صفحات العالم

هل تضغط واشنطن على المعارضة السورية للذهاب إلى موسكو؟/ حسين عبد الحسين

 

 

ثارت ثائرة وزارة الخارجية الأميركية بسبب تقارير صحافية تحدثت عن قيام مبعوثها الخاص الى سوريا دانيال روبنستين، اثناء زيارته أوروبا ولقائه معارضين سوريين قبل أسبوعين، بحثّهم على المشاركة في “مؤتمر موسكو” حول الأزمة السورية، المزمع عقده أواخر الشهر الحالي.

“السيد روبنستين”، قالت الخارجية في بيان بعربية ركيكة، “مسافر في أوروبا حالياً ويجري مشاورات في إطار تواصله الاعتيادي مع مجموعة واسعة من السوريين، لكن للتوضيح، فإن الولايات المتحدة لا تقوم بتهيئة ولا فرض أي وفد من المعارضة لحضور الاجتماعات التي تجري مناقشتها من قبل الروس”.

ماذا يفعل “السيد روبنستين” مع المعارضين السوريين إذا؟ هل يعمل على تجنيد خمسة آلاف مقاتل من المعارضة السورية المعتدلة لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” فقط دون غيره، حسب التصريحات الأميركية السابقة التي لم يعد المسؤولون الاميركيون يكررونها هذه الايام؟

سياسة وزارة الخارجية حول سوريا يلخصها بيان مقتضب على موقع “السفارة الأميركية في دمشق” على فايسبوك في اليوم الأخير من سنة 2014. “ستواصل الولايات المتحدة وقوفها معكم وقيادة الجهود الدولية لتلبية الحاجات الإنسانية وهزيمة داعش والتوصل الى حل سلمي للنزاع”، قال البيان.

وإذا كانت هذه هي سياسة أميركا في سوريا، فما حاجة لقاءات روبنستين مع السوريين في أوروبا؟ فالسوريين بالكاد يمكنهم الاستحصال على جوازات تخولهم السفر بين البلدان، ويفتقدون لأي ثقل ديبلوماسي أو عالمي يذكر في موضوع توفير الأموال اللازمة للحاجات الإنسانية للشعب السوري، وقواتهم المقاتلة – التي تمنع عنها واشنطن التمويل والتسليح- سبق أن تعرضت لهزائم على أيدي داعش و”جبهة النصرة” المرتبطة بالقاعدة.

أما المتبقي الوحيد الذي يمكن للمعارضين السوريين المدنيين تقديمه فهو مشاركتهم في المؤتمرات الدولية المقررة لحل “النزاع”، وهو في الغالب ما ذهب روبنستين من أجله الى أوروبا. أما إذا تأملنا موقف أميركا من المؤتمرات السابقة المماثلة، فلوجدناها في طليعة من مارسوا ضغوطاً على “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة” في مؤتمر “جنيف 2” قبل عام، لحمل المعارضين على التخلي عن شرط خروج الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم كمقدمة لأي “حل للنزاع”، وهو ما قاله السفير الأميركي السابق في سوريا.

“ذهبنا إلى جنيف في يناير وفبراير، ووضعت المعارضة على الطاولة امام الأمم المتحدة اقتراحاً مكتوباً لحكومة وحدة انتقالية، ولم يطلب الاقتراح من بشار التنحي”، قال فورد في مقابلة، وتابع: “حاولت الأمم المتحدة حمل النظام على قبول التفاوض كمخرج للأزمة السورية، لكن النظام رفض قطعيا التفاوض”.

يقول فورد، كمن سبقه من ديبلوماسيين عملوا على سوريا، انه خرج من الحكومة بسبب الموقف الملتبس لواشنطن حول الأزمة السورية، وهو ما سمح له الادلاء بتصريحات حول حقيقة الموقف الأميركي. أما السيد روبنستين وجهاز الخارجية الإعلامي، فهم مثل فورد قبل تقاعده، قد يقولون ما لا يؤمنون به بالضرورة، وهو ما يعرف بالرياء، ولكن للديبلوماسية ضروراتها.

على ان المتابع للسياسة الأميركية الخارجية عموماً يعلم أن هذه المناورات الكلامية الصادرة عن وزارة الخارجية هي من باب “تأدية الواجب”، فموقف الوزير جون كيري حول سوريا كان واضحاً منذ جلسة الاستماع حين تسلم منصبه، قبل عامين، عندما قال أن لا تغيير في سوريا قبل أن “يقرأ الأسد الكتابة على الحائط” أن لا مستقبل له فيها، أي بكلام آخر، لا تغيير قبل تغيير موازين القوى العسكرية على الأرض لمصلحة المعارضة، وهو ما يبدو ان الرئيس باراك أوباما يعارضه معارضة كلية.

لذا، مع تهميش وزارة الخارجية وإجبار وزير الدفاع تشاك هيغل على التقاعد، تصبح السياسة الخارجية الأميركية بيد حفنة من المختبئين إعلامياً من العاملين في “مجلس الأمن القومي” التابع للبيت الأبيض. في هذا المجلس من يرون في “مؤتمر موسكو” خلاصاً وحيداً “للنزاع في سوريا”. هؤلاء، لا يحتاجون للسفر الى أوروبا، بل تكفيهم الاتصالات الهاتفية لممارسة الضغط الكافي على المعارضين السوريين للمشاركة في المؤتمر المصمم لإنقاذ الأسد وإعادة تأهيله.

أما لو كانت سياسة واشنطن حول سوريا مختلفة عن تسوية لا تمانع بقاء الأسد، فلكان ممكناً للمسؤولين الأميركيين قول ذلك علانية وصراحة، لا أن يكتبوا سطرين على فايسبوك يتهمون فيها “مصادر إعلامية مشكوك فيها” بتلبيس روبنستين والولايات المتحدة مواقف لا يمكن لأميركا ان تنفيها صراحة.

صحيح أن الولايات المتحدة قد “لا تفرض” على المعارضة السورية المشاركة في “مؤتمر موسكو”، لكن صمتها يتماهى مع موافقة الآخرين المشاركة، من الأسد وإيران الى مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستفان دي مستورا، الذي يعرف كثيرون انه يعمل بتنسيق مع نفر لا بأس به من أصحاب القرار الاميركيين في الوضع السوري.

“المصادر الإعلامية” التي هاجمتها وزارة الخارجية الأميركية قد تكون استبقت أمرها أو ضخمت تقاريرها، ولكن موافقة واشنطن على مؤتمر موسكو لا تحتاج الى مصادر ولا تحليلات، بل هي بادية للعيان، والقول عكس ذلك يحتاج الى موقف أميركي صريح. أما في غياب موقف كهذا، فيكفي واشنطن الاستخفاف بعقول السوريين وعامة البشر.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى