صفحات الناس

مقالات وتحقيقات تناولت الوضع في حلب

 

 

 

قصص موت وحياة في آخر ملعب للأطفال في حلب

ماجد يواظب على سقاية قبر والدته التي ترقد هناك

عبد الاله مجيد

ينقل كريستوف رويتر لشبيغل أونلاين مشاهدات مؤثرة شهدها في آخر ساحة للعب الأطفال في حلب، تنكمش رويدًا رويدًا إذ تغزوها القبور، حيث تتجاور جثامين جند النظام السوري ومعارضيه.

كان ماجد يجر بمشقة كبيرة دلوًا مليئًا بالماء على العشب الذابل. وحين سُئل عما يفعله، أجاب ببراءة: “أسقي أمي”. ومتى سأله أحدهم لماذا يسقي امه، ينظر الصبي ابن الثلاثة عشر عامًا بحيرة، وكأنه سؤال غبي لا يطرحه إلا الغريب، لكنه يجيب: “لأنها ترقد هنا”.

نصر على الموت

يصب الماء على كومة من تراب، هي قبر أُمه، الذي يستظل شجرة صنوبر قديمة. يقول: “يجب أن أسقيها، وحينذاك ينمو شيء بكل تأكيد”، ثم يعود لملء الدلو مجددًا.

توفيت أم ماجد في الصيف، لكن لا أحد في العائلة يملك ما يكفي من المال لوضع شاهد يليق بها، أو حتى ترسيم حدود القبر. يقول ماجد: “ماتت بسبب قلبها، وكانت في منتصف ثلاثينياتها”.

في الواقع، لا أحد في حلب يسأل اليوم لماذا مات فلان أو فلان. ويجر ماجد دلوًا ثالثا من الماء إلى قبر أمه، كأنه يريد التكفير عن أثم لا يد له فيه، بل كأنه يستطيع أن يحقق نصرًا صغيرًا على الموت بدلو ماء يسكبه على قبر أمه.

الساحة الأخيرة

بعد ذلك، يعود ماجد إلى اللعب مع الأطفال الآخرين، في ساحة الرمل القريبة، حيث تنتصب أراجيح وزلاقة وكومة تراب. إنها آخر ساحة للعب الأطفال في حي صلاح الدين وسط حلب، يأتيها الأطفال كل يوم، يملأ الصغار منهم أنصاف قناني بلاستيكية بالرمل، والأكبر منهم يلعبون لعبة الحرب.

يضيف كرسيتوف رويتر، في تقرير له من حلب، نشرته شبيغل أونلان، أن أصوات الرصاص تتردد في ساحة اللعب، وتهتز المباني المحيطة من قوة الانفجارات، لكن ماجد وجوجو والآخرين لا يعيرونها أي اهتمام، ليس لأنهم يستهينون بالخطر بل لمعرفتهم الواسعة بهذه الأصوات. وقال عماد (11 عامًا): “انها قذيفة هاون”، حين دوى صوت انفجار مكتوم. أضاف: “لقذائف الدبابات صوت مختلف”.

قواعد البقاء

لأطفال حلب آذان مدرَّبة على الأصوات التي ترافق الموت، خصوصًا الأطفال الذين يترددون على آخر ساحة لعب في حي صلاح الدين. فهي تقع على جبهة القتال مباشرة. ويقع الشارع التالي في مرمى قناصة النظام، لهذا أُقيمت حواجز على التقاطع الذي يلي ساحة اللعب.

وبذلك، يكون حائط الساحة المواجه لذلك الجانب من المدينة بمثابة خط الحدود بين الحياة والموت. واحيانًا تكون رائحة الجثث المتفسخة عالقة في الهواء القريب.

في هذه الأجواء، ثمة قواعد للبقاء بحسب رويتر، تقول احداها: كلما اقتربت من الجبهة قل تعرضك لخطر البراميل المتفجرة، التي يمكن أن يصل وزنها إلى طن. تُلقى هذه البراميل المليئة بالمتفجرات والكرات المعدنية من مروحيات على ارتفاع آلاف الأمتار وكثيرًا ما تحرفها الريح عن مسار سقوطها. وتتجنب مروحيات النظام استخدام هذه البراميل في المناطق التي لا تفصل بين قوات النظام والمعارضة إلا 100 متر. وفي حي صلاح الدين الذي تفصله حارة واحدة عن الجانب الآخر من المدينة لا تكون حتى قذائف الدبابات مصدر خطر بسبب قرب المسافة.

عادي!

في مناطق اخرى من حلب، التي كان يسكنها أكثر من مليونين، ينهمر الموت عل السوريين من السماء أكثر من أي وقت مضى، إذ تضاعف عدد البراميل المتفجرة مرتين منذ تشرين الأول (اكتوبر)، وثلاث مرات في مدن أخرى شمالي سوريا. ومرة أخرى توشك قوات النظام على تطويق مواقع المعارضة في حلب.

لكن الوضع في ساحة اللعب طبيعي، على نحو غريب. فالأطفال ينزلقون ويتأرجحون على جبهة القتال. ومن أكثر الكلمات التي سمعها رويتر من أفواه الأطفال هي كلمة “عادي”. فأن يلعبوا على مرمى القناصة أمر “عادي”، وأن تزحف قبور الموتى إلى ساحتهم شيئا فشيئا أمر “عادي”، وأن يكون العديد من آبائهم وأخوتهم واقاربهم قد قُتلوا أو اختفوا أمر “عادي”، وأن يكونوا هم أنفسهم رأوا الموت في احيان كثيرة، فهذا “عادي”.

انكماش الساحة

لم يعد عماد وماجد وصديقهما احمد يلعبون في التراب، لأن هذا أصبح لعب “الاطفال الصغار”. ويقول أحمد: “نحن نلعب جيش الأسد والثوار، نتقاتل وننصب كمائن ونأخذ أسرى”. لكنهم لا يغامرون باللعب بين أنقاض الحي. يقول أحمد: “أمي تقول هذا غير مسموح”، مضيفًا أن والديه يستطيعان رؤية ساحة اللعب بسهولة منذ قُصفت عمارتهما السكنية، وانهار جدار شقتهما لذي يطل على الساحة.

وأوضح أحمد لشبيغل أونلاين: “الجدار الذي كانت فيه نوافذ لم يعد قائمًا”.

وكان آلاف السوريين، بينهم الكثير من الأطفال، قُتلوا في القصف أو بالرصاص أو تحت أنقاض بيوتهم. لكن الأطفال الذين نجوا ولم يعرفوا سوى الحرب طيلة الشطر الأعظم من حياتهم يرون في الجحيم المحيط بهم حقيقة من حقائق الحياة اليومية، لا تقف حائلًا بينهم وبين اللعب، في هذه الساحة على الأقل.

وينكمش الفضاء المتاح للعبهم من أسبوع إلى آخر، إذ يتعين دفن الموتى في مكان ما، فوجدوا مثواهم الأخير في هذه الرقعة. وحين لا يكون أحمد واصدقاؤه منهمكين في اللعب فانهم يسقون القبور المرتَّبة بانتظام، رغم أن العديد منها لا تحمل حتى اسماء المدفونين فيها.

هنا دفن “الجهاديون”

قرب المدخل، دُفن “الشهداء” ومقاتلو المعارضة والضحايا من سكان الحي. وفي المؤخرة، على اليمين قرب الجدار الفاصل بين الحديقة وخط نيران القناصة، دُفن جنود النظام وشبيحته.

وتحت كومة التراب، حيث يلعب الصغار، دُفنت رفات ثلاثة “جهاديين” فجروا أنفسهم في اوائل كانون الثاني (يناير). وقال الطفل عماد لشبيغل أولانين: “لعلهم كانوا اربعة، فالأشلاء كثيرة ومن الصعب فرزها، وشباب الثورة أهالوا التراب عليهم هنا”.

وقال آخرون إن الثوار لم يكونوا يحبون “الجهاديين”. ويتذكر أحدهم: “كانوا يضربوننا ويدفعوننا دائمًا إلى المسجد للصلاة، ولكننا كنا نريد أن نلعب”.

يصعب جمع الأشلاء ومعرفة لمن تعود هذه الساق او هذا الذراع، فكان متعذرًا دفنهم بطريقة لائقة، لذا وضعت اشلاؤهم في حفرة واحدة وأُهيل عليها التراب، إلى أن ظهرت هذه الأكمة في ساحة اللعب.

إحساس بالاستقرار

إلا أن رويتر نقل عن الأطفال قولهم: “لا نسقي إلا الشهداء”. وهذه جزئية مهمة كررها عماد عدة مرات. ومثلما يحمل ماجد دلاء الماء إلى قبر أمه، فان الأطفال الآخرين يعتنون بقبور ذويهم، كأن هذا العمل الصغير يمنحهم احساسًا بالاستقرار وسط الفوضى المحيطة بهم.

انها ليست حربهم، لكن آباءهم وأشقاءهم وامهاتهم واقاربهم هم الذين يموتون ويرقدون هنا، قرب الذين حاربوا مع القتلة.

وهؤلاء قبورهم لا تحصل على ماء يسقيها من الأطفال. ذهب شقيق أحمد الأكبر ذات يوم باحثًا عن خبز، حين توقف مخبز الحي عن العمل. كان ذلك قبل عامين، ولم يعد. ابن عم احمد أراد أن يحلق شعره فاختفى هو الآخر، وكذلك شقيق عماد.

كل القصة

هناك مركز في حلب تُجمع فيه صور الجثث مجهولة الهوية، ويحفظ شرطي متقاعد في المركز متعلقاتهم في أكياس صغيرة، ويسجل تاريخ ومكان العثور عليها في دفتر. لكن البحث عن الموتى مكلف ويستهلك الكثير من الوقت والطاقة وهذه كلها موارد ثمنية يحتاجها الحلبيون من أجل البقاء.

وحين سُئل عماد إن كان يعتقد بأن شقيقه سيعود ذات يوم، طقطق بلسانه وهز رأسه بالنفي. صمت لحظة قبل أن يتنحنح قائلا: “شقيقي ذهب ولم يعد، هذه كل القصة”.

