نعم , إنها الثورة !
منذ عشرة أشهر تقريبا , والأيام موجعة في سورية , موجعة بكثير من تفاصيلها ,
في الخامس عشر من آذار في العام الماضي , كنت هناك , سمعت عددا من الشبان يهتفون ” الشعب السوري ما بينذل “
عبارة إن حللتها بكل مفرداتها فلا اساءة فيها لأي أحد , بل هي مدعاة فخر , ولكن يومها عرفت أن الصوت العالي والهتاف غير مقبول دون توجيهات حكومية .
اندفع رجال الأمن يعتقلون ما استطاعوا في سيارات الشرطة , وشباب اخرون نزلوا من باص بدأوا بضرب الشباب في ساحة الحريقة , وحاصروا بعضهم داخل الأبنية هناك , خرج الناس إلى الشرفات والنوافذ وحين بدأ بعضهم بالتصوير من هواتفهم النقالة بدأت الأوامر بعدم التصوير ..
تلك اللحظة لا أنساها أبدا في حياتي , لكثر ما شعرت به من خوف وذل , حين لم أجرؤ أن أوقف من يضرب الآخرين ولو بكلمة , أو حتى بمحاولة , وحين كانت خطواتي تدور دون هوية لم أقترب ولم أبتعد ..
حينها بدأ الأمر , بدأت سلسلة العد , بدأنا نحصي كل يوم أعداد الشهداء ولم نتوقف حتى يومنا هذا
لم يكن الهتاف الأول أو الثاني هو ” اسقاط النظام ” بل كان ” الشعب السوري ما بينذل ” و ” سورية بدها حرية “
كانت الهتافات, كلمات تريد أن تقول نحن نريد أن نعبّر ,أن نتكلم , أن نصنع , أن نكون ..
وانتظر الجميع الرد على الهتافات , بأمل كبير , إذا سيسمعوننا الآن ؟؟
وهنا بدأت سلسلة التجاهل والانكار , لكل الهاتفين , لكل من لم يرد إلا التعبير ..
ولم تنته حتى الآن , ولكنها صبغت باسم المؤامرات , قبل أن تدخل المؤامرات بها .
ورغم الاعتراف بمطالب الشعب المشروعة بالحرية والاصلاح بقي النظر للهاتفين بأنهم مندسين وجراثيم ومخربين و دمى بأيدي خارجية .., وأما النظر للباقين فكان بأنهم شباب سورية الواعي
الدم الذي هدر , والقمع , والاعتقال ,و التخوين, والتجاهل , والانكار والاستهزاء بكم الشجاعة الذي تطلبه الخروج بهتاف ,ولّد الشعور بالظلم
وهنا ولأسباب كثيرة بدأ ” الشعب يريد إسقاط النظام ” ..
قبل أن يسقط النظام , أشياء كثيرة سقطت ..
سقطت دماء سورية , سقط أصدقاء وأهل لنا من حياتنا , سقط الكثير من الاعلام , سقطت أيام وأعمار في معتقلات وسجون , سقط من عيوننا الكثير ممن كنا نحترمهم , وسقط في قلوبنا الكثير ممن لم نكن نعرفهم , سقطت بعض الثقة , وسقط كثير من الخوف !
لم تسقط ايجابيتنا ولم نكن سلبيين ولكننا لم نستطع فوق الدماء التي تسقط أن نرى معنى الاصلاح الذي يكتب بالحبر ويمحى بالدم , لم نستطع الانتباه للانتخابات التي كنا ننتظرها ومشهد الدم يغطي الصورة .
لم نستطع وأصدقائنا يعتقلون ويضربون ويعذبون , لم نستطع واعلامنا يخفي حقائقنا
أمور موجعة حدثت بين السوريين لم يكن هناك من مفر منها بعد تربية قمعية طويلة في سياسة الاتجاه الواحد , و حوار القطبين : الآمر والمنفذ ,
وألم الفقدان يبقى موجودا , ليس بسبب أشخاص رحلوا أورحلنا عنهم , بل بسبب سوريون لم يتفقوا على مسلمات الانسانية , بسبب انقسام كبير في المجتمع السوري مبني على تخوين وكره لن تزول آثاره بسهولة .
وخوف .. خوف يحمله البعض من حرب” طائفية “وحرب أهلية, إذا ماذا ؟ الخوف مبرر ومشروع
في بلد كسورية يضم تحت جناحه تنوعا كبيرا في الأديان والمذاهب , وفي ظل ظروف حساسة كما الآن , هذا خوف مبرر .
خوف من مؤامرات خارجية , تحاك لنا بكل الأحوال في ظل هذه الظروف أو عداها
خوف من تدخل خارجي ,خوف من اعتقال ,خوف من تغيير , خوف على الأحبة
كل الخوف مبرر ومشروع , ولكن الذي لا يبرر هو ماذا بعد الخوف , فكل شيء بعد الخوف هو صنع يدينا
ما نصنعه هو ما يوقف ما نحن خائفين منه .. عدم إيماننا بذلك هو اللامبرر
قبولنا بما لا نريده وبمن لانريده , بسبب الخوف , بسبب عدم وجود بديل هو أمر غير مبرر
وأما التعصب و الخوف على الوطن فأنا أفهمه , ولكنه يفقد قيمته حين يتشبث حامله باتجاهه ولا يرى الأرواح التي تسقط باستمرار , وهل الوطن إلا جسدا فانيا دون هذه الأرواح الذي تنبض به ؟
مايحدث الآن في سورية جميعنا دون استثناء شركاء به , كلّ بما يفعله , أو بما لا يفعله
فالوطن ليس فقط في رئيسه ورموزه, والقتل والاعتقال لا يبرر دون محاكمات عادلة
و الدماء التي تسال سورية حتى ولو لم نكن نتفق مع أصحابها بالرأي
و دعم العنف ورد العنف بالعنف انحدار أكثر نحو الهاوية . فكم أخشى أن يصبح حمل السلاح مبررا حين تجد الأسلحة تهدد أمانك باستمرار فلا تملك خيارا اخر
و الأطفال خط أحمر , يجب ألا تنتهك حياتهم وطفولتهم بالقتل و ألعاب السياسة التي لم يعوها بعد
والأمل , العمل والمحبة و البسمة واستمرار الحياة يجب ألا يوقفهم شيء.. فهم من سيبقوننا على قيد النضال
إذا ما الذي يحدث في سورية الآن ؟
نعم , إنها ثورة !
فليتوقف من ينكر ذلك عن انكاره .
ثورة بدأت بمطالب مشروعة , ثورة تريد العدل والحرية والمساواة والتعددية , تريد إنهاء الفساد , إنهاء القمع , وتحرير الأفواه ,
ثورة شوهت في كثير من مراحلها ولا زالت تشوه باستمرار
تشوه بكثير من تفاصيلها , تشوه بأسماء جمعها الذي لا يوافق على غالبيتها من يريدون الثورة الحقيقية
تشوه بتسليحهها , بكل من يضعها وجها بوجه مع أماننا وأمان أطفالنا وأهلنا , تشوه بعدم وعي بعض أفراداها , بأساليبهم التي تشبه ما يثورون عليه . بعدم وجود من يلجأون له , تشوه بمن استلموا منابرها
تشوه بكل من يريد الآن أن يركب موجتها باسم ” الشعب والحرية ” ليصل إلى مآربه . تشوه بمعارضة تدين نظاما يقتل منذ عشرة أشهر ولا تدين أنها منذ عشرة أشهر لم تستطع التوحد من اجل حفظ الدماء , تشوه بخوفنا وبأسمائنا المستعارة
الثورة ولدت ,و كل شيء يسعى لوأدها
فتوقفوا عن رجم الثورة .. بل اعملوا لها , شاركوا بها لتكون ماتريدون , وارجموا مشوهيها .. كي تنجوا هي وننجوا معها ..
http://dmdoom.wordpress.com/