«هل القراءة ضرورية؟»
جعفر العطار
بدا عنوان المقال الذي كتبه الزميل أحمد بزون أمس، «هل القراءة ضرورية؟»، مستفزاً، ثم سرعان ما تجلّت الصدمة، التي أدرك الكاتب أنها ستصيب «كل الذين يتشاءمون من تراجع القراءة في العالم»، عند قراءة المقال.
لم يعرّج الكاتب على نسبة القرّاء، بل حصرها بـ«ماهية القراءة» كما قال. لكن استعادته تاريخ القراءة، ثم مقارنتها بعصرنا التكنولوجي، لم تكن واضحة، بل كانت أقرب إلى الغموض: اعتبر أن القراءة، في الأزمنة الغابرة، كانت وسيلة لتخزين المعلومات، ثم أصبحت «غوغل» أكبر «عقل آلي حالي في العالم».
اليوم، وفق ما كتب بزون، لم تعد القراءة، في زمن المعلوماتية، ضرورية لتخزين المعلومات، إذ ان «خزائن الانترنت تقدّم كل ما نحتاجه من معلومات في العالم». مع ذلك، كتب بزون: «في هذا العصر، بات الكتّاب في الانترنت أكثر عدداً من القرّاء».
«اعتراف» الكاتب بأن مواقع التواصل الاجتماعي تضجّ بأشخاص يعتبرون أنفسهم كتاباً، يزيد من غموض الفكرة: هل هو يتحدث عن القراءة كفعل وماهيتها، أو أنه يسأل عن تراجع القراءة ورقياً؟
وعلى الرغم من أن خوف الكاتب على مصير القراءة، سواء كانت ورقية أو الكترونية، يبدو واضحاً في مقاله ولو دُمغ بنبرة تهكمية، غير أن ثمة أسئلة لا مفرّ من طرحها، خصوصاً أن بزون حصر القراءة ـ تاريخياً ـ بوسيلة لتخزين المعلومات.
عندما امتدح القدّيس إسحاق، في القرن السادس بعد الميلاد، منافع القراءة بهدوء وصمت، قال: « إنني أتمرّس على الصمت، من أجل أن تملأني النصوص التي أقرأها فرحاً وحبوراً».
آنذاك، وحتى حلول القرن العاشر، كانت القراءة بصمت أشبه بـ«حدث غريب»، إذ كان القرّاء يقرأون بصوت عال، وفق أوغسطينس، معلّم فنّ الخطابة الذي جاء إلى روما في أواخر القرن الثالث. المعلّم ذاته اشتهر لاحقاً، بشغفه بالقراءة الصامتة انطلاقاً من «عشقه لوقع الكلمات ونغمها».
تطوّرت مراحل الكتابة والقراءة، من الكتابة الصينية على العظام قبل قرون من الميلاد، إلى عصر ألواح الصلصال، مروراً باللفائف المصنوعة من البرشمان والمخطوطات المصنوعة من البردي، إلى اكتشاف صفحات اللفائف، ثم وصولاً إلى الكتب الورقية فالالكترونية.
وإذا كان ثمة من يعتبر أن القراءة فعلٌ يساهم في تخزين المعلومات، فإن كثيرين كانوا ينظرون إلى القراءة من عين ثانية، ومنهم سقراط الذي قال: «الكلمات المكتوبة تبدو أنها تتحدث إليك، كما لو أنها ذكية للغاية. النص مثل لوحة مرسومة».
اليوم، وفي ظل الهاجس الذي يسكن القرّاء والكتّاب من انقراض يدنو إليهم شيئاً فشيئاً، ربما يحتاجون إلى من يحثّهم، ويستفزّهم على القراءة، كوسيلة للتمرد، للحب والمعرفة، سواء بتلمّس الورق أو بعينين تحدقان بشاشة.
كل منهم له وسيلة: تقليب الصفحات بيدين مضطربتين، طوي الورقة بهدوء عند الوصول إلى صفحة محببة، وثمة من يلجأ إلى شاشة تحرمه متعة الحواس. ولكل منهم، ربما، أهداف عدة، إلا أنهم لا يقرأون بهدف «تخزين المعلومات». وإن فعلوا، فهم، ربما، قلّة.
بزون كان خائفاً على مصير القرّاء، لكننا ننتظر منه استفزازاً معاكساً.
السفير