفراغها من محتواها لاحقا، كما فعل طوال الثورة السورية، وإما أن الأسد يريد التفاوض فعليا على مقر إقامته القادم بعد الخروج من سوريا. وكلا الأمرين يقول إن الأسد نفسه قد اقتنع بنهايته، وأدرك الواقع حتى قبل بعض حلفائه، مثل الروس!

ولذا فمن الصعب تصديق ما يقوله الشرع لأن في شرع الأسد كل شيء جائز حتى القتل، والكذب، وهذا ما أثبته نظام الأسد، ليس طوال الثورة السورية، بل طوال فترة حكمه، ولذا فإن الدلالة الوحيدة لحديث الشرع هي أن الأسد، ومن حوله، قد أدركوا أن النهاية اقتربت، وأقرب مما يتوقع حتى أشد المتفائلين، ولذا فقد تحركت الماكينة الأسدية – الإيرانية لتردد نفس العبارات، حيث لا غرابة أن يكون حديث الشرع عن أن «ليس بإمكان المعارضة حسم المعركة عسكريا» مشابها لم قاله أول من أمس حسن نصر الله بأن الأوضاع في سوريا تتعقد لكن من يعتقد أن المعارضة قادرة على الحسم «مخطئ جدا جدا جدا»! فالواضح أن الماكينة الأسدية – الإيرانية تتحرك بتوجيه واحد، وقيادة موحدة، ولذا نجد أن الشرع يكرر نفس حديث نصر الله، وهذا لا يحدث إلا في شرع الأسد.

وعليه، فالواضح أن سقوط الأسد قد اقترب، وأول المبشرين بذلك هو الشرع نفسه الذي يجب أن لا تنطلي علينا تصريحاته التي ما هي إلا لعبة قديمة جديدة من ألاعيب الأسد التي لا تنتهي!

الشرق الأوسط

مبادرة الشرع.. تسوية سياسية أم انذار لحرب قادمة

بيتروس بيتروسيان

بقراءة بسيطة أو معمقة للمواطن السوري، لما قاله نائب رئيس الجمهورية السيد فاروق الشرع بصدد الازمة السورية، والاقتتال الجاري ما بين قوى المعارضة والنظام السوري، ورؤية ايجابية لوجود الحل يعطي انطباع نسبي باقتراب النهاية، وبصيص أمل للشعوب السورية، هذا من طرف، أن هناك اتفاق سوري داخلي، واقليمي، ودولي لتسوية المآسي التي لحقت واصابت الشعوب السورية بجميع مكوناتها، والدولة السورية بكيانها وحضارتها وتاريخها…

ومن طرف أخر، وبرؤية واقعية أكثر قليلاً للأحداث، تبدوا المبادرة وكأنها تخفي بين سطورها، نقاط غامضة وملغومة من سياسي محنك، ذو خلفية سياسية معروفة ورقم صعب في المسرح السياسي السوري، قضى حياته في أروقتها، يتعلم ويعلم حياكة السياسة.. تصريحات هذا السياسي الكهل، يحاول الارسال عن طريقها، كما قرأتها، رسالة لمن يقرأ ما بين الأسطر، وإنذار ببداية حرب جديدة بسلاح جديد وطرق تختلف عن ما سبقتها، وخلط لأوراق دول مجاورة وأخرى اقليمية ودولية، كانت تعول على انهيار النظام السوري وسقوطه منذ بداية الأزمة، ووضع هذه الدول مباشرة في خضم الحرب الجارية في سوريا، ونقل الصراع إليها بشكل من الأشكال، على الأقل كما قرأتها أنا في أقواله وتخوفاته، وتعتبر وجهة نظر فردية، إلا إذا كان هناك أحد القراء أو المتابعين للوضع السوري يشاركني هذا الرأي..

هل ستكون مبادرة الشرع نقطة التحول المفصلية في الصراع السوري؟..

أم هو إنذار للمعارضة السياسية من بداية حرب من نوع جديد سيشّن ضد المعارضة العسكرية في الداخل السوري واتساع الدائرة لتشمل ما هو ابعد من الحدود السورية، وتنبيه للقوى الإقليمية والدولية أن هذه الخطوة، ” هي الأخيرة “، فإما العمل على التسوية، أو الذهاب إلى حرب فرضت وستفرض على سوريا والسوريين، والمنطقة بكاملها..

إن الوضع الحالي، بوصول القتال إلى دمشق، وإلى مناطق معينة في العاصمة، لا يطمئن المواطن السوري، ولا المتابع لهذه القضية، ممن يريد الخير لسوريا، وحتى لمن يريد تدميرها، واتساع دائرة الحرب الداخلية، لتشمل دمشق، ستزيد من الأمور تعقيداً ودماراً وقتلاً، وهي ليست إلا اعادة لما جرى في حلب دون نتيجة، غير الدمار والقتل وسيلان الدماء التي شقت شوارع مدينتي..

ومن زاوية اخرى، بدء حرب دمشق من مناطق تواجد إخواننا الفلسطينيين، هي محاولة لخلط الاوراق، وجر هذه الفئة المتجانسة والمندمجة مع الشعوب السورية إلى حرب فلسطينية سورية، ذخيرتها سياسية فاسدة وقذرة، وضحيتها الفلسطينيين والسوريين..

