صفحات الرأي

نقاش بشأن سوريا وخريطة الاهتمامات الأميركية

 ندوة في «وودرو ويلسون» بين فريديريك هوف وجوشوا لانديس

ربى الحسيني

كيف يقيم الأميركيون مؤتمر «جنيف 2»؟ وما هي السيناريوهات السورية الأكثر ترجيحاً أو الأفضل «أميركياً»، في ظل إدارة لا تريد سوى اختفاء «الكابوس السوري» وعدم التعامل معه؟ وأين تقع المواقف الروسية والأميركية والسعودية، وإلى أي درجة من الممكن القبول بالأمر الواقع على الأرض، أو فعلياً بـ«تقسيم الأمر الواقع»؟ جميعها وأكثر، أسئلة رافقت الأزمة السورية منذ بدايتها منذ حوالي الثلاث سنوات، وفعلياً لم يتم التوصل إلى أي إجابة حقيقية، فالواقع على الأرض غلب الديبلوماسية العلنية أو حتى ديبلوماسية الكواليس. ولكن «جنيف 2» أعاد فتح باب التساؤلات والسيناريوهات، ليس من أجل سوريا أفضل، بل من أجل سوريا «أنسب» تريح القوى العظمى، والولايات المتحدة خاصة، من أحد كوابيسها.

«تقييم جنيف 2: هل هناك طريقة لإنهاء الكابوس السوري؟»، عنوان ندوة أميركية مصغرة نظمها معهد «وودرو ويلسون» للبحث في مستقبل سوريا والمنطقة. اقتصر المؤتمر على محاورَين اثنين فقط، هما المبعوث الخاص السابق للمرحلة الانتقالية في سوريا فريديريك هوف، ومدير معهد الدراسات الشرق أوسطية جوشوا لانديس. وأدار الحوار بينهما المستشار السابق للمفاوضات الإسرائيلية – العربية آرون دايفيد ميلير. تنقل «السفير» تفاصيل الحوار بين الرجلين، ورؤيتهما لمستقبل سوريا ودور أميركا في الأزمة.

«تقسيم الأمر الواقع»

قبل أن يدخل في الرؤى المختلفة لمؤتمر «جنيف 2»، سأل لانديس في البداية «هل نريد الوصول إلى الرغيف كله وهنا يقصد الحل ــ أم نصفه فقط؟». وبالنسبة إليه، يمكن عبر نصف الحل وقف تدفق اللاجئين إلى الخارج والتوصل إلى وقف إطلاق نار، والقبول بالأمر الواقع السوري، أي سيطرة النظام على الجنوب والغرب، فيما يبقى المقاتلون في الشمال والشرق، ويحافظ الأكراد على «مقاطعتهم» في أقصى الشمال الشرقي.

ولكن كيف ينظر الروس والأميركيون إلى «جنيف 2»، وما هي خططهم؟ بحسب لانديس، إن حقيقة المفاوضات بالنسبة للروس هي أنهم يظنون بأن الأسد سيخرج فائزاً، فهم يعتقدون أنه قادر على إعادة بسط السلطة على كامل سوريا.

وفي الجهة المقابلة، طالب وزير الخارجية الأميركية جون كيري فعلياً بتغيير النظام عندما حدد ضرورة خروج الأسد من السلطة، وأكد في الوقت ذاته على أن المجتمع الدولي سيعمل على حماية الأقليات في سوريا. إلا أن تلك الأقليات، بحسب لانديس، متعلقة بنظام «حزب البعث» خوفاً من سيطرة الإسلاميين. ومن هنا أكدت واشنطن أنها مستعدة لحماية الأقليات إذا تخلت عن دعمها للأسد، وبالتالي فإن «الولايات المتحدة تكون بذلك تشجع على انقلاب من داخل القصر الرئاسي». وهو مطلب غير واقعي تماماً، خاصة أن الأسد يقدم نفسه بصورة الأكثر قدرة على فرض الاستقرار.

وبالنتيجة، إن ما يحصل في «جنيف 2» هو عبارة عن أشخاص يحاولون تمرير الوقت. النظام يشارك في المؤتمر بموقف قوي، وهو ببساطة على استعداد لتدمير أجزاء من سوريا، ولا يعنيه الشأن الإنساني. أما بالنسبة لمقاتلي المعارضة، فإنهم يعيشون في حالة من الفوضى.

ولكن خلال عام واحد من الممكن أن يتغير الحال، بحسب أحد السيناريوهات. ومن هنا يشرح لانديس، أن عدد العلويين في سوريا لا يتخطى ثلاثة ملايين، أما السنة فعددهم كبير جداً، وبالتالي «إذا منحناهم الوقت الكافي، فإن السنة سيضعفون القوات العلوية. هذا ما يفكر به المقاتلون، حيث سيكون بإمكانهم الحصول على المزيد من الدعم السعودي. أما النظام فسيفقد جنوده، والاقتصاد الإيراني سيضعف أكثر، ولن يكون بمقدور طهران مواصلة دعم سوريا. أما روسيا فستضجر من هذا النزاع. وبالنتيجة، فإن السنة وبدعم سعودي قد يكونون قادرين على الفوز»، وسيكون على الولايات المتحدة والسعودية دعمهم بالمال، وسيوحد المقاتلون صفوفهم.

هنا تجدر الإشارة إلى أن ما يفعله لانديس هو مجرد طرح أحد السيناريوهات، إلا أنه لا يروج له، فهو من مؤيدي «نصف الرغيف» أو «نصف الحل». وبالنسبة له، من الأفضل الآن التوصل إلى وقف إطلاق نار، وهو لا يعتقد أن الأسد قادر على إعادة السيطرة على سوريا، حيث أنه في المنطقتين الشمالية والشرقية «تسيطر الطائفة السنية، ويوجد الكثير من العداء»، كما أن الأسد لا يملك القوات القادرة على تحقيق السيطرة الكاملة.

أما الحل بالنسبة له، فهو أنه على الولايات المتحدة التخلي عن مطلبها بتغيير النظام، ففي حال وافق الأسد على الانسحاب من حلب وإدلب، ستكون واشنطن قادرة على الوصول إلى مقاتلي المعارضة والمساعدة على تحقيق استقرار «حكومتهم». أما الآن، فيبدو أن الميليشيات في الشمال تحمل العداء لأميركا، ولذلك على واشنطن أن تقنع الأسد بوقف القصف، مقابل الحصول على بعض المكاسب. وإيران ستكون سعيدة لأن النظام حافظ على وجوده في مناطق تسمح لها بإيصال السلاح إلى لبنان، وروسيا أيضاً ستكون راضية لأن النظام سيبقى مسيطراً على الساحل، ما يعني أنها ستحتفظ بموطئ قدم في الصراع العربي الإسرائيلي.

دور الولايات المتحدة

فريديريك هوف، من المعروف عنه أنه مدافع شرس عن مؤتمر «جنيف 1» وهو الذي شارك في محادثاته، وعادة ما كتب مقالات وألقى محاضرات، شرح فيها نتائج المؤتمر الأول، وضرورة تنفيذها. أما المؤتمر الثاني، فيراه أكثر تعقيداً. فمن جهة قد يشكل دافعاً لحلفاء الأسد لإعادة النظر في موقفهم. قد لا يأبه الروس والصينيون بما يفعله النظام السوري، إلا أن المؤتمر قد يضعهم في موقف مخجل. ولأن إيران مؤثرة، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى مباحثات مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة في الشأن الإنساني على الأقل.

ولاختصار واقع «جنيف 2»، يرى هوف أن الأمر لا يقتصر أبداً على وفدي المعارضة والنظام، فضلاً عن ضرورة التوصل إلى اتفاق حول الحكومة الانتقالية. صحيح أن كيري قال إنه على الولايات المتحدة تغيير حسابات الأسد، وتلك الحسابات تغيرت فعليا، ولكن بالاتجاه الخاطئ. وبالتالي، فإن ترك مصير سوريا بأيدي المتخاصمين فقط، يعني الفشل والتقسيم غير الرسمي.

يشعر أوباما بالارتياب إزاء مساعدة المعارضة بطريقة مثمرة، وهذا التردد فتح الطريق أمام آخرين، وفقاً لهوف. قد يكون «جنيف 2» قادراً على توفير النقاط الأساسية التي تجبر القوى الكبرى على اتخاذ مواقف مسؤولة. كما أنه قد يكون قادراً على وقف الكابوس الإنساني، في حال غيرت روسيا وإيران من مواقفهما. أما الولايات المتحدة فستكون أمام خيار أساسي بالموافقة على التصالح مع الأسد في المناطق التي يسيطر عليها.

ولكن ذلك تحديداً يترافق مع أسئلة كثيرة بحسب هوف. وهو يقول إن «أمنية الرئيس (أوباما) المحببة هي أن تختفي سوريا في علبة. وهي ليست مشكلة تأسر خياله، بالرغم من أنه يدرك تماماً حجم الكارثة الإنسانية؛ فالقضية الآن عسكرية بامتياز. هل تستطيع الولايات المتحدة فعل أي شيء لإعادة رسم النتائج الديبلوماسية؟ أوباما طلب من الأسد التنحي، ولكن هل من الممكن التوصل إلى نتائج ديبلوماسية من دون أي أثر لتهديد عسكري؟». ويتابع لانديس تساؤلات هوف، ليزيد عليها أسألته وأجوبته. وبالنسبة إليه، أنفقت إدارة أوباما على سوريا حوالي ملياري دولار، ما يساوي ثلاثة أيام مما كانت تنفقه في العراق وأفغانستان، وسوريا قد تتحول إلى مهمة غالية جداً. ومن هنا السؤال إلى أي درجة الولايات المتحدة مستعدة للتدخل؟

ما يحصل في سوريا، بالنسبة للانديس، هو عملية توازن إثني. العلويون يشكلون الأقلية، ولكنها أقلية حكمت فترة طويلة. ومن الصعب تخيل أن السنة لن يفوزوا بهذه الحرب. ولكن السؤال: إلى أي مدى ستخسر الأقلية؟ ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن عدد الليبراليين في سوريا ليس بالكثير، خاصة أن العديد منهم غادروا البلاد. ولذلك هو لا يتوقع أي «نتيجة ليبرالية». ففي العراق مثلاً لم يكن هناك «نتيجة ليبرالية» بل «شيعية». ولذلك فإن أوباما يريد البقاء خارج صراع ليس له القدرة على الفصل فيه. فهو ليس صراعاً على تنحي الأسد فقط، فمقاتلو المعارضة لا يريدون أن يصل أي علوي آخر إلى السلطة، أو أن تحكمهم أقلية، بل ان ينهار النظام تماماً. وتنحي الأسد يعني فعلياً انهيار النظام، ولذلك يتمسك مؤيدو النظام بشدة برئيسهم.

وبالعودة إلى الفكرة الاول، «نصف الرغيف أو الرغيف كله». يرى هوف أن من المرجح القبول بنصف الحل، على أن يفتح المجال أمام حل كامل، خاصة أن معظم السوريين يريدون دولة تقوم على المواطنية لا على الطائفية. ولكن إن تم القبول بانقسام الأمر الواقع، سيعمل السعوديون على تقديم المزيد من الدعم إلى الميليشيات. من هنا يأتي دور الولايات المتحدة عبر الإمساك بزمام الأمور، وتحديد الأدوار وتوزيعها.

ولكن بعكس المبعوث الأميركي السابق، لا يرى لانديس وسيلة أمام الولايات المتحدة لوقف الدعم المقدم لـ«الجهاديين»، إلا بلجوئها إلى وزارة الخزينة لردع الخليجيين تحديداً عن ذلك. وبكل الأحوال، يعتقد لانديس أن تدخل واشنطن أكثر قد يؤتي بنتائج مدمرة، وهي ليست قادرة فعلياً على إدارة الأمور. ويعطي مثالاً على ذلك، بأن واشنطن سلمت في حلب المسؤولية لعبد الجبار العقيدي، إلا أن الرجل في النهاية طائفي. وهذا لأن في سوريا كلها، لا يمكن إيجاد أي أحد غير طائفي. ولذلك، هو لا يعرف ماذا على الولايات المتحدة أن تفعل! ويطرح سيناريو آخر، مرتبط بالجبهة الإسلامية، على اعتبار أنه من الممكن الاعتماد عليها، في حال الفوز لإعادة بناء الدولة، وإبعاد «الجهاديين».

هنا يتدخل هوف، ليضيء على نقطة أساسية، وهي أن الوزراء المجتمعين في «جنيف 2»، وهم عبارة عن 40 وزيراً، لا يعتقدون بأن أحداً قادر على الفوز نهائياً على الأرض. و«هم يريدون الحفاظ على الدولة، وإخراج الأسرة الحاكمة من السلطة. أما الأسد فليس مهتماً بذلك، فهو يعتقد بأنه يفوز في الجزء السوري الذي يعنيه. ولكن جنيف 2 ليس مضيعة للوقت. صحيح أن المرحلة الانتقالية لن تبدأ قريباً، إلا أنها تركز العالم على سوريا. وذلك يعطينا فرصة التدخل لتخفيف الأزمة الإنسانية، والسماح للأمم المتحدة بالتدخل، وفرض وقف إطلاق نار محلي. فإيران أيضاً ليست مهتمة في الوقت الراهن بعملية انتقالية، وهي تريد الأسد، لأن حزب الله هو خط الدفاع الأول أمام أي اعتداء إسرائيلي».

الجهاديون والسعودية

أما السعودية فلها قصة أخرى، فهي تعتقد بأن بوسعها الفوز والتحول إلى المدافعة عن أهل السنة، وهذا بالرغم من أنها لا تصرف المال الكافي لذلك. وبالنتيجة، سيستمر القتال، خاصة إذا حصل مقاتلو المعارضة على المزيد من السلاح. ويتنبأ لانديس، بالاعتماد على تجربته الشرق أوسطية، خلال الحرب اللبنانية خاصة واستمرار القتال لسنوات. ففي لبنان مثلاً، عمدت سوريا إلى نزع السلاح من الميليشيات، وفي العراق تسلمت الولايات المتحدة تلك المهمة، أما في سوريا، فليس هناك أي قوى مستعدة لتنفيذ هذه المهمة.

«تنازلت الولايات المتحدة عن سوريا للسعودية»، هكذا يختتم لانديس رؤيته السورية. ولكنه لا يستطيع تحديد ما إذا كان السعوديون سيذهبون أبعد مما يفعلون اليوم، حيث سيكونون بحاجة إلى صرف أكثر من مئة مليار دولار في سوريا. ولذلك فإنهم عالقون مبدئياً مع المقاربة الأميركية في «جنيف 2»، للفوز بالوقت.

ندم!

في ختام مداخلاته، عاد هوف إلى الماضي، ولأنه لعب دوراً في تأسيس مفاوضات سلام سورية إسرائيلية، وهو شهد تقدمها بحلول آذار العام 2011 (مع بدء الحراك السوري)، فإنه ينتقد موقف الولايات المتحدة وموقفه أيضاً في ذلك الوقت. وبالنسبة إليه، كان على واشنطن أن تتدخل مباشرة لدى الأسد لمنعه من مواجهة المتظاهرين، وتهديده بأنه إذا خرجت الأمور عن السيطرة فإنه سيكون قد خسر هضبة الجولان تماماً.

ربى الحسيني

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى