من يحك جلد سوريا؟
مشاري الذايدي
أخيرا بعد نحو سنتين من فتك بشار الأسد بالشعب السوري على بصر العالم وسمعه، تولى العرب المبادرة الجدية، وخرجوا باتفاق الدوحة الذي أوجد إطارا شرعيا جامعا للقوى السورية المناهضة لبشار وعصابته.
سقطت حجة جديدة من حجج التلكؤ الأميركي الغربي في نصرة المقتولين يوميا في سوريا على يد عصابة بشار، ومن معها من الخمينيين والروس وأذيالهم في العراق ولبنان.
حتى هذه اللحظة، وبعد اعتراف المجموعة العربية الخليجية ثم الجامعة العربية ثم فرنسا، بائتلاف القوى السورية، الذي تمخض عن اتفاق الدوحة، لم تعترف أميركا به، وإن أزجت كلمات الترحيب بالخطوة.
كانوا يقولون في بداية الكارثة، يوم مجزرة أطفال درعا، نريد حلا سياسيا، نريد قرارا دوليا، لا نريد الانفراد، وبعد ثلاث صفعات مفرقات على عدة أشهر، بكف الفيتو الروسي والصيني، كشفت الحيلة، وفقدت هذه الحركة قدرتها على البقاء، فتم اللجوء إلى لعبة المبعوثين الدوليين والعرب، من الجنرال السوداني الكارثة، الدابي، إلى «الأكرث» منه، الدولي كوفي عنان، وأخيرا إلى المبعوث العتيد، الأخضر الإبراهيمي، الذي انتهى به المطاف إلى أن «يشحذ» مهلة العيد، عيد الأضحى، للاكتفاء بتقديم قرابين الشياه والخرفان عوض البشر والأطفال والنسوان، فيا له من إنجاز!
لقد تأخر الجميع في التدخل الجاد في سوريا، حتى بت أميل إلى التشاؤم بشأن مستقبل الاستقرار فيها حتى لو رحل بشار هذا القاتل أو خلع أو هلك، لقد تسبب تأخر العالم في التدخل في مفاقمة العلة، ولكن لا مناص من اقتلاع الورم الأسدي.
الأمر واضح لمن يرى، الروس ماضون في هذه اللعبة السياسية العارية، ولا يهمهم سقوط القتلى، ولا يهمهم خراب سوريا، ولا يهمهم، غضب الناس في العالم العربي والإسلامي، همهم هو الحفاظ على ما يتوهمونه مصالح في منطقة الشرق الأوسط وضفاف المتوسط، أي أنهم يمسكون برقبة سوريا لضرب الفيل الأميركي! إضافة إلى أنهم يشعرون بأنهم يدفعون نار الغضب الإسلامي في التكوين الروسي المسلم، سواء في الشيشان وتتارستان وداغستان، في الاتحاد الروسي، أو في الجمهوريات الإسلامية الآسيوية. باقي الحسابات بالنسبة للقيصر الجديد، بوتين، ليست إلا «فكة عدد» مهما بلغ أنين الموت وحرارة الدم.
أما «العبقري» أوباما، فهو كما قال لنا الصحافي الأميركي العبقري الآخر، توماس فريدمان، في حوار أخير مع صحيفة «حرييت» التركية، لن يتدخل عسكريا في سوريا، ولو «بطرف إصبعه»، وهو استخدم هذا التشبيه تحديدا، وقال ما معناه إن الرجل سينغمس في شؤون أميركا الداخلية، وعليكم أنتم أيها الأتراك، والعرب طبعا، تولي هذا الأمر بأيديكم، مع لمسات من المباركة الأميركية.
هنا أقول صدقنا فريدمان، وهو الكاتب الذي ثبتت سطحية وزيف أغلب آرائه وتوقعاته حول الربيع العربي، لكن لعله يكون أقرب للدقة حين الحديث عن سياسات أوباما. لذلك حسنا فعل العرب، أخيرا، بتولي زمام الأمر في سوريا.
منذ البداية كان واضحا أن من يريد التعويل على «جدية» أميركية أو حتى أوروبية بنصرة السوريين ضد هذا القاتل، بشار، وعصابته، فهو يحرث في البحر ويقبض الريح.
ما حك جلدك مثل ظفرك.. اصنع الواقع على الأرض، ثم يتعامل الآخرون معه، طوعا أو كرها، هذا هو الحزم والعزم والفهم.
الشرق الأوسط