من هزم الثورة في سورية؟/ حازم الامين
يفرض كلام وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم الأخير عن دور دول الخليج وتركيا في تمويل وتسليح فصائل إسلامية “جهادية” في سورية وصولاً إلى جبهة النصرة، مراجعة قاسية يجب أن يجريها كثيرون ومن بينهم كاتب هذه السطور، حول موقعهم وموقفهم مما جرى في سورية. فثمة ثورة هُزمت، وثمة أكثر من خمسمئة ألف قتيل، ومدن هائلة شبه مدمرة، ونحو عشرة ملايين لاجىء. هذا كله لا يمكن اختصاره بأن نظاماً جائراً ومجرماً انتصر على ثورة فقط.
يمكن للمرء أن يضم إلى هذا المشهد المأساوي حقيقة أن المناطق التي ما زالت خارج سيطرة النظام وحلفائه المذهبيين الإقليميين والدوليين هي أجزاء من محافظة دير الزور تحت سيطرة “داعش”، ومحافظة إدلب تحت سيطرة تنظيم “القاعدة” والغوطة الشرقية تحت سيطرة “جيش الإسلام”، وخريطة نفوذ معقدة في الجنوب السوري يتقاسمها النظام مع فصائل يديرها الجيش الأردني وفصيل آخر تديره “داعش” هو جيش “خالد ابن الوليد.
وبعد تصريحات الوزير القطري لم يعد مجدياً الهرب من مواجهة النفس. لقد سقطنا جميعنا في الفخ، وهذا الأخير لم ينصبه لنا النظام، على رغم علمه بضعف مناعتنا حياله. لقد كان ثمة قرار إقليمي بتسليح وأسلمة الثورة في سورية، ولم تجر مقاومته على الإطلاق. وبهذا المعنى لا أحد بريئاً من دم السوريين. صحيح أن حمد بن جاسم قال ما قاله مؤخراً في سياق سجال قطري سعودي، وهو قاله غير آبه بما يدينه طالما أنه يدين خصمه الخليجي، لكنه هذه المرة وضعنا أمام أنفسنا نحن الذين غضضنا الطرف عن حقيقة لطالما لاحت أمامنا. لم يعد ممكناً اليوم أن نتهرب من مسؤوليتنا عن الدم السوري. مسؤولية النظام لا تحتاج من يثبتها، وقد ذهبنا بها إلى حد الابتذال، إلى حد صرنا ندفع عبرها المسؤولية عن كاهلنا. ولكن ماذا عنا نحن اليوم، أي بعد كلام حمد بن جاسم؟
زهران علوش (قائد جيش الاسلام) اختطف الناشطين المدنيين الأربعة، أي رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة، فأدّنا الفعلة بصفتها جزءاً من فوضى الحرب، لا بصفتها المشهد الذي أُريد للغوطة أن تكونه. لم يملك أي عضو في الائتلاف الوطني السوري حساسية كافية لأن يقول “لا أريد ممثل جيش الاسلام محمد علوش أن يكون المفاوض الأول باسم المعارضة السورية”. “داعش” دخلت إلى سورية من تركيا، وهذا أمر صار موثقاً، وعايشه السوريون الذين لجأوا إلى المدن التركية المحاذية للحدود مع سورية، وهذه الحقيقة لم يبن عليها موقف من الدور التركي. واليوم أضيفت اعترافات الوزير القطري إلى مشهد السقوط السوري بيد النظام، وهو ما لن يكون له أثر، وما لن يشكل انعطافة.
الثورة هُزمت، وليس النظام من هزمها، ذاك أنها كانت تتقدمه في البداية. الشعور بالمسؤولية حيال سورية، وحيال الدم السوري يقتضي تسجيل هذه الحقيقة، وهذا ليس من قبيل جلد النفس، إنما بهدف فتح طريق للتعامل مع الهزيمة. الانتفاضة كانت تجربة السوريين الأولى مع السياسة، فلا بأس بالاعتراف بالهزيمة، وهي ستكون “جلداً للنفس” إذا لم تكن خطوة لمعاينة المشهد من مسافة مختلفة. أي أن نبدأ ببحث فعلي عن “من هزم الثورة في سورية”، وأن نصل بأسئلتنا إلى حدود التفكير ببؤر الثورة وبموقع المدن منها، وبالبيئة التي استجابت نداء النظام وخصومه واستقبلت “داعش” و”القاعدة”، وأتاحت لزهران علوش أن يحكم الغوطة.
لقد استنفذنا تثبيت دور البعث في قتل السوريين. ومن موقعنا هذا، أي من موقع خصومة النظام، علينا أن نبني على كلام بن جاسم موقعاً مختلفاً عن ذلك الذي ابتذلنا أنفسنا من خلال تصبرنا به كتماثيل عديمة التأثير في مستقبلها.
ومرة أخرى ليست هذه دعوة لجلد النفس، أو الابتعاد عن الواقعية في التعامل مع نتائج الحرب، انما محاولة تفكير بموقع السوريين في أعقاب هزم ثورتهم. واذا كانت الشياطين ترقص في بلدهم، فمراقصة الشياطين تقتضي التعامل مع كلام بن جاسم على نحو مواز لتعاملهم مع قاسم سليماني، وأي بحث عن تفاوت في المسؤوليات سيكون عملية هرب جديدة من حقائق لطالما هربنا منها.
تعليق واحد