نظرة تركية إلى الدراما المصرية
شاهين ألباي
سنحت لي الفرصة بأن أتبادل الحديث، في القاهرة العام الماضي، مع يوسف سيدهم، رئيس التحرير المرموق لأسبوعية “وطني” الصادرة عن المسيحيين الأقباط.
عندما سألته إذا كان متفائلاً أم لا بشأن مستقبل ثورة ميدان التحرير في مصر، أجاب “إذا كانت تركيا قد استغرقت 60 عاماً على الأقل لتحقيق الديموقراطية إلى حد ما، يجب إعطاء مصر خمس سنوات على الأقل للقيام بالشيء نفسه”. ربما يسارع بعض المعلّقين في تركيا والغرب على السواء، إلى الإعلان بأن “ديكتاتورية دينية” تتأسّس في مصر بعد أقل من عامَين على الثورة، لكن الانتقال من الأوتوقراطية إلى الديموقراطية قد يحتاج إلى أكثر من خمس سنوات.
ربما تساعدنا مقاربة الأمور من منظار تركي على فهم ما يجري في مصر. صحيح أن تركيا ومصر مختلفتان إلى حد كبير، لا سيما على صعد ثلاثة. أجرت تركيا 16 انتخابات حرّة ونزيهة (إلى حد كبير) منذ عام 1950. أما مصر فلم تشهد انتخابات حرّة وعادلة (إلى حد كبير) لاختيار الرئيس سوى هذا العام. وفي حين ركّز نظام الوصاية العسكرية-البيروقراطية الذي أنشئ في تركيا عام 1950، على علمنة المجتمع عبر احتكار الدولة للإسلام وسيطرتها عليه، عمد النظام السلطوي الذي تأسّس في مصر عام 1952، إلى استغلال الإسلام من خلال العلماء من أجل البقاء في السلطة. للإسلام الأصولي السلفي تقليدٌ قوي في مصر، في حين أن النزعة السائدة في تركيا هي إسلام صوفي غير أصولي تُعزّزه تفسيرات حداثوية وليبرالية. اقتصاد السوق متين ويعمل جيداً في تركيا، وهذا ما لا ينطبق على مصر. وقد نجحت تركيا في إحداث تحوّل لدى التيار الإسلامي ودمجه في الاتجاه السائد عبر فتح أبواب المنافسة السياسية تدريجاً أمامه، في حين أن إقصاء التيار الإسلامي من المنافسة السياسية والقمع الذي تعرّض له في مصر وقفا عائقاً أمام سلوكه طريق الاعتدال.
لكن هناك نقاط تشابه بين تركيا ومصر. تخوض تركيا معركة منذ أكثر من ستّة عقود لوضع حد للوصاية العسكرية-البيروقراطية وتثبيت دعائم الديموقراطية. ربما انتهت هذه الوصاية بحكم الأمر الواقع، لكن معظم ركائزها لا تزال كما هي. الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس منتخَب في مصر، إلا أن معظم مؤسّسات النظام الأوتوقراطي السابق لا تزال قائمة، وتسعى جاهدة لتقويض سلطته. فقضاة المحكمة الدستورية الذين عيّنهم آخر الأوتوقراطيين، الرئيس السابق حسني مبارك، أصدروا قراراً بحل أول برلمان منتخب بحرية منذ أكثر من ستة عقود، وأول جمعية تأسيسية. لهذا فرض مرسي قيوداً مؤقّتة على القضاء، بانتظار إجراء انتخابات برلمانية.
يمكن القول بأن مصر تشهد الآن معركة لفرض سلطة الحكومة المنتخبة، مشابهة للمعركة التي خاضتها تركيا حتى عام 2010 تقريباً. في تركيا، أنشأ مؤيّدو الحكومة المنتخبة والعلمانيون الليبراليون تحالفاً دفاعاً عن الديموقراطية والحقوق في وجه من دعموا نظام الوصاية، بمن في ذلك العلمانيون المتشدّدون. يبدو أن ما يحصل في مصر هو معركة بين القوى التي تؤيّد نوعاً من الديموقراطية الأكثرية من جهة وأنصار النظام السابق في تحالف “غير مقدّس” مع العلمانيين بمختلف توجّهاتهم من جهة أخرى.
لا يمكننا الإعلان بأن نظام الوصاية البيروقراطية انتهى في تركيا، والمعركة لتثبيت سلطة الحكومة المنتخبة لا تزال في بدايتها في مصر. لكن يمكن القول بأنه بعد التأرجح بين المفهومَين الأكثري والتعدّدي، سيسود إجماع حول الديموقراطية الليبرالية في البلدَين، مع تبنّي الديموقراطيين لليبرالية وتبنّي الليبراليين للديموقراطية.
بين التعليقات الأخيرة حول مصر، يبرز في رأيي مقال روجر كوهين الذي كتب فيه “حان الوقت لإعادة النظر في العلاقة التي غالباً ما يسارع الغرب إلى رسمها بين الدين والتخلّف من جهة، والعلمانية والحداثة من جهة أخرى. فيما يخرج الشرق الأوسط من الاستبداد المدعوم من الغرب، ليست “العلمانية” بالضرورة الحل لمشكلاته” (Roger Cohen, “A place for religion,” The New York Times, November 30, 2012
كاتب عمود خاص في صحيفة “زمان” التركية وأستاذ جامعيترجمة نسرين ناضر
النهار