من يستدعي الخارج : الانتفاضة أم النظام السوري
صلاح بدرالدين
كل ما تصاعد الحراك الشعبي السلمي وازدادت الانتفاضة اتساعا ترتفع وتيرة اتهامات أهل النظام وأبواقه الاعلامية في فبركة وتسويق أضاليل حول ” الأيادي الخارجية ” و ” التآمر الأجنبي ” لزعزعة الأمن والاستقرار وتهديد النظام الممانع الذي يقف في وجه – الامبريالية والصهيونية وكل أعداء الأمة – ! ! وعندما يسأل هؤلاء عن هوية تلك الأطراف يصيبهم الارتباك والسكوت , واذا ما بدأنا من دول الجوار السوري التي ستكون هي ممر ومقر التدخل اذا صحت مزاعم أوساط النظام فسنتوصل الى نتائج معاكسة تماما :
فتركيا التي تشترك بالحدود الأطول مع سوريا تجمع حكومتها – نصف الاسلامية – بعلاقات استراتيجية جيدة واتفاقيات أمنية متشعبة مع نظام دمشق – العلماني – كانت الأولى والأهم اتفاقية – أضنة – عام 1998 حول مواجهة الحركة الكردية والتنسيق في محاربتها والتسليم النهائي بتركية لواء الاسكندرون وقبول تركيا للوساطة بين دمشق وتل أبيب واستعداد الجانب التركي لتزكية نظام دمشق أمام الادارة الأمريكية والغرب عموما ومنذ بدايات الحراك الشعبي كانت تركيا حاضرة عبر رئيسي جمهوريتها وحكومتها ووزير خارجيتها الذين أبدوا انحيازهم العلني للنظام السوري وتأييد ماأسموه بخطوات الأسد – الاصلاحية – كما أعلنوا عن استعدادهم لتقديم كل مايلزم لمصلحة النظام الحاكم الى درجة تكليف مدير جهاز الأمن التركي – ميت – حقان فيدان بالتوجه الى دمشق في السابع والعشرين من آذار المنصرم أي بعد اندلاع الانتفاضة بعشرة أيام ومن ثم التباحث مع الأسد حول مايجري في البلاد وسبل الحد من الانتفاضة والقضاء عليها بشتى الطرق اعتمادا على الخبرة التركية أيضا في مجال قمع الحركات الشعبية بالوسائل الأمنية والعسكرية اذا دعت الحاجة ومن ضمن مساعيها عودة قيادة حركة – الاخوان المسلمين – بترتيب خاص كمحاولة في اضعاف حركة المعارضة – حسب اعتقادهم – واستثمار النفوذ التركي في بعض الأوساط الحلبية للحد من ارادة المشاركة في الانتفاضة وهكذا نرى أن النظام يوافق على تدخل سياسي وأمني في تفاصيل شؤون سوريا الداخلية ويستبيح سيادة البلاد في حين كان قد أقسم بيمينه يوم توريثه حكم أبيه على صيانة استقلال سوريا والحفاظ على سيادتها .
أما العراق وبالرغم من كل المآسي التي عاناها العراقييون من تفجيرات ومفخخات أجهزة النظام السوري وبعد كل بيانات الادانة ووثائق ومعلومات التدخل السوري من جانب الحكومة العراقية التي أذيعت ونشرت فان المسؤولين العراقيين وخاصة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء أعلنوا عن تأييدهم لنظام دمشق والوقوف الى جانبه بناء على تدخل جمهورية ايران الاسلامية بحسب وسائل الاعلام وفي بعض المجالات اقترنت الأقوال بالأفعال لمصلحة نظام دمشق والتي سنكشف عنها في وقت آخر .
