هل أخطأنا بشأن سوريّة؟/ مايكل والزر
Michael Walzer
* محرر مشارك في “ديسنت- Dissent”
وفقاً لمقال نشر مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز، نزح أكثر من مليوني سوري، أو اضطروا للخروج من بلادهم، وتشرّد أكثر من ضعفي هذا العدد من ديارهم داخل البلاد. هذا يقارب 28 بالمئة من السكان. ومع اقتراب فصل الشتاء فإنّ كل هؤلاء يعيشون في بؤس وشِدّة خانقتين، وسوف ينضمّ إليهم الكثيرون قريباً: حيث تتنبأ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بأن نحو 45 بالمئة من السكان سوف يحتاجون إلى مساعدة قبل نهاية هذا العام.
جادل الكثيرون منا، نحن الذين عارضنا التدخل الأمريكي في سوريّة، معتمدين على المثال العراقي. فالغزو الأمريكي تسبب بكارثة هناك، وبتشريد الملايين خارج البلاد وداخلها، أيضاً. وأصررنا على ضرورة أن لا تفعل الولايات المتحدة شيئاً من هذا القبيل مرة أخرى. حسناً، لم تفعل الولايات المتحدة، لكنّ الكارثة حلّت بسوريّة على نطاق أكبر. تقول المفوضية العليا للاجئين إنّ هناك 1.4 مليون عراقي لاجئ خارج البلاد، و1.3 مليون نزحوا داخلها. أما في سوريّة فحتّى الأرقام بقيمتها المطلقة أسوأ، وباعتبار أن أجمالي عدد السكان أصغر فإنّ الكارثة أسوأ بكثير بقيمتها النسبيّة: تشرّد واحد من كل عشرة عراقيين (ظلّت الأرقام ثابتة لعدة سنوات، كانت أعلى حوالي العام 2006، لكن لا أعتقد أنها وصلت من أي وقت إلى الأرقام السورية). فهناك الآن ثلاثة مشردين من بين كل عشرة سوريين، ولكن تدفق اللاجئين داخل البلاد وعبر حدودها غير عادي: نحو 4 آلاف شخص كل يوم.
تشير التقديرات السكانية للأمم المتحدة إلى أن عدد العراقيين ازداد كل عام خلال فترة فرض العقوبات (1991-2003) واستمرت أعدادهم بالازدياد خلال وبعد الحرب مباشرة. أما سورية، فقد انخفض عدد سكانها بنسبة 0.797 بالمئة في 2012 (حوالي 180 ألف، بالأرقام المطلقة). لا أقصد أن أنكر الأضرار الناجمة عن العقوبات أو عن غزو 2003. فقد كان معدل النمو السكاني في العراق أقل مما كان يمكن أن يكون في الأوقات العادية؛ النقص محلّ خلاف، لكنه ربما يصل إلى مئات الآلاف. ومع ذلك، ما يحدث الآن في سوريّة أسوأ، والغريب، أنّ هذا الموضوع لم يناقش كثيراً لدى اليسار الأمريكي. ابحث عن هذه المعلومات على شبكة الانترنت: شخصياً عثرت على الأرقام العراقية في مواقع يسارية والأرقام السورية على موقع CNSNews.com اليميني، (الذي يفتخر بأنه نشر “الأخبار التي شوّهتها وسائل الإعلام الليبرالية وتجاهلتها”، وهذا غير صحيح بالنسبة لوسائل الإعلام الليبرالية ولكن ربما كان صحيحاً في هذه الحالة، إذا نظرتم أكثر يساراً). وغني عن القول إنّ معاناة الإنسان ليست خاضعة للمفاضلة على جانبي اليسار/ اليمين.
أمريكا ليست هي سبب هذه الكارثة الإنسانية. بقينا خارج سوريّة، ولكن هذا لم يساعد السوريين. أعتقد أن من الضروري الآن أخلاقياً أن نسأل: ماذا لو أننا لم نبق بعيدين؟ هل كنّا في هذه الحالة (فكل حالة مختلفة) قد تجنبنا الكارثة أو خفّفنا من حجمها؟ هذه كانت حجة التدخل الليبرالية، وحجّة المحافظين الجدد أيضاً، في بداية الحرب الأهلية وحتى اليوم: كان علينا تقديم الدعم السياسي والعسكري للجيل الأول من الثوار “الأخيار” الذين وصفوا أنفسهم بأنهم ديمقراطيين علمانيين. كان يجب أن نفعل هذا قبل توافد المسلحين الجهاديين إلى البلاد، وقبل انخراط روسيا وإيران وحزب الله وتورّطهم بشكل كامل فيما يجري. كان علينا أن نسعى إلى تحول سريع إلى دولة غير طائفية، حيث الأغلبية السنية ستحقق ذاتها، لكنّ الأقليات الدينية- كالعلويين، والدروز، والمسيحيين- لن تشعر بأنها مهددة.
أنا كنت من أولئك الذين يعتقدون أنّ هذا احتمال مشكوك فيه جداً، وما زلت متشككاً. فحتى لو وصل “الأخيار” إلى السلطة، الأمر الذي لا يبدو مرجحاً، فقد كان يمكن أن يخسروا الانتخابات أولاً لصالح السنة المتشددين، ولكانت عاشت جميع الأقليات في خوف. الديمقراطيون العلمانيون أبطال في سوريّة، لكنهم ليسوا متجذّرين على أرض الواقع، بل إنّ احتمال وصولهم إلى الحكم ليس أكثر ترجيحاً من احتمال وصول نظرائهم المصريين. (هل كان يمكن حدوث انقلاب عسكري، كما جرى في مصر؟). وكان احتمال أكثر واقعية لحرب أهلية طويلة يخوضها “الأخيار” وقد انضم إليهم الكثير من “الأشرار”. بيد أنّ حرباً من هذا النوع لم تكن جيدة بالنسبة للولايات المتحدة ولا للشعب السوري- وهذا ما ناقشته في تدوينة أخرى.
لكنّ هذا هو ما حدث على أي حال، من دون أي مشاركة لافتة من جانب الولايات المتحدة. دعم حلفاؤنا، الأتراك والسعوديون، الثوار بما يكفي للحفاظ على القتال والاستيلاء على أجزاء من البلاد. لكنهم لم يفعلوا هذا وفق رغبتنا، فلقد كان ومازال لديهم مصالح خاصة بهم في انتصار الثوار. وذهبت بعض الأسلحة التي قدموها إلى الأخيار، وبعضها (من القطريين أيضاً) ذهب إلى الأشرار.
ربما لو أننا انضممنا إلى الأتراك والسعوديين بشكل كبير، في وقت مبكر، لكان المتمردون الذي نفضّلهم قد انتصروا، أو ربما كانت قوتهم لتقنع أنصار الأسد بأن الأسد لا يمكنه الانتصار، ولكان قد بدأ بعد ذلك ترتيب نوع من المرحلة الانتقالية المستندة إلى التفاوض. ربما. احتفى كثير من اليسارين بالحل الدبلوماسي لأزمة الغاز السام، من دون أن يقرّوا بأن ما جعل الدبلوماسية ممكنة هو تهديد الولايات المتحدة بمهاجمة سوريّة. كلّنا، في اليسار، نأمل التوصل إلى حل تفاوضي للحرب أهلية، ولعلّنا بحاجة إلى الاعتراف بأنه ليس هناك ما يوصل إلى هذا الحل (أو كان سيجعله ممكناً) سوى التدخل الأمريكي القوي. وحتى “الهدنة الإنسانية” المحدودة التي تدعو إليها الآن منظمات الإعانة، فقد كان تحقيقها أكثر احتمالاً لو أنّ الولايات المتحدة كانت تشارك بقوة، وبالتالي، لو كان لديها تأثير أكبر على المتمردين. ربما.
أو ربما لا. ليس لدي أي ثقة بأي من هذه الحجج. وحتى لو كانت الحجج جيدة قبل عامين، فمن غير المؤكد جذرياً أنها ستكون منطقية اليوم. من الصعب جداً تحليل سوريّة وفهمها. لكن يبدو من غير المرجح أن التدخل الأمريكي المبكر، كان من شأنه جعل الأمور أسوأ مما هي عليه الآن. وهل يوجد أسوأ من مما هي عليه الأمور الآن؟
كان أوليفر كرومويل يتحدث إلى مجموعة قساوسة من “الكنيسة المشيخية”، يناقشونه بكثير من اليقين ضد بعض سياساته، حين قال لهم: ” أتوسل إليكم، بحق أحشاء المسيح، أن تفكروا في أنكم قد تكونون مخطئين!”. هذا ليس ما أذهب إليه، لكنّني أود أن أغتنم هذه النقطة. لقد حان الوقت لإجراء مناقشة جديدة في اليسار حول ما كان يجب أن يحدث في سوريّة وما يجب أن يحدث الآن.
###
ترجمة: ماهر الجنيدي
نشرها موقع مجلة Dissent Magazine بتاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2013- لقراءة المقالة الأصل انقر هنا.