صفحات العالم

“نهاية الأسطورة”.. الجزيرة وأنصار بشار


ياسر الزعاترة

“نهاية الأسطورة”، كان هذا هو “المانشيت” الرئيس لصحيفة الأخبار اللبنانية (الأربعاء 28/3)، وكان عنوانا لملف يتحدث عن محطة الجزيرة الفضائية في سياق من تحطيم “الأسطورة”، الأمر الذي دأبت عليه الصحيفة التابعة لحزب الله منذ شهور، وذلك ضمن تغطيات وتسريبات ومقالات عديدة تنشر بين حين وآخر لا همَّ لها سوى الحط من قدر المحطة القطرية.

والحال أن استهداف الجزيرة لا يبدو حكرا على “الأخبار” اللبنانية، بل يشمل عموم إعلام حزب الله (دعك من إعلام بشار الأسد)، ومن يوالون النظام السوري تحت عناوين شتى (طائفية ومذهبية وحزبية وأيديولوجية)، وهؤلاء لهم حضورهم في شرايين الإعلام العربي، لاسيما أن قطاعا منهم ينتمي إلى اللون اليساري والقومي، وإن أخفى قطاع منهم تحت ذات العناوين أبعادا طائفية ومذهبية تبدو الأكثر حضورا في بعض الأحيان، ولا تخفيها الشعارات السياسية عن الصراع مع الإمبريالية الأميركية والحرص على القضية الفلسطينية (كراهية الإسلاميين الذين يتصدرون المشهد خلال الثورات وبعدها تحضر على نحو لافت عند بعضهم).

وإذا ذهبت تنقب في التاريخ القريب، فستفاجأ بأن كثيرا من هؤلاء الذين يمعنون اليوم هجاءً في الجزيرة كانوا من ضيوفها المكرمين الدائمين، وأقله من مادحيها التقليديين يوم كانت تلتقي معهم في المسار السياسي، بل إن بعضهم قد تحولوا بفضل الجزيرة إلى نجوم ومشاهير، أما اليوم فقد تغيرت المواقف.

يزعم هؤلاء وهؤلاء أن الجزيرة هي التي تغيرت، وبالطبع لأنهم الأمناء على قضايا الأمة ومشاريعها العظيمة، بينما الجزيرة لا تعدو أن تكون أداة بيد السياسة القطرية تتلاعب بها ذات اليمين وذات الشمال، لكأن قطر دولة عظمى تريد السيطرة على المنطقة عبر الجزيرة، أو لكأن بوسع الجزيرة أن تحول قطر إلى دولة عظمى تغير الخرائط وتعيد ترسيم التحالفات الإقليمية والدولية، من دون أن يقلل ذلك من شأن الدبلوماسية القطرية التي بدت فاعلة في العشرية الأخيرة تبعا لتراجع الدور المصري في عهد حسني مبارك، وإلى جانبه تركيز الأنظمة الكبيرة الأخرى على صفقات مع واشنطن تبقيها في الحكم وتقمع المعارضات من دون ضجيج يُذكر.

دعك من مديح هؤلاء للسياسة القطرية يوم كانت تنتمي لمحور المقاومة والممانعة، ويوم حطَّ أميرها في الضاحية الجنوبية وفي الجنوب بعد حرب تموز (2006)، مقابل هجائهم المقذع لها هذه الأيام بعد موقفها من الثورة السورية، وأسألهم بعد ذلك هل انقلبت قطر بين عشية وضحاها من عضو فاعل في محور المقاومة والممانعة إلى رأس حربة للإمبريالية الرامية إلى تحطيم محور المقاومة والممانعة وتفتيت العالم العربي على أسس طائفية ومذهبية؟!

سؤالنا لهؤلاء جميعا هو ما الذي تغير حتى تصبح الجزيرة شيطانا رجيما بعد أن كانت رافعة لمشاريع النهوض والمقاومة والممانعة في المنطقة؟!

ليس لديهم سوى جواب واحد. إنه ذلك المتعلق بالتغطية الإعلامية للثورة السورية، ولمزيد من التذاكي يجري حشر الانتفاضة البحرينية في السياق.

قبل أن نتحدث عن الأولى نشير إلى الثانية، ونسأل: هل خرجت مظاهرة كبيرة في البحرين ولم تحظ بتغطية الجزيرة، ألا تتشابه تغطية الجزيرة للحدث البحريني مع تغطية فضائية “بي بي سي” العربية التي تتوخى المهنية بقدر ما في الملفات الحساسة من هذا النوع؟!

في البحرين معادلة بالغة الخصوصية، ليس فقط لجهة الخليج برمته الذي تنتمي إليه قطر ولا يمكنها تجاهل هواجسه بأي حال، ولا لجهة الحشد المذهبي الذي يسود المنطقة، ولكن (وهي الأهم) لجهة الانقسام الواضح في المجتمع البحريني، والذي يتفوق فيه المكون الشيعي بنسبة محدودة على المكون السني، وليس هناك في تلك الديار قمع وقتل واسع يستحق المقارنة بالملف السوري. وحتى لو اعترضنا بنسبة ما على تغطية ملف البحرين الذي لا نماري في وجود مطالب مشروعة للمحتجين فيه، فهل يمكن القول إن التغطية للملف السوري تبدو غير مهنية بالكامل؟!

ألا يتبوأ الخبر السوري نشرات الأخبار في محطة “بي بي سي” العربية وسائر المحطات الإخبارية الناطقة بالعربية؟ وهل يمكن تجاهل عشرات المظاهرات يوميا وعشرات القتلى، مع جهود دبلوماسية عربية ودولية وإقليمية تتابع الملف بشكل محموم مهما كانت دوافعه؟!

هل تقف الجزيرة ضد النظام؟ نعم هي تفعل ذلك، تماما كما انحازت للثورة التونسية والمصرية واليمنية (هذه الأخيرة كانت السعودية ضدها لمجرد التذكير)، وهي تقف مع الشعب الذي يُقتل في الشوارع، ومن يريدها الوقوف مع النظام، فعليه أن يتحمل وزر ذلك.

كانت قطر على علاقة حميمة مع نظام الأسد، لكن الثورة غيرت الموقف، ولا يدل هذا على شيء قدر دلالته على انحياز الجزيرة للشعوب التي أحبتها؟ وإذا رأى شبيحة الأسد أن نظامهم مستهدف لأنه مقاوم وممانع، فهل كان حسني مبارك مناهضا للإمبريالية وقبله بن علي وعلي صالح، والذين وقفت الجزيرة ضدهم أيضا؟!

بأي معيار يقيس هؤلاء الأمور؟! سيقولون إن في التغطية تجاوزا على المهنية (يحشدون في هذا السياق آراءً لمراسلين وعاملين في المحطة يوالون النظام لأسباب طائفية ومذهبية ولم تفصلهم المحطة رغم هجائهم لها في الرسائل والتسريبات)، وقد يكون بعض ذلك صحيحا، لكن الجزيرة تغطي الثورة بوسائل غير مألوفة تبعا لمنعها من التغطية الطبيعية. إنها تغطي ثورة ضد نظام ذي بنية أمنية وطائفية وقادر على التلاعب بالأحداث، ومن الطبيعي أن يورطها في بعض الأخبار غير الصحيحة، ولكن هل إن قتل الناس في الشوارع وثورتهم عليه كذب أيضا؟! ثم ألا يظهر أتباع النظام يوميا على الجزيرة لكي يبرروا ويفندوا ما يجري؟!

إنهم يريدون الجزيرة بوقا لأهوائهم لكي تحظى بالرضا، ولو فعلت لخسرت شعبيتها أمام الشعوب الذين لا ينحازون لشيء هذه الأيام قدر انحيازهم للثورة السورية.

الجزيرة لم تخسر جمهورها، وإن خسرت أنصار الأسد الذين تحولوا لفضائية الدنيا “المهنية جدا جدا”، ومعها الفضائية السورية والإخبارية السورية، وهؤلاء لا يشكلون سوى نسبة لا تُذكر من الجمهور، ولا حاجة لها بهم تبعا لذلك، وليستمتعوا بمشاهدة فضائية رامي مخلوف العظيمة.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى