صفحات العالم

مناف وعبد الرزاق


حازم الأمين

كتب ناشط سوري على صفحته على” فايسبوك”: “بانشقاق فراس طلاس ربحت الثورة وجهاً هوليوودياً، ولم يخسر النظام قائداً عسكرياً فذاً”. هذه العبارة هي واحدة من عشرات التعليقات التي رافقت انشقاق “الرجل الوسيم”، والتي حفلت بها الجدران الألكترونية السورية.

من الواضح ان “الوسامة” هي السمة الرئيسة للشخصية المنشقة، والتي يبدو ان صاحبها الذي اقتصد في الكلام حتى الآن، بدا مبذراً في تظهيرها، وفي جعلها وسيلة مخاطبة ضمنية هدف عبرها لقول شيء ما!

فما الذي أراد فراس طلاس قوله عبر تقديمه “وسامته” معطى رئيساً في شخصية رجل النظام المنشق؟

بداية، يجب ان نستبق احتمال ان يُساق هذا التقديم بصفته هجاء للوسامة، او في ابتذالها في الشأن العام. ذاك ان ثمة وعياً شقياً لطالما اعتبر ان السياسة يجب ان تترافق مع درجة من التقشف. وذات يوم خاطبنا مسؤولنا في الحزب الشيوعي قائلاً: “يجب ان تعلموا يا رفاق ان ستالين بقي يرتدي نفس الحذاء تسع سنوات متواصلة”، ولاحقاً افتتنا بخروتشيف عندما رفع حذاءه في الأمم المتحدة وقال: “انا ابن أحقر فلاح في أوكرانيا”.

يجب ان لا يُخفي المرء دهشة أحدثتها “وسامة” طلاس، ذاك انه ابن نظام غير وسيم، والنموذج الذي يَحضر في أذهاننا لشخصياته هو ذلك الضابط مستدير الوجه الذي يصبغ شاربه… واذ بنا في حالة مناف طلاس حيال موديل مختلف للضابط البعثي! ويبدو ان عناصر الجدة في هذا الموديل ضرورية لفهم ما جرى في سورية طوال العقود البعثية فيها. فكيف يُخرج نظام البعث “وجهاً هوليودياً”؟ أي قيم وأي معايير أنتجت هذا “الموديل”؟ من المؤكد انها وسامة غير محلية، وانها مصنوعة من عناصر “ما بعد بعثية”، وهو ما يعني ان البعث غير بريء منها، صحيح انها تجاوز للبعث، لكن الأخير أمها. القرابة بين وسامة مناف وبين البعث بديهية، فالرجل ببساطة ابن مصطفى طلاس.

قد يكون الضابط الآخر من آل طلاس، أي عبد الرزاق طلاس، ممثلاً أبرز للوسامة السورية، وحاملاً لعناصرها المحلية، أما وسامة مناف فملوثة بما تنطوي عليه من احتمالات. انه الرجل صاحب النفوذ وابن السلطة الفاسدة، والذي نجح بـ “تثقيف” ضائقته بعناصر هوليودية بعد ان أمضى أياماً طويلة على شاطئ الـ “كوت دازير”، وهي وسامة لا يمكن فصلها في الوجدان السوري عن حقيقة ان من تسبب بها هو مصنع الأغذية الذي أنشأته العائلة بعد ان تم تلزيمها وجبات الطعام للجيش السوري.

مرة أخرى على المرء ان يُحاذر السقوط في شرك فطرته “السوفياتية” لجهة احتقار الوسامة “الصناعية”، والإنحياز للوسامة المحلية، وهو اذا فعلها سيكون رجعياً. فالفارق بين الوسامتين في النهاية هو فارق بين قيم محلية وقيم عالمية. عبد الرزاق طلاس وسيم لأنه نجح في محاكاة صورة النجم المحلي، وفراس طلاس وسيم لانه نجح في محاكاة صورة النجم الهوليودي. الأول أضاف الى “وسامته” لحية قال انها غير سلفية، والثاني توجه فور انشقاقه الى مكة لإداء العمرة.

الرجل “السوفياتي” السابق يحاذر السقوط مجدداً، ويدعي انه معجب بعبد الرزاق، وهو خائف من طرف “اعجاب” لطالما تداركه بمناف، وهو دأب على تحذير نفسه ان الرجل هو ابن النظام البعثي الدموي والفاسد.

من الواضح ان الرجلين حائران في تصريف وسامتهما، لكن من الواضح أيضاً ان أبناء طلاس سيكونون نجوم المرحلة المقبلة. فأي طلاس منهما ستختار سورية؟

لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى