هل بات انهيار نظام الأسد وشيكا؟
فايق عمر
الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، ليس أول من يتحدّث عن قرب انهيار نظام بشار الأسد. فقد سبقه إلى ذلك قوى إقليمية ودولية، وكذلك المعارضة السورية، والمسلحة منها تحديداً، التي ما من معركة أو جبهة جديدة خاضتها إلا وقالت إنها الحاسمة والقاضية. ففي معركة حلب مثلاً، تحدث الجيش السوري الحر عن خطط وإمكانات جديدة تكفيه لدحر النظام في غضون أيام، لكن وبعد مرور أكثر من شهرين، لا يزال الصراع على حلب قائماً دون حسم.
في مقابل هذا الحديث المستمر عن السقوط الوشيك للنظام، لم تتوقف الدعوات إلى الأطراف المتصارعة للتخلي عن السلاح، واللجوء إلى الحوار، وصولاً إلى حلٍ سياسي يُنهي الأزمة، ويقي البلاد من شرور الحرب الأهلية ومخاطر التقسيم. هذه الدعوات لم تقتصر على حلفاء النظام، روسيا وإيران، بل كانت هناك دعوات مماثلة من الحلف المعادي، كأنقرة، أكثر الداعمين والراغبين في سقوط نظام بشار الأسد.
المبعوثان الدوليان والعربيان لسوريا، كوفي أنان أولاً، والأخضر الإبراهيمي الآن، أطلقا بدورهما دعوات حوار سياسي، ونبّها إلى خطورة احتكام أطراف الــــنزاع للسلاح كحــل لإنهائه، كما عبّرا عن مخاوف جدّية من مخاطر ارتدادات الأزمة السورية في دول الجوار، بل ودول بعيدة أيضاً، كما أشار الإبراهيمي إلى ذلك قبل أيام، الذي حذر في الوقت نفسه من خطر ‘الصوملة’ في سوريا إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليها الآن.
هذه الدعوات إلى الحوار والانتقال السلمي للسلطة، بعد كل الجرائم والفظائع التي اقترفها النظام بحق الشعب السوري، كان ينظر إليها، حتى الأمس القريب، على أنها اعتراف مبطّن بعدم قدرة أي من الطرفين، النظام والمعارضة، في ظل المعطيات الراهنة، على حسم النزاع لمصلحته.
لكن، هل تغيّرت هذه المعادلة لمصلحة المعارضة الآن؟
الكل يعلم بأن إسقاط النظام السوري لن يكون إلا بإحدى الوسيلتين، إما التدخل العسكري الدولي أو عبر مزيد من الدعم العسكري للمعارضة المسلحة، على اعتبار أن الخيار الثالث، أي الثورة السلمية، لم يعد ممكناً بعد كل الذي نراه. وإذا كان التدخل الخارجي يصطدم بالجدار الروسي والصيني، فإن دعم الجيش السوري الحر عسكرياً كانت تعرقله الجماعات الجهادية والتكفيرية، التي تأكّد وجودها في سوريا، إذ إنها كانت تعطي مبرّراً قوياً لأمريكا والغرب للعزوف عن توريد السلاح إلى الثوار، مخافة أن تستولي عليه هذه الجماعات.
لكن، هناك تحولات عديدة طرأت حديثاً جميعها تصب في مصلحة الثورة السورية، ومن شأنها أن تزيل جميع العراقيل التي كان المجتمع الدولي يتخذها حججاً لتبرير تخاذله للشعب السوري. فقد توحّدت العديد من الألوية والتشكيلات العسكرية في قيادة مشتركة، وتبع ذلك عمليات نوعية للجيش الحر في قلب العاصمة دمشق، وتهديد أهم معاقل النظام فيها كالقصر الجمهوري ومقر هيئة الأركان. وجود هذا الكيان العسكري الموحّد من شأنه أن يدفع بأمريكا والغرب إلى حسم مواقفها، والبدء في تزويد الجيش الحر بالأسلحة المطلوبة، دون أي مخاوف من وقوعها في أيدي المجاميع الجهادية والتكفيرية. ولا يستبعد أن تكون دعوة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى استعداد بلاده للتحاور مع الجيش الحر أولى المؤشرات على تبدّد هذه المخاوف.
بالتوازي مع هذه التطورات الميدانية العسكرية، يأتي اجتماع الدوحة ليؤكد أن المعارضة السياسية بدورها تمضي في طريق إنجاز استحقاق الوحدة، وطي صفحة التناحر والخلافات السياسية بين أطرافها. وإذا نجح المجتمعون في تأسيس حكومة انتقالية، وانتقل أعضاؤها إلى المناطق السورية المحررة، فهذا سيكون نصراً آخر للثورة السورية. لأن وجود قيادة سياسية موحدة سيزيل أحد أهم الأسباب التي يسوقها المجتمع الدولي، منذ بداية الثورة، لتبرير رفضه تقديم الدعم اللازم للمعارضة. كما أن وجود مثل هذا الكيان السياسي المعارض في الداخل، إضافة إلى قيمته المعنوية العالية بالنسبة للثوار، سيُكسب المعارضة المزيد من دعم قوى الحراك الشبابي، الركن الأهم في الثورة، وسائر الشعب السوري.
السباق الرئاسي الأمريكـــي أيضاً قد حُسم. وربما تكون هذه الترتيبات التي لجأت إليها المعارضة الســـورية، المسلحـــة والسياسية، بمثابة جهــــازية في انتـــظار الموقــف الأمريكي ما بعد الانتخابات، والذي يقال بأنه، وفي أســوأ تقدير، لن يكون متعارضاً مع المواقف المستجدة لبريطانيا من الأزمة السورية. كما أن تحذيرات الإبراهيمي من خطر ‘الصوملة’ في سوريا، من شأنها أن تضع حداً لتردّد أمريكا وحلفائها، وإنذاراً قوياً بالإسراع في التحرّك قبل أن تنفلت الأمور من تحت السيطرة، وتتحوّل سوريا إلى حاضنة جديدة للجماعات الإسلامية المتطرفة، المعادية للغرب ونظامه السياسي ومصالحه الاقتصادية.
انطلاقاً من جملة هذه المعطيات، يمكن القول إنه لن يكون هناك بعد اليوم حديث عن مبادرات سياسية وحلول سلمية، وإن حظوظ المعارضة السورية باتت تتضاعف في حسم النزاع لمصلحتها، وربما تكون هي الأسباب نفسها التي دفعت نبيل العربي إلى القول إن انهيار نظام الأسد بات وشيكاً، وذلك للمرة الأولى منذ دخول الجامعة العربية على خط الأزمة.
‘ كاتب سوري