أما المملكة الأردنية الهاشمية المنشغلة أيضا بحراك اسلامي معارض موال تاريخيا لنظام سوريا فليست لامن حيث الامكانيات ولامن حيث الموقف السياسي في موقع يؤهلها للتدخل العسكري أو الأمني أو السياسي لصالح الانتفاضة الشعبية بالرغم من أن عشائر حوران تتوزع بين البلدين ومن المنطقي والواقعي أن يتعاطف الأهل مع أهلهم ولو من باب المشاعر الانسانية والعائلية ومن الجدير ذكره فان الأردن يعاني منذ تسلط البعث على حكم سوريا من تدخلات واعتداءات لاتعد ولاتحصى وهو ليس في موقع الهجوم بل الدفاع .
وما يتعلق الأمر باسرائيل فهي تنعم – بأحلى جار – رغم احتلالها للجولان في عهد قيادة الأسد الأب ولم تشهد في حدودها المشتركة مع سوريا مايعكر صفو الأمن والاستقرار وبالرغم من ظهور خلافات في القطاعات الاسرائيلية المختلفة الحكومية والعسكرية ومصادر قرارها حول تقييم الحالة السورية الا أن المؤسسة الأمنية ومراكز بحثها توصلت الى شبه اتفاق على أن بقاء نظام الأسد لمصلحة الكيان الاسرائلي على المديين القريب والمتوسط وعليها أن تمارس الضغط على الادارة الأمريكية لعدم الاقدام على تأييد انتفاضة الشعب السوري أو المطالبة برحيل الأسد على غرار ماحصل في تونس ومصر واليمن وليبيا وفي اشارة ذات مغزى نشر الاعلام الاسرائلي والغربي خبرا عن ابلاغ الجانب السوري اسرائيل عن تحرك عسكري باتجاه درعا الثائرة الصامدة لاعلاقة لذلك بالجبهة الاسرائيلية – هكذا الممانعة أو بلاها – .
أما ما تردده جماعات النظام السوري والموالين له في لبنان عن تدخل قوى الرابع عشر من آذار لمصلحة انتفاضة السوريين فأمر أغرب من الخيال نعم قد تتعاطف تلك القوى مع حراك الشعب السوري في سبيل الحرية والديموقراطية على مبدأ – عدو عدوك صديقك – وهي لفتة مشروعة على أي حال ولكنها لاتملك وسائل التدخل لأسباب داخلية لبنانية أولا ولعدم حاجة السوريين لأي تدخل في المقام الثاني علما أن قوى الثامن من آذار هي التي تتدخل اعلاميا ( تصريحات نصرالله ونبيه بري ) وميدانيا لمصلح النظام خاصة ماقيل على نطاق واسع عن تواجد عناصر من حزب الله برفقة ايرانيين في بعض المواقع الحساسة داخل دمشق العاصمة لمواجهة الانتفاضة اذا دعت الحاجة .
الشعب السوري المنتفض سلميا ليس بحاجة الى مساعدات الخارج بالسلاح والعتاد والمقاتلين بل بأشد الحاجة الى الموقف السياسي والاعلامي دعما لقضية الحرية والتغيير الديموقراطي ومن أجل اسقاط نظام الاستبداد واعادة بناء الدولة السورية الحرة الديموقراطية التعددية لتتحول بلادنا الى مصدر للسلام والوئام لا مرتع للمخططات والمؤامرات على دول الجوار, الى نصير للعمل العربي المشترك لا ذيل لمحاور اقليمية بقيادة نظامي ايران وتركيا التوسعيين المحتلين , الى مؤاذر لنضال الشعب الفلسطيني لامفرق لصفوفه .
لقد قال السفير الايراني في مؤتمر «الصحوة الإسلامية ومواجهة الفتنة في سورية» الذي عقد بدمشق، إن «الأحداث التي تشهدها سورية تم الإعداد والتخطيط لها من قبل الأعداء لتكون نسخة مكررة من أحداث الفتنة التي مرت بها إيران خاصة تلك الشعارات التي رددها المتظاهرون في درعا ومنها – لا حزب الله ولا إيران – مما يعني أن المصدر واحد من الأعداء حين يتلقى عملاء الخارج الأوامر من الأعداء والصهاينة ” فهنيئا لنظام يجري مثل هذا التدخل الأجنبي السافر بشؤون سوريا والعرب ويهان السورييون في قلب عاصمتهم .