مملكة الزيتون والرماد
يوسّا وروائيون متعددو الجنسيات يواجهون إسرائيل بالسرد الأدبي
أطلقت مجموعة من الروائيين المعروفين كتاباً بعنوان “مملكة الزيتون والرماد”(*)، يسلط الضوء على خمسين عاماً من الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بهدف جمع تبرعات لمنظمة غير حكومية تواجه حملة شرسة من الحكومة الاسرائيلية.
وتألف المشروع من مرحلتين: مرحلة الجولات الميدانيّة التي شارك فيها 26 كاتبًا وكاتبة، 22 منهم من جنسيات مختلفة: ماريو ڤارغاس يوسا (حائز جائزة نوبل للآداب)، أيلِيت وولدمان، جرالدين بروكس، جاكلين وودسون، مايكل شايبون، مادلين ثين، راشيل كوشنير، لارس سابي كريستنسن، ديڤ إيچيرز، إميلي رابوتيو، تاييه سيلاسي، كُولم توبين، أيمير ماكبرايد، هاري كونزرو، لورين آدامز، هيلون هَبيلا، إيڤا ميناسه، أنيتا ديساي، پروچیستا خاکپور، أرنون چرونبيرغ، كُولُم مكان، مايليس دي كيرنجال، إلى جانب ثلاثة فلسطينيّين: رجا شحادة وفدى جريس وعلاء حليحل، وإسرائيليّ واحد: أَسَاف چَڤرون. وزار الأدباء مناطق مختلفة من الأراضي المحتلة، منها مدينة غزّة وبعض المدن في الضفة الغربية مثل رام الله ونابلس وبيت لحم والخليل، والقرى المضطهدة في مناطق “ج” في غور الأردن، والقدس وخصوصًا حيّ سلوان وما يشهده من حملة استيطانيّة محمومة، وقرى جبال الخليل (أم الخير وسوسيا وغيرها) التي تخضع لحملات هدم ومطاردة لا تنتهي. وعبر مؤلفين مشهورين، سعى محررا الكتاب، الروائي الأميركي اليهودي مايكل شابون، وزوجته الكاتبة الاسرائيلية ايليت والدمان، الى التأثير في الناس للفت انتباههم الى الاحتلال عبر “إنتاج كتاب رائع للغاية”.
بعد هذه الجولات التي انتهت صيف 2016، عمل الكتّاب على نصوص سرديّة تسعى إلى رسم ملامح ما يعنيه الاحتلال الإسرائيليّ للضفة وغزة منذ 50 عامًا. وتستند هذه النصوص إلى القصص والتفاصيل الصغيرة المُعاشة، من أجل رسم ملامح واضحة لهذا الوحش الثقيل الجاثي على قلوب الفلسطينيّين “بشكل مؤقّت”. ويروي كلّ كاتب/كاتبة ما رآه في الجولات الميدانيّة في أرجاء الضفة وغزة، مبتعدين عن الأسلوب التقريريّ الصحافي، متتبّعين ملامح القصص الشخصيّة لأبطال نصوصهم، من رجال ونساء وأطفال وفلسطينيّين التقوهم عند الحواجز وفي القرى التي تُهدم ليلَ نهارَ وفي السهول الفسيحة حيث يُحظر الرعي؛ في مراكز المدن الفلسطينيّة والمناطق العمرانيّة، وفي المناطق النائية والمنسيّة؛ وتلك التي يحتدم حولها الصراع المرير والاستيطان الشرس مثل سلوان.
وعملت الكاتبة الفلسطينية فدى جريس على نقل الحقيقة وتصوير ممارسات إسرائيل، ولأن الكتاب، برغم حسن نيته، يرتكز على واقع ونتائج احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، متجاهلًا، كما فعل يوسا في مقالته، تاريخ إقامة إسرائيل والخلفية التي ولدت هذا الاستعمار، تعود فدى جريس إلى هذا التاريخ وإلى النكبة، وتلقي الضوء على شريحة مهمة من الفلسطينيين التي تعيش داخل الخط الأخضر، وتحمل الجنسية الإسرائيلية وتكوّن 20% من سكان الدولة. وتتوجه في مقالتها المعنونة بـ”قصة احتلال غير معلن”، إلى فضح الممارسات العنصرية التي يمارسها الاحتلال سواء في الضفة أو في أراضي 1948 المحتلة، تأثير ذلك على الفلسطينيين أنفسهم، ومواصلة حكومات تل أبيب سَنّ القوانين العنصرية ضدهم، وعمليات “ترانسفير” التي يتعرض لها الشعب، فيما لا يبدو على سكان إسرائيل اليهود الكثير من الاكتراث، فقد تربّوا على معاداة العرب، وفي أحسن الأحوال، بحسب كلمات الكاتبة: “تودّ الدولة أن نعمل في المطاعم لتحضير الفلافل والشاورما وأن نذوب في الخلفية بعد ذلك”.
ولطالما ركز شابون، محرر الكتاب، على هويته اليهودية في أعماله الروائية، خصوصاً مع روايته “مغامرات كافالير وكلاي العجيبة”، الحائزة جائزة بوليتزر 2001، والتي تتحدث عن ابني عمّ يهوديين قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وبَعدها، بالاضافة الى رواية “اتحاد الشرطة اليديشية” الصادرة العام 2007…. وأكد شابون ان الهدف من الكتاب هو بدء حوار حول الاحتلال لدى الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. وقال: “شعرنا بأن علينا العثور على طريقة للفت انتباه الناس، او لفت انتباه مجموعة منهم”. وكغيره من اليهود الأميركيين، شعر شابون برابط يجمعه ب”إسرائيل” عندما زارها للمرة الأولى العام 1992، لكنه لم يبدأ الاهتمام شخصياً بموضوع الاحتلال الإسرائيلي إلا بعد زيارة زوجته المولودة في “إسرائيل”، ايليت والدمان، إليها قبل سنتين، وهي زيارة قال أنها “فتحت عينيها” على الواقع، وبعدها قرر الزوجان الانخراط في حملة مناهضة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الفصل الذي كتبه شابون، تطرق الى الطبيعة “التعسفية” للاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، حيث يعلق الفلسطينيون بين البيروقراطية ومزاج الجنود الاسرائيليين وقادتهم. والهدف من ذلك هو “الاثبات للشعب الذي تحتله انه لا يسيطر أبداً على مصيره”. وبالنسبة إلى والدمان، فتقول إنها شعرت بأن عليها الحديث عن الاحتلال لأنه يأتي باسمها كيهودية. وتضيف: “الاحتلال بنيان وعلى المهتمين بالقضية العمل على تفتيته. هذا الكتاب هو بمثابة حجر ننتزعه من بنيان الاحتلال… وفي نهاية المطاف، سيزول ما يكفي من حجارة الصرح (الاحتلال) وسيسقط”.
ويقول شابون ووالدمان ان هناك هوة تتسع مؤخرا بين الاميركيين اليهود التقدميين، وبين اسرائيل. وتحرص اسرائيل على علاقتها مع يهود الخارج، وتطرح نفسها “موطناً لليهود جميعاً” من أنحاء العالم. وبحسب والدمان، “كان أسهل على اليهود من جيل والدي، وحتى من جيلي، أن يكونوا أكثر تقدمية في القضايا كافة، ما عدا إسرائيل”، مشيرة إلى أن “اليهودي من جيل أطفالي، واليهود في الاربعينات والثلاثينات والعشرينات من العمر، لم يعودوا مستعدين لتقديم استثناءات لاسرائيل في نظرتهم الى العالم”. وتضيف: “ليسوا مستعدين للانخراط في النفاق نفسه الذي تورّط فيه جيلي والأجيال التي سبقته”.
ويعود ريع كتاب “مملكة الزيتون والرماد” لصالح منظمة “كسر الصمت” الاسرائيلية غير الحكومية، والتي تعمل على كشف انتهاكات الجيش الاسرائيلي من خلال جمع شهادات جنود اسرائيليين حول التجاوزات التي يرتكبونها خلال عملهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تثير غضب المسؤولين الاسرائيليين.
وكان وزير الدفاع الاسرائيلي السابق، موشيه يالون، اتهم في العام 2016، منظمة “كسر الصمت” بـ”الخيانة”. وأقرّت حكومة نتانياهو، قوانين تستهدف المنظمات التي تتهمها بمحاولة نزع الشرعية عن اسرائيل.
(*) نُشر كتاب “مملكة الزيتون والرماد”، باللغات الإنكليزية والعربية والفرنسية والعبرية والإسبانية والايطالية.f