هادي العبدالله وخالد العيسى… شاهدان على الثورة/ محمد أمين
لم تكن المرة الأولى ــ وربما لن تكون الأخيرة ــ التي يتعرض فيها هادي العبدالله – وهو أبرز ناشطي الثورة السورية الإعلاميين ـ لمحاولة تستهدف حياته سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث نجا بـ “أعجوبة” من القصف الجوي أكثر من مرة.
ناقل الخبر
فقد دأب العبدالله على الوجود في أكثر مناطق الصراع سخونة، وأكثر المناطق التي يستهدفها الطيران الروسي، ومقاتلات النظام ليكون ناقلا، وشاهدا على المذبحة المستمرة بحق السوريين منذ سنوات. ووصل العبدالله ورفيقه خالد العيسى فجر الجمعة إلى أحد المشافي في مدينة أنطاكيا جنوب تركيا بعد استهداف منزلهما في حي الشعار شرقي حلب بعبوة ناسفة، أدت إلى تعرضهما لجراح بالغة. وأكدت مصادر لـ “العربي الجديد” أن إصابة العبدالله في بطنه، وقدميه، وحالته مستقرة “ولا خوف على حياته”، في حين أصيب العيسى في رأسه، ولكنه تجاوز مرحلة الخطر.
وكان العبدالله والعيسى تعرضا لإصابات طفيفة قبل يومين من استهداف منزلهما بعبوة ناسفة، نتيجة إلقاء طائرات الأسد الحربية براميل متفجرة على منطقة جسر الحج في مدينة حلب، حيث كانا يقومان بتغطية القصف على المدنيين في إطار حملة على مدينة حلب من قبل طيران النظام، ومقاتلات روسية. عرف السوريون هادي العبدالله (1987) وهو المتحدر من مدينة القصير جنوب غرب مدينة حمص (وسط البلاد) في الأسابيع الأولى من ثورتهم، حيث كان ينقل بصوته “المميز” مجريات الثورة في حمص وريفها، والمجازر التي بدأ نظام الأسد بارتكابها بحق المتظاهرين في المدينة التي توصف بـ” أم الشهداء”، و”عاصمة الثورة”.
هادي من أشجع النشطاء السوريين، وأكثرهم مثابرة على إيصال صوت السوريين رغم كل الصعوبات”، بهذه الكلمات بدأ الناشط الإعلامي المعروف خالد أبو صلاح حديثه عن رفيقه في الثورة هادي العبدالله، ويضيف: “هادي.. هادئ في كل شيء إلا بدفاعه عن الثورة وأهلها”.
وأشار أبو صلاح في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنه عرف هادي العبدالله منذ بدايات الثورة في مدينة حمص، وأضاف: “هو صاحب شخصية محببة، وقريبة من القلب، له ابتسامة لا تغادر شفتيه، وهو شجاع ومثابر، يؤمن – كما باقي رفاقه- بأن الثورة السورية قضية عادلة، وحتماً ستنتصر مهما طال الزمن”. ويوضح أبو صلاح الذي كان هو الآخر من أهم الناشطين الإعلاميين في مدينة حمص قبيل خروجه من سورية، أن هادي العبدالله يؤمن بأن “كل ما لحق في الثورة من تشوهات ما هو إلا حالة طبيعية لأي ثورة تترك لمصيرها ويتم استهداف حاضنها الشعبي بهذا الشكل”، منهيا شهادته بحق العبدالله بالقول: هو دائما صاحب روح متجددة، ومتجذرة في ثورة السوريين الأولى، والتي ستستمر بعون الله حتى تحقق مطالبها العادلة”.
ممرض الثورة
ربما لا يعرف كثيرون أن هادي العبدالله يحمل إجازة جامعية بـ “التمريض” من جامعة “تشرين” السورية، ونالها مع بدء الثورة السورية في عام 2011، وكان من المتفوقين بالجامعة، وفق ما يروي لـ “العربي الجديد” الناشط الإعلامي جعفر محب الدين وهو صديقه، وابن مدينته. ويضيف بالقول: “بدأ عمله كناشط إعلامي ينقل عبر الفضائيات العربية مجرياتها في مدينة حمص، حيث كان في حي “باب عمرو” الشهير والذي شهد مظاهرات حاشدة محمية من الجيش السوري الحر، حتى سيطرة قوات النظام عليه في عام 2012 إثر حملة عسكرية انتهت بتدمير هذا الحي بالكامل، ثم انتقل إلى مدينته القصير، حيث بدأ بالظهور العلني في وسائل الإعلام العربية والعالمية ناشطا إعلاميا، وناقلا صادقا للمجازر التي ترتكبها قوات النظام، ومدافعا عن الثورة السورية، ومعبّرا عن أهدافها النبيلة في وصول السوريين إلى دولة عدل، ومساواة. وأشار محب الدين في سياق حديثه إلى أن العبدالله كان أول من كشف، وفضح مشاركة حزب الله في المعارك إلى جانب قوات النظام في القصير وفي منطقة القلمون، قبل أن يعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله ذلك بشكل رسمي في أيار/ مايو من عام 2013، فانتقل العبدالله إلى منطقة القلمون واستقر في مدينة يبرود إثر سيطرة النظام وحليفه حزب الله على مدينة القصير، بعد أن شهد بعينيه التدمير الممنهج لمدينته من قبل قوات النظام، وحزب الله.
تابع العبدالله عمله الإعلامي، فقام بتغطية جانب من المعارك التي دارت في مدن وبلدات القلمون بين قوات المعارضة، وقوات النظام وحزب الله. تخفّى العبدالله عدة أشهر في منطقة القلمون بسبب ملاحقة حزب الله له، إلى أن استطاع بـ”صعوبة بالغة” الوصول إلى الشمال السوري في عام 2014 حيث اختار مدينة كفرنبل في محافظة إدلب مستقرا له، رافضا بـ”المطلق” الخروج من سورية كما فعل أغلب ناشطي الثورة السورية الذين غادروا “مضطرين” إلى بلدان أوروبية.
تحت الطائرات
تابع العبدالله عمله في تغطية الأحداث والمعارك والمجازر التي تُرتكب بحق المدنيين من طيران النظام، ومن ثم الطيران الروسي في محافظة إدلب التي شهد سيطرة المعارضة عليها بالكامل في عام 2015، كما جازف بالدخول إلى مناطق ساخنة في حلب وريفها، حيث ظهر في مدينة مارع منذ أشهر إبان الحملة الكبيرة التي شنتها مليشيات طائفية، وقوات “سورية الديمقراطية” على ريف حلب الشمالي تحت غطاء جوي روسي، ثم دخل الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة داخل مدينة حلب، وتتعرض لقصف جوي لا يكاد يتوقف، حيث أصيب أكثر من مرة قبل أن تحاول جهة غير معروفة حتى الآن استهدافه مساء الجمعة بعبوة ناسفة في حي الشعار الحلبي.
يقول رفيقه محب الدين: هادي العبدالله هو المطلوب رقم واحد من أجهزة النظام الأمنية، وحزب الله نظرا للدور الكبير الذي لعبه في كشف الإجرام الذي مارسوه على السوريين، مشيرا إلى أن العبدالله “استطاع التملص من جميع مشاريع احتوائه، وتجنب جميع المشاكل، وكان حياديا في معظم الخلافات، والنزاعات الثورية، وبقي الناشط المستقل الحر”، مضيفا: “هو شاب ذو شخصية مؤثرة جداً، يجذب الناس من حوله بصدقه، وتضحيته. وهز نبأ إصابة العبدالله الوسط الإعلامي السوري الثوري، حيث أكد صحفيون وناشطون سوريون أنه “القابض على جمر الثورة، المتوازن في نقل أخبارها، الواثق من عدالة قضيتها”، وفق الإعلامي السوري محمد منصور، والذي أشار في منشور على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) إلى أن محاولة اغتيال هادي العبد الله “هي محاولة لاغتيال هذه الصورة المشرّفة، والمُشرقة بابتسامة الإيمان العميق، والهني الذي لم يتجهّم ولم يتطرّف، ولم يفقد صلته بالله، وبالناس”. هادي العبدالله الذي شهد مقتل العديد من رفاقه وأشهرهم طراد الزهوري في شباط/ فبراير من عام 2014، وتمنّى “الشهادة على أرض حمص الحبيبة”، كما أعلن في عام 2013، يرقد الآن في أحد المشافي التركية بعد أن هز النظام، وهزمه في الكثير من المعارك الإعلامية، سلاحه الكاميرا، والكلمة، وصوت متهدج من فرط الوجع مما ألمّ بالسوريين من مآس.
دخل ذاكرة الثورة السورية كواحد من أهم إعلامييها الذين وثقوا جرائم نظام الأسد الذي قتَل، وغيّب المئات من الصحفيين، والكتّاب، والناشطين الإعلاميين على مدى سنوات في محاولة يائسة لـ”وأد الثورة”، حيث وثقت منظمات حقوقية أسماء المئات منهم، قضى كثيرون بينهم تحت التعذيب.
العربي الجديد