صفحات العالم

هذه علامات النصر الثوري السوري


وفيق السامرائي

بكل هدوء وبرودة أعصاب، قدم مراسل قناة «الجزيرة» في مدينة حلب صورة واضحة ومباشرة وحية عن الوضع في قلب المدينة وأطرافها، بعد ساعات فقط من هذيان وزير الخارجية السوري خلال مؤتمره الصحافي في طهران يوم الاثنين الماضي، الذي ادعى فيه أن الثوار قد اندحروا في مدينة دمشق وسيندحرون في حلب، ولو كانت وسائل الاتصال والإعلام كما كانت عليه قبل ثلاثة عقود لأمكن تصديق الادعاء!

وشد انتباهي الموقف الصلب لقائد المجلس العسكري في حلب العقيد عبد الحميد العكيدي، الذي أعلن ساعة الصفر، وإدارته المباشرة للعمليات، وكذلك ظهور نائب قائد الجيش الحر العقيد مالك الكردي في ساحة القتال، وبين ما قاله العكيدي من أن حلب ستكون مقبرة لدروع السلطة، وما قاله وزير الدفاع الأميركي من أن الأسد يحفر قبره بيده، أكمل الثوار فتح طريق إدامة وتعزيز يربط حلب بالحدود التركية، مما يوفر القدرة على تأمين مستلزمات الدفاع الفعال عن المدنيين، ويساعد في إدارة عمليات قتالية ناجحة تترك أثرا كبيرا على سير الصراع لصالح الثورة.

ومن الحالات النادرة أن نشاهد دبابات القمع وقد تحولت إلى خردة في أكثر من مكان وعلى أكثر من محور، وتحجيم دور الهليكوبترات الهجومية في بعض المناطق باستخدام رشاشات ثقيلة، واستخدام الهاونات المتوسطة والثقيلة من قبل الثوار، وهذا يثبت حصول تطورات كبيرة في قدرات مقاتلي الجيش الحر، الذين يتمتعون بمعنويات عالية جدا، وقابلية بدنية ممتازة، ومستويات متقدمة من التدريب الفردي والتعبوي.

ويبدو واضحا أن تشكيلات الجيش الحر، والمسلحين المحليين نجحوا في تعقيد مناورة قوات القمع من منطقة إلى أخرى، وهو ما أدى إلى تأخير رد الفعل تجاه عملية تحرير حلب، والتلكؤ في عمليات الاقتحام، التي تجابه بمقاومة شعبية وثورية، ستكون من أهم دروس الحرب في المعاهد العسكرية، فلم أقرأ ولم أشهد مثلها على مستوى الشرق الأوسط، فالقتال في حلب لا يزال أفضل مما كان متوقعا حتى وقت كتابة هذا المقال. «وحتى إذا ما اضطر الثوار إلى تغيير استراتيجيتهم» نتيجة الثقل الناري، أو نتيجة عدم كفاية مواد تموين القتال، فإن العملية أكدت بشكل قاطع بؤس حال وأفكار المدافعين عن نظام انتهى عمليا.

وحيث اتضحت الصورة الآن لمن كانت تنقصه المعطيات، فإن الثوار لا يحتاجون إلا لمواد تموين القتال، وبما أن الثوار قد فتحوا بأنفسهم طرق الإمداد اللازمة، فإن مسؤولية أصدقاء سوريا تتحدد اليوم بتأمين متطلبات الدفاع الاستراتيجي، الذي سيتحول بلا تعقيد ولا حسابات كومبيوترية إلى انتقال سريع لمرحلة أكثر تقدما، تنهي المعاناة والكوارث التي يتعرض لها المدنيون. ومطلوب من السياسيين في المعارضة السورية الانتقال الفوري إلى ساحات العمليات، لإعطاء قوة دفع تساعدهم في كسب المزيد من الدعم الخارجي. وبات الوقت ملائما لتأسيس مقر متقدم جوال للمجلس الوطني على الأراضي المحررة بالتنسيق مع الجيش الحر، تمهيدا لإعلان شكل من أشكال الحكومة المؤقتة أو الإدارة المدنية.

وتعزيزا للمكتسبات التي يحققها الثوار على الأرض، فمن الضروري إعادة حث الجنود والضباط على ترك تشكيلات القمع، وإعادة الكلام عن روح الأخوة مع أبناء الطائفة التي يحاول النظام إبقاءها إلى جانبه، والتأكيد على أن الثوار يقاتلون من أجل الشعب السوري كله، وإبقاء باب التسامح مفتوحا حتى النهاية، وإزالة مخاوف بعض أطراف المنطقة.

قبل بضعة أشهر كان بشار قادرا على تجميع حشود، بعضها من خارج الحدود، في ساحة الأمويين والخروج لتحيتهم ولو بضع دقائق، وكان قادرا على زيارة باب عمرو (بابا عمرو) في قلب حمص قبل أن يغادرها تحت نيران «قناص حمص»، أما الآن فما كان قد أصبح من قصص كان، وبدأت الضربات تتلاحق بشكل متواصل ومثير للغاية، والأفضل للنظام أن يخضع لمنطق العقل ويقبل بمبادرة اجتماع قطر للجامعة العربية، كفرصة لن يوافق عليها الثوار بعد فوات الأوان.

كان الجيش الحر مكونا من أقل من 20 منشقا، والآن أصبح تعداده معظم الشعب السوري، ولو أرسلت إليه ملايين قطع سلاح لأصبح تعداده العملي كذلك، وحتى إذا ما أصيب بكبوة في بعض المعارك، فإن الحسم يتم تراكميا بسلسلة معارك وليس بمعركة حاسمة واحدة، والمناورة مطلوبة، وكثيرا ما يكون الانسحاب المخطط له جزءا من نجاحات كبيرة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى