مقعدٌ سوريٌ تائه في أروقة الجامعة/ عبد الوهاب بدرخان
واقعياً، وبمختصر مفيد -غير مفيد، اجتمع العرب في قمة الكويت ولم يكن لديهم أي جديد يقولونه، رغم أن هناك الكثير مما يجب قوله والتصارح فيه. كانت نقطة توافقهم الوحيدة عند الملف الفلسطيني الذي تركوه قبل أكثر من عقدين في رعاية الولايات المتحدة ولم يعودوا قادرين على التأثير فيه، والآن لم تعد واشنطن بدورها قادرةً على إحداث أي فارق فيه طالما أنها ممتنعة ذاتياً عنه، وممنوعة إسرائيلياً من البحث جدياً في إنجاز سلام حقيقي عادل ودائم. وفيما كانوا يُظهرون الدعم الكامل للمعارضة السورية واعتبروا تغيير النظام بمثابة قضيتهم «المركزية» الثانية، فإنهم فقدوا أيضاً إمكان التأثير فيها بعدما تدوّلت وصارت كرةً يتقاذفها الروس والأميركيون في لعبة يديرها الإيرانيون ويتولون فيها دور الحَكَم.
دخل القادة إلى قاعة الاجتماعات وظلّ المقعد السوري خالياً. قبل نحو أسبوعين التقى وزراء الخارجية في القاهرة وتداولوا في مسألة المقعد، ولم يتوصّلوا إلى اتفاق على اعتماد الإجراء الاستثنائي الذي تعايشوا معه في القمة السابقة في الدوحة، عندما احتل الرئيس السابق لـ«الائتلاف» المقعد وألقى كلمة الشعب السوري. ولكن ما سجّلته الصورة آنذاك لم تكرّسه بيروقراطية الجامعة بعدئذ، بل أحبطته، إلى حدّ أن أحد الصحفيين سأل الأمين العام للجامعة عما إذا كان ما حصل في الدوحة من ألاعيب الكاميرا الخفيّة. وفي افتتاح القمة دعت وفود عدة بل ضغطت لمنح المقعد للمعارضة، فتجدّد البحث عن حل، وسط بورصة تحفظات راوحت بين ثلاث إلى سبع دول، وهناك من قال إن العدد الحقيقي ربما يبلغ عشر دول إلا أن بعضاً منها فضّل أن يراقب الوضع قبل أن يعلن موقفه.
واختتمت القمّة بـ«إعلان الكويت» الذي أوجز القرارات وعبّر عن المزاج العام للمناقشات، وقد أبدى التأييد الاعتيادي لشعب سوريا، من دون أي إشارة إلى «المقعد»، ما أوحى بأن اتفاقاً لم يحصل. ثم تبيّن، في كواليس ما بعد الاختتام، أن حلاً قد وجد، أما لماذا لم يعلن عنه ولماذا تُرك عائماً فوق بحر من التكهّنات، فلا تفسير لذلك سوى الرغبة في تمرير القرار من دون ضجيج يستفزّ المتحفّظين. وينص القرار على «الترحيب بشغل الائتلاف» مقعد سوريا و«الاعتراف به ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري» ويدعو ممثليه إلى المشاركة في اجتماعات مجلس الجامعة «كحال استثنائية للقواعد المعمول بها»، مؤكداً أنه لا يترتّب على هذه المشاركة «أي التزامات تمسّ القرار السيادي لكل دولة عضو في الجامعة» أو «أي التزامات قانونية على دولة المقر» على أن تنظر مصر و«الائتلاف» في ما يمكن تقديمه من امتيازات وتسهيلات لممثليه.
ولا يعني ذلك سوى أن «المقعد» يمنح جزئياً لـ«الائتلاف». طبعاً هناك شروط إجرائية تمنع «جامعة الدول» من اعتبار تشكيل سياسي، ولو كان معترفاً به «ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري»، بديلاً من «الدولة» التي كانت معتمدة لدى الجامعة حتى أواخر 2011. فمثل هذه الخطوة تتطلّب شروطاً لم يستوفها «الائتلاف»، كأن يكون موجوداً في منطقة داخل سوريا ويديرها بواسطة حكومة مكتملة الأركان وأن يكون معظم القوى المسلحة بإمرته. ولعل المثال الذي قدّمه «المجلس الوطني الانتقالي» في ليبيا الثائرة على العقيد القذافي كان أكثر قرباً من هذه المواصفات، فهو كان موجوداً على الأرض وأثبت تماسكاً رغم الخلافات العميقة التي كتمتها فصائله ثم أظهرتها بعد انتهاء القتال. غير أن الجامعة العربية استندت في إدارتها للأزمة الليبية إلى قرار وإرادة سياسيتين وليس إلى ما يجيزه ميثاقها. فمبدأ عدم التدخل تلاشى أمام الأولوية التي فرضت نفسها بقوة، وهي عدم السكوت على نظام يقتل شعبه ولا خطة لديه سوى هذا القتل. وبالنسبة إلى ليبيا كانت هناك تحفّظات، بينها سوريا النظام نفسها والجزائر، ولم يختلف الأمر بالنسبة إلى سوريا إلا أنه أكثر صعوبة كما تبدّى وقد استفاد النظام مما حصل في ليبيا داخلياً وخارجياً.
ومن هنا أن مسألة «المقعد» تبقى رمزية في الأساس، فمؤيدو منحه إلى «الائتلاف» ينطلقون من دافع سياسي، والمعارضون من دافع آخر يعكس في بعضه وطأة النفوذ الإيراني (العراق، لبنان…) أو طبيعة النظام الذي لم يخرج بعد من ثوبه «السوفييتي» (الجزائر). أما المتحفّظون الوسطيّون فيحاججون بأن تأجيل بتّ مصير «المقعد» من شأنه أن يحافظ على خيار «الحل السياسي» ولا توصد دونه الأبواب. ولكن الطرف الذي يراعونه، أي النظام السوري، هو الذي يرفض مثل هذا الحل ويواصل مع حلفائه، إيران و«حزب الله» والميليشيات العراقية خطط الحسم العسكري لا السياسي.
الاتحاد