لذلك أرجوا من الأخوة الفلسطينيين العقلاء عدم الانجرار إلى ما قد رتب من طرف ما، لإقحامهم في هذا الصراع الجاري، لتصعيد الوضع، على غرار ما حصل في بيروت إبان الحرب الأهلية، وإنهاء اللحمة السورية الفلسطينية، وهذا ما يسعون إليه، وعدم الانحياز لأي طرف من أطراف النزاع، وأتمنى أن يحافظوا على مناطقهم من الداخل، وعدم الخروج للقتال خارجها، مع الحفاظ على حقهم بحماية أنفسهم من أي هجوم محتمل ضدهم، وضد إخوانهم السوريين في هذه المناطق..

عودة للمبادرة، والتسوية التي سميت بالتاريخية، المطروحة اليوم من قبل نائب رئيس الجمهورية، فالحوار غير ممكن لأطراف معينة من المعارضة، مع النظام، وترفضه رفضاً باتاً، وليست هناك تسوية مع هذا النظام، كما قالت المعارضة.. إذاً، الأطراف كلها تفضل الحل العسكري.. وليس هناك حسم لأي طرف كما صرح الشرع، وكما يراه السوريون اليوم، أما المعارضة تؤمن بأن هناك حسم، وهذه هي الأيام الأخيرة لهذا النظام؟.. ولكن، متى؟.. وكيف؟.. ومن الضحية إن استمر الوضع هكذا؟..

وهل تملك المعارضة اليوم مبادرة أخرى، أو حلاً آخر، غير الحل العسكري؟..

مع الأسف أن الأمور في سوريا لا تبدوا في افضل حالاتها اليوم، ولكن التخوف مما هو قادم، وما يخطط في الخفاء، على الأقل، على الشعب السوري في الداخل..

” إن المخفي أعظم “

والخوف من تدمير سوريا بالكامل، إلا إذا كانت اطراف النزاع تريدها هكذا..

بروكسل..

ايلاف

عن فاروق الشرع أيضاً وأيضاً

إبراهيم الأمين

أفهم أن تصريحات مسؤول سوري بمستوى فاروق الشرع وموقعه ستكون محط اهتمام. ومضمون ما قاله سوف يثير بالتأكيد نقاشاً واسعاً. لكن يبدو أن المهتمين لا يتوقفون هذه المرة عند مضمون الكلام. بل هم يهتمون بالشكل أيضاً. والأسئلة التي وردت تبدأ بالسؤال عمّا إذا كان هناك حوار أو مقابلة أصلاً، ومن طلبها؟ وكيف تم ترتيبها؟ وكيف وأين كان اللقاء؟ ثم موجة أخرى من الأسئلة حول سبب عدم حصول المقابلة بشكل تقليدي، أي على طريقة سؤال وجواب. ولماذا لم يكن هناك صورة من المقابلة للشرع نفسه؟ أو للشرع ومحاوره؟ وهل جرت مراقبة اللقاء أو تمت مراقبة النص والحديث؟ وهل من طرف ثالث من النظام أو من خارجه تولّى الترتيبات، بما فيها الإشراف أو المشاركة في الحديث؟

بعد ذلك تأتي موجة جديدة من الأسئلة: هل كان الرجل مرتاحاً في الاجتماع؟ هل هو حاضر ذهنياً؟ هل هو فعلاً حر، أم في إقامة جبرية؟ هل الطريق إليه تتم مباشرة أو بواسطة عناصر أو مسؤولين من الأمن السوري؟ وهل يوجد حيث يقيم إجراءات تدل على أنه حر أو العكس؟ ثم كيف تبدو معنوياته؟ هل هو على اتصال وعلى اطلاع وثيق على ما يجري في سوريا؟ أصلاً كيف يبدو صحياً؟

الغريب، أن مصدر الأسئلة ليس زملاء فقط، بل دبلوماسيون من دول عدة، مع تشديد على اهتمام أميركي وفرنسي وتركي وسعودي، إلى جانب رجال استخبارات، الله وحده يعلم مع كم جهاز يعملون. ثم تزداد الأسئلة، في اليوم التالي، بعد مراقبة كيفية تعامل النظام في سوريا مع التصريحات. لماذا نشرت وكالة «سانا» الرسمية المقابلة ولم ينشرها التلفزيون الرسمي؟ لماذا تعاملت معها المحطات التلفزيونية والإذاعية القريبة من النظام وتجاهلتها الصحافة السورية الرسمية تماماً؟ أصلاً، هل سمح بدخول عدد «الأخبار» الذي تضمن الحديث؟

منذ مدة غير قصيرة، وطلبات وسائل الإعلام لمقابلة نائب الرئيس السوري لم تتوقف. أدرك كثيرون أن الرجل لا يريد الكلام. وعندما وافق أو قرر الحديث، بدا لي أنه يحتاج إلى جعل الحديث واضحاً من دون مشوقات صحافية. وهو أمر ممكن، خصوصاً أن مجرد المقابلة يمثّل حدثاً إعلامياً قبل أن يكون سياسياً. وعندما جرت الترتيبات، كانت في بساطتها التي تشبه طريقة التواصل مع غالبية المسؤولين السوريين: اتصال هاتفي واتفاق مبدئي على موعد، ثم الاتفاق على نقطة لقاء في العاصمة السورية قبل الانتقال الى حيث يقيم الرجل. وفي حضرة صديق له دور دائم في مساعدة الإعلاميين والمثقفين للتواصل مع قيادات سورية، بدأ الحديث. كان الشرع هادئاً كعادته. كلامه مدروس وعباراته منتقاة. مرتاح أكثر، لأنه لا وجود لآلة تسجيل ولا لكاميرا، علماً بأنه مجرد خطأ لم يكن بالإمكان استلحاقه منع التقاط صورة حديثة له. ولم يجر التداول في إمكان التشكيك في اللقاء، علماً بأن الشرع نفسه، وللأمانة، قال إنه سوف يطلب من المكتب الصحافي في مقر نائب الرئيس إصدار بيان مقتضب يشير إلى أنه استقبل الصحافي «فلان الفلاني»، وأجرى معه حديثاً حول تطورات الأزمة السورية.

في الشكل أيضاً، لم يكن يخطر ببالي أنا، ولا ببال الرجل، أن هناك حاجة إلى مقابلة على طريقة سؤال وجواب، علماً بأن النقاش كله وما نشر كان نتيجة أسئلة وأجوبة. لكن، وللدقة، قلت له إن العبارات التي سوف تنسب إليه، سوف تجري صياغتها بطريقة مختلفة. ولأجل الدقة، سوف أرسل له نسخة تتضمن الفقرات التي ترد فيها عبارات منسوبة إليه لأجل مراجعتها، منعاً لإضافة في غير مكانها، أو نقصاً في شرح الفكرة. وهذا ما حصل واستغرق وقتاً قصيراً، هو الوقت الذي يحتاج فيه المرء إلى إرسال بريد إلكتروني ويحصل على جواب عليه بعد وقت غير طويل. ثم كان النشر.

«الأخبار» دخلت كالعادة في اليوم التالي الى سوريا. صحيح أن الرقيب السوري لا يعمل بالوتيرة الماضية نفسها، لكنه في حالة هذا العدد لم يحل دون توزيع الجريدة في السوق. وهي فقدت سريعاً، مع العلم بأن الكمية المرسلة قلّت كثيراً بعد اندلاع الأزمة في سوريا. ووصلت الجريدة إلى من يطلبها يومياً وإلى المشتركين من المسؤولين في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة.

في المضمون، لم تكن مهمتي التأكد من مسألة تشغل بال المتابعين: هل ينطق الشرع باسمه أو باسم النظام؟ المسألة هنا تتعلق بالموقف الذي يطلقه الشرع. وأنا أزعم أن حديثه فيه ثلاثة مستويات: واحد شخصي يعكس تقييمه للأحداث وطريقة تعامل السلطة، وآخر يعكس النقاشات القائمة داخل الهيئات القيادية، وثالث جوهري، وهو محل السؤال، أي ما يتعلق بتصوره للحل، علماً بأن الجميع يعرف أن الروس كما الصين، كما إيران، كما الأخضر الإبراهيمي، وأيضاً موفدين معلنين وغير معلنين، سمعوا من الرئيس بشار الأسد شخصياً ومن مسؤولين سوريين آخرين، أن الحكم مستعد فعلياً لا شكلياً لحوار متكامل وواقعي ولا شروط فيه، وأنه رغم وجود فريق داخل الحكم يتوهم أن ينتهي الوضع على بقاء الأمور كما هي، إلا أن الغالبية العظمى، وخصوصاً على مستوى من بيدهم القرار، يعرفون أن ما كان قبل اندلاع الأزمة لم يعد سوى حكاية من الماضي، وأن أي قوة في العالم غير قادرة على إعادة الأمور الى الوراء. وحتى السجال الضمني الذي يخفي هواجس البعض من أن يدفع ثمن أي تسوية تاريخية، أو أولئك الذين تلفظهم التسويات عادة، فهو سجال لا يغير في واقع الأمر شيئاً. حتى الذين يعملون الى جانب الرئيس من قيادات عسكرية وأمنية على وجه الخصوص، والذين يعملون الآن تحت عنوان المواجهة النارية الحاسمة مع المعارضة المسلحة، إنما يعرفون أن الهدف الفعلي من هذه العملية ـــ الدفاعية كما يقولون ـــ هو الاستعداد لحوار لا بد أن ينتج تسوية تحمل متغيرات على مستوى إدارة الدولة بكل مؤسساتها وشؤونها وناسها.

هذا يعني ببساطة أن الشرع قال كلاماً يعكس الفهم المباشر، من رجل يعيش في قلب الحكم، وله دوره المباشر منذ ثلاثة عقود على الأقل، في الموقف الاستراتيجي. أما ما يجري الحديث عنه من مناورة وغير ذلك، فليس من واجبي أنا التدقيق فيه. وأعتقد أن في الخارج القريب والبعيد من يبالغ في التحليل عندما يقارب هذه المسألة.

في ردود الفعل، كان هناك اهتمام خارجي يقصد منه محاولة فهم أبعاد حديث الشرع عن التسوية التاريخية، وخلفية الانتقادات التي وجهها إلى الحكم في سوريا. واضح أن الأميركيين يعتبرون الشرع متمرداً، بينما يرى الفرنسيون أنه مناور يهدف إلى إعداد نفسه لدور انتقالي، بينما يرفض السعوديون كل ما يصدر عن هذا الرجل الذي يكرهونه منذ سنوات طويلة جداً. أما الأتراك، فيرون فيه خصماً عنيداً، حتى ولو كان يملك موقفاً نقدياً.

على مستوى المعارضين السوريين، ثمة «غياب عن الوعي» يجعل غالبية من ينطقون باسم المعارضة في الخارج يعتقدون أن كل ما يصدر عن السلطات في سوريا، ومن أي مستوى، ما هو إلا كلام للتمويه. وبعضهم رأى في حديث الشرع إشارة إلى ضعف النظام، بينما لم تتابع المجموعات المسلحة الحديث من أصله، وهي مشغولة في فرض قوانين «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، أو في سرقة أحلام السوريين وآمالهم من خلال التورط في مزيد من المجازر تحت عنوان الثورة والحرية.

أما المراقبون من «جماعتنا نحن الصحافيين»، فهؤلاء يرون ما يريدون أن يروه، ويكفي أن يتطوع مختص في الأرشيف والتقييم لإعادة مراجعة كل النصوص التي كتبت خلال عامين من الأزمة، ليقدم للناس صورة عن حفلة جنون تمارس باسم السلطة الرابعة. عدا عن أولئك المثقفين الذين وجدوا في الأزمة السورية مناسبة ليتحولوا نجوماً على شاشات التلفزيون.

لكن داخل سوريا، كانت هناك ردود فعل متفاوتة. المعلن منها، قاله لبنانيون يعملون في حقل الإعلام والدعاية. وأكثرهم جدية النائب السابق ناصر قنديل الذي انتقد حديث الشرع، وبدا لكثيرين أنه يعبّر عن وجهة ما داخل الحكم في سوريا. أما البقية، فغالبيتهم من أزلام رامي مخلوف الذي توقف زمن سوريا عندهم مع هذا الرجل ودولاراته وأفلامه العبثية.

في سوريا أيضاً، احتج معارضون من هيئة التنسيق وبعثيون من على شاشات الإعلام السوري على تجاهل الحديث من قبل الإعلام الرسمي. انتقدوا الأمر بقسوة، بينما تردد أن الشرع رفض نشر حديثه تلفزيونياً بنحو مجتزأ. وفي ذلك إشارة إلى تعدد وجهات النظر داخل القيادة بشأن كيفية التعامل مع تصريحاته. أما على مستوى أركان الدولة، فثمة من قال إنه لا يحق للشرع قول ملاحظاته النقدية علناً، لأنها سوف تنعكس سلباً على معنويات الجيش، وآخرون قالوا إن من الضروري قول ما قيل للتأكيد أن النقاش في سوريا لا يقتصر على العسكريين، بينما لاذ قسم ثالث بالصمت، ربما بانتظار التأكد ما إذا كان الشرع قد نسّق حديثه مع الرئيس الأسد، أو العكس!

الأخبار

خطة واشنطن وموسكو لإزاحة الأسد

    راجح الخوري

اقتراح فاروق الشرع ما سمّاه “تسوية تاريخية” في سوريا ليس في الحقيقة اكثر من محاولة التفافية تأتي على شكل مناورة متفق عليها مع بشار الاسد، وذلك تمهيداً لقبول اتفاق توصل اليه الاخضر الابرهيمي مع الاميركيين والروس ويتألف من خمس نقاط، وقد عرفتُ من مصادر خليجية ان الابرهيمي يسعى الى الحصول على موافقة المعارضة السورية عليه عبر السعي الى توسيط القطريين والسعوديين والاتراك في الامر!

واضح ان الاسد اقتنع بأن الحل العسكري الكارثي سيرتد عليه في النهاية، ولأنه لا يريد ان يظهر في موقع المهزوم الذي يضطر بعد 21 شهراً من القتال الدموي والمدمر الى ان يقبل خطة تفرض عليه من الخارج وتنهي نظامه بعد اشهر عبر تشكيل حكومة “الوحدة الوطنية”، أراد ان يبدو الامر وكأنه تسوية من اختياره ولو أتت في البداية على شكل اقتراح من نائبه المعزول فاروق الشرع الذي تمّ استحضاره من الظل ونفض الغبار عنه وكلّف اقتراح “تسوية تاريخية”، ليست في الاساس من صنعه ولا من صنع النظام!

ويبدو ان طرح “التسوية” وفق هذا الاخراج اي عبر حديث صحافي كلّف الشرع إعطاءه، جاء نتيجة ضغوط موسكو على الاسد فهي ايضاً لا تريد ان تنتهي في موقع المهزوم مرة ثانية في سوريا بعد ليبيا، فكان على ما يبدو اختيار هذا المخرج الالتفافي بطرح الفكرة على لسان الشرع، على رغم انه من المعروف ان الشرع لا يستطيع ان يتنفس من دون موافقة الاسد فكيف بطرح تسوية ستفضي في النتيجة الى إنهاء حكمه بعد اشهر قليلة بما قد يرضي الثوار، وهو ما كان قد توصل اليه الاتفاق الاميركي – الروسي مع الابرهيمي؟

تقول مصادري الخليجية ان المحادثات الاخيرة بين الروس والاميركيين والابرهيمي كانت قد انتهت بالتفاهم على اقتراح تسوية تتألف من خمس نقاط يحاول الابرهيمي منذ اسبوع تسويقها مع الاطراف الاقليميين المؤثرين، وهذه النقاط هي:

1 – بعدما ثبت استحالة تحقيق اي من الطرفين الانتصار العسكري. 2 – الدعوة الى وقف اطلاق النار في كل الاراضي السورية. 3 – تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة بمعنى ان تتسلم كل صلاحيات الاسد. 4 – إجراء انتخابات عامة خلال اشهر وخلال النصف الاول من سنة 2013 اي قبل انتهاء مدة الاسد بسنة تقريباً. 5 – صدور قرار من مجلس الامن ينص على هذه التسوية.

قبل يومين كانت المعلومات تشير الى ان الثوار يرفضون اي حل لا يكرس سقوط النظام فوراً، فهل تمكن الخليجيون والاتراك من اقناعهم بتسوية تسقط الاسد ونظامه في الربيع المقبل؟

النهار

الشرع يريد حلاً… ونصرالله يريد تأزيماً

    عبد الوهاب بدرخان

مع التهديدات الأخيرة التي أطلقها الأمين العام لـ”حزب الله” يكون لبنان قد ارتبط نهائيا بالأزمة السورية، ويكون بالتالي قد دخل دائرة الخطر الفعلي. السؤال الذي يطرح نفسه: أين السيد حسن نصرالله من التوجه الرئيسي المعلن للدولة اللبنانية، بل أين هو من بقية اللبنانيين؟ لكن يبدو ان هذا غير مهم لديه، فاللعبة الاقليمية بلغت مرحلة حرجة، ولم يعد ممكنا الاكتفاء بالتحرك في المنطقة الرمادية. وطالما ان ايران اعلنت انها لن تسمح بسقوط النظام السوري فليس متوقعا من نصرالله و”حزب الله” اي نأي بالنفس، بل العكس تماماً، أي التورط الكامل واقحام النفس.

إذاً، ولمن لا تزال لديه أوهام، كان نصرالله يقول مساء الأحد: باي باي لـ”اعلان بعبدا” ولكل الدعوات الى التحييد وحتى للانخراط المحدود والمكتوم في جرائم النظام السوري. فالأزمة شارفت على نهاية مرحلة مهمة ولا بد ان يتقرر فيها مصير النظام، لكن لتبدأ مرحلة اكثر خطرا بعد سقوط النظام. ايران و”حزب الله” معنيان بما قبل وما بعد، بمساعدة النظام على الصمود وخوض المساومة التي يحلم بها، ثم بسيناريو الفوضى الذي خطط له النظام ليتمكن إما من ترحيل رؤوسه او الانكفاء الى”الكيان العلوي” على الساحل، او الاثنين معا، فضلا عن انهما (ايران والحزب) يعتبران نفسيهما معنيين بترتيب الاتصال بين لبنان وذاك الكيان الذي يراه الايرانيون تعويضا او “جائزة ترضية” بعد خسارة سوريا.

حرص نصرالله على تبشير المعارضة السورية بأنها “لن تنتصر”، وعلى طمأنة من يراهن على ان هذه المعارضة ستحسم الموقف بأن تقديراته “خاطئة جدا جدا جدا”. وحدها تقديراته هو صحيحة وصائبة، خصوصا بمقياس التاريخ، والاخص بمقاييس المستقبل. والصواب عنده ان تتلوث “المقاومة” في استدراج حرب اهلية تلي حرب المعارضة والنظام في سوريا، وان يتوج امجاده بالمساهمة في مشاريع تفتيت سوريا، وان يمهد لمرحلة تصعيد الترهيب في لبنان. هذه لحظة حاسمة لحلفاء “حزب الله” اللبنانيين، ايا يكن انتماؤهم الطائفي، فإما انهم ينتمون الى هذا البلد ويضعون خطا احمر أمام “حليفهم”، وإما ان يكون هذا الحليف قد صادرهم وصادر ارادتهم نهائيا والى غير رجعة.

ليست صدفة ان يصدر كلام نصرالله ونائب الرئيس السوري فاروق الشرع في وقت واحد، وان يكونا منسجمين ومكملا احدهما الآخر. اذ كان الشرع اكثر هدوءا وعقلانية بل اكثر حرصا على ترويج دعوته الى الحوار، خلافا للهجة نصرالله المنفرة والكفيلة بتطفيش المحاورين إن وجدوا اصلا. قد يلتقي الشرع ونصرالله على جوهر الخطاب الذي لا يزال يدعو الى حل سياسي برعاية النظام، لكن السوري بدا هنا راغبا فعلا في حل وإن كان صعبا ومعقدا، اما اللبناني – الايراني فبدا واضحا ان خياره الوحيد هو التصعيد والتأزيم.

النهار

بوادر الخلاف داخل القيادة السورية

د. يوسف نور عوض

استمعت إلى تصريحات الشيخ حسن نصرالله التي قال فيها إن من يفكر في هزيمة قوات الحكومة في سوريا لا بد أنه واهم، وأضاف الشيخ حسن نصرالله أن من يقف خلف قيادة الرئيس بشار الاسد جبهة قوية وصامدة، ويعترف الشيخ مع ذلك أن هناك حركة تمرد ولكنها ليست قوية بحيث تسقط النظام بحسب قوله، ولا يقدم الشيخ نصرالله بذلك معلومات يمكن أن يعتمد عليها بكونه حليفا للرئيس الأسد ولا يريد لنظامه أن يسقط، ومن هذا المنطلق لا يعطي الشيخ نصرالله اهتماما لآلاف الضحايا الذين وقعوا خلال الصراع الجاري في سوريا، بل ولا يرى من الضروري لأي رئيس يقع في بلاده مثل هذا الصراع أن يتنحى عن الحكم.

وفي معارضة ما قاله الشيخ حسن نصرالله وصف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ما يجري في بلاده بأنها حرب أهلية، وهي حرب لن يكسبها من وجهة نظره الرئيس بشار الأسد أو الجناح المناوىء له. وفسرت بعض الصحف كلام الشرع على أنه يستهدف القول بأن انتصار الثوار لن يجلب الاستقرار لسوريا بل سيفتح المجال لحالة واسعة من الفوضى بحسب زعمه. وهنا ينشأ سؤال مهم عن الهدف الذي يرمي إليه الشرع مما قاله، والإجابة بدون شك تتوافق مع التفسير الوحيد الذي استقر عليه المعلقون وهو أن الشرع كان يمهد بذلك الطريق إلى إيجاد حالة من التفاهم مع النظام عن طريق الحوار، وهو حوار يرفضه الثوار .الذين لا يريدون تفاهما مع نظام يستهدفون إسقاطه بصورة كاملة.

وقد ذهبت بعض المصادر الصحافية في هذا السياق إلى القول بأن ما قاله نائب الرئيس السوري يبين عمق المأزق الذي دخل فيه الرئيس بشار الأسد خاصة بعد أن وصلت الحرب إلى العاصمة دمشق، وذهبت هذه المصادر إلى أن تصريحات الشرع ربما تظهر أن هناك بوادر خلاف بدأت تظهر في داخل القيادة السورية حيث ترى مجموعة من مساعدي الأسد أنه لا داعي لاستمرار القتال ومواجهة الثوار بالقوة بكون ذلك لن يكون في نهاية الأمر في صالح سوريا. ويفهم من هذا أنه دعوة للرئيس الأسد للتفكير في أن بقاء سوريا سليمة وقوية هو أهم من بقاء نظامه أو بقائه على سدة الحكم.

وعلى الرغم من أن النظام يعيش في مرحلة صعبة يفسرها الكثيرون بأنها ربع الساعة الأخيرة فإن اصدقاء الحكم ما زالوا يعتقدون بإمكان إنقاذ الموقف كله بواسطة الحوار وذلك ما تعتقده روسيا والصين أيضا، ولا بد أن ينشأ هنا سؤال مهم عن الأسباب التي تجعل هذين البلدين يقفان مع النظام، والإجابة بكل بساطة هي أن كثيرا من الدول مازالت تعيش بعقلية زمن قد انتهى، ذلك أن انحياز روسيا لسوريا كان في فترة لم تعد قائمة وهي فترة الاتحاد السوفيتي القديم حيث كان يبحث فيها السوفيت عن مواطن نفوذ من أجل مواجهة الغرب، وكان من الطبيعي أن تكون سوريا ضمن مخططات الاتحاد السوفيتي بعد أن اتخذ السادات في مصر سياسة مناهضة للروس، أما الآن فلم تعد هناك ضرورة لأن تستمر روسيا في الرؤية القديمة ذاتها بكونها لا تواجه تحديات من الغرب، كذلك فإن الصين لا تريد من سوريا أن تكون وسيلة نكد للولايات المتحدة.

والمهم دائما بالنسبة لسوريا هي إيران، ذلك أن الآراء التي ظلت سائدة حتى الآن تؤكد أن إيران تدعم سوريا لأسباب طائفية واستراتيجية بكون إيران تخشى اعتداءات إسرائيلية على مواقعها النووية وهي تريد أن تكون سوريا رأس المواجهة في أي صراع يقع بينها وبين إسرائيل، ولكن إيران خرجت أخيرا بما لم يتوقعه أحد منها، إذ قدمت ست نقاط رأت أنها ضرورية من أجل إنهاء ما اعتبرته حربا أهلية في سوريا، وهذه النقاط تشتمل على بدء عملية الحوار بين الثوار والحكومة، والإعلان عن انتخابات رئاسية وهو ما يعني أن إيران لا تحرص على استمرار الرئيس بشار الأسد في الحكم، وأيضا التوقف عن شحن السلاح، ولكن ما عرضته إيران في نقاطها لا يلقى قبولا من الثوار الذين لا يرون أن إيران هي الوسيط المقبول لديهم في هذا النزاع.

أما الخبر الذي لقي اهتماما كبيرا فهو الذي نشرته إحدى الصحف البريطانية يوم الأحد الماضي وقالت فيه إن الرئيس بشار الأسد بدأ يفكر تفكيرا جديا في الانسحاب من العاصمة دمشق والتوجه إلى موقع على شاطىء البحر الأبيض المتوسط يمكن من خلاله أن يواصل مواجهته للثوار، وقد أكدت مصادر روسية هذا التوجه الذي يعني أن الرئيس بشار الأسد سوف يحتمي بطائفته العلوية من أجل مواصلة القتال، ولا يدري أحد كيف يمكن له أن يستمر رئيسا لسوريا إذا جعل من حربه صراعا بين طائفتي العلويين والسنة، غير أنه بحسب جميع المصادر سوف يحول الصراع إلى نزاع طائفي خاصة بعد أن أرسل جميع أفراد أسرته إلى مدينة ‘القرداحة’ تحت حماية علوية موالية لنظام حكمه. وتقول بعض المصادر الروسية إنه إذا نقل الأسد معركته إلى مدينته ‘القرداحة’ فإن ذلك سوف يطيل أمد المواجهة إلى عدة أشهر أخرى لوجود كثير من الموالين لنظام حكمه هناك، وذلك ما يزعج بعض الجهات الخارجية التي سئمت من مواصلة هذه الحرب وتطوراتها المزعجة كما ظهر في قصف مخيم اليرموك الفلسطيني وهو القصف الذي دانه ‘بان غي مون’ الأمين العام للأمم المتحدة الذي حذر من أن الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين في سوريا قد تعامل على أنها جرائم حرب، وهي كذلك بكل تأكيد، ومن جانب آخر ناشد المفوض العام للأونروا ‘فيليبو غراندي’ السلطات السورية التوقف عن تعريض حياة اللاجئين الفلسطينيين للخطر.

ولا بد هنا من التساؤل عن المواقف العربية، ذلك أننا لم نعد نستمع إلى صوت الجامعة العربية منذ زمن طويل، ولا نعني بذلك أن الجامعة العربية قادرة على حل مثل هذا الصراع المعقد ولكن حضور الجامعة العربية يعني من الناحية النظرية أن الأمة العربية متابعة للأخطار التي تحدق بها، ذلك أن ما يحدث في سوريا فسر في أول أمره على أنه مرحلة جديدة من مراحل ما أطلق عليه الربيع العربي، ولكن ما حدث في هذا القطر لا يشبه ما حدث في تونس أو في مصر بل هو تفجير لصراعات لا تخلو منها كثير من البلاد العربية، فهل يريد أحد أن يتحول الربيع العربي إلى مثل هذه الصراعات المهلكة والمبددة لطاقات الأمة ؟

الإجابة بكل تأكيد لا، ولكن بدون ظهور نهاية واقعية وواضحة لما يجري في سوريا فقد يصعب على الكثيرين تعلم الدرس.

‘ كاتب من السودان

القدس العربي

تسوية الشرع والفرصة الأخيرة

عبد الرحمن الراشد

فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري، لم يظهر للعلن سوى مرة في أغسطس (آب) الماضي في ظروف ملتبسة وبعدها لم يره أحد، بعد هذا الاختفاء المشبوه نسبت إليه مبادرة تنازل تعبر عن اقتناع النظام بقرب سقوطه. يدعو الشرع المعارضة للمشاركة في حكومة ذات صلاحيات أوسع، وهو يوحي بالإبقاء على بشار الأسد مجرد رئيس في القصر بلا صلاحيات.

في نفس الوقت، هناك مبادرة أخرى تطبخ، اسمها «الفرصة الأخيرة»، الأرجح أن يكلف بها المندوب الأممي الأخضر الإبراهيمي حتى ينقلها للأسد وحلفائه خلال الأيام القليلة المقبلة، تقضي بأن يتخلى الأسد عن الحكم ويغادر سوريا، بصحبة عائلته، إلى إحدى الدول اللاتينية ويسلم السلطة للمعارضة، تماثل ما تحدث عنه من قبل رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، عندما اقترح خروجا آمنا للأسد مقابل وقف نزيف الدم. أصحاب «الفرصة الأخيرة» يهددون الأسد، إن رفضها، بأن الهجوم على نظامه سيزداد عددا وعتادا، ومن المؤكد أنه سينهار سريعا بعدها ولن يجد أحد منهم فرصة عفو.

أما لماذا يمنح مهندسو المبادرة فرصة النجاة لأقسى مجرمي التاريخ، وأكثرهم دموية؟ السبب أنهم يعتقدون أن نهاية يتفق عليها، وبتوقيع الدول المتنازعة الإقليمية والدولية، ستمكن الثوار السوريين من تسلم الدولة بسلاسة تجنب البلاد الحرب الأهلية المحذورة، وتختصر النزاع بما تبقى من وقت.

لكن المسافة بين المبادرتين بعيدة: مبادرة تبقي الأسد في القصر بلا صلاحيات ومبادرة تقصيه من البلاد، وغالبا سيرفضها الشعب السوري الذي يعيش المأساة المروعة. سيرفض خروج الأسد حتى لو كلفه المزيد من الضحايا. وبالتالي، نحن نشهد سباق الأسابيع الأخيرة، والأسد إن أراد الفرار لا يحتاج إلى مبادرات؛ فهو يستطيع أن يفعلها في جنح الظلام، سواء للساحل الغربي من سوريا، وحينها ستستمر الحرب وملاحقته، أو أن يفر إلى روسيا أو فنزويلا، وهناك عليه أن يأمل ألا يغتاله المضيف الروسي نفسه ليتخلص منه.

الأسابيع الأخيرة ستكون معقدة، ورأس الأسد أهون العقد، لأن أمره صار مقضيا، وصفحة تطوى من التاريخ، أما الأهم فهو المحافظة على وحدة سوريا والسيطرة على المدن ومؤسسات الدولة، أي تركة نظام الأسد، من قبل الهياكل التي تشكلت في الأسابيع القليلة الماضية ضمن إطار سوريا الجديدة.

ومن الخطأ الحرص على مقايضة الأسد، سلامة رأسه مقابل الخروج، لأن الوقت تأخر كثيرا، وقد ولغ في الدم بدرجة لن يكون هناك سلام في سوريا طالما بقي الأسد حرا في أي مكان في العالم. إن محاكمته هي التي قد تجلب السلام بعد ما ارتكبه من جرائم هو المسؤول الأول عنها، وفي غيابه سيدفع كثيرون، ربما أبرياء، ثمن ما فعله الأسد.

الشرق الأوسط

فاروق الشرع يخرج من أسره

الياس حرفوش

إذا لم يكن فاروق الشرع منشقاً عن النظام السوري، فكيف يكون الانشقاق إذن؟

لم يترك الرجل، الذي ما زال يحمل الصفة الاسمية كـ «نائب للرئيس»، أي قرار أساسي من قرارات نظام بشار الأسد من دون أن يتناوله بالانتقاد الصريح والواضح في الكلام الأخير المنسوب إليه. لم يوفر «الحل الأمني» الذي يعتمده الأسد، ويعتبره المدخل الوحيد للقضاء على «الإرهابيين». وإذ انتقد الشرع هذا الحل، ورفض إطلاق هذه الصفة على المعارضين، اعتبر أن ما تقوم به قوات الأمن ووحدات الجيش لن يحقق الحسم (وهو الكلام نفسه الذي قاله فاروق حجاب رئيس الحكومة السابق بعد انشقاقه). كما لم يتردد في الإشارة الواضحة إلى هوية المسؤول عما يجري في سورية، فقال أن الرئيس السوري يملك في يديه كل مقاليد الأمور في البلد، وأحياناً يحسم الرؤساء والمديرون العامون قرارهم بالإشارة بأصابعهم إلى صورته المعلقة فوق مكاتبهم!

وبعبارات لا تخلو من رغبة الشرع في كشف سياسة الكذب التي يعتمدها النظام يقول: «منذ بداية الأحداث كانت السلطة تتوسل رؤية مسلح واحد أو قناص على أسطح إحدى البنايات، والآن السلطة وبكل أذرعتها تشكو كثرة المجموعات المسلحة». إنها الصورة الحقيقية للانطلاقة السلمية للانتفاضة السورية قبل أن يحولها النظام إلى مواجهة مسلحة مع المعارضين الذين لجأوا إلى كل سبيل متوافر لهم للدفاع عن أنفسهم وعن عائلاتهم وبيوتهم في وجه قمع النظام. وهي صورة ينقلها بأمانة استثنائية ابن درعا، مهد أطفال الانتفاضة.

وإذ ينتقل الشرع إلى وصف الحل، ويتفق مع الأخضر الإبراهيمي على أن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ، يؤكد أن الحل السياسي يبتعد يوماً بعد يوم، وأن هناك حاجة إلى تسوية تاريخية تشمل الدول الإقليمية الأساسية ودول أعضاء مجلس الأمن. وعندما يتحدث عن دول إقليمية، فهو لا بد يقصد، من دون أن يسميها، الدول التي يتهمها نظام الأسد برعاية «الإرهاب»، وعلى رأسها تركيا ودول الخليج، كما لا يتوقف عند السعي وراء دعم روسيا والصين كما يفعل النظام، بل يرى ضرورة إشراك الدول الغربية الثلاث الأخرى في الحل، وهي الدول التي باتت مواقفها معروفة من رفض بقاء الأسد في السلطة وضرورة التمهيد لمرحلة انتقالية تكون فيها لحكومة الوحدة الوطنية التي يتم تشكيلها صلاحيات واسعة. وهي العبارات نفسها (حرفياً تقريباً) التي يعتمدها الشرع في وصف شروط التسوية الضرورية لحل الأزمة. لينتهي إلى التأكيد: «يجب أن نكون في موقع الدفاع عن وجود سورية ولسنا في معركة وجود فرد أو نظام» … وواضح من المقصود بهذا الكلام.

ربما نسمع من يقول، في معرض التحليل، أن الشرع يحضر نفسه من خلال تصريحاته الأخيرة لموقع معين في المرحلة الانتقالية. أو انه منتدب من الأسد نفسه لقول ما قاله وللعب هذا الدور في سبيل حماية بقاء النظام بدل انهياره على رؤوس الجميع. لكن مستوى الانتقاد الذي وجهه الشرع إلى النظام، وتحديداً إلى رئيسه، يجعل تحليلاً كهذا بعيداً كل البعد عن الحد الأدنى من الواقعية.

فبشار الأسد لن يشعر، عند قراءته كلام «نائبه»، سوى برائحة الخيانة. إذ ما معنى أن يقول الشرع إن مؤسسات الدولة، منذ تولى بشار السلطة، أصيبت بالترهل وأصبحت تعمل بقوة «العطالة المكتسبة»؟ ما معنى هذا سوى أن فاروق الشرع ينفض يديه من أي مسؤولية عن التدهور الذي بلغته الأمور خلال العقد الماضي على يد الرئيس الشاب الذي جاء مغموراً بالوعود و»ربيع دمشق» المبكر؟

قد يكون ذنب فاروق الشرع انه أطال صمته ووقوفه في مقعد المتفرجين على ما يجري، لكن إطلالته الأخيرة تعوض ذلك. إنها إطلالة من قلب دمشق، على عكس ما اقدم عليه آخرون بعد خروجهم منها. وسوف تكون لها تداعيات كثيرة على وضع الرجل وعلى موقعه. فالنظام الذي يتوهم أن «الحل الأمني» هو الوحيد الذي سوف ينتصر، لن يوفر أحداً في طريقه إلى هذا «الانتصار» المزعوم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى