هل انتهت التراجيديا السورية؟!
يحيى الجمل
نعم هي تراجيديا بكل المعايير سببها الأساسي هو عدم إيمان النظام السوري بأن إرادة الشعب هي التي يجب أن تحترم وأن هناك شيئا في الدولة القانونية المتحضرة اسمه سيادة القانون. ولكن النظام السوري منذ عدة عقود لم يعرف إلا إرادة الفرد وحكم الفرد ومجموعة من الكتبة والموظفين يساعدون هذا الفرد المتسلط في التمكين له ولاستبداده وما يؤدي إليه الاستبداد من فساد أخلاقي ومالي وكل صور الفساد الأخرى.
وقد ابتدع النظام السوري ما سميته «الجمهوريات الملكية» ذلك أن النظام الجمهوري له خصائص معينة أولها تداول السلطة عن طريق الإرادة الشعبية والانتخابات على حين أن النظام الملكي يحدث فيه انتقال السلطة من ملك إلى ملك عن طريق التوريث. وقد أراد النظام السوري أن يجمع بين الاسمين – ولا أقول الحسنيين – أراد أن يجمع بين اسم «الجمهورية» ومضمون «الملكية». وعندما توفي الرئيس حافظ الأسد جرى تعديل الدستور على عجل وفي غضون ساعات لينزل بسن رئيس الجمهورية من أربعين سنة إلى 34 سنة. ويبدو أن الذكاء السوري المعروف غاب عن الذين قاموا بالتعديل السريع ذلك أنه كان بوسعهم أن ينزلوا السن إلى ثلاثين سنة بدل أن ينصوا على أربعة وثلاثين عاما وكأن المسألة يراد بها التفصيل لشخص الوريث والواقع أن هذا كان هو المقصود. وتمت الإجراءات في ساعات. مات الملك عاش الملك حتى وإن كان الملك باسم رئيس الجمهورية وكذلك كان الحال في تونس وغيرها من الجمهوريات الملكية. وقد يحسن أن أقول هنا – ليس من باب الافتخار فليس هذا من طبعي، وإنما من باب التذكير وإن الذكرى تنفع المؤمنين – إنني أول من أطلق هذا المصطلح؛ مصطلح «الجمهوريات الملكية» منذ عام 2005.
ونعود الآن إلى التساؤل.. هل اقتربت هذه التراجيديا المؤلمة من نهايتها وهل آن الأوان للشعب السوري أن يتحرر وأن ينطلق نحو نظام ديمقراطي يعلي إرادة الشعب ويحترم سيادة القانون.
تقديري أن قرارات المجلس الوزاري للجامعة العربية التي صدرت يوم السبت الماضي هي مقدمة حتمية لنهاية هذه التراجيديا.
وإذا كان كثير من قرارات الجامعة العربية يصدر في صورة نوع من التوافق فقد جرى التصويت على هذا القرار لأهميته ووافق على إيقاف عضوية «النظام السوري» في الجامعة ثمانية عشر عضوا من أعضائها.
ونظرة إلى الدول التي لم توافق على القرار تنبئ عن دلالات كثيرة.
لم يوافق اليمن على القرار بطبيعة الحال وكيف يتصور أن يوافق ودوره في نفس المساق قريب فيما يبدو.
كذلك لم يوافق عليه لبنان ومعروف مدى نفوذ حزب الله – إيران – ومدى التداخل بين سوريا ولبنان وحساسية العلاقة بين البلدين.
أما العراق فقد امتنع عن التصويت وليس من المستبعد أن تكون إيران وراء هذا الموقف ولكن الحمد لله أن الموقف العراقي لم يصل إلى حد رفض القرار.
وعلى أي حال فهذه أغلبية غير معتادة في قرارات الجامعة العربية.
والقرار لم يجمد عضوية سوريا في الجامعة كما طالب بعض فصائل المعارضة السورية واكتفى القرار بإيقاف العضوية وحدد لذلك الإيقاف يوم الأربعاء السادس عشر من نوفمبر (يوم أمس) حتى إذا ارتدع النظام السوري ونفذ ما طلب منه في المبادرة العربية من وقف العنف وابتعاد الجيش عن المدن والسماح لمنظمات المجتمع المدني بمراقبة الأحوال إلى غير ذلك من بنود المبادرة والتي تضمنها القرار الأخير مما هو معروف ولا مبرر لتكراره، ألغي قرار الإيقاف أما إذا لم ينفذ النظام السوري ما طلب منه فإن قرار الإيقاف يبدأ في السريان منذ صباح اليوم (الخميس 17 نوفمبر). وبذلك تصبح كل الاحتمالات واردة ويفقد النظام السوري شرعيته العربية بعد أن فقد شرعيته الداخلية وبالقطع سيكون ذلك مقدمة لإهدار كل شرعية أو حصانة دولية لهذا النظام الجائر الذي لم يرع لمواطنيه حرمة ولا حقوقا. وقد رحبت كل الأنظمة الديمقراطية في العالم بقرار الجامعة العربية وذلك يعطي القرار زخما دوليا.
وقد كان موقف مندوب سوريا في الجامعة العربية انفعاليا ومتجاوزا حدود الدبلوماسية المرعية في المنظمات الدولية. هاجم الجامعة واعتبر القرار هدما للجامعة وللنظام العربي. وهاجم رئيس الاجتماع ووصفه بأوصاف غير لائقة. واكتفى الرجل (رئيس وزراء قطر) برد مهذب قائلا عن المندوب السوري «سامحه الله». كما هاجم مندوب سوريا الرجل الفاضل الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية.
ولا شك أن مندوب سوريا يدرك أن الأمين العام ليس صانع القرار وإنما يوكل إليه بحكم وظيفته مهمة تنفيذ القرار، ولذلك فإن الهجوم عليه هو أمر غير مبرر ولا مفهوم. أقول من غير مجاملة إن نبيل العربي له من اسمه ولقبه معا نصيب كبير فهو نبيل حقا وهو عروبي حتى النخاع. لكن ضريبة العمل العام خاصة في مثل هذه الأجواء المشحونة تقتضي منا جميعا الصبر وقوة التحمل من أجل القيام بالرسالة الثقيلة التي ألقيت على أعناقنا.
من أغرب ما قرأت في هذا الصدد مقال ينتقد فيه صاحبه قرار الجامعة العربية بوقف عضوية النظام السوري لأن صاحب المقال كان يرى أنه من الأفضل والأولى أن يصدر قرار الجامعة بتجميد عضوية سوريا وليس مجرد إيقاف عضوية النظام. وعلى كل حال فهذا رأي صاحبه ولكن ليس من حق صاحب الرأي أن يقول إن هذا القرار كان كفيلا بأن ينجي الجامعة العربية من «السقوط» وكذلك ينجي الأمين العام من غضبة مائتي مليون عربي. وكأن كاتب المقال لا يكتب باسم نفسه ولا يعبر عن رأيه وإنما يعبر عن رأي ملايين العرب من المحيط إلى الخليج.
ويصف كاتب المقال الأمين العام للجامعة العربية بأنه «رئيس الجامعة العربية» وفي هذا عدم فهم لطبيعة مهمة الأمين العام.
ليتنا نتمهل في إصدار الأحكام القطعية، وليتنا نعتاد على نوع من الرشد السياسي الذي غاب عن حياتنا العامة في كثير من بلاد الوطن العربي.
والسؤال هو لماذا غاب عنا الرشد السياسي في كثير من تصرفاتنا؟ ثم كيف نستعيد هذا الرشد؟
أما لماذا غاب عنا الرشد السياسي فإن مرجعه لأسباب عديدة. وتقديري أن أنظمة الاستبداد والقمع التي عاشت في ظلها أغلب الشعوب العربية حتى مع اختلاف الدرجات أصابت العقل الجمعي بنوع من الشلل والتخلف وقتلت ملكة الإبداع والتفكير عند الكثرة الغالبة من الناس.
كذلك فإن أنظمة التعليم التي قامت على التلقين وليس على التفكير تتحمل جزءا كبيرا من وزر التخلف العقلي وعدم الرشد السياسي.
تقديري أن قرار الجامعة العربية في شأن النظام السوري كان قرارا صائبا وحكيما. وتقديري أيضا أن موقف النظام السوري خلال الأيام القليلة التالية لإصدار القرار ثم اجتماع الجامعة مع فصائل المعارضة السورية سيحدد خطوات قادمة كثيرة.
ودعوتي لفصائل المعارضة السورية – إذا جاز لي ذلك بحكم انتمائي العربي القديم الذي يعرفه الشعب السوري وتعرفه كل الشعوب العربية – أن تلتقي قبل اجتماعها في إطار الجامعة لكي توحد تفكيرها ومواقفها ولكي تدرك أن الهدف لن يتحقق بين يوم وليلة، وأن ما لا يدرك كله لا يترك جله. وليتنا نترك منطق المغالاة والمزايدة ونلجأ إلى نوع من الرشد والعقلانية.
الشرق الأوسط