هل بدأت نهاية الاستبداد العربي؟
سمير التنير
هبت على أقطار الوطن العربي، منذ شهرين، نسائم حرية، بدت في البدء ضعيفة ثم تحولت الى عاصفة عاتية أخذت في طريقها كل شيء. كان الوضع في الوطن العربي يبدو صامداً والأزمات تتراكم من دون حلول. لكن العاصفة التونسية أجبرت بن علي على الهروب وفرعون مصر، غادر الى فيلا في شرم الشيخ. فرض الشبان نظاماً جديداً، بعد ان كسروا جدار الخوف. وحطموا الفساد والمفسدين، طالبين الحرية والخبز مع الكرامة. وكان الحكام المستبدون يقولون للغرب: «إما نحن.. او الإرهاب الإسلامي».
كان بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل والملك عبد الله ملك العربية السعودية يريدان فرض صمت المقابر على المنطقة، ولكن الأحداث اظهرت لهما ان لا مستقبل لحكام الاستبداد. وأن مقولة «نهاية التاريخ» التي راجت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأن القطب الأوحد الأميركي سيعيد تشكيل العالم كما يريد، طروحات خاطئة ومزورة.
ينظر الحاكم العربي (مهما كان نوعه) الى السلطة بوصفها ملكاً له، وإلى الدولة بوصفها سلعة يحق له التصرف بها للإثراء الذاتي او للتوريث. من هنا كان الإلحاح على البقاء في السلطة لعدم خسارة تلك الثروات الخيالية. أما الطريقة التي اقتلع بها الشبان الثائرون حكامهم فكانت: «الانقلاب الشعبي».
بالقرب من بوسطن يجلس رجل طاعن في السن، في بيت متواضع، وهو يكتب للشبان الثائرين في تونس والقاهرة انجيل الحرية. اسم الكاتب جين شارب وعنوان الكتاب «من الدكتاتورية الى الحرية.. الطرق العملية للوصول إلى الديموقراطية» وفي الكتاب 198 وسيلة وأسلوب عمل وخطة وقد تبنى احمد ماهر احد زعماء حركة الشبان في مصر بعضاً منها.
يضع المؤلف في كتابه تحليلاً واسعاً لهيكل الدكتاتوريات وكيفية تدميرها وكسرها. اذ ان النظام الدكتاتوري يكون مسيطراً على كافة مفاصل الدولة. والثورة السلمية عند قيامها يجب ان تبعد تدريجيا سيطرة رجال السلطة على تلك المفاصل. وأن تنتبه لعدم وصول دكتاتور جديد مكان السابق.
انتصرت الثورات السلمية في صربيا وأوكرانيا وجورجيا ومصر وتونس (بصرف النظر عن اختلاف الأهداف). ورأى اوباما ان الملوك في المنطقة سينجون على الأغلب من تلك الثورات، بينما يسقط رؤساء الجمهوريات. لماذا؟ يرى اوباما ان النظام الملكي يستطيع تغيير الحكومات وتعديل الدساتير. انه نظام مرن ويقبل التسويات.
لم يعد بوسع أميركا الآن مساندة الحكام الدكتاتوريين، كما كان الأمر زمن الحرب الباردة. والتأييد اليوم يأتي سرياً، اما علنا فيجري تأييد الانتقال الى الحكم الديموقراطي لفظيا.
وأخيراً نود ان ندرج بعض الملاحظات على حديث للدكتور بول سالم (جريدة «السفير» 3 آذار 2011) اذ يقول: «ان وضع الاردن يشبه حال الأنظمة حيث توجد إمكانية للتفاعل مع المطالب الشعبية من دون إمكانية تغيير النظام، لان النظام الملكي لا يقوم على انتخاب الملك من الشعب، بل يبقى عبر مصداقية تاريخية دينية معينة» والإجابة هي انه في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لا يمكن التحدث عن شرعية تاريخية للملوك والأمراء العرب. إذ أتت بهم الى الحكم الدول الاستعمارية القديمة (انكليزية وفرنسية) في اعقاب الحرب العالمية الأولى وبعد انهيار السلطنة العثمانية. ان من كان يحكم (ولا يزال يحكم حتى اليوم) في دول العالم العربي هو مافيات سلطوية مؤلفة من رأس النظام ومن وزراء ورجال أعمال كان همهم الاول نهب الشعوب وتهريب ثرواتها الى الخارج. فما الفرق بين أن يكون رئيس المافيا رئيس جمهورية او ملكاً ما دام مضمون تلك السلطة واحداً؟
ويقول الدكتور بول سالم أيضاً «ولكن بعد ان تبين إمساك الجيش المصري بزمام الأمور وخصوصاً في المرحلة الانتقالية وان الثورات هي شعبية تطالب بالديموقراطية وحقوق الإنسان ولا تحمل في اولوياتها الشأن الإقليمي والدولي» والإجابة هي إذا كان القصد معاهدة كمب دايفيد، فإن قيادة الجيش المصري او الحكومة الانتقالية لا تستطيع إلغاء المعاهدة. ولكن النظام الجديد بحكومة جديدة منتخبة ورئيس جمهورية جديد منتخب يستطيع فعل ذلك. وكل الدلائل تشير الى ان تلك المعاهدة المشؤومة هي في طريق الإلغاء.
ويقول الدكتور بول سالم أخيراً: «لا شك في ان الولايات المتحدة تكبدت صدمة وانتكاسة في نفوذها الإقليمي. ولكن لا يوجد طرف آخر يكسب من هذه الخسارة».
السفير