نداء من أجل تسوية في سوريا/ جورج بدره
من أجل سوريا أقول: هل نظل أعواماً على الأبواب نشحذ خبز العدل من قوى أجنبية، وهل نبقى محاصرين بالحقد والكراهية، وهل تبقى أيامنا كلها كربلاء؟!
يقولون، عندما يتفق حماة الحرمين الشريفين، مع الجمهورية الاسلامية في ايران، وعندما تنزع أميركا درعها الصاروخية من تركيا ومن بولندا على حدود روسيا، وعندما تتوقف هي والاتحاد الاوروبي عن التدخل في أوكرانيا… حينئذ قد يمكن التفاؤل بالفرج في شرقنا وفي سوريا.
ليس الوقت للتوقف أمام سرد الأزمة الكارثة وتحليلها، كما ليس مهماً محاكمة مواقف المنخرطين في النزاع من أطراف محلية وخارجية، المهم هو كيف نخرج من المأزق؛ وليس فقط من الأزمة.
إن الطريق لحل الأزمة؛ هو بداية الخروج من المأزق. فالذهاب لإنتخابات وصناديق إقتراع يقرر عبرها السوريون مستقبلهم ومصير بلادهم وشكل الحكم فيها؛ مستحيل دون تسوية بين طرفي النزاع يرتضيانها ويحتكمان فيها الى القبول المتبادل؛ والتواضع؛ وتقديم مستقبل سوريا والسوريين على رؤاهم ومصالحهم ومشاعرهم…
هذه التسوية يجب أن تنطلق مبدئياً من التسليم بكون الخسائر الناتجة عن مواصلة المواجهة المسلحة؛ أكبر بكثير من المكاسب المتوقعة لدى كل طرف. فسورية تُدمر، وتحترق، والسوريون من ضحاياها. وما نفع أن ينتصر فريق ليجد أنه لم يبقَ بلد ليديره؛ ولا ناس ليحكمهم.
سوريا لا تكون؛ إلاّ بقدر ما تؤمن دولتها؛ بأن كل مكون من مكوناتها هو ركن من أركان الوطن؛ ومن غير المسموح تهميشه أو إلغاءه؛ أو إبعاده عن اللعبة السياسية. ويجمع السوريون على حق كل فريق بالتعبير عن حضوره السياسي بالشكل الذي يرتضيه لنفسه، سواء كان دينياً أو مدنياً؛ طالما إرتضى الإحتكام للعبة الديموقراطية التي لا مكان فيها لمن يعتمد السلاح؛ والتكفير منهجاً في محاكمة شركائه في الوطن.
تنطلق التسوية من اقتناع راسخ؛ بتمسك السوريين بوطنيتهم العالية؛ ورفضهم لكل التدخلات الخارجية في شؤون بلدهم… وبغض النظر عن رؤية كل طرف لنزاهة حلفائه في التعامل مع الوصف الذي يتبناه للنزاع الدائر في بلدنا، فإنه لا يستطيع إنكار أن هذه التدخلات جعلت من سوريا ساحة للنزاعات الدولية والاقليمية التي لا تتصل بمستقبل سوريا كوطن للسوريين، وجعلت السوريين بدمائهم وأرزاقهم صندوق بريد لتبادل الرسائل بين الجهات المتنازعة على ساحة العالم والمنطقة. وإذا كنا لا نتوهم سرعة إستردادنا لممارستنا السيادية لقرارنا الوطني، إلا أننا ندرك أهمية أن يكون أحد ركائز التسوية المنشودة؛ التخفيف التدريجي لهذا التورط مع الخارج، وصولاً لبناء قرار سوري وطني… حر… تشكل التسوية أبرز منطلقاته ووسائله بتخفيض سقف تطلعات الحلفاء المصطفين على جبهتي القتال وراء طرفي النزاع من حلفائهم السوريين.
التسوية تستدعي نزول كل فريق عن شجرته وشروطه؛ وتعنّته وعناده. فلا محاسبة على ما يوصف بجرائم السنوات الثلاث التي لم يبق أحد لم يتورط بشكل أو بآخر بها. والعفو العام والشامل على كل ما يندرج تحت عنوان جرائم حرب السنوات الثلاث؛ شرط للتسوية الناجحة والقابلة للحياة. كما أن النظام السياسي الانتقالي في انتظار دستور جديد ينبثق بهدوء من حالة السلام الوطني، هو نظام برلماني؛ تقرر فيه الغالبية البرلمانية وفقاً لنصاب محدد؛ البت بكل قضايا الخلاف، دستور تضعه جمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب لهذه الغاية حصراً، لأن الشعب هو وحده مصدر السلطات.
محامٍ سوري