هل القبول بإيران النووية يجلب الاستقرار للشرق الأوسط؟
د. عبدالعظيم محمود حنفي()
النقاشات الحادة في إسرائيل، وكانت في قلب المعركة الانتخابية للرئاسة الأميركية بين ميت رومني وأوباما، حيث اتهم الأول الثاني برمي إسرائيل تحت الحافلة الإيرانية، هي نقاشات في جوهرها بشأن مقاربة أوباما للملف النووي الإيراني؛ فالرئيس الأميركي انتهج نهجاً مغايراً في التعامل مع التحديات الإيرانية، فقد كان المنهج المتبع في السياسة الخارجية الأميركية هو تجنّب إجراء مباحثات مباشرة مع إيران. وتجنّب اتخاذ خطوات ديبلوماسية أوسع في اتجاه السعي للتفاوض معها؛ أما مقاربة أوباما فقد استندت على ضرورة اتخاذ خطوات جدية على المسار الديبلوماسي تجاه طهران بدلاً من المقاطعة التي انتهجتها إدارة بوش. وفي حالة فشل استراتيجية التواصل الديبلوماسي مع طهران ترى تلك الإدارة أنه لا بد من أن يتوفر إجماع دولي على فرض سلاح المقاطعة والعقوبات على طهران سواء كان ذلك في مجلس الأمن الدولي أو غيره. وقرن الرئيس أوباما نهجه ذلك بأربعة إشارات لافتة تصالحية نحو إيران، بداية بقيامة أوباما بإذاعة رسالة الى إيران، يعترف فيها للمرة الأولى بآيات الله باعتبارهم الممثلين الشرعيين للشعب الإيراني. بمناسبة عيد النيروز، وكان الرئيس بوش يكتفي بتهنئة الشعب لا القيادة، مروراً بعرض التفاوض حول وقف سلمي للبرنامج الإيراني من دون شروط مسبقة، في حين أن إدارة بوش كانت تصر على قيام طهران بوقف التخصيب أولاً قبل التحاور واعتبر ذلك اعترافاً أميركي بحق الجمهورية الإسلامية بتخصيب اليورانيوم، الثالثة في خطابه في جامعة القاهرة (يونيو 2009)، أقر أوباما بمشاركة الـ(سي.آي.إيه) بالإطاحة بالحكومة الإيرانية منذ أكثر من نصف قرن مضى. الرابعة مع ملاحظة أن الرئيس الأميركي رفض الوقوف بقوة الى جانب المظاهرات الصاخبة ضد الحكومة الإيرانية على خلفية رفضهم نتائج انتخابات 12 حزيران (يونيو) 2009 التي أعلنت فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية.
ونتيجة لعدم تجاوب المرسل إليه الإيراني، فقد انخرطت إدارة أوباما في فرض حزمة من العقوبات القاسية التي استهدفت قطاع النفط والمال في طهران، ولكن التجربة التاريخية تخبرنا أن تلك السياسات العقابية لم تثن تلك النظم الساعية لامتلاك القنبلة وآخر نموذج يدلل على ذلك هو كوريا الشمالية. وقد تواترت عن رفض أوباما توجيه ضربة عسكرية لإيران وهناك من يرى أن أوباما استبعد عملياً الخيار العسكري عن طاولة البحث، وتطالبه إسرائيل وحلفائها في واشنطن بتوجيه إنذار الى إيران، ومثل هذه المؤشرات تعني أنه ليس هناك فرصة حقيقية لقيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد إيران، وقد فهم الإيرانيون ذلك جيداً، وفي المقابل تعززت ثقتهم بموقفهم وسرّعوا من وتيرة التخصيب بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويبدو أن اتجاه أوباما العقائدي الرافض للحرب يتفق مع ما ذهب إليه عدد من المحللين البارزين الأميركيين، فسبق، مثلاً، لفريد زكريا أن دعا في عموده في صحيفة “واشنطن بوست” الى استصحاب تشبيهين تاريخيين دفاعاً عن وجهة نظره بأن على إسرائيل ألا تهاجم إيران وهو يرى ذلك الخيار سيكون خطأ استراتيجياً وإنما عليها أن تسعى الى “احتواء” إيران المسلحة نووياً إذا لزم الأمر.. ولدعم رؤيته يستشهد زكريا بقرار ألمانيا بغزو فرنسا عام 1914 وقرار الولايات المتحدة بعدم مهاجمة الاتحاد السوفياتي في أواخر الأربعينات من القرن الماضي. ولكن أنصار الهجوم استشهدوا بالفشل في مواجهة تصاعد النزعة العسكرية الألمانية في ثلاثينات القرن الماضي لتسليط الضوء على المخاطر السلبية، أو حالات من التدخلات العسكرية الناجحة لتوضيح مزايا اتخاذ إجراءات. كما أن كينيث والتز الأستاذ البارز في العلاقات الدولية وهو من روّاد التيار الواقعي الهيكلي طرح تساؤلاً في مقالته في الفورين افيرز: هل التوازن النووي بحصول إيران على القنبلة يجلب الاستقرار للشرق الأوسط؟ وكانت نتيجة تحليله؛ أن امتلاك القنبلة الذرية من قِبَل دولتين متنازعتين مثل باكستان والهند، ساعد على توقيع اتفاقية السلام بينهما سنة 1991. وقد اعترفت الهند أن الشعور بعدم الاستقرار الذي تنازعها، كان السبب في اندفاعها للحصول على سلاح الردع النووي. وهذا ما جعل ميزان الرعب ينحسر أمام ميزان التسوية السلمية. بل هذا ما قد يحصل بين إسرائيل وإيران بعدما تستقوي طهران بالقنبلة الذرية. ويثير الأمر التساؤل عن علاقة ذلك بدراسات أميركية سابقة مثل دراسة صدرت في مجلة أميركان بروسبكت تحدثت عن مثلث القوة المقبل وأنه يجب أن تكون تركيا وإيران حليفتي الولايات المتحدة المستقبلتين في الشرق الأوسط بعد إعادة تكييف النظام الإيراني؟ ووسط كل تلك النقاشات فإن النخبة السياسية والاستراتيجية الأميركية تكاد تتفق على أن البرنامج النووي الإيراني يمثل التهديد الرئيسي بالنسبة للولايات المتحدة، نظراً لما يتضمنه من مخاطر كبيرة أولها احتمالية استخدام إيران للأسلحة النووية، وهو ما يتعارض مع المصالح الأميركية من ناحية، ويدعم في المقابل حلفاء طهران في المنطقة وتنظيم “القاعدة” من ناحية أخرى. علاوة على إمكانية انتقال التكنولوجيا والأسلحة النووية الى الدول المتطرفة والمنظمات الإرهابية، سواء كان ذلك بعلم الحكومة الإيرانية أو من وراء ظهرها. كما يمثل البرنامج النووي دافعاً نحو اعتماد الجمهورية الإسلامية لسياسة خارجية أكثر تشدداً، فضلاً عما يترتب عليه من زيادة للنفوذ الإيراني على المستوى الإقليمي. علاوة على أن برنامج طهران النووي سيؤدي الى سباق نحو التسلّح في هذا المجال بالمنطقة، فقد أعلنت ما يقرب من 12 دولة، عزمها تطوير قدراتها النووية السلمية كرد فعل على الطموحات النووية الإيرانية. كما لا يمكن إغفال أن البرنامج النووي يمثل صدمة قوية للجهود الدولية الهادفة لمنع الانتشار النووي. وأخيراً السؤال الذي يطرح في هذا السياق يتعلق بالعداوات التي خلقتها الثورة الإيرانية، على اعتبار أن العدو الأول قد يكون إسرائيل. ولكن تهديداتها وصلت الى دول الخليج العربي، وتجاوزتها لتصل الى الدول الأوروبية. ومن ثم كيف يمكن أن تجلب إيران النووية الاستقرار بل أن ذلك سيؤجج العنف والتطرف وسيزيد من تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية ومن تمويلها للشبكات التخريبية من أفغانستان الى أقاصي إفريقيا.
() مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات – القاهرة
المستقبل