الحديث عن هذه الأمور ليس ممنوعًا، ولكن لا أمل في الحصول على اجابة. فان والد ماجد اعتُقل ولم يعد وان والدي طفلين آخرين أُقتيدا مثله على احد حواجز التفتيش ولم يعودا. وهذه هي القصة وما فيها.

لا أريد إلا عودة أبي

حسن (5 أعوام) كان الوحيد الذي لا يريد أن يقول لماذا اختفى والده أو حتى أن يعترف باختفائه. ويكاد حسن يذرف الدموع حين يقول صبي آخر بهدوء: “والده مات منذ زمن طويل”، ويستشيط غضبًا ويشد قبضته ثم يترك ذراعه تسقط على جنبه مكتفيًا بالقول: “لا أُريد سوى عودة أبي”.

رغم زحف القبور إلى ما تبقى من ساحة اللعب، فإن رقعة مزروعة بالخضار تحتل الثلث الأخير، إذ قام احد الجيران بزرع هذه الرقعة في الربيع، ولكن ما فعله اثار غضب قادة المعارضة في المنطقة الذين اعلنوا الموقع كله مقبرة.

ويشكو بكري محسوم قائلًا: “أسقي الحديقة منذ سنوات وأعتني بالرقعة المزروعة كل يوم، فالكوسا والطماطم والبامية مزروعة للجميع في المنطقة”. ولكن نمو نبتة الكوسة ليستظل بها قبران بمرور الزمن لم يخفف من وطأة المأساة، بحسب رويتر.

خطر الذكريات

يتناهى صوت رصاصة. قطة تسلقت سطح كوخ أُصيب بأضرار قرب الجانب الخطير وصبي جديد في المنطقة يتسلق لملاحقتها. كان الصبي مرئيًا للحظات في مرمى الجانب الآخر، ولحسن الحظ لم يُصب أحد بأذى، وقفزت القطة عائدة من سطح الكوخ. يصرخ بكري من وراء مزروعاته: “لا احد يتسلق إلى هناك، فهو مكان خطير”.

بعد أقل من دقيقة يُنسى الحادث. يقول احمد لشبيغل أونلاين إن صديقه سمير أُصيب برصاصة في ذراعة في اليوم السابق، عندما كان يحاول أن يساعد والده، الذي كان يحاول أن يجر جارًا جريحًا من خط النار.

يقول الصبيان انهما كانا يخرجان مع عائلتيهما أيام الجمعة، ويذهبان إلى الريف لزيارة اجدادهما أو ربما إلى نهاية الشارع لشراء الآيس كريم. ويتذكر ماجد قائلًا: “نعم، كان ذلك لطيفًا”. قال ماجد ذلك بصوت خافت أقرب إلى الهمس، وكأن هناك خطرًا في العودة إلى الذكريات.

نفتقد المدرسة

تلاشت المدرسة، وأصبحت شيئًا يمت إلى الماضي. قبل عامين ونصف العام، كانت الدروس مستمرة رغم القتال، كما يتذكر ماجد. يضيف: “ثم جاءت الصواريخ وصرنا ننتقل من مدرسة إلى أخرى ثم إلى القبو”.

بدأ عدد التلاميذ يقل بعد نزوح آبائهم أو مقتلهم أو خوفهم على أطفالهم. ويؤكد ماجد انه يفتقد المدرسة، ويفتقد أكثر الشقيقتين نور ابنة الستة عشر عاما وريم ابنة السبعة عشر عاما اللتين كانتا تعلمانه القراءة والكتابة والانكليزية في ساحة اللعب. ويتذكر ماجد: “كانتا لطيفتين معنا”.

الآن، ترقد الشقيقتان تحت الأرض التي يلعبون فوقها، يضم رفاتهما افضل قبر في الساحة، عليه بلاطة من الرخام حُفرت فيها اسماء افراد العائلة الذين قُتلوا بقنبلة في الربيع الماضي.

أيهما اسوأ

تأتي والدة الشقيقتين كل يوم، ترافقها احيانًا صديقة لها. وتناقش المرأتان أيهما اسوأ، فقدان الأطفال أم فقدان الزوج كما حدث لصديقتها. وعندما حان وقت المغادرة، استمرتا في النقاش من دون اتفاق على أيهما اسوأ، تاركتين بلاطة الرخام للأطفال حيث يحبون الجلوس تحت شمس الخريف بعد ساعات الظهيرة.

حين سُئل الأطفال أين سيذهبون عندما تمتلئ ساحة اللعب بالقبور أو يتعين عليهم الرحيل هربًا من قوات الأسد، يجيبون بصوت واحد تقريبًا: “سنذهب للعب في مكان آخر”. ويؤكد ماجد انهم سيعودون، ويهز الآخرون رؤوسهم كأنهم تذكروا شيئًا فاتهم للحظة.

ثم قال ماجد: “علي أن أسقي أمي”.

 

 

 

 

الصراع على حلب/ ناديـن العلـي

مضت أشهر على بدء الحملة الجوية على داعش، ومع ذلك لا تزال هناك شكوك بمدى فعاليتها.

في سوريا، ومع تركيز قوات الإئتلاف بقيادة الولايات المتحدة حملتها على الجزء الشمالي من البلاد، زادت قوّات الأسد كذلك من هجماتها على مجموعات الثوّار الأكثر اعتدالاً في سوريا. ومع تقدّم قوات النظام في حلب، تتزايد المخاوف من حصار المدينة، ما سيؤدي الى كارثة إنسانية شبيهة بكارثتي حمص ودمشق، وتقضي ربما على الآمال بحلّ سياسي للحرب الدائرة في سوريا منذ ثلاث سنوات.

وفقاً لآلان مندوزا، مؤسس “هنري جاكسون سوسايتي” ومديرها التنفيذي، كان لهذه الضربات بعض التأثير على القدرة العملية لداعش، ولكن حقيقةً لم تتمكن بعد من “دحر التقدّم الذي أحرزته الدولة الإسلامية”، يعني أنّ “الإئتلاف قد يحتاج الى زيادة جهوده إن كان جديّاً في إحراز أي تأثير فعلي”.

حتى اليوم كان من الصعب تقويم مدى فعالية ضربات الإئتلاف ضد داعش، ولكن ناشطين ومقاتلين سوريين قالوا لـ NOW إنّ الضربات لم تكن كذلك لصالح الثوار، حيث أصابت الهجمات، كما قالوا، مواقع عسكرية لمجموعات ثورية. وقد استغلّت قوات النظام هذه الضربات من أجل زيادة قصفها لمناطق تسيطر عليها المعارضة.

الناشط السوري غسّان ياسين، من المركز السوري للاعلام والتواصل، قال لـ NOW إنّ مجموعات الثوار المعتدلة تعرّضت لضغط الائتلاف من جهة، ولضغط قوات النظام من جهة أخرى. ونتيجةً لذلك، قال ياسين، إنّ نظام الأسد يتقدّم في حلب.

“استهدف الائتلاف قوات تقاتل النظام، مثل “أحرار الشام” وجبهة النصرة في إدلب، شمال حلب، ما سهّل على قوات الأسد التقدّم نحو حلب”. ويوافق ياسين في الرأي باسيل الحفار، العضو في الإخوان المسلمين، مضيفاً أنّه بالاضافة الى استهداف مخازن ذخائر أحرار الشام في ريف حلب الغربي، كان الائتلاف يستهدف كذلك منازل المدنيين الأبرياء.

خلال الحملة، قامت مجموعة من الناشطين السوريين في حلب بتظاهرات تشجب الضربات الجوية التي يسدّدها الائتلاف في مختلف أنحاء سوريا. وأنشد المتظاهرون شعارات دانوا من خلالها الولايات المتحدة وطالبوا بحل الائتلاف، الذي كما زعموا “يهدف الى تقوية نظام الأسد”. حتى أنّ بعض الناشطين، وبينهم ياسين، ذهبوا خطوة أبعد متهمين الائتلاف بالتنسيق مباشرة مع النظام. “هذا التزامن في موعد انطلاق الطائرات” قال ياسين “وتحليق القوات الجوية الأميركية والسورية في الوقت نفسه لا يمكن أن يتم من دون تعاون عسكري مسبق [بين الطرفين]”.

وكان الائتلاف قد أطلق ضرباته الجوية الأولى على مقاتلي الدولة الاسلامية في أيلول الماضي، مستخدماً المجال الجوي السوري. وكانت إدارة أوباما قد كرّرت القول إنها لن تتعاون مع بشار الأسد بأي شكل من الأشكال، وحذّرت الأسد بألّا يتدخّل في عملياتها. وسعياً للتأكّد من حصول تعاون عسكري فعلي أو لا، تحدّث موقع NOW الى مسؤول عسكري سوري، اشترط عدم ذكر اسمه، نفى إمكانية حصول أي تنسيق بين القوات الجوية للطرفين. ولكنّه قال إنّ النظام كان يستغلّ الهجمات للتقدّم عسكرياً، وكذك من أجل تأليب الناس ضد الائتلاف.

عندما هاجم الائتلاف جبهة النصرة، فقد الدعم العام له من الشعب السوري”، كما قال. “الآن هم يعتقدون، على خلاف ما زعمه الائتلاف سابقاً، (بأنّ الهدف من الضربات هو تجنّب خطر الدولة الاسلامية)، هو يسعى في الواقع الى ضرب الإسلام بشكل عام من خلال الهجوم على جبهة النصرة وعلى المجتمعات المضيفة لها”.

ومع إحراز قوات النظام المزيد من التقدّم في حلب، ازدادت المخاوف من احتمال حصار المدينة، ما سيؤدي الى أزمة إنسانية شبيهة بالأزمات التي حدثت قرب حمص ودمشق. ويعتقد حفّار وياسين، اللذان يأخذان كلاهما من اسطنبول مقراً له، أنّ النظام يهدف الى محاصرة المناطق المحررة في حلب لكي يكون لديه موقع أفضل عند التفاوض من أجل إجراء تسوية سياسية. وفي حال نجح النظام، كما قالوا، سوف يكون مصير حلب شبيهاً بمصير باقي المدن، أي موت العديد من المدنيين جوعاً، وهجمات النظام مع المجازر التي تُرتكب خلالها، بالإضافة الى تدمير المدينة.

“تلك كانت إحدى المعضلات في مقاربة الائتلاف”، قال مندوزا. “أي كيفية تدمير العدو من دون مساعدة الأسد في الوقت نفسه. للأسف، يبدو وكأنّ هذا ما يحصل فعلياً، أي أنّ ضرب الإسلاميين سوف يساعد الأسد بالفعل… وفي حال تابع هذا الجيش تقدّمه، يمكنه أن يُنجز هذا الهدف الأخير والنتيجة سوف تكون مأساة انسانية أخرى، بما أنّنا سبق ورأينا القيمة الضئيلة التي يعطيها الأسد لحياة المدنيين”.

الشهر الماضي، دعت الأمم المتحدة كافة جهات الصراع السوري الى “التخفيف من العنف من خلال هدنات محلية” و”السماح لحركة المساعدة الانسانية”. وقال احد وسطاء الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا للـ BBC إنّ إجراءات الهدنة قد تكون “مفيدة للثوار المعتدلين ولقوات الحكومة على حد سواء بما أنها تواجه تهديداً مشتركاً لها من مقاتلي الدولة الاسلامية”. وعندما تحدّثت وسائل الاعلام السورية التابعة للدولة عن دراسة الرئيس الأسد لاقتراح الأمم المتحدة بشأن وقف اطلاق النار، رفضه المقاتلون الثوار، قائلين إنه يخدم مصالح النظام.

ومع استمرار دي ميستورا بالضغط من أجل حل دبلوماسي، ارتفعت الدعوات الدولية كذلك من أجل إنقاذ حلب والمنطقة المحيطة بها مع استمرار تعرّض الثوار المعتدلين لهجمات قوى موالية للنظام. ونُقل في الصحافة عن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قوله إنّه في حال سقوط حلب في يد النظام، من شأن ذلك أن “ينهي الآمال بحل سياسي للحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ ثلاث سنوات”.

“حلب هي ساحة معركة لها رمزية معينة بسبب أهميتها كمعقل للثوار منذ أولى أيام الحرب”، قال مندوزا. “أي هزيمة للثوار سوف تؤذي بالتالي المعنويات وتسمح للأسد أن يزعم بأنه يحرز تقدّماً”.

“ولكن هذا ليس كل ما في الأمر”، أضاف قائلاً. “إذا سقطت حلب فإنها ستمثّل نهاية فكرة في سوريا، فكرة ترى أنّ ثورة ما بقيادة شعبية قد تحدث تغييراً”.

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنانناو

 

 

 

تحقيق-سكان حلب يرون بصيص أمل في خطة الأمم المتحدة للهدنة بالمدينة

بيروت/غازي عنتاب (تركيا) (رويترز) – في الوقت الذي يحل فيه فصل الشتاء على الخطوط الأمامية لمدينة حلب السورية فان السكان يتوقون إلى الغوث الذي يأمل مسؤولون في الأمم المتحدة أن يأتي قريبا مع اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في المدينة التي دمرتها الحرب.

وبموجب الخطة التي يقودها ستافان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سوريا فسيتم تطبيق وقف إطلاق النار في مناطق محددة يطلق عليها “مناطق مجمدة” وذلك لوقف القتال والسماح بتدفق المساعدات إلى مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة.

ويحتاج السكان للمساعدة بشدة لكن بعد قرابة أربعة أعوام من الصراع وخطط سلام فاشلة لا حصر لها فان المدنيين والمقاتلين على حد سواء تساورهم الشكوك.

وتنطوي هذه المبادرة على مجازفة بالنسبة لجماعات المعارضة المتباينة وبينما عبرت الحكومة عن استعداد للقبول بها فإن دبلوماسيين ومحللين شككوا في مدى صدقها ويقولون إن حلب قد تواجه المصير ذاته الذي واجهته مدينة حمص في وسط سوريا حيث استعادت قوات الحكومة السيطرة على أجزاء كبيرة منها.

وقال صفي المصري (25 عاما) وهو من سكان حلب “لا يمكننا الوثوق بأي مبادرة. نعتبر هذه المبادرة بعيدة كل البعد عن الإنسانية بعد كل الدم السوري الذي أريق.”

ورغم أن سكانا ومقاتلين آخرين أجرت رويترز مقابلات معهم كانوا أقل تشككا وقالوا إنهم سيرحبون بأي خطة تخفف من معاناة المدينة فان معظمهم لا يثق في أن تتمخض عن شيء.

ومن أسباب ذلك أن الكثير من الأمور بالنسبة للجانبين يتوقف على المعركة من أجل السيطرة على حلب. وبينما كان مقاتلو المعارضة يعتقدون أن السيطرة على المدينة التي كانت العاصمة التجارية لسوريا فيما سبق ستكون ضربة قاصمة لحكومة الرئيس بشار الأسد فان كثيرين يخشون الآن من أن يحدث العكس وهو أن تتداعى الانتفاضة في الشمال إذا أخرجت قوات الأسد المقاتلين من المدينة.

وتشبث مقاتلون معارضون بينهم بعض المنتمين لجبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا بأراض شمالي حلب ونجحوا في أن تظل الخطوط مفتوحة بين المناطق الشرقية التي يسيطر عليها المقاتلون في المدينة ومع الحدود التركية.

ويقول مقاتلون إنهم تمكنوا من ذلك لأسباب من بينها الاتفاقات التي منعت الاقتتال الذي أعاقهم في مناطق أخرى الى جانب الزيادات التدريجية في المساعدات العسكرية من دول معارضة للأسد.

وقال مقاتل يبلغ من العمر 20 عاما وذكر أن اسمه أبو عباس “الوضع.. مستقر منذ بدأت الفصائل المتحاربة التنسيق لمواجهة النظام على هذه الجبهة وقد وجهت الفصائل الدعم لهذه الجبهة تحديدا.”

*وضع مزر

في معظم أنحاء حلب لم يتبق الكثير لإنقاذه. ودمرت الضواحي التي يسيطر عليها المقاتلون بسبب شهور من القصف الحكومي بالبراميل المتفجرة المعبأة بالشظايا والمسامير.

ويقول السكان إن هذه الهجمات تراجعت في الأسابيع الأخيرة لكن لم يتضح سبب ذلك ولا يتوقع أحد تقريبا أن تستمر حالة الهدوء.

وقال محمد حلواني أحد أعضاء المجلس المحلي في حلب إن بعد قدوم فصل الشتاء توقف القصف بالبراميل المتفجرة وبدأ العمل في المدينة لكن حين يأتي الصيف ويستأنف القصف بالبراميل المتفجرة فإن أهالي المدينة سينزحون من جديد.

وتبنى دي ميستورا نهجا مختلفا لتخفيف هذا النوع من المعاناة عن سلفيه اللذين استقالا بسبب الاحباط بعد فشلهما في إقناع الأطراف المتحاربة بالتوصل لاتفاق.

وقال دي ميستورا إن “المناطق المجمدة” المقترحة تهدف لتقديم شيء ملموس للسوريين.

وعبرت الحكومة السورية عن تأييد حذر للخطة. وقال الأسد إنها جديرة بالدراسة بينما قال وزير الخارجية وليد المعلم بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع إنهما اتفقا على ضرورة دعم المبادرة.

لكن كثيرين يشككون في أن يقبل الجانبان باتفاق. وقبل زيارة دي ميستورا لدمشق هذا الشهر قال دبلوماسيون إن قوات الحكومة قد تستغل الهدنات لفرض الاستسلام واعتقال السكان المحليين من الرجال مثلما فعلت في الماضي.

وقال نوح بونسي كبير المحللين المتخصصين في الشأن السوري بمجموعة الأزمات الدولية إن من غير المرجح أن يوافق المقاتلون على أي اتفاق لا يحظى بشعبية بين أنصارهم بينما من المرجح أن ترى الحكومة أن الوضع القائم يصب في صالحها.

وقال “بوجه عام يوافق النظام على وقف إطلاق النار لترسيخ نصر عسكري أو لإتاحة نقل إمدادات أو إعادة نشر القوات في مناطق أخرى.”

كما أن هناك عاملا آخر يعقد أي محادثات هدنة وهو نفوذ جبهة النصرة.

ومع افتراض أن الجماعة ستقبل خوض محادثات فان مجلس الأمن الدولي يصنفها تنظيما إرهابيا مما يضعها خارج دائرة المفاوضات السياسية وإن كان القانون الإنساني يسمح بإجراء اتصالات مع جماعات من هذا النوع لتحقيق أهداف مثل وقف إطلاق النار.

ورفضت متحدثة باسم دي ميستورا التعليق بشأن من قد يشارك في أي محادثات لوقف إطلاق النار في حلب.

وقالت “في اللحظة الراهنة نحاول وضع خريطة للأطراف المؤثرة على الأرض في حلب وسيساعدنا هذا في تطبيق الخطة.”

وبينما قاتلت جبهة النصرة إلى جانب جماعات مقاتلة أخرى في حلب فقد أصبحت مرتابة في الجماعات المدعومة من الغرب منذ استهدفتها غارات جوية أمريكية خلال الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

(إعداد ليليان وجدي للنشرة العربية – تحرير دينا عادل)

 

 

 

 

 

الحياة الليلية في حلب تستعيد حيويتها

حلب – أ ف ب –

تأقلمت الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام السوري في مدينة حلب مع الحرب واستعادت حياتها الليلية حيث يحيي مطربون وموسيقيون أمسيات في مطاعمها وأنديتها. وفي الجانب الآخر الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة والذي يتعرض لقصف يومي، إرادة مماثلة للاستمتاع بالحياة.

في مقهى «فيروز» الواقع في حي موكامبو الراقي في منطقة النظام، تتناول جلاء مع صديقاتها الثلاث المثلجات وهن يتبادلن حديثاً تقطعه ضحكات بصوت مرتفع، فيما يعزف رجل في مكان قريب من طاولتهن مقطوعة موسيقية على آلة الكمان.

وتقول جلاء التي تعمل محامية: «نشكو طبعاً (في حديثنا) من التقنين في الكهرباء، والنقص في المياه، لكننا في غالبية الأوقات نتحدث عن حياتنا، عن زملائنا في العمل، وعما شاهدناه على التلفزيون».

وارتدت الفتيات الثلاث ثياباً أنيقة وكن يقطعن حديثهن بين الحين والآخر لإرسال رسائل وصور عبر هواتفهن المحمولة. وتقول ميس «نقصد المقاهي باستمرار، ونقضي حالياً في المنزل أوقاتاً أقل مما كنا نفعل قبل الحرب».

وبدأت الحرب في ثاني مدن سورية التي كانت تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، في تموز (يوليو) 2012 حين تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على أكثر من نصف المدينة.

وتقول ديبة التي تعمل موظفة في شركة الكهرباء: «في البداية، أصبنا بصدمة وشلت حركتنا… لم نكن نجرؤ على الخروج، وكنا نخاف من كل شيء: القناصة، أصوات الانفجارات (…) لكن هذا الخوف سرعان ما اضمحل. هل سمعتم صوت الانفجار قبل قليل؟ على رغم ذلك، لم يحرك أحد ساكناً هنا».

بعد أن رسمت الجبهات وخطوط التماس وباتت شبه ثابتة، فتح نحو 15 مقهى في حيي موكامبو والعزيزية الخاضعين لسيطرة النظام. بعضهم جديد والآخر قديم أعاد فتح أبوابه.

وقال جهاد مغربي مدير مقهى «فيروز» الذي بدأ يستقبل الزبائن قبل ستة أشهر، «على رغم الحرب، يجب أن نعمل ونعيش. في الجهة الأخرى، افتتحوا مطاعم أيضاً، لكنها ليس كالمطاعم الموجودة هنا». ويضيف الرجل الثلاثيني: «التشابه الوحيد هو في القهوة والنرجيلة».

في حي بستان القصر في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة، يقول صاحب مطعم «العتيق» أبو سامي بفرح: «الحمد لله (…) الوضع ممتاز وجيد جداً. الشباب يأتون ويبقون أحياناً حتى الساعة الواحدة أو الثانية صباحاً».

ويضيف: «فتحنا المطعم للمجاهدين والشباب، والإقبال جيد»، مشدداً على أن «هناك أمناً وأماناً»، خصوصاً بسبب قرب المطعم من نقطة تفتيش لفصيل معارض.

وأغلقت معظم المطاعم في مناطق المعارضة منذ نهاية عام 2013، تاريخ بدء حملات القصف الجوي الكثيفة التي تنفذها طائرات النظام والتي خلفت آلاف القتلى.

ومقارنة مع مناطق النظام في حلب الواقعة إجمالا في القسم الغربي من المدينة والتي تعتبر أصلاً من الأحياء الغنية، تبدو مطاعم الأحياء الشرقية بسيطة وأكثر شعبية. إلى جانب المقاتلين، تقصد عائلات أيضاً هذه المطاعم.

ويقول رياض الحسن، بينما يبث المطعم موشحات وقدوداً حلبية، «هناك خمسة أو ستة مطاعم في هذه المنطقة. غالباً ما آتي إلى هنا مع أصدقائي وأحياناً مع عائلتي. هناك مساحة مخصصة للرجال، وأخرى للعائلات».

ويتذكر بحسرة الحياة الليلية في حلب قبل الحرب «عندما كانت المدينة موحدة، كانت لدينا خيارات أوسع. الخيارات محدودة اليوم، والشوارع لم تعد آمنة كثيراً بسبب القصف والاشتباكات كل مساء».

في غرب حلب، الحياة الليلية أكثر صخباً. في نادي «شهباء الشام» الليلي الذي يفتح أبوابه كل مساء في فندق «ميريديان» سابقاً، موسيقى صاخبة، وعشرون شخصاً يرقصون وسط حلبة تنعكس على أرضيتها أضواء الليزر.

في نهاية الأسبوع، يرتفع عدد مرتادي النادي إلى حوالى مئة، بحسب ما يقول الموظفون.

ويقول حسام شعبان (تاجر سيارات) الذي جاء ليسهر مع صديقته سالي «كل أصدقائي يأتون إلى هنا. في بداية الحرب، كنا نخاف، لكننا اعتدنا على الوضع اليوم». ويتابع: «قبل يومين، سقط برميل متفجر بالقرب من منزلي. جئت إلى هنا لأنسى الحرب».

في حي السريان يدير فراس جيلاتي (25 سنة) مقهى «آثار الفراشة» الذي يقصده الفنانون الراغبون بالغناء أو قراءة القصائد القديمة والعصرية.

ويروي جيلاتي أن المقهى «كان يملكه شقيقان هما صديقان لي. قالا لي يوماً، وكأنهما كانا يتنبآن بما سيحصل، إنه إذا حدث لهما أي مكروه، فسيكون علي أن اهتم بالمكان. بعد نصف ساعة، قتلا في قصف على منزلهما».

ويضيف: «في الوقت الحالي، المكان لا يدر أرباحاً، بل هناك خسارة مالية، لكنني سأستمر حتى النهاية لكي أفي بوعدي». في زاوية أخرى من المقهى، يرتفع صوت مغن وهو يؤدي موالاً بات مشهوراً بسبب الحرب «حلب يا نبع من الألم يمشي ببلادي».

الحياة

 

 

 

التجارة في حلب من الأسواق القديمة إلى الأرصفة

حلب – أ ف ب

دفعت الحرب في سورية أصحاب المتاجر في الأسواق القديمة لمدينة حلب، ثاني مدن سورية وعاصمتها الاقتصادية، إلى إغلاق هذه المتاجر التي لطالما تفاخروا بها، ونقلها إلى مواقع أخرى أو حتى التخلي عنها ومزاولة مهن أخرى.

وفي حي الفرقان، المنطقة التجارية الرئيسية في الجانب الغربي من حلب الخاضع لسيطرة القوات الحكومية، يحاول حسين عبدالله إعادة إحياء “أراكس”، العلامة التجارية للفلافل التي كان يبيعها في السابق وعاد ليروج لها اليوم في موقع جديد.

ويقول عبدالله (30 عاماً) لوكالة “فرانس برس”: “كنا نملك محلاً تبلغ مساحته 40 متراً مربعاً كان دائماً مزدحماً بالزبائن لشهرته لدى أبناء حلب والأجانب. لكن الحرب أجبرتني على إغلاق هذا المحل الذي أسّسه جدي” في سوق السقطية.

ويضيف فيما يقوم أشخاص قربه بإلقاء قطع الفلافل في الزيت في المحل الجديد بعيداً من السوق القديم حيث كان يقع محل جده: “العمل لا يجري كما كان عليه في السابق، لكن ماذا تفيدنا الشكوى؟ علينا أن نعمل، إنه بلدنا”.

وسوق السقطية الذي يشتهر ببيع الخضروات والفواكه والأطباق الحلبية الشعبية، هو أحد الأسواق القديمة في حلب، حيث يوجد أكبر سوق مسقوف في العالم يمتد لمسافة 15 كلم تقريباً في حلب القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر.

لكن هذا السوق الموضوع على لائحة منظمة “يونيسكو” للتراث العالمي، مغلق اليوم كونه يقع في منطقة اشتباكات، علماً بأن جزءاً كبيراً من هذا السوق الشهير تعرض للتدمير بفعل الحرائق والقصف منذ أن انقسمت حلب إلى منطقتين منفصلتين صيف العام 2012.

وتسيطر المعارضة السورية المسلحة حالياً على معظم مساحة هذا السوق.

ويشكو التجار من انهيار أعمالهم، لكنهم يأملون في الوقت ذاته في إعادة فتح أبواب محالهم هناك، على رغم الدمار الذي حل بها.

محمّد الأطرش (51 عاماً) كان يبيع السيارات في حي الصاخور الخاضع لسيطرة المعارضة حالياً، إلا أن الحرب دفعته للعودة إلى مزاولة مهنة عائلية قديمة: بيع حلوى المشبك.

ويقول الأطرش: “كان المحل الذي أسّسه جدي في باب الجنان. أُحرق هذا المحل وأُغلق معرض السيارات الذي كنت أملكه. كان عليّ أن أستمر في العمل، لذا وجدت شريكاً وقمنا بفتح محل لبيع حلوى المشبك على الطريقة التقليدية”.

وباب الجنان هو أحد أبواب مدينة حلب التاريخية ويقود نحو مجموعة من البساتين تشتهر بشجر الفستق وكان يشكل في الماضي معبراً رئيسياً للبضائع السورية نحو تركيا نظراً لقربه من منطقة أنطاكية.

وفي سوق السجاد، كان الصائغ أبو سامي يملك محلاً لبيع الذهب والمجوهرات قبل أن يضطر إلى إغلاقه.

ويقول هذا الأربعيني الذي بدأ العمل مع والده في سن الثالثة عشرة: “اخترت مهنة أخرى: بيع الأدوات الكهربائية، مثل آلات الحلاقة، لكن الكهرباء لم تعد متوافرة، لذلك عدت إلى مهنتي القديمة”.

ويتابع بحسرة: “لكن من سيشتري الصيغة فيما الهم الأساس هو توفير الطعام والعثور على عمل؟ أعمالي تراجعت بنحو 70 في المئة”.

وكما في الجزء الخاضع لسيطرة القوات الحكومية، خسر التجار في الجهة الأخرى من حلب أيضاً أعمالهم، وبين هؤلاء أبو علاء، الذي كان يعمل نحاتاً لكنه بات يبيع اليوم الخضار والفواكه.

ويقول أبو علاء: “كنا نملك محلاً لبيع المنحوتات الشرقية والنحاس وكان العمل يسير بشكل جيد قبل أن تبدأ المعارك. البراميل المتفجرة والصواريخ دمرت سوق النحاس”.

ويتابع أبو علاء (34 عاماً): “بصراحة، لم أكن أعتقد اننا سنكون مجبرين على البدء من جديد من الصفر وأن نعاني كما نعاني حالياً. إلى متى سنبقى نعيش على هذه الحال؟”.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى