صفحات العالم

من شعوب إلى مذاهب/ هشام ملحم

 

 

احتفل الحلفاء في الحرب العالمية الأولى الثلثاء بـ”يوم الهدنة” الذي أنهى الحرب الأولى يقتل فيها الملايين في مختلف مناطق العالم. الحرب أنهت عهد الامبراطوريات: النمسوية – المجرية والروسية والعثمانية، وأسست لنظام سياسي جديد في أوروبا والشرق الأوسط مبني على الدولة – الأمة Nation – State بعد مؤتمرات دولية عدة واتفاقات سرية، أبرزها اتفاق سايكس – بيكو لتقاسم الإرث العثماني في شرق المتوسط بين فرنسا وبريطانيا.

خلال القرن الماضي، كان هناك تنافس على النفوذ السياسي الاقليمي بين الدول الجديدة مدفوعاً بمشاعر قومية قوية. وكانت الدولة – الأمة هي اللاعب الاساسي. وبينما “انسحبت” تركيا سياسياً من شرق المتوسط بعد هزيمتها العسكرية في الحرب الأولى، حاولت إيران الملكية توسيع نفوذها في الخليج والمشرق، وازدادت طموحاتها الاقليمية بعد ثورتها الاسلامية. الاتراك عادوا واكتشفوا المناطق العربية التي سيطرت عليها امبراطوريتهم البائدة لقرون، مع عودة الاسلاميين الى السلطة.

منذ نهاية الحرب الأولى والى حين هزيمة 1967، كانت الاحزاب السياسية “العلمانية” من شيوعية واشتراكية وقومية سورية وعربية هي التي هيمنت على الخطاب السياسي والعقائدي في مصر وما كان يسمى منطقة الهلال الخصيب. النزعة القومية – وهناك خيط رفيع يفصل القومية عن الشوفينية – كانت مسؤولة عن تفريغ مدن عريقة بتاريخها وتنوعها البشري مثل ازمير والاسكندرية وبيروت من محتواها الحضاري واستبداله بالتتريك في حالة ازمير والتمصير في حالة الاسكندرية. وشهدت هذه المدن رحيل أو تهجير الاقليات الغربية والمتوسطية التي جعلتها مراكز تجارية وحضارية في آن واحد. وهكذا رحل اليونانيون واليهود من ازمير، كما رحل اليونانيون والطليان واليهود والأمن واللبنانيون – السوريون من الاسكندرية (والقاهرة). لاحقاً كانت هناك تطورات مماثلة في بيروت، ولكن على مستوى أدنى. القوميات الضيقة الأفق وحكم العسكر أفقرت هذه المدن التي لم، ولن، تستعيد عافيتها السياسية والثقافية والاقتصادية.

هزيمة 1967، كانت أيضاً هزيمة لمفهوم سلطوي وشوفيني للقومية العربية وخصوصاً تجلياتها البعثية العنيفة. وفي المقابل استعاد الاسلام السياسي بتجلياته السنية المختلفة حيويته، وجاءت الثورة الايرانية لتمثل “صحوة” للشيعة العرب. وجاءت حربا العراق ضد إيران والكويت، والاحتلال الاميركي له، وأخيراً الانتفاضات العربية لتساهم كلها في تحويل شعوب شرق المتوسط الى مذاهب متنازعة: سنّة وشيعة، وأقليات دينية وأثنية أخرى تشعر بخطر وجودي.

وأبرزت ظاهرة “داعش” الى أي حد انحسر الحضور العربي في المنطقة، والى أي حد برز النفوذ الايراني في العراق وسوريا ولبنان، وكيف بدأت أميركا تتعامل مع إيران في العراق كشريك في الحرب، والى أي مدى تعتمد واشنطن الآن على أيران والأكراد والى حد أقل على الأتراك لحل مشاكل المذاهب العربية في سوريا والعراق.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى