موسكو ترد في سوريا/ علي العبدالله
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة ألقاها خلال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي يوم 19 الجاري “استمرار تأييد موسكو للرئيس السوري بشار الأسد”، واعتبر أن إطاحته بالقوة ستؤدي إلى انزلاق البلد الذي تمزقه الحرب إلى مزيد من الفوضى. وقال:”موسكو مستعدة للعمل مع الرئيس الأسد للسير على طريق الإصلاح السياسي، ومنح السوريين فرصة الوصول إلى أدوات السلطة، من أجل إنهاء المواجهة العسكرية. وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه عبر تدخل خارجي باستخدام القوة”.
جاء تصريح الرئيس الروسي على الضد من الإشارات السابقة التي عكستها تصريحات المسؤولين الروس ووسائل الإعلام الروسية وكان آخرها ما قيل خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى سوتشي يوم 12/5/2015 ولقائه بالرئيس الروسي ووزير خارجيته.
لم ولم الآن؟.
كانت موسكو كررت مرارا إن موقفها من الصراع في سوريا ليس دفاعا عن الأسد، وإنها غير متمسكة به، وان موقفها مرتبط بالتزامها بالقانون الدولي ورفضها تغيير الأنظمة بالقوة. لذا اعتبر تصريح الرئيس الروسي الأخير مفاجئا وخارج السياق المعروف لأنه جدّد وقوفه إلى جانب الأسد تحديدا، وهذا، بالإضافة إلى تحذير مسؤول روسي من “سقوط سوريا تحت سيطرة “داعش” في حال إزاحة الأسد”، أثار أسئلة ومخاوف من تصعيد العنف في سوريا لتحسين موقف النظام العسكري بعد الهزائم المتتالية التي مني بها مؤخرا في أكثر من معركة في الشمال والجنوب والوسط، وتقلصت المساحة التي يسيطر عليها إلى نسبة 20% من الأراضي السورية، خاصة بعد إعلان النظام السوري انه سيتلقى أسلحة روسية متطورة على مرحلتين أولى فيها أسلحة فردية ومتوسطة ذات فاعلية عالية في الاشتباكات القريبة، وهي أسلحة تحتاجها وحدات الاقتحام في خطوط النار الأولى من قبيل الرشاشات وقواذف “الآربي جي” والقناصات والقنابل الهجومية، فيما تتضمن المرحلة الثانية أصنافاً من ذخائر المدفعية والدبابات والصواريخ المضادة للعربات والمدرعات، ستؤثر على المشهد الميداني.
ارتبط الموقف الروسي الجديد بقرارات قمة مجموعة الدول الصناعية السبع التي قررت تمديد العقوبات على روسيا وقرار حلف الناتو مضاعفة قوة تدخل سريع، ونشر أسلحة ثقيلة في دول شرق أوروبا، بما في ذلك دبابات وسرب من مقاتلات “أف –22 رابتور” الأمريكية، كانت الولايات المتحدة قد أرسلت إلى أوروبا بضع مقاتلات “آ – 10″ و”أف – 15”. لكن المقاتلة “أف – 22 رابتور” هي أحدث سلاح جوي يمتلك مواصفات عالية وبوسعه حمل السلاح النووي إلى أهم المناطق الروسية خلال دقائق معدودة. بالإضافة إلى فرض محكمة التحكيم في “لاهاي” غرامة مالية ضخمة على روسيا لصالح المساهمين السابقين في شركة “يوكوس” النفطية، 50 مليار دولار، وقيام بلجيكا وفرنسا بالحجز على الأموال الروسية، بما في ذلك أموال السفارتين الروسيتين لديهما، في مصارف البلدين وتجميد ممتلكاتها فيهما، واعلان روز غوتيمولر، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون المراقبة على الأسلحة والأمن الدولي، في حديث مع “إنترفاكس”، 22 الجاري، إن “الولايات المتحدة لم تقل أبدا إن تسوية للملف النووي الإيراني ستجعل نشر منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا أمرا زائدا عن اللزوم أو لا فائدة منه.. وإنما كنا نعلن أنه إذا توصلت الولايات المتحدة مع شركائها في اللجنة السداسية إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، وإذا قامت إيران بتنفيذه، فسنستطيع أن نعزل بذلك أحد أكبر التهديدات المحدقة بأمننا”..
لم تكتف موسكو بتمديد حظر استيراد المواد الغذائية (الفواكه والخضروات ومنتجات الألبان واللحوم) من دول الاتحاد الأوروبي، الذي اتخذته في 7/8/2014، لمدة ستة أشهر أخرى، ردا على تمديد العقوبات عليها من قبل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لنفس المدة، حتى الـ31/12/2016، بل رأت التصعيد في سوريا عبر عكس توجهها التقليدي في الملف السوري ورفض دعوات عربية وإقليمية ودولية لإخراج رئيس النظام السوري من السلطة والدخول في مرحلة انتقال سياسي في سوريا، وتعزيز التنسيق مع النظام المصري في الملف السوري في ضوء تقارب موقف البلدين منه وخلافهما مع دول إقليمية ودولية بشأنه (أجرى وزير الخارجية الروسية مكالمة هاتفية مع نظيره المصري سامح شكري يوم 23 الجاري “جرى فيها تبادل الآراء حول الوضع في الشرق الأوسط مع التركيز على حالة سوريا وحولها. وأكد كلا الجانبين أهمية مواصلة الجهود الدبلوماسية السياسية النشطة بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة السورية على أساس التوصل إلى وفاق وطني شامل حول سبل تجاوز الخلافات السياسية الداخلية بشرط احترام سيادة هذا البلد ووحدة أراضيه”، وفق ما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية)، بالإضافة إلى التحفظ على قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي البدء بعمليات عسكرية ضد مهربي اللاجئين في البحر المتوسط، تحقيقا لهدفين رئيسين أولهما: عرقلة التحرك الدولي بحثا عن حل في سوريا يوقف تدهور الأوضاع وانعكاسها على دول الجوار وحشد القوى للتصدي لـ”داعش”، للمساومة على الموقف في سياق تكتيك “الربط بين القضايا المعروف في الإستراتيجية”، وثانيها: الاحتفاظ بدور كبير في الملف السوري والمشاركة في أي حل فيه للاحتفاظ بحصة روسيا من الكعكة السورية وعدم ترك إيران تستأثر بها خاصة مع اقتراب التوصل إلى اتفاق بخصوص الملف النووي الإيراني وفتح طريق عودة العلاقات بين إيران والغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة ما يثير مخاوف فقدان روسيا لتأثيرها في إيران وخروجها من الشرق الأوسط.
المدن