مقالات عن الموقف الروسي من الثورة السورية
روسيا تسابق الزمن بسوريا!
طارق الحميد
يبدو أن الروس باتوا يسابقون الزمن بسوريا، وخصوصا بعد تطور الأوضاع هناك، فبعد النفي الروسي والأسدي لحديث السفير الروسي في باريس عن أن الأسد يريد التفاوض على الرحيل بطريقة حضارية، عاد السفير الروسي نفسه في باريس للحديث عن رحيل الأسد مجددا، وبنفس الصيغة التي نفيت من قبل! فهل نحن نتحدث عن روسيا لافروف، والمندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، أم أن هناك جناحا آخر بروسيا يرى أنه لا مجال لحماية الأسد، خصوصا بعد التطورات التي فرضها الجيش السوري الحر على الأرض؟ فرغم استخدام موسكو لـ«الفيتو» الثالث بمجلس الأمن، حيث عطلت اتخاذ قرارات دولية حاسمة ضد جرائم الأسد، عاد سفيرها في باريس ألكسندر أورلوف للقول مجددا إنه «من الصعب تصور» أن يبقى بشار الأسد في الحكم، معتبرا أنه يتعين تنظيم رحيله «بطريقة حضارية»، كما تم أثناء العملية الانتقالية باليمن. وقال السفير في تصريح لصحيفة «لو باريزيان»: «صحيح أنه من الصعب تصور أنه سيبقى.. سيرحل. وأعتقد أنه هو نفسه يدرك ذلك، لكن يجب تنظيم الأمر بطريقة حضارية كما جرى في اليمن مثلا».
وعليه، فإما أننا أمام تباين بوجهات النظر الروسية، وخصوصا أن السفير الروسي يتحدث في العاصمة الفرنسية التي دعا وزير خارجيتها الثوار السوريين للتعجيل بتشكيل حكومة انتقالية ببلادهم، كما أن باريس اليوم هي التي تلعب دورا مهما ضد النظام الأسدي، وإما أننا أمام ربكة روسية ناجمة عما يدور على الأرض بسوريا، حيث سقوط المعابر الحدودية السورية بيد الجيش الحر، واحتدام المعارك بكل من دمشق وحلب، وإما أن الروس يسابقون الوقت من أجل منح الأسد فرصة جديدة بعد أن تلقى صفعة تصفية منظومته الأمنية بتفجير مقر الأمن القومي، والذي أودى بحياة أهم أفراد خلية إدارة الرعب بسوريا!
كل الاحتمالات واردة، لكن الأكيد أن الوقت قد تأخر لتنظيم رحيل الأسد «بطريقة حضارية»، فليس أمام روسيا اليوم إلا جعل الأسد يقوم بتسليم السلطة لنائبه، أو لقائد الجيش هناك، وتحميل الأسد بطائرة روسية وإخراجه من البلاد، ومن دون شروط مسبقة، حينها ستضع موسكو الجميع، بسوريا وخارجها، أمام الأمر الواقع. أما التفاوض على خروج حضاري، وخلافه، فهو أمر قد تجاوزه الزمن، لعدة أسباب: أولها أن لا أحد، بسوريا أو خارجها، يثق بروسيا أو الأسد اليوم، والأمر الآخر أن لا أحد يكترث الآن بمصير طاغية دمشق، والذي بات أقرب لمصير القذافي، فالجميع يتحرك اليوم استعدادا لمرحلة ما بعد الأسد، كما أن الأوضاع على الأرض لا تمنح الأسد نفس أوراق القوة التي كان يملكها، فوتيرة الانشقاقات بالجيش الأسدي في ازدياد، وسيطرة طاغية دمشق على سوريا، العاصمة وحلب، اهتزت.
ولذا، فإن الوقت الآن لا يحتمل مزيدا من المناورات الروسية، فإذا كانت موسكو تريد حفظ ما بقي من ماء الوجه بالمنطقة، فعليها شحن الأسد بأقرب طائرة لروسيا، وفضلا عن ذلك يجب عدم التهاون بتسليح الجيش السوري الحر من أجل أن يطوي آخر فصول هذا النظام المجرم، ومواصلة ترتيب مرحلة ما بعد الأسد.
الشرق الأوسط
الخميس
دجاج إيران وأسطول البلطيق
زهير قصيباتي
لا يزعج المرشد خامنئي سوى مشاكسات رموز النظام الإيراني، فيما عينه وقلبه على النظام في دمشق. أوليست مشاكسات الرئيس محمود أحمدي نجاد ورئيس البرلمان علي لاريجاني هي التي تهز ثقة الشارع بنظام الجمهورية الإسلامية؟… في حين تبدو السلطة على أبواب «معركة الدجاج» إثر ارتفاع أسعارها، والمرشد يستشيط لأن الوقت ليس للمزاح… بل للتفرغ لمعركة سورية.
يتظاهر الإيرانيون ضد غلاء الدجاج، فيما لا يرى المرشد بعد سقوط عشرين ألف قتيل في سورية سوى معركة بين «جبهة كفر وجبهة مقاومة»، لكأنه يحرّم على السوريين أو نصفهم أو ثلاثة أرباعهم التظاهر والتنديد بالقتل والدمار… ويكفّرهم!
تتبادل موسكو وطهران أدوار التصعيد في الصراع الدموي السوري، حمايةً لمحور «الممانعة» من «شرور» ما تَرَيانه تآمراً أميركياً- عربياً لإسقاط النظام في دمشق. وإذا كانت دوافع كل من الكرملين والمرشد مفهومة بلغة المصالح، فالمثير أن دولة كانت قوة عظمى في العالم باتت تعتبر النهج الإيراني قدوة: ترسل الأساطيل الى البحر المتوسط وتتهم أميركا بالتحضير لإطاحة النظام السوري، والتدخل في ما يجب أن يقرره الشعب… تدعم النظام بالطائرات وتستفزها مواقف الغرب الذي يندد بالمجازر. تعيب على واشنطن الامتناع عن إدانة تصفية «خلية الأزمة» في دمشق، وتكتفي بطلب فتح تحقيق كلما فُجِع السوريون بمجزرة أو مذبحة.
وإذا كانت موسكو التقطت «كلمة السر» في دعوة الوزيرة هيلاري كلينتون المعارضين إلى إقامة «مناطق آمنة»، فالحال أن حلب ذاتها بدت خلال الساعات الأخيرة مشروع بنغازي ثانية، لذلك احتدمت معركتها بشراسة. قِطَع من أسطول البحر الأسود وأسطول البلطيق على خاصرة الساحل السوري، فِرَق الحرب الكيماوية التركية على الحدود، موسكو الغاضبة من «التحريض» الأميركي باتت أقرب الى الاقتناع بأنها عاجزة عن دعم تماسك النظام في دمشق، بعد تصفية «خلية الأزمة».
ولعل في طليعة ما يبرر الغضب الروسي الذي يُفترض ألاّ يصل الى حدود الاشتباك مع القطع البحرية الأميركية في المتوسط، هو فشل كامل في انتزاع أي صفقة من إدارة باراك أوباما. ويدرك بوتين ان ما تُعلنه كلينتون بالتقسيط، ليس سوى تشفٍّ بالعضلات الروسية التي يمرّنها بـ «الفيتو» في مجلس الأمن، لكنها لا تمكِّن النظام السوري من سحق الانتفاضة… وتشفٍّ باحتماء روسيا بمظلة السيادات والقانون الدولي التي لا يمكنها إدانة عشرين ألف قتيل، ولا وقف اندفاعة الشارع.
أغضب الكرملين بالتأكيد، أن دعوة العرب المعارَضة السورية إلى بدء التحضير لإعلان حكومة انتقالية، باتت تتطابق مع الموقف الأميركي- الأوروبي، وأن بإمكان واشنطن وحلفائها الأوروبيين الاكتفاء بإدارة الصراع سياسياً، ما لم يصل الى «الخطوط الحمر» (استخدام النظام السوري الترسانة الكيماوية أو افتعال حرب من الجولان).
وأما «الضمانات» التي تلقّاها الكرملين من النظام السوري في شأن الأسلحة الكيماوية، فواضح أنها لن تبدّل شيئاً تجنيه موسكو من الغرب، إلا إبعاد احتمال تدخل محدود ولو موقتاً. لكن الاحتمال ذاته سيقترب سريعاً من الصراع إذا تذرّعت الإدارة الأميركية بـ «أدلة» على استخدام دمشق طائرات حربية مقاتلة.
سيتبادر الى الذهن حتماً أن التأهب التركي المتزامن مع معركة حلب، لا بد أن يواكبه تأهب «أطلسي»، تحسباً لخيارات انتقامية قد يبادر إليها النظام السوري. وإذا كان «الناتو» بصمته يستفز مزيداً من الغضب الإيراني، فالحال ان ضيق المرشد بعجز دمشق عن الحسم، هو الذي يدفع «الحرس الثوري» الى التهديد بـ «ضربات حاسمة» ضد «جبهة العدو والعرب المكروهين».
هكذا تصنِّف طهران العرب وتقسّمهم، وتقسّم السوريين «مقاومين» وأنصار «كفر». وإذا كان أكيداً أن الحقيقة الكبرى هي استمرار شلالات الدماء في سورية منذ شهور طويلة، فالوجه الآخر لهذه الحقيقة هو أن بيع الأوهام لم يعد يخدع أحداً… وفي دمشق يعرف الجميع أن مَنْ في الخارج من الحلفاء، ضاق ذرعاً في انتظار «صفقة» لن تأتي.
يكفي أن يتذكر العرب تحجيم إيران للصراع في سورية منذ البداية، ثم انتقالها الى الاعتراف بضرورة تطبيق دمشق إصلاحات، ثم عرضها استضافة حوار بين النظام والمعارضة… أي بين مَنْ تعتبرهم «مقاومين» و «جبهة كفر»!
غضب في طهران وموسكو، أم ذعر؟ إيران تلوّح بحرب «دينية»، فلنتذكر أن «الحرس الثوري» أغلق مضيق هرمز عشرات المرات، أما حريات شعبه ومعركته مع الغلاء فتفصيل لا يتطلّب سوى رص الصفوف في مواجهة «الشيطان».
الحياة
الجمعة
الموقف الروسي من الثورة السورية.. هل تخرج موسكو من المستنقع؟
محمد بزيان
في حديث لنا سابق قبل أسابيع تحت عنوان ((المعضلة السورية)) حاولنا حصر العقد أو الإشكالات التي صعبت إلى حد كبير إنهاء الصراع في سوريا. وذكرنا من بين العقد موقف روسيا المساند للنظام القائم في دمشق.
ذلك أن روسيا تورطت مع نفسها في مساندة نظام بشار الأسد، بحيث لم تعد قادرة على الخروج من المستنقع الذي وقع فيه هذا النظام، ومحاولتها انتشاله منه بعد هذه المجازر المتتالية التي صار ارتكابها نهجا متبعا يسلكه النظام الذي قرر تدمير كل ما على التراب السوري من بشر وشجر وحجر بما توفره له روسيا من حماية سياسية ودبلوماسية وبما تمده من سلاح وذخيرة. لدرجة أن تكونت قناعة لدى البعض فاعتبر روسيا شريكا في ما يجري من مجازر. وبالنتيجة أصبحت روسيا تبدو في نظر هذا البعض دولة كبرى خارجة عن المجموعة الدولية. وأن موقفها مبني أساسا على ((المكابرة)) وليس على العقلانية وروح المسؤولية في معالجة المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري.
ولعله من المفيد في هذا السياق أن نحاول فهم الموقف الروسي وخلفياته باعتباره بقي حتى الآن عقبـة كأداء في طريق وضع حد للفظائع المقترفة في حق الشعب السوري على يد نظام دخل عالم الجنون فلم يعد يعي ما يفعل.
وعليه كي نستطيع فهم الموقف الروسي، ثم بعد ذلك نحاول تقييمه، علينا أولا إدراك بعض الخلفيات الأساسية. أهمها أن الموقف الروسي هو رد فعل على الموقف الغربي. وهو من جهة أخرى ارتداد لما تعرض له النظام الدولي لما يشبه الزلزال في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. هذا النظام مازال يبحث له عن توازن واستقرار أو قل هو يحاول البحث عن قواعد يستطيع أن يقوم عليها وتحكمه على مدى سنوات عديدة مقبلة. ولذلك كانت ((المسألة السورية)) محـل صراع حاد بين روسيا والغرب خاصة. فأخذ كل طرف يسعى إلى فرض إرادته بصورة ما، واضعا مصلحته أولا. بغية تحقيق مكاسب أو مواقع على خريطة النفوذ التي أخذت تتضح معالم حدودها مع بداية الربيع العربي. وظهر فيها نفوذ روسيا ينحسر خارج جغرافية سوريا وإيران. ومن الطبيعي والحال هذه أن تشعر روسيا بالقلق جراء تمدد النفوذ الغربي في المنطقة ليمتد إلى أفغانستان التي أعلنت بشأنها الوزيرة كلينتون أخيرا بأنها ((دولة حليفة خارج الحلف الأطلسي)).
وكما ترى فإن موقف روسيا من الثورة السورية نابع من نظرتها إلى أن الغرب الذي يسعى إلى توسيع دائرة نفوذه في المنطقة على حسابها.
أما موقف الغرب فنابع من نظرة تقوم على أساس نشر الديمقراطية القائمة على النظام التعددي ديمقراطية تخدم مصالحه بطبيعة الحال. وما الثورة السورية بالنسبة له سوى حلقة في سلسلة الثورات العربية التي توجت كلها حتى الآن بإقامة نظم تعددية. لم يحلم في يوم من الأيام بأن يرى عالما عربيا يحتل قلب العالم القديم يتحول بسرعة مدهشة وبخطوات تبدو ثابتة نحو تغيير يحدث من الأسفل ضد الأحادية والاستبداد باتجاه التعددية والديمقراطية بأقل كلفة ممكنة، إذا استثنينا الحالة الليبية.
إن الصراع في سوريا لسوء حظ الشعب السوري يخفي صراعا بين قوى الاستكبار العالمي على حد تعبير الإيرانيين. وقد عبر المبعوث الآممي السيد كوفي عنان بدقة حينما وصف الخلاف بين الغرب وروسيا حول المسألة السورية بقوله ((التنافس الهدام بين الغرب وروسيا..)).
عندما نحاول النظر إلى مجريات الأحداث في سوريا وإلى موقفي الطرفين الروسي والغربي منها ومدى تماسك كل منهما، فإننا نجد اختلالا في الموقف الروسي. حتى وإن حاولنا النظر إلى المسألة من زاوية النظرة الروسية. فالموقف الروسي مثلما يبدو لنا غير متماسك بحيث نلاحظ وجود ما يمكن اعتباره خطأ في الوسيلة وفي الهدف. فمن حيث الوسيلة، روسيا تتمسك وبكل إصرار بنظام فقد مبررات استمراره بعد أن أخرج دباباته وكل أسلحته الثقيلة لقتل شعبه وتدمير مدنه وإضرام النار في بيوت مواطنيه وحقولهم ! إن مساندة مثل هذا النظام سياسة تنطوي على خطأ فادح. بعبارة أخرى هذا الموقف يفتقر إلى كل المبررات الشرعية والأخلاقية وبخاصة بالنسبة لدولة كبرى تقع على عاتقها كغيرها من الدول الكبرى الأخرى مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين. وإذا كان وزير خارجية روسيا صرح يوما بأن بلاده تدافع عن احترام مبادئ القانون الدولي الذي لا يسمح بالتدخل في شؤون الدول فهذا أمر مقبول ويستحق الثناء. لكن إذا تعلق الأمر بأعمال القتل الذي يطال المدنيين من الأطفال والنساء فإن مبدأ عدم التدخل يفقد معناه لأن حق الإنسان في الحياة مقدم على غيره من الحقوق. فليس معقولا أن تبقى المجموعة الدولية تتفرج على ما يقترف من مجازر على يد طغمـة كأنها ليست من بني آدم وإنما جاءت من كوكب آخـر فجعلت تدمر كل ما على أديم الأرض التي يقيم عليها شعب هو جزء من الأسرة الدولية مثلما. كان في إمكان روسيا أن تطلب من الأسد التنحي مثلما فعلت الولايات المتحدة مع حليفها حسني مبارك. كان مثل هذا الطلب كفيلا بأن يشعر بشار الأسد وزبانيته بأن سياسة القمع مرفوضة ولن تجديه نفعا. ولن توفر حماية لنظامه. وبذلك كان من يمكن تجنيب الشعب السوري ما تعرض له من مجازر..
ومن الضروري الإشارة إلى أن هناك تقصيرا فادحا من جماهير الأمة في النهي بالكلمة عما يتعرض له الشعب السوري من مذابح. إنه لمن المحزن أن لا تتحرك جماهير الأمة فتخرج في مظاهرات احتجاجا وتنديدا بما يتعرض له الشعب السوري من ذبح كما تذبح الخرفان أو أسوأ من ذلك. لأن الخرفان تذبح وفقا للأوامر الشرعية، فلا تطعن ولا تنحر بغير الحاد ولا يسفح دمها على مرأى من أمهاتها وأخواتها من البهائم. بينما يقتل أطفال سورية على مرأى من أمهاتهم وإخوانهم. يحدث هذا والأمة شعوبا وحكاما ينظرون ويأكلون حتى التخمة وينامون ملء الجفون. لو تحركت الشعوب في مظاهرات منــددة بالقتلة وبمن يقف وراءهم ممن حولوا الدم السوري إلى أوراق يساومون بها في سوق المصالــح بدلا من لغة التأسف والتوسل وانتظار مجلس الأمن ومبعوثه، لأحس هؤلاء أن مواقفهم المخزية تسخط الأمة وتغضبها. ولغيروا حينها من مواقفهم وسياساتهم قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه الآن. ويتم تدمير أقدم مدينة وأعرقها دمشق بالمروحيات والدبابات ويدفن سكانها تحت أنقاضها..
أما من حيث الهدف وهو المحافظة على استمرار العلاقة الحسنة بينها وبين سوريا فالأمر يقتضي قيام هذه العلاقة على أساس وجود مشاعر صداقة لدى الشعب السوري نحو روسيا. أما محاولة إقامة صداقة متينة بالاعتماد على رعاية مصلحة الحكم غير الشعبي فسياسة غير منتجة..
فالنظرة السليمة التي نرى أنها غائبة في الموقف الروسي من الثورة السورية فهي ظن روسيا أن سقوط النظام القائم الآن في سوريا. ومجيء نظام جديد يعني أنها خسرت سوريا تماما وانقطعت العلاقة الحسنة معها. بينما الواقع لن يكون بهذه الصورة المتوقعة. إلا إن أرادت روسيا نفسها ذلك مثلما تفعل الآن بسياستها المتبعة حاليا تجاه الشعب السوري. أما غير هذا فإن الواقع سيفرض على أي قيادة في دمشق أن تكون علاقتها بموسكو حسنة ومتينة. أولا بسبب عمق العلاقة بين الشعبين والدولتين التي مرت عليها فترة زمنية طويلة. وثانيا بسبب ((الضرورة)) كذلك. إذ لا يمكن لسوريا أن تستغني عن إقامة علاقة قوية مع روسيا في ظل وقوف الغرب وانحيازه إلى إسرائيل المحتلة.
وخلاصة القول إن الدفاع على نظام دموي خطأ يرتكب وأن السعي إلى الصداقة المتينة مع الدول تقتضي إيجاد روابط التواصل بين الشعوب بحيث تجد هذه الشعوب ضرورة تدفعها إلى التقارب والتفاهم مع غيرها. ونعتقد أن بشار الأسد ونظامه هو من يعمل اليوم على تقويض علاقة الصداقة مع روسيا.
ومن المفارقات العجيبة التي يأتي بها التاريخ أحيانا. أن الثورات في القرن الماضي على الاستعمار أو الاحتلال كانت تزعج الغرب وترضي الشرق، أما الثورات على الاستبداد اليوم فتزعج الشرق وترضي الغرب على الرغم من أن هدف الثورات واحد في الحالتين وهو سعيها إلى الحرية. وبنظرة ربما أكثر عمقا نجد أن الموقف الروسي يتجه إلى معالجة المسألة في الظاهر أو النتيجة وليس في اللب أو السبب. ونحن على قناعة لو أن القيادة الروسية أعادت النظر في تصوراتها لغيرت موقفها. وإن كان ذلك صعبا عليها لأسباب ذاتية لكن ليس مستحيلا.
خلاصة القول إذا كان النظام المستبد والمتعنت في دمشق قد أوصل البلد والمنطقة إلى أبواب المجهول. ووضع نفسه في ورطة فإن القوى الدولية هي أيضا في موقف لا تحسد عليه بسبب الموقف الروسي الذي تمسك إلى آخر لحظة بنظام مجنون فجره معه إلى حافة المجهول..
الحياة
3 ثوابت للسياسة الروسية في سوريا
أكثر من عام ونصف عام مرّا على الأزمة السورية، ولا تزال روسيا مصرة على التمسك بموقفها الداعي إلى ضرورة ايجاد حل سوري داخلي للأزمة، منطلقةً في موقفها هذا من مجموعة من الأولويات تجعلها تتجاهل جميع الضغوط الغربية، وتحديداً الأميركية منها
ناصر شرارة
بين كفي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتجمع القرار الروسي بخصوص الأزمة السورية. إنه على دراية تامة بنظرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصالح روسيا الاستراتيجية، ولموقع الأزمة السورية فيها. إنه يشبه بوتين، هكذا يقول عنه الأميركيون. بين لافروف والمبعوث الدولي المشترك كوفي أنان، علاقة وثيقة. غالباً ما يكون الاتصال بينهما أسبوعياً. في إحدى محادثاته مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي اشتكى من أن أنان لا يتجاوب مع مبادرات حسن النية للنظام، قال له لافروف: «إنه لا يفعل شيئاً قبل أن يستشيرني شخصياً».
أولويات موسكو
لافروف هو من صاغ نظرية أنه يجب التمسك بمهمة أنان، لأنه لا بديل عنها في وجه نوايا دول «أصدقاء الشعب السوري». وهو يعتقد أن الدولة الأكثر عداءً لأنان ومهمته، هي السعودية. وفي كثير من محادثاته الدبلوماسية، يوجه السؤال التالي: لماذا لم تستضف الرياض أنان، ولو مرة واحدة؟
خلال النصف الأول من الشهر الحالي، التقى لافروف سفراء دول الاتحاد الأوروبي، ليعرض لهم أسباب موقف روسيا من الأزمة السورية. وتحت عنوان أولويات روسيا في سوريا، عدّد لافروف مجموعة اعتبارات بلاده الأساسية، بحسب ما كشفه مصدر دبلوماسي غربي لـ «الأخبار». قال لافروف إنّ لدى روسيا خوفاً من أن تؤدي الأزمة السورية إلى عدم استقرار في آسيا الوسطى، إذا سيطر الإخوان المسلمون على الوضع فيها. ولفت لافروف إلى أن هناك مجموعات إرهابية توجهت من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى. وهذه سيكون لها تأثير خطير إذا انزلقت سوريا إلى حكم سياسي ديني أو إلى فوضى عارمة.
لافروف فاجأ سفراء دول الاتحاد الأوروبي عندما أعلن، للمرة الأولى، أن بلاده مستعدة لتقديم مساعدات مالية لمجموعة جنوب أفريقيا، بمواجهة تعاظم نشاط القاعدة والمجموعات الإسلامية المتطرفة، انطلاقاً من مالي. كذلك تحدث لافروف عن دعم بلاده لموقف الجزائر، التي نشرت تعزيزات عسكرية هامة على حدودها الجنوبية، للرد على التحدي الآتي من مالي. ورأى أن ما يحصل فيها هو أزمة اقليمية، مشيراً إلى لقاء ضم دولاً في جنوب أفريقيا وشرقها، وذلك في إطار البعد الأمني الإقليمي.
ولفت لافروف إلى أولوية أخرى تتمثل في وجود ما يقارب 45 ألف مواطن روسي في سوريا. وهؤلاء يمثّلون البعد الثقافي الروسي في الشرق الأوسط، ولن تسمح موسكو بأن يحدث لهم ما حدث مع المواطنين الروس في ليبيا خلال تفجر الاحتجاجات الليبية.
في خلال هذا اللقاء، لاقى لافروف تفهماً من السفير الفرنسي، جان دي غلينياستي، تجاه الأولويات التي ذكرها. وقال «يبدو أن اوروبا تغيب عنها حقيقة مكونات الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية». ثم في مناسبة لاحقة لسفراء الاتحاد الأوروبي في اليونان لتقويم الأوضاع الدولية والإقليمية المستجدة من منظار المواقف الروسية تجاهها، قال السفير الفرنسي «في موضوع التقارب والتباعد بين موسكو وواشنطن، فإن الطرفين يتحملان المسؤولية، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين موسكو والاتحاد الأوروبي، الذي هو الشريك التجاري الرقم واحد لروسيا». وأضاف «لكن دول الاتحاد ليست منسجمة في مواقفها من روسيا، مثلاً، فرنسا وألمانيا واليونان تسعى إلى التقارب، فيما دول أورويية أخرى تبادر إلى عكس ذلك».
أهم نقطة تثير «حساسية» بوتين تجاه الأوروبيين، كما نقلها عنه لافروف لسفير فرنسا في الاتحاد الأوروبي، هي موضوع امتناع الاتحاد الأوروبي عن إعفاء المواطنين الروس من سمات الدخول إلى دوله. ويكفي تخيّل الواقع الشعبي الإيجابي الذي سيحققه بوتين داخل بلده، فيما لو حصل من الاتحاد الأوروبي على ميزة اعطاء مواطنيه إعفاءً من سمات الدخول إلى دول الاتحاد.
لقد صاغ بوتين ـــــ لافروف ردوداً استراتيجية على هذا الأمر، وعلى غيره من سلوكيات الدول الغربية المثيرة للاشتباه في أن هدفها حصار روسيا. أخيراً أنشأت روسيا منطقة تجارية حرة للاتحاد الجمركي تجمع في اطارها روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، سُميت «اتحاد أورو ـــــ آسيا». وكلما فاتحتهم دولة ما في موضوع اتفاقية ذات بعد اقتصادي، كان جواب الروس: «إذا أردتم اتفاقاً معنا، يجب أن يكون مع هذا الاتحاد». يعلق أحد السفراء في الاتحاد الأوروبي «روسيا تنشئ محورها الاقتصادي الخاص ضمن الفضاء العالمي. هذه هي رسالة بوتين ـــــ لافروف إلى النظام الدولي الجديد، الذي جاءت مناسبة الأزمة السورية لتظهر ملامحه السياسية».
حرب الكواليس الدبلوماسية
لخص لافروف موقف روسيا من الأزمة السورية بثلاثة مصطلحات، رأى أنها تمثل ثوابت بلده منها، بالأمس واليوم وغداً. المصطلح الأول يشدد على أن توصيف موسكو للأزمة أنها «أزمة جيو – سياسية». والثاني «من الضروري حلها على نحو مرن». أما الثالث، فمفاده أن «روسيا لا تتمسك بالأسد، لكنها ترفض الآلية المطروحة التي تتحدث عن تنحيته قبل الحديث عن أي موضوع آخر». يشرح لافروف هذه العناصر الثلاثة الآنفة في محادثة مع أنان، فيقول: «هناك تخوف من نهج الغرب المسهل لمجيء متطرفين إلى السلطة، لأن من شأن ذلك أن يقضي على التعددية في سوريا». وحول عبارة «الحل المرن»، يؤكد لافروف أن «مجلس الأمن لن يكون بإمكانه التصديق على تدخل خارجي أو فرض التغيير على السوريين من الخارج». وحول «مصير الأسد»، يقول: «روسيا لا تتمسك بالأسد، ومصيره يقرره حوار سوري شامل، وبالتالي لن يرحل، والآلية التي تبحث في رحيله قبل أي موضوع آخر، غير قابلة للتطبيق».
وبنظره، الأسد انتخبه نصف الشعب السوري أو أكثر، وبناءً عليه فرحيله يقرره السوريون. وعن النموذج اليمني وتطبيقه في سوريا، يرى «أن الوضع في اليمن مختلف، فالجيش هناك انفصل عن الرئيس علي عبد الله صالح. وحتى هذه اللحظة، لم ترد إشارات توحي بأن الجيش السوري ينفك عن الأسد». لقد جادل لافروف واشنطن كثيراً في هذه النقطة، وذلك طوال فترة النصف الأول من هذا العام. وهي الفترة التي صعد فيها داخل المحافل الغربية مصطلح تطبيق الحل اليمني على الرئيس الأسد، بمعنى انضاج ظروف من الانشقاقات داخل الجيش السوري تؤدي إلى جعل الأسد ينصاع لآلية نقل صلاحياته إلى نائبه، أو إلى هيئة حكومية انتقالية لا يكون فيها أحد من حلقته الضيقة.
السفير الأميركي لدى دمشق، روبرت فورد، في محاضرة خصص جزءاً منها لدعم وجهة نظر وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، عن انضاج ظروف انشقاقات داخل الجيش في مقابل وجهة نظر لافروف التي تؤكد أن الجيش السوري حالة متعاضدة مع بشار الاسد، يقول «ما نقوله لموسكو هو أن الوقت لا يعمل لصالح النظام، لأن الاقتصاد ينهار والعقوبات على النفط أنهكت موازنة الدولة، ورجال الأعمال بدأوا بالتململ. وليس من قبيل الصدفة ازدياد التظاهرات في حلب». ويصل فورد إلى الغاية الاستراتيجية من تشديد العقوبات الاقتصادية، فيقول «واشنطن تعول على العلاقة الموجودة في سوريا بين رجال الأعمال وضباط الجيش، ونحن نراهن على أن التململ الذي بدأوا يعانونه سينتقل إلى أقاربهم وأصدقائهم في الجيش، الذي لا يزال متماسكاً، ما يجعل لافروف يجادل كلينتون بأن المثل اليمني ليس له مستمسك على الأرض في سوريا».
أنان أو الحرب الأهلية
بعد قمة المكسيك بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، قررت واشنطن افساح المجال أمام محاولات سلسة لتغيير الموقف الروسي تجاه بقاء الأسد في السلطة، وذلك مراعاةً لثلاثة أمور حيوية بالنسبة إلى إدراة أوباما. أولها أن أوباما لا يرغب في أي انزلاق إلى حرب خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثانيها أن واشنطن معنية بعدم حدوث انقسام داخل مجلس الأمن. وثالثها، إبقاء الفوارق بين موسكو وواشنطن ضمن حدود معقولة.
في مقابل هذه الخطوط الحمراء، هناك أوراق ضغط استراتيجية يمكن ممارستها ضد روسيا، أبرزها استغلال حقيقة أن استمرار انخفاض أسعار النفط العالمية من شأنه أن يضغط على الروس لحملهم على إعادة النظر في سياساتهم تجاه سوريا، التي تؤثر على نحو مباشر على علاقتهم بالدول المنتجة للنفط، ولا سيما العربية والخليجية منها.
الخطوة الاستراتيجية الأخرى، التي ستطرحها واشنطن بوجه موسكو في المرحلة الراهنة هي تخييرها بين ثلاثة سيناريوهات للحل في سوريا، كما كشفت عنها مندوبة الولايات المتحدة الاميركية، سوزان رايس في الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، التي عُقدت قبل نحو أسبوعين. رايس أعلنت أن الأيام القليلة المقبلة ستحدد أيّ من سيناريوهات الحل سيتحقق. السيناريو الأول، ممارسة ضغوط أقوى من قبل الدول على النظام السوري، ما سيحمله على اتخاذ خطوات ملموسة وسريعة لوقف العنف، وضمان نجاح أنان، ما يسمح للمجلس بالمحافظة على وحدته. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في أن يوافق أعضاء المجلس على فرض عقوبات على الحكومة السورية، وعلى إحالة الجرائم المرتكبة من قبل النظام على المحكمة الجنائية الدولية، ما يضمن نجاح خطة أنان، ويسهم في محافظة المجلس على وحدته وتماسكه. وأخيراً، يتمثل السيناريو الثالث في عدم تحرك مجلس الأمن، ما سيحوّل الصراع إلى حرب أهلية، قد تمتد إلى البلدان المجاورة وتصبح حرباً إقليمية بالوكالة.
أورلوف يكرر حديث التنحي
رأى السفير الروسي في باريس ألكسندر أورلوف، أنّ من الصعب تصوّر أن يبقى الرئيس السوري بشار الأسد (الصورة) في الحكم. وقال أورلوف، في مقابلة مع صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية نشرت اليوم رداً على سؤال عن قول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إن سقوط الأسد أمر حتمي، إنّ «من الصعب تصوّر أن يبقى (الأسد).. سوف يرحل وأعتقد أنه يفهم ذلك، لكن يجب تنظيم ذلك بطريقة حضارية، كما حصل في اليمن مثلاً». وكرر كلامه السابق الذي أدلى به في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية أن موافقة الأسد على اتفاق جنيف تعني أنه موافق على الرحيل، لافتاً إلى أن «حقيقة أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على البيان الختامي في جنيف في 30 حزيران، واختيار ممثله للمفاوضات المقبلة مع المعارضة، يثبتان أنه في داخله يوافق على فكرة أنه قد يرحل». وأضاف «هذا تطوّر مهم».
(يو بي آي)
الأخبار
الخميس
الروس والأميركيون والإيرانيون متواطئون على تقسيم سوريا!
هدى الحسيني
مع بداية الأحداث في سوريا، يوم 15 من شهر (مارس) 2011، (اضطرابات درعا)، كان مسؤول عربي في زيارة لدمشق حيث التقى رجل الاستخبارات السرية هناك، اللواء محمد ناصيف، الذي فاجأه لدى استفساره عما يجري بالجواب التالي: «إما نحن وإما هم»، وكان يقصد بذلك إما نحن العلويين أو هم السنة. ومنذ ذلك الوقت لاحظ المسؤول العربي التدمير المنهجي للقرى والمدن السنية. ولم يستبعد أن تقود الأحداث إلى تقسيم سوريا، وزاد القصف على حمص فأدرك أنها محور هذا المخطط الجهنمي.
محطة أخرى، هذه المرة في إسطنبول، التقى مسؤول عربي آخر مسؤولا أميركيا يعمل في البيت الأبيض، فسأله عما إذا كان هناك من احتمال لتقسيم سوريا، فكان الجواب: «كل الاحتمالات واردة».
بعد العملية التي أودت بحياة كبار الضباط السوريين، دخلت سوريا في حالة من الدمار والتدمير، اعتقد كثيرون بأن الوقت قد حان لتوفير «مخرج آمن» للرئيس السوري، بشار الأسد، وعائلته إلى روسيا، والذي زاد في تفاؤل البعض، وارتباك البعض الآخر، تصريحات السفير الروسي في باريس، وكثرت التوقعات بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم 19 من يوليو (تموز) إثر الانفجار الذي وقع في دمشق، ربما فات البعض أن يقرأ تصريح يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، ذلك اليوم، الذي أكد أن «الرئيسين لم يناقشا مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، ولا حتى الجهة التي يمكن أن يتوجه إليها» وأضاف: «إن هذا الموضوع لم يتم التطرق إليه أيضا خلال اللقاء الذي جمع الرئيس بوتين ورئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان»، (جرى يوم 18 من يوليو في موسكو).
لا يستغرب مسؤول أممي تعويل إدارة أوباما على تغيير في الموقف الروسي ويقول: «إن في هذا منطقا، إذ كيف ستحافظ روسيا على مصالحها بالتمسك ببشار الأسد»، لكنه يضيف: «إن من بين الأشياء التي نراها ونعرفها، هو أن بشار الأسد يواجه تهديدا وجوديا لحكم عائلته، وربما للهيمنة العلوية، ولهذا تدعم إيران بقوة بشار حتى النهاية».
ماذا يعني هذا؟ يقول: «حتى لو أن روسيا (أمرت) الأسد بالتنحي، فهناك احتمال بأنه لن يصغي إليها، وبالتالي لماذا تريد روسيا اختبار هذه الفرضية فتثبت للعالم أن تأثيرها أقل بكثير مما نتصور». لكن إطالة أمد هذا الصراع، لا يبرئ بقية الأطراف، لذلك صارت هناك قناعة لدى كثيرين، وأكثر من أي وقت مضى، بأن الكل قد يغض الطرف عن تقسيم سوريا إلى دويلة علوية وأخرى سنية وربما ثالثة للأقليات.
في اتصالات بين دبلوماسيين عرب وأجانب وبعض أعضاء المعارضة، تأكيد بأن الحسم صار حتميا، لكن في المقابل ستشهد سوريا مزيدا من العنف والتعقيدات قبل سقوط النظام!
يقول لي مسؤول عربي: «لا يوجد نظام في سوريا. النظام هناك كناية عن ثلاثة أشخاص هم: بشار الأسد، وماهر الأسد، ورامي مخلوف. المشكلة أنه بعد مصر واتفاقية (كامب ديفيد)، كانت هناك سوريا، الآن يجري تدميرها بالكامل».
ما كان يخشاه كثيرون من احتمالات الدخول في مواجهات طائفية تكون الطائفة العلوية أبرز أطرافها، لذلك تكتب على الجدران في دمشق شعارات لتطمين العلويين بأنه لن يتم المساس بهم بعد رحيل الأسد. لكن هذا لم يخف المخاوف من سيناريوهات التقسيم، يدعم هذا تزايد وتيرة التطهير في مناطق الوسط والساحل، وشبه الاستقلال في المناطق الكردية ونمو النزعات المناطقية في بعض الأماكن وتشتت المعارضة السورية والخوف من الأصوليين والإسلاميين، وخصوصا مع إعلان جماعة الإخوان المسلمين السورية عن عزمها على تأسيس حزب سياسي على غرار مصر وتركيا.
في هذا الإطار (الدولة العلوية) يدخل تدمير حمص، معظم الأحياء السنية دمر، وكذلك المدينة القديمة، حيث كان يعيش عشرات الآلاف من المسيحيين. تعتبر حمص المدخل البري السني إلى الساحل، أي الأرض العلوية، يلي ذلك إخراج السنة من اللاذقية، وتدمير كل القرى السنية حول جبال العلويين، فتلك المنطقة مجاورة للإسكندرون في تركيا، حيث يعيش فيها «النصيريون».
الروس، أغرتهم فكرة دولة علوية تدور في فلكهم، تضم طرطوس (إطلالتهم على البحر المتوسط)، مع ما يتردد عن وجود غاز ونفط هناك.
وهنا، قد يكون الأوروبيون أخطأوا، إذ أبلغوا بشار الأسد، عبر موفد سوري، بأنه إذا ما أوقف هجماته على المدنيين، يمكن أن يبقى في الحكم لفترة سنتين، لأن الغرب يرغب بمد أنابيب نفط وغاز من قطر والسعودية عبر سوريا إلى المتوسط للتخلص من تحكم روسيا بإمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا.
بالنسبة لدولة بشار الأسد، فإنه يفكر بربطها بالعراق، أي أنه مستعد أن يقسم سوريا إلى ثلاثة أقسام، ولهذا كان قصف دير الزور على الحدود العراقية. ويبدو أن الروس يدعمون هذا التوجه. والربط من طرطوس إلى العراق قد يكون لإعادة إصلاح خط أنابيب النفط من البصرة إلى المتوسط.
ينكب كثير من المراقبين والسياسيين والصحافيين على مراجعة الاتفاقيات القديمة من «سايكس بيكو»، إلى «سيفر»، وبالذات «سان ريمو»، حيث أراد الجنرال غورو معاقبة السوريين على تصديهم لفرنسا في معركة ميسلون فأعلن عام 1920 تقسيم سوريا إلى خمس دويلات مستقلة على أساس طائفي: دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين، ودولة جبل الدروز، ولواء الإسكندرون، الذي أعطي لاحقا لتركيا كمال أتاتورك.
لكن، بسبب الرفض الشعبي للتقسيم واتفاقهم على القومية السورية قامت فرنسا بإنشاء اتحاد فيدرالي فضفاض بين ثلاث من هذه الدويلات؛ دمشق وحلب والعلويين، تحت اسم «الاتحاد السوري»، لكن في نهاية عام 1924 ألغى الفرنسيون الاتحاد وتم توحيد دمشق وحلب في دولة سوريا، أما دولة العلويين فقد فصلت مجددا وعادت دولة مستقلة عاصمتها اللاذقية.
الآن، والعراق غير مستقر ومفكك، والميل في العالم العربي إلى أنظمة أصولية يحكمها الإخوان المسلمون، يشعر النظام السوري بأن لديه مبررا قويا، فالأقلية العلوية (12 في المائة من الشعب السوري) لن تستطيع على المدى المتوسط مواجهة هذه القوى، لكن قبل أن يقسم سوريا فإنه سيدمر أهم مدنها.
الأقليات الأخرى، من دروز ومسيحيين وإسماعيليين، يعيشون خوفا على مصيرهم من وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في سوريا، حتى الأكراد، الذين هم من السنة ومرتبطون أرضا بأكراد العراق، يرون في الإخوان المسلمين خطرا على هويتهم وثقافتهم، لأنه بالنسبة إلى الإخوان المسلمين، لا يكفي أن تكون سنيا كي تكون مقبولا لديهم، وهذا ما يعرفه تماما المسلمون المعتدلون والليبراليون في كل الدول العربية التي زارها «الربيع العربي» أو «يهدد» بزيارتها.
كانوا يتكلمون عن شرق أوسط جديد، فإذا به شرق أوسط جديد بكل معنى الكلمة، أي بدول جديدة قد تبرز على السطح، بفضل الوافدين الجدد إلى المنطقة: الروس والإيرانيون، وسبب التواطؤ الخفي ما بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فإذا ما تم فعلا تنفيذ المخطط القاضي بتقسيم سوريا إلى دويلات، فإن هذا سينعكس سلبا على لبنان بالذات، خصوصا أن الدولة العلوية المزمع إنشاؤها ستتجاور حدوديا مع الشريط اللبناني ذي الغالبية الشيعية، وبالتالي ستتم محاصرة سنة ودروز لبنان من جهة، ومحاصرة سنة ودروز سوريا من جهة أخرى. أما مسيحيو البلدين فعلامات أسئلة كثيرة تحوم حول مستقبلهم، خصوصا مسيحيي سوريا.
تبقى هناك قناعة لدى كثيرين من العرب بأن روسيا وإيران والولايات المتحدة ضالعة في مشروع تقسيم سوريا، بالإضافة إلى النظام السوري برئاسة بشار الأسد. وإلا، ما معنى ما تردد من أن مسؤولا (…) اتصل هاتفيا بالرئيس السوري قبل حدوث الانفجار الكبير، وطلب منه عدم مغادرة القصر ذلك اليوم؟
الشرق الأوسط
هل تقطع دول العرب علاقاتها مع روسيا؟
سركيس نعوم
يثير موقف روسيا السلبي من ثورة غالبية الشعب السوري غضب غالبية الشعوب العربية المتعاطفة مع الثوار والداعية الى موقف دولي حاسم يساعدهم على الانتصار. فروسيا هذه استعملت حق النقض ثلاث مرات في مجلس الأمن منذ اندلاع الثورة، فحالت دون صدور قرارات حاسمة تنهي مأساتهم وتُريحهم من الظلم الذي “تعايشوا” معه عقوداً عدة. وجعلت الرئيس الاسد وأركانه يظنون أنهم “مدرّعون” وانه قادر على وأد الثورة أو على منعها من تحقيق أهدافها وذلك بادارة حال من الفوضى العسكرية والامنية في البلاد بواسطة جيشه المدعوم من موسكو وطهران. طبعاً دفع الغضب المذكور الشعوب العربية، استناداً الى متعاطي سياسة وإعلام، الى مطالبة دول العرب بالضغط على روسيا لاقناعها بتغيير موقفها. وذهب بعض هؤلاء بعيداً اذ دعا الى قطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية بل كل انواع العلاقات بروسيا. الا ان اياً من الدول العربية لم تستجب حتى الآن هذا النوع من الطلبات. ولا يعود ذلك الى “ارتياحها” للموقف الروسي الداعم للاسد ونظامه، هي التي تخوض ضده حرباً سافرة منذ 15 آذار 2011. بل يعود الى جملة اسباب، منها ان روسيا التي لم تعد دولة عظمى لا تزال دولة كبرى قوية عسكرياً واقتصادياً، ولا تزال تمتلك امكانات ضخمة، ولا يزال المجتمع الدولي بكل اطرافه في حاجة الى التعامل معها وسلماً بغية حل مشكلات ونزاعات اقليمية أو دولية عدة. ومنها ايضاً ان روسيا، ورغم ثورات الدول العربية ورغم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي قد توفرها لها علاقات منحازة مع هذه الدول، ليست دولة فقيرة. واذا كانت شهدت تعثرات اقتصادية مهمة ايام كانت اتحاداً سوفياتياً او بعدما عادت روسيا، فإن سبب ذلك لم يكن قلة مواردها او فقرها. بل كان في المرحلة السوفياتية نظاماً آثر الديكتاتورية والانفاق على السلاح لمشاركة اميركا زعامة العالم بدون توفير الراحة الاقتصادية والمعيشية لشعوبه. وكان في المرحلة الثانية الانتقال الفوضوي الى اقتصاد السوق والى الحرية السياسية الامر الذي سمح للحيتان باستغلال المرافق والثورات والتحوّل في سرعة من اكبر اثرياء العالم. ومنها ثالثاً ان قرارات بحجم قطع العلاقات مع روسيا تحتاج الى تشاور، كي لا نقول الى إذن، من الدولة العظمى الحليفة لغالبية الدول العربية أي اميركا. وهذا أمر لا يبدو متوافراً اليوم. ولا أحد يعرف اذا كان سيتوافر. ومنها اخيراً ان العرب لم يقطعوا علاقاتهم مع اميركا رغم استعمالها “حق النقض” مرات ضد مشاريع قرارات تتعلق بقضية فلسطين التي كانوا يؤيدونها، بل رغم تبريراتها السافرة لاعتداءات اسرائيل على الفلسطينيين والعرب. فلماذا يقطعونها مع روسيا التي ناصرت قضيتهم عقوداً أو كيف يبررون ذلك امام شعوبهم؟
في أي حال، لا يعني ذلك ان دول العرب لن تفعل كل ما في وسعها لمساعدة ثوار سوريا على نظام الأسد. فالتطورات الكبيرة التي حصلت منذ اندلاع الثورة اظهرت في وضوح تأييداً عربياً شبه شامل لها. واظهرت أيضاً التزاما خليجياً قوياً لتقديم كل ما يلزم لمساعدة الثورة. واظهرت ثالثاً ان المملكة العربية السعودية المعروفة بتحفظها المزمن وبتحاشيها المواجهات المباشرة مع خصومها أو أعدائها، وبمحاولة رد خطرهم أو ابتزازهم بالتي هي أحسن (الفلوس مثلاً)، اظهرت ان هذه المملكة أخذت دور قيادة الجهد العربي بل الإسلامي المناصر للثورة سياسياً وتسليحاً وتدريباً وتمويلاً ودولياً بغية تمكينها من اسقاط الاسد ونظامه. ودافعها ليس الحرص على مصالح غالبية الشعب السوري وحقوقه وحرياته أو ليست الحرص على ذلك فحسب، بل هو مواجهة الخطر الذي تتعرض له وشقيقاتها الخليجية كما العالم العربي من ايران الاسلامية الشيعية التي نجحت في اختراق قلب العالم العربي، وباتت تهدد فعلاً في رأيها عروبته ومذهبيته ودوره. وقد لمس مَن يعرفون المملكة اصرارها والتزامها هذين عندما عيّن عاهلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأمير بندر بن سلطان رئيساً للاستخبارات العامة بعد أشهر قليلة من تسليمه رئاسة مجلس الأمن الوطني. وبندر، لمن لا يعرفون، وهم قلة، كان في السنوات الماضية قائد مدرسة التصدي لسوريا في لبنان على الاقل منذ عام 2005، وكان ولا يزال الأقرب الى الولايات المتحدة التي امضى فيها 22 سنة سفيراً لبلاده.
ملاحظة: سقط سهواً من “الموقف” يوم السبت الماضي ان تغيير المواقع يشمل أيضاً قيادة الجيش اذ تذهب الى الشيعة. وساعتها يصبح “تسليم السلاح” الى الدولة ممكناً.
النهار
السبت
روسيا تمارس الازدواجية في سياستها؟
اميل خوري
في معلومات لمصادر ديبلوماسية أوروبية أن روسيا أخذت تمارس الازدواجية في سياستها حيال الوضع في سوريا، فهي من جهة تفاوض على مرحلة ما بعد الرئيس بشار الاسد ومن جهة اخرى تضع في حسابها احتمالات صمود نظامه في وجه الثائرين عليه وتمده بالمساعدات اللازمة لهذه الغاية.
أما التفاوض حول مرحلة ما بعد الاسد فالبحث يتناول امكان تشكيل مجلس عسكري من الضباط المنشقين عن الجيش النظامي على ان يتم تطعيمه بضباط معتدلين من جيش النظام، ويدير هذا المجلس المرحلة الانتقالية، وهي مرحلة الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس نيابي ينتخب رئيساً للجمهورية، وبعد ذلك يتم تشكيل حكومة من الاكثرية سواء أكانت ائتلافية ام كانت اكثرية اللون السياسي الواحد اذا كانت كافية لتأمين الثقة.
لكن هذا الاقتراح لم يوافق عليه بعض المعارضين السوريين لان المجلس العسكري يضم ضباطاً من النظام السوري الحالي، ويفضلون تشكيل حكومة وحدة وطنية كما جاء في خطة كوفي انان ولا مانع من تمثيل سياسيين قريبين من اهل النظام باعتبارها حكومة انتقالية مهمتها الاشراف على الانتخابات النيابية. ومع ان روسيا توافق على اي من الحلّين، الا انها تصر على ان يتم الاتفاق على مرحلة ما بعد الاسد قبل ان يُطلب منه التنحي، اذ تخشى اذا ما حصل التنحي ولم يكن قد تم التوصل الى اتفاق على هذه المرحلة ان تسود الفوضى البلاد خصوصاً مع وجود رؤوس كثيرة عسكرية وسياسية في المعارضة. وهذا معناه ان روسيا أخذت تسلّم بمبدأ تنحي الرئيس الاسد لكنها تشترط الاتفاق سلفاً على مرحلة ما بعده، هل يتولاها مجلس عسكري وممن يتألف، ام تتولاها حكومة وحدة وطنية موقتة تضم شخصيات من الموالاة والمعارضة تجنباً لاي انتقام سياسي او مذهبي وتجنباً ايضاً لاي فراغ في السلطة قد يسهل انتشار الفوضى وانتقال الاسلحة الكيميائية الى اي مجموعة ارهابية داخل سورية او خارجها. وهذا يتطلب الاسراع في الاتفاق على مرحلة ما بعد الاسد، وان عدم التوصل اليه بالسرعة المطلوبة يبقي الرئيس الاسد في موقعه تجنباً لكل هذه المحاذير.
ولان الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية متعثر مع وجود معارضات متعددة، فإن الاتجاه قد يكون نحو تشكيل مجلس عسكري يسهّل الاتفاق على تشكيله اكثر من الحكومة ويبدد المخاوف من احتمال سيطرة “الاخوان المسلمين” وغيرهم من الاسلاميين المتشددين على الحكومة لانهم اكثر تنظيماً من الآخرين.
ومن جهة اخرى، فإن روسيا هي على تواصل مع نظام الرئيس الاسد وتراقب الوضع على الارض بعدما أخذ يدخل المرحلة العسكرية الحاسمة لاختبار قدرة الجيش السوري النظامي على الحسم في حلب بعد دمشق، وما الذي يمكن ان يحصل بعد ذلك، وهل يستتب الامر للنظام وان نسبياً، فيكون لروسيا عندئذ موقف والا يكون لها موقف آخر، فضلاً عن مراقبة موقف ايران اذا ما واجه النظام السوري خطر السقوط، وهل تتدخل عندئذ مباشرة لانقاذه فتدخل المنطقة كلها في المعمعة.لذلك يمكن القول ان الايام المقبلة سوف تكشف الصورة العسكرية والسياسية في سوريا بحيث يبني كل طرف موقفه في ضوئها. فإذا سجلت هذه الصورة قدرة الجيش النظامي على خوض المعارك وتحريك قواته وآلته العسكرية في اكثر من منطقة من دون حصول مزيد من الانشقاقات العسكرية والسياسية والديبلوماسية عن النظام، فإن الانظار تتجه عندئذ نحو اميركا ودول الغرب ونحو السعودية ودول الخليج وتركيا لمعرفة ما اذا كان التدخل العسكري خارج مجلس الامن قد نضج. وقد يكون الاعتراف الرسمي السوري بوجود اسلحة كيميائية وان صار تراجع غير مقنع عنه من الاسباب التي تدعو الى هذا التدخل، خصوصاً ان الكل يذكر ما حدث للعراق لمجرد الادعاء بوجود مثل هذه الاسلحة.
ويتساءل بعض المراقبين: هل كان الاعتراف الرسمي السوري بوجود اسلحة كيميائية في مكان حصين يرمي الى اشعال حرب في المنطقة تعيد نتائجها النظر في مناطق النفوذ ولا تبقى داخل حدودها ليقتصر الامر على اسقاط النظام من دون اسقاط الدولة ومؤسساتها من خلال تنظيم عملية تسليم وتسلم منظمة كما حصل في اليمن، ولقطع الطريق على الفراغ والفوضى وجعل ايران وغيرها تستفيد من ذلك فتضع يدها على سوريا كما في العراق، فكان الانقسام الطائفي واستمرار اعمال العنف، وهذا لا يضير اسرائيل التي اذا لم تنتصر في حروبها، فإنها تنتصر في التدمير بغية افقار الشعوب العربية بحيث لا تعود تفكر الا بلقمة العيش.
النهار
الأحد
مراجعة غربية للفشل الدولي وروسيا فقدت آخر فرصها
روزانا بومنصف
تدور الدول الغربية على نفسها في التعامل مع الازمة السورية في ظل استمرار العجز الدولي على التوافق على حل وآليته التنفيذية فتعيد تأهيل بعض الافكار في ضوء التطورات الميدانية الاخيرة. اذ تكشف مصادر ديبلوماسية معنية على اطلاع دقيق على الوضع السوري ان هناك اقتناعاً جديداً بات يتزايد في الاسابيع الاخيرة وعلى اثر فشل صدور قرار في مجلس الامن في 19 من الشهر الجاري لفرض عقوبات على النظام ما لم يلتزم وقفا للنار في مدة محددة بفعل الفيتو الروسي والصيني والتصعيد العسكري المتصاعد في دمشق وحلب بعد تفجير مبنى الامن القومي الذي اطاح باربعة قادة امنيين من اركان النظام. ومع ان هناك توجها لدى الدول العربية، وفق ما أعلن وزراء خارجيتها الاسبوع الماضي، الى اللجوء الى الجمعية العمومية للامم المتحدة ومحاولة الحصول على اجماع دولي يدعم وجهة النظر العربية ودعوتها الاسد الى التنحي وتوفير مخرج آمن له، اضافة الى حشر روسيا والصين امام المجتمع الدولي لكونهما لا يقفان في وجه اجماع عربي وغربي في الموضوع السوري فحسب بل هما يقفان ضد العالم باسره تقريبا ما خلا دول معدودة، فان هذا التوجه لا يقدم الكثير في شأن الضغط من اجل الحل الداخلي السوري.
هذا الاقتناع الجديد نشأ بفعل فشل التوافق الدولي على حل يترجم في عاملين او مظهرين وفق ما تقول هذه المصادر: الاول ان هناك عودة الى الرأي او النظرية التي تفيد بان لا حل خارجياً محتملاً لسوريا وان اي تسوية يرعاها الخارج ستكون غير جدية. ولعل هذا الاقتناع هو الذي دفع قوى الداخل الى تصعيد الحرب على قاعدة ان اي تسوية لن تحصل الا بين قوى الداخل اي الجيش السوري وقوى المعارضة، وتالياً فان الحرب في كل من دمشق وحلب تحمل في طياتها الحاجة الى تسوية تنبثق من الداخل. ويفهم من كلام هذه المصادر توقع حصول تطور داخلي من ضمن الجيش السوري الذي لا يزال مواليا للاسد من اجل التوافق مع المعارضة في الداخل على حكومة انتقالية تنبثق من العناصر الداخلية وتضم عناصر من معارضة الخارج باعتبار ان الهاجس الاساس وراء اقتراح بعض وزراء الخارجية الاوروبيين اخيرا الاتفاق على حكومة انتقالية محاولة تطمين الطائفة العلوية واشراكها من الداخل في صيغة حكومة انتقالية تريحها بما يسهل فكاكها عن الاسد وعدم ربط مصيرها بمصيره. كما ان هذه الحكومة يمكن ان تساهم في طمأنة جميع الفئات السورية من خلال اظهار ان لا هيمنة للاسلاميين عليها من جهة وهي تؤمن مشاركة الجيش السوري وضمانته من جهة اخرى.
ويبدو واضحاً وعلى رغم تمسك العرب بتنفيذ خطة المبعوث الدولي والعربي الى سوريا كوفي انان، وفق ما جاء في البيان الاخير لمجلس وزراء الخارجية العرب، ان الغرب لم يعد يعول كثيراً على خطة انان ويبدو العمل منصباً من خارجها بعدما بات صعبا الثقة في قدرته على احياء جهوده من اجل حل سياسي. وقد مرت عشرة ايام حتى الآن من مهلة التمديد الاضافية للمراقبين والتي تمت لمدة ثلاثين يوماً من دون ان يظهر اي شيء عملي على هذا الصعيد بحيث يمكن القول ان هؤلاء سيكونون ادارة معاونة لمهمة انان.
الامر الآخر هو تقويم الدول الغربية اداءها في الموضوع السوري على قاعدة اعتبارها انها ساهمت هي بنفسها اي هذه الدول في تكبير حجم الدور الروسي في سوريا وقدرته على التأثير في النظام كما ساهمت هذه الدول نفسها في تكبير العقبة الروسية. اذ يقول هؤلاء الديبلوماسيون انه لم يعد ثابتاً او اكيداً ان الرئيس السوري يمكن ان يتجاوب مع اي ضغط روسي من اجل التنحي في حال طلب منه الروس ذلك، ولعلهم لا يفعلون لضرورة المحافظة على وهم قدرة التأثير وعدم كشف محدوديتها خصوصا ان الروس لم يلتقطوا المبادرة منذ اشهر في لعب دور من هذا النوع وتهديد الأسد بعدم تغطيته، اذ لعله كان اقتنع عندئذ بعدم جدوى القتال على نحو مبكر. وهذا الامر لا يعتقد انه لا يزال واردا في الظرف الراهن وليس واضحاً ما اذا كانت روسيا لا تزال تحتفظ بالقدرة على رعاية اي حل او المساهمة فيه بعدما احرقت مراكبها مع المعارضة السورية ومع الدول العربية.
وهذه المراجعة الغربية تفيد بان الاتجاه قد يكون أكثر فأكثر نحو تجاهل الدور الروسي وعدم الانزلاق الى صراع دولي سياسي واعلامي على سوريا بدت ملامحه خصوصا في الاسابيع الاخيرة مع تبادل الاتهامات بتعابير حادة حول مسؤولية كل طرف من الاطراف الدوليين بتأجيج الحرب في سوريا من خلال تقديم الدعم او حماية احد اطراف هذه الحرب فضلا عن بروز توتر على هذا الصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا. في اي حال فان تجاهل الدور الروسي انطلق من على طاولة مجلس الامن حين لمحت المندوبة الاميركية الى احتمال العمل من خارج المجلس في منحى واضح لدعم المعارضة السورية وتقديم المساعدات لها في الوقت الذي باتت فيه التطورات السورية الاخيرة محرجة جداً لروسيا. اذ ان انتقال الاشتباكات الى دمشق وحلب نزع من يد روسيا ورقة مهمة كانت لا تزال تكررها حتى الاسابيع القليلة الماضية وهي ان لا تهديد فعلياً للنظام ما دام لا يزال يحكم السيطرة على هاتين المدينتين وهي مؤشر على استمرار دعم اكثر من نصف الشعب السوري له وفق وجهة النظر الروسية. الامر الذي سقط فعلا في الآونة الاخيرة اذ باتت موسكو تحذر من وقوع مجزرة في حلب ولو بررت للنظام هجومه على المدينة وعدم تسليمه للمعارضة بسيطرتها عليها.
النهار