مناطق المعارضة: إقتصاد الممكن/ جهاد اليازجي
نظراً لحالة عدم الإستقرار والظروف الأمنية الصعبة التي تشهدها المناطق الشمالية التي تقع تحت سيطرة المعارضة، يغدو غير مستغرب انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي هناك إلى حد كبير. فحركة الإنتاج الرسمي معدومة تقريباً، في حين أن مصادر الدخل بالنسبة إلى السكان محدودة جداً.
كتب كثيرون عن اقتصاد الحرب وما خلقه من انماط اقتصادية وتجارية جديدة وإنتاج مؤسسات ولاعبين جدد في السوق. لكن السواد الأعظم من الناس الذين يعيشون في هذه المناطق هم ضحايا نشوء هذا الاقتصاد الجديد ويواصلون اعتمادهم على أنماط اقتصادية تقليدية إلى حد ما.
في هذه المناطق، وهي بغالبيتها مناطق ريفية، يعتمد الناس على عدد قليل من مصادر الرزق، لاسيما الزراعة وخاصة تربية المواشي والرعي، بالإضافة إلى تجارة التجزئة حيث يعملون في محلات صغيرة تبيع مختلف أنواع المنتجات مثل محلات البقالة.
عدا عن هذين القطاعين، لا توجد قطاعات اقتصادية مهمة أخرى سوى تجارة النفط. حيث تسيطر مجموعات مختلفة على حقول النفط السورية فتقوم بإستخراج كميات قليلة، فتكررها وتتاجر بها. وبكل الأحوال، تبقى الكميات التي تم استخراجها من هذه الحقول محدودة.
في بعض أجزاء هذه المناطق، لا تزال بعض المنشآت الاقتصادية المملوكة من قبل الدولة مستمرة بالعمل، كقسم من مطاحن الدقيق.
ثمة مصدر آخر للدخل متمثل بالرواتب التي لا تزال الحكومة تدفعها لموظفيها المدنيين القاطنين في هذه المناطق. وفي حين أوقف النظام دفع رواتب الموظفين الذين عرف عنهم أنهم يساندون المعارضة، استمر في دفع الرواتب لبقية الموظفين. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يستمر النظام في دفع رواتب هؤلاء الناس؟ والإجابة الأقرب إلى المنطق هي أنه يريد الحفاظ على ارتباطهم به بطريقة أو بأخرى. كما يُطلب من موظفي الدولة في بعض الأحيان الذهاب إلى المؤسسات العامة التي يعملون بها والتي تقع في مناطق تحت سيطرة النظام ليقبضوا رواتبهم، وهي طريقة جيّدة لإبقائهم تحت مراقبة النظام طيلة الوقت.
المساعدات المقدمة من الدول الإقليمية، والمنظمات الدولية والجهات المانحة ومنظمات المغتربين السوريين والمتبرعين من مختلف أنحاء العالم تساعد أيضاً على تلبية بعض من حاجات السكان.
يأتي الدعم على شكل مواد عينية، كالأدوية والمواد الغذائية بالإضافة إلى الدعم المالي الذي يصرفه الناس لشراء حاجات مختلفة، الأمر الذي يساعد على دعم الاقتصاد المحلي. بعض هذه المساعدات تأتي مشروطة بكيفية إنفاقها، وفي هذه الحالات يتم تقديم المعونات المالية لتمويل أنواع مختلفة من المشاريع كتجهيز العيادات الطبية وحفر آبار المياه وتمويل المخابز والمصانع الصغيرة.
وهكذا، فالاقتصاد في هذه المناطق هو إلى حد بعيد اقتصاد كفاف، يغيب فيه تقريباً أي شكل من أشكال الاستثمار ويعتمد بدرجة كبيرة على التحويلات المالية. ويبدو أن إنشاء مؤسسات جديدة تساعد على تنظيم النشاط الاقتصادي وإضفاء الطابع الرسمي عليه لا يزال بعيد التحقق.
مع ذلك، جاء في التقارير الواردة من مدينة منبج، قبل احتلالها من قبل داعش في بدايات هذا العام، ان المدينة شهدت تأسيس أول اتحاد للعمال السوريين في المناطق المحرّرة، وهو أول اتحاد من نوعه يتم إنشاؤه في سورية منذ نصف قرن دون أن يكون تحت سيطرة حزب “البعث”.
المدن