صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش” والوضع في سورية والعراق

 

الحرب على «داعش» ولاّدة حروب ومشاريع تقسيم؟/ جورج سمعان

الحرب على «داعش» لن تكون طويلة فحسب. قد تكون ولادة حروب قديمة جديدة. الحرب الدولية – الإقليمية على الإرهاب في بلاد الشام قد لا يكون حظها أفضل من الخطة الأميركية لبناء شرق أوسط جديد. لن تثمر أفضل مما أثمرت في أفغانستان ثم في العراق. ثمة توافق على أن هذا الحشد الدولي الواسع لن ينجح في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي ما لم يشمل مسرح العمليات في العراق وسورية معاً. وثمة حرص على بناء «جيشين» جديدين يمهدان لترسيخ دعائم حكمين مختلفين في بغداد ودمشق. المقاربة ليست واحدة هنا وهناك. كانت نقطة الانطلاق في بلاد الرافدين وجوب قيام حكومة جديدة مختلفة من مهماتها العاجلة، كما وعد رئيسها حيدر العبادي، بناء جيش بديل قوامه الحرس الوطني. أي أن تتولى كل محافظة إنشاء حرسها من ابنائها تحت رعاية وزارة الدفاع. هذا التوجه فرضته سياسة استرضاء أهل السنّة وتشجيعهم على خوض المواجهة مع الإرهاب. وفرضه بعض ما يجري في عدد من النواحي والدساكر التي تحررها قوات الوزارة و «البيشمركة». إذ لم يخف أبناء هذه النواحي غضبهم من ممارسات هذه القوات التي تتعامل مع العرب السنة كأنهم جميعاً من أتباع «أبي بكر البغدادي». وفرضه الخوف من مد إيران نفوذها في المناطق «المحررة».

استدعى انطلاق الحرب في العراق شروطاً سابقة فرضتها الإدارة الأميركية. كان من نتائجها الأولى قيام حكومة وفاق جامعة في بغداد لا تقصي أحداً. الهدف طي صفحة الماضي، صفحة نوري المالكي الذي لم يستسلم حتى آخر لحظة. رفض الانصياع لجميع الضغوط الداخلية والخارجية. وهدد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف وحرك في الليلة الأخيرة بعض «قواته». كاد على وشك القيام بانقلاب على غرار ما كان تفعل الجيوش العربية. لكن إنذاراً أميركياً حاداً وجاداً وحاسماً دفعه إلى تغيير كل حساباته. زعيم «دولة القانون» لا يزال موجوداً عبر موقعه في الرئاسة وعبر وزراء مروا في حكومته. كما أن الخلافات على حقيبتي الدفاع والداخلية لم تبدد مخاوف بعض غلاة السنة وهواجسهم. أي أن ما تمخضت عنه تشكيلة العبادي كان دون المتوقع في أوساط المحافظات «الثائرة».

بعيداً من هذا الخلل الذي يمكن إصلاحه بتدخل قوى غربية وإقليمية، تبقى المسألة الأهم في الورشة الجارية لبناء الجسم العسكري الذي سيواجه «داعش» ميدانياً، مواكباً الغارات الجوية لقوى التحالف الدولي – الإقليمي. إن صيغة تولي أبناء المحافظات بناء قواهم الذاتية، أياً كانت التسوية، قد لا تكون حلاً أفضل من المؤسسة العسكرية التي أنشأها المالكي ووصفت بأنها طائفية مذهبية تداعت فرقها عند إطلاق الإرهابيين أول رصاصة. الواضح أولاً أن أبناء المحافظات السنية سيحاذرون الانخراط في الحرب قبل أن يطمأنوا إلى حضورهم السياسي في مواقع القرار في بغداد، وطي صفحة الإقصاء والإبعاد نهائياً. ولن يقبلوا ثانياً بتقدم قوات الجيش و «الحشد الشعبي» و «البيشمركة» إلى المناطق التي قد تنسحب منها قوات «أبي بكر البغدادي» تحت وطأة الغارات الجوية لطائرات التحالف. يخشى هؤلاء أن يتمدد نفوذ القوى الكردية أو الشيعية إلى مناطقهم، ومعه النفوذ الإيراني الذي طالما نظروا إليه سبباً في تمكين خصومهم في شؤون البلاد والعباد. وهذه المخاوف في محلها. الذين خسروا عسكرياً وسياسياً من قيام «دولة الخلافة» لن يتأخروا عن الثأر. والسؤال الأهم، ثالثاً، كيف يمكن الركون إلى جيش لا تجمعه عقيدة واحدة وهو موزع على أهالي أقاليم متناحرة مذهبياً واثنياً؟ توزع الفرق وأسلحتها في مناطق انتشار مذاهبها وصفة ناجعة لولادة حروب أهلية مع نشوب أي خلافات كبيرة بين الأقاليم كتلك التي ولدتها حكومتا المالكي. بل وصفة ربما عجلت في مشاريع التقسيم وانضاجها.

لن تكون الحال أفضل في الساحة السورية. كان الشرط الأول في العراق لبدء الحرب على «داعش» قيام حكومة جديدة جامعة لكل المكونات والقوى في هذا البلد، على أن يلي ذلك قيام قوات من أبناء هذه المكونات، كردية وشيعية وسنية. لكن بدء الحرب في الساحة السورية يبدأ بوصفة معكوسة، كما يصرح أصحاب التحالف. أي أن الكلام على مد فصائل المعارضة المعتدلة بالعتاد اللازم لتكون قادرة على مد سيطرتها في مناطق قد يخليها التنظيم الإرهابي. لكن هذه الفصائل تقتصر عناصرها على أبناء أهل السنة، وهم أكثرية سكان البلاد. وهذا ما لا يطمئن الكتلة العلوية وغيرها من القوى التي تلتف حول النظام في دمشق. أضف إلى ذلك أن «الجيش الحر» المعني بالتسليح الموعود ليس القوة الكبرى في الميدان. هناك فصائل أقوى عديداً وعتاداً، وبعضها إسلامية متشددة لا تخفي معارضتها ضرب «الدولة الإسلامية»، وإن لم تكن مشمولة بالحرب اليوم، علناً على الأقل. وهي تخشى أن تكون الثور الأبيض المعد للذبح بعد الثور الأسود. وبعضها الآخر أكثر قدرة على ملء الفراغ من «الجيش الحر». كما أن بناء جيش رديف للجيش السوري منزه عن الطائفية والمذهبية، كما يقترح بعض الدوائر، ليكون جاهزاً لتسلم زمام الحكم بعد إطاحة النظام، عملية سياسية معقدة وطويلة. كما أن مثل هذا الجيش سيقتصر بداية على أبناء مكون واحد من المكونات السورية. أي أنه سيواجه مقاومة شديدة من القوات التي تقاتل اليوم في صفوف جيش النظام. وهي قوات خسرت حتى الآن في الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات أكثر من ربع عديدها. وهي تخوض حرباً مصيرية لا تحدد مستقبل الرئيس بشار الأسد ودائرته الضيقة وحدهما، بقدر ما بات الأمر يتعلق بمصير طائفة بعينها وبعض الأقليات والقوى التي تواليها. وهي بالحسابات العسكرية أقوى من أن تهزم وتنهار سريعاً كما كانت حال قوات العقيد معمر القذافي، أو حال بعض الفرق العراقية التي تراجعت أمام هجوم «داعش».

وهناك حسابات أخرى على رأسها أن إيران المستبعدة من التحالف لا تبدي أي استعداد حتى الآن للمساومة على رأس النظام في دمشق، لئلا تخسر كل ما بنت طوال عقود في بلاد الشام. قدمت حتى الآن تنازلات في العراق يمكن أن تستعيدها إذا حشرت في الزاوية. يمكن أن تتمدد الميليشيات الشيعية الموالية لها في المناطق التي ستخليها «داعش». وهي قدمت إلى الكرد ما لا يمكن أن ينسوه، على ما قال رئيس الإقليم مسعود بارزاني. «كانت إيران أول دولة تمد الكرد بالمساعدات العسكرية العاجلة لوقف تقدم قوات الدولة الإسلامية». وهي لها دين قديم على حزب الاتحاد الوطني الذي ساندته في حربه مع الحزب الديموقراطي الكردستاني. وبالأمس بدأ مقاتلو الاتحاد يشكون من قلة ما يصلهم من سلاح تتسلمه اربيل من المانحين! إلى موقف طهران المتوعدة والمهددة بالويل والثبور، سارعت روسيا والصين إلى ابداء معارضتهما أي تدخل جوي في سورية من دون موافقة النظام. وسيخلف هذا عقبات سياسية، وإن كانت قرارات مجلس الأمن القديمة (بعد 11 أيلول / سبتمبر) والجديدة (الخاصة بداعش) تفرض على كل الدول المساهمة في الحرب على الإرهاب. وليس خافياً أن الكرملين يمارس في أوكرانيا ما يعارض ممارسة الآخرين له في سورية. يتدخل سياسياً وعسكرياً في أراضي جارته من دون أي مسوغ قانوني دولي. مرة بذريعة حماية الأقلية الروسية. وتارة بوجوب تمدد حلف الأطلسي وحماية أمنه القومي…!

بررت إدارة الرئيس باراك أوباما سياستها حيال سورية بالخوف من اليوم الثاني لسقوط النظام. وكانت ولا تزال تأمل في تسوية سياسية تحافظ على هياكل الدولة وتوفر الحماية للأقليات. وتأمل بأن تؤدي الحرب على «داعش» إلى تقوية شوكة خصومه المعتدلين لعله يجبر على التسوية التي رفضها في جنيف اولاً وثانياً. أي أنها تسعى إلى ما يمكن تسميته نصف انتصار للمعارضة بحيث يقوم حكم لا يستثني طائفة أو مذهباً. عماده صيغة تكاد تكون مستحيلة بعد أنهر الدماء وخراب الحواضر والأرياف، تقوم على رفع الظلم عن الأكثرية وتوليتها السلطة وطمأنة الأقلية على مصيرها ومستقبلها. كما أن مثل هذا الخيار قد لا يتحقق في ظل الحضور الراسخ لحلفاء دمشق، من إيران إلى روسيا اللتين لن تسمحا بتغيير جذري في مجريات الحرب الدائرة في الأراضي السورية. وإذا قيض للتحالف القدرة على حشر نظام الأسد، قد لا يكون أمامه سوى الإقامة في مناطق ثقله الديموغرافي في انتظار تبدل الظروف والمعطيات أو نضج رسوم الخرائط الجديدة في المنطقة. ولا شك في أن موسكو وطهران تملكان نسخاً عن هذه الخرائط، ما دامتا تلعبان بخرائط كثيرة قريبة وبعيدة بلا تردد… إلا اذا حدثت مفاجأت تبدو مستبعدة اليوم بقيام حركة في صفوف الجيش بتفاهم مسبق تضع الازمة على السكة السياسية مجدداً ويكون ثمنها رأس النظام.

إلى كل هذه العقبات التي تقف في وجه الحرب على «داعش»، لا تقف القوى السنية التي يلقى على عاتقها مد هذه الحرب بالمال والرجال، على سوية سياسية واحدة. وتركيا وقطر ومن يواليهما في الميدان هنا وهناك مثال على ذلك. وهذا الخلاف من العوامل التي قد لا تعيق مجريات الحرب لكنها لا تسهلها. يبقى سؤال كبير ماذا عن «الدواعش» الآخرين المنتشرين من ليبيا ونيجيريا إلى اليمن وباكستان وأفغانستان وما بينها؟

الحياة

 

 

 

واشنطن وخريطة الخصوم في سوريا/ إياد الجعفري

للوهلة الأولى، قد يتبادر لأذهان المراقبين بأن خريطة التحالفات المرتبطة بالغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، في الحرب على “داعش” قد استقرت. لكن من يدقق في المشهد المحلي السوري، تحديداً، يكتشف بأن الأمر أكثر تعقيداً بكثير مما يُحكى عنه إعلامياً.

في سوريا اليوم يوجد أربع مجموعات من القوى، اثنتان منها واضحتا المعالم والأجندات، ومستقرتان تنظيمياً وقيادياً، هما: نظام الأسد وحلفاؤه من الميليشيات المقاتلة في صفه، و”تنظيم الدولة الإسلامية – داعش”. بين هاتين القوتين تندرج قوى عديدة، يمكن تصنيفها في مجموعتين رئيسيتين: “القوى الإسلامية الجهادية”، وقوى “المعارضة المعتدلة”، كما يحلو للبعض وصفها.

يمكن للمدقق في سيناريوهات التحالف الغربي مع قوى محلية سورية لمناوئة “داعش”، أن يلحظ أن التعقيدات مرتبطة تحديداً بـ “القوى الإسلامية الجهادية”، وأبرزها، جبهة النُصرة، والفصائل الكبرى في “الجبهة الإسلامية”، وهي “أحرار الشام”، “لواء التوحيد”، و”جيش الإسلام”. وهي، كما يعلم المتابعون للمشهد الميداني السوري، أقوى الفصائل المقاتلة في سوريا، بعد جيش نظام الأسد، ومقاتلي تنظيم “داعش”.

أما فصائل “المعارضة المعتدلة”، التي تُعتبر امتداداً لبعض فصائل الجيش الحر وهيكلياته الأولى، فهي المجموعة الأضعف في الميدان السوري، في الوقت الراهن.

في سيناريوهات البحث عن حليف محلي سوري لقتال “داعش” براً، يظهر أمام التحالف الغربي، بزعامة واشنطن، تحدٍ معقّد، يتمثّل في موقع “القوى الإسلامية الجهادية” من تطورات خريطة الصراع المُقبل في سوريا.

التسريبات الإعلامية المُتداولة عن مصادر أمريكية تقول بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعتزم دعم “المعارضة المعتدلة”، وتدريب مقاتلين منها، لتملأ الفراغ في المناطق التي سينكفئ عنها تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش” تحت ضربات الطيران الأمريكي. لكن تساؤلات مُلحة تُطرح أمام هذه الخطة المُبسطة، أبزرها: ماذا لو تمكنت بعض فصائل التنظيمات الجهادية الفاعلة في الميدان السوري، من ملء الفراغ، بدلاً من “داعش”، ومن “فصائل المعارضة المعتدلة”، على حدٍ سواء؟، هل تقبل واشنطن بأن تحتل “جبهة النُصرة”، مثلاً، المناطق التي ستنسحب منها “داعش”؟، أم هل تقبل واشنطن أن تملأ جماعات مثل “حركة أحرار الشام” أو “جيش الإسلام” الفراغ الذي قد تخلفه “داعش”؟

أسئلة لم يتطرق لها أحد من المنظرين للخطط الأمريكية التي يتم تسريبها بصورة شبه يومية حول خريطة الحرب على “داعش” في سوريا. وإن كان النظام مُستبعداً، حسب المُعلن، من الشراكة في هذه الخطط، فكيف سيتم التعامل مع قواته في حال تقدمت لملء الفراغ الناجم عن انسحاب “داعش” من بعض المناطق تحت وطأة الضربات الأمريكية؟، هل ستقف أمريكا متفرجة على ذلك؟، وكيف سيكون رد فعل حلفاء واشنطن من الدول “السُنية” الفاعلة التي تموّل وتُشارك لوجستياً في الحرب ضد “داعش”، إن كانت تلك الحرب ستصب، في نهاية المطاف، في صالح نظام الأسد؟

لكن، إذا كانت واشنطن لن تقبل بأن يحل نظام الأسد، أو “التنظيمات الجهادية الإسلامية”، محل “داعش” في المساحة الواسعة التي تسيطر عليها تلك الأخيرة، فكيف ستتعامل واشنطن مع محاولات هذه المجموعات استغلال ضرباتها لـ “داعش”؟، كيف ستتعامل واشنطن مع محاولات نظام الأسد التقدم عسكرياً في المناطق التي تتلقى فيها “داعش” الضربات؟، وكيف ستتعامل مع محاولات “التنظيمات الجهادية الإسلامية” القيام بذلك أيضاً؟، ماذا لو دفعت واشنطن بالمقاتلين من “المعارضة المعتدلة” المدربين في السعودية (مستقبلاً)، للتقدم في مناطق انسحاب “داعش”، فاعترضتهم قوات النظام السوري، وتمكنت من الحد من تقدمهم، لتتقدم هي مكانهم؟، هل ستضرب واشنطن حينها قوات الأسد؟، ولو حصل الأمر ذاته من جانب “التنظيمات الجهادية الإسلامية”، هل ستضرب واشنطن تلك التنظيمات؟

تقودنا التساؤلات السابقة إلى سيناريوهين متداخلين: الأول، أن تواجه قوى “المعارضة المعتدلة” المدعومة أمريكياً، عرقلات من جانب قوات نظام الأسد، والثاني، أن تواجه تلك القوى عرقلات مماثلة من قوى جهادية إسلامية، بعضها مُصنف أمريكياً على قائمة الإرهاب، مثل جبهة النُصرة. فكيف ستتعامل واشنطن مع تلك العرقلات؟، هل ستغطي قوى “المعارضة المعتدلة” المدعومة من جانبها بغطاء جوي داعم لها، عبر توجيه ضربات لقوات الأسد وللقوى الجهادية الإسلامية آنفة الذكر؟، وحينها، كيف ستصبح خريطة الصراع؟، وإلى أي حد ستصل تعقيداتها؟

يعتقد بعض المراقبين أن نظام الأسد لن يجرؤ على المشاغبة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن واشنطن قادرة، في حال حدوث ذلك، على أن ترسل رسائل قاسية، عبر ضربات لبعض مراكز قيادة النظام بدمشق، تكون كفيلة بدفع النظام للانكفاء عن المناطق التي لا تريد واشنطن له التقدم فيها.

أما بالنسبة للقوى الجهادية الإسلامية، فالأمر أكثر تعقيداً. بعض المراقبين يعتقد أن عملية اغتيال قيادات حركة أحرار الشام، مؤخراً، هي عملية مخابراتية معقدة، نفذتها جهات إقليمية، ربما مدعومة أمريكياً، بغية إضعاف الحركة ودورها في المشهد الميداني السوري، كما حصل سابقاً مع “لواء التوحيد”، الذي اغتيل قائده في عملية غامضة منذ أشهر. ويُدرج المراقبون عملية الاغتيال تلك في إطار مساعي الغرب، ودول إقليمية حليفة له، لتجهيز الساحة المحلية السورية للتحالف المُزمع ضد “داعش”، بحيث لا يلقى هذا التحالف أي مقاومة أو عرقلة من أي طرفٍ كان. ويعتقد البعض أن فصائل جهادية محددة من السهل تحييدها بالصورة التي يريدها الغرب، عبر حلفائها وداعميها الإقليميين، من قبيل “جيش الإسلام” المدعوم سعودياً. لكن العقدة ستكون أشدّ عند جبهة النُصرة تحديداً، وهي الفصيل الأقوى في الميدان السوري، بعد كلٍ من قوات الأسد ومقاتلي “داعش”، وهي تنظيم جهادي محسوب على “القاعدة”، وللكثير من قياداته باعٌ طويلٌ في الحروب الجهادية ضد الأمريكيين، في العراق وأفغانستان، مما يجعل من نظرية استمالته لصالح التحالف المُزمع ضد “داعش”، وتحييده عن مناطق انسحابها، لصالح قوى معارضة معتدلة، مدعومة أمريكياً، نظرية ضعيفة للغاية، ومُستبعدة.

وهكذا يبدو أن التحالف الغربي، بزعامة أمريكا، لن يجد بُدّاً من تعقيد خريطة الخصوم في حربه المُزمعة على “داعش” في سوريا، بحيث تشمل فصائل جهادية أخرى، في مقدمتها، جبهة النُصرة، من دون أن يُلغي ذلك احتمالات تورط فصائل أخرى في الصراع مع الأمريكيين ومع مقاتلي المعارضة المدعومة من جانبهم، في الأفق الزمني القريب. إلا إن حصلت مفاجأة، غير مُرتقبة، تنقل جبهة النُصرة تحديداً، إلى جانب فصائل جهادية أخرى، إلى الكفّة المُؤهلة للقبول غربياً.

 

 

 

 

الجماعة الزرقاوية والمسابقة الحرّة «المغدورة/ وسام سعادة

في أيلول/سبتمبر الماضي، كانت واشنطن تقرع طبول الحرب ضد النظام السوري، وتتحدّث كما هي الحال اليوم، عن تحالف واسع وبنك أهداف تصلى من بحر ومن جو لكن من دون حطّ رحال. ثم عزفت واشنطن ودارَ العام فإذ بها تقرع طبول الحرب ثانية، وعلى أبرز قوّة عسكرية قبالة النظام السوريّ اليوم، أي تنظيم «الدولة الإسلاميّة»، وتتحدّث كما في أيلول الماضي، عن تحالف دوليّ – اقليميّ فضفاض، وعن ضربات خالية من حطّ رحال وتوغّل في الأرض، وهذه المرة لن تعزف. فهي باشرت الضربات الجوّية من أسابيع، بعد أن تقدّم مسلّحو امارة «الدولة» باتجاه اربيل. الأصحّ من ذلك القول أنّها حرب تُستأنف بعد انقطاع سنوات معدودات، وهي كانت قبل ذلك حربٌ مريرة مع نفس الجماعة، لا تغرنّك التسميات، «توحيد وجهاد» أم فرع «قاعدة» أو «دولة». هي هي حرب الأمريكيين مع الجماعة الزرقاوية، وهو منطق الجماعة الزرقاوية في الدمج بين الحرب مع الأمريكيين وبين الصراع المذهبي الدموي مع الآخر المسلم.

لسنوات عديدة، كان للجماعة الزرقاوية، التي راكمت تجربتها من ابي مصعب الزرقاوي الى ابي عمر فأبي بكر البغداديين، كرّ وفرّ مع المعادلة الاحتلالية – الفئوية التي قامت في العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين، وكانت لها مناطق سيطرة في الموصل نفسها حتى العام 2008، وفي الأنبار، بل الى تخوم مطار بغداد، وهذا في عزّ الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق.

انكفأت الجماعة بعد ذلك عن المدن الأساسية، ولم تُسحَق. انكفأت بالدرجة الأولى لأن الآهلين من العرب السنّة ضاقوا ذرعاً بها، وانكفأت بالدرجة الثانية لأن جهاز دولة له طابع فئوي نجح نوري المالكي ومن حوله في تركيبه، ولأن الأنظمة المحيطة بالعراق، وتحديداً سوريا والأردن، استجابت في آخر الأمر لبعض المطالب الحكومية العراقية المتعلّقة بزحف المقاتلين الأجانب الى أرض الرافدين.

لكن أسباب الانكفاء هذه كانت تتناقض مع بعضها البعض، وتمهّد لتقويض واتلاف نفسها بنفسها، فتوجد أولاً حيثية ملائمة لتصميم باراك اوباما على الانسحاب من العراق، ثم تمهّد لعودة الجماعة الزرقاوية الى الواجهة، مرة بالاستفادة من «التوازن الكارثي على الطريقة السورية» بين نظام يعجز عن سحق ثورة وبين ثورة تعجز عن اسقاط نظام، بما يؤدي الى تدمير المجتمع السوري واضمحلال الكيانية الوطنية، ومرة ثانية بالاستفادة من «الانسداد في الأفق» بين ديمقراطية برلمانية عراقية مشوّهة بالمركزية المذهبية وبين حراك العشائر الأنبارية.

تعاملت الجماعة الزرقاوية، وقد انتقلت الأمرة فيها الى ابي بكر البغدادي مع الحرب الأهلية السورية كـ»مسابقة حرّة» هي المساوي العنفي لقوانين السوق الحرّة التنافسية، انما بين الميليشيات. تعاملت بهذه الخلفية ايضاً مع الصراع الأهلي العراقي، وقد عاد اليه صخبه على خلفية الصراع بين المالكي والحراك السنّي، ووصف المالكي لهذا الحراك بالجملة على أنه زرقاوي وتكفيري قبل أشهر عديدة من وثبة داعش، التي انصرف بعدها الى وصف اقليم كردستان بالأمر نفسه، ناجحاً في الوقت نفسه في ضخ «الحمية القومية» المتعلقة بكركوك لـ»داعش» التي عقدت العزم على بلوغ «ما بعد سنجار».

شاركت الجماعة الزرقاوية اذاً في المسابقة الحرّة الموحّدة العراقية السوريّة. فهمت منها ما فهمه جميع المشاركين الآخرين، من أن واشنطن كل ما يهمّها هو تحييد أسلحة الدمار الشامل وترك قبائلنا تلهو بما تيسّر لها، بما هو دون ذلك من سلاح، بدءاً من براميل المتفجرات التي ترميها طائرات النظام السوري، والتجهيز الأمريكي للجيش العراقي، والتجهيز الايراني لـ»حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية والدعم التركي والعربي لألوية وفيالق الثورة السورية.

خاضتها الجماعة الزرقاوية، أي «داعش»، كما يخوضها أي مقاول شاطر. الادخار حيث يلزم الادخار، والاستثمار حيث يلزم الاستثمار. الجرأة على المبادرة والمزاحمة، توسيع المزاحمة الى الأجور والأسعار والأرباح. كسبت الشوط. التزمت بقوانين المباراة جميعها: لم تمتلك أسلحة دمار شامل كما فعل صدام حسين وآل الأسد، لم تتعرّض لاسرائيل بخدش أو أذى، لم تستهدف أي حاضرة غربية كما فعل رجال «القاعدة» في واشنطن ونيويورك ومدريد، ولا حتى المدمّرة كول. تلميذ وذاكر ما هو مطلوب من بقية أترابه، ثم أحرز أفضل الدرجات، في مسابقة حرب أهلية محكومة باثنتين فقط، اللامبالاة الدولية والغربية بضحاياها، والتحريم الدولي والغربي للكيماوي فيها. وقد زاد التلميذ، «داعش»، من عنده، عدم استهداف أي مرفق أمريكي أو غربي، وعدم توسيع نطاق العمليات خارج صحن المباراة، «العراق والشام»، هذا رغم تخففه من التسمية.

كانت «داعش» بهذا الش رط الاضافي أقرب الى «جبهة التحرير الوطني» الجزائرية التي لم تضرب في باريس أو مرسيليا، منها الى «حزب الله» أو «تنظيم القاعدة» البن لادني، في استهدافهما لما هو أبعد من دوائر القتال الترابية.

كحال مقامر مستاء من خسارته في جولة «بوكر» قرّرت واشنطن أن تُفركش «الدق». كحال حكومة اشتراكية التوجّه لا تحترم اقتصاد السوق قرّرت التدخّل لحماية الأسماك الصغيرة من السمكة التي «تتمدّد».

لكن هذا التدخّل، ولا داعي لذرّ الرماد في العيون، هو انقلاب «غدّار» على نتائج المباراة الحرّة من جانب، للعودة الى مباراة سابقة من جانب آخر، باستئناف حرب نشبت قبل عقد واستمرّت لسنوات، مع الجماعة الزرقاوية.

من لم يستطع تدمير الجماعة وهو سيّد الأرض، يراهن على ذلك اليوم. ومن يراهن الآن لم يحترم أخلاقيات المراهن، «أخلاقيات الميسر». أطاح بجولة قمار لم تعجبه، بحجة العودة الى استئناف جولة قمار دامت لسنوات، قبل سنوات، لكنه أيضاً لم يكن فالحاً فيها… على الأقل، لم يكن فالحاً فيها بحسب معايير باراك اوباما التي وصل على أساسها للبيت الأبيض.

 

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

قطار التحالف/ غسان شربل

يعرف جون كيري أنه ليس جيمس بيكر. وأن باراك أوباما ليس جورج بوش الأب. وأن سيد الكرملين اسمه فلاديمير بوتين وليس ميخائيل غورباتشوف. وأن الأيام مختلفة عن تلك التي خرجت فيها أميركا منتصرة من الحرب الباردة بعدما دفعت الاتحاد السوفياتي الى متحف التاريخ. ويعرف ايضاً أن بيكر كان قادراً على جمع المتناقضين تحت القبعة الأميركية. وكان قادراً على توزيع الضمانات والضمادات. لهذا كان يحذر المترددين من إضاعة فرصة الصعود الى القطار.

يعرف جون كيري أنه ليس كولن باول. وأن باراك أوباما ليس جورج بوش الابن. وأن أميركا اليوم هي غير أميركا التي خرجت مجروحة من «غزوتي نيويورك وواشنطن». وأنها أنفقت من الدم والمال في العراق وأفغانستان ما يمنعها من تكرار التجارب البرية الواسعة. ويدرك أن النتائج في المسرحين العراقي والأفغاني تضاعف تردد من يدعى الى الصعود الى قطار التحالف الجديد. وأن باراك أوباما لا يفكر في اقتلاع نظام بشار الأسد على غرار ما فعل بوش الابن بنظام صدام حسين.

يعرف جون كيري ايضاً أن المنطقة تغيرت وتمزقت. وأن دولاً فيها ارتكبت ما يرتكبه الأفراد. الأحلام والأوهام. وسوء التقدير. والغرور. وتصفية حسابات التاريخ. واحتقار قواعد التعايش وحسن الجوار والحدود الدولية. حققت بعض دول المنطقة ما يفوق قدرتها على الهضم وإدارة المكاسب. ارتكبت دول في الإقليم مجازفات خطرة. حاولت تصدير ثورتها. أو فرض لونها. أو استعادة مجدٍ ضاع. وتوهمت دول صغيرة أن باستطاعتها بفعل ثروتها وإعلامها أن تغير ملامح دول كبيرة في الإقليم أو تحجم أدوار أخرى. لا يتسع المجال هنا للخوض في تفاصيل الانقلابات والمجازفات سواء كانت إيرانية أم تركية أم سورية أم قطرية أم «إخوانية». مزقت المجازفات والانتفاضات والانهيارات الجيوش والدول والمجتمعات. والذين ابتهجوا بالفرار من الظلم وجدوا أنفسهم بين براثن الظلام.

لا تستطيع المنطقة احتمال «دولة البغدادي». وجودها خطر على جيرانها وعلى العالم ايضاً. استمرارها يعني تكاثر الذباحين والمذبوحين. وتمزيق الحدود. وإعادة مناطق كاملة الى الكهوف. وتغيير نمط حياة الناس. والتلاعب بالهويات. واقتلاع الأقليات. وتحقير المرأة. وإطلاق الصراع السنّي-الشيعي على مصراعيه. وتعميم ممارسات الجزية والسبي وإنتاج أجيال من الانتحاريين للانفجار بمجتمعاتهم وبالعالم.

طاردت لعنة الشرق الأوسط أوباما الهارب. أرغمته وأعادته. اشترط للتجاوب مع النداءات والاستغاثات أن يحلق على علو مرتفع. لن يرسل الجنود مجدداً الى الفلوجة. لن يرسلهم لاستعادة الرقة. سيُمطر «داعش» بالقنابل والصواريخ لكن على أهل المناطق المعنية والقلقة أن يقتلعوا أشواكهم بأيديهم. أن يصعدوا الى قطار التحالف ويتوزعوا الأعباء والأثمان.

يواجه القطار مشكلتين كبيرتين. عدم تطابق أجندات وحسابات من صعدوا اليه. وإصرار أطراف أخرى على حرف القطار عن سكته للصعود اليه. ليس بسيطاً أن نسمع موسكو تتحدث عن ضرورة التحرك تحت راية الشرعية الدولية فيما تواصل تفكيك أوكرانيا المجاورة لاستكمال إخضاعها. وليس بسيطاً أن نسمع إيران تحذر من «اللعب بمستودع البارود» كأنها بريئة من اللعب ببراميل البارود في المنطقة. وليس بسيطاً ان يُصر النظام السوري على حجز مقعد له في القطار معتبراً أنها قد تكون الفرصة الأخيرة لإعادة تأهيله وهو طلب جوبه بالرفض حتى الآن. التردد التركي في لعب دور جدي في التحالف يستحق التوقف طويلاً عند تبريراته ومغازيه.

اسئلة كثيرة تطرح نفسها. من سيملأ الفراغ في حال تقويض سلطة «داعش» على المناطق التي يسيطر عليها؟ واضح أن المحطة العراقية أكثر سهولة. هناك طلب بالمساعدة من الحكومة التي غاب عنها نوري المالكي. هناك الجيش العراقي والبيشمركة وثوار العشائر. لكن المحطة السورية أكثر صعوبة. انتظار تأهيل «الجيش الحر» قد يستغرق وقتاً. وبعض الكتائب المقاتلة تريد من التحالف استهداف «داعش» والنظام معاً وهو غير مطروح الآن ويعني في حال حصوله الاصطدام سريعاً بإيران وروسيا. واستهداف «داعش» وحده قد يُغري هذه الكتائب بالتعاطف معه.

ليس سهلاً على روسيا وإيران أن تريا الطائرات الأميركية تهاجم اهدافاً في سورية. وليس الامر سهلاً على النظام السوري و «حزب الله». نجاح التحالف في مهمته سيفرض قواعد جديدة للعبة. سيغير موازين القوى في مسرح العمليات وجواره وهذا ما يجعل القطار عرضة لكل أنواع الأخطار.

الحياة

 

 

لا يموت «الأسد» ولا تفنى «داعش”/ عبد الرحمن الطريري

أعلنت الولايات المتحدة ودول الخليج مع مصر ولبنان والأردن والعراق الخميس الماضي بياناً مشتركاً، في ختام الاجتماع الإقليمي في جدة، بحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري، التزامها العمل معاً على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ولم تشارك تركيا في البيان على رغم مشاركتها في الاجتماع، وتصريحاتها المنفردة التي عبّرت بها عن تأييدها للخطوات العسكرية الأميركية في محاربة «داعش».

عدم مشاركة تركيا في البيان، وما تردد عن حضورها قسراً بعد ضغوطات أميركية، يعني بداية أن تدفق العناصر إلى «داعش» سيستمر، لأن تركيا هي المنفذ الوحيد الذي يلج عبره المنضمون الجدد إلى التنظيم الإرهابي، كما يعني أن تركيا ترى أن التنظيم ليس تهديداً لها، بل هو ورقة قوة في يدها، ومن ثم تركيا على طاولة أي نقاش غربي عن «داعش»، وذلك لحدودها الجغرافية مع العراق وسورية تحديداً، إضافة إلى حوالى أربع سنوات من إدارة أزمة الحدود وتسهيل دخول الإرهابيين لسورية، وهو ما يجعلها تملك أدق قاعدة بيانات عن العناصر الإرهابية في «داعش» و«النصرة» وغيرهما.

على الجانب الآخر يبدو من المؤشرات الأولية لنهج السلطان أردوغان، أن ما بدأه من دعم لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي في مصر، سيزداد بعد تولية مقعد رئاسة الجمهورية وإقصائه لأي معارضة حقيقية في تركيا، ومن ثم سيكون في أنقرة ما يشابه «المقطم العثماني»، أي أن تركيا بعد تولي أردوغان الرئاسة، ستعفي قطر من بعض الحرج مع أشقائها الخليجيين ومصر، وتستضيف وجدي غنيم وبقية جوقة الإخوان، مع ما يلي ذلك من توفير منصات إعلامية لهم لاستكمال مناكفة النظام المصري، وهو ما يجعلها ورقة أخرى تناكف بها مصر والسعودية تحديداً.

هذا في ما يخص تركيا الذي يبدو أنها ستقدم القليل في محاربة «داعش»، والذي يبدو بحسب الأجندة الأميركية التي ستلتزم بها أنقرة بالطبع، سيكون هدفها إعادة داعش من العراق إلى سورية، أما فيما يخص بقية المجتمعين، فيبدو أن الدول العربية ترى أن «داعش» خطر يهدد أمنها، ويهدد أيضاً أبناءها الذين يغرر بهم عبر الشبكات الاجتماعية وغيرها، ويزداد «داعش» جاذبية في أعينهم كلما زاد قوة، وهو ما حدث بالطبع لتلكؤ أميركا في التصدي له، ولكنها سمة أوباما التي اعتدناها.

الدول العربية -وعلى رأسها السعودية ومصر- تنظر للإرهاب ككل لا يتجزأ، يشمل كل الإرهاب السني مثل «النصرة» و«داعش» وجماعات سيناء، وتنظر أيضاً لتدخل «حزب الله» و«فيلق القدس» ولواء «أبو الفضل العباس» والممارسات الإرهابية كخطر تجب مكافحته، بل إن تصرفات الجيش العلوي وحزب الله الطائفية وبقية الفصائل الشيعية، هو سبب رئيس للشحن الطائفي الذي ولّد التطرف السني الذي نريد محاربته اليوم.

تعيين الجنرال الأميركي جون آلن منسقاً للتحالف الدولي الذي تبنيه الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم داعش، والذي كان قائداً للقوات الأميركية في أفغانستان ولعب دوراً أساسياً في الحرب في العراق، إضافة إلى خطوة الرئيس أوباما بإقرار 500 مليون دولار لتدريب الجيش الحر لمقاتلة «داعش»، هي خطوات إيجابية لمحاربة الإرهاب بجدية، ولكن هل تريد الولايات المتحدة فعلاً القضاء على «داعش»؟

إبقاء «داعش» قوياً أمر يلحق الضرر بأميركا، ولاسيما بعد نحر الصحافيين الأميركيين، ولكن تدمير «داعش» هو تغيير جذري في الواقع السوري على الأرض، ومن ثم فناء «داعش» سيسبب فراغاً جيوسياسياً وعسكرياً في 40 في المئة من الأرض السورية، هذا الفراغ سيملأه الجيش الحر غالباً، ومن ثم ستقل فرص بقاء النظام السوري، وهو التغيير الذي لا ترغب فيه أميركا اليوم، وعليه تسعى لإعادة العفريت إلى القارورة السورية لا القضاء عليه، وهي فرصة لعامين آخرين في محاربة «داعش»، تضاف إلى مهلة التخلص من الكيماوي التي بسببها ما زال الأسد في الحكم.

الحياة

 

 

 

نهاية «داعش» أم نهايتنا/ نصري الصايغ

مرة أخرى، تعلن الحرب على الإرهاب. في المرة الأولى، منحت «القاعدة» في غزوة «11 أيلول» الولايات المتحدة الأميركية فرصة الانتقام منها في أفغانستان، من دون الانتصار على الإرهاب، وقدمت لها الذريعة لتدمير العراق وتفتيته وتأمين الأرضية الصالحة لنمو الإرهاب وانتشاره فيه، وتأسيس بذور «الدولة الإسلامية» بقيادة الزرقاوي.

مرة أخرى، تقود الولايات المتحدة الأميركية حرباً لا تكبدها خسائر، ضد الإرهاب، إنما بطلب واستدعاء واستغاثات عربية: «أنقذونا» من برابرة «الدولة الإسلامية» الزاحفة على كل الجبهات.

حصة أميركا من دعم حركات «الجهاد الإسلامي» في أفغانستان لمحاربة العدو السوفياتي الملحد، وتوظيفها «للعنف الإسلامي» في معارك الدول والمناطق الخارجة من الطوق السوفياتي، بل وحمايتها ورعايتها أحياناً، أفضت إلى إشاعة الإرهاب في مناطق رخوة ورجراجة وغير مستقرة.

أما حصة العرب في توفير الفرص الذهبية لنمو التطرف الديني والطائفي والمذهبي والعرقي، فهي الحصة الكبرى. أنظمة الديكتاتورية والملكية والاستبدادية هي الأب العاق، لهذه الذرية الجهادية البربرية. لقد أنجبت أنظمة العرب أجيالاً من الإحباط وانعدام الأمل وفقدان الكرامة والجدوى. أنظمة تفوّقت في جعل المواطنين حقول رماية وتكديس للضحايا. أنظمة بربرية افترست القضايا برمّتها، قضت على الحرية، سفكت العدالة، أهانت الكرامة، أذلّت الإنسان، استعبدت الأحرار، ظلمت الأبرياء، سرقت الفقراء، منعت العقل وحرّمت التفكير، شكلت رجال السلطة في أعتى عصابات المال والأمن ومستشاري التدخل السريع الغربيين. أنظمة أمعنت في نفي المواطن وتجويف الأمة من أدمغتها وتوزيع «المغانم» الوطنية على باعة الوطن. أنظمة وُهِبت ثروة نفطية، فحرمت شعوبها منها ونقلتها إلى مصارف وشركات الغرب… أنظمة، بهذا الاستهتار والانحطاط، لا يمكن إلا أن تنجب سلالات من العنف والإرهاب، بعد عقود من القهر والقمع والوأد.

هذا الوحش الإرهابي، هو الوجه الآخر لتوحش الأنظمة العربية الاستبدادية، التي انتصرت فقط على شعوبها وخسرت معاركها وحروبها كلها. تلك التي كانت ضد أعداء الأمة، أو تلك التي حصلت بين «الإخوة الأعداء»، داخل التخوم.

كانت أميركا قد انصرفت بعد حروب بوش الابن والمحافظين الجدد، عن ممارسة السياسة بالمعارك العسكرية. أوباما سحب جيوشه من العراق واستعد لترك أفغانستان في الزمن المحدد لها، مخلّفاً تركة أميركية ثقيلة: عنف، مذاهب، طوائف، أقوام، أعراف، حكومات «توافقية» وقيادات كرتونية، أشد سوءاً وفساداً وظلماً من تلك التي جاء الأميركيون للتخلص منها.

لم يكن أوباما في وارد التدخل العسكري وشن حروب جديدة. وعد الشعب الأميركي ووفى بوعده. غير أن نداءات الاستغاثة العربية، من خصوم أميركا ومن أبنائها المدللين، إضافة إلى استشعار الخطر الحقيقي لـ«داعش» على المنطقة، بل على العالم، وفرت لسيد البيت الأبيض الفرصة لتنفيذ سياسات ديك تشيني، أحد صقور «الحرب على الإرهاب» بعد 11 أيلول، الداعية لإعلان حرب جديدة على الإرهاب المستجد.

هل «داعش» بهذا الحجم من المخاطر؟

من يقلل من حجم ووزن «داعش»، مشتبه بالتأكيد. ليس أبلغ من الوقائع. هي الكلام الفصل، قبل كل كلام وبعد كل كلام. «داعش»، دولة إقليمية عظمى، على الأرض، أطاحت ثوابت مكرّسة منذ نهاية الخلافة الإسلامية على يد كمال أتاتورك. اجتاحت دولاً، هزمت جيوشاً، أبادت جماعات، هجّرت أقواماً، حاربت وفازت على جيوش مليونية، وانتشرت في «لمحة زمن» من حدود إيران إلى حدود تركيا والسعودية والأردن وأخيراً حدود لبنان.

«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وفق ما جاء في النصوص التأسيسية «للقاعدة» والتي رسمت فيها استراتيجيتها الدولية، هي بصدد إنشاء نظام عالمي جديد، قاعدته دولة الخلافة الإسلامية، ونواتها الأولى، في العراق وبلاد الشام أولاً.

فـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» ليست طفرة مفاجئة، ولن تكون حدثاً عابراً ومنسياً. قد تفشل وتسقط، وهذا ما نعوّل عليه، بواسطة «الأعداء دائماً والأصدقاء راهناً». الدولة هذه، ما أتت من عدم وما جاءت من صدفة ولا كانت رد فعل نزقاً ثورياً على الأنظمة. هي حركة إسلامية أصولية، ذات جذور في التراث، وتجد أرضيتها في النصوص الدينية التي أخذت من مصادرها وقُرئت بأدوات فهم نصية منتزعة من تاريخها وظروفها وأسباب نزولها. ووفرت هذه الحركة لنفسها سنداً مرجعياً من التجارب الإسلامية المتصلة بأحداث ما بعد الهجرة من مكة إلى يثرب، ومن صراعات المسلمين الأوائل مع «الآخرين» في المدينة المنوّرة. مرجعيتها هذه، تشكل سنداً لفهم التاريخ الإسلامي، بطريقة أخرى، مفادها أن التقليد حتمي، والانتصار وافر، لأن مثل هذا حدث مع الرسول، ومع خليفته أبي بكر. فالإسلام الأول أقام نظاماً عالمياً، أبعد من إقليمه بكثير، رعته إمبراطورية عربية، استطاعت أن تقضي على إمبراطورية فارسية طاعنة في الحضارة، وأن تدفع الامبراطورية البيزنطية إلى حدودها الأولى. «داعش» بصدد تقليد هذا الأصل: إقامة نظام عالمي إسلامي، على أنقاض أنظمة (تشبه القبائل العربية القديمة) وعلى أنقاض قوى عظمى متهالكة، ويمكن أن تصل إليها أذرع «القاعدة» المنتشرة، في القارات كلها.

العالم المزدحم اليوم لمواجهة «داعش» في حرب مديدة، سيجد أمامه دولة خلافة إسلامية واقعية، بشرعية ما تملكه من قوة ميدانية، وبيئة حاضنة، وعقيدة مصطفاة ومنتقاة من نصوص قرآنية تناسبها وأحاديث وسنة نبويتين مختارة، لتناسبها مع حاجات «التنظيم» و«الدولة»، وهو ما يبرر اللجوء إلى العنف والتطرف والتوحش.

كأننا اليوم على عتبة النهايات: نهاية دول سايكس ـ بيكو، نهاية النظام الإقليمي العربي، نهاية المجتمعات العربية التي كانت على عافية وطنية، نهاية الأوطان الموعودة، نهاية الجيوش العربية (هل كانت جيوشاً؟) نهاية ثقافة الوعي والتنوير والنقد، نهاية الانتماءات النبيلة المختارة، نهاية القضايا الكبرى، (وحدة، حرية، عدالة، كرامة، ديموقراطية، نخبة) نهاية الأنظمة (غير مأسوف عليها)، نهاية…

ولكننا لسنا على عتبة البدايات الجديدة. ما ينتظر العرب، الكثير من الدماء والعظيم من الركام… والمجهول الذي ترسم معالمه «القوة الأميركية»، صاحبة الفشل الذريع في حروبها وما بعد حروبها.

قد تسفر الحرب الطويلة عن تحجيم «داعش» أو تحطيمه، لكن من سيكون المنتصر؟ هؤلاء الذين يحاربونها؟

إنها لنهاية وخيمة.

السفير

 

 

الحرب على “داعش” وبناؤها الصراعي/ مصطفى اللباد

بدأت الهمروجة الدولية والإقليمية في الحرب على “داعش” من طريق بناء “تحالف دولي” لمحاربة التنظيم التكفيري، وهو، من البداية، تحالف يفتقر إلى الرؤية ووضوح الأهداف، فضفاض إلى الدرجة التي يضم فيها أطرافاً ذات أهداف متضاربة ومصالح متصادمة. تعنى هذه السطور بمحاولة رسم بناء تحليلي للحرب على “داعش”، التي تبدو أكثر من ضرورية للمهتمين والمتابعين، على اختلاف ميولهم ورؤاهم وتفضيلاتهم السياسية لنتائج الحرب. يفيد تعيين البناء الصراعي في تحليل ما سيجري لا المجريات، عبر الربط بين المصالح المحلية والإقليمية والدولية وطريقة التفاعل في ما بينها، فضلاً عن تعيين التطابق في المصالح والتصادم في ما بينها، وصولاً إلى صورة أقرب إلى الدقة بعيداً عن الرغبات والأماني العاطفية.

يشبه البناء الصراعي للحرب على “داعش” بناء مكون من طوابق ثلاثة: الطبقة الأولى تمثلها الأطراف المحلية للصراع في سوريا والعراق، فيما تتكون الطبقة الثانية من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط. أما الطبقة الثالثة من البناء الصراعي فتمثلها القوى العظمى أميركا والصين وروسيا بالأساس، ومعهم الدول الأوروبية والغربية المشاركة بالتحالف. ومن المنطقي أن تتفاعل طبقات البناء الصراعي أفقياً ورأسياً، فينتج تفاعلها وحراكها معاً صورة المشهد المحلي والإقليمي والدولي على نحو دقيق. ويعني ذلك أن هناك تأثيراً من نوع ما لما سيجري عملياتياً في سوريا على ما سيحدث في العراق والعكس صحيح، مثلما تتوافر جدلية واضحة بين القوى الإقليمية في مواجهة بعضها لبعض، عبر الوكلاء المتحاربين على الأرض، بحيث يبدو الترابط بين الطبقتين الأولى والثانية في أوضح صوره. وإذ تتحالف القوى الإقليمية مع قوى عظمى، لها حساباتها في مواجهة بعضها البعض، نلحظ ترابطاً بين الطبقتين الثانية والثالثة للبناء الصراعي. ولأن أميركا تنوي شن ضربات جوية مباشرة على “داعش”، فستنخرط في علاقة تفاعلية مع الأطراف المحلية على الأرض في سوريا والعراق، ما يؤكد أيضاً على ترابط مباشر بين الطبقة الثالثة والأولى للبناء الصراعي، ما يعقّد بدوره الحسابات ويقيّد الأدوار.

الطبقة الأولى: الأطراف المحلية

تمثل “داعش” في السياق الصراعي الحالي فتيل تفجير التناقضات القائمة بالفعل في منطقة بادية الشام، أي أنها تلخص الأزمات في الواقع وليست باعثة لها. على ذلك يقتات التنظيم التكفيري – بغض النظر عن التفسيرات التآمرية لظهوره – على مظلوميات سياسية واقتصادية وطائفية وجهوية في كل من سوريا والعراق، بحيث لا يمكن تحييد ذلك التنظيم بالوسائل العسكرية فقط، وإنما بالأساس عبر إعادة تشكيل التحالفات المحلية بما يلحظ هذه المظلوميات. وبالمقابل، صحيح أن هناك ارتباطاً بين مسرح العمليات في سوريا والعراق من التنظيم الذي يتمدد على رقعة جغرافية هي “بادية الشام” الموزعة على البلدين، كما تنضوي سلطة بغداد المركزية والنظام السوري في التحالف الذي تقوده إيران، إلا أن الأطراف المحلية ليست متطابقة تماماً على الساحتين، مثلما أن الموزاييك العرقي والطائفي للبلدين الجارين ليس متطابقاً. ويتأسس على ذلك اعتبار أن الموازين العسكرية ليست متطابقة حكماً في الحالتين، بل حتى على طول جغرافيا سوريا أو العراق، إذ نلحظ حضوراً لتنظيمات أخرى جهادية وغير جهادية في مناطق جغرافية بعينها. وبالتالي يمكن التثبت من أن هناك قواسم مشتركة بين الحالتين وعوامل للاختلاف في ما بينهما في الوقت عينه، ما يعني أن النتيجة السياسية للحرب على “داعش” لن تمثل انتصاراً كاملاً لأي من المحاور المحلية المتصارعة، فلا يعقل مثلاً أن تنبري أميركا والحشد الإقليمي والدولي لهزيمة “داعش” بغرض إبقاء هياكل السلطة في العراق وسوريا بدون أي تغيير، وإلا فسيعني ذلك أن أميركا تعمل عند إيران وتنخرط مع الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في محور واحد. وفي النهاية، لا يخفى أن الضربات الجوية تضعف الخصوم ولكنها لا تغير الواقع على الأرض، ذلك المناط بفصائل محلية بعينها في سوريا وأخرى في العراق، وتلك تتصارع مع “داعش” من ناحية وفي ما بينها من ناحية أخرى. سيكون بلاء الأطراف المحلية في المعارك على الأرض الأساس لإمالة التوازن الإقليمي والدولي نحو هذه الأطراف أو تلك.

الطبقة الثانية: الأطراف الإقليمية

يعرف الشرق الأوسط خمس قوى إقليمية كبرى تملك بعض المقوّمات للعب دور القوة الإقليمية، وتفتقر إلى بعضها الآخر، وهذه القوى هي: إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية ومصر. على ذلك تبقى نتيجة الحرب على “داعش” محكومة إلى حد كبير بتوازنات القوى بين الدول الخمس في ما بينها، تلك التي يعتمد عليها أوباما عبر توزيع الأعباء والمسؤوليات في لجم وتحفيز الأطراف المحلية للوصول إلى النتائج التي يتوخاها. لذلك اعترضت تركيا على “بيان جدة” الختامي كونه لا يضمن سقوط النظام السوري، لكنها مع ذلك جزء أساسي في التحالف، وبالمثل إيران مستبعدة شكلياً من محادثات الحلف ذاته، لكن قنوات الاتصال الخلفية معها تعمل بوتائر عالية. إسرائيل لم تنأ بنفسها كما فعلت في حرب تحرير الكويت، ولكنها لا تطل برأسها لعدم إحراج الأطراف الأخرى. السعودية تريد إسقاط النظام السوري ومعه العراقي إن أمكن، ولن تأخذ بالطبع كل ما تريد. إيران تريد الحفاظ على الأمر الواقع الراهن، وهو أمر محل شك كبير، خصوصاً بعد بدء العمليات العسكرية. مصر تراجعت أدوارها في العقود الأخيرة وحاضرة على طاولة “التحالف الدولي”، وسيناريوهات النتائج في سوريا والعراق سيكون لها تأثير كبير على عودتها إلى المنطقة أو استمرار غيابها. بمعنى أن بقاء الوضع الحالي في سوريا غير مؤات لمصالح مصر الإقليمية بفعل تزايد احتمالات التقسيم، لكن في الوقت نفسه إزاحة النظام في سوريا – وهو أمر وارد ولا يمكن استبعاده كلياً من قائمة الاحتمالات – وتثبيت نظام جديد محله يهيمن عليه “الإخوان المسلمون” برعاية تركية وقطرية سيكون خسارة في الحسابات المصرية، من دون أن يعني ذلك بالضرورة تأييداً مصرياً للنظام السوري الحالي. كلما حافظ الحل المرتقب على وحدة الأراضي السورية في إطار توافق وطني سوري عام، كلما اقترب ذلك الحل من المصالح المصرية. أما إسرائيل فستسعى في الكواليس إلى سيناريوهات تقسيمية لكل من سوريا والعراق، لتضمن سيطرتها على المنطقة المفتتة، وبالتالي ستقيس نتائج الحرب على “داعش” وفقاً لهذا المؤشر. على ذلك تنضوي الأطراف الإقليمية في التحالف الدولي ليس لمواجهة “داعش” في الواقع، بل للحصول على حصة أكبر في الأدوار الإقليمية لما بعد الحرب عليها. لذلك سيوزع ممثلو القوى الإقليمية الابتسامات على الطاولة أمام الكاميرات، ويفعلون في الوقت نفسه كل ما بوسعهم لعرقلة أهداف القوى الإقليمية المنافسة من تحت الطاولة.

الطبقة الثالثة: القوى العظمى

لم يكن مستغرباً أن تعارض روسيا فكرة التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، ليس لأنها تتعاطف مع الأخيرة، ولكن لأن بناء التحالف هو المقدمة لتغيير الواقع على الأرض، وبالتالي تغيير المعادلات الإقليمية والدولية. بدورها الصين حاضرة في حسابات أوباما بشدة، ولكنها تتلطى – حتى الآن – خلف روسيا التي تتواجه مع أوباما في أوكرانيا بالفعل. وحتى في إطار التحالف الغربي لا تبدو الحسابات متطابقة، ففرنسا الساعية إلى لعب أدوار أكبر في منطقة تعتبرها منطقة نفوذ تاريخي، لها تفضيلاتها لنتائج الحرب لا تتفق بالضرورة مع تفضيلات واشنطن أو لندن أو برلين. فهناك مستوى صراعي فرعي بين كل من باريس ولندن وبرلين كل في مواجهة الآخرين، وكل من العواصم الثلاث سيستدعي من كتب التاريخ وأرشيفات المكتبات والمخابرات ما يدعم به علاقاته مع العشائر والطوائف في ساحات الصراع، مع ترجيح أن كلاً منهم يخفي أوراقاً ستظهر عندما يحين وقتها.

عليك أن تتذكر دوماً عزيزي القارئ عند متابعة الأخبار أن همروجة الحرب على “داعش” ليست سوى “زمبليطة في الصالون” كما يقول أحد حوارات الأفلام المصرية القديمة، إذ تتخطى الأهداف النهائية بكل يقين هدف مواجهة التنظيم التكفيري. وبالمثل تختلف هذه السطور مع نظرية المؤامرة الشائعة، فالكرة ما زالت إلى حد كبير في الملعب، والنتيجة ليست محسومة لأحد الأطراف سلفاً كما يعتقد البعض. الأرجح أن نشهد في الشهور المقبلة غباراً كثيفاً سياسياً وإعلامياً وعسكرياً تحت شعار محاربة “داعش”، قبل أن ينقشع لتظهر رويداً رويداً الخرائط السياسية الجديدة للمنطقة.

النتيجة السياسية للحرب على «داعش» لن تمثل

انتصاراً كاملاً لأي من المحاور المتصارعة،

فلا يعقل مثلاً أن تنبري أميركا والحشد الإقليمي

والدولي لهزيمة «داعش» بغرض إبقاء هياكل

السلطة في العراق وسوريا بدون تغيير

السفير

 

 

 

هل تقوم روسيا بضرب «داعش» في سوريا؟/ د. عصام نعمان

العالم كله ضد الإرهاب، لكن الإرهاب لا يعني الشيء نفسه لمحاربيه، فهو دولة بعينها في نظر البعض، او تنظيم بعينه في نظر البعض الآخر. هو الدولة او التنظيم الذي يصمم العملية الإرهابية وينفذها على الارض بالنسبة الى البعض، كما هو ايضاً الممول والمدرّب والمسلّح المتواطؤ مع الدولة والتنظيم الإرهابيين بالنسبة الى البعض الآخر.

ولأن الإرهاب متعدد الهوية والغايات والوسائل والشركاء والحلفاء، فقد تعددت القراءات والتفسيرات لخطة اوباما، كما لمؤتمر جدة المتعلقَين بمحاربة الإرهاب. أبرز هذه القراءات ثلاث:

الاولى، تعتبر الإرهاب متجسداً في «الدولة الإسلامية – داعش» بالدرجة الاولى واستطراداً بسوريا، وتسمّي الولايات المتحدة والسعودية كأبرز شريكين فاعلين في مواجهتهما.

الثانية، تعتبر الإرهاب متجسداً في «داعش» واخواته، وتسمّي الولايات المتحدة كأبرز قوة دولية مستثمرة لـِ»داعش» في حربها الباردة المتصاعدة في سخونتها ضد روسيا وحليفتيها ايران وسوريا.

الثالثة، تعتبر الإرهاب متجسداً في «داعش» واخواته و»اسرائيل» وحلفائها، وتسمّي الولايات المتحدة وبعض دول الخليج داعمين لهؤلاء جميعاً في صراعهما مع ايران وسوريا وقوى المقاومة العربية والإسلامية.

الولايات المتحدة والسعودية لا تخفيان مواجهتهما لـِ»داعش» وعداءهما للرئيس بشار الاسد ونظامه، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً. تبدّى موقفهما العدائي بتصريحات متعددة للرئيس الامريكي اوباما ولوزير خارجيته كيري ولوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.

روسيا تعتبر الولايات المتحدة المحرّك والقائد الفعلي للتكتل الاقليمي والدولي المتخذ من «داعش» ستاراً لحربها الباردة المتصاعدة في سخونتها ضدها وضد حليفتيها ايران وسوريا. فقد رافق خطة اوباما ومؤتمر جدة الإعلان عن عقوبات امريكية واوروبية اضافية ضد روسيا، رداً على سياستها في اوكرانيا. كذلك لاحظت موسكو ان ادارة اوباما طلبت من الكونغرس تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لدعم «المعارضة السورية المعتدلة»، وأنها أعلنت موافقة السعودية على اقامة معسكرات تأهيل وتدريب لقوات المعارضة السورية في اراضيها.

من تصريحات اوباما وكيري عموماً ومسؤولي مجلس الامن القومي الامريكي وتعليقات الصحف الامريكية خصوصاً، يمكن استشفاف استراتيجية هجومية لواشنطن ضد روسيا، تمتد من اوكرانيا في شرق اوروبا الى الشرق الاوسط الكبير، وان هذه الإستراتيجية تستهدف في بعض جوانبها كلاًّ من سوريا والعراق ولبنان وايران وتنظيمات المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة. وعليه، يمكن رصد رد روسيا على امريكا من خلال التطورات الآتية:

استعجال روسيا ضم ايران الى منظمة شنغهاي وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون التكنولوجي معها.

اطلاق صاروخ عابر للقارات للتدليل على قدرة روسيا على خوض حرب على مستوى العالم.

إلقاء ضوء على ما يمكن ان تعنيه عملية اعادة النظر بالعقيدة القتالية الروسية، وذلك بتسمية دول حلف شمال الاطلسي أعداء محتملين، والتلويح بإمكانية استعمال اسلحة الدمار الشامل، في حال تعرّض الامن القومي الروسي للخطر.

تحذير الخارجية الروسية الولايات المتحدة من خطورة إقدامها على ضرب «داعش» داخل سوريا، من دون اجازة مسبقة من حكومتها كونه يشكّل خرقاً لأحكام القانون الدولي.

صدور تحذير مماثل من دمشق مصحوباً بتخوفات من احتمال قيام واشنطن بضرب الجيش السوري، في سياق الادعاء بضرب مواقع لداعش داخل سوريا.

تفسير اوساط قيادية في قوى المقاومة العربية قول كيري بعد مؤتمر جدة «سنعمل على تأمين العالم لكل الطوائف من عنف داعش»، بأنه مؤشر الى مخطط امريكي صهيوني يرمي، في سياق الحرب المزعومة ضد الإرهاب، الى إعادة رسم الخريطة السياسية للمشرق العربي على نحوٍ يؤدي الى قيام جمهوريات موز في سوريا ولبنان والعراق على اسس قبلية او مذهبية او اثنية.

في لقاءٍ بعد مؤتمر جدة ضمّ محللين سياسيين وخبراء استراتيجيين مقربين من اوساط قيادية في تنظيمات المقاومة العربية، جرى درس التطورات المار ذكرها، والإحاطة بأخرى قام بكشفها بعض المطلعين منهم رجّح المشاركون في ختامها احتمال تبلّور خيار، لعله اصبح قراراً لدى روسيا، بقيام سلاحها الجوي بضرب «داعش» داخل سوريا في حال حدوث ايٍّ من التطورات الآتية:

قيام الولايات المتحدة باستخدام سلاحها الجوي داخل سوريا، من دون موافقة مسبقة مع حكومتها، وعلى نحوٍ يشير الى تهاون محسوب مع «داعش» في سياق خطةٍ لتسليم مواقعه واسلحته وعتاده الى تنظيمات اسلاموية ارهابية كانت متحالفة معه ويجري استيعابها حالياً في اطار «المعارضة السورية المعتدلة».

قيام «داعش» بنقل قياداته واسلحته وعتاده في العراق الى مواقع ومخازن في سوريا، من دون ان يقوم سلاح الجو الامريكي بتدميرها، ربما لتسهيل وضـع اليد عليها لاحقـاً من طرف المجموعات المسلحة التابعة لـِ»المعارضة السورية المعتدلة».

ثبوت قيام تنسيق وتعاون بين المجموعات المسلحة الناشطة على حدود الجولان المحتل والمجموعات المسلحة الناشطة في ارياف ادلب وحلب وحماة ودير الزور والقلمون بقصد دفع الجيش السوري الى الحرب على جبهتين او اكثر في سياق مخطط لإسقاط النظام وتقسيم البلاد.

سؤال واحد خطير لم يستطع المشاركون في الندوة ان يقدّموا جواباً وافياً بشأنه: هل يمكن ان يصل الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا وحلفائها في محور الممانعة والمقاومة من جهة اخرى، الى حدّ حصول صدام عسكري جوي بينهما في سماء سوريا، وما تداعيات ذلك اقليمياً ودولياً؟

 

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

 

فشل الحملة الأميركية ضد داعش/ بدر الإبراهيم

قدّم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الخطوط العريضة لاستراتيجيته في مواجهة تنظيم داعش، ولم يقدم جديداً، أو شيئاً خارج المتوقع، فقد كان متوقعاً حديثه عن الضربات الجوية، وبناء حلف دولي وإقليمي لمواجهة داعش، وإضعاف التنظيم ثم إنهاء وجوده. لعلّ أول ما يلفت النظر في استراتيجية أوباما تأكيدها أن الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط، كما افترضت تحليلاتٌ كثيرة في السنتين الأخيرتين، فقد جاءت استراتيجية مواجهة داعش تأكيداً على استمرار الوجود الأميركي في المنطقة العربية، سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، وهذا الوجود يتحدد حجمه وفق الحسابات الأميركية، لكنه لا يغيب عن منطقتنا.

قلص أوباما في فترتيه الرئاسيتين من التدخل الأميركي في تفاصيل المنطقة، نتيجة الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة من غزو العراق، ورغبةً في تقليل كلفة التدخلات الخارجية على الاقتصاد الأميركي، ولم يمنع تقليص حجم التدخلات من احتفاظ أميركا بوجودها السياسي، وملء الفراغ الذي تتركه أميركا في التفاصيل بواسطة حلفائها الإقليميين، كما أن الوجود العسكري ظل قائماً من خلال “الدرونز” التي تضرب في اليمن، والقواعد الأميركية في الخليج وتركيا، والتي يستخدمها الأميركيون حالياً في ضرب داعش في العراق، بحسب تقارير في الإعلام الغربي، مثل تقرير كريغ وايتلوك (واشنطن بوست – 26/8/2014).

سياسة تقليل الكلفة هي التي تحكم استراتيجية أوباما في مواجهة داعش، وهو طمأن الأميركيين إلى أنه لن يرسل جنوداً أميركيين يقاتلون على الأرض، وسيتبع الاستراتيجية نفسها في مواجهة القاعدة في اليمن وباكستان، بالاعتماد على القصف الجوي، ووجود شركاء على الأرض من أهل المنطقة نفسها. يشير هذا إلى استراتيجية تقوم على اتباع نموذجٍ ثبت فشله، فلم يتمكن الأميركيون من إنهاء وجود تنظيم القاعدة في اليمن، على الرغم من الاستخدام المكثف لطائرات الدرونز، والقتل بالجملة الذي مارسته، وتعاون الحكومة اليمنية وقواتها النظامية مع الولايات المتحدة، كذلك لم تنجح هذه الاستراتيجية في باكستان، بالتعاون مع الجيش الباكستاني، بل حتى في أفغانستان لم ينجح وجود قوات “الناتو” على الأرض في القضاء على حركة طالبان هناك.

الأهم أن أبناء المنطقة سيكونون وقود الحرب الأميركية الجديدة التي لم يحدد أوباما جدولاً زمنياً لها، ما يعني إطالة أمد الصراعات الأهلية في المنطقة العربية، وهو ما يؤكده ترديد مصطلحات السنة والشيعة مراراً في خطابات أوباما والمسؤولين الأميركيين، فالإدارة الأميركية مستمرة في تبني الرؤية الطائفية لمكونات المنطقة، تماماً كما تتبناها قوى طائفية في الإقليم، ومجموعة من النخب والمثقفين الذين تبتلعهم الرؤية الطائفية. ستقوم أميركا بدعم فئات ضد أخرى في الصراع الأهلي في المشرق العربي، إذ إنها ستدعم البشمركة الكردية، والميليشيات الشيعية الطائفية في العراق، شركاءَ في مواجهة داعش هناك، وستضخ مزيداً من الدعم للمعارضة السورية “المعتدلة”، المستعدة للمحاربة في الجبهات التي تقررها التوجيهات الأميركية، ولن ينتج هذا كله سوى تسعير الصراع في المشرق المأزوم.

هنا، تظهر ضرورة التمسك بالرفض الكامل للتدخل الخارجي في الوطن العربي، وهذا الرفض ليس تمسكاً بكليشيهات خشبية حول السيادة، كما يرى مستغيثون بالناتو، ومرحبون بتدخلاتٍ تنصر جماعتهم على الجماعات الأخرى في العالم العربي، لكنه رفضٌ ينطلق من فهم الإشكالية التي تصنعها هذه التدخلات، ليس فقط على مستوى تأجيج الصراعات الأهلية العربية، بل حتى على مستوى بث الروح في تنظيمات مثل داعش، على الرغم من ادعاء محاولة إنهائها.

صحيحٌ أن داعش، ومثيلاته، تضيّع البوصلة، بجعل قتل بني جلدتها أولوية على محاربة الغرب، وهي، بذلك، تشكل خطراً على العرب والمسلمين أكثر من غيرهم، لكن هذه التنظيمات تستمد جزءاً أساسياً من شرعيتها من تعويض تقصير الدول العربية في مواجهة قهر الغرب وظلمه، كما أنها ظهرت نتيجة التدخل الغربي في العالم العربي، ونذكر، هنا، أن زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، استجاب لتحدي الوجود العسكري الأميركي في السعودية والخليج لتحرير الكويت في مطلع التسعينيات بإنشاء التنظيم، كما أن الجهاديين الذين أسسوا داعش شكلوا تنظيمهم (تغير اسمه أكثر من مرة) بعد الغزو الأميركي للعراق، لذلك، لن ينجح تدخل أميركي جديد إلا في إعطاء مشروعية إضافية لمثل هذه التنظيمات.

يصر الساسة العراقيون على تأكيد فشلهم في كل شيء، وتآكل مشروعية دولتهم شبه المنهارة، عبر الاستنجاد بالأميركيين، ونظام “الممانعة” السوري يغمز لأهل المؤامرات الكونية، ليبدي عدم ممانعته في التحالف معهم ضد داعش، وهو ما يغذي داعش بمشروعية إضافية، فالدولة العربية التي تشرع أبوابها للتدخلات الخارجية، وتفرط في استقلالها، وتتحول إلى طرفٍ في صراعٍ أهلي، لا يمكن لها أن تقدم معالجةً لوجود تنظيمات مثل داعش، بل هي تمدها بأسباب البقاء، وما لم تتم معالجة أزمة شرعية الدولة العربية، فإن الخروج على هذه الدولة سيستمر، بأشكال مختلفة ودرجات عنف متفاوتة.

ليست استراتيجية فاشلة في تفاصيلها فقط، وإنما هي فاشلة من حيث المبدأ، فهي تُنتج نقيض ادعاءاتها، وتؤدي لمزيد من العنف والدماء. هذه ليست حرباً تقضي على داعش أو غيرها، إنما هي حربٌ تلد أخرى.

العربي الجديد

 

 

 

داعش.. جذور النشأة وطرق العلاج/ عمر أحرشان

يشكل “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، النسخة الحديثة للتنظيمات التكفيرية، في شقها السني، والجيل الجديد من هذه التنظيمات بعد عقدين من التحولات المحلية والإقليمية والعالمية.

وكانت حقبة التسعينيات قد أفرزت، في أثناء الوجود العسكري الأجنبي في المملكة العربية السعودية، البوادر الجنينية لميلاد تيار “السلفية الجهادية” من رحم سلفيةٍ تقليديةٍ، سُمّيت “علمية”، لأنها انشغلت، أساساً، بالمجال الفقهي، تدقيقاً في النصوص، وتحقيقاً وتنقيحاً وشرحاً وتأويلاً لها، واقتصر دورها السياسي على موالاة الحاكم المستولي على الحكم، بغضّ النظر عن طريقة تولّيه ونجاعة سياساته واستجابتها لمطالب الشعوب، بل شكلت هذه التيارات، أحياناً، دعامة دينية لهذه النُظُم السياسية لشرعنة وجودها واستمرارها.

في التسعينيات، اقتصر أداء هذا التيار على معارضة الوجود العسكري الأجنبي، وانتقاد الحكام الذين وافقوا عليه، والتأصيل الشرعي لهذا الاعتراض بنقاشات فقهية مع التيار التقليدي، لاستمالة الشباب المتديّن، ما أثمر مراجعاتٍ فقهية وفكرية، قادت إلى قطيعةٍ مع فقه الموالاة غير المشروطة. وكان لزاماً انتظار سنواتٍ لتتشكّل معالم هذا التيار، فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وحركياً في تنظيم القاعدة.

كان أبرز مظهر لهذا التيار استفادته، إضافة إلى جذوره السلفية، من تراكم التجربة التنظيمية للحركات الإسلامية، وانفتاحه على التطور التكنولوجي ووسائط التواصل. ولذلك، اعتمد فكرة التنظيم الدولي، ووجّه بوصلة مواجهته لـ”العدو الغربي الصليبي الصهيوني”، وتغاضى عن نقل المواجهة إلى الساحة العربية.

اضطرت “القاعدة” إلى تعديل هذه الاستراتيجية، بعد تنامي الضغط ومحاصرة مجال تحركها، لتعتمد أسلوب التنظيمات الإقليمية، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي تأسس سنة 2006 من رحم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، أو قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين التي تأسست من رحم جماعة التوحيد والجهاد، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، أو القاعدة في جزيرة العرب، بعد اندماج الفرعين السعودي واليمني، أو حركة الشباب الإسلامية في الصومال، ولتنقل المواجهة سياسياً إلى بعض البلدان الإسلامية، مثل المغرب والعراق واليمن والصومال، ولتعتمد أكثر في التجنيد على خيار الارتباط الفكري، بدلاً من الانتماء التنظيمي، ما مكّنها من التأقلم والاستمرار، وإنْ عرّضها لهزاتٍ كثيرة واختلافٍ على مستوى الحصيلة، وتباينات في الاجتهاد، من منطقة إلى أخرى، اتّضحت معالمها بعد صراع الولاءات الذي تطوّر وتنامى، إلى أن أفرز تنظيماتٍ على يمين القاعدة، أكثر غلوّاً في فهم النصوص، وأكثر تطرفاً في تنزيلها، وتشكل داعش أهم مثال.

تنظيمات تكفيرية

في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، وبموازاةٍ مع “الربيع العربي”، توارت هذه التيارات إلى الوراء، لأن الزخم النضالي لم يترك لها فرصة، بل أدمجت الموجة الأولى لهذا الربيع العربي تيارات سلفية في اللعبة الديمقراطية، كما حال الجبهة السلفية التي أسست حزب النور والجماعة الإسلامية التي أسست حزب البناء والتنمية، قبل أن تحدث الانتكاسة مع انقلاب 3 يوليو/ تموز في مصر، ومؤامرات النُظُم المستبدة للتحكّم في مخرجات الربيع العربي، وحصرها في العنف والفوضى والتكفير وتقاعس “المُنتظَم” الدولي عن القيام بواجبه، الأخلاقي والسياسي والقانوني، لنصرة الشعب السوري، ووضع حدٍّ للإقصاء المذهبي في العراق الذي تجاوز حدود العمل السياسي إلى عملٍ مسلح، تقوده ميليشياتٌ شيعية ضد السنّة، مثل جيش المهدي وعصائب أهل الحق.

ساهمت هذه الأحداث في نشأة جيل جديد من التنظيمات التكفيرية، مختلفةٍ في الاستراتيجية عن سابقاتها، لأنها وجهت قوتها إلى الجغرافيا الإسلامية هذه المرة، وتغاضت عن “العدو الغربي والصليبي والصهيوني”، وركزت اهتمامها على بؤر التوتر الأكثر اشتعالاً في العراق وسورية، ونشطت عملية التجنيد من مختلف بقاع العالم لهذه المنطقة، ووجدت مبرر حيويتها في الخلافات الطائفية والمذهبية المتنامية في المنطقة، وفي إخفاق الاستراتيجيات والسياسات العمومية المتبعة، واستقوت على باقي الثوار بمصادر تمويلها المتنوعة، وقدراتها القتالية الفائقة، نتيجة تراكم التجربة والأسلحة المتطورة التي حصلت عليها، والتجاوب الواسع للشباب مع إنجازاتها الميدانية التي شكلت أهم حافز في الاستقطاب، وساعدها في ذلك كله غض المنتظم الدولي طرفه عن حركتها، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية. لذلك، لم يكن مستغرباً أن توجه داعش، كنقطة انطلاق، جهودها للسيطرة على المناطق التي في حوزة الثوار، عوض مواجهة النظام السوري، تحقيقاً للتكامل المفترض مع باقي شركاء الثورة.

ظهور داعش، بهذا الشكل التنظيمي والخطاب ونظام الاشتغال وأساليب الدعاية، مؤشر على أننا بصدد جيل جديد يمثّل، في العمق، استمراراً وليس قطيعة مع التيارات السابقة، وإن اختلف معها في بعض التفاصيل، لأن الأساس الإيديولوجي واحد والرؤية السياسية متقاربة والعدو واحد والاختلافات بينها لا تصل إلى حد التعارض، لكنها مرتبطة بسياسة الأولويات فقط، ومؤشر كذلك على أننا أمام تنظيماتٍ تمتلك هامشاً واسعاً من المرونة، تؤهلها للتأقلم مع التحولات والمتغيّرات وابتكار آلياتٍ، تنظيمية وحركية، تضعها دائماً، في موقع المهدد الحقيقي لمَن تصنّفه عدواً لها.

يؤشر ظهور داعش بهذه القوة على فشل الاستراتيجية العسكرية التي اتُّبعت خلال عقد، أو ربما أكثر، للحد من خطر هذه التنظيمات. والتجارب المتراكمة تثبت أن خيار الحروب التقليدية فاشل، مثال حرب يوليو/ تموز سنة 2006 في لبنان، وحروب غزة، ومعاناة الجيش المصري في سيناء وصمود الجيش السوري بفضل دعم الحرس الثوري وحزب الله، بفضل الطريقة القتالية المتشابهة، كما يؤشر على ضعف فعالية التعاون الدولي في هذا المجال الذي يخضع لمزايدات وحسابات ظرفية، تُحَوّل موقف كل دولة من المواجهة الحادة إلى مواجهةٍ ليّنةٍ، إلى تغاضٍ، إلى دعم خفيٍّ أحياناً.

عوامل النشأة

فشلت المقاربة الأمنية، على الرغم من ضرورتها، في محاربة القاعدة ومثيلاتها، لأنها ركّزت على المظاهر، ولم تعالج الجذور والأسباب، واهتمت بمواجهة النشطاء، وتجاهلت البيئة المنتجة، واختارت حلولاً كانت سبباً في تأزيم الوضع أكثر، مثل البناء الجديد للعراق على أسس طائفية، وركّزت على المواجهة العسكرية لتجفيف المنابع، وتناست أن الفكر لا يواجَه فقط بقوة السلاح.

العامل الأول لنشوء هذه التيارات هو الفهم السطحي غير السليم للإسلام، والغلوّ في تأويل نصوصه، والاختزال المسيء لأحكامه، وأول طريق لمواجهة هذا التفكير هو هذه الواجهة، والمؤهل للتصدّي لها هم العلماء والمثقفون، لتعميم اجتهادٍ جماعيٍ تجديدي للإسلام، يأخذ بالاعتبار القطعي الدلالة من النصوص ومتغيّرات الواقع، وأول عقبة في هذا الباب غياب مرجعية دينية سنية موحّدة وذات رمزية ومصداقية بسبب الاصطفافات السياسية والتبعية للسلطة الحاكمة وبعض الرواسب التاريخية.

فشل الأزهر في جمع شتات أهل السنّة، لأنه غير مستقل عن السلطة الحاكمة في مصر، ولأن شيخه لا يعدو أن يكون موظفاً سامياً عند السلطة السياسية، وفشل شيوخ الوهابية في هذه المهمة لارتباطهم الوثيق بحكام الخليج، وفشل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تحقيق هذه المرجعية الجامعة، بسبب تصنيفه ضمن تيارات المدرسة الإخوانية، وفشل التيار الصوفي بسبب عداوته التاريخية مع المدرسة السلفية، وضاعت جهود دول العالم السني بسبب التسابق على الريادة في العالم الإسلامي. ولذلك، لا بد من مرجعية جامعة وموحدة وذات سلطة رمزية مجتمعية ومستقلة، تتولى تنظيم الفتوى والاجتهاد الجماعي، على ضوء مقاصد الإسلام ومطالبه الكلية، في قضايا شائكة، مثل الحاكمية والجهاد والشورى والشريعة وأهل الذمة وبلاد الكفر والإسلام، لصياغة اجتهادٍ وسطي للإسلام، من خلال علماء مستقلين والعمل على تنزيل هذا الفهم من خلال برامج تعليمية وإعلامية وثقافية لتربية جيل جديد، بعيداً عن الفهم المتشدد والمنغلق والعمل العنيف. العامل الثاني سياسي، ويتمثّل في فشل “دولة ما بعد الاستقلال” في استكمال السيادة، والحد من التبعية والحيلولة دون الاحتلال والموازنة بين الانفتاح على العالم والحفاظ على الهوية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحرية السياسية وصهر التنوّع المجتمعي، الديني واللغوي والطائفي، في “دولة وطنية”، تتجسّد فيها إرادة العيش المشترك وثقافة المواطنة، وتعيد الأمل للشعوب، بعد عقود من اليأس والعزوف.

وضاعف من حدة هذا العامل الدعمُ الغربيُ للنُظُم الحاكمة الفاشلة على حساب إرادة شعوبها، والتضييقُ على التيارات الوسطية صمامَ الأمان وعامل التوازن والاستقرار ضد كل النزوعات المتطرفة.

لذلك، وجبت إعادة النظر في هذه الاستراتيجية، بالعمل على خلق حياة سياسية، تضمن الحق في التنظيم والتعبير وفصل السُّلَط وربط ممارسة السلطة بالخضوع للمحاسبة، والتداول على السلطة واحترام الإرادة الشعبية، والقطع مع التبعية، تحقيقاً للاستقلال التام.

من المفيد، في هذا الصدد، مراجعة تحليلات تحصر بروز هذه التيارات بعوامل اقتصادية واجتماعية، لأنها لا تتكوّن فقط من الفئات المهمّشة، بل هناك فئة متعلّمة وميسورة تنتمي على الأقل إلى الطبقة المتوسطة. وإلقاء نظرةٍ على الشباب المجنّد، الجيلين الثاني والثالث، من الدول الغربية كافٍ لإثبات خطأ هذه المقاربة. فلا مستقبل لداعش، على الرغم من النجاحات التي تحققها، لأن فكرها شاذ، ولا يلقى قبولاً مجتمعياً، ولأن التيار الرئيسي في المجتمع وسطي وغير عنيف، ولأنها فتحت ضدها جبهات كثيرة على أكثر من واجهة، ولم تتقن سوى صناعة أعداء، بدءاً من الشيعة إلى السنّة والعرب والأكراد والغرب والشعوب والأنظمة، ولأن إكراهات تدبير الدولة أكثر تعقيداً من تدبير حركة دعوية.

أفلحت داعش في الشحن الطائفي وتبرير التدخل الأجنبي في المنطقة، وإقناع فئات واسعة بفائدة الاستقرار في ظل الاستبداد على التغيير، في ظل الفوضى وتقوية الموقع التفاوضي الإيراني في الملف النووي، وتقديم ورقة رابحة للنظام السوري، للتفاوض مع المنتظم الدولي بشأن مكافحة الإرهاب.

العربي الجديد

 

 

 

مع إنسحاب لبنان من التحالف الدولي/ ساطع نور الدين

لم يفت الاوان على النقاش حول الحكمة من دعوة لبنان الى المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وعن الفطنة في قبول لبنان الدعوة الى خوض حرب، لا يحتمل أيا من أكلافها ومخاطرها، التي يمكن الجزم بأنها زادت اكثر بكثير مما كانت قبل حضور وزير الخارجية جبران باسيل مؤتمر جدة وتوقيعه على البيان الختامي الذي لا بد ان ابو بكر البغدادي قرأه بتمعن ودقق جيدا في الاسماء والالفاظ .

الدعوة بحد ذاتها كانت غريبة بعض الشيء، بل مثيرة للاستهزاء. هي قدمت دليلاً أولياً على ان اميركا ليست جدية في تشكيل التحالف ولا في خوض الحرب مع داعش: لأي سبب يدعى لبنان الى مثل هذه المهمة الخطرة؟ حدوده المشتركة مع سوريا ليست مبررا كافيا، لا في الامن ولا طبعا في السياسة. ولا يعقل ان تكون الجهة الاميركية الداعية تجهل انه ليس لدى لبنان جيش يمكن ان يصمد في اي معركة جدية مع تنظيم الدولة الاسلامية الذي يفوقه عدداً وتسليحاً وتمويلاً وتهديداً؟ معركة عرسال المحدودة ما زالت ماثلة في الاذهان، وكان يفترض بنتيجتها الا تشجع أحداً على الاعتماد على فتح الجبهة اللبنانية، ولو لتموين التحالف او حتى الترفيه عن جنوده.

الدعوة هي في المقام الاول تهديد للامن اللبناني النسبي الراهن، والذي لا يمكن ان ينسب باي حال من الاحوال الى فتوحات جيش النظام السوري او الى بطولات حزب الله الذي يقاتل معه، بل فقط الى انشغال داعش بمطامعه السورية والعراقية، وميله الى صرف النظر عن الفناء الغربي للهلال الخصيب على الاقل في الظرف الراهن.. والاكتفاء ببعض الخلايا النائمة في اكثر من منطقة لبنانية والتي تنتظر نداء الايقاظ في اي لحظة.

القرار الاميركي بضم لبنان الى التحالف لا ينم فقط عن سوء تقدير شديد، بل يعبر عن سوء نية أكيد. فهو لا يوسع التحالف ويزيده منعة وقوة ، بل يكشف عن احدى أهم ثغراته التي لن يتأخر البغدادي ربما في الانتباه اليها والتسلل منها خصوصا اذا ما ضاقت السبل العراقية والسورية امامه كما هو متوقع في المرحلة المقبلة، اذا تكثفت الغارات الجوية الاميركية والاوروبية على مواقعه. وهذه الفكرة هي في الاصل أول ما خطر في البال عندما اعلن الاميركيون الحرب على داعش، بشكل يوحي بانهم يودون طرد مقاتليه من العراق الى سوريا ومنها الى لبنان.

ولا يمكن ان يغيب عن ذهن الاميركيين أن الخطر الذي زاد على لبنان جراء انضمامه الى التحالف لا يأتي فقط من البغدادي وتنظيمه الدموي. ثمة في دمشق بالتحديد رؤية استراتيجية ترسخت على مدى العقود الاربعة الماضية، واثبتت جدواها في الكثير من المراحل الحرجة، وهي لم تتغير ابداً ولن تتغير في المرحلة الراهنة التي تعتبر الاشد حرجا في تاريخ النظام السوري: لبنان كان وسيبقى أكثر من وديعة وأقل من رهينة، تصلح للاستخدام في أي مفاوضة او مساومة مع الاخرين، عرباً كانوا أم إسرائيليين أم أميركيين.

لم يكن إنضمام لبنان الى التحالف الدولي دليل فراق مع دمشق. فقد كاد وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل يقترح في مؤتمر جدة دعوة النظام السوري الى الحضور.. ولم يتنبه الى ان من أهم وظائف التحالف انهاء سياسات القمع السورية والايرانية للغالبية السنية التي كانت أحد أبرز أسباب ظهور داعش في العراق وسوريا بالذات. واذا ما قرر الاميركيون المضي قدماً في هذه المهمة، فانها ستكون مما لا تحمد عقباه اللبنانية، ولا تنسى ذكراه بالنسبة الى اللبنانيين جميعا!

السؤال عما اذا كان بامكان لبنان ان يرفض مثل هذه الدعوة الاميركية، لم يصبح من الماضي بعد، برغم انه بات عضوا رسمياً في التحالف. ما زال بالامكان التراجع، والاكتفاء بالدعم المعنوي لتلك الحرب التي لا يعرف الاميركيون أنفسهم متى تبدأ ولا كيف تنتهي.

الموقف التركي نموذج يحتذى. فهو لا يمس خيار أنقرة في مواجهة داعش، لكنه لا يورطها في دور عسكري متسرع او في مسار سياسي اميركي كان ولا يزال يميز بين النظام السوري من جهة وبين داعش او حزب العمال الكردستاني من جهة اخرى.. مما ساهم في تحويل الارهاب والحرب عليه الى قدر وحيد للعالم الاسلامي كله.

ما زال بامكان لبنان الانسحاب من التحالف الدولي، بطريقة يتقبلها البغدادي ولا يسيء فهمها الاسد.

 

 

 

بروباغندا الخلاف الإيراني ـ الأميركي/ عبد الرحمن الراشد

للخلاف الطارئ قصة. في البداية كانت كل الأطراف متوافقة على محاربة «داعش» وجبهة النصرة، التنظيمين الإرهابيين، وذلك في إثر الانتصارات السريعة التي حققها «داعش» في العراق. والمعني بالأطراف هنا، إيران، والولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية، وروسيا، ودول الخليج، وتركيا. وفعلا، بان التوافق في الانتقال السياسي السريع المدهش في بغداد، الذي كان يمكن أن تدوم أزمة الحكم هناك لأشهر طويلة، لكن في أقل من أسبوعين أزيح المالكي، وارتضى الجميع تنصيب ثلاثة رؤساء. وبعدها باشرت القوات الأميركية عملياتها العسكرية الجوية ضد «داعش»، وأخرجت مقاتليه من محيط سد الموصل وسنجار وفروا إلى مناطق أعمق في العراق وسوريا.

إنما تلك كانت مجرد معارك محدودة، و«داعش» يملك من الرجال والعتاد ما يجعله يعود ليهدد أمن العراق والمنطقة، وربما العالم. لهذا قررت الدول المعنية عقد مؤتمر، خصيصا لمواجهة الخطر الأمني لأنه يهمها جميعا، فتركيا مثلا لا يزال لها عدد من موظفي قنصليتها في العراق مخطوفين عند «داعش» يهدد بقتلهم. والسعودية تعرف أنهم يختبئون خلف حدودها على الجانب العراقي. كما أدركت أوروبا أن مئات المقاتلين هم من حملة جنسياتها، وسيعودون غدا مدربين ويشكلون خطرا عليها، وروسيا كانت من أوائل المتحمسين لمحاربة «داعش» والنصرة.

لكن مع اقتراب عقد المؤتمر طالبت الحكومة الإيرانية بدعوة النظام السوري أيضا للمشاركة، وكان من الطبيعي جدا أن ترفض السعودية، الدولة المضيفة، الطلب. فنظام الأسد هو السبب وهو المشكلة، فلو أنه ارتضى بالحل السلمي الذي أقر في مؤتمر جنيف الأول لما ولد «داعش» أصلا، ولا صارت هذه الفوضى والدماء الغزيرة وملايين اللاجئين. وهو الذي فتح السجون لمعتقلي «القاعدة»، وهو من سلم «داعش» المناطق السورية الضعيفة التي عجز عن حمايتها لضرب الجيش الحر. وفوق هذا كله، إذا كان «داعش» قد قتل خمسة آلاف شخص، حتى الآن، فإن الأمم المتحدة قد وثقت مائتي ألف ضحية معظمهم مدنيون قتلهم النظام السوري. وبالتالي لا يمكن التعاون مع فريق ملطخة يداه بالدم مثل نظام سوريا ليشارك في محاربة الإرهاب!

ومع هذا أصر الإيرانيون، مشترطين أن حضورهم مرهون بمشاركة نظام الأسد، وتضامن معهم الروس معلنين مقاطعتهم لمؤتمر مواجهة «داعش».

ومنذ تلك اللحظة تغيرت اللغة الاحتفالية التي كانت تبشر بمواجهة الإرهاب إلى الدفاع عن «داعش»، بتصوير المؤتمر أنه حرب على الشعبين العراقي والسوري، وأنه مشروع احتلال جديد، وغيره من الهراء الذي ملأ فضاء الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية.

وهذا يجعلنا نثق أكثر من ذي قبل بأن بقاء «داعش» يخدم نظامي إيران والأسد، وتحديدا في سوريا وليس في كل العراق. ففي لحظة حرجة، بعيد سقوط مدينة الموصل، خاف كثيرون أن تكون بغداد هي التالية، لهذا احتاجوا إلى دعم الولايات المتحدة عسكريا، والمملكة العربية السعودية سياسيا لإنقاذ النظام العراقي في العاصمة.

الآن تسمعون صدى طبول الدعاية الإيرانية في الصحف والتلفزيونات و«تويتر» وغيرها من الفضاءات المفتوحة، تردد نغمة التشكيك وتشويه الحقائق. تصوير مواجهة «داعش» أنه عمل يخدم الغرب، وهذه استعارة من التاريخ القريب تسهل عليهم تزوير الواقع. الحقيقة هي أن دول المنطقة منذ عامين ظلت تناشد المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التعاون لمواجهة هذه الجماعات الخطيرة، وبكل أسف كان البيت الأبيض يرفض. وبعد أن انتشرت فظائع «داعش» والنصرة، وقُتل آلاف من المدنيين وشُرد مئات الآلاف على اختلاف طوائفهم وهوياتهم، وتحت الضغط الدولي اضطر الرئيس الأميركي للتحرك. والذي يخاف من هذا التحرك الدولي هما إيران ونظام الأسد، لأن «داعش» يلعب دورا مخربا على الثوار في سوريا، وثانيا لأن الأميركيين اقتنعوا لأول مرة بأن دعم الجيش الحر قد يكون السبيل الوحيد لتأسيس نظام سياسي يحارب الإرهاب، بديلا عن نظام الأسد المهترئ. لهذا قررت إيران وروسيا شن حملة بروباغندا إعلامية مضادة لتشويه مؤتمر جدة، وتشويه الحملة الدولية التي هي تحت التأسيس ضد الإرهاب، وصارت كتائب حزبية تردد الدعاية الإيرانية مثل الإخوان المسلمين وغيرهم.

الشرق الأوسط

 

 

 

أربعة تدخلات ضد الإرهاب.. والنتيجة واحدة/ عبد الوهاب بدرخان

في عام 1993 كان للولايات المتحدة تدخل وصف بأنه «إنساني» في الصومال، على رأس قوة دولية لحفظ السلام انتدبتها الأمم المتحدة غداة سقوط نظام سياد بري وبروز خطر مجاعة مع انتشار ميليشيات متناحرة وشيوع الفوضى. ولكن المهمة «الإغاثية» المحدودة أظهرت بعض الاهتمامات السياسية فأثارت سريعاً أعمالاً عدائية تحوّلت إلى اشتباكات ضارية في شوارع مقديشو، ما أدّى إلى الانسحاب الأميركي في مارس 1994. مضت 20 عاماً تفككت خلالها الصومال دويلات مراوحة بين شيء من الاستقرار في الشمال وكثير من الاضطراب والخطر في الجنوب. وفيما تواصل التخبّط بحثاً عن مصير هارب مرّت الحال الميليشياوية فيها بتقلبات عدّة، منها ما انغمس في القرصنة البحرية، ومنها ما ولّد «حركة الشباب» كفرع محلي لتنظيم «القاعدة» لا يبدو له هدفٌ آخر غير تعطيل قيام الدولة مجدداً، ولا يتردّد في تنفيذ عمليات في البلدان المجاورة كما حصل العام الماضي في كينيا.

ومنذ تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» في ميناء عدن (أكتوبر 2000) بدأ تدخل أميركي لمساعدة السلطات اليمنية على مكافحة الإرهاب وضربه. وفي العامين التاليين استقبلت الخلايا الصغيرة النائمة أفواجاً من «القاعديين» الهاربين من أفغانستان لتصبح تنظيماً متغلغلاً في النسيج القبلي والمناطقي وفي بعض نواحي صنعاء، بل راح يطوّر الوسائل ويصدّر قنابل مزروعة في أجساد الانتحاريين. وطوال تلك الأعوام لم تضع السلطة الخطة اللازمة لطرد هذا التنظيم، ولا الولايات المتحدة تخطت المستوى المحدود الذي رسمته لدعمها. وفي ظل الاضطراب السياسي الذي يمرّ به اليمن صار تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» واحداً من الأطراف التي تستغل الأزمة لتحقيق مكاسب جنباً إلى جنب مع انفصاليي الجنوب وحوثيي إيران في الشمال.

وفي عام 2001، بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، أعلنت الولايات المتحدة «الحرب على الإرهاب» وقادت تحالفاً دولياً لغزو أفغانستان واحتلالها، محققةً هدفين في آن: إنهاء حكم حركة «طالبان»، واقتلاع تنظيم «القاعدة» من الأرض التي وفّرت له ملاذاً وحقولاً للتدرّب وخطوطاً للتسلّح. وفيما تفرّق «القاعديون» في اتجاهات شتّى واستمرّت مطاردتهم قادةً وعناصر، انكفأ عناصر «طالبان» إلى العمل السري تحت الأرض قبل أن يعاودوا الظهور ويقوموا بعمليات خطيرة حالت دون بناء أي استقرار في العاصمة كابول. وبعد ثلاثة عشر عاماً لم يتمكّن تحالف «إيساف» من إقامة حكم قوي ومقبول، ويستعد الأميركيون للانسحاب بنهاية هذه السنة وسط سيناريوهات مجمعة على أن «الطالبان» عائدون.

وبعد عامين، أي في 2003، كان غزو العراق واحتلاله بتحالف لم يحظَ بشرعية دولية، وبذريعة أن نظام صدّام حسين يشكّل تهديداً إقليمياً دولياً سواء بامتلاكه أسلحة دمار شامل لم يُعثر عليها، أو بإقامته قواعد للإرهاب ولم يثبت أنه فعل. ولكن، بعد إسقاط هذا النظام وبسبب أخطاء فادحة ارتكبتها سلطة الاحتلال وحلفاؤها العراقيون، بدأت مجموعات مسلحة العمل على «مقاومة الاحتلال الأميركي»، في ظلّ نظام جديد عمد الى التمييز ضد السُّنة، ثم ظهرت مجموعات إرهابية خالصة تستقطب عناصر من كل الأصقاع، وسُمّيت أولاً «القاعدة في بلاد الرافدين» ثم «دولة العراق الإسلامية»، إلى أن اندلعت الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011 واتسمت فوراً بعنف مارسه النظام مستهدفاً السُّنة ومدنهم الكبرى، ثم بزرع مجموعات إرهابية في مناطق المعارضة كوسيلة ناجعة لتصوير الحراك الشعبي كأنه مجرد «ظاهرة إرهابية» يجب التضامن مع النظام نفسه للقضاء عليها. وفي 2012 تحقق لهذا النظام ما سعى إليه بإعلان ولادة «جبهة النُصرة» التي بايعت زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، ثم بظهور «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). ولكن، قبل ذلك، كان الأميركيون انسحبوا من العراق بنهاية 2011، واستفرد نوري المالكي بالنظام والسلطة مؤججاً العداء للسُّنة والأكراد، ما أدّى إلى تحالفات الضرورة في المحافظات السُّنية فانبرى تنظيم «داعش» للسيطرة عليها وربطها بمناطق سورية بعدما ألغى الحدود ثم أعلن تنصيب «أبوبكر البغدادي» «أميراً» وقد اشتهرت جماعة «داعش» بالفظائع الدموية واضطهاد الأقليات وأمكن التعرّف إلى همجيتها لا إلى «إسلاميتها».

وحتى ليبيا التي تخلّصت من النظام السابق بتدخل جوي لحلف الأطلسي، وبقيادة أميركية في المرحلة الأولى، استبعدت فيها القوى الخارجية أي تفكير في اليوم التالي، ولم يفطن أحد إلى أن الفوضى والإرهاب سيستشريان لاحقاً مع أن المؤشرات كانت بالغة الدلالة. واليوم لا تنفك ليبيا تغرق في لجة أزمة سياسية- أمنية، والبعض يقول أزمة وجودية، فيما يشير آخرون إلى حال «صوملة» متفاقمة. وهي الحال نفسها التي تعانيها حالياً، أقل أو أكثر، دول عربية عدّة.

وفي ضوء هذه التدخلات ونتائجها تتسارع إرهاصات حرب جديدة على الإرهاب في العراق وسوريا. ولا يتردد الرئيس الأميركي في تقديرها زمنياً بسنة أو سنتين أو ثلاث، بل لا يغامر بتوقّع القضاء على الإرهاب، فقد أضحى ذلك طموحاً بعيد المنال. لذلك يكتفي بتأكيد الحصول على «إضعاف» لتنظيم «داعش» مع تمني «تدميره». ولاشك أن قياس الحرب الآتية إلى التدخلات الأربعة المتنوّعة التي سبقتها يفضي إلى حرب دائمة، راسخة وعضوية، تحاول التعايش مع السعي إلى أي درجة ممكنة ومتاحة من الاستقرار، أي تماماً كما هي الحال في البلدان التي ذُكرت.

الاتحاد

 

 

الحرب على داعش ومخاوف دمشق/ شحاتة غريب

(بدأت الولايات المتحدة الأمريكية جولة قوية في الأيام القليلة الماضية لشحن الطاقات الدولية المختلفة، وحشد الدول وراء تحالف دولي واحد للقضاء على داعش وبقية التنظيمات الإرهابية. وبالفعل عُقد في جدة في الأيام الماضية الاجتماع الموسع حول مكافحة الإرهاب بحضور الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ومصر والعراق والأردن ولبنان وكافة دول الخليج العربية.

وقد قام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بجولة مكوكية في مختلف عواصم المنطقة ليتناقش مع القادة والزعماء حول أهداف التحالف الدولي لوضع استراتيجية للقضاء على الإرهاب بصفة عامة، والقضاء على تنظيم داعش بصفة خاصة، وقد نجح كيري في كسب تأييد العديد من الدول للمشاركة في التحالف الدولي للحرب على داعش، وبقية الحركات الإرهابية، ولم يخفق سوى في إقناع الإدارة التركية في المشاركة في التحالف، وهذا لا يرجع إلى عدم قدرة كيري على الإقناع، بل يرجع إلى غموض الموقف التركي، وأن قرار الإدارة التركية بعدم المشاركة في العمليات العسكرية ضد داعش قد تم اتخاذه مسبقا، وذلك ربما للحفاظ على مصالح أو مكاسب قد حققتها تركيا من استمرار وجود تنظيم داعش في المنطقة.

 

هذا وقد بدأت مخاوف النظام السوري من الحرب على داعش تظهر بجلاء، وخاصة بعدما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه سيجيز شن ضربات جوية في سوريا، وفي العراق، بهدف محاربة داعش في البلدين، وملاحقة هذا التنظيم أينما كان، كما أعلن الرئيس الأمريكي أنه لن يتردد في إتخاذ أية إجراءات ضد داعش، وضرورة إضعاف هذا التنظيم تمهيدا للقضاء عليه.

وهذا الموقف المفاجئ من أوباما جعل المخاوف تزداد لدى النظام السوري، خاصة أنه أعلن من قبل شن هجمات جوية على نظام الأسد بعد تيقنه من استخدام الأسلحة الكيماوية التي أبادت العديد من أبناء الشعب السوري، ولكنه تحول عن موقفه، ولم يشن أية ضربات ضد النظام السوري. وتبدو مخاوف النظام السوري واقعية ومنطقية، لأن هذا النظام يدرك جيدا بأن الضربات الجوية لن تطول داعش فقط، بل قد تطول مواقع عسكرية للجيش السوري، مما قد يؤدي إلى إضعاف قوات النظام، وتحفيز المعارضة على الاستمرار في قتال نظام الأسد، وهم يرفعون رايات الأمل لاقترابهم من تحقيق النصر.

ولعل هذه المخاوف من قبل النظام السوري قد دفعته إلى الإعلان بأن أية ضربات جوية على الأراضي السورية دون إذن سوريا تمثل عدوانا على الأراضي السورية، كما أن هذه المخاوف قد دفعت كلا من إيران وروسيا إلى التوجه نحو عرقلة التحالف الدولي للحرب على داعش وكافة التنظيمات الإرهابية، فها هي إيران تعلن أن التحالف للحرب على داعش يعد تحالفا انتقائيا، ويصب فقط في صالح أمريكا، وها هي موسكو تعلن بأن شن ضربات جوية على داعش في العراق وسوريا دون تفويض من مجلس الأمن يعد عملا عدوانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المواقف الإيرانية والروسية من الحرب على داعش تعتبر طبيعية ومنطقية، لأنه ليس من مصلحة إيران انهيار نظام الأسد، وخاصة أن سقوط هذا النظام قد يطول أيضا إسقاط حزب الله في لبنان، وحركة الحوثي في اليمن، وهنا تصبح إيران بلا أجنحة في المنطقة العربية تساعدها على الطير في أجوائها، لترمي استقرارها بما تشاء وكيفما تشاء.

كما أن من مصلحة روسيا الإبقاء على نظام الأسد، لما في ذلك من تثبيت لوجودها في المنطقة، وعدم ترك الأمر لأمريكا لتلعب بالأقليم كيفما تشاء، ولذلك قد نتوقع عند عرض الأمر على مجلس الأمن للحصول على التفويض بشن ضربات جوية في سوريا والعراق ضد داعش، قد تعترض روسيا، أو على الأقل قد تضع قيوداً لا تسمح بالمساس بالنظام السوري من بعيد أو قريب. وهنا تعلو المصلحة على مبادئ وقيم الحق والعدل والإنصاف، فالحق والعدل يتمثلان في القضاء على داعش الذي يتلذذ بانتهاك الحقوق والحريات، والذي ارتكب العديد من الجرائم ضد الإنسانية التي جردت أعضائه من كل معاني الإنسانية قبل أن تذبح أي إنسان آخر.

لكن لا تبدو للأسف الصورة هكذا بالنسبة لبعض الدول، فلا يهم هذه الدول ذبح الإنسان، أو تدمير المكان، لكن كل ما يهمها هو تحقيق المكاسب مهما كانت أعداد الضحايا، ومهما كانت عمليات القمع والإرهاب. وإذا كانت بعض الدول لا يهمها الحرب على داعش لما في ذلك من تأثير على مصالحها، أو أن هذه الحرب لا تهما حرصا على عدم إثارة أية مخاوف للنظام السوري، فإنه ينبغي على هذه الدول أن تدرك أن الحق هو المنتصر، وأن الظلم هو المنهزم، وأن إعلاء راية الحق ستكون أمراً حتمياً، سواء أُعلنت الحرب على داعش، أو حتى بدون إعلانها، وإن كانت هذه الحرب تعد خطوة مهمة لتحقيق قيم الحق والعدل والإنصاف .

كاتب مقالة الرأي أستاذ مشارك في كلية الحقوق بجامعة البحرين وما يرد في المقال يعبّر حصرا عن وجهة نظره ولا يعكس رأي CNN)

 

 

 

 

ولبنان أيضاً لن ينجو…/ حازم صاغية

ننسى أحياناً أنّ «العائدين من العراق» سبق أن تسبّبوا بأزمات أمنيّة وسياسيّة واجتماعيّة كبرى في لبنان. وكانت مواجهة نهر البارد في 2007 أكبر تلك الأزمات من غير أن تقتصر عليها. وعلى خلفيّة الحقيقة هذه، لنا أن نتساءل اليوم: أيّة مشاكل سيفجّرها «العائدون من سوريّة والعراق» بعد حرب يُتوقّع، كما تشير الوقائع وكذلك السوابق، أن تكون طويلة ومتشعّبة وعصيّة على الحسم.

فالضرب من الجوّ لا ينهي حرباً، بل يطيل أمدها ويوسّع رقعتها، فيما وجود «البيئة الحاضنة» في لبنان قابل أن يتوسّع (راجع تحقيق حازم الأمين عن طرابلس، الأحد الماضي، في «الحياة»). وما دمنا نذكّر بتجارب من الماضي فكثير التجارب يقول إنّ القضاء على الإرهاب يستدعي «بيئات حاضنة» لمناهضة الإرهاب، تكون وطنيّة ومتماسكة ونشطة، وراديكاليّة في رفضها الاستبداد والتأخّر سواء بسواء. وهذا غير متوافر، لا في لبنان ولا في سواه من بلدان المنطقة.

وليس ثمّة ضامن، فيما تتطاول الحرب في سوريّة والعراق، وفيما يتناثر البَلدان وربّما بلـــدان أخـــرى قد تُصلى بنار الحرب، أن يبقى لبنان آمناً، خصوصاً أنّ آثاراً كثيرة ستصيبه من جرّائها، وهي ستصيبه أكثر في ظلّ إزاحة الحدود التي افتتحها «حزب الله» غير هيّاب، قبل أن يستكملها خصومه الذين لاقوه ويلاقونه في سوريّة وربّما في العراق أيضاً.

ولا نضيف جديداً، ووراءنا تجربة «الصحوات» في بلاد الرافدين، إذا افترضنا أنّ هذه الحرب ستوقظ نعرات محلّيّة وجهويّة وعشائريّة تستدعي مكافحةُ «داعش»، بالطريقة المعمول بها، إيقاظَها. وغنيّ عن القول إنّ تجديد الانبعاث العصبيّ في المنطقة، على أنواعه، لن يُترجم في لبنان إلاّ شحذاً لعصبيّاته المستنفرة وتعزيزاً لها بمزيد من النصال.

وطبعاً فإنّ إيران و «حزب الله» ونظام بشّار الأسد سيجدون جميعاً في مصلحتهم إطالة هذه الحرب، أي إطالة عمر «داعش» تالياً، ما دام أنّهم استُبعدوا منها. فهم مستعدّون لأن يتقدّموا الصفوف الأميركيّة في الاجتثاث الموعود لـ «داعش»، فإذا لفظتهم واشنطن وحلفاؤها، كما حصل، اكتشفوا أنّ «داعش» إيّاها صناعة أميركيّة!

وهذا الوضع الرديء كلّه ينضاف، بطبيعة الحال، إلى حال الانقسام اللبنانيّ المتفجّر منذ 2005، وإلى أنّ البلد العاجز عن إغراء بنيه باللبنانيّة، بوصفها الردّ على المشاريع الطائفيّة، يوفّر اليوم ردّاً سنّيّاً على الشيعة مثلما وفّر بالأمس ردّاً شيعيّاً على السنّة والمسيحيّين. والباب مفتوح على مصراعيه للردود المحتقنة والمغالية هذه.

ولبنان خصوصاً، وأكثر من سواه، لا يستطيع أن يعيش في ظلّ حروب كهذه ووسط قضايا موصوفة بالمصيريّة كتلك. فنحن راهناً لسنا أمام مهاترة أبرشيّة كتلك حفّت بأقوال المطران مبارك وأفعاله في الأربعينات، ولا إزاء جولة كجولات 1958 بين البسطة والجمّيزة، ولا حتّى حيال حرب أخرى كحرب السنتين.

فالبلد الذي ولد كي يعيش بالحدّ الأدنى من القضايا والحدّ الأقصى من الإجماع، تثقل عليه القضايا وهي في حدّها الأقصى والإجماعات وهي في درجتها الصفر.

في هذا المعنى، فإنّ احتمالات الإمارات الإسلاميّة هنا أو هناك قائمة، واحتمالات ألاّ يصمد الجيش «الموحّد» أمام تعاظم الانشقاق في المجتمع قائمة أيضاً. ما ليس قائماً، إلاّ إذا كنّا من أنصار المعجزات، هو احتمال أن ينجو لبنان.

الحياة

 

 

 

“مؤتمر باريس”… إنها الحرب إذن… ولكن!/ رأي القدس

تزامنا مع انعقاد «مؤتمر باريس» للتحالف الدولي امس، أعلن وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان من دولة الامارات، أن بلاده بدأت أولى الطلعات الاستكشافية فوق العراق انطلاقا من قاعدة الظفرة العسكرية (30 كلم جنوب غرب أبوظبي)، في إطار التحرك الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» او «داعش»، فيما توقعت مصادر في كواليس «مؤتمر باريس» ان الغارات الفعلية ستبدأ في العراق بداية الاسبوع المقبل. اندلعت الحرب بالفعل اذن، لكنها بداية مضطربة تثير من الاسئلة أكثر مما تقدم من اجابات، وتكاد تنذر بتعقيد الواقع المحلي في العراق، والاقليمي اكثر مما تعد بالقضاء على داعش. وهذه محاولة لقراءة المشهد الملتبس او السير في «حقل الألغام» الذي انعقد في وسطه مؤتمر باريس:

اولا: حسب تصريحات وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري فان المباحثات في مؤتمر باريس ركزت على مواجهة «داعش» في العراق فقط، ولم تتطرق الى شن غارات في سوريا، وهكذا تبقى الشكوك تكتنف امكانية تحقيق «استراتيجية اوباما» بخصوص هذا الجزء، خاصة بعد الاعتراضات القوية التي ابدتها روسيا وايران الى جانب دمشق، بل وبعض الدول العربية مثل مصر التي شددت على انها لا يمكن ان تشارك في اي جهد دولي (لم تقل تحالفا) لا يحظى بمظلة واضحة من الشرعية الدولية. فهل سيتراجع اوباما عن تعهداته ام انه سيحول «التحالف» الى «حلف امريكي» جديد يخاطر بتفجير المنطقة، ويدفعها الى المجهول.

ثانيا: امتنعت ايران عن المشاركة في مؤتمر باريس ووصف نائب وزير خارجيتها مؤتمر باريس بانه «مؤتمر استعراضي»، بينما اكد المرشد الاعلى ان طهران رفضت طلبين رسميين من واشنطن للانضمام الى «التحالف» الذي وصفه بـ «الاجوف» مشككا في اهدافه، ومعتبرا «ان أفضل وسيلة لمحاربة الارهاب هي دعم حكومتي بغداد ودمشق». وهكذا لا تخفي ايران أجندتها الرامية الى اعادة تأهيل نظام الاسد مقابل مساعدتها المهمة بل والحرجة في مواجهة داعش. ويبدو انها لن تتردد في عمل كل ما تستطيع ليتحول التدخل الامريكي الجديد الى «هزيمة جديدة»، خاصة ان اقدمت واشنطن على ضرب «داعش» في سوريا. وليس من المستغرب ان ترد طهران على قرار واشنطن وبعض الدول الخليجية بشأن دعم المعارضة السورية، بتعزيز مساعداتها العسكرية لنظام الاسد ما يعني المزيد من المجازر ما سيشكل ضغطا اضافيا على اوباما للمفاضلة بين خيارين كلاهما مر، اما التراجع او ارسال قوات برية وبالتالي الغرق في مستنقع الدم مجددا. وعلى اي حال فاننا مقبلون على تعميق للاستقطاب الاقليمي بما يعنيه ذلك من تصاعد في التوتر على جبهات اما مشتعلة بالفعل او تكاد.

ثالثا: فشل «مؤتمر باريس» في اعلان اجراءات محددة لتجفيف الينابيع المالية والفكرية والتنظيمية لـ «داعش»، على الرغم من حديث وزير الخارجية الامريكي جون كيري لدى زيارته القاهرة مؤخرا عن اهمية المواجهة الثقافية لـ «داعش»، وهو ما أكد عليه الامين العام للجامعة العربية ايضا. فهل من استعداد حقيقي لدى المراجع السنية الاساسية، وخاصة الازهر الشريف، وهيئة كبار العلماء في السعودية، وغيرهما، وقد ادانوا «داعش» بالفعل، ليقوموا بتجفيف منابع الفكر التكفيري لداعش وغيرها ام ان هذا الامر يصطدم بخطوط حمراء لايمكن تجاوزها لاسباب معقدة؟

رابعا: ما الضمانات الا تتحول الغارات الامريكية في المناطق السنية بالعراق الى مجازر جديدة، ما قد يؤدي الى تعزيز الحواضن الشعبية لـ «داعش» محليا واقليميا بدلا من اضعافها؟ وما الضمانات الا تستولي الميليشيات الشيعية العراقية، وهي الأقوى والأفضل تجهيزا على الاراضي التي ستتركها «داعش» ما سيؤدي الى اذكاء التوتر الطائفي وربما الدفع بالبلاد الى حرب اهلية؟ وما الضمانات ان يتخلى الاكراد عن المكاسب الكبيرة التي حققوها، وخصوصا في كركوك بعد ان حصلوا على اسلحة حديثة من المانيا وبريطانيا يفتقر اليها الجيش العراقي نفسه؟

خامسا- كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع مطالب بعض اعضاء التحالف ومنهم فرنسا ومصر تحديدا ان تتوسع الحرب على الارهاب لتشمل جماعات تكفيرية وارهابية في ليبيا بشكل خاص، الى جانب جماعات محلية مشابهة في عدة دول عربية، بالاضافة الى جماعة «الاخوان» التي يصنفها البعض على انها «ارهابية»؟ فهل ترضخ واشنطن باعتبار انها تحتاج الى الدعم الحرج الذي يوفره اولئك الحلفاء؟ وما معنى ذلك بالنسبة للأوضاع الامنية في المنطقة؟ أم أن «التحالف» الذي ولد بقرار اتخذ بليل في واشنطن، وخرج الى النور في جدة، ثم اعلن الحرب عمليا من باريس، قد ينتهي بسرعة مفاجئة في العراق؟

القدس العربي

 

 

 

الائتلاف ضد «داعش» سيرك علاقات عامة

صحف عبرية

في 2591 نال جائزة الاوسكار فيلم «العرض الاكبر في العالم» في شارك فيه 004.1 لاعب سيرك ومئات الحيوانات. في هذه الايام، يجري امام ناظرينا العرض الاكبر في هذا الزمان: ائتلاف ضخم لاكثر من 40 دولة تقوده الولايات المتحد للحرب ضد «الدولة الاسلامية» التي في العراق وفي سوريا. سيرك واحد كبير هو برأيي أولا وقبل كل شيء نتاج علاقات عامة، ثمرة سياسة داخلية امريكية وجهد لتحسين الصورة المتردية لاوباما كرئيس متردد وضعيف.

لماذا؟ أولا يدور الحديث عن قوة عسكرية طفيفة، تتشكل من ثلاثة اجزاء: جسم مقاتل دون سلاح متطور، يعد نحو 51 الف مقاتل متزمت اسلامي متطرف؛ نحو 02 الف من رجال القبائل السنية من حملة السلاح المؤيدين لـ «الدولة الاسلامية»؛ و 005.1 ضابط سني خدموا في حينه في جيش صدام حسين. أهذه هي القوة التي تقيم الولايات المتحدة ضدها ائتلافا عالميا؟! والاكثر اضحاكا هو أن في نهاية المطاف احدا من رجال الائتلاف العالمي لن يقدم الضحايا في القتال على الارض. من سيكون مطالبا باحتلال الموصل سيكون الجيش العراق الذي يوجد حاليا في معظمه على الورق. سوريا؟ هناك لا يوجد على الاطلاق ما يمكن الحديث فيه، فهذه اوبيرا مختلفة تماما.

ثانيا، بتقديري لا تشكل «الدولة الاسلامية» أي تهديد وجودي على أي دولة مجاورة، وبالتأكيد ليس على الولايات المتحدة. فضلا عن ذلك، اقدر على نحو شبه مؤكد بان ليس للتنظيم اي قدرة أو احتمال في السيطرة على بغداد. إذن كيف حصل ان فجأة اصبح هو التهديد العالمي الاكبر، الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تركز عليه وحده. ماذا عن الاسد وجزاريه؟ فهل القي بهم حاليا الى الزاوية. كل هذا لا يعني ان «الدولة الاسلامية» ليست تهديدا، ولكن بالتأكيد ليس بالمستوى الذي تصوره الدعاية الامريكية. فقد جعلوا كلبا نابحا نمرا كاسرا.

ان وجود التنظيم هو نتاج سياقين مركزيين اجتازتهما المنطقة في العقد الاخير: الاول، السياسة الامريكية التي بدأت باحتلال العراق في 3002 في عهد بوش واستمرت بالجلاء من العراق في 1102 في عهد اوباما؛ الثاني، الهزة السياسية، الاجتماعية والدينية التي يجتازها العالم العربي منذ 1102. كنتيجة لهذين السياقين انهارت الانظمة المركزية القوية، الطاغية، في العراق وفي سوريا. وتجسد «الدولة الاسلامية» كل البركان الذي انفجر في المنطقة بغيابهما، انفجار يتحدى ثقافة الغرب وكل النظام السياسي للمنطقة.

تشكل الحركة مجال جذب وتشجيع لكل الجهات المغتربة والمضطربة في العالم. ويدور الحديث عن منطقة قريبة من اوروبا، وهنا يكمن التهديد الذي يعتبره الغرب هو الاخطر: اولئك المواطنين الغربيين (ويدور الحديث عن اكثر من ألف) ممن تجندوا لصفوف «الدولة الاسلامية»، جمعوا تجربة قتالية وغسلت ادمغتهم بايديولوجيا متطرفة، سيعودون الى بلدانهم ليشكلوا هناك خلايا ارهابية.

وعليه، فان النقطة المركزية هي برأيي التالية: حتى لو دمرت «الدولة الاسلامية» في العراق، فالمشكلة المركزية للمنطقة ستبقى حية قائمة – غياب الانظمة المركزية القوية، الاضطراب الاجتماعي والديني العميق، منظمات الارهاب والعصابات المختلفة والمتنوعة والسعي الايراني الى الهيمنة في الخليج والهلال الخصيب.

واسرائيل؟ هي ليست عضو رسمي في سيرك الائتلاف، ولكن يمكنها أن تستمد منه المنفعة. ولكن هذا موضوع آخر.

عاموس غلبوع

معاريف الاسبوع 51/9/4102

القدس العربي

 

 

 

تركيا و«داعش»: الأمر أبعد من مسألة الرهائن الـ49!/ محمد نورالدين

لم تسفر زيارات وزيري خارجية ودفاع الولايات المتحدة إلى أنقرة عن أية نتائج ملموسة تدفع تركيا إلى المشاركة الفاعلة في عملية محاربة إرهاب تنظيم «داعش»، إذ أن كلّ ما حصلا عليه هو الاستعداد للتعاون في المجالات الانسانية وتبادل بعض المعلومات الاستخبارية.

وبات معلوماً أن أسباب الامتناع بل الرفض التركي للمشاركة، ومنها عدم توقيع البيان الصادر عن مؤتمر جدة من جانب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، متعددة، منها أن 49 ديبلوماسيا وموظفا من القنصلية التركية في الموصل لا يزالون محتجزين لدى «داعش» منذ العاشر من حزيران الماضي، وأية مشاركة تركية في التحالف ستعرض حياتهم للخطر، وكذلك وجود «داعش» على امتداد قسم كبير من الحدود السورية مع تركيا وخطر انقلابها على تركيا، فضلا عن وجود الآلاف من المقاتلين الأتراك في صفوف التنظيم، والذين سيشكلون عامل تهديد للأمن القومي التركي في حال انقلبت تركيا عليهم وتخلت عنهم.

هذا في الشق الأمني المباشر، ولكن في الشق غير المباشر فإن تركيا لا تريد إعطاء شرعية لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي يحارب إلى جانب قوات «البشمركة» الكردية ضد «داعش»، كما أن تركيا لا تريد تعزيز موقع إقليم كردستان العراق ومده بالسلاح وهي رفضت سابقا وفي ذروة تهديد «داعش» لأربيل مد الأكراد بالسلاح.

ولكن يبقى السبب الأهم والأول وهو أن أي إضعاف لـ«داعش» ولو في العراق سوف يصب، برأي المسؤولين الأتراك، في مصلحة النظام في سوريا حيث أن إسقاطه لا يزال يتقدم على أية أولوية أخرى لتركيا في سوريا وفي المنطقة.

ولكن «التبسيط»، كما التعتيم، على مسألة الرهائن الـ49 بالذات من جانب الحكومة التركية لا يلقى قبولا لدى الكثير من الكتّاب والمحللين الأتراك، إذ يوجد ما يشبه الإجماع على أن السبب أبعد من ذلك ويتصل مباشرة بالسياسات التركية الخاطئة تجاه المنطقة وفي طريقة التعامل مع ملف «داعش» تحديدا.

وكتب جونايت ارجا يوريك في صحيفة «جمهورييت» مقالا تحت عنوان «أبعد من أزمة الرهائن»، يلفت فيه إلى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري عاد من أنقرة بدعم تركي إنساني واستخباراتي لا أكثر، والحجة الأساسية لمقاومة تركيا الضغوط الأميركية للمشاركة في التحالف ضد «داعش» هي احتجاز الأخيرة 49 موظفا من القنصلية التركية في الموصل.

ويقول يوريك إن «داعش لا شك يشكل تهديدا لتركيا، لكن الأسئلة لا تنقطع عن سبب عدم إقفال القنصلية عشية غزوة العراق برغم تحذيرات حكومة اقليم كردستان، والجواب هو أن تركيا تتعاون وتدعم أي تنظيم يحارب النظام السوري بمعزل عن هويته، وكانت مطمئنة إلى أن الديبلوماسيين الأتراك لن يحصل لهم شيء، وكلام السفير الأميركي السابق في تركيا فرنسيس ريكياردوني عن دعم تركيا لتنظيمي القاعدة والنصرة يؤكد هذه المسألة، وفي حين تضج المنابر الاعلامية العالمية بصورة تركيا الداعمة للإرهاب، تمنع الحكومة نشر أي خبر متعلق بداعش والمحتجزين».

كما رأى تولغا تانيش في صحيفة «حرييات» أن للولايات المتحدة إستراتيجية جديدة في المنطقة يمكن من خلالها أن تستغني عن أنقرة لاحقا، إذ «أسست واشنطن مركزين للعمليات ضد «داعش»، واحد في بغداد والثاني في أربيل، والدور المتنامي لأربيل يقدم مؤشرات على استراتيجية أميركية جديدة في المنطقة، كما تصف صحيفة وول ستريت جورنال تركيا بأنها حليفنا الذي لم يعد كذلك في أنقرة، وتضيف أنه حان الوقت لإنشاء قاعدة بديلة عن «اينغيرليك» في المنطقة، كما يلفت الاقتصادي هاوارد شاتز من مؤسسة راند الأميركية إلى أن إضعاف داعش يكون في تجفيف موارده المالية من النفط الذي يباع عبر الصهاريج إلى تركيا من خلال شركة غير معروفة».

ويختم تانيش بالقول إن «كلام السفير الأميركي السابق في أنقرة عن دعم تركيا لجبهة النصرة يفسر سبب عدم دعم تركيا للتحالف ضد الإرهاب وبالتالي دعمها لتنظيم داعش، فالمسألة إذا ليست في احتجاز الرهائن الـ49».

ويؤكد الباحث البارز باسكين اوران في حوار مع صحيفة «طرف»، أن «الطرف الوحيد الذي يبدو لديه القابلية لمحاربة داعش هم الأكراد، وحكومة داود أوغلو محشورة في الزاوية بحيث أنها تعارض تسليح الأكراد ضد داعش، وفي هذه الحال كيف يمكن للأكراد أن يعتمدوا على تركيا؟»، ويلفت اوران إلى أن «داعش لا يحتجز فقط 49 رهينة تركية بل يأخذ كل السياسة الخارجية التركية رهينة لديه، وأن احتجاز الرهائن الأتراك هو خطأ تركيا في الأساس»، وأشار إلى أن «رفض تركيا عرض نشروان البرزاني تحرير الرهائن حينها أمر مخيف جدا».

كما يتساءل ممتازير توركينيه في صحيفة «زمان» في عنوان مقاله «هل داعش هي المسألة؟»، ويشير إلى أن «داعش بلاء كبير جدا يلف رأس تركيا، بالأمس النصرة ومن قبلها القاعدة ومن قبلها طالبان، وآخر موضة هي داعش، ولو سقطت داعش فهي نتيجة وسيظهر غيرها، فلكل قوة ودولة نصيب من الاستفادة من داعش، عدا تركيا التي تخسر من سمعتها وصورتها»، ويضيف توركينيه أن «الكل أخطأ في سياسته تجاه سوريا، كما الغرب كذلك تركيا، فداود أوغلو يتهم واشنطن بأن السلاح الذي يملكه داعش هو سلاح أميركي متطور، أما الشبان الأتراك الذي ينضمون إلى داعش فهو يعتبر أنهم ليسوا سوى نتيجة لذلك»، ويختم توركينيه بأن «داعش شيطان دولي يجب على الجميع البحث عن أسباب ظهوره».

من جانبه يحذر مراد يتكين في صحيفة «راديكال» الدولة التركية من أن تصبح المقر الجديد لقيادات «الإخوان المسلمين» الذين ستبعدهم قطر من أراضيها، ويقول إن هذه القيادات «عينها على تركيا، وإذا حدث ذلك فسيخلق مشكلة جديدة وخطيرة».

ويلفت يتكين إلى أن صورة قطر أصبحت في الآونة الأخيرة، أنها وتركيا، حاضنة للإرهاب مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وأخواتهما، و«بعض قيادات الإخوان أشار في حوارات صحافية إلى أن تركيا هي بين الدول التي قد يلجأون اليها، في وقت توجد بحق هؤلاء مذكرات توقيف دولية مصرية، وقبول تركيا لجوء الإخوان المسلمين إليها سيعزز صورة تركيا الحاضنة للمجموعات المصنفة إرهابية، وهذا سيحمل مخاطر جدية على علاقات تركيا الدولية خصوصا في هذه اللحظة من التطورات».

السفير

 

 

 

 

 

وماذا عن أسباب الفوضى؟/ سليمان تقي الدين

من المؤكد أن الحرب المزعومة على الإرهاب ستأخذ سنوات عدة باعتراف إدارتها من غير أن نعرف طبعاً نتائجها وتداعياتها مسبقاً. خلال هذه المدة الزمنية ماذا نحن فاعلون بدولنا وشعوبنا وأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية وثقافتنا السياسية وعلاقاتنا كجماعات، كما صرنا نحدّد وجودنا وهوياتنا؟

نحاول أن نستجدي الأمل من دول عربية لا زالت تحتفظ بكياناتها وبعض استقرارها، ونغض الطرف عن تاريخها والكثير من سياساتها في الماضي والحاضر شرط أن تساهم الآن في وقف الانهيار العربي الشامل. نميل الآن إلى أن نكون محافظين أمام فشل الثورات العربية إزاء الثورة المضادة التي تضافرت لها حركات الإسلام السياسي وعنف الاستبداد والتدخلات الإقليمية والدولية. نريد الآن الحد الأدنى الممكن من مصر ومن دول الخليج العربي ومن تونس والجزائر والمغرب، مع علمنا بأن هذه الدول والأنظمة هي جزء من المشهد العربي ومشكلاته. ونريد لشعب فلسطين أن يحافظ على القضية وعلى القوى والمقومات الباقية حتى لا يكون هذا الزمن العربي والدولي بكل رداءته لحظة تصفيتها. نريد هذا القليل وربما لا نستطيعه حيال هذا الضياع العربي. وكذلك الأخطاء التي شاركت وتشارك فيها دول الجوار الإسلامي مع تقديرنا لمصالحها الذاتية.

هذه الواقعية المفرطة لا تنبع من «شعور بالإحباط» بل تنبع من رؤية البؤس الحقيقي النابع من غياب أي نقطة ارتكاز لمواجهة معركة باتت تتعلق بمصائر الشعوب العربية من زاوية وجودية. لا نخشى التقسيم أو تغيير الحدود بمقدار ما نخشى على المكونات الإنسانية التي قد تتعرّض وهي تتعرّض إلى الزوال. وزوال هذه المكوّنات بقطع النظر عن أحجامها مسألة تتعلق بمضمون الاجتماع السياسي العربي اللاحق. فالخطر الفعلي هو في غياب التنوّع حتى لو احتفظت كل جماعة لنفسها بكيان ودولة.

هذه الظاهرة التي بدأت لبنانية ثم أصبحت عربية شاملة لا تساعد على تطوير ثقافة المنطقة السياسية ولا بشكل خاص على إخراج الإسلام السياسي من وطأة الاتجاه السلفي الارتجاعي التقهقري إلى غياهب التاريخ.

مخاطر «الداعشية» كثيرة، ولكن منها «العدوى» المتصلة بقلب المناخ السياسي والثقافي كله إلى الخطاب الديني. فها نحن الآن مضطرون للنقاش في ما هو الإسلام، وأي إسلام نريد، وفي ما هي العلاقة «شبه المسلَّم بها» بأن الدين مكوّن أساسي للسلطة السياسية، أو هو مرجعيتها، ويا ليت ظلت تلك المجادلة في إطار «الدساتير» والبحث عن الأنظمة السياسية الأفضل أو عن نموذج لدولة المسلمين لا طبعاً دولة الإسلام.

المأزق الآن تراه الدول كما تراه من زاوية مصالحها، خاصة في الجانب الأمني، لكنه حقيقة مطروح على مستوى «الوعي» أو على مستوى «الإيديولوجيا» لجهة إمكان إيجاد نموذج لإسلام معاصر متعايش مع العالم، أو لجهة إمكان إيجاد ثقافة إسلامية متعايشة مع بيئتها الإسلامية على مختلف دوائرها. فالمسلمون ما كانوا يوماً إلا اتجاهات و«مذاهب» ولن يكونوا في حيوية فكرية أو تنافس إيجابي إلا بوصفهم كذلك، ولن ينقذوا تاريخهم من هذا الانحطاط إلا عن طريق «الاعتراف بالآخر المسلم» كجزء من الاعتراف بالآخر لأي هوية أو اتجاه انتمى.

وللأسف الشديد ما هو مسكوت عنه لأسباب تاريخية وسياسية، وخاصة قبل انفجار الإسلام السياسي ومجاهرته بكل ما هو مكبوت، وجود «التكفير» في كل دين ومذهب وعقيدة، ولو على مستوى العقائد قبل أن يتحوّل الأمر إلى عنف إلغائي ناتج عن مأزق الفشل في بناء الدولة الحديثة. الدولة المدنية المحايدة، دولة الحماية لحرية التفكير والضمير والاعتقاد والتعبير والحق في المشاركة عبر أشكال الأنظمة الديموقراطية أو التشاركية.

أوضاعنا في ما نرى أعمق سوءاً من عنف يقمعه عنف مضاد. ولا نجد مثالاً أبلغ من تلك المحطة التي اقترح فيها المفكر العربي عبد الرحمن الكواكبي مطلع القرن الماضي أن ينعقد مؤتمر في «أمّ القِرى» من إحدى مهامه «الإصلاح الديني»، أو أن نبحث عن صيغة لشنق آخر مستبد بمصران آخر رجل دين فاسد الرأي والسلوك، على ما جاء في إحدى خطب أحد أبطال الثورة الفرنسية.

السفير

 

 

 

 

إسقاط “داعش” وبشار؟/ علي حماده

اذا كان الاميركيون بالتحديد جادين فعلا في محاولتهم دحر “داعش” والقضاء على خطر هذا النوع من الجماعات المسلحة، فإن الطريق المباشرة والاقصر الى تحقيق هذا الهدف بشكل مستديم، هو بالتوازي العمل الجاد على اسقاط نظام بشار الاسد، وتدمير “الجسر” الايراني الممتد الى قلب المشرق العربي، ونقطة ارتكازه الاساسية هي سوريا. اذا لا بد من حرب دولية – عربية على جبهتين متوازيتين : الاولى ضد “داعش” في العراق وسوريا، والثانية ضد نظام بشار الاسد والقوى الداعمة له على ارض سوريا، بمعنى آخر كل الميليشيات التي استقدمت الى سوريا وبينها “حزب الله”.

هذه ليست دعوة الى خوض حرب ضد ايران في ايران، او ضد “حزب الله” في لبنان، انما هي دعوة الى التحالف العربي – الدولي لخوض حرب عادلة ضد نظام بشار الاسد الجزار وداعميه على ارض سوريا لتخليص سوريا والسوريين من الخيار المميت: إما سيف بشار وإما سكين البغدادي. لقد حان الوقت لقلب المعادلة التي سادت منذ ٢٠١١ برعاية اميركية – اسرائيلية تقوم على فكرة الابقاء على نظام مقيت ومكروه وضعيف والحؤول دون تمكين المعارضة من الانتصار على نظام بشار الاسد. وبالطبع كانت لهذه الفكرة والخيار اسس اسرائيلية معروفة مفادها ان نظاما مهترئا كهذا وفي حرب دائمة على كامل الارض السورية مع المعارضة افضل من حسم الوضع. ومعلوم ان الحسم لم يكن ليكون في مصلحة النظام على اعتبار ان المجتمع الدولي يدرك ان الاخير يمكنه مواصلة القتال بمعونة عسكرية روسية – ايرانية، وبميليشيات شيعية عراقية – لبنانية لكنه يستحيل ان ينتصر او ان يحكم سوريا. في المقابل تغيرت الصورة مع دخول “داعش” المشهد بقوة، ومعلوم ان ابوة هذا التنظيم العملية تعود الى الايرانيين والنظام في سوريا والقصة باتت معروفة.

لا بد لكي تنجح الحرب على “داعش” من اسقاط مبررات وجود تنظيم كهذا. فكما ان العراق ما كان ليعود اليه شيء من وحدة الموقف لانقاذ الكيان لولا اسقاط ديكتاتورية نوري المالكي القائمة على التعصب المذهبي. لا بد من بناء اسباب انتصار التحالف العربي – الدولي على “داعش” والتطرف بدحر التطرف والدموية في سوريا القاعدة الاساسية لـ”داعش” من طريق اسقاط نظام بشار الاسد، والحاق الهزيمة بالتنظيمات التي تقاتل الشعب السوري على ارضه. والوسيلة الاسلم تكون بتقديم الدعم المادي والعسكري، ورفع الحظر عن التسليح النوعي للمعارضة لـ “الجيش السوري الحر” العامل تحت مظلة “الائتلاف الوطني السوري” للتعجيل في الحسم.

لن يكون المشرق العربي في مأمن من توالد تنظيمات شبيهة بـ”داعش” ما دامت انظمة كنظام بشار الاسد قائمة.

ان التحالف العربي – الدولي الذي كان له مؤتمر دولي موسع في باريس بالامس، مدعو الى مقاتلة التطرف واسباب التطرف، وولّادات التطرف على السواء، والعناوين معروفة.

النهار

 

 

 

 

 

خرائط الطوائف/ امين قمورية

عندما ينشد نصف الاسكوتلنديين الاستقلال عن المملكة المتحدة وفك وحدة مع انكلترا عمرها أكثر من 300 سنة، يصير مفهوماً تطلع الاكراد الى التخلص من القيد الذي يكبلهم ببغداد وانتظار لحظة “الحرية” لاقامة كيانهم المستقل. كما يمكن أيضاً توقع رغبة غلاة الشيعة والسنة في العراق في اعلان الطلاق بينهم بعد تاريخ من الاحساس بالظلم والظلم المضاد والتهميش المتبادل.

صاعقة “داعش” في العراق ومن ثم ضرورة اقامة ائتلاف واسع ضده، فرضت على المكونات العراقية الرئيسية توافقاً سياسياً فوقياً. لكن هذا التوافق هش وتحول دون متانته ازمة ثقة عميقة وراسخة بين افرقائه وانخراط الجميع في لعبة محاور متناقضة المصالح والاهداف. وهو مرشح للتشقق والانفجار من الداخل حتى قبل بدء العمليات العسكرية ضد التنظيم النابذ والمنبوذ. أما في أفضل الاحوال، فلن يكون مصير هذا التوافق أفضل من مصير اتفاق “دايتون” البوسني الذي أوقف الحرب الاهلية لكنه أبقى الرغبات الاستقلالية. فالمكونات العراقية ستصير نظيرة لصرب البوسنة، كل منها يتطلع الى “جمهوريته” بعدما منحها اعلان الحرب على “داعش” حق اقامة شرطتها وحرسها الوطني وتوزيع فرقها وأسلحتها على مناطق انتشار مذاهبها، وتالياً أعطاها عند أول خلاف بين المكونات، حق تقرير مصيرها الذي يفضي عادة الى نتيجة واحدة: الانفصال.

في سوريا، الحرب على “داعش” ستسير بالمقلوب، لكن النتائج ستكون هي ذاتها. هنا لا حكومة تمثل كل الافرقاء والمكونات السورية يعترف بها الائتلاف الدولي الجديد ويكل اليها المهمة الحربية ومهمة ملء الفراغ، بل ان المهمة ستحصر حكراً بـ “معارضة معتدلة” لم يظهر منها بعد الا مشاريع نواتها، وهي حتى الآن “اسلامية” وليست “وطنية”، وتالياً فان سلاح الائتلاف وعتاده ومساعداته العسكرية والمالية ستذهب الى المقاتلين السنّة، وهذا ما يزيد قلق الاقليات ويدفعها الى مزيد من الالتفاف حول النظام في دمشق الذي لا يزال يملك بعضاً قدرة عسكرية أقوى من ان تهزم أو تنهار سريعاً. واذا ما قيض للائتلاف الجديد ان يحشر النظام، فلن يكون امامه سوى التمركز في مناطق ثقله الديموغرافي ذي الطبيعة الطائفية أيضاً. ومن شأن ذلك تسهيل فرض “دايتون” سوري على غرار العراقي، أو الانتقال مباشرة الى النموذج اليوغوسلافي الأصلي.

أما لبنان، الذي ساقه “داعش” الى العالمية وفرضه شريكاً في الحرب على الارهاب، فهو ليس في حاجة الى “دايتون”، ذلك ان “طائفه” منه وفيه. لكن مصير طوائفه سيظل معلقاً في انتظار رسم خرائط الطوائف الكبرى في المنطقة.

النهار

 

 

 

 

 

سيادة النظام أم سيادة “داعش”؟/ راجح الخوري

مسخرة المساخر ان تقف موسكو وطهران الى جانب النظام السوري في معارضته تشكيل التحالف لضرب “داعش” والارهابيين، ففي النهاية كل حديث عن سيادة بلد مدمر حوّله النظام مقبرة لأكثر من مئتي الف قتيل هو من باب الوقاحة، وخصوصاً ان الارهابيين يفرضون الآن “سيادة الذبح” التي تروع العالم .

ثلاثة اعوام ولم يتوقف سيرغي لافروف عن اتهام المعارضة السورية بالإرهاب، ولم ينفك الايرانيون عن الادعاء ان هذا النظام يقاتل الارهابيين، والآن بعدما برز الارهاب الحقيقي الذي أُخرجت نواته من السجون السورية والعراقية وسبق له ان قاتل المعارضة دعماً للنظام السوري، لا يتوانى الروس والايرانيون في الوقوف الى جانب الاسد في معارضة ضرب الارهابيين، ولكل منهم أسبابه المفعمة بالانتهازية:

بالنسبة الى الاسد، كان يأمل في ان ينضم الى التحالف وان يعوّم نفسه بعدما دمّر سوريا وساهم في خلق “داعش” وأخواتها، ولأن من غير المعقول معالجة المشكلة بالتعاون مع من تسبب بها، استُبعد من التحالف فلم يتوان في الحديث عن معارضته وإمكان مقاومته اي عمل عسكري دون التنسيق معه، وهو مستمر في عرض خدماته التي يعرف الجميع انها مؤذية، على خلفية ان العالم لن يضرب الارهابيين ليكافىء مَنْ شجعهم ولأن السوريين يستحقون خيارات اخرى غير الديكتاتورية او الارهاب.

بالنسبة الى الايرانيين، ليس هذا وقت البازار النووي، فالأمر لم يعد مناورة سياسية، انه حرب على “داعش” التي يقاتلونها هم في العراق، فهل يقبلونها في سوريا بحجة ممجوجة هي انتهاك سيادة سوريا، على ما قال علي شمخاني، ولكأنهم احترموا او يحترمون هذه السيادة أصلاً؟

ثم ان حسابات حقول الدم في سوريا لم تطابق حسابات الذبح الداعشي، ذلك ان النظام الذي شكّل جسراً حيوياً للنفوذ الايراني الممتد من مشهد الى صور مهدد بالسقوط والاختفاء، بما يعني خسارة طهران نظاماً كانت تديره كما تشاء، واستطراداً ورقة ضغط مهمة في البازار النووي.

اما بالنسبة الى الروس فيبرز البازار الأوكراني في مقدم حساباتهم الراهنة، وخصوصاً في ظلّ العقوبات الأميركية والغربية المتصاعدة ضدهم، ولكن خسارتهم ستكون مزدوجة تماماً مثل خسارة الايرانيين، اي انهم سيخسرون حليفاً هو النظام الذي حموه بالفيتو وبجسور السلاح الجوي منذ ثلاثة اعوام، وخسارته تعني عملياً سقوط اوراق حيوية طالما احتفظوا بها في سياسات وموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

منذ أن أعلن جون كيري ان لا مكان لا للنظام السوري ولا للإيرانيين في التحالف ضد “داعش”، سارعت دمشق الى الدعوة لقيام تحالف يضمها الى طهران وموسكو لمواجهة الإرهاب، لكن الأمر بدا مسخرة وقحة اين منها مسخرة حديث سيرغي لافروف عن احترام القانون الدولي الذي يدوسونه في اوكرانيا!

النهار

 

الحرب الراهنة: ماذا بعد؟/ عبدالعزيز التويجري

هل سيتم القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، في العراق وسورية، الذي يعرف بداعش، في المدى القريب؟. وهل سينجح التحالف الدولي في تدمير هذا التنظيم الإرهابي واقتلاع جذوره في كل من العراق وسورية من دون الإضرار بمصالح المسلمين السنة في كلا البلدين؟ وهل سيتم أيضاً نزع سلاح الميليشيات الطائفية الإرهابية أمثال لواء أبي الفضل العباس، وعصائب أهل الحق، وجيش المهدي، ولواء بدر، وحزب الله وغيرها من الميليشيات المسلحة التي أنشأتها إيران وسلحتها وتمولها لخدمة استراتيجيتها في المنطقة؟. إذا افترضنا أن التحالف الدولي سيصفي حسابه مع داعش وفق الخطة المرسومة والمعلن عن بعض جوانبها وليس كل جوانبها، فماذا سيقع في اليوم التالي؟. هل ستستقر الأوضاع في الإقليم، وتحفظ حقوق جميع المواطنين دون استثناء، ويستتب الأمن ويعم السلام؟. أم ستظل بؤر التوتر العفنة تفرز الصراعات والأزمات، وتهدد مصالح دول المنطقة، بل تمس بمصالح القوى العظمى وتهدد الأمن والسلم الدوليين؟.

الواقع أن التحالف الدولي الذي انخرطت فيه بعضٌ من الدول العربية مع قوى إقليمية ودولية، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، ستكون حساباته مبنية على أساس هش، إذا تعامل مع الأزمة على اعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية هو العدو الذي تجب محاربته والقضاء عليه، ولا عدو سواه في الإقليم يمارس القتل والتخريب والدمار والعدوان على حقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فهذه الرؤية إلى ما يجري على الأرض، محدودة وقاصرة، ولا ترقى إلى مستوى الرؤية الاستراتيجية التي تنفذ إلى أعماق الأحداث، وتحللها حتى تصل إلى الكوامن الخفية والزوايا المعتمة، فتقف على طبيعة الأشياء. فهذا التنظيم الإرهابي لا يتحرك في فراغ، ولم يأت من فراغ، ولكنه من صنع قوى إقليمية ودولية لها المصلحة التي تقدرها وفقاً لحساباتها الاستراتيجية، في نشر الفوضى الهدامة في الإقليم، وزعزعة الاستقرار وتغيير القواعد السياسية والبنى الاجتماعية، وفي تشويه صورة الإسلام في أذهان العالم أجمع، أو بعبارة أدق، تلطيخ صورة المسلمين السنة لحساب المذهب الشيعي، تنفيذاً للمخطط الطائفي الرهيب الذي تقوده إيران، حتى تنفرد بالإقليم، وتصبح هي القوة الضارية فيه التي تلتقي مصالحها مع إسرائيل والصهيونية العالمية.

فهل سيواجه التحالف الدولي تنظيماً إرهابياً واحداً؟. أم يا ترى سيتصدّى لمن صنع هذا التنظيم وأطلقه يعربد ويعيث فساداً وقتلاً وتخريباً، ويقلب موازين القوى، حتى يبدو النظامان الاستبداديان الطائفيان في العراق وسورية، كما لو أنهما واقعان تحت رحمة الإرهاب الذي أطلق عفريته من القمقم، وتجد إيران «الحجة» أمامها لبسط نفوذها في دول المنطقة وتقويته، بدعوى أنها الأقدر على حماية الأمن والسلم والحفاظ على الاستقرار الذي يخدم مصالح إسرائيل والولايات المتحدة في المقام الأول. فهل لدى التحالف الدولي استراتيجية متكاملة واضحة ترسم له معالم الطريق نحو المعركة التي سيخوضها؟. الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يستخدم كلمة «حرب» في خطابه بمناسبة ذكرى 11 أيلول (سبتمبر). إن ثمة قدراً من الغموض يحيط بالأهداف الحقيقية والنهائية لهذا التحالف.

ومما يخشى منه، وينبغي أن نكون واضحين في إعلانه وواقعيين في تحديده بالقدر اللازم، أن تكون الحرب على الإرهاب، في نظر الولايات المتحدة والدول الكبرى المتحالفة معها، لها أهداف تتجَاوَز تدمير داعش، إلى إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بمنطق إقرار الأمر الواقع، وفرض الهيمنة، وإجبار الدول على الانسياق مع السياسة الأميركية من دون تدبر وقراءة للعواقب ومراعاة للمصالح الوطنية العليا لهذه الدول. ويوجد اليوم أكثر من مؤشر يؤكد أن الوضع الجديد للمنطقة بعد تصفية داعش إن تمت هذه التصفية النهائية فعلاً كما يأمل المجتمع الدولي غير واضح المعالم بالقدر الكافي. وإن كان ذلك لم يمنع الدول العربية المشاركة في هذا التحالف الدولي، من القيام بالواجب المنوط بها باعتبارها دولاً تقف موقفاً قوياً واضحاً ضد الإرهاب وتلتزم، ومنذ سنوات، بمحاربته، والمملكة العربية السعودية دولة رائدة في محاربة الإرهاب، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حاز قصب السبق في هذا المضمار.

إن خبرة الماضي القريب المكتسبة من المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب، تؤكد لنا أن الأمور لا تسير دائماً في الاتجاه السليم، وأن الأخطاء، ومنها الأخطاء القاتلة تشوب السياسة التي تقودها الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. فهل ستتكرر الأخطاء ذاتها؟. أم أن الاستفادة من الأخطاء ستعزز العملية الجديدة، وستختصر الطريق نحو القضاء المبرم على الإرهاب الذي يتمثل حالياً في داعش وبقية الميليشيات الطائفية المسلحة، وفي إرهاب إسرائيل والنظام الطائفي في سورية، وفي السياسة الطائفية المنحرفة والمضللة التي تسلكها إيران، وفي توابع إيران في المنطقة، وفي المقدمة منهم «حزب الله» الذي سبق للإدارة الأميركية أن اعتبرت «جناحه العسكري» منظمة إرهابية؟. فما الفرق بين الجناح العسكري والجناح السياسي لهذا التنظيم الذي يبسط نفوذه على الدولة اللبنانية، ويشارك بشراسة مع النظام في دمشق في قتل الشعب السوري؟. وفي الميليشيا الحوثية في اليمن التي تهدد الأمن والسلم في جزيرة العرب وما حولها.

أما النظام الطائفي في العراق، فهو لم يتغير بذهاب نوري المالكي ومجيء حيدر العبادي، وإنما تغيرت بعض الوجوه في المناصب الوزارية، وبقي النظام تابعاً لإيران يقصي الطائفة السنية، ويسلبها حقها الدستوري في المشاركة في الحكم.

هذه هي البؤر العفنة التي ترعرع فيها داعش في العراق وسورية، وإن كان يدعي الانتماء إلى السنة، والحالة أنه بعيد تماماً عن السنة، بل لا صلة له بهدي الإسلام من قريب أو بعيد.

ونحن نواجه التحديات الكبيرة في المعركة ضد الإرهاب في منطقتنا، ونشارك في التحالف الدولي لمحاربة داعش، يتوجب علينا أن نسأل أنفسنا: وماذا عن بقية عناصر الخطر الإرهابي في المنطقة؟. ثم ماذا بعد ذلك؟. حتى لا نتيه ونضيع وسط الدوامة، أو لنقل في خضم الفوضى الهدامة، ونفقد البوصلة وتفقد سيادتنا.

* أكاديمي سعودي

الحياة

 

 

هلال ما بعد “داعش”/ غسان شربل

لا تعتبر إيران نفسها دولة مهمة في الإقليم. تعتبر نفسها «الدولة المهمة» أي الدولة الأهم. هذا ما سمعه عدد من السياسيين والمبعوثين الذين زاروا طهران وبينهم الأخضر الإبراهيمي. تريد ايران الاعتراف بها بوصفها «الدولة المهمة». وتريد حصة في المنطقة متناسبة مع هذا الموقع. وتعتبر ان ترتيبات الامن والاحجام يجب ان تُبلور في النهاية باتفاق بينها وبين «الشيطان الأكبر».

قال الابراهيمي لعلي لاريجاني (الرئيس الحالي لمجلس الشورى): «لا يمكن ان تتركوا العراق على هذا الحال، انتم الدول الكبيرة في المنطقة، وأقصد ايران وتركيا والسعودية، لا يمكن ان تتركوا البلد يحترق بهذه الطريقة». رد لاريجاني: «معك حق لكن يمكن ان يساعد في العراق من لديه نفوذ، اي الاميركيون ونحن».

تريد ايران اعترافاً اميركياً صريحاً بأنها الدولة المهمة في الإقليم وانها معبر الزامي لبلورة الترتيبات المتعلقة بالامن والاستقرار. لكن الصفقة التي تكرس ايران «الشريك الأكبر للشيطان الأكبر» في الشرق الاوسط لم تبرم. وثمة من يعتقد ان ايران البارعة أضاعت فرصة إنجاز مثل هذه الصفقة «يوم كانت في أوج قوتها».

في هذا الإطار يمكن فهم الانتقادات الشديدة اللهجة التي وجهها المرشد علي خامنئي الى الولايات المتحدة. ليس بسيطاً عقد «مؤتمر الامن والسلام في العراق» بحضور دولي وعربي واسع ومن دون توجيه دعوة الى طهران. ان تغييب ايران عن لقاء يوفر مظلة دولية لضرب «داعش» في العراق وترميم المشهد السياسي في هذا البلد يشكل دليلاً جديداً على استمرار رفض الاعتراف بأنها «الدولة المهمة» في الاقليم. يشبه تغييب ايران عن مؤتمر باريس سحب الدعوة التي كانت وجهت اليها للمشاركة في مؤتمر»جنيف 2» في سويسرا والذي كان مخصصاً للسعي الى حل سياسي في سورية. استبعاد ايران يعني في الحالين عدم الاعتراف بأنها «الدولة المهمة» ويبطن انطباعاً بأنها «دولة مهمة لكنها جزء من المشكلة وليس من الحل».

كانت ايران في «اوج قوتها» عشية اندلاع «الربيع العربي». كانت صاحبة الكلمة الأولى في بغداد ودمشق وبيروت. أعطت الانطباع انها الوحيدة القادرة على التأثير في الملفين الأهم في المنطقة وهما أمن النفط وامن اسرائيل. افادت من غياب الدور المصري وانتقلت الى محاصرة الدور السعودي عبر اسقاط حكومة سعد الحريري في بيروت ودعم الحوثيين في اليمن وأحداث البحرين.

تعرض النجاح الايراني الواسع لانتكاستين. الأولى حين عجز النظام السوري عن حسم المعركة ضد معارضيه على رغم نجاح طهران في منع سقوطه. الثانية حين فشلت الحكومة الموالية لها في بغداد في منع «داعش» من الاستيلاء على مساحات واسعة من العراق. اصطدم الدور الايراني في الهلال بانتفاضة سنّية في العراق وسورية وكانت لها بعض الاصداء حتى في لبنان.

استجارت السلطة العراقية بأميركا لمواجهة خطر «داعش». اشترط باراك اوباما قيام حكومة جامعة في بغداد. والمقصود اعطاء المكون السني صفة الشريك الفعلي وانهاء سياسات الغلبة والتهميش وانهاء السياسات الكيدية في التعامل مع الاقليم الكردي. وليس سراً ان قيام حكومة من هذا النوع يحرم ايران من صفة اللاعب الوحيد على المسرح العراقي. وبدا واضحاً ان ادارة اوباما ليست في وارد اقتلاع «داعش» لاعادة تقديم العراق هدية الى ايران.

الافتراق في سورية اكثر وضوحاً وخطورة. أكد اوباما استهداف «داعش» ايضاً في سورية لكنه رفض اي تنسيق مع النظام السوري. ذهب ابعد من ذلك بإعلان عزمه على تمويل «الجيش الحر» وتدريبه. وهذا يعني ان أميركا ستحرم النظام السوري من فرصة ذهبية كان يعول عليها لإعادة تأهيله دولياً. اعتبرت واشنطن ان نظام الرئيس بشار الاسد جزء من المشكلة ولا يستطيع ان يكون جزءاً من الحل. لا تنوي ادارة اوباما اقتلاع النظام السوري لكنها تنوي ممارسة الضغوط عليه لإجباره على السير في حل سياسي. وواضح ان اي حل سياسي في سورية سيقلص الدور الايراني فيها وهو أمر لا بد ان يترك بعض الآثار على التوازنات الحالية في لبنان.

اقتلاع «داعش» من العراق وسورية لا يقل عن جراحة جدية ومؤلمة للوضع في دولتين عربيتين اساسيتين. فشل الجراحة يعني استمرار الحروب الأهلية والمواجهات بين المكونات. نجاحها سيؤدي الى قيام هلال مختلف ودور ايراني مختلف. لا بد من الانتظار لمعرفة خيارات ايران. هل تتمسك باسترجاع الهلال كاملاً من قبضة «داعش» والجراح الاميركي وهل هي قادرة على معركة بهذا الحجم ام ستفضل خيارات اقل من الخرائط لتكون صاحبة الكلمة الوحيدة في اقاليم تشبهها؟ ولا بد هنا من الالتفات الى رجل اسمه فلاديمير بوتين دفع اوكرانيا الى التفكك ولم يرف له جفن.

الحياة

 

 

المسؤولية عن “داعش” وأخواتها/ ماجد كيالي

صارت الحرب الدولية على “داعش” بمثابة اختصار للحرب على الإرهاب المنظم، والعنيف، والمؤدلج، أو المتأسلم، لكنها مع سمتها الهجومية تبدو حربا دفاعية، واضطرارية، وموضعية، فضلاً أنها لا تعالج القصة من أساسها، أو لاتستهدف الظروف التي أدت الى تخليقها.

هكذا، ثمة آباء كثر، ساهموا في تخليق هذا الوحش الخرافي، أو الذي تم تصويره على هذا النحو، وتوفير مقومات الحياة له، كل بحسب أغراضه، على رغم رواج الحديث عن البيئات المجتمعية الحاضنة في العراق، وسوريا، مع أن هذا الحديث يغفل عدم نشوء ظاهرة كهذه في بلدان عربية مشرقية أخرى، تبدو مهيئة أكثر، او في بلدان المغرب العربي، مثلا.

والحقيقة المعروفة هي أن معظم النظم المحيطة بسوريا والعراق، أو التي تشتغل كفاعل محلي في هذين البلدين، ساهمت في تخليق “داعش” وأخواتها، بطريقة أو بأخرى، مباشرة او مواربة، وهي مسؤولة عن ذلك. يأتي ضمن هذا الإطار، أيضاً، الدول الغربية التي سكتت عن المقتلة الفظيعة في سوريا والعراق، وعن تدخل ايران وميليشياتها في هذين البلدين، والتي اكتفت بمراقبة نمو ظاهرة “داعش”، من بلدانها، وسكتت عن الوافدين من مواطنيها للمشاركة في القتال، مع انها اشتغلت على عدّهم وتنظيم اضابير لهم.

وإذا كان ينبغي الحديث عن بيئات حاضنة فإن هذه الظواهر نشأت في البيئات التي صنعتها نظم الاستبداد، التي قوضت الدولة، واستخدمت آلتها الاستخبارية والعسكرية، لاخضاع المجتمع، ودفع الملايين الى دائرة التهميش والفقر والحرمان، من الحرية والكرامة، وبالتالي تفاقم مشاعر اليأس والإحباط والغضب والتمرد.

ثمة أيضاً مسؤولية تقع على عاتق القوى الإسلامية المعتدلة، او التي ترى نفسها كذلك، كونها لم تتصدّ لهذه الظاهرة، بنقدها ودحض ادعاءاتها وكشف تغطيها بالإسلام، سيما ان هذه القوى مازالت تصدر مواقف متضاربة إزاء الدولة المدنية، والديموقراطية، وإزاء تمسكها بنظريات الحاكمية لله، وتطبيق الحدود، والخلافة، ولاتميز بين الديني والدنيوي، وتحاول اضفاء قدسية على ادعاءاتها السياسية. وطبعا، ثمة قسط كبير من المسؤولية يقع على عاتق الاسلام السياسي الشيعي تحديدا، المتمركز حول نظام ولاية الفقية في إيران، والذي اصطبغ في العراق ولبنان بالصبغة الميليشيوية، واثارة النعرة المذهبية، وهو ما يمكن ملاحظته في اشرطة الفيديو التي تصور مشاهد قتال “حزب الله” اللبناني في سوريا، والتي يتم تغطيتها بأهازيج ذات طابع ديني، ومذهبي فاقع، مع ان الأمر يتعلق بمسألة سياسية.

كل هؤلاء هم آباء داعش، أو المسؤولون عن تخليقها، لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه، في هذه الحال، لم الحرب اذا؟ ومن سيحارب من؟ ربما هذه أسئلة متأخرة، كالعادة، لأن المعنيين عندنا لا يسألون الأسئلة الصحيحة في الوقت الصحيح.

النهار

 

 

 

الحرب و”محور الممانعة” المتصدّع/ عبد الوهاب بدرخان

غريب هذا النقاش الذي واكب مشاركة لبنان في مؤتمري جدّة وباريس. وأغرب منه القول ان توقيع لبنان على بيان جدّة تمّ بمباركة بـ “لا ممانعة” من السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون. المؤكد أن الجدل سيتواصل خلال الشهور المقبلة على وقع سير العمليات العسكرية لـ “التحالف”، على رغم أن البلد يلهج بالحديث عن خطر الارهاب و”الإمارات الاسلامية” التي تخطط “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” وسواهما لإقامتها في أراضيه، فضلاً عن أنه يعيش محنة العسكريين الأسرى عند ارهابيين.

هناك الأكثر غرابة، كما في تساؤلات مثل: هل يجوز حضور لبنان هذه المؤتمرات، وهي ستتكرر، ما دامت ايران وسوريا غائبتين بل مستبعدتين؟ وهل يصحّ انضمامه الى تحالف اقليمي – دولي بقيادة الولايات المتحدة التي تعتبرها ايران صانعة “داعش”؟ وهل يمكن لبنان محالفة اميركا وهي تزمع الاعتماد على “الجيش السوري الحر”؟ وهكذا جاءت الحرب الجديدة على الارهاب لتوقظ “محور الممانعة” على حقيقة أنه بات متصدّعاً بفعل انهيار النظامين الايرانيين في سوريا والعراق، وكذلك بفعل التعطيل الايراني للدولة في لبنان.

كان على لبنان أن يقلق أكثر لو لم يدعَ الى جدّة، وشكّل حضوره دليلاً على أنه لا يزال على قيد الوجود في الاقليم. صحيح أنه يمرّ بمحنة داخلية مركّبة إلا أنه لا يزال في عداد الدول الطبيعية. وليس لبنان من وضع ايران ونظام الاسد على هامش الاقليم بل يقين الدول العشر الاخرى بأن هذين النظامين وراء عودة الوحش الارهابي واستشراسه. لا أحد يبرّئ اميركا أو غيرها من جريمة ايجاد “داعش”، لكن من يستطيع تبرئة ايران والاسد من توظيف هذا التنظيم لضرب الثورة السورية؟ فعندما كان “داعش” يلعب لمصلحتهما اعتبراه صنيعة السعودية وتركيا، وحين انقلب عليهما صار صناعة اميركية – اسرائيلية.

في الحرب الأولى على الارهاب لم تكن ايران في التحالف الدولي، لكنها نالت اشادات اميركية موثّقة بحسن سلوكها ومساهماتها القيّمة. أما في الحرب المقبلة فلا تشعر ايران بأنها في وضع يؤهلها لتحقيق أقصى المكاسب كما فعلت بعد غزو افغانستان والعراق، بل عليها أن تحدّ من الخسائر. كانت ايران استهلكت شهوراً طويلة في التعبئة ضد “التكفيريين” استدراجاً لحرب على الارهاب يكون لها فيها الدور الأكبر، مع نظامي الاسد ونوري المالكي. كانت “تبلف” وها هي تحصد النتيجة.

بين الجدّ والمزح هناك من قال ان لبنان لا يؤيد – من قبيل “النأي بالنفس” – اعتماد واشنطن على “الجيش الحر” في الحرب على “داعش” داخل سوريا. لم يطلب أحد رأي لبنان، لكن المعترضين لا ينأون بالنفس حين يطالبون بأن يحارب الجيش اللبناني الى جانب قوات الاسد و”حزب الله” في القلمون.

النهار

 

 

 

“داعش” ونسف تحالفات الإقليم؟/ راجح الخوري

انطلق قطار التحالف الدولي لضرب “داعش” في سوريا والعراق وربما في بلدان أخرى، فعندما يُعلن في مؤتمر باريس ان هناك ٥١ بلداً تغذي التنظيم بالموارد المالية والمقاتلين، فهذا يعني ان الحرب عسكرياً واستخبارياً وتجفيفاً للموارد المالية، يمكن ان تتسع وستستمر زمناً طويلاً، ولم يكن من المستغرب ان يتحدث الامير سعود الفيصل عن الحاجة الى عقد من الزمن لاستئصال الارهاب.

ثمة من يضع حججاً خشبية واهية لوقف هذا القطار، إن من خلال الهجوم على الأهداف الاميركية من التحالف، وإن من خلال الحديث عن احترام القانون الدولي وسيادة والدول، لكن من الواضح انه لو كان هناك من مكان في القطار للإيرانيين وللنظام السوري، لكنّا سمعنا كلاماً مختلفاً تماماً يشيد بالتحالف كما تمت الاشادة بداية بواشنطن بعد قصف مواقع “داعش” في الموصل وعند السد هناك، حيث سارعت ايران الى تسليح البيشمركة وبدت شريكة لواشنطن في المعركة !

الأوركسترا الروسية الايرانية الأسدية لا تكتفي بأن تعزف نشازاً في تشكيكها بالتحالف، بل عمدت الى اعلان مواقف هدفها التعمية وخلق الالتباس، فقد اعلنت طهران انها هي التي رفضت طلب اميركا الانضمام الى التحالف، في حين يواظب جون كيري منذ أسبوع ونيف على القول ان اميركا لم ولن تتعاون مع ايران في الحرب على “داعش”!

النظام السوري سرّب اخباراً عن تعاونه مع اميركا عبر طرف ثالث هو المانيا ثم عمد الى نفي ذلك، مع أنه لا حاجة الى النفي لأن الكونغرس يستجيب طلب باراك اوباما الإسراع في تدريب المعارضة السورية وتسليحها، التي ستقاتل “داعش” وتملأ الفراغ بعد انهيارها، بما يعني ان النظام يسير الى نهايته المحتّمة.

كيري الذي تعب في الايام الأخيرة من تكرار التأكيد ان لا مكان للنظام السوري في المعركة وان الخيار ليس بين الديكتاتورية المتوحشة والارهاب الوحشي، اضطّر تكراراً الى إسماع الاسد كلاماً لم يكن ينتظره، فعندما هدد بالتصدي للمقاتلات الاميركية حذره بالقول: “لا تقوموا بأي عمل تندمون عليه اكثر”!

الروس الذين يغرقون القانون الدولي في وحول اوكرانيا، والإيرانيون الذين يعرفون ان حليفهم الاسد ساهم في خلق “داعش”، يدركون ضمناً انهم يطرحون معادلات بشعة بالدعوة الى التحالف مع من تسبب بخلق المشكلة للعمل على حلّها، ويدركون جيداً ان التحالف مع ايران لضرب “داعش” سيقوّيها سنّياً في ظل المشاعر المذهبية الملتهبة في المنطقة !

الرهان على سياسة الاستبداد مع نوري المالكي وسياسة القتل مع الاسد، هو الذي أوصل الوضع الى مفترق لن يضرب “داعش” فحسب، بل سيؤدي الى تغيير جذري في الخريطة السياسية للمنطقة وتحالفاتها… وأزمة موسكو وطهران انهما في دفاعهما عن الاسد تبدوان كمن يدافع عن “داعش”!

النهار

 

 

 

محاولة قراءة الفنجان الإيراني../الياس الديري

الأمن بمفهومه الشمولي في بلد كلبنان مكشوف من الجهات الأربع، وعلى إيقاع هذه الدولة الإقليمية أو تلك العاصمة الدوليّة، لطالما كان سياسي الهوى والهويّة والأهداف. ورقة مهمة في الميزان السياسي، حين تستحق “المواعيد الكبرى” سواء لجهة المفاوضات، أو فرز أوراق الرابحين والخاسرين وما بينهما.

وخصوصاً في المرحلة الراهنة التي يصنّفها البعض في خانة “الأخطر” منذ انكفاء حروب بوسطة عين الرمانة.

من عرسال شرقاً وصعوداً إلى طرابلس شمالاً وتمدّداً صوب المناطق المختلَطة الشديدة الحساسيّة والتأثّر، كونها تشرّع الأبواب لرياح الطوائفيّة المذهبيّة.

أطراف عدّة يعتبرون إيران في طليعة الأسباب والعوامل التي يمكنها التأثير المباشر في الوضع اللبناني الراهن.

ولكن أين هذه الـ”إيران” بعد المستجدات الطاحنة التي شهدها العراق، وأدّت تالياً إلى متغيّرات أساسيّة جرفت معها الكثير مما يُحسب عادة في خانة طهران ونفوذها المتمدّد من بغداد إلى دمشق فبيروت… فدول وعواصم أخرى؟

المتابعون بدقة لتطوّرات الأسابيع الأخيرة، والضجّة الدوليّة التي أحدثها تنظيم “داعش” انطلاقاً من بغداد، والإعلان الحربي الذي جمع ائتلافا يُذكّر بتحالفات الحرب العالمية الثانية، يعتقدون أن على إيران أن تحضّر حالها لنقلة “نوعيّة” متناهية الدقة، ترافقها مراجعة شاملة للمواقف وإعادة نظر في الحسابات القديمة.

لا تحتاج طهران إلى مَنْ يذكّرها بأن شهر العسل الطويل الأمد الذي أمضته بحريّة فضفاضة في دول أساسيّة في المنطقة قد شارف النهاية، وربما الأفول. والائتلاف الدولي الذي يُجهّز بدراية ودقّة لن يغادر المنطقة على عجل. ولن يدع “داعشاً” آخر يحلّ محلّ “داعش” “الدولة الاسلامية”. أو ما يماثلها.

والمعروف عن إيران أنها دولة كبيرة طموحاتها، وتتطلع بجدّية نحو كرسي زعامة المنطقة من زمان.

الوضع العراقي ليس كل المنطقة. ولا كل الحكاية. ولا كل الخسارة. فهناك الوضع السوري الذي لا بدّ من الوصول إلى علاج أساسي له. ثم الوضع في لبنان الواقف على الحافة الأخيرة، في انتظار نتائج المغامرات والمغامرات المضادة. وبلا رئيس للجمهورية. وبشبه دولة، وشبه حكومة، وشبه مؤسسات.

فهل تتناسب، أو تتلاءم، حسابات الحقل مع حسابات البيدر الإيراني؟ وهل في استطاعة ما تبقّى من النظام السوري، الذي خسر الكثير من كل شيء وفي كل سوريا، أن يعوّض إيران المتطلعة إلى “الزعامة” ما خسرته في العراق، وما ستخسره لاحقاً في كل مكان زرعت فيه مقعداً، ولبنان واحد من هذه الأمكنة؟

الخبراء المخضرَمون يؤكّدون أن دولة كإيران تعرف جيداً متى تغيّر حساباتها، وطموحاتها، وحتى تحالفاتها. وإذا اقتضى الأمر قد تسبق الجميع في الانفتاح وإعادة النظر في سياسة زمن مضى مع مفاعيله. وهذا تطوّر يعود بالفائدة على لبنان.

النهار

 

 

 

 

الشريك السوري عقدة أم حل؟/ موناليزا فريحة

خطة الرئيس الأميركي باراك أوباما لإضعاف “الدولة الإسلامية” والقضاء عليها نهائياً تعتمد خصوصاً على وجود شريك أساسي على الأرض يقوم بما يعجز عنه سلاح الجو. وقد حقق توزيع الأدوار هذا بعض النجاح في العراق أخيراً، فيما يمثل الشريك السوري “البري” المفترض عقدة العقد، وعائقاً أساسياً أمام الزخم الدولي لمواجهة “داعش”.

استناداً الى منظمات إنسانية معارضة، تسيطر “الدولة الاسلامية” على 35 في المئة من مساحة سوريا. وتشير تقديرات الاستبخارات الأميركية الى أن المقاتلين السوريين الاخرين موزعون على أكثر من 1500 مجموعة ذات انتماءات سياسية مختلفة، وأنهم يسيطرون على 20 في المئة من مساحة سوريا. أما أولئك المصنفون معتدلين فلا يسيطرون على أكثر من خمسة في المئة. وتسعى “الدولة الاسلامية” الى تشديد حصارها على ما تبقى من مناطق خاضعة لسيطرة “المعتدلين”، وخصوصاً في حلب حيث يلقي رجال البغدادي بثقلهم لتوسيع “خلافتهم” عبرها.

وازاء التطورات المتسارعة في سوريا، وهذا الفرز المخيف للمعسكر المعارض للنظام، لا تبدو استراتيجية اوباما الا مجرد وعود مكررة بالعمل مع حلفاء في المنطقة وزيادة الدعم للمقاتلين، وهو ما لا ينسجم بتاتا مع الواقع الملح على الارض.

يدرك العالم ان الوضع الخطير في سوريا مع انعكاساته المتزايدة على دول الجوار، يتطلب تحركا دوليا واقليميا سريعا وشاملا لا يقتصر على العاب نارية في سماء العراق او سوريا. فاذا كانت الادارة الاميركية جدية هذه المرة في دعم المعارضة السورية، يفترض ان تبدأ بعد ثلاث سنوات من التمحيص والتدقيق بتحديد الجماعات التي ستتعامل معها بالاسم. وكي يكون دعمها هذا فاعلا لا بد ان يقترن بضغط لعزل سوريا عن التنافس بين دول اقليمية وتوحيد قنوات الدعم المالي للمقاتلين.

وفي المقابل، تنذر اي مبادرة اميركية للتنسيق مع الاسد ضد “الدولة الاسلامية” بزيادة الفوضى في سوريا عموما، وفي معسكر المعارضة خصوصا. واذا كانت واشنطن تسعى اولا الى القضاء على “داعش”، فثمة من يطالبها بموقف واضح مفاده ان الاسد لن يكون له مكان في اي عملية سياسية مهما تأخرت.

لعل وضع المعارضة السورية هو احد التحديات الاساسية لأي تدخل ضد “داعش” في سوريا. واذا كان الغرب يتحمل بعض المسؤولية عن وهن هذه المعارضة وتشرذمها، فإن هذه المجموعات نفسها اخفقت طوال ثلاث سنوات في فرض نفسها بديلا موثوقا به من الاسد نتيجة الانقسامات والمصالح الضيقة. ولعلها في الظروف الراهنة امام اختبار حقيقي لتجاوز انقساماتها الايديولوجية ومصالحها السياسية والتحول شريكا حقيقا للغرب في حربه على “الدولة الاسلامية”. اما السلفيون، امثال “جبهة النصرة” و”الجبهة الاسلامية” وغيرهما، فسيبقون تحديا لاميركا وسوريا معا، قبل الحرب على “داعش” وبعدها.

لنهار

 

 

 

 

خلفيات الموقف التركي من التحالف ضد “داعش”: الخوف من تسليح الأكراد.. واشتراط إسقاط الأسد/ باتر فخر الدين

كان آخر ما تريده القيادة التركية هو هذا التحالف الإقليمي الدولي الذي تجهد الولايات المتحدة في وضع هيكليته وخطط تحركه لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» الإرهابي. فلقد كانت أنقرة حتى الأمس القريب تجيد لعبة الأقنعة المتعددة في مواجهة الإعصار الذي يكتسح المنطقة: فقناع للتعاطي مع واشنطن، وقناع غيره مع بغداد، وثالث مع أربيل، وأقنعة أخرى غيرها مع أكراد سوريا، وأكرادها هي، ومع قطر والسعودية و«إخوان» مصر، وقناع مختلف تماماً مع «داعش» نفسها و«جبهة النصرة» وغيرهما من التنظيمات والمقاتلين في سوريا والعراق.

قبل بدء تركيب التحالف الشهير، استطاعت أنقرة أن تمتص ارتدادات الأزمتين السورية والعراقية بأقل خسائر، وكانت تسير على الحبال فوق النار. في بدايات الحرب السورية، أمدّت تركيا المجموعات الإسلامية (سرّاً) بالعتاد والمعلومات والدعم اللوجستي، وسمحت (أو غضت النظر عن) مرور آلاف المقاتلين عبر أراضيها لدعم تلك المجموعات ومنها «النصرة» و«داعش»، كل ذلك لهدف كبير «مشروع جداً» في ثوابت الاستراتيجية التركية، وهو محاربة الأكراد في سوريا خوفاً من تعزيز سطوتهم على حدودها وانتقال نزعتهم الانفصالية إلى داخل أراضيها: الخطر الحقيقي المزمن.

وفي الوقت عينه، كانت القيادة التركية تنكر أي مساعدة عسكرية لأي طرف في سوريا، وتصرّ على أنها تدعم، «سياسياً فقط»، «ثورة» الشعب السوري ضد الرئيس بشار الأسد ونظامه. ولما تعاظم الضغط عليها ووُوجِهَتْ بوقائع وأدلة، ولما انفلتت المنظمات من عقالها واستشرت وانشطرت إلى مجموعات جزئية وفقدت أنقرة السيطرة عليها وأضحت تشكل خطراً مباشراً على تركيا ومصالحها، أخذت تتشدد تجاهها في أكثر من وجهة.

فبعد طول انتظار «ومقاومة»، أعلنت تركيا «جبهة النصرة» و«داعش» مجموعتين إرهابيتين، وباشرت بتشديد الرقابة على حدودها وأوقفت مئات العابرين من أراضيها باتجاه سوريا.

ومع هذا كله، بقي موقف تركيا ملتبساً، وبدا أن الأقنعة لم تسقط كلّها بعد. فلم يصدر عن أنقرة أي موقف من إعلان «الخلافة» ومن «الدولة الإسلامية»، ولا يزال الغموض المريب محيطاً بقضية احتجاز 49 من ديبلوماسييها والعاملين في قنصليتها العامة في الموصل، مع الحظر المشدد الذي فرضته تركيا على الإعلام في تناول هذه القضية بأي جانب من جوانبها تحت طائلة العقوبة. وها هو داود أوغلو يتجنب وصف «داعش» بالإرهابي ليصفه «عمداً أم سهواً» بالتنظيم المروّع (terrorizing group) «الذي نشأ كرد فعل على سياسات بعض الأنظمة».

إذاً، وحتى بداية بناء التحالف، ظلّت أنقرة تمسك بالعصا من وسطها. وهذا، وإن أغاظ حلفاءها الذين لا يتورعون عن وصف علاقاتهم بها «بالأعدقاء» (frenemies)، إلا انه تَناسب واستراتيجيا أنقرة في تقطيع هذه المرحلة الخطيرة. غير أن لحظة الحسم جاءت ورأت أنقرة أن الدور الغامض الذي لعبته منذ العام 2011 والبقاء في المنطقة الرمادية لم يعودا يجديان نفعاً مع طلب حلفائها تحديد موقعها بوضوح في التحالف العتيد.

وهكذا، توالت الضغوط على أنقرة في أكثر من محفل. ففي قمة الناتو في ويلز، التي حضرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصياً، لفرض أجندته الخاصة بمنح تركيا المزيد من ضمانات الحلف ومساعداته، وجد نفسه يواجَه بأسئلة عن حجم الدور الذي يمكن لتركيا تأديته في محاربة «داعش». كذلك حصل في اجتماع جدة الذي حضره وزير الخارجية التركي الجديد مولود جاويش أوغلو حيث لمس توقعات الدول المشاركة بدور فعال لتركيا في التحالف. ثم جاءت زيارة وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل الذي غادر بجعبة خالية إلا من وعد تركي بدراسة الطلب الأميركي وتقييمه (ثمة تقارير أشارت إلى أن هايغل حمل معه موضوعا ثانيا مهما جداً لواشنطن وهو نظام الدفاع الصاروخي الذي تعتزم أنقرة شراءه بعد أن خضعت أخيراً للضغط وألغت الاتفاق الأولي مع شركة «CPMIEC» الصينية).

وبعد هايغل حلّ كيري الذي لم تأت زيارته بغلة أكبر، فهو الآخر غادر تركيا بخُفّي حُنين وبالتزام تركي مبهم إذ أعلن أن أنقرة ملتزمة دعم الحلف الدولي لمحاربة «داعش»، «إلا ان شكل هذا الدعم يحدد لاحقاً». وفي اليوم التالي خرجت الصحف بمواقف عن مصادر مقربة من الحكومة – ولم يصدر أي بيان عن الحكومة ذاتها أو أي تصريح لأردوغان أو داود أوغلو أو جاويش أوغلو – لتحدد شكل تعاون أنقرة مع الحلف بأنه تعاون لوجستي ومعلوماتي وسياسي. لا اشتراك لأي جندي أو سلاح تركي، ولا استخدام لأراضي تركيا ولا لمجالها الجوي، ولا حتى استخدام لقاعدة «إنجرليك» الجوية قرب أضنة التي تستضيف قوة جوية أميركية من أكثر من 5000 عنصر، وعدداً من القوات الجوية الملكية البريطانية، بالإضافة إلى كتيبة جوية تركية.

وهكذا جددت تركيا تموضعها في المنطقة الرمادية ذاتها: مشاركة ولا مشاركة، «نعم» خفيضة تهمس بها لـ«الناتو» ولأعضاء الحلف الوليد، و«لا» مستترة توصلها برسائل مشفرة للمعارضة السورية والعراقية بكل أطيافها المعتدل منها والمتطرف. ففي حسابات أنقرة تبقى مقاومة ضغوط «الأعدقاء» جميعاً أخف ضرراً من الانضواء علناً في حلف يَطلُبُ منها أن تكون رأس حربة فيه للقضاء على ظاهرة شديدة التعقيد في ولادتها ونموها وإنهائها، وفي ترابط كل ذلك بالأمن القومي التركي.

علناً، برّرت تركيا موقفها هذا بعدم جدوى القضاء على «داعش» مع الإبقاء على الأسد، «فأي حرب على هذا التنظيم لن تنفع في حال بقي الأسد في سدة الحكم في دمشق». ثم ذكّر رئيس الوزراء داود أوغلو بمواقف تركيا حين «حذّرنا الجميع سابقاً بمن فيهم واشنطن والأسد من أنه من دون إنهاء الأزمة في سوريا وعودة الاستقرار السياسي، فإن المنطقة ستتحول إلى بركان غضب».

هذا في العلن، أما ما خفي فكان أعظم. ولعلّ أبرز ما في حسابات أنقرة الحقيقية والمخاطر الوجودية وراء عدم مشاركتها بالتحالف ضد «داعش»، يمكن إيجازه كما يلي:

÷ إن من أهم وسائل عمل الحلف العتيد هو تعزيز قدرات بغداد وجيشها لمحاربة التنظيم الإرهابي. وفي هذا دعم غير محدود لحكومة بغداد التي ما زالت على خصام كبير مع أنقرة حول ملفات عديدة، أهمها علاقة أنقرة السياسية والأمنية والاقتصادية – النفطية بأربيل، وتهميش بغداد للمكوّن السني في النظام السياسي، وجعل العراق ساحة نفوذ قوي لإيران.

÷ وهذا يؤدي حكماً للسبب الثاني وهو أن التحالف المرتقب سيعزز ـ بصورة غير مباشرة ـ سطوة إيران، الخصم التاريخي لتركيا وطموحاتها،في المنطقة، ليس فقط بإزالة خطر وجودي كان يمثله داعش ومشتقاته عليها مباشرة في العراق وعلى دمشق، بل أيضاً بدعم نظام بغداد «الدمية المتحركة بخيوط إيرانية».

÷ السبب الثالث هو تخوف تركيا من دعم التحالف للأكراد في كردستان العراق، إذ يريد المجتمع الدولي أن تشكل قوة الأكراد العسكرية (البشمركة) إحدى أهم ركائز المعركة المتقدمة مع «داعش». صحيح أن أنقرة هي نفسها تقيم علاقات ممتازة أمنية واقتصادية وسياسية مع أربيل، إلا انها تخشى من أن فوضى السلاح وفورته بيد البشمركة قد تؤديان إلى وصول بعض الأسلحة المتطورة إلى ايدي الأكراد في سوريا ومن هناك إلى أكراد «حزب العمال الكردستاني» في تركيا ذاتها. ثم إن دعم أنقرة لأربيل وفقاً لاستراتيجيتها هي، بحيث ترهب وترغب وترخي وتشد ساعة تشاء وتبعاً لتقديراتها، شيء، ودعم المجتمع الدولي للأكراد شيء آخر. فهذا الدعم الأخير يشجع كردستان العراق على الابتعاد عن أنقرة والتفلّت رويداً من تبعيتها والتمرد عليها وتشجيع أبناء جلدتها على الخطوة ذاتها، وهذا كابوس أنقرة التاريخي.

÷ ثمة تخوف تركي رابع يشكل سبباً إضافياً لموقف أنقرة الرافض للتحالف وهو القلق من الانتقام المباشر لـ«داعش» ومجموعاته عبر الحدود السورية ـ العراقية مع تركيا التي تمتد لحوالي 1200 كيلومتر والتي بات جزء كبير منها تحت سيطرة هذا التنظيم الإرهابي. أكثر من ذلك، ينتاب تركيا اليوم قلق حقيقي من قدرة تنظيم «داعش» على تهديد الوضع الأمني الداخلي عبر خلايا نائمة وبواسطة المقاتلين الأتراك المنضوين تحت رايته والذين يقاتلون في سوريا والعراق. وكانت وزارة الداخلية التركية قد قدرت عدد الأتراك الذين يقاتلون في صفوف المعارضة السورية ضد الأسد بحوالي 800 رجل.

÷ ينبع السبب الخامس من هوية «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. فهذا الحزب تركي المنشأ إسلامي التوجه سني المذهب «إخواني» الخلفية. ومع تمرّسه في الحكم، وترويضه الجيش التركي المهيب وإبعاده عن السياسة، وتكبيل القضاء، ومحاربته العلمانيين المتشددين، خلق «حزب العدالة والتنمية» له قاعدة شعبية قوية عمودها الفقري الطبقة البرجوازية في الداخل الأناضولي الذي تغلغل إلى المدن الكبرى بعدما أتيحت له فرص التجارة الصغيرة والمتوسطة.

هذه القاعدة الهائلة تُعدّ بغالبها الأعم يمينية محافظة بنفس ديني قوي وعصب سني واضح هو الذي سمح للقيادة التركية الحالية بتبني مواقفها الحادة المعروفة من فلسطين، وإسرائيل، وحماس، و«إخوان» مصر، وسوريا، و«ثورات الربيع العربي» في بداياتها، وحتى في بعض الملفات الداخلية الحساسة كوضع العلويين الأتراك وحقوقهم. هذه المسائل التي كانت كلها من المحرمات زمن تركيا الأتاتوركية.

نسارع هنا إلى القول ان لا القيادة التركية ولا «حزب العدالة والتنمية» ولا قواعده الشعبية يؤيدون تنظيم «داعش» أو غيره من التنظيمات الإرهابية التي تقاتل باسم الإسلام وتدعي الدفاع عن أهل السنة. غير أن هناك «مزاجاً شعبياً تركياً تاريخياً خاصاً» غير ودّي تجاه الغرب، وبالتحديد الولايات المتحدة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بضرب دولة مسلمة ـ أو قل كياناً مسلماً ـ بغض النظر عن نظام حكمها أو علاقة تركيا بها.

وتجربة العام 2003 لا تزال ماثلة أمام أردوغان والغرب على السواء. ففي آذار من ذلك العام رفض البرلمان التركي ذو الغالبية الأردوغانية منح الحكومة حق تفويض اشتراك قواتها المسلحة في حملة «الناتو» العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد عراق صدام حسين، كما رفض منح حق استخدام الأراضي أو الأجواء أو القواعد التركية لهذا الغرض.

وفي حينها كان «حزب العدالة والتنمية» الواصل حديثاً إلى سدة الحكم بحاجة إلى تعزيز علاقته مع الولايات المتحدة، فوعدت الحكومة التركية (برئاسة عبد الله غول، حيث كان أردوغان لا يزال ممنوعاً من ممارسة العمل السياسي، وكان يقود حزبه بالواسطة من خلف الكواليس) واشنطن بدعمها في حملتها تلك. إلا ان المزاج الشعبي التركي ـ غير المغرم بصدام حسين أصلاً الذي كان يعادي تركيا ويحاول زعزعة أمنها ـ أثبت أن «بغضه» لسياسات الإدارة الأميركية أكثر عمقاً من عداواته مع أي نظام في أي بلد مسلم، فالأنظمة زائلة أما الشعوب فتربطها بتركيا وشعبها روابط تاريخية واجتماعية ودينية عميقة.

ولما كان أردوغان غير منزعج من تركيبة قوته الناخبة من هذه الشريحة «السنية» العريضة، بل لعله مرتاح إليها ومكْتَفٍ بها، ولما كان لا يريد إغضابها أو إضعافها وهو في طريقه إلى انتخابات حاسمة في حزيران العام المقبل، باتت كل خطوات أنقرة وقراراتها «غير الحاسمة» في ملف التحالف الدولي مفهومة «ومبررة» داخلياً.

إن أردوغان الواصل حديثاً إلى سدة الرئاسة الأولى بعد سلسلة من المعارك الانتخابية والسياسية الداخلية المضنية، والذي لا يزال يواجه تحديات هائلة من أكثر من حدب وصوب، يرى إنه بغنى عن اختبار جديد وعن وضع نفسه وحزبه أمام تحدّ غير مضمون النتائج حتى الساعة مع عدم وضوح مرحلة ما بعد هزيمة «داعش» أو إضعافه، وهو العارف بالموروث التركي والثقافة الشعبية غير الصديقة لأوروبا وللولايات المتحدة الأميركية.

السفير

 

 

 

 

داعش» إذ يضع إيران والأسد خارج الإقليم/ عبدالوهاب بدرخان

رأينا ذلك في اجتماع جدّة. عندما تكون هناك مشكلة في الإقليم لا تكون ايران في المشهد. ليس لأنها لا ترغب، بل هي تتلهّف للظهور في الصورة، وإنما لأنها المشكلة أو الجزء الأكبر منها. منذ 2001 لا همّ أمنياً لدول الاقليم سوى الارهاب المستشري، اذ اتهمت به واستثمرت الكثير من المال والجهد لمكافحته. أما ايران فلم يكن لها سوى اهتمام وحيد: كيف تستخدم هذا الوباء لتسميم محيطها، وكيف تستغلّه في خططها. الدولة التي حكمت على نفسها بأنها لن تكون يوماً دولة طبيعية لا يمكن العمل معها ولا الاعتماد عليها حتى لو اكتسبت كل مؤهلات القوة والنفوذ وكل وسائل العنف والتطرّف. وحدها اسرائيل تجاري ايران بكونها في الاقليم وضدّه، أي أنهما خارجه، والنظام السوري يلتحق بهما. أمّا العراق فباشر استعادة بعض من طبيعيته في اطار ديناميكية جديدة يُرجى ألا تخذلها ايرانية «حزب الدعوة»، وحتى لبنان الدولة المصادرة البلا رئيس لم يُستَلَب مكانه في الأسرة الدولية على رغم محاولات «حزب الله» لاجتذابه الى ايرانيته.

نعمت طهران طوال الأعوام الأربعة الأخيرة بسكوتٍ وغض نظر اميركيين وغربيين عن دورها البشع والمشين في سورية، وعن أخطائها المميتة في العراق. تصرّفت موقنة بأنها «دولة عظمى اقليمية»، والدول «العظمى» عادةً ما تحتقر الشعوب، على ما تقول أدبياتها عن «الشيطان الأكبر»، غير أن هذا الشيطان هو مَن صَمَت على ممارساتها وكتَم ما يعرفه طالما أنها تساعد نظام بشار الأسد على تدمير سورية.

لكن اللحظة المناسبة جاءت لتذكير ايران بأنها، كدولة، كحرس ثوري، كأجهزة، ليست تحت الاشتباه فحسب، بل موضع الاتهام في تغذية الغول الارهابي. كل دول الاقليم، ولا سيما الجوار، تعلم ما هو دورها، تمقت تهورها وتجهد لإحباط تدخلاتها وتضبط النفس، الى أن طفح الكيل أخيراً بالرئيس اليمني الذي اتّهمها بـ «محاولة مقايضة صنعاء بدمشق». ذاك أن ايران ما انفكّت تشعل الحرائق تمهيداً لاستثمارها، وهو ما حاولت وستحاول أن تكرره باستغلال «الحرب على داعش». لا شك في أنها مؤهلة لدور، لكنها أساءت اليه بتجاهلها الحقائق الديموغرافية والاجتماعية والدينية لشعوب الاقليم، وذهبت بعيداً في الشحن المذهبي وفي عسكرة الطائفة الشيعية وتوظيفها في مشروع لا يمكن أن يكون مستقبله على الصورة التي تظهره بها حالياً.

لعل كل كلمة تقال اليوم في اطار ضبط عمل الحكومة العراقية الجديدة هي بمثابة نقد مباشر ليس فقط لنوري المالكي بل خصوصاً لإيران وسياساتها. نموذجان على سبيل المثال: الأول أن الحكومة السابقة حاولت في أيامها الأخيرة الإيحاء بأن فك الحصار عن آمرلي تم بجهد الجيش، وقصد المالكي البلدة الشيعية لإعلان بدايات النصر على «داعش»، ليتبيّن أن العملية تمّت بمؤازرة من «البشمركة» الكردية وبمشاركة عسكريين ايرانيين وميليشيات شيعية. وعندما اجتمع الوزير جون كيري للمرة الأولى مع حيدر العبادي، كانت «اعادة هيكلة» الجيش وتأهيله وتدريبه من أولى مطالبه، أي أن ما سمّي «جيش المالكي» أو «جيش ايران» لا يصلح بوضعه الراهن لخوض معركة يفترض أن أبرز أهدافها استعادة السنّة الى الدولة العراقية. أما المثال الآخر فكان قرار العبادي وقف قصف المناطق السنّية، اذ كان سلفه أجاز كل أنواع القصف (المدفعي والصاروخي العشوائي، والجوّي، وحتى إلقاء البراميل المتفجّرة على أهداف مدنية محدّدة)، ومنذ انسحاب الجيش من المحافظات السنّية لم يعد في مواجهة قتالية ذات مغزى ضدّ «داعش»، فأضحى القصف مجرد قتل للقتل. ولما كان دمج العشائر السنّية إحدى ركائز الاستراتيجية التي حدّدها البنتاغون للحرب على الارهاب، فإن العبادي يبدي التزاماً بها، على عكس سلفه.

هذا لا يعني طبعاً أن الصيغة الإجمالية لحكومة العبادي مثالية وواعدة، بالمعنى العراقي «الوطني». صحيح أن هناك تمثيلاً للمكوّنات الثلاثة، لكن هناك جرعةً ثقيلةً جداً من المؤدلجين الذين لا يخيطون خيطاً من دون موافقة طهران. ويكفي أن تتجدّد الصعوبات في اعتماد وزيرين للداخلية والدفاع، على رغم كل ما حصل، للتذكير بعهد سيئ الذكر والتنبيه الى أن المسألة لا تقتصر على انعدام الثقة بين الأطراف، بل تمتدّ الى رغبة في اعطاء لونٍ واحدٍ لنظام لا يمكن إلا أن يكون تعددياً، وكذلك الى رغبة في الاحتكار المذهبي لكل ما هو عسكري وأمني واستخباري. في أي حال، هذه حكومة أمام اختبار يجب أن تخوضه بهاجس معاودة توطيد الوحدة الوطنية، ولا خيار لها غير النجاح لئلا تكون الحكومة الأخيرة في عراق موحّد. ما الذي منع قيام حكومة كهذه مع المالكي؟ للأمر علاقة بشخص الأخير، وله علاقة أيضاً بالإرادة والمشروع الايرانيين. وما الذي منع قيام حكومة مماثلة في سورية تأسيساً على صيغة «جنيف 2»؟ للأمر علاقة بخيارات بشار الأسد ولغته الخشبية، لكن تبيّن أخيراً أن حليفه الايراني هو الذي أصرّ مشجعاً على تقديم مسألة «مكافحة الارهاب» على «الحل السياسي»، اذ اعتبر أن مثل هذا التوجّه يرشحه لمكانة دولية مميّزة على حساب خصومه الاقليميين ولا سيما السعودية. لكن منطق الحرب المزمعة على الارهاب ومسارها يبدوان بعيدين جداً من منح ايران أي ميزة، وإنْ كان الاميركيون يريدون مساهمتها في الاتجاه الذي يتبنّاه «التحالف الدولي».

لم يعد خافياً الآن أن تعنّت أنظمة طهران ودمشق وبغداد هو ما قاد عملياً الى بروز «داعش» وصعوده وبالتالي شيوع هذا الخطر الذي يتهدّد كل الاقليم، ولا يمكن أن يُصدَّ ويُوَاجَه بالعربدة الايرانية وحدها بل بتضامن اقليمي، فالاقليم لم يصبح ايرانياً بعد، ولن يكون ايرانياً. لم يستهجن أحد ألا يتمثّل للنظام السوري في اجتماع جدّة. قيل إن طهران اشترطت حضوره لتحضر، لكن هذه مجرد رواية غير مؤكدة، وإذا صحّت فالمستهجن ألا تتساءل ايران كيف صارت وحليفها منبوذين معاً في جدّة كما في باريس. لعل تغريدةً لوزير الخارجية البحريني تختصر الجواب: «مؤتمر باريس هو لمن يريد إنقاذ الشعبين السوري والعراقي. ولا مكان لمن ساهم في قتلهم و تشريدهم»… من هنا أن ثمن تصعيد «داعش» لا بدّ من أن يقع على من لعبوا ورقته لإنقاذ نظام الأسد وتثبيت نظام المالكي، والوقع يُظهر الآن أن هذه الورقة كانت خاسرة أصلاً: فالمالكي «رُفس» الى أعلى من دون مهمة محددة ولا مستقبل سياسياً له، والنظام السوري في أسوأ حال منذ بداية الثورة عليه، والاميركيون عادوا – كـ «منقذين» – الى العراق، والحرب على «داعش» ستكون لها تداعيات سياسية تتشكّل خلالها وبمساهمة المشاركين فيها.

الأكيد أن ايران لن تبقى خارج «التحالف» أو بعيداً منه، وسيكون لها دور في الحرب بشكل أو بآخر، لكن ستضطر الى التواضع في طموحاتها وللكفّ عن السعي المبكر لاستثمار نتائج هذه الحرب. الأكيد أيضاً أن العراق ونظامه سيتخذان وجهة مخالفة لما رسمته لهما ايران، فقد أتيحت لها فرصة كاملة لإدارة هذا البلد ففضّلت تخريبه والعبث بعناصر استقراره. والأكيد أخيراً أن ايران لن تستطيع (حتى بمؤازرة روسيا) التفرّد في تقرير مصير سورية، فـ «التحالف ضد الارهاب» لا يقوم فقط على استراتيجية حربية بل أيضاً على تفاهمات سياسية بشأن ما بعد الحرب، ومهما جرى التلاعب بهذه التفاهمات أو التنصّل منها، فإن أياً من القوى الدولية لا تتصوّر سورية وشعبها واقعين تحت النفوذ الايراني… هذه استنتاجات وليست تمنيات خيالية، فالسياسة الهائجة التي مارستها ايران لأعوام طويلة، وفي ظنّها أنها ستغيّر أحوال الاقليم وتهيمن على دوله وشعوبه، انتهت الى واقع يفيد بأن أي استراتيجية تبنى على الثأرية والاستقواء للتصالح مع رواسب التاريخ لا يمكن أن تكون مشروعاً للمستقبل.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

لن نصدق خامنئي/ حسان حيدر

على رغم قيادتهم التحالف الجديد ضد «داعش» واهتمامهم بترسيخه وتوزيع المهمات على أعضائه، يحافظ الاميركيون على الدوران في حلقة مفرغة بدأت قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة هي عمر الانتفاضة السورية، متنقلين بين جملة من التناقضات التي تكشف عدم رغبتهم في حسم هذا الملف، طالما ان الروس والايرانيين متورطون فيه. وتبقى المعادلة التي يعملون بها هي نفسها: لا تسليح للمعارضة ولا إعادة للشرعية الى نظام دمشق، لا قبول بهزيمة المعارضين ولا إسقاط للأسد، بغض النظر عن المستجدات. فهم لا ينظرون الى مصالحهم في العالم بشكل مجتزأ وآني، بل في إطار واسع يستند الى ميزان القوى مع الدول العظمى والاقليمية. يقدمون هنا ويأخذون هناك، يتنازلون في هذه النقطة ويتعنتون في أخرى، يتشددون في أوكرانيا ويتساهلون في الشرق الأوسط…

ولا تشذ المساعدة التي قررها أوباما أخيراً للسوريين عن لعبة التحكم بالخيوط. نصف بليون دولار من المساعدات «غير الفتاكة» سيطير نصفها سلفاً مع الكلفة الإدارية واللوجستية لإيصالها، ويذهب نصفها الثاني، إذا وصل، الى الأيدي الخطأ.

تشمل المساعدة أيضاً «تدريب» مقاتلي المعارضة، لكن هؤلاء يرفعون الصوت: «لا نريد تدريباً ولا رجالاً، فقط اعطونا سلاحاً نوعياً وسنتكفل بإسقاط النظام». غير ان هذا تحديداً ما لا تريده واشنطن الحريصة على توازناتها. ولذا لن نصدق خامنئي عندما يقول انه رفض طلب الاميركيين تعاون بلاده عسكرياً معهم في محاربة «داعش»، فهذا التعاون قائم منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003، بل منذ غزو أفغانستان قبل ذلك بعامين، ولا يحتاج الى تجديد مع كل تطور.

لكن الايرانيين ملتزمون دعم النظام السوري الذي ابتكر «داعش» ورعاه وسهل بطرق متعددة تزويده المال والسلاح والرجال، على أمل استخدامه، مثلما حصل، في تطويع السنّة، ابتداء بالعراق، لذا يصبح رفضهم الانضمام الى التحالف ضده تحصيل حاصل.

اما كلامهم عن رفض التعاون فهدفه التعمية على التنسيق الفعلي القائم، ولا علاقة له باستبعاد طهران عن مؤتمر باريس او باشتراط العرب على الاميركيين ألا يؤدي التحالف الى تعويم نظام الأسد، فهم لم يكونوا يتوقعون عكس ذلك.

قال خامنئي انه لا يريد تحويل سورية والعراق الى «باكستان أخرى»، حيث يلاحق الطيران الأميركي قياديي «طالبان» ومعسكراتها، لكنه سبق ان تعاون مع الاميركيين لدى استهدافهم نظام الملا عمر، عندما كان هذا الاخير يشكل تهديداً مباشراً لهم. فكيف لا يصح الآن ما صح آنذاك، علماً ان التهديد «الطالباني» عائد أواخر هذه السنة مع اكتمال الانسحاب الأميركي؟

تستخدم الولايات المتحدة الحرب على «داعش» لتؤكد انها لا تزال تقود العالم وتهندسه، لكنها ليست مستعدة للوصول بها الى النهايات التي لا تتماشى مع مصالحها، وخصوصاً رغبتها في اعادة ايران الى المجتمع الدولي، وهي حددت سلفاً سقف تحركها ضد التنظيم المتطرف من دون ان تعلنه رسمياً: فالضربات الجوية لن تسفر سوى عن إضعاف «داعش» وليس هزيمته، والمساعدات للمعارضة السورية لن تطيح الأسد، والدفاع عن الإقليم الكردي لن يوصله الى مصاف الدولة المستقلة، اما إنقاذ نظام بغداد فله الأولوية، على رغم ما يشاع عن انشغال واشنطن بتلطيف تركيبته الحكومية. اي تعاون اكثر يريد «المرشد»؟

الحياة

 

 

 

خِدَعٌ باسم “داعش” وخدعٌ تتخطّى “داعش”/ جهاد الزين

توجيه الغرب لسيوفه نحو “داعش” بعد قيام “التحالف الدولي” يُنتِج مشهداً معقّداً بدل أن يكون واضحاً عبر الهدف الصريح الذي يعلنه ضد هذا التنظيم المتطرف. لماذا التعقيد بدل الوضوح؟

إيران التي من المفترَض أن “داعش” قامت ضدها ووجّهت لها أكبر ضربة سياسية عسكرية يتعرّض لها “المحور الشيعي” الذي تقوده من طهران إلى صور عبر “سلخ” الامتداد الجغرافي لهذا المحور و”قَطْعِه” في منطقة الأنبار العراقية… هذه الإيران تعارض الضربة العسكرية على”داعش” خوفاً من احتمال أن يكون إدراج سوريا في منطقة عمليات الضربة خدعة لضرب حليفها النظام السوري.

تركيا التي شكّلت المعبر البرّي المنظّم لكل مسلّحي المعارضة السورية منذ العام 2011 ولا سيما مسلّحي التنظيمات الإسلامية المتشدّدة والتي انطلقت من أراضيها الكتل البشرية الأساسية التي تشكّلت منها “داعش” والتقتْ “الواشنطن بوست”قبل أسابيع أحد قياديّي “داعش”على أراضيها معترفاً للمراسل في 12 آب المنصرم أن قياداتٍ كبيرةً في التنظيم لجأت إلى مستشفيات تركية بعد إصابتها في معارك، كما قال بالحرف الواحد ان معظم مقاتلي “داعش” جاؤوا عن طريق تركيا في بداية الحرب وكذلك المعدات العسكرية والعتاد… هذه التركيا ترفض المشاركة الرسمية في “التحالف الدولي” بل ترفض بعض مستويات التعاون معه بحجة وجود “الرهائن “الأتراك لدى “داعش” في الموصل مع أن معلوماتٍ من مطّلعين على سياسات “حزب العدالة والتنمية”ا لحاكم تقول أن المجموعة كانت قبل “احتجازها”بعثة أمنية بغطاء ديبلوماسي وانها لا تزال تمارس عملها بصورةٍ أو بأخرى.

الولايات المتحدة الأميركية التي شجّعت عملياً عسكرة الثورة السورية كانت تعرف منذ وقتٍ مبكر أن مركز الثقل الأساسي بين مسلّحي المعارضة السورية أصبح بيد الإسلاميّين المتطرّفين وكان قرارها السياسي هو التعاون مع هذه المجموعات.

المملكة العربية السعودية التي كانت تربطها علاقات مع “جبهة النصرة” وبعضٍ غيرها من التنظيمات السلفيّة هي اليوم الدولة التي ستدرِّب على أراضيها عناصر المعارضة المفترض أنها “معتدلة” وتلعب دوراً محوريّاً في التحالف الدولي… هذه السعودية هل كان يمكن لها أن تدخل وبحماس في هذا المحور الدولي من دون قطبة مخفية تتعلّق بإضعاف النظام السوري وبالتالي إيران؟

الحكومة العراقية التي تربطها علاقات راسخة وثابتة بإيران ووزير خارجيّتها الذي شارك في اجتماعي جدة وباريس هو قائد جناح أساسي في “حزب الدعوة” الشيعي الإسلامي الحاكم مثل رئيس الوزراء الذي جيء به من صفوف التنظيم الأساسي لـ”حزب الدعوة”… هذا العراق الشيعي (والكردي) الرسمي من المفترَض أنه صاحب المصلحة الأساسية في استئصال “داعش” إذا كان استئصالها يعني عودة السلطة إلى حكومة بغداد في المناطق السنّية. لكنْ هل من ضمان أن لا تؤدّي الضربة إلى صيغة استلام العشائر السنية برعاية أميركية ودور تركي يكرّس “معادلة داعش من دون داعش” أي مناطق سنّية تحت الإشراف التركي والسعودي بالتساوي مع الإشراف الإيراني على المناطق الشيعّية العراقية؟ ألا يصلح هذا الاحتمال ليكون سبباً إضافيا لعدم مشاركة إيران في عرسِ استئصال “داعش”، عرسٍ لا حصة لها في جبنته الأولية؟

من يخدع من؟

لا شك أن الغرب هو سيد اللعبة الداعشية التي تستعاد على الطريقة الأفغانيّة. الولايات المتحدة تُطلق زخم التيارات الإسلامية بدءاً من الاستقبال الشهير لقادة المجاهدين الأفغان في البيت الأبيض من قبل الرئيس رونالد ريغان في الثمانينات من القرن المنصرم، والولايات المتحدة المؤسِّسة للزخم الأصولي هي نفسها التي تقود اليوم، كما فعلت في أفغانستان ضد “طالبان”، الحرب على الإرهاب الأصولي. السعودية داعمة في الحالتين، مع فارق حذرها من النتائج، إيران مراقبة لـ”داعش” المعادية لها مثلما راقبت في التسعينات “طالبان” التي كادت تشن حرباً على الجمهورية الإسلاميّة عبر الحدود الأفغانيّة الإيرانيّة.

من يخدع من في الصراع مع خدعة تُسمّى “داعش”؟

خِدَعٌ في مسار يلعب بمصير ملايين البشر وبأشكال مختلفة، حتى ليمكن القول ان الفرق الأساسي بين اليوم ومرحلة “سايكس – بيكو” هو أنه آنذاك كانت القوى الغربية المنتصرة تتقاسم المنطقة ونفطها أما اليوم وبسبب الانحطاط المريع للقوى المحلية في ميزان القوى فإن المنطقة هي التي تتنافس على “اقتسام” القوى الغربية وتسليم “البلاد” لها!

النهار

 

 

 

سلحفاة الحرب على “داعش”/ راجح الخوري

ما هو عدد المؤتمرات التي يجب عقدها لترتيب التحالف الدولي والبدء عملياً بالحملة العسكرية على “داعش”؟

بعد مؤتمر جدة ومؤتمر باريس سيعقد مؤتمر ثالث على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويجب الا ننسى سلسلة جلسات الإستماع التي تعقد لإقناع الكونغرس بخطة الادارة الاميركية لتدريب وتسليح المعارضة السورية التي يفترض ان تقاتل “داعش” على الارض بالتوازي مع القصف الجوي.

ولكن ماذا يحصل من الموصل الى الرقّة في هذه الأثناء؟

تختفي “داعش”، تنزل تحت الأرض وتختلط بالسكان، اي انها تجعل المدن والقرى الكثيرة التي تسيطر عليها في العراق وسوريا دروعاً بشرية في مواجهة الطيران الاميركي، وهذا ما سيعقّد مسار الحرب للقضاء على الإرهابيين، إضافة الى ما قد يظهر من تعاطف مع هؤلاء نتيجة سقوط الأبرياء في القصف!

في ١٩ آب ذبح جيمس فولي وفي ٢ ايلول ذبح ستيفن سوتلوف. ومنذ ذلك الحين حُزّت رقاب البريطاني والجنود الللبنانيين الشهداء، وسط قرقعة طبول الحرب الدولية على الإرهابيين والإكباب على تنظيم الأدوار وتوزيع المهمات، لكأن الحرب ستشنّ على دولة بعينها لا على مجموعات من القتلة والمجرمين الذين يسيطرون بالرعب على جغرافيا بشرية واسعة، بما سيضع هؤلاء الجلاّدين وضحاياهم تحت النار. فالتقارير الواردة من الرقة مثلاً تتحدث عن ترحيل العائلات “الداعشية” وعن تمويه الأسلحة الثقيلة والإختفاء المتزايد لعناصر “داعش” منذ أعلن باراك اوباما قراره بضرب الارهاب.

في مؤتمر جدة تم الإتفاق على برنامج “درّب وسلّح” الذي ستدعمه السعودية بالتنسيق مع اميركا، وفي مؤتمر باريس وقف فرنسوا هولاند وقال ان المعركة ضد “الدولة الاسلامية” (بالأحرى التي تختطف الاسلام) هي معركة العالم كله وان لا وقت لتضييعه بهذا الشأن ويجب ان تكون مواجهة “داعش” اولوية، بينما طالب فؤاد معصوم بتدخل لوجستي سريع: “نحن في حاجة الى تدخل جوي وتغطية جوية ومن الضروري ان يتدخلوا بسرعة لأنه اذا تأخّر التدخل ربما تحتل “داعش” اراضي اخرى.

كان التدخل الجوي الاميركي قد بدأ في الموصل ووصل الإثنين الماضي الى تخوم بغداد. وباشر الفرنسيون طلعات استكشافية، ولكن التعامي الذي استمر عامين على ظهور “داعش” و”النصرة” ونمّوهما، لا يجوز ان يستمر شهراً وشهرين بعدما تبيّن حجم الوحش الذي تمكن من الإستيلاء على كميات هائلة من اسلحة الجيش العراقي الذي إنهار في نينوى وغيرها، لا لأنه ليس جيشاً مقاتلاً، بل لأن نوري المالكي أفرغه من دوره وعقيدته الوطنية!

يملك اوباما ما لم يحصل عليه جورج بوش لأن ٩١٪ من الاميركيين يعتبرون “داعش” خطراً عليهم، لكنه يواصل السير على بيض في حين تنزل “داعش” الى المخابئ!

النهار

 

 

 

 

اجتماع جدة.. والتحالف الدولي ضد “داعش”/ د. أحمد عبد الملك

انفضَّ سامرُ الاجتماع الوزاري الذي عُقد في جدة يوم الخميس 11/9/2014 لبحث موضوع الإرهاب وطرق مكافحته في المنطقة. وضم الاجتماع الوزاري وزراء خارجية كل من: الولايات المتحدة، دول مجلس التعاون، مصر، العراق، تركيا، الأردن، ولبنان. وأكد الاجتماع التزام الدول المشاركة بالعمل معاً على محاربة «داعش». وأكدت الدول العشر والولايات المتحدة أنها «تتشارك الالتزام بالوقوف متحدة ضد الخطر الذي يمثله الإرهاب على المنطقة والعالم، بما في ذلك ما يُعرف بـ(داعش)». رغم أن تركيا شاركت في الاجتماع، لكنها لم تقر بما جاء في البيان.

ويُستنتج من قراءة البيان أن الدول التي أصدرته قد صممت على شن حرب شاملة – وبآليات محددة – ضد «داعش» ومواجهة طرق تمويله، ومكافحة أيديولوجيته – التي تنم عن الكراهية – ووقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر الدول المجاورة، وضرورة إيصال الإرهابيين – الذين يقومون بعمليات لا إنسانية في العراق وسوريا – إلى القضاء.

اللافت للنظر أن روسيا ظلت في الدائرة الأخرى، مطالبة بضرورة وجود غطاء دولي – من مجلس الأمن – لأي تحرك عسكري ضد «داعش» على الأراضي السورية، ولكأن الإرهاب المُمارس في العراق له «ماركة» أخرى غير التي هي في سوريا؟! وهذا ما حدا بوزير الخارجية الأميركي (جون كيري) السخرية من هذا الموقف مُذّكراً بموقف روسيا مما جري في شرق أوكرانيا والقرم. معلوم أن روسيا تقف مع النظام السوري، وتعارض بشدة أي استخدام للقوة من الأطراف الدولية لزعزعة هذا النظام. ولقد تشكل تحالف مضاد للتحالف الغربي، بعد صدور تشكك روسي صيني إيراني تجاه خطة أوباما لمواجهة «داعش»، حيث صرح المتحدث باسم «الخارجية» الروسية (ألكسندر لوكاشفيتش) بأنه «من الضرورة محاربة هذا الشر، مع الالتزام الشديد بممارسات القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بشكل عام». كما قالت وزارة الخارجية الصينية: «وفي الوقت نفسه، نرى أنه وفي ظل المحاربة الدولية للإرهاب، يجب احترام القانون الدولي وسيادة واستقلال وسلامة أراضي الدول المعنية أيضاً». أما المتحدثة باسم «الخارجية» الإيرانية، فقد شككت في صدقية التحالف الدولي ضد الإرهاب، وقالت: بعض الدول – لم تسمها – تقوم بتقديم الدعم المالي لهذا التنظيم في العراق وسوريا، في حين يرغب آخرون في إحداث تغيرات سياسية في العراق وسوريا لخدمة مصالحهم الخاصة»؟!

والملاحظ أن تصريحات كيري بعد اجتماع جدة قد تناولت الإعلام، حيث طلب من السعودية ودول خليجية أخرى استخدام منافذ إعلامية لنشر رسائل مناهضة للتطرف، وضرورة الوصول إلى رجال الدين في الأحياء والمساجد لفضح أعمال «داعش»!

نحن نعتقد أن هناك إشكالية ستواجه هذا التحالف، وهذا يُذّكرنا بالمشهد العراقي عام 2003، حيث انشق العالم بين مؤيد ومعارض للإطاحة بالنظام العراقي، بما في ذلك بعض الدول العربية! وما يزيد الإشكالية أن تنظيم «داعش» سنيّ المذهب! وهذا بحد ذاته سيثير ردة فعل في الأوساط السُنية، ليس في العراق أو سوريا، بل في العالم الإسلامي ككل، خصوصاً بعد تداول مقولة إن التنظيم كان صناعة أجنبية وغير عربية! ويُقصد بذلك الغرب وإيران.

ولئن تم شن حرب على مواقع وجود عناصر التنظيم، فسيتأثر سكان هذه المواقع من المدنيين، وربما يسقط عدد كبير من الضحايا جراء الصواريخ والقنابل. وهذا سيثير ردة فعل عنيفة في الأوساط السُنية في البلاد الإسلامية، مهما كان الموقف من الإرهاب.

ومن ناحية أخرى، فإن «استغلال» الموقف – أي شن حرب على التنظيم – وزعزعة النظام السوري، وسط الفوضى التي يمكن أن تحدثها العمليات العسكرية الجامحة، فإن العالم سيُدين هذا التدخل العسكري على سوريا، ولسوف يتدخل مجلس الأمن – بناءً على طلب بعض الدول دائمة العضوية فيه – لمواجهة هذا التدخل، ولا ضمان أن تُحل الأمور بين ليلة وضحاها، ولنا أن نستحضر مكونات المشهد العراقي ومفاجآته منذ عام 2003 وحتى هذا اليوم.

كما أن الجيش السوري النظامي سيكون عرضة للاستهداف، كونه ينتشر على أراضٍ سورية شاسعة ويتواجه مع عناصر التنظيم، وهذا سوف «يُعقّد» المسألة أكثر.

إن دعوة كيري لاستخدام الإعلام أيضاً سوف يثير الرأي العام، خصوصاً إذا تحدثنا عن «المصداقية.. والرأي الآخر». إذ لا يجوز لأي وسيلة إعلامية ناجحة ومؤثرة أن تلجأ إلى أسلوب «الدعاية» وتتجاهل القيم الإعلامية المعروفة. كما أن هنالك وسائل إعلام أخرى قد تستغل «خلو» المشهد من أخبار وتغطيات عمليات التنظيم، وتقوم هي الأخرى بالنشر أو البث، ما يجهض جهود محاصرة التنظيم إعلامياً!

لم يخل اجتماع جدة من إحراجات في مواقف الدول المشاركة! حيث أشار وزير الخارجية المصري سامح شكري – خلال كلمته – إلى الموقف الأميركي تجاه مصر، فيما يتعلق بإرسال طائرات الأباتشي لمحاربة الإرهاب في سيناء! وقال: «ليس من المنطق في شيء أن نحشد مواردنا لهزيمة (داعش)، بينما تُحجب هذه الموارد عن مصر؛ وهي تخوض معركة ضد العدو المشترك ذاته على أراضيها».

وفي موقع آخر، تعهد الرئيس الأميركي بتعزيز قوة الجيش العراقي، وبرفع المساعدات العسكرية للمعارضة السورية المعتدلة في وجه «داعش». ويرى محللون أن المعارضة السورية لا تصدق – تماماً – الوعود الأميركية، وترفض الانضمام إلى التحالف ضد «داعش»، ما لم يعلن الأميركيون صراحة أنهم سيعملون على إسقاط الأسد!. ونقلت «العرب» اللندنية عن العقيد رياض الأسعد مؤسس «الجيش الحر» وقائده قوله «إن جيشه لن يتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في حربها المزمعة ضد (داعش)». وحصرَ التعاون معها بإسقاط نظام بشار الأسد. (العرب اللندنية – 12/9/2014).

من جانبها، أعلنت دمشق أن أي عمل على أراضيها من دون موافقتها أو تنسيق معها سيُعتبر اعتداءً!

الموقف الإيراني المؤيد لنظام الأسد في سوريا يعارض أي تدخل غربي في الأحداث بالمنطقة، وقد أشار رئيس السلطة القضائية (صادق أملي لاريجاني) إلى أن تنظيم «داعش» الإرهابي هو صنيعة الدول الاستكبارية، ووصف الضربات الأميركية – في العراق ضد التنظيم – بأنها مُريبة! وانتقد تردد الولايات المتحدة في القضاء على التنظيم منذ بداية ظهوره. هذا هو المشهد إذن اليوم، ولا نعلم ماذا سيكون عليه في الغد. ولكننا مع وقف جميع أشكال العنف والإرهاب في العالم، ومع دعم الدول التي تسعى لجعل هذا الكون مكاناً أرحب لعيش جميع البشر، ولكن «الشياطين» أيضاً لهم موقف في هذا الكون.

الاتحاد

 

 

 

الضربات في سوريا قد لا تكون مستعجلة ولكن هل تفتح الباب أمام مرحلة انتقالية؟/ روزانا بومنصف

في ايلول وتشرين الاول 2005 كانت الادارة الاميركية في حال احباط شديد من عدم قدرتها على وقف عبور المجاهدين من سوريا الى العراق. وكان الرئيس الاميركي حينئذ جورج دبليو بوش مستاء جدا من التحدي والاستخفاف من جانب النظام السوري، في ضوء اطلاعه على صور من الاقمار الاصطناعية تظهر عبور جهاديين بأعداد كبيرة الحدود السورية الى العراق ، فيما كانت القوات الاميركية التي احتلت العراق تحارب عناصر” القاعدة” هناك. وكان عبور الجهاديين يتم على بعد امتار قليلة من مراكز مراقبة عسكرية سورية، بما يفيد ان عبور هؤلاء كان يتم بمعرفة النظام وتغطيته.

وتروي مصادر ديبلوماسية معنية انه نتيجة لذلك بدأت مناقشات جدية من اجل البحث في سبل تغيير السلوك السوري الى درجة ان” مجلس الامن القومي في التوجه الرئاسي” بحث جديا في عمل عسكري داخل سوريا، انطلاقا من اعتقاد ان عدم القيام باي شيء لم يعد خيارا . حتى ان مساعد وزير الخارجية الاميركي في ذلك الوقت ديفيد ولش زار سرا المملكة العربية السعودية ومصر من اجل ابلاغ الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك بمدى الاحباط الذي تشعر به واشنطن من السلوك السوري، وبأن واشنطن لم يعد في امكانها تحمّل ذلك وانها على وشك القيام بعمل عسكري، كما محاولته تحذير بشار الاسد عبر الجهتين السعودية والمصرية. وتفيد معلومات المصادر المعنية انها توسلت العمل على تجنيب المنطقة ازمة كبيرة نتيجة لذلك.

تستعيد المصادر هذه المعلومات من اجل القول ان الاميركيين يعرفون جيدا تاريخ تطور الامور في العراق، وتاليا في سوريا . وان عدم القيام باي شيء لم يعد خيارا مع قرار مواجهة تنظيم “داعش”، بحيث لا يجوز ترك عناصره يهربون للجوء الى سوريا نظرا الى امكانهم العودة الى العراق بعد هدوء الحملة ضدهم، او لإمكانهم استخدام سوريا منطلقاً لهم الى المنطقة ككل.

لكن قد لا تكون الضربات الجوية على مراكز التنظيم في سوريا مستعجلة او في المدى القريب جدا كما قد يعتقد البعض. اذ ثمة استعدادات لوجستية وتقنية يجب انجازها، فيما لا نية لترك بشار الاسد يستفيد من الضربات الجوية ضد “داعش”، فضلا عن عدم الثقة به. وهذه الخلاصة، تقول المصادر، جزمت بها مراجع اقليمية رسمية رفيعة انطلاقا من ان الخطة غير مكتملة بالنسبة الى سوريا كما هي بالنسبة الى العراق، حيث بدأ التحضير لوسائل المواجهة السياسية عبر الدفع في اتجاه حكومة شاملة وجامعة وعبر تقديم ضمانات للعشائر السنية وللاكراد والتي لا مجال لنجاح الخطة في العراق من دونها. وتقول المصادر المعنية انه في موازاة التحول السياسي النسبي في العراق، حيث عاد الاميركيون اليه من الباب العريض بطلب من الحكومة العراقية نفسها وعدم اعتراض من ايران، وانشغالهم بتصحيح ما ارتكبوه لجهة ترك العراق تسيطر عليه الطائفة الشيعية باعتبارها الاكثرية هناك، فان الاكتفاء بتوجيه ضربات جوية “لتنظيم الدولة الاسلامية” في سوريا لن يكون كافيا . وهناك عملية سياسية سبق للرئيس الاميركي ان حددها بقوله قبل شهرين انه لا يمكن الاسد ان يحكم اكثرية سنية. كما ان الرئيس الاميركي كان واضحا في عدم التعاون مع النظام، وكذلك بالنسبة الى الدول الغربية، انطلاقا من ان استمرار بشار الاسد في السلطة هو احد مبررات جذب الجهاديين الى سوريا.

ولكن قبل سنة من الآن حفزت تهديدات اطلقها الرئيس الاميركي باراك اوباما بوجود ارادة للقيام عمليات عسكرية جوية ضد النظام السوري لاستخدامه الاسلحة الكيمائية ضد مواطنيه، على اتفاق التزم بموجبه النظام تسليم اسلحته الكيميائية كلها، وانقذ النظام السوري مجددا من ضربات عسكرية كانت ستنهكه، وربما كانت ستعجل في رحيله او تجعله يقبل بالتحاور مع المعارضة على اسس جنيف 1 في حين ان الوهم باعادة التعاون معه عبر اتفاق الكيميائي كشريك يمكن الركون اليه، دفعه الى الاستمرار في سلوكه من دون اي تجاوب او تعاون في شأن حل سلمي، مما اجهض مهمة الموفد الدولي الاخضر الابرهيمي في محاولته انجاح مؤتمر جنيف 2. ويرى النظام في عدم اشراكه في التحالف الدولي، لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، اقصاء نهائيا له، مع ما يعنيه ذلك من استحالة احتمال تأهيله او تعويمه مجددا، وخصوصا ان قرار تدريب المعارضة المعتدلة في حال اتخذ طريقه الى التنفيذ سيشكل عاملا ضاغطا تم تجنبه في العامين الاخيرين نتيجة عدم التزام تسليح المعارضة ودعمها جديا. اذ ان المسؤولين في سلطة الاسد يواصلون عروضهم من اجل اثبات اهلية النظام والدفاع عن ضرورة استمراريته. وهذا الامر قد يفتح الباب على تساؤلات، عما اذا كان يمكن الاستفادة من ذلك من اجل اطلاق عملية سياسية جدية لا بد منها من اجل مواكبة العمليات العسكرية ضد “داعش”، وصولاً الى مرحلة انتقالية كان رفضها النظام حتى الآن، وخصوصا ان ثمة متغيرات يعتد بها، ان في ما يتصل بروسيا المتخبطة في موضوع اوكرانيا، او في ما يتصل بايران وتحديد خسائرها في العراق، على رغم استمرارهما على مواقفهما الداعمة للاسد، او ايضا في ما يتصل بالواقع الميداني لجهة بروز عجز الاسد عن امكان نقل سوريا الى الاستقرار.

النهار

 

 

الخليج: «داعش» مقابل إيران!/ راغدة درغام

الحديث الخليجي – الخليجي حول التحديات التي يشكلها تنظيم «داعش» والتحالفات التي تُصاغ لتدميره، يشير إلى تفاوت ملفت بين مواقف القيادات الرسمية وبين مشاعر القاعدة الشعبية. هناك انفصام يطوّق ما يريده الخليجيون من الولايات المتحدة، وهم يتشاجرون حول ما تريده واشنطن منهم.

الملفت – والصحي بالتأكيد – هو الصراحة المفاجئة في التعبير عن الاختلافات الجذرية على نسق تصنيف حكومات خليجية تهديدَ «داعش» بأنه «تهديد لنا في شكل وجودي» وبين تعاطف نسبة شعبية عالية مع «داعش» ودوافعه واعتباره ضرورياً في موازين القوى وموازين الرعب. جزء من الخليجيين يقول إن الإسلام بريء من «داعش» ولا علاقة لـ «داعش» بالإسلام. جزء آخر يعتبره الإسلام النقي الذي تحدث عن المسيحيين بلغة إما يُسلِمون أو يُقتلون أو يُهجَّرون، وبالتالي، لا ينظر هذا الجزء من المجتمع الخليجي إلى «داعش» وممارساته من منظار الإرهاب – وهذا أكثر شيوعاً في المجتمع السعودي مما هو في المجتمعات الخليجية الأخرى. العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز أوضح أن الأولوية يجب أن تكون لمحاربة الإرهاب إذا أتى على أيادي «داعش» أو غيره ممن يشابهه. في المقابل يوجد شطر مهم من المجتمع السعودي – بما فيه داخل مؤسسات – ينفض صفة الإرهاب عن «داعش» ويعتبره أداة ضرورية في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وطموحاتها الإقليمية، بالذات الحرب في سورية – ووسيلة عقابية انتقامية من إقصاء الشيعة السُنّةَ في العراق.

هذا السباق بين المبدأين والمسارين ينعكس بصورة مباشرة على تقويم الرئيس باراك أوباما وغاياته من حربه المعلنة على «داعش» وسط افتقاد الثقة بأوباما والتشكيك المستمر في ما إذا كان عزمه جدياً هذه المرة أو جاهزاً للتراجع.

لعل الجميع في منطقة الخليج والشرق الأوسط وفي العواصم الغربية والشرقية يعض أصابعه قلقاً من وطأة «داعش» عليه بصورة أو بأخرى. فتهديدات «داعش» شمولية فيما حكومات كثير من الدول تتمسك بسياسات انتقائية. كثير من صنّاع القرارات يكابر أو يغامر وسط انقسامات سياسية جذرية. إنما لن يكون في الإمكان شن حرب جدية ضد «داعش» عبر عمليات عسكرية حصراً لأن الشق السياسي هو وحده القادر على الحشد الضروري للتعبئة الشعبية ضد «داعش». وهذا يتطلب سياسات جديدة نوعياً لجميع الدول المعنية من واشنطن إلى موسكو إلى بكين إلى طهران، إلى العواصم الخليجية ثم العراق وسورية.

الأسبوع المقبل، وفي مجلس الأمن سيترأس الرئيس باراك أوباما جلسة تركز جزئياً على المقاتلين الأجانب في سورية.

ظاهرياً، وكخطوة أولى، سيكون المتطوعون في صفوف «داعش» و «جبهة النصرة» وما يشابهمها في الطليعة وستتوجه الأنظار إلى المقاتلين الغربيين في صفوف الإرهاب التي في سورية.

لكن في ذهن الإدارة الأميركية، حسب ما أكد وزير الأمن الوطني الأميركي جيه جونسون أمام «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك، ان «حزب الله» هو أيضاً فيه المقاتلين الأجانب. وليس مستبعداً أن يكون في ذهن هذه الدائرة عناصر في «الحرس الثوري» الإيراني التي تعمل في سورية.

لن يتمكن الرئيس أوباما من استصدار قرار من مجلس الأمن يعطيه صلاحية توجيه ضربات عسكرية ضد «داعش» داخل سورية، لأن روسيا والصين تريدان بشار الأسد وإيران عضوان في التحالف ضد “داعش”، وتقولا أن بلا صلاحية في الحكومة السورية فإن هذا انتهاك للسيادة. كلاهما استخدم الفيتو المزدوجة تكراراً، وهو جاهز لها مجدداً.

سفير الصين لدى المملكة العربية السعودية لي تشنغ ون تمسك بمبدأ السيادة فوق كل اعتبار حتى وإن أدى استثناء الأسد عن التحالف إلى عدم توجيه أية ضربة عسكرية ضد «داعش» وغيرها من المنظمات التي تخشى امتداد عقيدتها إلى المسلمين في الصين وعددهم 20 مليوناً.

ماذا سيفعل باراك أوباما؟ هذا السؤال الذي يطرحه الجميع. ماذا سيفعل في العراق؟ وماذا سيفعل في سورية؟ ماذا لديه إزاء الممانعة الروسية الإيرانية؟ كيف سـيشن حرباً تحتاج سنّة العراق جندياً فيها.

يطالب بالوضوح «قبل» وليس «بعد» العمل العسكري؟ وكيف سيطمئن شركاءه في التحالف بأنه حقاً جدياً في سورية؟

قد يقرر الرئيس الأميركي أن هذه ليست حربه في نهاية المطاف والأفضل له العودة إلى بلاده لتحصينها ، فالإرهاب آتٍ إليه ويدع «داعش» يعصف بالجميع حوله لينتحر أو يُنحر في النهاية. فهذا لربما ما يختاره إذا بدا واضحاً له هذه «حرب أوباما» بلا جميل بل بمكابرة من جميع الذين يريدون له أن يقوم بحروبهم بالنيابة.

المكابرة والمزايدة ما زالتا سيدتي الساحة ليس فقط لدى إيران وروسيا اللتين تملكان مفاتيح الحلول السياسية في سورية وتمتلكان أيضاً إرث انهيارها إلى الحضيض. فالبعض في العراق أيضاً ينطلق من المكابرة والمزايدة وهو يلوّح بـ «داعش» راية انتصار له ويطالب بثمن تخليه عنه.

فكثير من سُنّة العراق وسُنّة الخليج يعتبر «داعش» الرصاصة في بندقيته الموجّهة صوب التطرف الشيعي لرد الاعتبار. وهو ليس مستعداً للتنديد بـ «داعش» أو للالتحاق بالمعركة ضده لأنه الرصاصة التي تضمن استعادة حقوقه المنقوصة. وطالما ليس لديه ضمانات باستعادة المكانة وإيقاف الإقصاء قطعاً، سيكابر حتى لو كان في المكابرة مغامرة.

يعرف هذا البعض أن الحرب الأميركية على «داعش» تحتاجه قطعاً جندياً على الأرض فيها وهو ليس مستعداً أبداً لهذه الحرب إذا كانت أهدافها غامضة أو رمادية أو غائمة أو بلا استراتيجية جديّة. يقول إنه غُدِر على الأيادي الأميركية في السابق أكثر من مرة، آخرها بعدما انتفضت القبائل العراقية في «صحوات» ضد «القاعدة» ثم وجدت نفسها ضحية الإقصاء والاستفزاز والتحقير على أيادي حكومة نوري المالكي الطائفية المدعومة إيرانياً والمباركة أميركياً. فطعم الغدر والخيانة تحت لسان هذا البعض وهو يخشى السيرة والتركة الأميركية المعهودة وقوامها الاستغناء عن الشركاء بعد إتمام الحاجة.

هذا الأسبوع، عُقِد في الرياض مؤتمر استثنائي تميّز بالمصارحة العلنية وطرح التحديات بشفافية أقامه «معهد الدراسات الديبلوماسية» التابع لوزارة الخارجية السعودية ويرأسه الدكتور عبدالكريم بن حمود الدخيل و «مركز الخليج للأبحاث» الذي يترأسه الدكتور عبدالعزيز بن صقر. تحدثت في المؤتمر نخبة سياسية وأكاديمية وتخلله جلسات خاصة طافت فيها الصراحة وبدا واضحاً التباين في المواقف الخليجية من التحالف الذي يُصنَع ضد «داعش» ودور الولايات المتحدة فيه.

أحد المشاركين السعوديين قال في الجلسة الخاصة، إن هذه معركة أميركية أخرى لمصلحة الشيعة وطالب الرئيس الأميركي بعدم استخدام السُنَّة ذخيرة فيها، وقال: «خذ تحالفك وارحل، ولا تدّعي أن المعركة ضد داعش من أجلنا ولمصلحتنا. ارحل».

«لا يمكن السُنَّة أن يقدموا دماءهم مجاناً» – أعلن عضو مجلس النواب – أمين عام مجتمع المستقبل الوطني العراقي الدكتور ظافر بن ناظم العاني من المنصة من أجل «ترسيخ سلطة طائفية جديدة». تحدث عن «الإذلال الطائفي» و «اجتثاث السُنَّة» وقال إن «الحرس الثوري الإيراني ليس أقل سوءاً من داعش».

في الوقت نفسه تحدث عن «أمل ملموس» عبر حكومة حيدر العبادي بعد إزاحة نوري المالكي وقال إن «دحر الإرهاب مهم لنا، إنما لمصلحة مَن؟»، وشدد على ضرورة «إحساس العرب السُنّة بمواطنتهم» وشدّد على أنه «لا بد من أن يرى العرب السُنَّة أن التغيير بدأ فعلاً»، إذا كان لهم أن يشاركوا في الحرب الدولية على الإرهاب» التي «لا يمكن كسبها إلا عبر كسب المحليين على الأرض». فـ «المقاتلون الحقيقيون لدحر الإرهاب هم العرب السُنَّة».

العاني نقل من حيدر العبادي رسالة إلى المؤتمر في الرياض، وإلى المملكة العربية السعودية تحديداً وهي: الرجاء من السعودية طي صفحة الماضي. أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف راشد الزياني قال إنه لا بد من «إيجاد صيغة لإدارة العلاقات مع إيران» – وكان يتحدث عن العراق خصيصاً. قال إن المسؤولية «جماعية» وإنه من «الضرورة وجود استراتيجية شاملة تشمل الأطراف كافة والمجالات كافة والبنى الزمنية كافة» الآنية واللاحقة «ولا بد من التنسيق والتواصل» بين الجميع.

القيادات إذاً، تحاول احتواء المشاعر المتطرّفة واستباقها، وهي تشدد على إيجاد وسائل التفاهم، وليس المواجهة عبر الرصاصة «الداعشية» في بندقية رد الاعتبار.

تدرك القـــــيادات الخـــليجية أن «داعش» وحش سلطة يتمتع ببـــيئة حاضــنة جاهـــزة للانتــقام حتى وهي تطبّق المثل الــقائل إنها «تقـــطع أنفها انتقاماً من وجهها». فـ «داعش» يريد تدمـــير الدول لإقـــامة دولته عبر الحدود. وهذا حاضر جداً في أذهان الحكومات الخلــيجية التي قررت أن الوقت حان لها لأخذ هذا التهديد على محمل الجد، وأن تضع أولوية مكافحة الإرهاب على حساب أولوية الانتقام لرد الاعتبار.

الجميع يدرك ويعترف بأن «داعش» غيَّر المعادلات مع إيران على الأرض عراقياً، وأن «داعش» هو الكفة الأخرى في ميزان الرعب في سورية يبطش مقابل البطش ويغير موازين القوى على الأرض. لكن البعض يدرك أنه سيرتد على الكل. قد يشكّل «داعش» الخطر الأكبر على إيران في الموازين الطائفية السنّية – الشيعية، لكنه حتى لو حطّم طموحات الهيمنة الإيرانية الإقليمية وتوغلها في الأراضي العربية، فإن المستقبل العربي لن يكون بخير في ظلاله لأن هوية «داعش» إقصائية وتدميرية وطائفية وهمجية.

وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية، الدكتور أنور محمد قرقاش، قال إن «الإسلام السياسي المتطرف تحدٍّ رئيسي يشل مسيرة المنطقة نحو التقدم».

الحياة

 

 

أوراق موسكو وطهران ضد التحالف الدولي/ وليد شقير

يدور اللغط لدى المحللين حول الانعكاسات السلبية لاستبعاد كل من روسيا وإيران عن التحالف الدولي لضرب «داعش» في العراق وسورية، لا سيما الأخيرة.

فالتقديرات في شأن ما يسمى «ثغرة» استبعادهما في هذه الحرب، تبدأ من توقع أن تلجأ موسكو وطهران إلى سياسة متشددة في الإقليم إزاء ما يعنيه هذا الاستبعاد من تجاهل لأوراقهما الكثيرة في المنطقة، ولاستضعاف كل منهما، الأولى نتيجة وقوعها في فخ التدخل في أوكرانيا وما استجلبه من عقوبات غربية عليها، والثانية نظراً إلى فشلها في إدارة الوضع في العراق، الذي قاد إلى احتلال «داعش» مناطق قطعت طريق التواصل بين مكونين أساسيين مما يسمى هلال النفوذ الإيراني، أي بين العراق وسورية، وهو ما أوجب عليها تقديم تنازلات لمصلحة مقدار من الشراكة في الحكم ببلاد الرافدين.

لكن التعمق بطريقة تشكيل التحالف الدولي وتوزيع الأدوار بين دوله في الحرب على «داعش» يستدعي الملاحظة أن هذا الاستبعاد يتناول خطة ضرب «داعش» في سورية ولا يشمل العراق، حيث هناك تقاطع دولي على تنفيذ المهمة مهما اختلفت الأساليب أو ارتفع صوتا كل من موسكو وطهران ضد خطة ضرب «داعش» من دون صدور قرار عن مجلس الأمن أو من دون التنسيق المباشر مع كل منهما. فروسيا ليس لديها ما تخسره إذا نُفذت خطة طرد «داعش» من المناطق التي احتلتها شمال العراق، بل إن موسكو نصف شريك في ذلك، طالما أن واشنطن تقوم بهذا العمل بناء على طلب الحكومة العراقية، وتستند إلى القرار الدولي 2170. وإيران تتشارك مع أميركا ودول الغرب في تسليح «البيشمركة»، وفي إعادة تأهيـــل الجــــيش العراقي لتنـــفيذ المهمة، ولو أنها تطمح إلى استيعاب الخسارة التي تعرضـــت لها بفعل اضــطرارها للتخلي عن نوري المالكي لمصلحة بداية شراكة جديدة في حكم بغداد فتحت الباب على عودة الشراكة العربية في العراق بدل التفرد الإيراني.

يمكن القول إن هناك نصف استبعاد لموسكو وطهران في الحرب على «داعش»، فاعتراضهما يتناول خطة ضرب «داعش» في سورية، لاستبعادها التعاون مع النظام السوري أسوة بالتعاون مع «نظام» بغداد. وإذا كانتا تملكان أوراقاً في وجه هذا الاستبعاد، فهي تبدأ بمواصلة دعمهما بشار الأسد وقواته، لكنهما لن تتخطيا الذروة التي بلغها هذا الدعم حتى الآن والذي لم يفلح سوى بالحؤول دون سقوطه، ولم ينجح في انتزاع الاعتراف به. أما الأوراق الأخرى، فهي الرد بالتصعيد الحاصل في اليمن والذي تجد دول الخليج ومعها المجتمع الدولي وسائل لمواجهته. ثم تملك طهران ورقة التشدد في مواجهة الاستبعاد في لبنان، استتباعاً لتشددها في سورية، فتزيد من تهديد وضعه الأمني بدفع «داعش» إلى أراضيه وتطيل أمد الشغور الرئاسي فيه… إلخ.

هل يغيّر كل هذه الأوراق من واقع المواجهة الحاصلة على أرض سورية منذ أكثر من 3 سنوات و7 أشهر؟

وإذا كان المنطق يفترض التسليم بأن قضاء التحالف الدولي على «داعش» في سورية يكون ناجحاً أكثر وسريعاً أكثر في حال التعاون مع روسيا وإيران، فهل من المنطق أن يسلّم معظم دول العالم بأن يتم تجيير ضرب «داعش» لمصلحة النظام السوري وبقائه، وإلا وجب ترك «الدولة الإسلامية» في سورية على حالها والاكتفاء بضربها في العراق؟

واستطراداً، هل إن من أوراق موسكو وطهران، رداً على استبعادهما في هذه العملية، استخدام «داعش» أو ما يشبهه في وجه دول التحالف، لإفشاله؟

سبق للنظام السوري أن استخدم «داعش»، ونجح جزئياً في ذلك، مدعوماً من موسكو وطهران، إلى أن وصلت الأمور الى ما وصلت إليه في العراق في حزيران (يونيو) الماضي، من تهديد لإيران نفسها، وبات على الأخيرة أن تقتنع بأن مقولة «إيران تتخذ القرارات في المنطقة»، كما جاء على لسان قائد «الباسيج»، علي رضا نقدي، هي وهم.

الحياة

 

 

 

لا مناص من حرب أخرى… على روسيا وإيران!/ محمد مشموشي

سيكون على التحالف الدولي – العربي للحرب على ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أن يشن حرباً أخرى موازية، سياسية وديبلوماسية ومالية واقتصادية، ضد روسيا وإيران ونظام بشار الأسد في سورية، كي ينجح في اجتثاث هذا التنظيم وإنهاء خطره على المنطقة والعالم. سيكون ذلك مطلوباً، وربما ضرورياً، ليس فقط لأن الأطراف الثلاثة تعارض التحالف أولاً وتقف تالياً ضد الحرب على «داعش»، انما لأنها تتحمل مسؤولية خاصة عن نشوء هذا التنظيم في الأساس ثم عن تمكينه، عفواً أو بقرار عن سابق تصور وتصميم، من احتلال ما يربو على ثلث الأراضي السورية والعراقية فضلاً عن إقامة «الخلافة» فيها.

أكثر من ذلك، فقد تذكرت موسكو وطهران ودمشق فجأة، وفقط بعد إعلان قيام التحالف، ما تسميه «سيادة الدول» وضرورة احترامها إذا ما رأت دول أخرى (هي هنا تحالف من أربعين دولة) توجيه ضربات عسكرية لمواقع إرهابية، بل ولـ «دولة» إرهابية كاملة الصفات، مقامة على أراضي دولتين اثنتين تجاهلاً لتلك «السيادة» وتنكراً لها وغصباً عنها.

قبل إعلان قيام التحالف، لم تكن العواصم الثلاث معنية لا من قريب ولا من بعيد، بـ «سيادة» دولة سورية أو «سيادة» دولة العراق، على رغم احتلال أجزاء من أراضيهما وإعلان «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عليهما، بينما كان الثلاثي لا يدعم سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً ومالياً فقط، بل «يقاتل» على الأرض، وعلى مدى سنوات، دفاعاً عن النظامين في بغداد ودمشق.

لكن الدول الثلاث لا تنكر، علناً على الأقل، أن «داعش» و»جبهة النصرة» تنظيمان إرهابيان، وأن خطرهما لا يقف عند حدود العراق وسورية بل يتجاوزهما إلى روسيا وإيران وبقية دول المنطقة والعالم. وقد عبرت عن موقفها هذا علناً، حتى وهي تعلن رفضها قيام التحالف والحرب التي يتجه لشنها على التنظيمين. ولا تقول الدول الثلاث بذلك سوى واحد من اثنين: إما أنها هي نفسها دول إرهابية، وإن يكن من نوع آخر لا يتغطى بالإسلام كما هي حال «داعش» و»النصرة»، أو أنها تريد أن تستخدم ارهاب التنظيمين (كما فعلت حتى الآن) لتبرير بقاء النظامين في بغداد ودمشق… وحتى أن تستغل التحالف وحربه على الإرهاب لهذه الغاية. أو ليس هذا هو المعنى الحقيقي لمطالبة الدول الثلاث باشتراك النظام السوري في التحالف، أو أقله التنسيق معه، وترحيبها في الوقت ذاته بدعوة النظام العراقي (أيام حكومة نوري المالكي) الولايات المتحدة لمساعدته على التخلص من «داعش» وإنهاء احتلاله أجزاء من العراق؟.

واقع الحال أن «لعبة الدول» هذه لا تقف عند هذا الحد. فلم يعد من قبيل التخمين أن روسيا وإيران وسورية عملت، منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003، على انشاء ما كانت تسميه «المقاومة للاحتلال الأميركي» وتزويدها المال والسلاح والمقاتلين من الداخل والخارج. كانت حدود العراق البرية مع ايران وسورية مفتوحة عن آخرها لدخول المسلحين من «القاعدة» وأخواتها، بينما كانت أجواء الدول الثلاث تعج بالطائرات الروسية ناقلة الأسلحة والأعتدة لقوات النظامين ولـ «المقاومين» في وقت واحد. في تلك الفترة ولد ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» (أضيفت اليه لاحقاً الشام ليصبح «داعش») كما أنشئت فصائل «أبو الفضل العباس» و»عصائب الحق» و»جيش المهدي» الخ… تجسيداً لمقاومة الاحتلال الأميركي من ناحية، وتساوقاً بعد ذلك مع ما بدأ نظام الأسد يردده عن «الحرب الكونية» ضد سورية من ناحية ثانية.

وعملياً، تحت هذا العنوان نجحت روسيا وإيران في إقامة نظام حكم – «ألعوبة» في يدهما في كل من دمشق وبغداد… نظام هزيل بحيث يدرك بالملموس أن بقاءه رهن الدعم الذي يحظى به منهما، وطيّع بشكل غير مسبوق في العلاقات بين الدول (مثال تخلي الأسد عن السلاح الكيماوي بأمر من موسكو وتخلي المالكي عن الحكم بأمر من طهران).

وفي سياقه، يصعب تخيل القبول بتغير هذا الوضع المثالي بالنسبة إلى من يحلم بلقب «إمبراطور» في الاتحاد الروسي، ولا كذلك بالنسبة إلى من يعتبر نفسه في إيران «الولي الفقيه» على كل من ينتمي إلى الطائفة الشيعية في العالم. ومن أجله، ستحاول الدولتان بكل ما أوتيتا من قوة ونفوذ إبقاء الوضع على حاله، حتى لو كانت نتيجة محاولتهما تكريس سلطة «داعش» على أجزاء من العراق وسورية، وتالياً تقسيم البلدين بينه وبين النظام – «الألعوبة» في كل منهما.

موقف الدولتين من التحالف، ثم من الحرب على «داعش» نفسها، لا يفيد بغير هذا الاحتمال وإن لم تكن أي منهما تشير إليه إلا تلميحاً في هذه المرحلة. وليست موافقتهما على العمليات العسكرية في العراق ومطالبتهما بإشراك نظام الأسد فيها في سورية، ودائماً تحت شعار رفض التحالف والتحفظ على الحرب، سوى الغشاوة التي تغطيان بها وجهيهما وما تضمرانه لمستقبل هذين البلدين: تجيير الحرب على «داعش» لمصلحة بقاء النظامين، وليس أي شيء آخر.

هل يمكن تصور أن يكون مآل من هذا النوع هو غاية الحرب على «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة؟.

إذا كان للحرب على «داعش» أن تنجح، ليس في ضرب هذا التنظيم فقط، إنما في اجتثاث الإرهاب في العراق وسورية والمنطقة كلها، فلا بد من أن ترافقها حرب أخرى موازية… سياسية واقتصادية ومالية، على النظامين الحاكمين في روسيا وإيران.

ويبدو أنه قد لا تكفي في هذا المجال، لا العقوبات الحالية المتصلة بالوضع في أوكرانيا، ولا حتى الشروط المفروضة حول الملف النووي الإيراني.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

الحرب سالكة جواً معقدة براً ؟/ راجح الخوري

أقفل باراك اوباما شقّ الباب الذي كان مارتن ديمبسي قد فتحه موحياً انه قد يوصي بإرسال قوات اميركية لقتال “داعش” في العراق بقوله: “لن نذهب الى حرب جديدة في العراق”. هذا يعني ان وظيفة التحالف الدولي ستقتصر على القصف الجوي لمواقع الارهابيين في العراق وسوريا، وان القتال الميداني سيكون من واجب العراقيين وفي اطار استعادة وحدتهم الوطنية، ومن واجب المعارضة السورية بعد دعمها تدريباً وتسليحاً!

وهكذا تبدو المهمات الجوية أسهل بكثير من المهمات الأرضية، فقياساً على ما تتطلبه عملية تنظيم صفوف المكونات العراقية، التي لم تتمكن مثلاً حتى الآن من تسمية وزيري الدفاع والداخلية في الحكومة الجديدة، وقياساً على ما تحتاج اليه المعارضة السورية المعتدلة من وقت لتنظيم صفوفها وتدريبهم وحشدها، يصبح من المفهوم لماذا تحدث اوباما عن سنتين او ثلاث سنوات لدحر “داعش” .

في العراق ليس واضحا اذا كان حيدر العبادي تعلّم او سيُسمح له بأن يتعلّم من أخطاء سلفه نوري المالكي التي أدت الى الانهيار المريع للجيش امام الإرهابيين، لكن فؤاد معصوم الذي يعرف هذه الحقائق كما يعرف ان التحالف الدولي لن يستمر اذا استمرت الانقسامات بين العراقيين سارع الى ابلاغ السفراء الاوروبيين بأنه والحكومة الجديدة متجهان الى مصالحة جذرية توحّد العراقيين لمواجهة “داعش” !

هنا يبرز دور “الصحوات” من مقاتلي القبائل السنّية الذين هزموا “القاعدة” عام ٢٠٠٨، والذين قالوا انهم يستطيعون تجنيد ٥٠ ألفاً ويتحمسون لقتال “داعش”، لكنهم يتساءلون عما اذا كان حيدر العبادي لن يكرر ما فعله المالكي الذي سبق ان قمعهم ونكّل بهم حتى بعدما ضربوا “القاعدة”، لكن العبادي أكّد أمس لوفد من الأنبار تمسكه بمصالحة وطنية حقيقية .

تحتاج عملية إحياء “الصحوات” وإسقاط الشكوك وإعادة بناء الثقة الى وقت ليس بالقصير، وهذا يرجّح الاحتمالات بأن المعركة ستستمر زمناً طويلاً، ولأن الانتصار الحقيقي على الارهابيين خاطفي الاسلام يتعدى هزيمتهم في الميدان الى استئصالهم في الفكر والممارسة، لم يبالغ الأمير سعود الفيصل عندما تحدث عن الحاجة الى هيكلية تمتد عشر سنوات لإلحاق الهزيمة الناجزة التي تجتثّهم من الجذور .

في سوريا يبدو الوضع اكثر تعقيداً، اولاً لأن جون كيري أعلن ان لا حل هناك غير الحل السياسي (!) من دون ان يحدد أطراف هذا الحل، خصوصاً بعدما قال ان واشنطن (حرام) فوجئت بأن نظام الأسد كان حاضناً للجماعات الإرهابية، وثانياً لأن المعارضة السورية التي ستقاتل “داعش” عليها ان تقاتل النظام ايضاً، وثالثاً لأن عملية ترميمها وتدريبها وتسليحها تحتاج الى الكثير من الوقت، وهذا ما يؤكّد مرة جديدة ان هزيمة الإرهابيين ليست مسألة معركة بل قضية حرب منهجية طويلة .

النهار

 

 

 

للقضاء على داعش لا بد من استئصال الدواعش الطائفية الأخرى/ د. عبد الحميد صيام

■ تعمل الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام على بناء تحالف دولي واسع لإنهاك ومن ثم استئصال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف باسم «داعش»، رغم أن التنظيم يطلق على نفسه الدولة الإسلامية. ومع أن الكثيرين يشككون في نوايا الولايات المتحدة التي تكيل بمكيالين ولا تتحرك إلا إذا وصل لهيب الحرائق إلى أصابعها، إلا أن التنظيم ليس له أصدقاء ولا حاضنة شعبية تقيه من الاستئصال ولا قنوات خارجية ترفده بالمال والرجال إذا ما حوصر وسدت جميع الطرق من حوله، ولا يملك أيديولوجية سمحة تفتح الأبواب على مصاريعها للمدافعين عنه والمشفقين عليه. لكن الذي يثير الشك أكبر في الحملة الأمريكية، سكوتها الطويل على الميليشيات الشيعية التي أحكمت سيطرتها على العراق، خاصة أيام المالكي، وراحت تلاحق معارضية وتقتلهم وتهجر الأحياء وتضطهد الكتاب والصحافيين والرسامين والفنانين وناشطي حقوق الإنسان والمعارضة السلمية. لقد أعادوا إنتاج الخطاب الطائفي الذي يدعون أنهم ثاروا عليه وأحيوا نعرات قديمة تعود إلى أكثر من 14 قرنا، تبريرا لما يمارسونه اليوم. لقد أثاروا قبل سقوط النظام على أيدي الغزاة الأمريكيين، قضية اضطهاد النظام للمكون الشيعي الذي يزيد عن نصف سكان البلاد.

شتتهم النظام وأذاقهم جرعات كبيرة من الظلم أكثر من أي مكون آخر من أبناء العراق، فلجأوا إلى إيران وحملوا السلاح ضده، إلى أن لاحت الفرصة فعادوا بسلاحهم وأيديولوجياتهم المغرقة في تعصبها. فما الذي يبرر وجودهم بعد تغير الأيدي وتسلم السلطة للغالبية العددية، مفترضين أن الانتخابات التي عقدت تحت هيمنة المحتل الأمريكي كانت عادلة ونزيهة وإن كنا نشك في ذلك؟ إن من بين الأسباب التي كانت وراء تمدد حركة «داعش» وانتشارها بسرعة، خاصة في المناطق السنية، الخوف من «الدواعش الشيعية» التي أمعنت ظلما وقهرا وقتلا في جزء أصيل من أبناء العراق، لدرجة أن الخلاص منها كان يبرر لهم التحالف مع الشيطان حتى لو كان من نوع «داعش». فإذا لم تجتث تلك «الدواعش الشيعية» مزامنة مع الحرب على «داعش» السنية فسيتم إعادة إنتاج المشهد مرة أخرى تحت مسميات وتحالفات جديدة وأسلحة مختلفة، وربما في أكثر من منطقة أو بلد أو إقليم.

الميليشيات الطائفية في العراق

تختلف الروايات على عدد الميليشيات الطائفية في العراق والمنتمية للشيعة. يرتفع العدد عند البعض إلى أكثر من 30 مجموعة، وقد ينزل إلى ما دون ذلك بكثير. لكن المجموعات المتفق عليها التي لا يختلف على قوتها هي أربعة، «عصائب أهل الحق، وفيلق بدر الذي أصبح منظمة بدر، وكتائب حزب الله وكتائب أبو الفضل العباس» الذي نقل كثيرا من نشاطه إلى سوريا بحجة حماية المقامات المقدسة. وكي لا يطول المقال سنقصر حديثنا على العصائب والفليق كعينة فقط عن «الدواعش الشيعية» التي ساهمت في إنتاج «داعش» السنية.

عصائب أهل الحق

من أغرب الأمور أن عصائب أهل الحق التي كانت فيما مضى تستهدف الأمريكيين، تصطف الآن إلى جانبهم في الحرب على «داعش». لقد تلقت العصائب دعما إيرانيا طوال عقد من الزمان، خاصة خلال سنوات حكم نوري المالكي الذي تبنى العصائب ودعمها وأطلق يدها، حتى أصبحت الميليشيا الأكثر عدة وعددا. وقد استهدفت المناطق السنية والناشطين، كما يقول تقرير مفصل صدر عن «منظمة رقابة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش). يقول التقرير إن المنظمة وثقت مقتل 61 سنيا بين 1 حزيران/يونيو و 9 تموز/يوليو 2014. كما قتلت العصائب 48 سنيا خلال شهري آذار/مارس و ونيسان /أبريل في قرى قريبة من بغداد تدعى «حزام بغداد». ويؤكد التقرير أن حكومة المالكي التي رعت العصائب استخدمتها كي تغسل يديها من المذابح الصغيرة التي كانت تشنها تحت مبرر أن هذه أعمال ميليشيات لا دخل للحكومة فيها. وقد اقتبس التقرير كلام مسؤول حكومي يقول «إن العصائب تتلقى أوامرها من قائدها قيس الخزعلي، الذي انشق عن جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر عندما اشتبك الجيش مع القوات الأمريكية في الحلة عام 2004. وأنشأ الخزعلي العصائب عام 2006 واستقلت تماما عن جيش المهدي حتى بعد المصالحة بين الصدر والخزعلي عام 2005.

تتسم عمليات المجموعة بالرعونة والدموية وشبه العلنية، خاصة في بغداد وديالى. ويوثق التقريرعمليات جرت خلال شهري 6 و 7 حيث قامت مجموعات من العصائب بلباس مدني بدخول أحياء منها، الزعفرانية والبياع والغزالية واقتادوا شبابا جميعم من أهل السنة ووجدت جثثهم ملقاة بعد عدة ساعات وقد أعدموا جميعا بطلقات في الرأس. وفي يونيو دخل اثنان إلى مقهى شعبي مشهور في حي الشعب بلباس مدني وأعدما صاحبي المقهى السنيين أمام زبائن المقهى وعلى بعد عشرة أمتار من حاجز عسكري. وفي 7 تموز/يوليو وجدت 53 جثة شمال مدينة الحلة لرجال مقيدي الأيدي تم إعدامهم جماعيا بطلقات في مؤخرة الرأس. وإلى جانب الجثث وجدت رسالة من العصائب تتبنى المسؤولية.

كما تقوم العصائب بالاعتقالات والخطف والقتل والتعذيب بدون أدنى اعتبار لأي نوع من المساءلة.

وبعد استفحال خطر «داعش» وتمدده في العراق وانهيار الجيش العراقي في 10 يونيو، قام المالكي بدمج الميليشيات تحت مسمى «أبناء العراق»، بهدف الزحف على المناطق التي تسيطر عليها «داعش» لاسترجاعها. وقد استفحلت قوة العصائب بعد انهيار الجيش وأصبحوا في موقع يعطي أوامر لقوات الأمن، حيث منحهم المالكي صلاحيات قانونية لا حدود لها وأطلق أيديهم ليفعلوا ما يشاؤون. يقول طبيب من وزارة الصحة: «تحاول العصائب أن تمارس التطهير العرقي ضد السنة في مناطق حزام بغداد، ونسمع كل يوم عن قتل مدنيين في قرى الحزام مثل المدائن واللطيفية واليوسفية وأبو غريب». ويقول التقرير: «في 30 يونيو الماضي وصلت ثلاجة الموتى 23 جثة لرجال من السنة من المقدادية، يبدو أنهم شيوخ قبائل أعدموا في الوقت نفسه وخلال اجتماع»، كما قال طبيب لمنظمة هيومن رايتس ووتش. ويستمر التقرير في رواية تفاصيل استهداف الرجال من السنة وقتلهم وتعذيبهم ومصادرة ممتلكاتهم وطردهم من الأحياء المشتركة. ونقلت «القدس العربي» (17/8/2014) عن شهود عيان أن العصائب أعدمت ميدانيا 27 شخصا من سكان بهرز في محافظة ديالى مؤخرا، من بينهم نساء. وقد أعلن الحراك الشعبي في ديالى أن «حربا طائفية تقودها ميليشيات وأحزاب طائفية تجول وتصول بحرية في ديالى، وهناك قيادات أمنية طائفية توفر الغطاء لتحرك الميليشيات التي ترتكب جرائم ضد المدنيين».

ولا يشك أحد أن الميليشيات تلك تابعة للعصائب، فهي تتعدى الحواجز بدون مساءلة وتسوق سيارات بدون لوحات وتحمل سلاحا متشابها وتقتل بدم بارد. فما الفرق بين هؤلاء و»داعش»؟ ألا يمثلون الوجه الآخر القبيح للحقد الطائفي والتعصب والإرهاب؟

فيلق بدر/ منظمة بدر لاحقا

تشكل الفيلق عام 1982 في إيران، كجناح عسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. وضم الفيلق آلاف العراقيين الذين هربوا من العراق ولجأوا إلى إيران أثناء حكم الرئيس السابق صدام حسين. وما إن احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003 حتى عاد الفيلق إلى العراق واستغل حل الجيش العراقي على يد الحاكم الأمريكي بول بريمر، لتسيطر ميليشيات الفيلق على أجزاء واسعة من العراق، خاصة المناطق ذات الغالبية الشيعية. انضم الفيلق باسم منظمة بدر إلى قوات الأمن ووزارة الداخلية والجيش الذي بدأ تأسيسه من جديد، ذي اللون الطائفي الواضح. وقد ركزت قيادة الفيلق على السيطرة على وزارة الداخلية وأصبح بيان جبر أحد قادة الفيلق وزيرا للداخلية العراقية.

في عام 2006 أكد تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن مئات العراقيين عذبوا وقتلوا في وزارة الداخلية التي يسطر عليها المجلس الأعلى، كما نقلت جريدة «الإندبندت» البريطانية عن جون بيس الذي أعد تقرير الأمم المتحدة حول الصراع الطائفي في العراق. ويقول التقرير إن وزارة الداخلية كانت تسيطر على نحو 10000 بين شرطة ومخابرات وأجهزة أمنية وشكلت كتائب عديدة لمواجهة الهجمات التي كانت تشنها «القاعدة»، مثل لواء النمر ولواء العقرب ولواء الذئب وقوات المغاوير التي أنشأها الجيش الأمريكي.

وتتحرك عناصر فيلق بدر بأزياء خاكي مموهة ويسوقون سيارات بيك آب حاملين اسلحتهم، وكلما مروا في حي من أحياء السنة ينشرون الرعب، وغالبا ما تجد من يعتقلونهم مقتولين بعد أيام وعلامات التعذيب بادية على أجسامهم. لقد شكل الفيلق كتائب الموت عام 2006 وكانت علامات التعذيب والإعدام بطلقات في الرأس على ثلاثة أرباع القتلى كما جاء في تقرير جون بيس.

وكان محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في مقام الإمام علي (رضي الله عنه) في النجف يوم 29 آب/أغسطس 2003 قد حل الفيلق وحوله إلى منظمة مدنية، مؤكدا أن دور الفيلق انتهى بعد سقوط نظام صدام حسين. إلا أن تقارير حقوق الإنسان تؤكد قيام الفيلق /المنظمة لا فرق، بعمليات اغتيال واسعة ضد القادة العلمانيين وأعضاء حزب البعث السابقين. وقد عادت أخبار الفيلق أخيرا إلى الواجهة، حيث أفاد مراسل وكالة الأناضول، بأن اشتباكا وقع في قرية البشير قرب كركوك بين 100 من مسلحي فيلق بدر وتنظيم «داعش» قتل على أثره عدد غير معروف بسبب تعذر الوصول إلى قرية البشير.

العنف يولد العنف والتعصب لا يجلب إلا تعصبا مثله

نستطيع أن نستمر في سرد جرائم الميليشيات السنية والشيعية وهي كثيرة. لكنني أحببت أن أذكر القارئ أن «داعش» لم تأت من فراغ، بل إن الظلم اللامحدود الذي مارسته الميليشيات الطائفية ضد المكون السني في العراق خلق البيئة المناسبة لاستقبال داعش، على طريقة اختيار المر هربا من الأمر. هذا لا يعني أننا نغفل ما فعلته الميليشيات الإرهابية التي كانت تفجر الحسينيات وتقتل القيادات الشيعية وتعتدي على المقامات أيام دولة أبي مصعب الزرقاوي وآخرين قبله وبعده. لكن الذي نراه اليوم هو محاولة لتمكين المليشيات الطائفية الشيعية بلعب دور أساسي في الحرب على «داعش» كي تتقاسم النصر مع الميليشيات الكردية والجيش. وإذا لم يكن هناك جيش عراقي وطني مبني على أساس المهنية والمواطنة المتساوية والابتعاد عن أي اتجاه طائفي فسيتكرر المشهد مرة أخرى وستنتهي «داعش» لتفسح المجال لدواعش جدد أكثر تعصبا ودموية يدعون للرد على نير القهر الطائفي الجديد، ويردون على الميليشيات الطائفية بتكوين جماعات تكفيرية إرهابية جديدة ويفتحون صفحات جديدة من العنف الذي يقتل فيه الأبرياء حتى لو أصطفوا ضد «داعش» أو ضد العصائب. فلا حل لمعضلة العراق إلا بنبذ الطائفية من كافة الأطراف واعتماد ديمقراطية توافقية لا تقصي أحدا، تضم أبناء العراق جميعا على طريق بناء عراق الغد الديمقراطي الحر اللاطائفي المتسامح السلمي المتعدد الأطياف، المستند أولا إلى وحدة شعبه وثانيا إلى أمته العربية، ثم إلى عمقه الاسلامي العريض. الانتصار على «داعش» ليس عن طريق السلاح فحسب بل عن طريق اجتثاث الأسباب التي هيأت له فرصة الظهور أصلا.

٭ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

د. عبد الحميد صيام

القدس العربي

 

 

 

 

إنه موسم «داعش”!/ د. نقولا زيدان

أصبح المرء في هذه المنطقة العربية شبه واثق وعلى يقين ان ظاهرة «داعش» كانت اشبه بمسبار أو فحص مخبري أو عضو مريض ألمّ به داء عضال جاء ظهوره ونموه ليكتشف اعتلالاً عاماً وشاملاً في جسم وكيان المنطقة بأسرها.

فقد نمت «داعش» وترعرت في «التربة الخصبة» التي كانت في أساس تكوينها وتركيبها والظروف المحيطة بها تختزن عناصر التصدّع والتعفّن والتأكّل الضرورية لتجتاح المنطقة بأسرها. فلا بدعين أحد بيننا أو يزعم من خارج المنطقة ان تنظيماً ما قد أصبح بهذا الحجم وبهذه الخطورة وهذا البأس قد ولد دفعة واحدة وبقرار، بل هو تنظيم ولد من رحم الوضع العراقي المفكك الأوصال والذي تطلب تخمره واكتمال فساده واهترائه احدى عشرة سنة متواصلة من التأزم والغرق في الوحول المرضية وتعبيراتها الطائفية والمذهبية وانتشار ما لا يوصف من الفساد وسوء الإدارة وتآمر السلطة نفسها على شعبها بالتورّط في فضائح أمنية ليست بعيدة لا عن شبكات الإرهاب ولا عن الجيوب الأمنية ومربّعاتها ولا عن السجون والمعتقلات المعلنة والسرّية حيث الاعدامات والاغتصاب بالجملة والفرار الجماعي بالآلاف.

إنّ الحرب الأميركية الجائرة بل الغزو الذي تعرض له العراق عام 2003، حيث تمّ حل الجيش العراقي وتدمير بنية البلاد التحتية وابدال الدولة بالدويلات تحت ذرائع فيدرالية تارة وكونفيدرالية تارة أخرى، والمضي في سياسة الانتقام وتصفية الحسابات بحق مناطق معينة وإهمالها واستباحتها من منظور مذهبي، وملاحقة المعارضة واتهامها بشتى التهم الكيدية، وهذا تحت وابل من العبوات الناسفة والسيارات المفخّخة اليومية هو الذي شكّل لـ«داعش» التربة الخصبة والمناسبة لتنشأ وتنمو وتترعرع. هذا في الوقت الذي راحت جيوش التحالف تنسحب تباعاً، بينما كان النفوذ الإيراني يتوسّع بالتواطؤ مع الأميركيين الذين ما لبثوا أن انسحبوا تاركين العراق لقمة سائغة في أشداق الأطماع الإيرانية. فقد وجدت طهران في نوري المالكي الرجل المناسب لخدمة مصالحها لا سيما ان التغييرات التي تهزّ المنطقة العربية تتطلب رجلاً من هذا القبيل.

لقد عجّل اندلاع الثورة السورية (2011) بتثبيت وضع المالكي على رأس الحكومة فهو الذي حوّل العراق جواً وبراً إلى ممر لوجستي في غاية الحيوية والأهمية لإيصال المساعدات العسكرية لنظام بشار الأسد، الحليف المتقدم للنظام الإيراني. فقد جمعت المصلحة المشتركة النظامين العراقي والسوري الأسدي برعاية وتنمية «داعش» في كلا البلدين.

ألم يكن بشار الأسد هو الذي كان يحذّر مراراً وتكراراً انه «سيحوّل الشرق الأوسط من بحر قزوين إلى بحر العرب إلى كتلة ملتهبة من النار» في حال تعرّض نظامه للخطر؟ ولم يكن الاسد يشير إلى الأسلحة الروسية المتدفقة عليه ولا مثيلاتها الإيرانية ولا كان يعني بذلك القوّات الإيرانية ولواء «أبو الفضل العباس» ولا «حزب الله» اللبناني الذين هبّوا لنجدته وكان يشارف على الغرق، بل بالضبط «دولة العراق والشام الإسلامية» ذلك التنظيم الإرهابي الذي أنشأه ورعاه ونماه بالتوافق مع نظيره نوري المالكي وذلك تحت سمع وبصر أجهزة الأمن الإيرانية.

لم يكن باراك اوباما والإدارة الأميركية جدّيين في تحذيرهم الأسد من مغبة استخدام السلاح الكيماوي بحق شعبه حيث لم تفلح لا صواريخ سكود ولا المدفعية البعيدة المدى ولا البراميل المتفجّرة في كسر إرادة الشعب السوري وتجاوز مجزرة الغوطة الشرقية باللجوء إلى تسليم ما اعترف بحيازته من السلاح الكيماوي بعد اتفاق كيري لافروف. بل شارك في مؤتمر جنيف2 ليملأ القاعة ضجيجاً وزعاقاً محذراً من الإرهاب. فلا «جبهة النصرة» ولا «الجبهة الإسلامية» ولا المجموعات الصغيرة المسلحة، وبالطبع ولا الجيش السوري الحر كانوا جميعاً مَن يعني بهم في تحذيراته بل «داعش» بالذات هي المعنية.

إنّ سوريا المتآكلة عند حدودها الشرقية، والتي اجتاحتها مجموعات «داعش» وحدود العراق الغربية ووسطه حتى الموصل وداهوك وتكريت هي التربة المناسبة والخصبة لتعيث فيها «داعش» فساداً، وتجتاح وتأسر وتعدم وتحرق وتبيد كل مَن يجرؤ على مخالفتها الرأي.

إنّ أبطال الإرهاب أصبحوا هم الآن مَن يتنادى للتصدّي للإرهاب الداعشي. فلم يعد لا نوري المالكي ولا الأسد ولا النظام الإيراني الذي يهدّد بحوثييه صنعاء وريف دمشق بمقاتليه إرهابيين بل هم أبطال مكافحة الإرهاب. بل إذا بالأسد حيال تدخّل أميركا بطيرانها الحربي وفرنسا وبريطانيا بتسليح البشمركة بالسلاح النوعي يعرض خدماته على الأميركيين فإذا كان من عمل عسكري مشترك حيال إرهاب «داعش» فالنظام الأسدي على استعداد للعمل سوياً وبالتنسيق مع حكومة دمشق، أي سياسياً أن تعود أميركا وفرنسا وبريطانيا والغرب بأسرها عن جميع مواقفها وعن كل ما صدر عن مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري.

هكذا كشف مؤتمر باريس في 15 أيلول (سبتمبر) عن نقاط ضعف دول الشرق الأوسط. فالإيرانيون لم يدعوا لحضور المؤتمر فادّعوا رفضهم لأي عمل عسكري مشترك «مع مَن تلطّخت أيديهم بالدماء!» والأتراك غير متحمّسين لإعطاء مزيد من الدعم لاربيل والدولة الكردية، والأردن يبدي حذراً من تمدّد «داعش» إلى أرضه…

كان اللافت الموقف السعودي الذي دعا فيه دول التحالف الجديد لضرب قواعد «داعش» حيثما وُجدت وهو لا يستثني بذلك سوريا في الوقت الذي ساد الوجوم الحاضرين عندما أعطى مهلة 10 سنوات على الأقل بالنسبة للقضاء على «داعش». أما بين المرتجى والواقع فثمة فروق ذلك ان «موسم تنظيم القاعدة» الذي ما زال يرخي بظلاله على صلاته السابقة بـ«طالبان» في افغانستان وما زالت جيوب له تعمل في المغرب الكبير بما فيه ليبيا، لم ينته بعد. فها نحن الآن نعيش موسماً جديداً يدعى «داعش»، سوف نظل نصطلي بناره عقداً طويلاً من الزمن في ظل شرق أوسط متعثر مضطرب يسوده العنف وسفك الدماء، على إيقاع ازدهار الطروحات الطائفية والمذهبية والجهوية وفوضى عامة ليس لها مثيل الآن على وجه الأرض.

المستقبل

 

 

 

 

انعطاف أميركي نحو مسار عسكري في سورية/ جويس كرم

رسخ تصويت الكونغرس الأميركي أمس على مشروع قرار لتسليح وتدريب المعارضة السورية، المنعطف العسكري للاستراتيجية الأميركية في التعاطي مع الملف السوري وبعد صعود تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) وانهيار المسار السياسي في مفاوضات «جنيف2». هذا الانعطاف بعد ثلاث سنوات من المماطلة والتفرج على «حرب الاستنزاف» في سورية سيترجم على الأرض بضربات جوية قد تبدأ سريعا ضد «داعش»، وفي برنامج تدريب تراهن الادارة فيه على استعادة توازن مزدوج على الأرض ضد المتطرفين ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

التصويت من ٢٧٣ نائبا ومعارضة ١٦٥ ليس غالبية كاسحة في مجلس النواب انما تفويض تشريعي صريح من الكونغرس وللمرة الاولى منذ بدء الأزمة لدعم المعارضة المعتدلة في سورية. فالإدارة كانت طلبت في أيار (مايو) الفائت قيام الكونغرس بـهكذا خطوة واصطدمت بمعارضة من الحزبين وتردد في دخول الحرب السورية. تغيرت هذه المعادلة مع صعود «داعش»، والتشنج في العلاقة الروسية-الأميركية بشكل أجهض المسار السياسي، وأيضا مع اقتراب الانتخابات النصفية الأميركية وصعوبة معارضة البيت الأبيض في قضايا الأمن القومي والارهاب. وجاء التوقيت على خلفية تضاؤل فرص اتفاق حول الملف النووي الايراني الشهر المقبل، ورفض واشنطن ربط مسائل اقليمية بتلك المفاوضات.

عمليا، يتضح الانعطاف العسكري في تعيين الجنرال جون آلن على رأس الاستراتيجية ضد «داعش»، وتراجع حضور المنسق السياسي في الخارجية الأميركية دانيال روبنستاين. ويعتبر آلن من الوجوه العسكرية الضالعة في سياسة مكافحة الارهاب، وعلى معرفة بالقبائل في المنطقة الحدودية بين سورية والعراق والتي تعاطت معها واشنطن مباشرة في استراتيجية الصحوات في الأنبار في ٢٠٠٧. أما خطة التدريب والتسليح فستشمل بحسب تصريحات القيادات العسكرية الأميركية قوة من خمسة آلاف مقاتل، وهو رقم يوازي قوة «حزب الله» في سورية اليوم. ومن هذه الناحية، هناك ادراك أميركي بأن الرقم غير كاف لهزيمة «داعش» الذي لديه حوالي عشرين ألف مقاتل في سورية، انما سيكون ضروريا لعمليات نوعية وتغيير التوازن على الأرض.

ويبدو الرئيس السوري بشار الأسد الغائب الحاضر في استراتيجية الادارة الأميركية. فبين تأكيدات الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه وأركان الادارة بأن واشنطن «لن تعول» و «لن تنسق» مع النظام السوري في هذه الحرب، فإنها أيضا ليست في وارد ضرب مواقع الأسد في هذه المرحلة وتراهن على نضج ظروف داخلية وتحسين قوة المعارضة لخروجه من السلطة. اذ لا ترى الادارة أن النظام في موقع الرد على أي غارات أميركية، وسيكون لمشاركته قبل أي حل سياسي في سورية انعكاسات سلبية على التحالف الاقليمي، وأخرى قد تفيد «داعش» الذي يبني ويستقطب دعمه بالاختباء وراء شعارات بينها انقاذ السوريين من ظلم الأسد. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز أن أوباما قال لضيوفه من خبراء السياسة الخارجية أن رد الأسد على أي ضربات أميركية سيعني تحركا عسكريا ضد دفاعاته وسلاحه الجوي، وهو ما قد يؤدي الى اطاحته على حد تعبير أحد الضيوف. كما قللت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) من أهمية المضادات الدفاعية للنظام في شرق سورية واعتبرتها اما “معطلة” أو بطيئة الرد.

ومن هنا تراهن واشنطن في المدى المنظور على ضربات جوية تشل «داعش» في حلب ودير الزور، وتؤذي حضوره في الرقة. أما في المدى المتوسط والبعيد فالرهان هو على اعادة تأهيل الثوار المعتدلين لتحسين مواقعهم في الشمال والجنوب، والتعويل أن هذا الأمر في حال نجاحه سيفرض على النظام أو حليفه الروسي التنازل بشكل جدي في أي مفاوضات حول المرحلة الانتقالية تستند الى اطار «جنيف2».

الحياة

 

 

 

مناطق عازلة/ مصطفى زين

كان لتركيا أتاتورك دور كبير في النظام العالمي أيام الحرب الباردة. وقفت مع باكستان، إيران الشاه والسعودية في مواجهة الاتحاد السوفياتي. علمانية النظام لم تمنعه من استخدام إيمان مواطنيه لمنع الإلحاد الشيوعي من الانتشار. كانت أنقرة خط الدفاع الأمامي للإمبريالية الأميركية في مواجهة موسكو. ولعبت دوراً أساسياً ضد المد القومي في الخمسينات والستينات، على رغم فشل حلف بغداد.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في التسعينات فقدت تركيا دورها في مواجهة الشيوعية فراحت في عهد سليمان ديميريل وطانسو تشيلر (حزب الحقيقة) ثم نجم الدين أربكان (حزب الرفاه) تعمق دورها في محيطها العربي والإسلامي، وفي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، خصوصاً في عهد أربكان. شكل اتجاهها شرقاً خياراً بديلاً لتوجهها الأوروبي، بعد اصطدامها بالجدار الألماني- الفرنسي. وصل هذا الانفتاح على الشرق إلى ذروته في عهد أردوغان الذي وقع اتفاقات إستراتيجية مع سورية والعراق، مثلما فعل الآن مع قطر، وبدأ يتحدث عن فتح البحار الأربعة على بعضها لتغيير الإستراتيجية العالمية وتشكيل نظام عالمي جديد مركزه الشرق الأوسط بدلاً من أوروبا وأميركا، تماماً كما كان الوضع أيام الخلافتين الأموية والعباسية، ثم أيام السلطنة العثمانية. من هنا كانت نظرية العثمانية الجديدة وصفر مشاكل لوزير خارجيته أحمد داود أوغلو.

هذا الطموح الكبير لأردوغان اصطدم بالواقع الجغرافي والوطني للدول المعنية بالمشروع، وبأيديولوجيا الإخوان المسلمين المرفوضة في العالم العربي، وبمحاولة أنقرة تنصيب نفسها زعيمة هذا التيار باعتبارها تمثل الاعتدال مقابل التيارات الأخرى المتطرفة التي أفرزها «الربيع». لكن هذا الحلم سقط في تونس ثم في مصر. وجاء إيغالها في الحرب على سورية وتحويل أراضيها إلى مأوى ومركز انطلاق لكل «المجاهدين» الذين أصبحوا عبئاً على مؤيدي التغيير في دمشق، مثلما هم عبء على النظام، وظهر الوجه الآخر لأردوغان. وجه العثماني الجديد- القديم الطامح إلى أن يكون خليفة. وللخليفة حق المتاجرة بالنفط المسروق وحق شرائه من «داعش» وغير «داعش» لتمويل المرتزقة و»الثوار».

لم تقتصر سياسة أردوغان على لعبة الدم في سورية، بل تعدت ذلك إلى العراق. في بلاد ما بين النهرين عمد السلطان إلى استفزاز بغداد، من خلال اتفاقات مع الأكراد من دون المرور بالعاصمة، في مخالفة صريحة للقوانين والأعراف، وأصبح يعامل رئيس إقليم كردستان كرئيس دولة مستقلة، يعقد معه الصفقات التجارية ويمد خطوطاً لأنابيب النفط، ويعادي الحكومة المركزية بحجة أنها طائفية. أي أنه نصب نفسه حامياً للسنة، فاستضاف الإخواني طارق الهاشمي، ولم يبخل على «الدولة الإسلامية» بشيء، على رغم تنافسه مع «الخليفة إبراهيم» على اللقب.

هكذا أعاد أردوغان تموضعه في الشرق الأوسط. فبعدما فقدت تركيا دورها السابق في مواجهة الاتحاد السوفياتي، عندما تحول العداء الأميركي من الشيوعية إلى الإسلام السياسي، خصوصاً في عهد جورج بوش، ها هي، في عهده، تستعيد هذا الدور، متسلحة بتاريخ السلطنة، في مواجهة روسيا الاتحادية الطامحة إلى إلغاء أحادية النظام العالمي، وإقامة نظام متعدد الأقطاب.

لكن أردوغان الذي رحب باستعادة هذا الدور يفضل أن يلعبه من موقع قوة لذا يسعى، عبر إسلامه السياسي إلى أن يكون زعيماً أوحد في الشرق الأوسط، ساعياً إلى إزالة الحواجز من طريقه. وقد أتته الفرصة الآن. فرصة أتاحتها له عودة المقاتلات الأميركية والخبراء للقضاء على «داعش» فأعلن عزمه على إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية ولم يحرك ساكناً عندما سيطر التنظيم على القرى الكردية المحاذية للحدود، مفضلاً أن تكون المنطقة في يد الخليفة.

في المقابل أتاحت إسرائيل لجبهة «النصرة» السيطرة على بعض القرى في الجولان تمهيداً لإقامة منطقة عازلة تحت سيطرة هذا التنظيم لتصبح سورية محاصرة بين دولة علمانية-إسلامية ودولة يهودية- علمانية، ولا ينقص المثلث الذي كان قائماً في الخمسينات والستينات سوى قاعدته أي إيران.

أما العالم العربي ففي مكان آخر. قواه «الثورية» بعلمانييها وإسلامييها ما زالت تبحث عمن تبيعه روحها على طريقة فاوست. وليس من شار سوى الولايات المتحدة.

الحياة

 

 

تتمة لغزو العراق واستحضار مزيد من الإرهاب!/ عادل مالك

أي كلام عن غير تنظيم «داعش» يعتبر خارج الموضوع هذه الأيام. لذا لا بد من المتابعة في نفس السياق حيث الأسئلة المطروحة أكثر من الإجابات المتداولة.

هل إن تنظيم «الدولة الإسلامية» ولد سفاحاً؟ أم أنه ابن شرعي أو غير شرعي لحرب العراق عام 2003؟

تنظيم «داعش» ليس حركة آنية أو مرحلية، بل هو عابر للحدود داخل الإقليم المترامي الأطراف وليس أقربه سورية ولا أبعده العراق، واللائحة طويلة على خريطة طموحات التنظيم الإقليمية منها وحتى الدولية.

لقد تحولت الأنظار ولو لساعات لمتابعة قيام التحالف العربي – الغربي الذي تعهد محاربة «داعش»، وفي هذا يستطيع «داعش» أن يعتبر أن العالم في جانب وهو في جانب آخر. وحول مؤتمر باريس لإنشاء التحالف، هنا بعض النقاط.

كانت إيران وسورية وروسيا من الأطراف الرئيسة الغائبة عن المؤتمر، وأعلنت الخارجية الأميركية أنها لن تنسق عسكرياً في الحرب مع إيران. إلا أنها تبقى منفتحة على مواصلة أي مناقشة ديبلوماسية معها في هذه المسألة.

لكن وزير خارجية العراق في التركيبة الوزارية الجديدة إبراهيم الجعفري، صاحب العلاقة الأساسي في الموضوع، قال: «لقد شددنا على مشاركة إيران، إلا أن القرار ليس في يدنا ونأسف لغياب إيران عن المؤتمر».

وترى أوساط عالمة أن استبعاد سورية وإيران وروسيا والصين ستكون له نتائج سلبية.

والسؤال الكبير: هل أن تنظيم «داعش» يمكن القضاء عليه بالقصف الجوي من الطائرات فحسب؟ طالما أن كافة الدول التي شاركت في اجتماع باريس عارضت المشاركة في حرب برية. لكن خلال مناقشة الموضوع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، أشار وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل ورئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي إلى احتمال إنزال قوات برية في العراق.

ونعود إلى التساؤلات الأساسية ومنها: كيف نما هذا التنظيم من دون أن ينتبه له أحد من أجهزة الاستخبارات العالمية المنتشرة في طول المنطقة وعرضها؟

إن الحرب على الإرهاب والذي بدأ فعلاً بشن بعض الغارات الجوية على تجمعات «داعش»، هو استكمال لعملية غزو الولايات المتحدة وبريطانيا (وتحالف الثلاثين دولة!) في 2003. هل في هذا الكلام من غرابة؟

لقد انتهت حرب العراق بعد ذلك الغزو بشكل غير طبيعي، فقُسّم العراق إلى ثلاث «دويلات» باتت معروفة لدى الجميع، وهي: دولة كردستان العراق في الشمال و«الكانتون الشيعي» في الجنوب، والجيب السني في الوسط. ولأن انسحاب القوات الأميركية والبريطانية من العراق تم لضغوط داخلية في البلدين، بقي الوضع في العراق مفتوحاً على كل الاحتمالات. وتقدر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عدد مقاتلي داعش ما بين 25 و31 ألفاً مزودين بمختلف أنواع الأسلحة وبعضها حديث ومتطور.

وفي سياق التعرف إلى آراء خبراء أميركيين عارفين بخبايا المنطقة نتوقف عند ما قاله الدكتور هنري كيسنجر (إياه) في ذكرى ميلاده الحادي والتسعين. فهو يرى أن على الولايات المتحدة أن «تشن» هجوماً كاسحاً على «داعش» على أن يكون لفترة محدودة كإجراء عقابي، واصفاً أفعال التنظيم بأنها «إهانة لقيمنا ولمجتمعنا، وتحتاج منا إلى عملية محدودة جداً»، داعياً إلى التوقف عن الخوض في كيفية قتال «التنظيم».

وحرص كيسنجر على مهاجمة الرئيس باراك أوباما ومواقفه بشدة فقال: «تحت رئاسة أوباما أصبحنا متفرجين في الشرق الأوسط»، ورأى أنه ينبغي عدم التفريق في التعامل مع «داعش» بين سورية والعراق، وأنه كان يفترض التعامل مع هذه القضية منذ وقت طويل.

أين لبنان من هذا التحالف، وهو الذي شارك في اجتماعي جدة وباريس؟ طبعاً ليس بالإمكان اعتبار لبنان من الدول التي ستشارك فعلياً في ملاحقة داعش، خصوصاً أن تورطه هو و«النصرة» في عرسال وجرودها لم ينته بعد. وقد سعى رئيس الحكومة تمام سلام خلال زيارته الخاطفة إلى الدوحة، إلى إيجاد حل مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لاحتجاز العسكريين في جرود عرسال نظراً لما تتعرض له الحكومة السلامية من ضغوط شعبية من أهالي العسكريين المخطوفين، خصوصاً بعد إقدام المسلحين على ذبح جنديين لبنانيين وتهديد بذبح ثالث، وهذه طريقة همجية وجرائم مقززة لأناس يزعمون النضال في سبيل الإسلام والمسلمين.

ولبنان دائماً في الصراعات يلتزم موقف «المساند» وليس موقف «المواجه» عسكرياً، وهذا الواقع يتكرر اليوم. ففي مسألة التحالف، فإن أقصى ما يمكن أن يقدمه هو أن يكون «دولة مساندة». فلبنان في حال دفاع عن النفس، وليس في وارد الهجوم على داعش ولا في إمكاناته ذلك، سواء في سورية أو العراق. ومع ذلك أخذ البعض على لبنان أنه وقع على اتفاقات باريس ومن قبلها جدة؟.

ألم نقل أن لقيام «الدولة الإسلامية» إيجابيات ومنها: تفاهم الأضداد وتلاقي الأعدقاء في تحالف واحد (الحياة 2014-8-23). وفي سياق الحديث عن مدى فعالية دور قوات التحالف، يجري التساؤل حول مصير الإرهاب والإرهابيين بشكل عام في المنطقة. ففي رأي بعض الخبراء أن الحرب الجوية لن تكون حاسمة في القضاء على الإرهاب بل على العكس، فان هذه العمليات ستؤدي إلى قيام واستحضار المزيد من الإرهاب على اختلافه.

فما من حركة مقاتلة امكن القضاء عليها من الجو فحسب، أما إذا تقرر في النهاية إرسال بعض القوات الميدانية على الأرض، فلا شيء يضمن بقاءها وانتصارها على عناصر «داعش» الذين يعرفون المنطقة التي يقاتلون فيها حق المعرفة. وهذا النوع من «النضال التكفيري» على استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل عقائد «تكفيرية بالية»، وهذه القوى مدربة على حروب العصابات، فيما القوات الأجنبية التي وُعد بإرسالها إلى العراق لم تعتد على حروب العصابات. كذلك يقيم مقاتلو «داعش» بين منازل السكان الأبرياء ويتخذون منهم دروعاً بشرية، ما يمنع الضربات الجوية من تحقيق ماهو مطلوب منها.

وبعد، فهذه تساؤلات المرحلة:

أولاً: هل الحرب المعلنة على «داعش» (جواً) ستقضي على الإرهاب المتمثل به وبشـركائه؟ أم تكون النتائج عكسية فتفضي هذه الحملة إلى «استحضار» المزيد من الإرهاب عبر خلاياه النائمة و«المستيقظة»؟

وفي التاريخ المعاصر غير مثال. فعندما أعلن الرئيس جورج دبليو بوش الحرب على العراق (2003) كانت النوايا المعلنة القضاء على صدام حسين وأنصار «القاعدة» ليتضح لاحقاً أن هذه العلاقات بين الرئيس العراقي الأسبق وإرهابيي «القاعدة» لم تكن كما توقع بوش وشركاؤه من «المحافظين الجدد»، وإذا بالعراق وبعد أكثر من عشر سنوات يبرز من جديد ساحة للمبارزة مع كتائب تنظيم «داعش». والنتيجة أن الحرب الأميركية على العراق انتجت أجيالاً جديدة من الإرهابيين أشرس من «الإرهابيين السابقين»، فماذا كانت نتيجة غزو العراق؟

ثانياً: بعد قيام التحالف العربي- الدولي والذي يضم 40 دولة على حد تعبير أوباما، بإمكان «داعش» أن يزعم وهو على حق، أن العالم بأسره اجتمع لمحاربته. لكن استبعاد بعض القوى الرئيسة المؤثرة مباشرة كإيران وسورية سيشكل ثغرة كبرى قد لا تجعل الحملة العالمية ناجزة وكاملة.

وسبق للولايات المتحدة ولغيرها من الدول الغربية التعاطي الجديد مع إيران على أساس أنها جزء من الحل وليس فقط من المشكلة، فما الذي تغير؟

ثالثاً: إن قرار أوباما وزميله الفرنسي فرنسوا هولاند واستعدادهما الحماسي لتزويد «المعارضين السوريين المعتدلين» بأسلحة نوعية ومتطورة، يطرح أكثر من سؤال:

ما هي «القيمة اللوجستية» والعملانية لقوى المعارضة «المعتدلة» والفاعلة على الأرض؟ وأين هو الائتلاف الذي باستطاعته أن يزعم انه يمثل غالبية المعارضين لنظام الرئيس الأسد. ثم إن هذا التطور إذا ما حدث فمن شأنه أن يطيل أمد المواجهة العسكرية في سورية، إذ إن المعادلة لا تزال قائمة: لا النظام استطاع السيطرة على كامل أجراء الجمهورية السورية ولا المعارضة، بل المعارضات، تمكنت من إسقاط النظام. الأمر الذي يعني بقاء سورية وبعض الدول المجاورة في حرب غير حاسمة من جانب الأطراف المتداخلين.

رابعاً: بالنسبة إلى لبنان وصراعه مع مقاتلي «داعش» والنصرة»، فعليه إنهاء هذا الوضع الإشكالي والخطير لأنه ليس باستطاعة اللبنانيين أن يتحملوا جرائم «الداعشيين» وشركائهم، خصوصاً الأسلوب الهمجي المعتمد وهو الذبح.

خامساً: يبدو واضحاً التردد الأميركي حيال كيفية مواجهة إرهاب «داعش»، من دون التورط العسكري من جديد في العراق. وهذا ما ينعكس على الرصيد الشعبي الذي بلغ مستوى متدنيا في أوساط الشعب الأميركي. ويتجلى هذا التردد في العديد من المظاهر والمؤشرات، كإصرار أوباما على الاكتفاء بـ»التدخل من فوق» من دون الوقوع في الخطأ القاتل الذي وقع في العراق عند عملية الغزو المعروفة… أو ما يطلق عليه «لعنة العراق».

ويعتبر أوباما أن المسؤول الأول في مواجهة ومكافحة «داعش» هم العرب السنّة، لذا فهو يلقي عليهم اللوم أولاً، ثم بقية الدعم تأتي من الدول الأخرى المشاركة في التحالف الدولي.

وفي الكلام الأخير من منطلق ما نشهد وما يجري: أن المنطقة ستغرق من جديد في أتون حارق لن يوفر أحداً من شروره وضحاياه الكثر. فـ«داعش» و«النصرة» و… هي تعدد في التسميات بينما الإرهاب واحد مع هذه العودة إلى الجاهلية الجديدة.

* إعلامي لبناني.

الحياة

 

 

 

بدايات تحوّل في معركة سوريا؟/ علي حماده

لا يعني تصويت الكونغرس الاميركي على خطة دعم وتسليح المعارضة السورية “المعتدلة” ان موازين القوى في سوريا سوف تتبدل في هذه العجالة لمصلحة المعارضة التي عليها بموجب الترتيبات الدولية – العربية الجديدة ان تواجه عدوّين، هما “داعش”، والنظام في سوريا الذي لا يزال يقاتل مستغلا تمدد “داعش” مرة بالتواطؤ، ومرة بالاستفادة العرضية من خيار التنظيم المشار اليه الاصطدام حصرا بالمعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها التي صار لها اكثر من ثلاثة اعوام وهي تقاتل ليس النظام فحسب بل من ورائه ايران وروسيا في كل مكان. ما سيتغير سريعا هو مناخات المعركة ضد النظام الذي يعاني من حال ضعف شديد، ولا يملك اي مقومات لمواصلة المعركة ما لم تمده ايران بالرجال والسلاح.

ما سيتغير هو المناخ ، وزخم الثوار في العديد من

الجبهات الحساسة مثل الجنوب (درعا – القنيطرة) وفي محيط العاصمة دمشق من ريف القلمون وصولا الى احياء متاخمة لقلب دمشق نفسها. وسيشكل رفع الاميركيين الحظر عن مد الثوار بسلاح نوعي بأعداد كافية الى إحداث تغيير على الارض. وسيكون “حزب الله” اول من سيشعر بالتغيير القادم، وهو الذي يتحمل خسائر كبيرة جدا مقارنة بحجمه في معركة القلمون.

ومهما كابر “الحزب” وضغط على بيئته الحاضنة فإن الحقيقة واضحة، وخلاصتها انه خسر حتى الآن اكثر من الف رجل على ارض المعركة، والقادم ادهى.

لا يعني اطلاق الاميركيين لعملية دعم وتسليح لقوات المعارضة السورية “المعتدلة ” بقيمة نصف مليار دولار ان القرار اتخذ لاسقاط نظام بشار الاسد، بمقدار ما يعني ان الادارة الاميركية تقرأ مواجهة تنظيم “داعش” بشكل مختلف عن السياسات الايرانية او الطموحات الروسية. فمواجهة “داعش” تفترض اعادة النظر في الكثير من القرارات التي اتخذت لا سيما في سوريا، واستندت الى قرار جوهري قضى بعدم اسقاط نظام بشار الاسد.

واليوم ثمة تحول في القراءة لا يعرف مداه، اذ تعتبر الادارة الاميركية انه لا بد من كسر الواقع الذي فرضه بقاء بشار بدعم الايرانيين، واختبار امكانية بناء معارضة مسلحة “معتدلة ” متحالفة مع الغرب والدول العربية المعتدلة، يمكن ان تشكل البديل لحظة يصدر قرار الاطاحة ببشار، وتدمير الجسر الايراني.

هل تنجح واشنطن في اختبارها هذا؟ لا نعرف، ولكن ما نعرفه يقينا ان النظام في سوريا سقط منذ امد بعيد، والجسر الايراني لن يصمد طويلا.

النهار

 

 

 

دلالات مهمة على خسارة النظام الجولان تغيير جوهري يخلط الأوراق والمعادلات؟/ روزانا بومنصف

حجبت التطورات المتلاحقة المتصلة بتشكيل التحالف الدولي من اجل مواجهة تنظيم “داعش” الحوادث العسكرية التي تلاحقت في الجولان وسيطرة “جبهة النصرة” على معبر القنيطرة. وانشغلت دوائر الامم المتحدة في الاسابيع الاخيرة باحتجاز الجبهة عناصر من القوة الدولية العاملة في الجولان (الاندوف) والتفاوض مع الجبهة من اجل اطلاقهم، وهو موضوع اثار تساؤلات كثيرة في المنظمة الدولية عن مهمات القوة الدولية وكيف لا تواجه الاعتداءات التي تعرضت لها، او كيفية تركها اسلحتها وعتادها للعناصر السورية المسلحة. وهو ما كان محور جلسة مغلقة لمجلس الامن الدولي يوم الاربعاء في 17 من الجاري لمناقشة هذه النقاط . ويعتقد ان ذلك يؤدي الى تساؤلات بديهية اخرى تتعلق بامكان استمرار مهمة القوة الدولية في الجولان، والتي تراجع من تبقى منها للتمركز على الجهة التي تحتلها اسرائيل من الجولان، وهل يمكن ان يكون لها اي جدوى في منع تدهور الحال والقدرة على المحافظة على الاستقرار في الجولان، علما انها لم تصمد امام هجمات “جبهة النصرة”؟ واي دول يمكن ان تقبل بالاستمرار في المشاركة في القوة في ظل تفتت سوريا بعد تعرض جنود فيجيين وآخرين للاحتجاز؟ انها تساؤلات مماثلة لتلك التي طرحت ابان تجاوز اسرائيل القوة الدولية العاملة في الجنوب من اجل اجتياح الجنوب اللبناني ومناطق اخرى على مدى اعوام طويلة، علما انه بالنسبة الى سوريا تبرز علامات استفهام مختلفة وان تكن القوة رمزية من حيث عددها وعتادها.

وثمة جوانب أخرى من الموضوع تكتسب دلالات مهمة . فللمرة الاولى منذ اربعة عقود تتعرض الحدود في الجولان المحتل لتغييرات جوهرية مع انتزاع “جبهة النصرة” والمقاتلين السوريين معبر القنيطرة الحدودي مع اسرائيل من يد النظام السوري. فالحدود بين سوريا واسرائيل في الجولان عرفت هدوءا لم تعرفه اي جبهة اخرى مع اسرائيل منذ سريان اتفاق الهدنة بين البلدين وحرب 1973. وكانت مراكز القوة الدولية تعرضت لاعتداءات، اذ خطف 4 جنود من القوة في آذار 2013، مما ادى الى مراجعة بعض الدول مشاركتها من ضمن هذه القوة .

وهذا التغيير ليس بسيطا او ضئيلا، اذ يشكل بالنسبة الى مراقبين كثر ابرز تعبير عن تحولات في سوريا تمضي قدما وتفرض وقائع جديدة على الارض، وتاليا انعكاسات وتداعيات اخرى لن تتأخر في الظهور، من ابرز دلالاتها المزيد من انحسار سيطرة النظام على حدود سوريا مع دول الجوار، بما في ذلك اسرائيل، ربما باستثناء لبنان الذي ساعده في المحافظة على الحدود معه “حزب الله” من خلال مساعدته في السيطرة على القرى الحدودية مع لبنان. وخلال الاعوام الثلاثة والنصف حتى الآن من عمر الازمة السورية، كان لدى النظام ورقة ضمان اذا صح التعبير في وجه مطالبات الدول الخارجية له بالتنحي، انطلاقا من ان استمرار وجوده في السلطة هو ضمان للاستقرار على جبهة الجولان وعدم المس باستقراره، وتاليا باستقرار المنطقة. وفي الاشهر الاولى للازمة، هدد ابن خال الرئيس السوري بشار الاسد رامي مخلوف بان زعزعة الاستقرار في سوريا تعني انه لن يكون هناك استقرار في اسرائيل على نحو يعبر بوضوح عن الربط الذي احدثه لاستمرار النظام. وخسارة النظام ورقة محافظته على الاستقرار في الجولان، تجعله يخسر ورقة قوية ما لم تعمد “جبهة النصرة” التي طردت القوة الدولية من القنيطرة على الحدود الى شن عمليات ضد اسرائيل بما يمكن النظام من استخدام ذلك لمصلحته. وبالنسبة الى مراقبين كثر، فان فقدان سيطرة النظام على اراض تشكل اهمية استراتيجية بالنسبة الى استمرارية نظامه، لا يشكّل ضربة قاصمة له فحسب، بل “يعتبر دليلا على ضعفه المتزايد، وان كان لا يزال متمكنا في العاصمة وبعض المناطق الاخرى.

وثمة في هذا الاطار من يتطلع الى اسرائيل من اجل رصد رد فعلها، في ظل اعتقاد شائع انها كانت من ابرز الممانعين لتنحي الاسد مع بقائه ضعيفا لمحافظته على استقرار الجولان من جهة وعدم قدرته بعد الآن على المطالبة به او التفاوض عليه. الا ان اسرائيل التي تتفرج على التطورات في سوريا لم تبد قلقا شديدا، اقله حتى الآن، مما يجري هناك، فيما انتشرت الصور على وسائل التواصل الاجتماعي لاسرائيليين افترشوا المناطق المطلة جنبا الى جنب مع عناصر من القوة الدولية يتابعون سير المعارك على الطرف الآخر من الحدود في الجولان، ولم يبد عناصر “جبهة النصرة” اهتماما بتجاوز سيطرتهم على مواقع جيش النظام ومراكزه، وكذلك مراكز القوة الدولية. ويذكر في هذا الاطار ان البيانات التي صدرت عن الأمم المتحدة لم تسم “جبهة النصرة”، علما ان الاخيرة كانت طالبت المنظمة الدولية بنزعها من لائحة الارهاب في معرض التفاوض من اجل اطلاق جنود القوة الدولية الذي تحتجزهم. ويلفت بعض المراقبين ايضا الى ان التحالف الدولي من اجل مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية” لم يذكر “جبهة النصرة” من ضمن الاستهدافات المحتملة.

النهار

 

 

 

“داعش” وتفكيك “الهلال”/ محمد إبرهيم

تتعرض الخطة التي وضعها الائتلاف الدولي لمحاربة “داعش” لانتقادات كثيرة. وواضعوها أنفسهم لا يبشّرون بنتائج سريعة. أما نقطة الضعف الرئيسة في الخطة فهي كيفية التوفيق بين “الجناحين”: الجوي والأرضي، للقتال مع “داعش”. فالعلاقة بين الجناحين تكشف اختلالا فادحا، لمصلحة “الجو”، علما بأنه لا أمل بتحقيق النصر المرتجى بدون “الأرض” الصلبة.

في سوريا القوى “الأرضية” المنتظرة ما زالت في مرحلة وضع خطط التدريب والتسليح. فيما المهمة الملقاة على عاتق قوى المعارضة المعتدلة، تطوّرت لتصبح مزدوجة: التصدي في الوقت عينه للنظام ولـ”داعش” وللتواطؤ المفترض بينهما. ومع افتراض حسن النية في هذه الخطة فإن واضعها يعرف ولا شك انها تحتاج لسنوات، قياسا بتجربة القوى المعتدلة.

في العراق القوى “الأرضية” جاهزة، مبدئيا، فالجيش العراقي والبيشمركة الكردية في وضعية قتالية، والغطاء الجوي الذي بدأت تؤمنه الولايات المتحدة عنصر حاسم في قدرتها على التقدم. لكن تجارب الأشهر الأخيرة ليست لمصلحة توقّع اختراقات كبرى على الأرض. ويلفت النظر هنا أن إيران لا تزال تهدد بالتدخل في حال تعرّضت بغداد والنجف وكربلاء للخطر المباشر!

في كل الأحوال يبدو أننا أمام سنوات من القتال طالما أن أصل ظاهرة “داعش” لم يتم التصدي له، ولا يبدو أن الائتلاف الدولي في هذا الصدد. “داعش” مولود الصراع السني- الشيعي، والتتمة الطبيعية للرعب الذي أثاره “الهلال الشيعي” في امتداد الغزو الأميركي للعراق وإسقاط صدام حسين، فما هي خطة معالجة الأصل؟ الإنجاز الوحيد حتى الآن هو إزاحة المالكي بصفته رمز هيمنة إيران على العراق. لكن العملية السياسية الجارية في بغداد لم تثمر حتى الآن شعورا بأن هناك تغييرا جوهريا في موقع السنة في أجهزة الحكم، فكيف يمكن توقّع معركة عسكرية ناجحة بدون “انتفاضة” سنية تلغي مفاعيل انتفاضة “داعش”؟

تركيا التي أدارت ظهرها للائتلاف، الذي لا يجرؤ على طرح لغز علاقة أنقرة ب”داعش”. وإيران التي استُبعدت من صفوفه رغم استعداداها الكامل للانضمام. ألا تشير وضعيتهما إلى أن الصراع السني- الشيعي بخير؟ بل هو مقبل على ازدهار؟ ألا يشكل ما يجري في اليمن من مرابطة الحوثيين على أبواب صنعاء إشارة إلى أن معركة حصار العواصم لا تزال على أشدّها في الصراع السني- الشيعي الإقليمي؟

ربما يمكن إيجاد تبرير لسلوك الائتلاف بتصوّر هدف مختلف له. فهو لم يتشكل للقضاء على “داعش” وإنما لمنعه فقط من اجتياح بغداد ودمشق. أما بقاؤه فمطلوب، حيث هو، إلى أن تقدم طهران التنازلات المطلوبة وتبادر طوعا إلى تفكيك… “الهلال”.

النهار

 

 

 

كيف ستعود أميركا إلى العراق؟/ عبد الامير الركابي

في جلسة استماع في الكونغرس مؤخراً، قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل :”ان المعارك في العراق ضد داعش قد تتطلب وجود قوات على الارض”. وفي الجلسة ذاتها تحدث رئيس هيئة الاركان مارتن ديمبسي، فقال “إن عمليات القصف لن تكون مماثلة للغارات الواسعة النطاق التي صاحبت بداية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003 والتي سميت الصدمة والرعب”، الأمر الذي تم تفسيره على أنه اعلان عن عمليات واسعة تقتضي التوضيح بانها ليست بمستوى الغزو الأول.

أنباء ترددت على لسان مسؤولين اكراد قالت إن الولايات المتحدة بصدد اقامة قاعدة عسكرية دائمة في كردستان، بعضها أفادت أن ما سيجري بناؤه هو اكثر من قاعدة، فيما أفادت أوساط اخرى أن الامر يتعلق بقاعدة انجرليك الاميركية في تركيا، بعدما تردد عن خلافات اميركية تركية، وصلت مؤخراً إلى درجة قد تدفع الأولى لنقل قاعدتها من الاراضي التركية الى كردستان العراق. لكن ثمة من فصل بين نقل قاعدة انجرليك، وبناء قاعدة اخرى غيرها.

هذه الانباء اعادت طرح السؤال حول كردستان واهميتها، او حقيقة الخطط الاميركية المنوي تنفيذها في هذا الجزء من العراق، فالتحرك الاميركي الاخير، واضطرار اوباما للانتقال من سياسة “التدخل الناعمة” التي ظل يصر عليها، ويتحدث عن مبرراتها واسبابها (اللقاء الاخير مع الصحافي توماس فريدمان)، نحو سياسة جديدة، هي أقرب الى “التدخل الهجومي الرخو”، تكاد تكون قد تسارعت، أو وضعت موضع التنفيذ، ابتداءً من لحظة وصول الخطر الى مشارف كردستان ليلة الثامن من الشهر الماضي، عندما تقهقرت قوات البيشمركة، وظهرت طلائع مسلحي داعش عند مشارف اربيل.

بعض المسؤولين الأكراد، الحقوا بتصريحاتهم صفة “المركز الاقتصادي” لأربيل، بما ذكروه عن نوايا بناء قواعد في كردستان العراق، ظناً منهم ان هذا الجانب يمكن ان يفسر دوافع التحرك الاميركي وحجمه الذي يصل لدى بعض المراقبين الى كونه احد الاسباب المحفزة لقيام الحلف الدولي المعلن في ويلز ضد داعش.

أول رد فعل عراقي غير رسمي على تلك الانباء جاء على لسان مقتدى الصدر، فقد ذكّر الاميركيين بمقاومة تياره لهم، واكد بانه سيعود لمقاومتهم. تصريح الصدر بدا كأنه لم يسمع، أو كأن الاجواء العامة تسير باتجاه معاكس له، مع ذلك ظهرت، في وقت لاحق، ملامح تبادل ادوار طائفية بخصوص الموقف من الوجود الاميركي الجديد، فـ”عصائب اهل الحق” و”كتائب حزب الله” و”سرايا السلام” وهي مليشيات شيعية، اصدرت ثلاثتها بيانات، كان اللافت فيها أنها صدرت في يوم واحد، الأسبوع الماضي، وقالت فيها بعبارات متشابهة: “سنقاتلهم اذا ما وطأت اقدامهم الارض”.

التصريحات والبيانات آنفة الذكر وضعت نقطة استفهام كبيرة ومقلقة على اكثر من مستوى. فالمليشيات المذكورة متداخلة مع ما أصبح اسمه “الحشد الشعبي” الذي يقاتل الى جانب القوات الحكومية، منذ اطلق المرجع على السيستاني فتواه بالجهاد اثر خروج الموصل من يد الحكومة المركزية في حزيران الماضي، وبما ان الاميركيين ينوون الإعتماد على الجيش العراقي براً، كما هو متناقل ومراقب من طريقة إعدادهم لارض المعركة، ورعايتهم المباشرة لتشكيل حكومة تشارك فيها كافة الاطراف والكتل. فلابد ان يكونوا متنبهين لنذر ما يمكن ان يكون ابعد من مجرد بيانات عابرة اصدرتها المليشيات المذكورة، او اطلقها مقتدى الصدر.

فهل يمكن اعتبار تلك الاصوات من قبيل الاشارة الايرانية الروسية؟ وكيف تكون انعكاساتها على الحكومة الجديدة، وحتى على المرجعية التي ستجد نفسها محرجة اذا ما أظهر المشاركون في القتال استجابة لفتواها ملغمين بمجموعات تتعارض اهدافها مع اهداف “الحشد الشعبي” والحكومة المتحالفة مع الامريكيين ضد داعش. والاخطر اذا ماعمد هؤلاء فعلا لاستغلال الموقف واستهدفوا الاميركيين؟ وهل سيضطر الاميركيون وقتها للقيام بما ظلوا يتحاشونه، فتتدحل قواتهم البرية. وأي الجهات سيقاتلونها في حينه؟ داعش، أم من يرفضون وجودها على ارض العراق؟ مع احتمال ان تظهر قوى سنية تنضم لمثل هذه الجبهة. سوى ذلك، ماذا ستكون انعكاسات او نتائج بناء قواعد في كردستان، او نقل قاعدة انجرليك اليها، في ظل تزايد اللغط والتساؤلات عن “سر كردستان”؟ مايعزز احتمالات تحولها الى بؤرة صراع استخباري وسياسي روسي اميركي، تكون ايران فيه قادرة بحكم القرب الجغرافي، وحتى التداخل البشري، على القيام بدور قد تكون نتائجه كارثية على استقرار كردستان.

كثيرة هي الاسباب التي تجعل المتابع يميل للاتفاق مع ما قالته احدى الجرائد الصينية التابعة للحزب الشيوعي الحاكم، واصفة الحلف الذي اقامته الولايات المتحدة مؤخراً ضد داعش، بالـ”النمر من كرتون”، فهل وقع الاميركيون في الفخ بنظر روسيا الصامتة حتى الان؟

على أي حال، ما يزال الوضع العراقي يفرخ في كل خطوة من خطوات حاضره، تعقيدات تفوق قدرة أي كان على ضمان نتائج مطابقة لما قد يتصوره أو يخطط له، أو يعمد إلى رسمه لهذا البلد المضطرب.

المدن

 

 

هؤلاء و… “داعش”!/ نهلة الشهال

يسأل القوم بكل براءة عن السبب وراء ظهور «داعش» وطغيان أمثاله. ويستنكرون، في سعي للتنصل من الحالة. بعضهم يقول متعالياً متأففاً «العرب هم كذلك، نصيّون» وكأن العرب هؤلاء كتلة صماء وجوهر ثابت. بعضهم يقول مصححاً، ولكن بتأفف وتعال لا يقلان عن سالفهما: «العقل العربي»، وهو تعبير لا يوجد له معادل، فحتى الجبال والصحارى والمحيطات ليست هي نفسها لحظة بعد لحظة، فكيف هناك «عقل عربي» مطلق يستحق تحميله كل مثالب وضعنا. وتستمر المحاجّة بسؤال/برهان: لماذا غالبية من الشعب المصري تبدو مؤيدة للسيسي على رغم معرفتها، الواضحة الى هذا الحد او ذاك، بعجزه عن قيادتها إلى بر الأمان؟ لأنها تريد أباً تستكين اليه. اباً أو فرعوناً. وحين يَحْرف مناقِشٌ الكلام الواثق إلى أسئلة من نوع: لكن، ما هو بر الأمان؟ هل له جغرافيا ووجود أصلاً؟… يثير الغيظ، على رغم أن تلك هي الأسئلة الفعلية، التأسيسية لأي تفكير.

وبخلاف الذين يرتضون قِسْمتهم ويكتفون بالدوران في حلبة العيش والاهتمام بالنفس والأهل، وهم الغالبية الأعم، سواء كانوا أثرياء أم معدمين، متعلمين ومهنيين أم كسبة أم متعطلين، متقشفين أم محبي عيش…، ينقسم بقية الناس، ممن يرون أنهم معنيون بالشأن العام، معسكرين. الأول، «ينظِّر» للواقع القائم بوصفه مطلقاً، سواء مَجّده (وهؤلاء فئة من يَعرِف من أين تؤكل الكتف، ويغوص في شحمها ولحمها وزنخها ويتحمل علانية مسؤولية موقعه على أساس أن سوى ذلك وهمٌ)، أو ذَمّه وقرِف منه (وغالبية هؤلاء ممن يعض الكتف ويأكل منها دون أن يكون راضياً، وهم «يهددون» دوماً بالمغادرة إلى أماكن «متحضرة»). وبين هؤلاء حركة وتداخل وتبادل مواقع لا تنقطع. وأما القسم الآخر، ممن بقي أفراده نظاف الفم والكف بشكل عام، فيتكلمون بطريقة هلامية، وتبدو دعواتهم إلى التغيير، والأمل به، طوبى مبدئية تصلح لكل زمان ومكان، صحيحة قيمياً ولكنها بلا أثر ولا تأثير. وهي حال الكثير من اليساريين في معمعة الحركة الصاخبة للتاريخ في منطقتنا اليوم، الذين ظلوا بلا قدرة على التدخل في ما يجري، مفوّتين، يهرب منهم سائر الخلق لأنهم ثرثارون أو مضجرون. وهناك من أمضى سنوات في السجون والمعتقلات، ومن قضى في سياق تمسكه بقناعاته وخوضه للحياة وفقها. وليس مؤكداً أن رفاقهم ممن لم يصادفوا أياً من المسارين، لا يرونهم كخسارات صافية، حتى لو لم يجاهروا بهذا الرأي احتراماً لعذاباتهم.

… لماذا «داعش»؟ يكاد المرء يجيب: ولم لا؟! وتعضد المقارنات ذلك الشعور الممض.

اندريه مالرو صاحب «الشرط الإنساني»، هو إحدى قمم الأدب والثقافة الفرنسيَين، وهو حين يُعرّف، تُذْكر مغامراته وفضوله العالميان، ومواقفه المناهضة للاستعمار في الهند الصينية حيث عاش بعض الوقت، ثم قتاله ضد الفاشية، ليس عبر النصوص والمواقف فحسب، بل بانخراطه في الحرب الأهلية الإسبانية في المعسكر الجمهوري ضد فرانكو (روايته «الأمل»)، ثم في المقاومة الفرنسية للنازية، واعتقاله. وهو أمضى عشر سنوات وزيراً للثقافة في ظل ديغول، ولكن ذلك ليس أكثر ما يُحفظ منه أو له. جان بيار فرنان، احد أكبر المؤرخين الفرنسيين والمرجع في التاريخ اليوناني القديم، وبالأخص منه ما يتعلق بالأسطورة، والأستاذ في الكوليج دو فرانس، وصاحب المؤلفات الغزيرة، ومنها كتاب مع جان بوتيرو «الشرق القديم ونحن»…، كان «الكولونيل برتييه» في صفوف المقاومة الفرنسية للنازية. واتخذ موقفاً مؤيداً للنضال الوطني الجزائري، ووقّع بيان الـ 121 الشهير (1960) الداعي للتمرد على الخدمة العسكرية في الجزائر، حيث نجد أسماء اندريه بروتون وجان بول سارتر ومارغريت دوراس وفرنسواز ساغان وسيمون سينيوريه وفرنسوا تروفو… فيكاد اجتماع هؤلاء الـ 121 يختصر الأسماء الألمع في الميادين الثقافية والفكرية والفنية في فرنسا. ومن الموقِّعين كذلك بيار فيدال ناكيه، وهو مقاوم آخر، ومؤرخ مختص بالحقبة الهيلينية، كما رفيقه وصديقه فرنان، والذي اتخذ موقفاً مؤيداً لنضال الشعب الفلسطيني حتى آخر يوم في حياته. وإلى جانبه في اللائحة فرنسوا ماسبيرو الذي ما زال نشطاً يقظاً على رغم تجاوزه الثمانين، وهو صاحب مكتبة «فرح القراءة» التي كانت تجربة قائمة بذاتها في حي قريب من جامعة السوربون في قلب باريس، ودار نشر تحمل اسمه، أصدرت كتباً لم تكن أي دار أخرى تريد إصدارها، عن النضال التحرري في افريقيا وأميركا اللاتينية ومساحات أخرى للتمرد على الخضوع. وهذه، ومعها غيرها من الكتب الكلاسيكية «المحترمة» (ككتب صديقيه جان بيار فرنان وفيدال ناكيه السالفي الذكر… ها قد عدنا إلى مبتدأ الدائرة، ولكن هل للدائـــرة مبتدأ؟)، حفّزت النقاش الفكري والسياسي الثري في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى أواسط السبعينات، حين أغُلقت المكتبة وتنازل الرجل عن دار نشره لسواه، بعدما تعرض لملاحقات قضائية لا تنتهي ولأحكام قاسية وللإفلاس.

ولما كان ماسبيرو صغيراً على الانخراط في مقاومة النازية، فقد فعل والده، وكان أستاذاً مختصاً بالصين في الكوليج دو فراس، ومات في معسكرات اعتقالها، كما قتل شقيقه في صفوف تلك المقاومة. وماسبيرو غطى بتحقيقات شهيرة غزة (نعم!) واتخذ موقفاً مؤيداً بلا لبس للنضال الوطني الفلسطيني، وقبله انخرط عملياً إلى جانب النضال التحرري الجزائري. وهو أعاد نشر كتاب «قصص الكوليما» لفارلام شاماتوف، الكاتب الروسي الذي أمضى نصف عمره في معتقلات ستالين، ليس لانتمائه للعدو الغربي بل للتروتسكية، وكانت قصائده توزع بواسطة شبكة «ساميزداد» الهائلة، وهي كلمة روسية تعني «النشر الذاتي»… ما يذكِّر بما ظهر خلال سنوات الحصار في العراق، ما بين 1991 و2003، حين تراخت قليلاً قدرة صدام حسين على الرقابة والعقاب، فترجم المثقفون العراقيون كل ما يخطر ببال، واستنسخوه باليد أو على آلات بدائية، كما انفلتت مؤلفات جيل بأكمله منهم، وكانت من كل نوع.

وهذا تناولٌ لجزء يسير، ويكاد يكون عشوائياً، من التجربة الفرنسية التي يسهل عليّ الاطلاع عليها بسبب اللغة، بينما تقابلها وتماثلها تجارب إسبانية وإيطالية ويونانية… ناهيك عن تلك الأميركية اللاتينية.

لماذا «داعش»؟ لأنه لا أمثال لهؤلاء عندنا، فـ «داعش» هي البديل/الملجأ/الحال الطبيعي، وغيابه كان ليكون مستغرباً جداً.

الحياة

 

 

 

 

فصول التحالف الجديد بين «داعش» و «هلال الممانعة/ حازم الامين

هناك تجربة يجب القياس عليها لاستشراف موقع «هلال الممانعة»، أي سورية وايران وروسيا، من الحرب المزمع شنها على «داعش». والتجربة هي ما كان يُطلق عليه «المقاومة العراقية»، في النصف الثاني من العقد الفائت. ففيما كانت تلك «المقاومة» نوعاً من الحرب الأهلية، تمكنت كل من سورية وايران من الاستثمار في «مقاومة الآخرين» للاحتلال الأميركي. طهران ودمشق وحدهما من استفاد من «المقاومة» السنّية. فقد انسحب الأميركيون وتركوا العراق هدية لطهران، وكان من نتائج ذلك أيضاً أن انحاز النظام الجديد في العراق إلى نظام «البعث» في سورية في المحنة التي تعصف به هذه الأيام.

اليوم نشهد فصولاً تُذكِر بتلك الوقائع. العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يستعد لخوض حرب على «داعش». طهران ودمشق استُبعِدتا من هذا التحالف لأسباب يعرفها الجميع، وأعلنتا أنهما لن تسكتا عن «انتهاك» السيادة، ولم يُخفف حدة لهجتهما أن الحرب تستهدف عدوهما، أي «داعش». التشابه هنا يكاد أن يُلغي الفروق. فصدام حسين كان أيضاً عدو عاصمتي الممانعة، وكان من بين أهداف إسقاطه «حماية الشيعة» أيضاً.

في حينه توزعت العاصمتان المواقع: دمشق راحت تضخ «مجاهدي القاعدة» إلى بغداد ليستهدفوا كل شيء هناك، وطهران راحت تدعم الميليشيات الشيعية. ونجحت الخطة المحكمة، فسقطت بغداد في يد طهران.

بدأ سيناريو مشابه يلوح اليوم. ولن تتردد كل من العاصمتين في محاولة تأمين نصر لـ «داعش» تعودان لاحقاً لاستثماره. فتنظيم «الخلافة» الذي تمكن في أشهر قليلة من السيطرة على مناطق واسعة في العراق وسورية مستعيناً بالدرجة الأولى بمشاعر الانقسام المذهبي الذي لطالما غذته طهران ودمشق، هو اليوم الدجاجة التي تبيض ذهباً لهلال الممانعة. فالجميع يعرف أن لا مستقبل لهذا التنظيم ولا أفق، وأن ينجح في إعاقة أهداف التحالف الدولي، فهذا يعني أن جهةً ما من المفترض أن تستثمر في ذلك، ولن تكون هذه الجهة سوى طهران والنظام المتداعي في سورية.

نعم طهران محقة عندما تقول إن التحالف الدولي ضد «داعش» يُضمر سوءاً للنظام في سورية. بدأت مؤشرات ذلك تلوح عبر اعلان الولايات المتحدة تدريب فصائل من المعارضة السورية في موازاة الغارات التي ستشنها على «داعش»، علماً أن الهدف من ذلك هو منع النظام السوري من الاستثمار في نتائج هذه الضربات.

ويبدو أن جيش النظام في سورية بدأ يتحرك وفقاً لهذه المعطيات. ففي الأسبوعين الفائتين انتقلت غارات طيرانه إلى استهداف الفصائل المناوئة لـ «داعش» في إدلب وحلب. وما إضعاف خصوم «داعش» إلا بداية طريق لضخ المزيد من أسباب الصمود في شرايين «الخلافة». ثم إن مؤشرات أخرى بدأت تلوح لا يُمكن استبعادها عن هذا السياق. ففي الأسبوع الفائت أعلن «حزب الله» أنه سيُضاعف نشاطه العسكري إلى جانب النظام في سورية، وأن المرحلة تقتضي مزيداً من القتال هناك، وهذا الإعلان جاء غير منسجم مع سياسة الصمت التي يضربها الحزب على دوره في دمشق، وغير منسجم أيضاً مع ما يُمكن أن نتوقعه لجهة تبريد الاحتقان المذهبي. إعلان الحزب سيُقدم لـ «داعش» مزيداً من المقاتلين، وسيجعل من هذا التنظيم الجهة التي تتولى مواجهة المد الشيعي. الإعلان جاء فعلاً هدية قيّمة لـ «الخلافة» في ظل ادعائها دفع الظلامة عن «أهل السنة». وفي السياسة لا يمكن توظيف هذا الإعلان إلا بالرغبة في دعم «داعش».

صحيح أن الصعود المفاجئ لـ «داعش» أحدث هلعاً في صفوف «هلال الممانعة»، لكن التحالف الدولي المستجد هو العدو غير الأهلي الذي يشكل تهديداً أكبر. وفي ظل هذه المعادلة، فإن العدو الأهلي الذي لا مستقبل سياسياً له هو الخيار، وعلينا أن نتوقع تغيراً وشيكاً في المواقع مع بدء الغارات على مواقع «داعش» في سورية.

في العراق لا يبدو أن هناك تحفظاً جوهرياً لطهران عن مهمة التحالف. ضرب «داعش» هناك سيُعزز مواقع حلفائها، وإن كان غير واضح بعد ما وعدت به واشنطن السنّة العرب، لا سيما أن الجميع يعرف، خصوصاً الجنرال جون آلن، أن لا نصر على «داعش» من دون أثمان سياسية فعلية يجب أن تُدفع للسنّة العرب. أما في سورية فليس أمام «هلال الممانعة» إلا الرهان على صمود «داعش»، وبما أن هذا الصمود لن يؤمنه إلا استهداف خصوم التنظيم من المعارضة السورية، وإعاقة تقدمهم إلى المواقع المستهدفة بالغارات، فسيتولى جيش النظام إضعاف خصوم «الخلافة» وسيتولى «حزب الله» رفع مستوى الجاهزية المذهبية لـ «تنظيم» الدولة عبر كشفه مزيداً من الأدوار التي يؤديها في سورية.

كانت الخطة تقضي بأن يُسارع العالم إلى تحالف مع النظام في سورية للقضاء على «داعش». رُتب المسرح لذلك، وخرج وليد المعلم مرحباً بحرب دولية على هذا التنظيم، مُقدماً «السيادة» هدية لمن يطلبها، شرط أن يبقى النظام، أما وأن العالم رفض، فإن ذلك يعني أنه «امبريالي».

لا قيمة للخصومة المذهبية في حرب من هذا النوع. مستقبل النظام في سورية أهم في عرف طهران من الأخطار التي يُشكلها «داعش». وهذا التنظيم، في ظل انسداد أفقه السياسي، سيتيح لطهران أن تستثمر في دمشق على نحو ما أتاحت «القاعدة» لها أن تستثمر في بغداد. لا قيمة للضحايا أيضاً إذا كان موتهم، على مذبح المصالح. العدو المذهبي حليف موضوعي، وهذه المعادلة التي ابتُذلت عشرات المرات في حروبنا الأهلية الممتدة على مدى تاريخنا الحديث، ها هي تنبعث مجدداً. أميركا، عدو طهران و»حزب الله» والنظام في سورية، ستشن حرباً على «داعش». ومصلحة طهران أن لا تُهزم «الخلافة»، وربما احتاج ذلك تسعيراً للخطاب المذهبي، وربما أيضاً فتح معسكرات لتدريب «المجاهدين» السنّة. ولمَ لا؟ ألم نشهد مثيلاً لذلك في العراق بين 2005 و2009؟

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى