نسقط كي نستيقظ/ ضحـى حسـن
النوم – الحلم
عاشت الشعوب العربية تحت أنظمة ديكتاتورية لعقود عدة، تعرض كل من حاول مواجهتها للاعتقال والقتل. على الرغم من أن الشعوب في تلك المرحلة عانت من الكبت والقمع، إلا أنها كانت تحلم بالتحرر.
الاستيقاظ – الواقع
انتفضت الشعوب العربية معلنة في “الربيع العربي” بدء محاولة إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. تظاهرات ملأت شوارع البلاد، رفعت شعار إسقاط النظام، وعلى الرغم من أن رد هذه الأنظمة كان الاعتقال والقتل وتدمير المدن، إلا أن الشعوب الثائرة لم تتنازل عن مطلبها ذاك، إذاً تحقق حلم الثورة. (الواقع).
هبة تقفز إلى الواقع
في أحد منازل القاهرة، داخل الغرفة على الكرسي الخشبي، جلست هبة، صامتة تماماً، تحدّق في الحائط أمامها، نظرت إلى ساعتها، ثم إلى هاتفها. “خمس دقائق فقط، الوقت يمر ببطء شديد”، تمتمت. ضوضاء المدينة في الخارج لم تطغَ على الصراع المحتدم في رأسها، إلى أن قطع رنين الهاتف كل ذلك، وحلّالسكون. قفزت هبة إلى الباب وخرجت من منزلها مسرعة.
“كنت متحمّسة بس خايفة جداً، قابلت بنتين أصحابي وطلعنا مع بعض، وابتدينا نمشي في المسيرة وكنت مش مصدقة نفسي، بالذات لما المظاهرة كانت بتهتف للناس في البلكونات إنزل إنزل والناس كانت بتنزل من بيوتها. حسيت إنو دي ثورة”، تقول هبة غنام (28 عاماً) درست العلوم السياسية في جامعة القاهرة.
ماهر قفز إلى الواقع أيضاً
في غرفة صغيرة، بالعاصمة دمشق، يمشي ماهر ذهاباً وإياباً. يفتح الباب، يدخل طارق مندفعاً، ويمشي ذهاباً وإياباً كذلك. لا ينظران إلى بعضهما البعض. بعد مرور نصف ساعة، يقف ماهر في مواجهة طارق ويقول له “معقول يصير عنا نفس الشي، متخيل لو صار عنا ثورة؟”.
“وقت صارت الدعوة لأول مظاهرة بالشام ما كنت مصدّق، نزلت بدون ما فكّر، وبدون ما حسّ بأي شي غير إنو بدي صرّخ. اعتقلوني أنا وطارق بمظاهرة الجامع الأموي الأولى، بقينا شي اسبوعين وتعرضنا للتعذيب”.يقول ماهر(30 عاماً)، خريج كلية الهندسة. “وقت كنّا بالسجن، كنّا عما نقول: شوي وبفوتوا الثوار وبحررونا، ما كان فيني ما فكّر هيك، الناس نزلت على الشوارع عم تنادي حرية”.
ويضيف ماهر: “مين كان متوقع إنو هالحلم يصير حقيقة، وإنو نوقف بوجّه النظام، نحن حاملين جسمنا معنا وهني حاملين رشاشات، ما كان مهم، المهم إنو نصرخ بصوت عالي: الشعب يريد إسقاط النظام”.
محرّك البحث
قد يصح القول إن هبة وماهر استيقظا من النوم (مرحلة الكبت)، وقفزا إلى الواقع، في حال استندنا إلى أحد تفسيرات “فرويد” في ما يتعلق بالأحلام. “ما يحرك الأحلام هو رغباتنا اللاعقلية. خلال النوم تدب الحياة بعدد من الحوافز التي لا نريد الاعتراف لها بحق الوجود عندما نكون مستيقظين”.
في مرحلة الكبت والقمع، حلم الثورة كان غير عقلاني ولا نريد الاعتراف له بحق الوجود، وذلك لأنه في ذلك الوقت مجرد التفكير فيه كان له عواقبه الوخيمة.
الثورة واقع
مصر
2011 تظاهرات عدة خرجت في مصر طالبت بإسقاط النظام، واعتصامات كثيرة استمرت أياماً، تعرض خلالها المتظاهرون للضرب والاعتقال.
في السادسة من مساء الجمعة 11 شباط 2011 أعلن نائب الرئيس عمر سليمان في بيان قصير عن تخلي حسني مبارك عن منصبه، وأنه كلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.
سوريا
2011- 2012 عمّت التظاهرات السلمية معظم المدن والأرياف في سوريا. وعلى الرغم من حملات الاعتقالات الوحشية والقتل والقصف إلا أن الثوار لم يتوقفوا عن النضال لتحقيق مطلبهم في “إسقاط النظام”.
مرحلة النوم- الكابوس
النظام الديكتاتوري لم يسقط في سوريا بعد 3 سنوات. تبدل النظام الديكتاتوري في مصر بالعسكر. التظاهرات لم تعد موجودة كما في (مرحلة الواقع)، السلاح، القاعدة، داعش، جبهة النصرة، الاخوان المسلمون، العسكر، الحرب.
هذا لا يعمَّم على كل الثورات العربية، لكني أعتقد أنه من الممكن إسقاطه على كل من سوريا ومصر على سبيل المثال على الرغم من الاختلاف بينهما في التاريخ والأحداث والنتائج).
الحلم
رفعت الثورة في مصر وكذلك في سوريا وليبيا واليمن والبحرين وتونس شعارات كثيرة منها “حلم التغيير”، “حلم الثورة”، “لاستكمال حلم الثورة”.
هل من الممكن أن نقول إن “إرفاق كلمة حلم بالواقع الثوري تعني أن ما رواه كل من ماهر وهبة عن الثورة في مصر وسوريا ، مجرد حلم وليس واقعاً!!”
هل كان تصدير فكرة الثورة على أنها حلم، هو السبب الذي جعل الثوار يتعاملون مع الواقع اليوم على أنه كابوس، أي أن تتحول ردات فعلهم على الأحداث تماماً كما لو كانوا نيام؟
الكابوس
عندما ننام، ويبدأ الكابوس، ردات الفعل تجاه الأحداث فيه تكون الهرب، عدم القدرة على الكلام، عدم القدرة على الحركة، او الركض المستمر، الغرق، السقوط والشلل الخ…
هبة
بعد سقوط مبارك، استطاع الاخوان المسلمون الحصول على أصوات انتخابية تؤهلهم للفوز برئاسة مصر، لكنهم فشلوا في الاستمرار، وجاء العسكر الذي فرض سيطرته، وعيّن نفسه حاكماً عليها بقوة السلاح والقمع والترهيب.
“النهارده الأغلبية أعتقد ندمانه على أن الثورة انخطفت من الاسلاميين والعسكر، أنا شخصياً اعتزلت السياسة. فوز السيسي بالرئاسة والنزعة “القومية” الفاشية اللي في البلد بتفرض علينا ولو فترة هدوء مؤقتة”، تقول هبة.
ماهر
انتقلت الثورة في سوريا في أواخر العام الثاني 2012 وبداية العام الثالث 2013 إلى منحى آخر، النظام السوري زاد من وحشيته، بل أكثر من ذلك اعتمد استراتيجية التدمير الممنهج للمدن والمناطق الثائرة على رؤوس المدنيين فيها. كما خُلقت داعش والنصرة، اللذان بسطا سيطرتهما على بعض المناطق المحررة، واتبعا منهج النظام ذاته في قمع المتظاهرين والنشاطات المدنية. وانتُخب بشار الأسد نفسه مجدداً. (هذا بالتأكيد جزء من الحدث).
“وقت طلعت ما كان في مجال الواحد يروح للمحرَّر بسبب داعش، وبالشام صارت الحركة واقفة، وأي نشاط أو مظاهرة صار شبه مستحيل، الثوار كتير منهن اضطروا يطلعوا برّات البلد بعد ما طلعوا من المعتقل، وفي منهن كانوا مطلوبين، ما كان قدّامون حل غير إنو يسافروا، وكتير منهن اعتقلوا أو استشهدوا”. يقول ماهر. ويكمل “قلت بركي بَرّا بقدر أعمل شي، أو ساعد بأي شكل، على الأقل فيني أتحرك، ما طلعت لإني خايف بس لأنو ماعاد قدرت أعمل شي، حسيت وجودي متل عدم وجودي”.
نسقط كي نستيقظ
السماء لونها أسود، الأرض لونها أسود، هناك من يحاول مهاجمته لكنه لا يستطيع أن يراه بوضوح يركض مبتعداً باتجاه منزله، يحاول أن يصرخ منادياً والده لينقذه، يفتح فمه، يسقط لسانه أرضاً، يشعر برعب شديد وألم في وجهه، تتساقط أسنانه كلها سويةً، كل ماحوله يهاجمه، يركض ويركض ويركض يصل إلى جسر عاليٍ، يقفز.
من الممكن أن نقول معظمنا، نقع أو نلقي بأنفسنا في مكان ما داخل الكابوس، وهذا يحدث بالفعل، نشعر تماماً بحالة السقوط، عندما نستيقظ نشعر بأن أجسادنا عادت إلى الحياة، القلب يدق بسرعة، وهناك من يقع فعلاً من فراشه عندما يستيقظ، أو ينتفض جسده بالكامل.
إننا في كل الأحوال نستيقظ، ونذهب إلى الواقع.
موقع لبنان ناو