مناطق ممنوعة/ ممدوح عزام
كثيراً ما تساءلت عن هذا التناقض المحيّر في النقد العربي: فمن جهة كان الناقد يحذّر الكاتب العربي، أو يؤنبه، إذا ما أدار حوارات سياسية، أو فلسفية، أو دينية في روايته، بالزعم أن السياسة أو الفلسفة، يمكن أن تفسد النص (ولدى النقد تهمة جاهزة هي المباشرة) فيما يرى الدين من منظور المقدّس المحرّم الاقتراب منه في الرواية.
من جهة ثانية، كان الناقد ذاته يرزح تحت حضور السياسة والفلسفة والمناقشات الدينية، في الرواية الغربية، دون أن يرى فيها عيباً، أو خروجاً عن شروط الرواية.
الملاحظ أن حالة الخنوع تشمل أيضاً معظم الجوانب الفنية الأخرى المتعلقة ببنية الرواية، بحيث يبدو المنتج الغربي مجدِّداً، مهما كانت خياراته، ويبدو المنتج العربي مقلِّداً، أو يحاسب بتشدد منهجي مبالغ به. ومما يثير الغرابة أن الرواية الغربية لا تحفل كثيراً بالقواعد، بينما يلاحَق الروائي العربي بعصا المدرسة، ويحتمل أن يعاقَب، كما في حالة الروائي المصري أحمد ناجي الذي حكم عليه بالسجن سنتين بسبب تهمة يمكن للرواية الغربية أن تقهقه إزاءها.
وقد بات الغرب يعامل الرواية والروائيين العرب على هذه الصورة: تقول الممارسات الغربية إن العرب لا يكتبون الرواية، وإن ما يكتب هو تعليق على الأحداث الجارية، لهذا تمتد يد المترجم الأوروبي للرواية العربية باعتبارها نماذج أنثروبولوجية، لا كتابة فنية يمكن أن تشترك مع منتجه في المقام ذاته.
ومن المعروف أن الثقافة العربية عامة، قد واجهت قوانين الرقابة والمنع في ثلاثة حقول مختلفة، هي الدين والجنس والسياسة. (أو “الثالوث المحرّم” كما سماه بوعلي ياسين) وقد نالت الرواية حصة كبيرة من هذا الترصد، والمراقبة، والمنع، أو المعاقبة.
لماذا يلتقي الناقد، عبر تقييده الكلام في السياسة أو الجنس أو الدين، مع السلطة العربية؟ هل يمثل هذا الاتجاه الذي مال إلى تحييد الرواية تقريباً، بذريعة الدفاع عن الجمال، بطريقة ما، قد لا تكون مدبرة تماماً، خوفَ السلطة من الوضوح، أو خشيتها من انتقال الحوار الممنوع في المجتمع أساساً، إلى النص المكتوب؟
صحيح أن السلطات العربية، الحكومية والدينية والمجتمعية، لم تقصّر البتة في مصادرة الرأي، وتكبيل الأيدي، وكم الأفواه، غير أنها ظلّت تخشى أن تكون قد أهملت بطريقة ما شقاً هنا، أو فتحة هناك، في جدار العزل الرقابي، يمكن أن تتسرّب منه الممنوعات السياسية والفلسفية. فهل أنيطت بالنقد التنظيري والتطبيقي، في مرحلة ما، مهمة الوعظ في هذا الشأن، والتخويف من المساس بهذه القضايا التي لا تليق بالرواية؟!
هل هذا صحيح؟ يمكن تقديم الكثير من القرائن على تواطؤ العديد من الباحثين وعلماء الدين في الترويج للمنع الديني والجنسي، غير أننا لا نملك أدلة تثبت أمر التواطؤ بين النقد الأدبي مثلاً، الذي يهجو السياسة أو الجنس في الرواية، وبين السلطات التي تحذّر الكتّاب، أو تعاقبهم إذا اقتربوا من ممارساتها السياسية، أو بين المجتمع العربي الذي يريد ستر عيوبه، بذريعة عدم خدش الحياء العام أو نشر الغسيل الوسخ..
العربي الجديد