صفحات سوريةغازي دحمان

نظام الأسد وخطأ حسابات القسمة/ غازي دحمان

يدور في بعض الكواليس حديث عن سيناريو لحل الأزمة في سورية. يتضمن هذا السيناريو إمكانية تغيير رأس النظام على أن يتم الاحتفاظ بجسمه عبر استمرارية المؤسسات والقوى المؤثرة في النظام.

يرتكز هذا الطرح على قاعدة أنه يحقق مصلحة مزدوجة لأطراف الصراع وثمناً يمكن قبوله من قبلها، وفي نفس الوقت يشكل نقطة انطلاق وبداية لزمن جديد وعلاقات جديدة، ليس بين المكونات الداخلية في البلاد وحسب، وإنما بين الأطراف الدولية التي سيكون مطلوباً منها تهدئة اللعبة والشراكة في الاستحقاقات المستقبلية، بما فيها إعادة الأمن والاستقرار للبلاد والمساهمة بإعادة الإعمار.

في هذا الإطار رشحت بعض التسريبات عن مساع روسية تهدف إلى البحث عن بديل مقبول عن بشار الأسد من داخل النظام، وتحديداً من داخل الطائفة العلوية نفسها، بحيث يضمن طمأنة الطائفة والحفاظ على سلامتها وحقوقها ومكتسباتها، وهكذا يشكل ضمانة للمكونات الأخرى غير السنية، وفي نفس الوقت يبقي على مصالح روسيا العديدة في سورية والتي لا يمكن ضمانها من أحد خارج النظام، بحسب تصورات الكرملين.

في الإطار ذاته أيضاً، ذهبت القوى الدولية المؤيدة للمعارضة إلى تجهيز بيئة مثل هذا الخيار عبر ضغطها على المعارضة من أجل تخفيض سقوف مطالبها، والأهم عزل وتهميش التشكيلات التي تتبنى مطالب جذرية تجاه النظام، ومحاولة دمج التشكيلات الأخرى ضمن هذا الفهم الذي يقبل بالمحافظة على المؤسسات واستمرارية الدولة السورية، بما فيه القبول باستمرارية بعض الأشخاص والقوى، وحتى بعض النهج، الذي يجب البناء عليه وليس هدمه وإعادة البناء من جديد، وهو الأمر الذي أشار إليه سيرغي لافروف من أن «الاتفاق مع الدول الغربية لم يكن على أساس قلب النظام وأن بعض المعارضة فهم الأمر خاطئاً».

في الواقع، ليس واضحاً، حتى اللحظة، ما إذا كان هذا السيناريو بات معتمداً لدى الأطراف المختلفة، وغير واضح ما هي الإجراءات التي ستتبعها تلك الدول من أجل تنفيذ هذا السيناريو، وكذا طبيعة الآليات التي يمكن من خلالها تطبيق ذلك السيناريو، وبالتالي غير معروف ما إذا كان الأمر قد تحوّل إلى قضية جدية أم أنه مجرد خيار يتم تقليبه وفحصه كخيار إسعافي أخير، أو حتى خيار يجري دمجه ضمن خيارات أخرى بهدف الوصول إلى توليفة كاملة لحل الأزمة.

ولكن، وأياً يكن الأمر، وعلى افتراض صدق توجهات الدول ونواياها، وافتراض اتفاقها ووصولها إلى صفقة بخصوص الحالة السورية بحيث تتطلب مقتضيات تنفيذها تطبيق السيناريو المشار إليه، ثمة أمور في سياق الواقع السوري وفي تركيبة بنية النظام، سواء لجهة الشكل أو المضمون، تتعاكس مع هذا الخيار وتشكل قوة طاردة لإمكانية إدراجه بشكل عملي.

في الشكل، لم يعرف عن النظام السوري وجود تمايزات في بنيته ولا وجود تيارات متعددة يمكن التمييز بينها أو حتى تظهيرها، فعلى رغم تعدد بنى النظام من قوى حزبية وتشكيلات أمنية وقوى عسكرية وشرائح اجتماعية، إلا أن هذا التعدد شكلي وظاهري، أما في العمق فإن النظام كما أوضحت الأزمة ينطوي على بنية صلبة واحدة تشكل أساس النظام ومعناه وتتركز بيدها كل مقاليد القوة. العلاقة بين عناصر هذه البنية علاقة عضوية، لا يمكن فصمها بسهولة كما يتصور البعض، وإذا كان ذلك ممكناً في الشكل فهو صعب في التطبيق العملي، وذلك بسبب تاريخية الأفعال والسلوك المبني عليها بحيث يجعل عملية الفصل تبدو غير منطقية، ذلك أنه إذا كان المقصود تحييد الفاعل بشار الأسد، فالجميع على نفس المستوى من الفاعلية.

في هذا المعنى، تبدو بنية النظام بنواتها وهوامشها كتلة واحدة صماء، تملك ذات الاستجابة بحيث لا يمكنها التكيف مع أي تغيير كيفي، وهي ستقاتل على مبدأ إما قاتل أو مقتول، فلم يعد ممكناً الفصل بين بشار كرمز أو كوجود، بقدر ما أن القضية أصبحت التصاقاً بواقع معين وحالة عداء تام للقضية المقابلة. هذه البنية تكرست تاريخياً في سياق ومسار معين وليست وليدة الأزمة، وهي تمتلك ثقافة مختلفة ومصادر إنتاج ورزق يعتمد أغلبها على شبكة العلاقات التي بناها نظام الحكم على مدار أكثر من أربعين عاماً، وبالتالي فهي تحارب من أجل صيغة لا يمكن أن تضمن بدائلها وغير مستعدة حتى للخوض في تلك البدائل على اعتبار أنها في كل الحالات ستكون خاسرة.

على ذلك لا يمكن للحل وفق هذا السيناريو النجاح. الأفضل صيغة غالب أو مغلوب، التي تجعل الطرف الآخر يغير طريقة تفكيره من قاعدة إما كل شيء أو لا شيء إلى قاعدة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفق هذه الصيغة يمكن القول إن نظام الأسد كيان واحد، يرحل بقيمه وأيديولوجيته ومؤسساته وطرق إدارته، أو يبقى كما هو. دليل ذلك أن النظام وعلى رغم كل ما أصاب سورية لم يستطع تغيير نظرته إلى الحكم ولم يجترح حتى فكرة واحدة لإصلاح نفسه.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى