صفحات العالم

موسم الهجرة إلى سوريا

 

زهرة مرعي

تنبهت قنوات التلفزيون اللبنانية فجأة في الأسبوع الماضي إلى وجود الآلاف من العمال السوريين على الحدود ينتظرون إنجاز أوراقهم لمغادرة لبنان وعلى مدى أيام. موجة عودة إلى الديار من قبل العمال السوريين لا تعرفها الحدود اللبنانية السورية سوى عشية عيدي الأضحى والفطر. للهجرة الحاصلة في هذا التوقيت بالذات دوافعها البعيدة عن رغبة لقاء الأهل في عيدين مباركين. هي هجرة حتمها الخوف على الروح، بعدما أنتفت أمام العامل السوري عوامل الأمان والإطمئنان في لبنان. العامل الذي ساهم في إعادة إعمار لبنان، بعد كافة الحروب الصغيرة والكبيرة، الناتجة عن تحابب الإخوة بالرصاص والقذائف لسنوات، أو الناتجة عن عدوان صهيوني غاشم، يهجرنا وخوفاً منا. في موسم الهجرة الراهن إلى سورية يكون العامل السوري قد جرّب الخوف من كافة الطوائف والمذاهب اللبنانية، بحيث لا تعتب فئة ‘حضارية’ على فئة ‘حضارية’ أخرى في سلوكها ‘الراقي’ حيال الأخ الضيف. أزمة اللبنانيين من زوار العتبات المقدسة المخطوفين في سورية هي السبب في الهجرة الحالية. يوم وقع الخطف في حلب قبل أسبوعين كان السوريون من عمال ومواطنين عاديين يسكنون أو يمرون في ضاحية بيروت الجنوبية ضحية لممارسات ليس فيها من الأخلاق ذرة. كانت محنة إستمرت لساعات قبل تدخل المراجع. هي شرارة يتحضر العامل السوري لما هو أسوأ منها مع أي تطور سلبي في قضية المخطوفين اللبنانيين.

في كافة تداعيات السياسة اللبنانية كان العامل السوري ‘مكسر عصا’ في جميع المناطق وعلى يد جميع المذاهب. سقط منهم ضحايا وجرحى ولم يكن الإعلام يولي تلك الجرائم ما تستحق من إهتمام. فبعد إغتيال رفيق الحريري تحول كافة العمال السوريين إلى رستم غزالة في جميع المناطق والحارات والزواريب الواقعة تحت سيطرة فريق 14 آذار. وأنزل بهم أصحاب النفوس الوضيعة، والنفوس المريضة أقسى الممارسات الشنيعة. صحيح أن ممارسات المخابرات السورية في لبنان تركت ندوباً مستمرة في جسد بعض العائلات التي لا يزال أبناؤها مجهولي المصير حتى اللحظة، لكن هذا لا يقيم أي علاقة جدلية مع العامل السوري. حتى ما قبل الثورة السورية كان كل عامل سوري رجل مخابرات في قاموس 14 آذار، بعد الثورة دبّ الغرام بهذا العامل المسكين. وفي لحظة إختطاف زوار العتبات المقدسة في حلب صار العامل السوري في لبنان الجيش السوري الحر، فتعرض لعقاب الإهانة اللفظية والجسدية. والأهم أن هذا العامل الذي ربما يكون أهله قد تقاسموا منزلهم الصغير مع النازحين من لبنان إلى سوريا خلال عدوان تموز 2006، لم يعد يأمن على حياته ‘بموت ببلدي أحسنلي’.

القاصي والداني يعرف أنه بدون السواعد السورية لا يرتفع بناء في لبنان، وبدون جهودهم لما كان عندنا إعمار. السواعد السورية عمّرت لبنان بأرخص الأثمان وهم يستحقون نصباً كتحية لهم. أما أن يعيشوا هذا الرعب على مصيرهم وتباعاً من قبل الجميع، فهذا يعني أننا مجتمع مريض يبحث عن ضحية يعنفها ويمارس أحقاده عليها. وفوق هذا وذاك يصح فينا القول أننا نفتقد الذاكرة ونفتقد الوفاء، والأهم أن بعضنا يفتقد الموضوعية والمنطق، وما من سلطة تضبط سلوكنا.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى