نظام الأسد: العدو دائماً في الداخل/ غازي دحمان
يراهن نظام بشار الأسد، في مواجهته للتحالف الدولي المناهض له، على ما يعتقد أنه يملكه من مكر وقدرته الهائلة على الخداع. إذ بدا، من خلال متابعة إجراءاته العملانية في ترتيب مسرح المعركة، انه يجهز لإستراتيجية تقوم على أساس إحراج الحلف المعادي له، من خلال توظيف واستغلال مشاهد القتل والموت التي ستحدثها الضربات العسكرية الموجهة ضده، سواء ما قد يحصل عن طريق الخطأ، وهو أمر مقدر له الحصول، أو من خلال استهداف بعض المراكز الأمنية، التي قام بتفخيخها بعشرات آلاف السجناء، الذين تم تقييدهم في هذه الأماكن التي غادرتها كل العناصر الأمنية واختبأت بين السكان المدنيين! أو من خلال المذابح التي يجهز لها النظام بحق الكثير من المناطق التي يعتبرها معادية، أو البيئات الحاضنة للثورة. ولن يكون من المستغرب أيضاً أن يضيف النظام إلى بنك أهدافه مناطق وأبناء البيئات الموالية له، أو تلك التي يجري تصنيفها بالأقليات، وبخاصة المسيحية منها، وذلك بهدف إظهار أن الهجوم يستهدف إجتثاث المسيحيين من المشرق، وإثبات نظرية المؤامرة الكونية الوهابية المزعومة على النظام.
باستثناء ذلك، لم يتم تسجيل أو ملاحظة أي استعدادات جدية موازية لمواجهة التحالف الدولي، اللهم بإستثناء بعض التغييرات في البرامج الإعلامية، التي تبثها قنواته الفضائية، والتي تحولت فجأة إلى إعلام حربي يبث الأغاني التي تمجد إنتصارات الأسدين، الأب والإبن، وتتغنى ببطولات جيش لا يعرف الجيل الحالي شيئاً عنها. ما عدا ذلك، فالوقائع تشير إلى أن هذا النظام يعمل على استخدام كل مخزونه من الذكاء وعبقريته في الإجرام، وذلك من أجل تكثيف واقعة الإحراج المشار إليها، وتوظيفها ما استطاع في خدمة بقائه. لذا عمد إلى زرع كتائبه وتشكيلاته العسكرية في المواقع المدنية، ونشرها في كل أحياء المدن التي يسيطر عليها وخصوصاً في العاصمة، وهو يدرك أن سوريا كلها اليوم تحت مجهر الأقمار الصناعية العسكرية الأميركية، التي تترصد تنقلات جيشه وعتاده.
ويعتقد دهاقنة النظام أن تلك آخر أوراقهم في النجاة. القتلى السوريون، كلما زاد عددهم أكثر كانت فرصهم في النجاة أكبر. وفي تقديرهم وقناعتهم أن هذا الأمر سينتج عنه إثارة الرأي العام العالمي، واضطرار الحلف إلى وقف عملياته. والأهم، أنها تشكل رادعا أمام أي محاولة أخرى للقيام بعمل عسكري. أي أن الحلف لن يستطيع تطوير عملياته، وستهزمه النتائج الكارثية للقتلى السوريين. ولعل ما يشجع على مثل هذه القناعة، حالة الغموض والارتباك في الرأي العام للدول المشاركة في الضربة العسكرية ضد النظام، وبخاصة الرأي العام الأميركي.
ليس مفاجئاً أن هذا النظام غير جاهز تقنياً لمواجهة أي هجوم على سوريا، ولا يملك غير الدم السوري يتلطى خلفه. فبالنسبة لنظام الأسدين، العدو كان دائماً في الداخل السوري، الشعب السوري، وما يمكن أن ينتجه من استجابات في مواجهة حالة الاستعمار الداخلي. تلك الحالة التي نقلها هذا النظام من حقل العلاقات الدولية ورسخها في الواقع السوري، فقد صمم نظاماً يقوم على النهب والقمع وانتهاك الحقوق وشراء الذمم وتركيب الواجهات من مختلف المكونات السورية. وفق هذه النمطية، أدار النظام سوريا على مدار العقود الأربعة، وجرى تصميم الجيش بوصفه جيش مستعمرات بأساليبه القتالية وعقيدته العسكرية.
أما الخارج فقد كان صفر أعداء، اللهم بعض الاستثناءات مع المكونات المحلية في الأقاليم المجاورة، وقد استطاع الأسد الأب تدشين هذه القاعدة منذ أن سلّم زعيم حزب العمال الكردستاني لتركيا وعقد اتفاقية أضنه الأمنية، التي حولته إلى خادم لدى الجهاز العسكري التركي. أما إسرائيل، فقد توصّل معها ضمنياً إلى هذه الحالة غير المعلنة. وبالنسبة لأميركا، فقد توصل معها إلى مقاربة تقوم على مبدأ تكفل الخدمات القذرة في المنطقة، وتحمله مسؤولية إنجازها، شريطة عدم وضوح علاقة المشغل، وهو نمط من العلاقات ذات الطابع المافياوي، الذي اعتمدته إدارات واشنطن مع بعض العصابات والعائلات في أميركا اللاتينية وآسيا.
يدرك نظام الأسد أن البنية العسكرية التي يمتلكها لن تستطيع مواجهة هجوم عسكري منظّم، حتى لو كان من دولة إقليمية ذات قدرات أصغر بكثير من قدرات أميركا. وليس سراً أن النظام كان يرفض الانجرار ومجاراة الاستفزازات الإسرائيلية، رغم تعمد الأخيرة إذلاله في أكثر من حادثة وموقع، فالنظام يعرف تماماً حقيقة قدراته وتجهيزاته، ومدى تهافتها أمام أي مواجهة جدية، حتى ما يدعى النواة الصلبة في بنيته العسكرية فهي لا تعدو كونها تشكيلات ذات تركيب طائفي، يرفض النظام التضحية بها في حروب خارجية، قد تؤدي إلى تدميرها، وفقدانه تالياً لأهم أدوات قمعه للسوريين.
العدو بالنسبة لنظام بشار الأسد هو الداخل، هو الشعب، وهو وحده المطلوب منه دائما أن يدفع ثمن بقاء النظام وحمايته والدفاع عنه، رغب في ذلك أم كره. أما البوارج والأساطيل فهي تحمل للنظام وعداً بزيادة رصيده القومي والممانع!
المستقبل