صفحات العالم

ميسي.. المندس

 
ديانا مقلد
شاهدت تكرارا تقرير قناة «الدنيا» الذي يتهم فريق برشلونة ونجمه ليونيل ميسي بترميز طرق ومسالك تهريب السلاح من لبنان إلى سوريا من خلال لعبهم مباراة ضد فريق ريال مدريد. وفي كل مرة أعاود مشاهدة التقرير أسأل كما سأل من شاهد وسمع بالأمر: ماذا قصد القائمون على قناة «الدنيا» حين أنتجوا هذا التقرير؟!
حقا ماذا قصدوا؟!
حتما لم يكن هدفهم أن نصدق أن ميسي بات مندسا ويهرب السلاح إلى سوريا ويرسل بركلاته وتمريراته رسائل مشفرة، تماما كما لم يقصدوا أن نصدق أن السوريين خرجوا للتظاهر شكرا للمطر أو أن المختص في حركات الإسلام السياسي، أوليفيه روا، قد صرح لقناة «الدنيا» مثنيا على سياسات بشار الأسد وهو طبعا ما نفاه روا.
فما الذي يفيد النظام السوري في دعايته حين يفرض على جمهوره الموالي والرافض قبول وسماع ما هو مذهل لجهة عدم انسجامه مع العقل والمنطق؟ نعم مذهل، وللمذهل هنا وظيفة تكمن في الدافع وراء بث هذا التقرير؛ ذاك أن عقل النظام السوري أدهى من اتهام ميسي بالتورط في الثورة، والرسالة خلف تقارير كهذه تكمن في ما تخلفه فينا من ذهول.
لقد ذهلنا لهذه الخفة في المخاطبة، وهذا تماما ما يريده النظام، أي أن يقول لنا إنه على هذا المستوى من المخاطبة، وأن يقول للسوريين إن من تتظاهرون ضده لا يتورع عن مخاطبتكم بهذه المادة الهزلية، وإن من يفعل ذلك يفعل ما يفعله أيضا من قتل للمتظاهرين واستهداف للمدن وقتل للأطفال.
طبعا، تجسد قناة «الدنيا» درة السياسة الإعلامية للنظام السوري، التي عمدت، منذ اليوم الأول في تعاملها مع الثورة السورية، لأن تكون سياسية لا عقلانية تضخ كمّا هائلا من الشعارات والأخبار والتحليلات الزائفة والمرهقة لمن يعمل على تظهيرها ولمستهلكها على حد سواء. والأقل تضررا من هذه المادة هو مستهلكها، فكأنها لا تخاطب عقله وإنما تخاطب ميله للضحك وللذهول أيضا.
وللحقيقة فإن الشطط الأخير الذي جسدته هذه القناة في تقريرها حول فريق برشلونة هو تصعيد آخر في سياسة إجبار السوريين على تقبل دعاية النظام وتفسيراته مهما كانت سخيفة ومثيرة للسخرية.
ميسي مندس، عليكم أن تتصرفوا على هذا الأساس ولا نبالي كثيرا بأن تصدقوا الأمر، لكن إياكم أن تشككوا به.
ليس هناك من احتمال آخر.
يقال إن الانصياع القائم على اقتناع فعلي ليس انصياعا حقيقيا؛ لأنه قائم على توافق السلطة مع أحكامنا الخاصة، لكن في حالة النظام السوري ودعايته غير المسبوقة، فهو يطلب، بل ويحاول، أن يفرض طاعة عمياء لا تقيم وزنا لأي عقل، بل هي تستبطن احتقارا واستغباء للجمهور الموالي قبل غيره.
بعد تقرير «الدنيا» نفذ ناشطون سوريون شريطا مفبركا ردا عليه يعترف فيه ميسي بتورطه ويتأسف على انكشاف أمره من قبل قناة «الدنيا».
وللحقيقة لا ينسجم مع اتهام ميسي بأنه مندس سوى رد هزلي من هذا النوع.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى