من تدمر إلى هارفرد…كتاب يوثق محنة المعتقلين وسجناء الرأي
لم يكن كتاب “من تدمر إلى هارفرد” مجرد سيرة ذاتية أو تجربة شخصية مريرة أراد كاتب أن يخطها، ولم يؤرخ أحداثاً كان من الممكن أن تُنسى ولكنه خطّ تفاصيل حياة مريرة بكل ما فيها من ألم و أمل.
بعد أربع سنوات من العمل خرج إلى النور كتاب “من تدمر إلى هارفرد” والذي كتبه الدكتور براء السراج،السجين السابق الذي اعتقل دون تهمة أيام الثمانينات. لم يكن الكتاب مجرد سيرة ذاتية أو تجربة شخصية مريرة أراد الكاتب أن يخطها، ولم يؤرخ أحداثاً كان من الممكن أن تُنسى ولكنه خطّ تفاصيل حياة مريرة بكل ما فيها من ألم و أمل .”صحيفة العهد ” تواصلت مع الدكتور براء السراج للحديث عن كتابه من تدمر إلى هارفرد، فقال: “هذا الكتاب دين في عنقي تجاه الأسد، تأخر لأسباب لكنه أنجز في النهاية، لم يكن يسطّر تجربتي الشخصية فقط بل كان يحكي قصة شريحةٍ ضخمةٍ من السوريين سابقاً ولاحقاً، غيبتهم السجون، ماتوا بصمت ودونما ضجيج لم يدرِ بهم أحد،ولم يُحاسب جلادهم أبداً، وهم المعتقلون وسجناءالرأي.”
لم يكن العمل سهلاً، فمن الصعب أن تسترجع ذكريات الخوف والألم واليأس والترقب وكلَّ الأسماء والوجوه والأحداث التي مرت بك خلال اثنتي عشرة سنة، ثم تجمعها في سطور.
إلا أن اندلاع الثورة السورية في الخامس عشر من آذار في عام 2011 كان محفزاً للسرّاج بأن الأوان قد آن للوفاء بالدين، فالمجرم طليق والمأساة تتجدد والنظام مازال مصراً على سياسة الضرب بيدٍ من حديد.
خرج الكتاب إلى النور إلا أنّه لم يجد دار نشر عربية تحتضنه، فتم نشره إلكترونياً و طباعته حسب الطلب كما يقول السراج: “حاولت نشره بدار نشر عربية لكن البعض اعتذر لأسبابٍ سياسيةٍ، ومن قَبِل من دُورِ النشر لم يكن بالمستوى الذي أطمح له،هذا بالنسبة للنسخة العربية،أما النسخة الإنكليزية فماتزال حالياً قيد الترجمة، وهناك طلبٌ عليها ممن سمعَ بقصتي وبما حصل، ولكن لا أستطيع تقدير مدى الإقبال الأجنبي عليه فالمحك الحقيقي عند النشر“.
لقد استطاع السراج أن يتجاوز قساوة الظروف التي سرقت اثنتي عشرة سنة من عمره ومضى في حياته بدعم من عائلته متنقلاً من نجاح لآخر، فتمكن من إتمام دراسته الجامعية ودراسته العليا، ونال شهادات من أعرق الجامعات العالمية وربما كان ذلك عاملاً مساعداً له على التخلص التدريجي من آثار السجن السلبية والتي كانت تتلاشى مع توالي النجاحات والإنجازات،محطة بعد محطة.
وعند سؤال براء السراج ماذا بعد الكتاب؟! أجاب: “الخطوة التالية هي إنهاء الترجمة إلى الإنكليزية ثم مراجعة ونشر كتاب علمي قام بترجمته طبيب تغذية حلبي استشهد تحت التعذيب أوائل أيام الثورة، وقد نويت إتمام عمله ومراجعته وتنقيحه ثم نشره، كما أنوي إصدار كتاب تحت عنوان المناعة السياسية، وفيه إسقاطات هامة لعلم المناعة الذي تخصصتُ به على السياسة والمجتمع، وقد نشأت فكرته في مهاجع سجن تدمر قبل سنوات من اختصاصي بهذا العلم.”
لقد تمكن السراج من الوفاء بدينه، وفضح نظام الأسد القائم على الإجرام اللامتناهي. ولكن الجريمة ماتزال مستمرة، والجناة دون حساب أو عقاب، وإن كانت أرقام الضحايا في الثمانينات بعشرات الألوف فهي اليوم تقترب من المليون، و من خيرة شباب سورية لا يهتم لوجعهم أحد، ينتظرون من يُقدّم لهم المساعدة ويوثق معاناتهم ويتكفلهم وعائلاتهم مادياً ونفسياً وصحياً.
ولئن كان الحظ حليفاً لبراء السراج، واستطاع أن يخط سنوات الألم حروفاً تنقل ما يجري في عالم أقرب مايكون إلى الخيال المقيت، فهناك العديد من أمثال براء ينتظرون من يسمع أنّاتهم ويهبّ لنجدتهم باذلاً كل ما يملك لإسقاط منظومة مجرمة فتكت بعقولٍ كان من الممكن أن تحدث فرقاً واضحاً في بلد يُدعى سورية.
المصدر: العهد_ ضياء الشامي