مكاسب النظام لن تدفع الحزب إلى الانسحاب وتعاظُم الريبة من الانكفاء الدولي عن سوريا/ روزانا بومنصف
هل ان اعادة امساك الرئيس السوري بشار الأسد بالمناطق المحاذية للبنان وعلى الحدود معه مقفلاً على المعارضة عمقها في اتجاه لبنان سيؤدي الى عودة مقاتلي “حزب الله” من سوريا باعتبار ان الذرائع التي قدمها الحزب عن تدخله في الحرب الى جانب النظام تركزت على ذلك وزوال هذه الذرائع سيضطر الحزب الى تقديم أخرى من أجل تبرير بقائه في سوريا؟ والسؤال الآخر الذي يفرض نفسه هو اذا كانت محاولة فتح جبهة الجولان مع اسرائيل هي من ضمن هذه الذرائع التي يستدرجها النظام عبر الحزب من اجل محاولة اعطاء بعض الصدقية لموقعه؟
مصادر ديبلوماسية عليمة تستبعد سحب الحزب مقاتليه من سوريا اذ في اعتبارها ان الحزب والمجموعات التي تحارب دعماً للنظام هي ما تبقيه قائماً وفق المعلومات التي تتوافر لديها نظراً الى ان النظام غدا أكثر هشاشة بكثير مما تبدو عليها مكاسبه الميدانية التي لا يحرز فيها التقدم الا بمساعدة “حزب الله” او سواه من المجموعات مما يثير تساؤلات اذا كان يمكن ان يصمد في حال خروجها نهائياً من الواجهة علماً ان لانخراط الحزب في دعم النظام وتأمين استمراره في موقعه اثماناً يتعين قبضها من الحزب او من ايران مباشرة قبل الانسحاب ان في التسوية النهائية او في خلال مراحل الوصول الى هذه التسوية. يضاف الى ذلك الاعتقاد انه يتعين على الحزب الانسحاب في شكل اساسي إذا كان يؤمن المكاسب للنظام ميدانياً باعتبار ان الأمر قد يشجعه على مساعدة النظام على محاولة السيطرة على مناطق أخرى او على تمتين سيطرته على المناطق التي استعادها. وفي الحالين لا يعتقد ان انسحاب الحزب قد يكون متاحاً أياً تكن التبعات على لبنان.
كما ان بقاء الحزب والمجموعات الاخرى في سوريا يساهم وفق ما تقول هذه المصادر في ابقاء الحرب السورية قائمة لاعتبارات عدة من بينها دفع الرئيس السوري الى عدم التفكير في البحث عن حل سياسي انهاء للحرب الداخلية من خلال تساؤله لماذا يفعل ذلك اذا كانت ميلشيات تدعمه وهناك غطاء من بعض الدول لاستمراره في ما ما يقوم به. وتقول هذه المصادر ان من يساعد الاسد يريده ان يبقى على رغم ادراك الجميع ان العنف الذي قابل به التظاهرات السلمية التي انطلقت قبل ثلاث سنوات هو الذي تسبب بالحرب كما ان هذا العنف نفسه هو الذي استدرج المقاتلين الأجانب الى سوريا كما استدرج الارهاب الى لبنان. وبهذا المعنى، فإن لبنان هو ضحية الأسد وحربه في سوريا من خلال التداعيات التي يعاني منها، إن عبر محاربة مجموعات لبنانية الى جانبه ما يستدرج الى لبنان ردود الفعل التي شهدها في الأشهر القليلة الماضية كما أدى الى تحميل لبنان عبئاً كبيراً عبر العدد الكبير من اللاجئين السوريين الذين وفدوا اليه او عبر الارهاب الذي يضرب مناطقه.
واذ تثير التطورات الاخيرة قلقاً كبيراً على لبنان، فإن هذه المصادر تعتقد ان لا سبيل للتخفيف من وطأة السلبيات على لبنان الا عبر اعادة المجموعات اللبنانية التي تحارب الى جانب الاسد كما العودة الى تبني سياسة النأي بالنفس على نحو أفضل مما جرى حتى الآن.
إلا ان مصادر أخرى باتت تنظر بريبة أكبر تجاه الانكفاء الدولي عن الموضوع السوري على رغم ان موضوع الازمة في اوكرانيا وانتزاع روسيا شبه جزيرة القرم منها وضمها اليها تشكل موضوعاً اولوياً طاغياً. وهذه الريبة مبنية على مجموعة عوامل من بينها الاعتقاد ان الادارة الاميركية برئاسة الرئيس باراك اوباما التي تولي موضوع الاتفاق مع ايران حول ملفها النووي اولوية مطلقة لا تستفز ايران او تعمد الى حشرها في الموضوع السوري في انتظار انجاز الاتفاق الذي يرجوه اوباما قبل نهاية ولايته الثانية. ذلك ان ايران هي الموضوع الأهم بالنسبة اليه ويتقدم سائر المواضيع الأخرى وقد سيق السبب الايراني في اطار تراجع الرئيس الاميركي عن توجيه ضربة لمواقع عسكرية سورية بعدما تجاوز النظام الخط الأحمر الذي كان رسمه اوباما حول استخدام الاسلحة الكيميائية ضد المواطنين السوريين. ومن ضمن هذا السياق يسجل متابعون كثر الاضاءة الغربية والاميركية خصوصاً على وجود تنظيمات ارهابية دخلت الى سوريا وقوضت المعارضة مما يشكل سبباً للسكوت على ما يقوم به النظام ضد شعبه في حين ان الولايات المتحدة نفسها التي تدرج “حزب الله” على لائحة التنظيمات الارهابية كما سائر التنظيمات الاخرى في الجانب الخصم الذي يحارب النظام لم تثر الكثير من الغبار حول هذا الأمر. وقد يكون هناك أسباب تخفيفية تقول هذه المصادر الى جانب مراعاة الادارة الاميركية ايران، مردها الى مسارعة الحزب تبرير اصطفافه في الحرب الى جانب النظام بمحاربته الارهاب والتكفيريين وفقاً للشعارات التي لا يزال يرفع مما يساهم في اضطرار الحزب الى اعتماد سلوك ينسجم والشعارات التي يرفع من جهة، كما انه يفترض انتقاله مبدئياً من ضفة الى ضفة أخرى ينتظر تكريسها او تثبيتها لاحقاً بعدما وضع الاوروبيون جناحه العسكري أيضاً على لائحة الارهاب من جهة أخرى. فضلاً عن المقولة السائدة ان الحزب يستنزف في سوريا سياسياً وشعبياً في الداخل وفي الخارج أيضاً على ما حصل حتى الآن مما يريح اسرائيل التي تستفيد من هذا الواقع على أكثر من مستوى ولو انها تستمر في النفخ في احتمالات مواجهتها اعتداءات عليها.
النهار